كثير من التركيز على الانتشار النووي، قليل جدا من الطاقة

By P. R. Kumaraswamy (AR), April 5, 2012

تميل الحكومات الغربية بصفة خاصة والمجتمع الدولي المعني بعدم انتشار الأسلحة النووية بصفة عامة إلى اعتبار كل دولة نامية تسعى لامتلاك الطاقة النووية تشكل خطراً محتملا لانتشار الأسلحة النووية. هذا الموقف ليس في محله لعدة أسباب: أولا، أنه أخفق في إدراك الحاجة الملحة لتلبية الطلب المتزايد على إمدادات الطاقة التي يواجهها العديد من الدول النامية. ثانيا، إنه يصرف الانتباه عن مسألة مشروعية وجود ممارسات أمان ضعيفة في المفاعلات النووية في الدول النامية. ثالثا: إنه يعزز انقسام العالم بناء على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية إلى “دول تمتلك” الطاقة النووية وأخرى “لا تمتلك”.

طاقة منخفضة. توجد في العالم النامي عدة دول في حاجة ماسة جدا ودائمة للطاقة. في الهند، مثلا، أدى تحرير الاقتصاد على مدى العقدين الماضيين إلى ارتفاع الطلب على الطاقة ارتفاعا هائلا، بحيث لا يمكن توفيره من خلال الكهرباء المستمدة من الوقود التقليدي فقط. بالتالي، أصبحت المناطق الحضرية في البلاد تتعرض بشكل روتيني لانقطاع الكهرباء المتكرر (وهو ما يعرف أيضا بـ “تخفيف الأحمال”). هذه الانقطاعات المتكرر للتيار الكهربائي، الشائعة خصوصا خلال أشهر الصيف الحارة، يجبر العديد من أصحاب الأعمال للجوء لخيارات احتياطية لتأمين الكهرباء، مثل مولدات الديزل. مثل هذه الترتيبات تعد مكلفة وملوثة وتشكل عبئا على اصحاب الأعمال وعلى اقتصاد البلاد ككل. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على البلاد استيراد حصة كبيرة من الوقود الاحفوري الذي تستخدمه، بما في ذلك نحو 70 في المئة من النفط الذي تستهلكه وهذا يؤدي الى تفاقم العجز التجاري للبلاد.

الصين ،ايضا، أصبحت تعاني عجزا في الطاقة بسبب نموها الاقتصادي السريع.. دول نامية أخرى، مثل الأردن لديها موارد محدودة للطاقة لتبدأ بها. لكن مهما تكن الظروف، يجب على العديد من الدول النامية زيادة إمداداتها من الطاقة إذا ما أرادت تحقيق واستدامة نموها الاقتصادي وتحقيق تطلعات شعوبها.

ومما يؤسف له إن جميع الخيارات المتاحة لزيادة إمدادات الطاقة تمثل مشكلة من نوع ما،  فالنفط مصدر للتلوث، والمستورد منه يخضع لتقلبات كبيرة في الأسعار، كما أن الاعتماد على النفط الأجنبي يصبح ذا إشكالية كلما حدث صراع أو توتر في الخليج العربي. أما الفحم فهو أكثر تلويثا من النفط، الطاقة الكهرومائية، في الوقت نفسه، تعتمد على تقلبات سقوط الأمطار، والدولة التي تعتمد على الطاقة الكهرومائية يمكن أن تعاني نقصا حادا في الكهرباء خلال فترات الجفاف. أما مصادر الطاقة البديلة مثل الرياح والطاقة الشمسية، والوقود الحيوي لم تترسخ بعد بسبب ما تستلزمه من استثمارات كبيرة والمشاكل المتعلقة بجدواها التجارية.

لذلك، فإن الطاقة النووية – ببساطة ووضوح – تعتبر بالنسبة للعديد من الدول النامية وسيلة عملية لزيادة امداداتها من الطاقة، وبالتالي تمكين تقدمها الاقتصادي. ومع ذلك، فإن جزءا كبيرا من المجتمع الدولي يبني مخاوفه المتعلقة بالانتشار النووي على برامج الطاقة النووية والتي لا تستحق مثل هذه المخاوف. لا شك أن المخاوف من الانتشار النووي لها ما يبررها في بعض الحالات. إيران تخطر فورا على البال. كذلك الهند التي بدأت برنامجها للطاقة الذرية بهدف معلن وهو استخدامها في الأغراض السلمية فقط، لكن في نهاية المطاف بدأت برنامجا للأسلحة النووية تحت نفس الإدعاء (مع أنه لا يعتقد أن المواد الانشطارية  للأسلحة النووية الهندية تأتي من مفاعلات إنتاج الطاقة). ومع ذلك، فليست كل الدول التي سعت لامتلاك الطاقة النووية في الماضي سعت لامتلاك القدرة لإنتاج أسلحة نووية. وفي الحقيقة، إن امتلاك بعض الدول للطاقة النووية لم يثر تقريبا أية مخاوف بشأن الانتشار النووي، واقل من ذلك بكثير للقلق من حدوث الانتشار نفسه.

وتعد اليابان مثالا على ذلك. ففي حالتها، اختفت مخاوف الانتشار النووي لأن الجيش الأمريكي أبقى على تواجده في هذه الدولة، كما عملت الولايات المتحدة كضامن للأمن في المنطقة. لكن هذه العوامل وحدها لم تكن كافية لإنهاء مخاوف الانتشار، بل كان العامل الحاسم هو القرار الذي اتخذته اليابان بعد الحرب بنزع الطابع العسكري من سياستها الخارجية، وتحسين علاقاتها الهشة مع جيرانها. وهكذا، كان ينظر في الخارج إلى تطوير اليابان للطاقة النووية كجزء لا يتجزأ من سياسة اليابان الاقتصادية، وليس كجزء من سياستها الإستراتيجية. في الوقت الحاضر يمكن أن تحاول دول أخرى محاكاة هذا النموذج، إلا أن ذلك يتطلب استعداد تلك الدول لانتهاج سياسات تتسم بالشفافية والمصداقية تكون مفتوحة أمام الرقابة الدولية.

السلامة أخيرا. على أية حال، فإن المشكلة الرئيسية التي تمثلها الطاقة النووية في معظم الدول النامية لا تكمن في الانتشار لكن في أمان المفاعلات. إذ إن فكرة السلامة العامة في كثير من الدول النامية تقابل باللامبالاة. فمثلا نجد أن معدلات الحوادث التي تقع بأنظمة السكك الحديدية الوطنية في الهند والصين تسجل ارتفاعا بصورة غير مقبولة، لكن هذا لم يردع الملايين من الناس من ركوب القطارات يوميا. وبالمثل، فالمواقف المتسامحة تنطبق على الأمان النووي، وتتفاقم هذه المشكلة في كثير من الحالات بسبب عدم كفاية التمويل. بالتالي، فبعض برامج الطاقة النووية في العالم النامي تقبل بالحلول الوسط بشأن المعايير، وتستخدم موادا غير ملائمة، وتعاني من الفساد، وعموما تفشل فشلا ذريعا في الامان النووي.

مما يزيد الأمور سوءا، أن بعض هذه المنشآت النووية واقعة في مناطق عرضة للزلازل. في حين أن هذا ينطبق أيضا على اليابان، بطبيعة الحال، فإن المنظمين الحكوميين يطبقون معايير بناء صارمة تهدف للحد من تلف البنية الهيكلية عند حدوث زلازل، بما في ذلك الأضرار التي قد تلحق بمحطات الطاقة النووية. هذا النوع من الصرامة لا يتم المحافظة عليه في الدول الأكثر فقرا. مع ذلك، فالحادث الذي وقع في محطة فوكوشيما دايتشي اليابانية للقدرة النووية أظهر الصعوبات التي يمكن أن تواجهها  حتى الدول الأكثر تقدما في إدارة كارثة نووية. أما الدول الأقل تقدما فستواجه حتما تحديات أكبر في ظل ظروف مماثلة.

من الامور المشجعة أن كارثة فوكوشيما قد زادت من الوعي العام بقضايا الأمان النووي في العالم النامي. فالاحتجاجات في الهند ضد منشأة كودانكولام النووية وهي قيد الإنشاء في ولاية تاميل نادو الجنوبية تعد إحد مظاهر مثل ذلك الاهتمام الشعبي. (ما زاد من مخاوف الناس هناك هو تأثر هذه المنطقة بكارثة تسونامي المحيط الهندي عام 2004). نأمل أن تؤدي مثل هذه المشاركات الشعبية في نهاية المطاف إلى تحسين ظروف الأمان في المنشآت النووية في العالم النامي.

لا توجد تقنية محصنة ضد الحوادث، ولا يسلم أي تقدم من الخطر. والأمان النووي هو ببساطة مجال آخر من التقنية، وهو – باعتراف الجميع، مجال معقد ومكلف – ويمكن أن يحرز فيه تقدم بمرور الزمن. لكن على المدى القصير، فإن عدد الدول القادرة على توفير الطاقة النووية لسكانها محدود، وبالتالي، ينبغي أن نتمكن من توجيه تحديات الأمان النووي في هذا العدد المحدود من الدول على نحو مرض.

من ناحية أخرى، يجب على المجتمع الدولي التخلي عن موقفه التقليدي الذي تكون بموجبه أية دولة تسعى لامتلاك الطاقة النووية ناشرا محتملاً للأسلحة النووية. لقد تطورت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية إلى اتحاد احتكاري بين “مالكي” الأسلحة النووية، لكن لا ينبغي أن يحدث الشيء ذاته عندما يتعلق الأمر بالطاقة النووية. إن الانتشار النووي، بلا شك، لا يزال يشكل مصدر قلق مشروع في حالات قليلة، ويجب إخضاع جميع مفاعلات الطاقة النووية لنظام تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن يجب ألا تعيق المخاوف الخاطئة من الانتشار النووي الجهود المشروعة التي تبذلها الدول النامية لتلبية احتياجاتها العاجلة من الطاقة.



 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]