الأمن في العهد الجديد

By Anthony Turton (AR), September 11, 2012

احتلت قضية الأمن اهتماماً بارزاً في عدة مقالات بهذه المائدة المستديرة. وقد ناقش وانج هايبن نظرة الأشخاص من الطبقات الاقتصادية المختلفة إلى المخاطر التي تهدد الأمن الشخصي التي تفرضها قضايا تغير المناخ والطاقة النووية. وقد بين هيرا بهادور ثابا بالتفصيل التهديدات التي تواجه نيبال نتيجة للوضع الأمني غير المستقر في جنوب آسيا. وكنت قد كتبت عن القيود الشديدة التي تفرضها جنوب أفريقيا على المياه، والتي، من وجهة نظري، تهدد الأمن الاقتصادي للبلاد بل وتهدد بقائها — والتي أرى أيضاً أنه يمكن تخفيفها من خلال إنشاء مرافق تحلية مياه تعمل بالطاقة النووية (وربما تضائلت مخاوف الانتشار بسبب استخدام الثوريوم كوقود).

يمتلك الإنسان القدرة على تعزيز أمنه من خلال وسائل متطورة غير متوفرة لدى المخلوقات الأخرى. خلال عصر الهولوسين — تلك الحقبة الجيولوجية التي شهدت استقراراً نسبياً لحالة المناخ في الأرض — تعلم الانسان زراعة المحاصيل الغذائية وإدارة المياه وبناء الملاجئ الدائمة التي ساعدت على تخفيف الخطر البيئي. تقدم تقني كهذا جعل البشرية هي النوع السائد بين الأنواع الأخرى؛ فالقدرة على تحقيق الاستفادة والتحكم تعد عنصراً أساسياً لنجاح الإنسان.

هذه القدرة أيضا تجعل بني البشر النوع الوحيد الذي يتمسك بالأمن كشرط أساسي للوجود. وتتميز حياة الأنواع الأخرى بالإنعدام الفطري للأمن؛ ونتيجة لذلك تطورت لديها مجموعة من استراتيجيات التكيف. ومن بين أكثر الاستراتيجيات نجاحاً هي تلك التي تقضي بتعاون افراد النوع الواحد عند مواجهة تهديداً مشتركاً. أعتقد أنه سيتعين على الانسان تبني استراتيجيات التعاون المستخدمة لدى الأنواع الأخرى من أجل مواصلة النجاح ، على الرغم من أن سبب نجاحه تكمن في قدرته على تحقيق الاستفادة القصوى من بيئته.

الهيمنة والحكمة.أكدت في مقالي الثاني في هذه المائدة المستديرة أن ثمة عملية تحول حدثت من حقبة الهولوسين إلى حقبة الأنثروبوسين. بمعنى، أن الجنس البشري بدأ يعمل على تحقيق الإستفادة القصوى من بيئته على نطاق عالمي — وظهرت تحديات أمنية جديدة، مثل تغير المناخ، كجزء من عملية التحول هذه. هذه التحديات تؤثر على الأفراد الذين يعيشون داخل نظم بيئية معينة، لكن كل نظام بيئي يندرج ضمن منظومة المناخ العالمي؛ حتى الاقتصادات الوطنية يمكن أن ينظر إليها  كشركات تابعة مملوكة بالكامل للنظام البيئي العالمي. وهكذا، وعلى الرغم من أن التحديات الأمنية الجديدة لللأنثروبوسين ستتجلى غالباً في أشكالاً محلية، إلا أنه يجب أن لا نغفل الاعتبارات العالمية عند معالجتها. ان الجهود الرامية إلى تحقيق التوازن بين المحلي والعالمي من المرجح أن تؤثر على النظم السياسية على مختلف الأصعدة.

هذا يعيد النقاش مرة أخرى حول قضية الطاقة النووية. هل ستدفع المخاطر الأمنية التي تفرضها ظاهرة الاحتباس الحراري الناس إلى قبول مخاطر الحوادث الأكثر تمركزاً في مرافق الطاقة النووية؟ هل ستتأثر حسابات الناس من خلال تحسين الرقابة النووية والتقدم المستمر في مجال الهندسة؟ هل من الصحيح وصف قبول الاعتماد على الطاقة النووية كنوع من السلوك التعاوني الذي يتعين على بني البشر الالتزام به إذا ما أرادوا مواصلة الازدهار؟ في رأيي، الإجابة على هذه الأسئلة تبدأ من القبول بأن الجنس البشري هو النوع السائد عالمياً، ومن ثم التصرف على هذا الأساس بالحكمة. وإذا ما أردنا تطبيق الحكمة على مسائل القضايا النووية، فقد يعني ذلك تبني المزيد من التطوير للتقنية النووية السلمية ورفض التسليح (وبتطبيق هذا المبدأ على قضية المياه، فقد يقتضي الأمر أن يتصرف الناس كحراس له، بدلا من ان يكونوا مجرد مستهلكين يعتبرون الماء الذي تغير لونه غير صالح للاستهلاك.)

في الوقت نفسه، ومن أجل مواجهة التحديات الأمنية التي تواجه الأنثروبوسين، يجب على بني البشر استغلال عبقريتهم في احراز المزيد من التقدم التقني بسرعة فائقة، ويجب على المؤسسات تحفيز هذا التقدم في ظل غياب الطلب في السوق. هذا الهدف صعب المنال، ولا بد من معالجته في سياقات متفاوته، على المستويين العالمي والمحلي. وستكون هذه المهمة أسهل إذا أدرك الانسان وجود ترابط بين النظم البيئية، والطبيعة المتداخلة لهذه التهديدات والفرص. يجب أن تكون الانسانية شجاعة بما فيه الكفاية لاستكشاف آفاق جديدة من العلم بحكمة تكفل صياغة أمن جماعي لا يعتمد تحقيقه على تطوير الأسلحة.



 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]