إعادة المعالجة في الصين: رحلة طويلة وخطيرة
By Hui Zhang: AR |
كانت دورة الوقود المغلقة عنصرا رسميا لسياسة الصين للطاقة النووية منذ عام 1983. ووفقا للمؤيدين، فإن إعادة معالجة البلوتونيوم والمفاعلات المولدة السريعة سوف تتيح الاستفادة الكاملة من موارد اليورانيوم الصينية، وسوف تحد بشكل كبير من حجم النفايات المشعة التي يجب أن يتم تخزينها في مستودع تحت الأرض، وسوف توفر وسيلة للاستغناء عن الوقود المستنفد المتراكم في أحواض المفاعلات الصينية. لكن محاولات بكين لتطوير منشآت لإعادة المعالجة ومفاعلات مولدة سريعة مجدية تجاريا مُنيت بصعوبات تقنية وتأخيرات جسيمة وتجاوز في التكاليف. في هذه المرحلة— خاصة مع مراعاة أن الصين تزخر بموارد وافرة من اليورانيوم وسهولة حصولها على موارد إضافية من الخارج— يبدو من المشكوك فيه للغاية أن إعادة المعالجة والمفاعلات المولدة السريعة هو المسار الصحيح لقطاع الطاقة النووية في الصين للمضي قدما.
ليس وفقا للخطة. في عام 1986، وافق مجلس الدولة الصيني على بناء مفاعل مدني تجريبي لإعادة المعالجة في مجمع جيوتشيوان النووي في مقاطعة قانسو. بدأ بناء المفاعل، والمصمم لإنتاج 50 طن متري من المعدن الثقيل سنويا، في عام 1998 واكتمل في عام 2005. لكن عملية البناء واجهت صعوبات وتأخيرات وتكاليف أعلى من المتوقع. وفي النهاية تم إجراء اختبار ساخن في عام 2010— أي بعد 24 عاما من الموافقة على المشروع. إلا أنه بعد مرور 10 أيام فقط من بدء التشغيل وفصل أقل من 14 كجم من البلوتونيوم، ظهرت مشاكل جديدة. وبنهاية شهر فبراير عام 2015، لم تُستأنف إعادة المعالجة. إذ تشير الدلائل إلى أن قدرة إعادة المعالجة السنوية للمصنع بعد استئناف التشغيل قد تكون أقل بكثير من كمية الـ 50 طن متري من المعدن الثقيل التي كانت مستهدفه في الأساس.
وبشكل منفصل، تتفاوض المؤسسة النووية الوطنية الصينية (سي إن إن سي) منذ عام 2007 مع شركة أريفا الفرنسية من أجل شراء مفاعل تجاري لإعادة المعالجة قادر على إنتاج 800 طن من المعدن الثقيل سنويا. وقد تم التوقيع على سلسلة من الاتفاقيات، لكن يبقى السعر نقطة الخلاف. كما أنه ليس هناك إجماع من الخبراء الصينيين على ما إذا كان يتعين على الصين استيراد مفاعل تجاري لإعادة المعالجة من الأساس. فالبعض يود تسريع الصفقة، بينما يعتقد البعض الآخر أنه يجب على الصين إعطاء الأولوية للتقنية المحلية من أجل الحفاظ على الاستقلال. في الواقع، بدأت المؤسسة النووية الوطنية الصينية، حتى في خضم مفاوضاتها مع أريفا، في التخطيط لمفاعل إيضاحي متوسط الحجم لإعادة المعالجة، وذلك باستخدام المفاعل التجريبي كأساس له. لم تتم الموافقة على الاقتراح من قبل الحكومة، لكن على أية حال أصبح مستقبل صفقة أريفا واضحا.
وبالتزامن مع تطوير المفاعل التجريبي لإعادة المعالجة، ظلت الصين تعمل على إنشاء مفاعلات مولدة سريعة لانتاج البلوتونيوم تكون مجدية تجاريا. ووفقا لخطة كانت موضوعة حتى عام 2013، كان يفترض أن يتم تطوير المفاعلات المولدة السريعة وفقا لعملية مكونة من ثلاث مراحل. كانت المرحلة الأولى معنية بإكمال مشروع معروف باسم المفاعل المولد السريع التجريبي الصيني. والمرحلة الثانية تشمل بناء عدد قليل من المفاعلات المولدة السريعة الإيضاحية بحلول عام 2020. وأخيرا، يتم نشر المفاعلات المولدة السريعة التجارية بحلول عام 2030. لكن تقدم العمل كان دائما متخلفا عن جداول المواعيد.
المفاعل المولد السريع التجريبي الصيني هو مفاعل مولد سريع تجريبي يستعمل الصوديوم كمبرد ويستخدم التقنية التي طورت لمفاعل (بي إن-600) الروسي. في عام 1995، تمت الموافقة على المشروع، الذي تبلغ قدرته المخطط لها 20 ميجاواط. بدأ البناء في عام 2000. وكما كان الحال مع المفاعل التجريبي لاعادة المعالجة، واجه المفاعل المولد السريع التجريبي العديد من الصعوبات أثناء عملية البناء. إذ تم تعديل تقديرات تكلفة رأس المال مرتين، وفي كل مرة بلغت التقديرات ضعف سابقتها. وصل المفاعل إلى الحالة الحرجة في يوليو 2010، وفي يوليو 2011، تم دمج 40 في المئة من كامل طاقته في شبكة الكهرباء. وبرغم ذلك، اشتغل المفاعل لمدة 26 ساعة فقط خلال الفترة المتبقية من عام 2011، وأنتج ما يعادل ساعة واحد فقط من كامل طاقته. ولم يتمكن المفاعل من العمل بكامل طاقته لمدة 72 ساعة إلا بحلول ديسمبر 2014. إذن فقد مرّ 19 عاما ما بين الموافقة على المشروع وتشغيله بكامل طاقته.
أما بالنسبة للمرحلة الثانية من الخطة الموضوعة قبل عام 2013، فقد وقعت المؤسسة النووية الوطنية الصينية في عام 2009 اتفاقا مع شركة روساتوم الروسية للمشاركة في بناء نسختين من مفاعل النيوترونات السريعة بي إن-800 الروسي في الصين. لكن بكين لم توافق رسميا على المشروع. وكما كان الحال مع مفاعل إعادة المعالجة الفرنسي، اشتكى الخبراء الصينيون من أن روسيا تطالب بثمن باهظ. وليس من الواضح ما إذا كان المشروع سوف يمضي قدما. بدلا من ذلك، بدأت المؤسسة النووية الوطنية الصينية في عام 2013 في التركيز على تطوير المفاعل المولد السريع المحلي الصيني (سي إف آر-600) بقدرة 600 ميجاواط. ومن المتصور أن يبدأ بناؤه عام 2017، على أن يبدأ تشغيله في عام 2023— لكن لم توافق الحكومة على المشروع حتى الان.
لقد حث خبراء في المؤسسة النووية الوطنية الصينية، منذ عام 2013، على تطوير أول مفاعل مولد سريع تجاري للصين— بقدرة 1000 ميجاواط وذلك اعتمادا على الخبرة المكتسبة من مفاعل (سي إف آر-600). لكن جو تشونج ماو— أحد الخبراء في المؤسسة النووية الوطنية الصينية وأحد المؤيدين لدورة الوقود المغلقة— قال مؤخرا خلال ورشة عمل في مجال الطاقة النووية في شرق آسيا إن "الصين تحتاج على الأقل ما بين 20 إلى 30 عاما من الجهد قبل القيام بتسويق أنظمة مفاعلات الطاقة السريعة، فهناك الكثير من الشكوك أمامنا. إذ ليس في مقدورنا أن نرسم صورة واضحة للـ 20 عاما المقبلة".
لمَ العجلة؟ هل يجب على الصين أن تستمر في متابعة خططها بشأن المفاعلات المولدة السريعة وإعادة المعالجة التجارية؟ توجد أسباب وجيهة لتجنب هذا الإجراء. أولا، لأن معظم مفاعلات الطاقة في الصين قد بنيت حديثا، ستواجه بكين ضغوطا قليلة على مدى العقدين المقبلين للحد من عبء وقودها المستنفد. كما يمكن تخزين الوقود المستنفد بأمان، وبتكلفة منخفضة، في براميل جافة— أو التخلص منها بأمان في مستودع جيولوجي عميق.
ثانيا، لا تواجه الصين أي نقص في موارد اليورانيوم في المستقبل المنظور. فقد ازدات الموارد المحددة في البلاد لأكثر من ثلاثة أضعاف في الفترة ما بين 2003 و 2012، من 77,000 طن متري إلى 265,000 طن متري. وتصل احتياطيات اليورانيوم المحتملة في الصين إلى أكثر من 2 مليون طن. كما أمّنت بكين في الآونة الأخيرة موارد ضخمة من اليورانيوم من الخارج— تفوق احتياطها المعلوم من اليورانيوم بثلاثة أضعاف. كما يمكن إضافة المزيد من هذه الاحتياطيات بسهولة.
وعلى أية حال، لا تشكل تكلفة اليورانيوم سوى نسبة صغيرة من تكلفة الطاقة التي تولدها المفاعلات. وببساطة، فإن تكلفة اليورانيوم لن تزيد في المستقبل المنظور إلى المستويات التي من شأنها أن تبرر تكلفة المفاعلات المولدة السريعة وإعادة المعالجة. وبالنسبة لقلق الصين إزاء احتمال حدوث انقطاع في إمدادات اليورانيوم، فإنه يمكنها بسهولة وبتكلفة زهيدة إنشاء مخزون "استراتيجي" من اليورانيوم.
يتعين على الصين أن تدرس بعناية تجارب الدول التي أطلقت برامج ضخمة لإعادة المعالجة وبنيت مفاعلات مولدة سريعة إيضاحية، توقعا منها أن يتبع ذلك استفادة تجارية من هذه المفاعلات. لكن لم تكن هناك استفادة تجارية في تلك الدول— بل تم تكبد نفقات ضخمة لتنظيف مواقع إعادة المعالجة والتخلص من البلوتونيوم المفصول. بالنسبة للصين، لا توجد حاجة ملحة تضطرها لسلوك هذا المسار المحفوف بالمخاطر.
إن إعادة تدوير البلوتونيوم هو أكثر تكلفة، وأقل سلامة وآمانا، من تشغيل مفاعلات الماء الخفيف بواسطة دورة وقود المرة الواحدة. وبالنسبة لمسألة النفايات النووية، فإن براميل التخزين الجاف تعد خيارا آمنا ومرنا ومنخفض التكلفة والذي يمكنه أن يؤجل لعدة عقود الحاجة لإعادة معالجة الوقود المستهلك أو التخلص منه مباشرة— مما يتيح الوقت لتطوير التقنية. ليس لدى الصين مبررات مقنعة تدعوها للتسرع في بناء منشآت لإعادة المعالجة على نطاق تجاري أو مفاعلات مولدة سريعة للبلوتونيوم.