The authoritative guide to ensuring science and technology make life on Earth better, not worse.

الخيار النووي: العالم النامي يوازن بين احتياجات الطاقة والمخاطر الامنية

ddroundtable.png

أكثر من 45 دولة لا تستخدم الطاقة النووية تسعى بجدية الآن لامتلاك هذه الطاقة، و37 من هذه الدول مصنفة كدول نامية من قبل البنك الدولي. علاوة على ذلك، فإن من المتوقع ان تقوم أربع دول نامية هي بنغلاديش وبيلاروسيا وتركيا وفيتنام ببناء منشآت نووية في الأعوام المقبلة. هذا التوسع المحتمل الهائل في القدرات النووية لدى العالم النامي يثير أسئلة صعبة حول الانتشار النووي وسلامة المنشآت النووية والتكلفة. في الصفحات التالية يتناول جيلبرتو جانوزي من البرازيل وشهرمان لقمان من ماليزيا و بي. آر. كوماراسوامي من الهند السؤال التالي: "كيف يمكن توفير الطاقة النووية لتحقيق التنمية الاقتصادية في الدول النامية دون زيادة خطر انتشار الأسلحة النووية؟"

Round 1

كثير من التركيز على الانتشار النووي، قليل جدا من الطاقة

تميل الحكومات الغربية بصفة خاصة والمجتمع الدولي المعني بعدم انتشار الأسلحة النووية بصفة عامة إلى اعتبار كل دولة نامية تسعى لامتلاك الطاقة النووية تشكل خطراً محتملا لانتشار الأسلحة النووية. هذا الموقف ليس في محله لعدة أسباب: أولا، أنه أخفق في إدراك الحاجة الملحة لتلبية الطلب المتزايد على إمدادات الطاقة التي يواجهها العديد من الدول النامية. ثانيا، إنه يصرف الانتباه عن مسألة مشروعية وجود ممارسات أمان ضعيفة في المفاعلات النووية في الدول النامية. ثالثا: إنه يعزز انقسام العالم بناء على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية إلى "دول تمتلك" الطاقة النووية وأخرى "لا تمتلك".

طاقة منخفضة. توجد في العالم النامي عدة دول في حاجة ماسة جدا ودائمة للطاقة. في الهند، مثلا، أدى تحرير الاقتصاد على مدى العقدين الماضيين إلى ارتفاع الطلب على الطاقة ارتفاعا هائلا، بحيث لا يمكن توفيره من خلال الكهرباء المستمدة من الوقود التقليدي فقط. بالتالي، أصبحت المناطق الحضرية في البلاد تتعرض بشكل روتيني لانقطاع الكهرباء المتكرر (وهو ما يعرف أيضا بـ "تخفيف الأحمال"). هذه الانقطاعات المتكرر للتيار الكهربائي، الشائعة خصوصا خلال أشهر الصيف الحارة، يجبر العديد من أصحاب الأعمال للجوء لخيارات احتياطية لتأمين الكهرباء، مثل مولدات الديزل. مثل هذه الترتيبات تعد مكلفة وملوثة وتشكل عبئا على اصحاب الأعمال وعلى اقتصاد البلاد ككل. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على البلاد استيراد حصة كبيرة من الوقود الاحفوري الذي تستخدمه، بما في ذلك نحو 70 في المئة من النفط الذي تستهلكه وهذا يؤدي الى تفاقم العجز التجاري للبلاد.

الصين ،ايضا، أصبحت تعاني عجزا في الطاقة بسبب نموها الاقتصادي السريع.. دول نامية أخرى، مثل الأردن لديها موارد محدودة للطاقة لتبدأ بها. لكن مهما تكن الظروف، يجب على العديد من الدول النامية زيادة إمداداتها من الطاقة إذا ما أرادت تحقيق واستدامة نموها الاقتصادي وتحقيق تطلعات شعوبها.

ومما يؤسف له إن جميع الخيارات المتاحة لزيادة إمدادات الطاقة تمثل مشكلة من نوع ما،  فالنفط مصدر للتلوث، والمستورد منه يخضع لتقلبات كبيرة في الأسعار، كما أن الاعتماد على النفط الأجنبي يصبح ذا إشكالية كلما حدث صراع أو توتر في الخليج العربي. أما الفحم فهو أكثر تلويثا من النفط، الطاقة الكهرومائية، في الوقت نفسه، تعتمد على تقلبات سقوط الأمطار، والدولة التي تعتمد على الطاقة الكهرومائية يمكن أن تعاني نقصا حادا في الكهرباء خلال فترات الجفاف. أما مصادر الطاقة البديلة مثل الرياح والطاقة الشمسية، والوقود الحيوي لم تترسخ بعد بسبب ما تستلزمه من استثمارات كبيرة والمشاكل المتعلقة بجدواها التجارية.

لذلك، فإن الطاقة النووية – ببساطة ووضوح – تعتبر بالنسبة للعديد من الدول النامية وسيلة عملية لزيادة امداداتها من الطاقة، وبالتالي تمكين تقدمها الاقتصادي. ومع ذلك، فإن جزءا كبيرا من المجتمع الدولي يبني مخاوفه المتعلقة بالانتشار النووي على برامج الطاقة النووية والتي لا تستحق مثل هذه المخاوف. لا شك أن المخاوف من الانتشار النووي لها ما يبررها في بعض الحالات. إيران تخطر فورا على البال. كذلك الهند التي بدأت برنامجها للطاقة الذرية بهدف معلن وهو استخدامها في الأغراض السلمية فقط، لكن في نهاية المطاف بدأت برنامجا للأسلحة النووية تحت نفس الإدعاء (مع أنه لا يعتقد أن المواد الانشطارية  للأسلحة النووية الهندية تأتي من مفاعلات إنتاج الطاقة). ومع ذلك، فليست كل الدول التي سعت لامتلاك الطاقة النووية في الماضي سعت لامتلاك القدرة لإنتاج أسلحة نووية. وفي الحقيقة، إن امتلاك بعض الدول للطاقة النووية لم يثر تقريبا أية مخاوف بشأن الانتشار النووي، واقل من ذلك بكثير للقلق من حدوث الانتشار نفسه.

وتعد اليابان مثالا على ذلك. ففي حالتها، اختفت مخاوف الانتشار النووي لأن الجيش الأمريكي أبقى على تواجده في هذه الدولة، كما عملت الولايات المتحدة كضامن للأمن في المنطقة. لكن هذه العوامل وحدها لم تكن كافية لإنهاء مخاوف الانتشار، بل كان العامل الحاسم هو القرار الذي اتخذته اليابان بعد الحرب بنزع الطابع العسكري من سياستها الخارجية، وتحسين علاقاتها الهشة مع جيرانها. وهكذا، كان ينظر في الخارج إلى تطوير اليابان للطاقة النووية كجزء لا يتجزأ من سياسة اليابان الاقتصادية، وليس كجزء من سياستها الإستراتيجية. في الوقت الحاضر يمكن أن تحاول دول أخرى محاكاة هذا النموذج، إلا أن ذلك يتطلب استعداد تلك الدول لانتهاج سياسات تتسم بالشفافية والمصداقية تكون مفتوحة أمام الرقابة الدولية.

السلامة أخيرا. على أية حال، فإن المشكلة الرئيسية التي تمثلها الطاقة النووية في معظم الدول النامية لا تكمن في الانتشار لكن في أمان المفاعلات. إذ إن فكرة السلامة العامة في كثير من الدول النامية تقابل باللامبالاة. فمثلا نجد أن معدلات الحوادث التي تقع بأنظمة السكك الحديدية الوطنية في الهند والصين تسجل ارتفاعا بصورة غير مقبولة، لكن هذا لم يردع الملايين من الناس من ركوب القطارات يوميا. وبالمثل، فالمواقف المتسامحة تنطبق على الأمان النووي، وتتفاقم هذه المشكلة في كثير من الحالات بسبب عدم كفاية التمويل. بالتالي، فبعض برامج الطاقة النووية في العالم النامي تقبل بالحلول الوسط بشأن المعايير، وتستخدم موادا غير ملائمة، وتعاني من الفساد، وعموما تفشل فشلا ذريعا في الامان النووي.

مما يزيد الأمور سوءا، أن بعض هذه المنشآت النووية واقعة في مناطق عرضة للزلازل. في حين أن هذا ينطبق أيضا على اليابان، بطبيعة الحال، فإن المنظمين الحكوميين يطبقون معايير بناء صارمة تهدف للحد من تلف البنية الهيكلية عند حدوث زلازل، بما في ذلك الأضرار التي قد تلحق بمحطات الطاقة النووية. هذا النوع من الصرامة لا يتم المحافظة عليه في الدول الأكثر فقرا. مع ذلك، فالحادث الذي وقع في محطة فوكوشيما دايتشي اليابانية للقدرة النووية أظهر الصعوبات التي يمكن أن تواجهها  حتى الدول الأكثر تقدما في إدارة كارثة نووية. أما الدول الأقل تقدما فستواجه حتما تحديات أكبر في ظل ظروف مماثلة.

من الامور المشجعة أن كارثة فوكوشيما قد زادت من الوعي العام بقضايا الأمان النووي في العالم النامي. فالاحتجاجات في الهند ضد منشأة كودانكولام النووية وهي قيد الإنشاء في ولاية تاميل نادو الجنوبية تعد إحد مظاهر مثل ذلك الاهتمام الشعبي. (ما زاد من مخاوف الناس هناك هو تأثر هذه المنطقة بكارثة تسونامي المحيط الهندي عام 2004). نأمل أن تؤدي مثل هذه المشاركات الشعبية في نهاية المطاف إلى تحسين ظروف الأمان في المنشآت النووية في العالم النامي.

لا توجد تقنية محصنة ضد الحوادث، ولا يسلم أي تقدم من الخطر. والأمان النووي هو ببساطة مجال آخر من التقنية، وهو – باعتراف الجميع، مجال معقد ومكلف – ويمكن أن يحرز فيه تقدم بمرور الزمن. لكن على المدى القصير، فإن عدد الدول القادرة على توفير الطاقة النووية لسكانها محدود، وبالتالي، ينبغي أن نتمكن من توجيه تحديات الأمان النووي في هذا العدد المحدود من الدول على نحو مرض.

من ناحية أخرى، يجب على المجتمع الدولي التخلي عن موقفه التقليدي الذي تكون بموجبه أية دولة تسعى لامتلاك الطاقة النووية ناشرا محتملاً للأسلحة النووية. لقد تطورت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية إلى اتحاد احتكاري بين "مالكي" الأسلحة النووية، لكن لا ينبغي أن يحدث الشيء ذاته عندما يتعلق الأمر بالطاقة النووية. إن الانتشار النووي، بلا شك، لا يزال يشكل مصدر قلق مشروع في حالات قليلة، ويجب إخضاع جميع مفاعلات الطاقة النووية لنظام تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن يجب ألا تعيق المخاوف الخاطئة من الانتشار النووي الجهود المشروعة التي تبذلها الدول النامية لتلبية احتياجاتها العاجلة من الطاقة.

الطاقة النووية: فوائد محدودة ومخاطر انتشار محدودة

أدت كارثة محطة الطاقة النووية فوكوشيما دايتشي إلى إعادة النظر في مسألة امتلاك الطاقة النووية في بعض الجهات بالعالم، إلا أن هذه الحادثة لم يكن لها تقريبا أي تأثير يذكر على كثير من الدول النامية التي لديها برامج للطاقة النووية. يتوقع أن تبدأ كل من بنغلاديش وبيلاروسيا وتركيا وفيتنام في بناء أولى محطاتهم النووية في المستقبل القريب ومن المرجح أن تحذو عدة دول نامية أخرى حذو تلك الدول في السنوات القادمة لكن هل الطاقة النووية مفيدة بالضرورة للتنمية الاقتصادية لتلك الدول؟

يقوم مؤيدوا القدرة النووية غالبا بإبراز قدرتها على توفير الطاقة التي تتطلبها الاقتصادات المتوسعة. في الواقع وفي أحسن الظروف فإن العلاقة بين الطاقة النووية والتنمية الاقتصادية واهية للغاية. صحيح أن محطات القدرة النووية رخيصة نسبيا من حيث التزويد بالوقود والتشغيل، لكن من المعروف أن تكلفة إنشائها عالية جدا. وقد أشار إلى ذلك الفيزيائي البرازيلي جوزيه جولدمبرج إن أي دولة ناتجها المحلي الإجمالي أقل من 50 مليار دولار قد لا تستطيع شراء مفاعل نووي. (أن كثير من الدول النامية الأخرى، حسب جولدمبرج، تعتبر غير مؤهلة لامتلاك الطاقة النووية بسبب عدم كفاية شبكاتها الكهربائية). يضاف إلى نفقات البناء، تجاوز التكاليف الذي يعتبر شيئا معتادا في صناعة المفاعلات النووية: المفاعلات النووية في الولايات المتحدة البالغ عددها 75 والتي بدأ إنشاؤها في الفترة ما بين 1966 و 1977 تجاوزت تكاليف انشائها في المتوسط ​​أكثر من 200 بالمائة. علاوة على ذلك، فقد ارتفعت تكاليف المواد والخبرات اللازمة لبناء المفاعلات النووية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، في ظل زيادة الطلب العالمي على الطاقة النووية.

وبالرغم من هذه الحقائق المالية، تعد القدرة النووية خيارا جذابا لامتلاك الطاقة في عدد من الدول النامية، خاصة تلك الراغبة في تعزيز تأمين إمداداتها من الطاقة. وقد علق على ذلك خبير الطاقة دانيال يرجين بقوله إن العديد من الدول النامية توازن بين تأمين الطاقة والقدرة على الحفاظ على ميزان مدفوعاتها أمام تقلبات أسعار الطاقة. وبالتالي، فإن عددا من الدول النامية، التي لديها إمكانيات محدودة من موارد الطاقة المحلية والتي تتوقع ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي والفحم على المدى الطويل، قد بدأت التفكير في اعتماد الطاقة النووية. في ماليزيا، على سبيل المثال، يرجع الاهتمام بالطاقة النووية في غالبيته إلى احتمالية، ما لم تكتشف الدولة في المدى القريب مصادر جديدة للنفط والغاز (وهو أمر غير مرجح بسبب النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي)، أنها ستصبح مستوردا للطاقة بالكامل بنهاية هذا العقد. وعلى الأرجح، فقد أثرت كذلك المخاوف بشأن تأمين الإمدادات على قرارات فيتنام وبنغلاديش باعتماد برامج الطاقة النووية.

المسألة الشائكة. إن من المؤكد، إذن، أن عددا من الدول النامية سيسعى لامتلاك مفاعلات نووية في السنوات المقبلة. لكن هل سيزيد ذلك بالضرورة من خطر انتشار الأسلحة النووية؟

إن من الصعب القول بخلاف ذلك. لكن ربما لا يكون هذا الخطر كبيرا بدرجة تجعله يستحق تلك المخاوف الشديدة. وقد قيل إنه حتى لو زاد بناء المفاعلات النووية بمقدار عشرة أضعاف فلن يكون لها تأثير كبير على الانتشار النووي، وأن القضية الأساسية التي تمثل خطر الانتشار النووي لا تكمن في عدد الدول التي تستخدم الطاقة النووية، بل في عدد الدول المارقة التي تعتزم تطوير أسلحة نووية. في الحقيقة، المفاعلات النووية، خصوصا مفاعلات الماء الخفيف التي هي الآن معيار الصناعة، لا تمثل مخاطر كبيرة للانتشار النووي في حد ذاتها بل إن الخطر يكمن في منشآت التخصيب وإعادة المعالجة والتي تنتج وقودا للمفاعلات ، لكنها في الوقت نفسه يمكن أن تنتج موادا انشطارية لغايات صنع أسلحة نووية.

إن ذلك يثير سؤالا شائكا: هل ينبغي على الدول التي تعتمد الطاقة النووية أن تحتفظ بمنشآتها الخاصة بتخصيب اليورانيوم وإعادة المعالجة. بعبارة أخرى، هل ينبغي على تلك الدول أن تطور دورة الوقود النووي خاصتها بنفسها. إن معاهدة عدم الانتشار النووي تفترض أن هذه الدول لديها كل الحق في القيام بذلك، إذ تسلم المادة الرابعة بـ "الحق غير القابل للتصرف" لاستخدام "الطاقة النووية للأغراض السلمية". ويفهم عموما من هذه العبارات القوية أن ذلك يشمل دورة الوقود بأكملها.

ومع هذا، فإن الغالبية العظمى من الدول التي تمتلك، أو تخطط لبناء، مفاعلات نووية أظهرت اهتماماً ضئيلا بإقامة منشآتها الخاصة بالتخصيب وإعادة المعالجة، ليس اقلها بسبب الاستثمارات الكبيرة المطلوبة. كما تدرك هذه الدول أن إقامة منشآت جديدة للتخصيب وإعادة المعالجة يضع ضغوطا إضافية على قدرة المجتمع الدولي على مراقبة الامتثال لعدم الانتشار. لذا، فضلّت هذه الدول شراء الوقود الذي تحتاجه من مصادر خارجية.

وبرغم ذلك، فقد أبدت تلك الدول موقفا فاترا تجاه مقترحات لجعل دورة الوقود متعددة الأطراف، سواء كانت هذه المقترحات تتمثل في بنوك الوقود أو إدارة متعددة الأطراف لتلك المنشآت أو ضمانات الإمداد بالوقود. تخشى بعض الدول من أن مثل هذه الترتيبات قد تخلق فجوات لا رجعة فيها بين الدول المزودة والمشترية – ما أوجد تآكلا للحقوق المقررة بموجب المادة الرابعة من المعاهدة.

سبلا المضي قدما. بالرغم من عدم وجود اتفاق كبير حتى مع غياب توافق عريض في الآراء حول نهج متعدد الأطراف لدورة الوقود، توجد مجموعة من التدابير المتاحة لتعزيز الاستخدام السلمي للطاقة النووية. كما ورد في مذكرة صادرة عن مجلس التعاون الأمني في آسيا والهادي، وهو شبكة من المنظمات الإقليمية غير الحكومية ، فإن هذه التدابير قد تشمل تعزيز أنظمة فعالة لمراقبة الصادرات لمنع التقنيات والمواد النووية من الوقوع في الأيدي الخطأ. من الخطوات الهامة أيضا وجوب التأكد أن لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية موارد مالية كافية للقيام بأنشطة في مجالات التعاون التقني والتفتيش وإنفاذ القوانين.

يمكن القيام بالكثير لغرس ثقافة الأمان والأمن في الدول التي ستعتمد الطاقة النووية في المستقبل. مثلا، لا يكفي أن تقوم الدول بتدريب المسؤولين لديها عن إنفاذ القانون على منع وكشف والتحرك ضد الاتجار غير المشروع بالمواد النووية ، بل يجب أيضا توعية المسؤولين، من خلال تقدير حقيقي، لماذا نحتاج الى منع الانتشار. في بعض الدول النامية يُعتبر خطر الانتشار النووي هاجسا غريبا لدول العالم المتقدم، بدلا من أن يمثل تهديدا حقيقيا لأمنها الخاص. هذا النوع من المواقف يحتاج الى ان يبدد إذا أردنا أن يظل النظام العالمي لمنع الانتشار فعالا على المدى البعيد.

لدى العالم النامي خيارات أفضل من الطاقة النووية

في مناقشات الطاقة النووية، سواء اكانت في العالم النامي أو في الدول الصناعية، تسود عموما موضوعات التكلفة والتخلص من النفايات ومخاطر الحوادث وانتشار الأسلحة. يقدم اجتماع المائدة المستديرة هذا بعدا إضافيا لمحادثات الطاقة النووية وهو: حاجة الدول النامية إلى التنمية الاقتصادية والطاقة التي تتطلبها مثل هذه التنمية.

في أميركا اللاتينية، حيث أعيش وأعمل كمحلل للطاقة، لا يتم استخدام الطاقة النووية على نطاق واسع. فقط جزء صغير من الكهرباء المنتجة في هذه المنطقة يأتي من الطاقة النووية، و ثلاث دول فقط – البرازيل والأرجنتين والمكسيك – تشغل محطات للطاقة النووية. في البرازيل، أكبر مستهلك للطاقة في أميركا اللاتينية، توفر الطاقة النووية نحو 2.7 في المائة من إمدادات الكهرباء المحلية فقط. في الوقت نفسه، تشكل الطاقة الكهرومائية نحو 74 في المائة من إنتاج الكهرباء المحلية، بينما يلعب الوقود الحيوي و الرياح دورا متزايدا أيضا.

لكن الطلب على الطاقة سوف ينمو مع مرور الوقت في أمريكا اللاتينية وأماكن أخرى في العالم النامي، وامكانات الطاقة النووية على مواجهة هذا الطلب المتنامي ينبغي اخذها في الاعتبار، على الاقل، في حالات محددة. لكن تحديد ما إذا كان من المنطقي استخدام الطاقة النووية في العالم النامي فإنه يتطلب دراسة العلاقة بين الطاقة والتنمية الاقتصادية بعناية. بشكل أكثر تحديدا، فإن ذلك يتطلب السؤال عن كمية الكهرباء اللازمة فعلياً للتنمية الاقتصادية.

المسألة أكثر من مالية. قد يأتي الجواب المؤقت على هذا السؤال من خلال التمييز بين نوعين من الدول النامية- الدول ذات الدخل المنخفض والأخرى ذات الدخل المتوسط، حسب تصنيف البنك الدولي على أساس الدخل القومي الإجمالي للفرد الواحد. في الدول ذات الدخل المنخفض، كَكمبوديا على سبيل المثال، حيث تعيش نسبة كبيرة من السكان في المناطق الريفية، تظهر الحاجة الرئيسية الى الكهرباء لتلبية الاحتياجات الأساسية من الإضاءة والخدمات الصحية والتعليم الخ. في هذه الدول، يتراوح استخدام الكهرباء من 50 إلى 100 كيلو واط ساعة للفرد الواحد في العام. (اعتمادا على الاختلافات في المناخ والثقافة، وهلم جرا). أما في الدول النامية ذات الدخل المتوسط ، كالبرازيل، حيث تحصل شرائح معينة من السكان على قدر محدود من الخدمات الحديثة للكهرباء بينما تظهر شرائح أخرى أنماط استهلاك تشبه كثيرا تلك الموجودة في الدول الصناعية، حيث يتراوح استخدام الكهرباء من 1000 إلى 2000  كيلو واط ساعة للفرد الواحد في العام.

هذه المعلومات مفيدة، ولكن أي نهج يصنف الدول وفقا لمستويات الدخل وحدها ربما يكون قاصرا للغاية بالنسبة لإجتماع المائدة المستديرة هذا. الأداة الافضل للأغراض الحالية هو "مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية" ، والذي يقيم ليس فقط دخول الدول ولكن أيضا معدلات الأعمار ومستويات التعليم فيها. كشفت الأبحاث التي أجريت حول هذا المؤشر العلاقات المدهشة بين استخدام الكهرباء ورفاهية الإنسان.

على سبيل المثال، أظهرت دراسات عدة أن رفاهية الإنسان تميل إلى التحسن بسرعة مع تقدم المجتمعات في استهلاك الطاقة لاغراض تجارية من المستويات المنخفضة إلى المستويات المتوسطة ، لكن هذه الرفاهية لا تتحسن كثيرا جدا مع زيادة استهلاك الطاقة. علاوة على ذلك، كما هو مبين في التحليل الشامل للبيانات المنشور عام 2009، فإن كمية الطاقة المطلوبة لتحسين رفاهية الإنسان انخفضت بشكل كبير على مر الوقت. وهذا يشير إلى أن التحسن في رفاهية الإنسان لا يتطلب أي كمية محددة من الطاقة.

أنت لا تحتاج إليها، أنت لا تريدها. للدول ذات الدخل المنخفض بالتالي يبدو أن من الصعوبة بمكان ان تكون الطاقة النووية هي الخيار المناسب. فاحتياجات هذه الدول للطاقة، على المدى القصير، ليس كبيراً بما يكفي لتبرير استخدام الطاقة النووية، وعلى المدى المتوسط، تستطيع هذه الدول تحقيق تحسينات مهمة وضرورية في رفاهية شعوبها من دون زيادات كبيرة في إمدادات الكهرباء. وببساطة، تعتبر الطاقة النووية مكلفة ومركزية للغاية بالنسبة لهم. لكن الدول ذات الدخل المتوسط، التي تشهد توسعا عمرانيا في المدن وتزايداً في القطاعات الصناعية وقواعد البنية التحتية، قد تكون في الواقع مؤهلة لامتلاك الطاقة النووية.

ولكن حتى الدول ذات الدخل المتوسط  فإنه يجب عليها أن تضع في اعتبارها حقيقة أن الطاقة النووية لا تتطلب فقط رأس مال كبير ولكنها أيضا تتطلب قدرات تقنية وصناعية ومؤسسية متطورة لتشغيل المحطات بطرق آمنة وموثوقة. يستطيع عدد قليل جدا من الدول النامية تحمل تكاليف الحفاظ على البنية التحتية اللازمة لكل هذا. لتأكيد ذلك، أصبحت معايير السلامة الخاصة بالطاقة النووية أكثر صرامة في العالم الصناعي على مر السنين، كما قامت الدول الغنية بإستثمارات كبيرة في منشآت أكثر أمانا. لكن بالنسبة لمعظم الدول النامية، فإن بناء أجيال جديدة من المفاعلات سوف يكون باهظ التكلفة وقد يؤدي إلى زيادة الاعتماد التقني والاقتصادي لهذه الدول على الدول المتقدمة (إلا إذا اختارت أيضا هذه الدول الانخراط في سلسلة إنتاج الصناعة النووية).

بوجه عام، لا ينبغي اختزال التخطيط لنظام الطاقة الى مناقشة مصادر الإمداد؛ فنظم الطاقة تتكون من نظم فرعية معقدة مثل موارد الطاقة الأولية وتقنيات التحويل والخدمات النهائية للطاقة. بالتالي، فإن على الدول النامية التي تقوم باتخاذ خيارات حول مستقبل الطاقة لديها أن تضع في اعتبارها الطيف الكامل لتقنيات الطاقة المتاحة لها، من المصادر الأولية وعمليات التحويل ذات الصلة وصولا إلى الخدمات النهائية. ويتعين على الدول النامية أيضا تقييم التبعات الاجتماعية والبيئية الكاملة المترتبة على إنشاء نظم طاقة آمنة وموثوقة، هذه التكاليف تشمل إنشاء المؤسسات العامة اللازمة للتخطيط والتشريع والإشراف على التقنيات والموارد على المدى الكلي لدورات عمرها.

تظهر بدائل للقدرة النووية مثيرة للاهتمام في مختلف أنحاء العالم حيث أصبحت الخيارات الجديدة متاحة على نحو متزايد في تكنولجيا الطاقة. في الواقع، فإن الفرص لدمج مصادر الطاقة المتجددة في شبكات الطاقة الحالية والمستقبلية باتت أكثر جدوى من أي وقت مضى بسبب التقدم في تكنولوجيا المواد وفي وسائل التخزين والنقل والتوزيع وفي أنظمة الاستخدام النهائي للطاقة.

عندما تخطط الدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط لمستقبل الطاقة لديها، تكون لديها فرصة للقفز على التكنولجيات القديمة إلى أنواع مختلفة من أنظمة الطاقة- أنظمة أكثر مرونة تدمج مصادر متنوعة وتستفيد من العدادات الذكية وتقنيات الشبكة الذكية. مثل هذه القفزة تمكن الدول النامية من بناء منشآت ذات الطاقة الصفرية واكتساب كفاءة اكبر في كل شيء بدءا من الأجهزة الكهربائية إلى العمليات الصناعية.

ومن شأن هذا المسار أن يسمح للدول النامية بتعزيز قدراتها التكنولوجية والصناعية دون مخاوف الانتشار النووي والمخاطر على الصحة العامة التي تشكلها الطاقة النووية.

وبطبيعة الحال، فإن عمليات صنع القرار في مجال الطاقة يجب ان تأخذ في حسبانها قضايا مثل التكلفة وإدارة النفايات. لكن يجب على الدول النامية أيضا أن تأخذ في الاعتبار كمية الطاقة المطلوبة بشكل فعلي لتلبية أهدافها الاقتصادية والمتعلقة برفاهية الانسان – ويجب أن تقرر ما إذا كانت ستتقدم إلى اقتصاد قائم على إستهلاك أقل للطاقة.

Round 2

زمن التخلص من الحذر المبني على ردود الأفعال

ظهر توافق في الآراء في اجتماع المائدة المستديرة هذا على أنه لا يجوز استغلال  المخاوف من الانتشار النووى لحرمان الدول النامية من الحق في استخدام الطاقة النووية. وبينما يمثل الانتشار النووى مصدر قلق لا يمكن الاستخفاف به؛ فإنه لا يمكن كذلك تجاهل المخاوف المفرطة من القدرة النووية لدي معارضي الانتشار النووى( خاصة منظمات المجتمع المدني التى تقف في مقدمة الصفوف للحملة المضادة للطاقة النووية).

إن أزمات الطاقة المزمنة التي تواجه العديد من الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط لا تعتبر خبراً مكرراٌ جيدا. إذ في أغلب الأحيان لا يشكل نقص الطاقة خبراً  على الإطلاق. في الوقت ذاته، فإن الحوادث النووية التى وقعت في تشيرنوبل ومحطة فوكوشيما داي اتشي للقدرة النووية يبدو انها نقلت رسالة قوية ومميتة مفادها: ليس مرة اخرى مطلقاً . وبقدر ما كانت هذه الحوادث رهيبة ،فإن من الضروري إبقاء الأمور في نصابها: الحادث الصناعي عام 1984 في بوبال، الهند، أدى الى حصول عدد أكبر من الوفيات الآنية من تلك الناتجة من تشيرنوبل (علي الرغم من أن الخسائر على المدي الطويل لهذين الحادثين لا يزال حصرها جاريا).

لكن على الرغم من الافتقار الى الإهتمام بمشكلات نقص الطاقة في الدول النامية، فإن الاعتماد المزمن أو المتنامي علي واردات الوقود التقليدي على وجه التحديد هو السبب الذي دفع بعض الدول الى استخدام القدرة النووية او التفكير في اعتمادها. في الهند و الصين وحتي اليابان لا يمكن فصل الاعتماد على الطاقة النووية عن الاعتماد على الوقود التقليدي. ولكن هناك اشكالات دائمة تواجه مثل هذا الاعتماد بسبب تقلب الأسعار وعدم الاستقرار السياسي في منطقة الخليج العربي الغنية بالنفط — كما أن العقوبات النفطية الجديدة ضد ايران جعلت المعاملات التجارية النفطية أكثر صعوبة ومكلفة .

ورغم أن الدافع لفرض عقوبات علي ايران هو مخاوف الانتشار النووي، فإن هذه العقوبات نفسها تزيد الحاجة للطاقة النووية. إن الدول التى تعتمد علي واردات الوقود مثل الصين والهند يتوقع بشكل متزايد أن تنظر للطاقة النووية كخيار يشمل تعزيزأمن الطاقة لديها وتقليل التدخل الغربي في الأجلين المتوسط والبعيد. وربما تميل هذه الدول أيضاً الى إستخدام نفوذها المالي المتزايد لتحدي سياسات الطاقة النووية الغربية.

وعلي الرغم أيضا من كل هذه المخاوف إزاء الانتشارالنووي، فكم من الدول فى الواقع سعت للتسلح على مر السنين؟ بعد مرور مايزيد على الستة عقود علي انفجارات هيروشيما و نجازاكي تسعة دول فقط هي التي تمتلك أسلحة نووية. وفي حين أن بعض الفضل في ذلك يرجع إلى نظام حظر الانتشار النووي، فإنه من المهم ان نضع في الاعتبار أن التسلح في حد ذاته أمر مكلف ومحفوف بالمخاطر. في الحقيقة، فإن التكاليف الأمنية المترتبة على تطوير السلاح النووى قد تفوق التحديات التقنية والمالية لذلك العمل. في حالة إيران علي سبيل المثال، قد يؤدى التسلح إلي تقويض المصالح الأمنية للبلاد من خلال تشجيع الدول العربية أو حتي تركيا علي البحث عن مظلة نووية أو أسلحة نووية .

ولا تتبع الدول مثل هذا المسار دون إجراء تقييم جدي للمخاطر، ومن ثم يكون قرار المساهمة في الانتشار مبني علي حسابات دقيقة. لذا فإن التركيز المفرط على قرار دول قليلة بالمساهمة في الانتشار يدخل الإرباك للنقاش العالمي حول إحتياجات الطاقة.

لكي يصبح أكثر فعالية ،فإن المجتمع الدولي المعني بعدم الانتشار النووي يحتاج إلي التدخل الجاد في أزمات الطاقة التي تواجه العديد من الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط. مثل هذا التدخل يحتاج بالضرورة الى التعرف علي العوامل التى تدفع الدول النامية الي التطلع الى  الطاقة النووية، كما ستقدم ثلاث فوائد متميزة.

أولاً، إذا تخلي المعنيون بعدم الانتشار النووي عن ميلهم الى  التشكيك في أية دولة تسعي الى القدرة النووية، لاستطاعوا بفعالية اكير أن يحددوا الدول التي تسعى بالفعل للمساهمة في الانتشار النووى ويتصرفوا بحزم لتقييدها. ثانياً، سيكون في استطاعة الدول المتقدمة تقديم المزيد من الاسهامات للتقدم الاقتصادي للعالم النامي إذا نظرت الي القدرة النووية باعتبارها منصة للنمو.

ثالثاً، ربما يشجع العالم المتقدم على إجراء نقاش موضوعي حول القدرة النووية داخل الدول النامية لو أنه توقف عن وضع العوائق في طريق استخدام العالم النامي للطاقة النووية. الطاقة النووية ،بعد كل ذلك، ليست الدواء الشافي لكل المشكلات الاقتصادية الاجتماعية في الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض — في الحقيقة فإنها مع ذلك قد لا تصلح علاجاً لنقص الطاقة. وكما أشار كلاً من جيلبرتو ام. جانوزي وشهرمان لقمان في اجتماع المائدة المستديرة هذا، فالقدرة النووية ليست باهظة التكلفة فقط، ولكنها في كثير من الاحيان قد يكون لها نتائج عكسية بيئياً  وتقنيا علي الدول النامية. ستظل تلك الحقائق محجوبة ما دام العالم الثري يخفق في التعامل مع القدرة النووية باعتبارها مجرد خيار آخر للطاقة. واذا ما تم تصحيح هذا الاخفاق، فلربما تمكنت الدول النالمية من التعامل علي نحو أكثر واقعية مع قضايا مثل الجدوى الاقتصادية من الطاقة النووية وملف الأمان– وفي نهاية المطاف ستختار البحث عن احتياجاتها من الطاقة من خلال وسائل أقل تعقيداً.

ينبغي على دعاة عدم الانتشار النووي أن يتعرفوا علي تحديات الطاقة التى تواجه البلدان النامية وفصل تلك التحديات عن مخاوف الانتشار. خلاف ذلك، فإن عدم الانتشار النووي سيصبح قوة تحول دون صناعة قرار رشيد في العالمين المتقدم والنامي علي حد سواء.

المبالغة في عرض الخطر الحقيقي

في الوقت الذي يتزايد فيه عدد الدول النامية التي تسعى الى اعتماد القدرة النووية، تبدي الحكومات الغربية والمعنيون بمنع الانتشار النووي مبالغة  بشأن المخاطر المصاحبة لانتشار الأسلحة. فهل يجب التخلي عن برامج القدرة النووية الجديدة بسبب المخاوف من التداعيات الأمنية لتلك البرامج ؟ إجابتي هي لا — ولكن ليس عندما تكون الموارد والمؤسسات والمواقف اللازمة لتأمين الأمن والأمان النوويين متاحة بشكل منقوص في العالم النامي.

في مقاله الأول في اجتماع المائدة المستديرة هذا، أكد بي. آر. كوماراسوامي على أن عددا قليلا من الدول التي لديها برامج للطاقة النووية سعت لتطوير أسلحة نووية، وهو محق في ذلك. في الواقع، مؤخرا، قام ماثيو فورمن،  الباحث  في مجال منع الانتشار، بتحليل سياسات 123 دولة، بعضها أبدى اهتماما بالقدرة النووية والبعض الآخر لم يُبْدِ ذلك الاهتمام، وذلك خلال الفترة ما بين عامي 1965 و 2000. ووجد فورمن دليلا ضعيفا على الإعتقاد أن الدول تسعى لامتلاك الطاقة النووية من أجل وضع الأساس لبرامج الأسلحة النووية في المستقبل.   بعبارة أخري، فإن الدول لا تشارك عموما في المراوغة النووية.

لذا، فإن المسؤولين في الدول النامية مبرَّرةٌ حيرتهم من المخاوف التي يبديها نظراءهم في العالم المتقدم للإنتشار النووي. الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، غالباً ما تعتبر التهديدات الأمنية البعيدة- بما في ذلك تلك الناجمة عن انتشار الأسلحة النووية والإرهاب النووي – كما لو كانت مؤكدة، بالرغم من انه يمكننا القول  بحقيقة أن العالم ربما أصبح اليوم أقل خطورة من أي وقت مضى (خاصة بالنسبة للولايات المتحدة).

إضافة إلى ذلك، يرى خبير الأمن، ​​توم سوير، أن سياسة منع الإنتشار الوروبية منذ 9/11 أصبحت على نحو متزايد مشابهة لسياسة الولايات المتحدة.

برغم كل ذلك، فإن النمو العالمي للطاقة النووية يشكل في الواقع العديد من المخاطر وعلينا ألا نستخف بها. مع صحة إن المنتجين الجدد للطاقة النووية لا يعتزمون عموما المساهمة في الانتشار، لكن يظل أنه ليس من الحكمة استبعاد احتمالية أن تسعى دولة معينة ذات قدرة نووية، في يوم ما، الى ربطها مع قدراتها التسليحية الكامنة. في دول جنوب شرق آسيا، على سبيل المثال، يبدو من غير المحتمل حدوث اختراق نووي، لكن لا يمكن استبعاد ذلك على المدى الطويل، خاصة إذا خضعت  البيئة الاستراتيجية في المنطقة لتغيرات مثيرة ومزعزعة للاستقرار.

علاوة على ذلك، ينبغي الاعتراف بأن الدول النامية غالبا ما تفتقر إلى الموارد والمؤسسات اللازمة للحفاظ على الأمن النووي — الذي تعرفه وكالة الطاقة الذرية الدولية بأنه "المنع والرصد والاستجابة للسرقة والتخريب والدخول غير المصرح به والنقل غير القانوني والأفعال الخبيثة الأخرى التي تشمل المواد النووية أوالمواد المشعة الأخرى أو المرافق المرتبطة بها".
فيتنام، على سبيل المثال، أعلنت أنها ستقوم ببناء نحو 10 مفاعلات نووية بحلول عام 2030، لكن الشكوك تحيط  بقدرتها على تدريب الموظفين اللازمين لتشغيل وتنظيم هذه المفاعلات.

إضافة لذلك، وفقا لمؤشر أمن المواد النووية الصادر هذا العام عن مبادرة التهديد النووي ووحدة استخبارات الإيكونومست، حصلت فيتنام على تصنيف سيئ من خلال عدد من مؤشرات الأمن النووي; بين العديد من القضايا كان تفشي الفساد وإفتقار الدولة لوكالة تنظيمية مستقلة. جدير بالذكر أن فيتنام لم تصدق أيضا على الاتفاقات الدولية الرئيسية حول الأمن النووي، مثل اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية والتعديلات التي أدخلت عليها عام 2005.

بعيدا عن قضايا الأمن النووي تلك، يظهر سبب آخر للتخوف من التوسع في القدرة النووية في العالم النامي وهو غياب ثقافة الأمان في الدول النامية. في مقاله الأول في اجتماع المائدة المستديرة، سلط كوماراسوامي الضوء على المواقف الواهية حيال الأمان التي توجد في بعض الدول النامية، بينما ذكر جيلبرتو إم. جانوزي التكلفة العالية للحفاظ على القدرات اللازمة لتشغيل محطات الطاقة النووية بشكل آمن. لكن الأمان النووي والأمن النووي يتم الاهتمام بهما على نحو متزايد على أنهما متداخلان ويتطلبان في الواقع استجابات مشتركة. على سبيل المثال، تقنيات الدفاع في العمق – التي تنطوي على خلق مستويات متعددة من الدفاع ضد الإخفاقات البشرية والميكانيكية في المنشآت النووية – توفر الحماية ليس فقط ضد الحوادث النووية ولكن بإمكانها أن تكون ضد التخريب والهجوم أيضا. ينبغي للدول النامية التي تفكر في اعتماد القدرة النووية أن تمعن النظر بجدية فيما إذا كانت قدرات الأمان لديها – ليس فقط ذكر قدراتها الأمنية — ترقى فعلا الى مستوى المهمة.

الدول النامية التي بصدد اتخاذ قرار الشروع في برامج الطاقة النووية تواجه مجموعة معقدة من الاعتبارات. أجل، إن النمو في الطلب على الطاقة قضية حاسمة، وتغير المناخ يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة للدول النامية، لكن معالجة هذه التحديات يجب ألا يحول دون إجراء تقييمات رصينة حول انتشار الأسلحة النووية والإرهاب النووي.

العرض والطلب وترتيب الأولويات

في المحادثات الدولية حول الطاقة النووية في العالم النامي، يقوم كلا من المعنيون بمنع الانتشار النووي والدول النامية ذاتها عادة بتعليق أهمية زائدة على عناصر معينة من النقاش وإيلاء أهمية قليلة جدا لعناصر أخرى. كما أشار كوماراسوامي، في مقاله الأول في اجتماع المائدة المستديرة هذا، إلى أن المعنيون بمنع الانتشار يركزون كثيرا على انتشار الأسلحة مما يؤدي أحيانا الى الإخفاق في إدراك الحاجة المتزايدة للدول النامية لخدمات الطاقة، وبالتالي الفشل في معالجة كيفية تلبية هذه الحاجة. إضافة لذلك، لا يبالي غالبا مؤيدوا منع الانتشار بتغير المناخ الذي قد تشكل تأثيراته التي لا يمكن التبؤ بها في العالم النامي خطرا أكبر من الانتشار.

فقد يكون تفكير بعض الدول النامية في اعتماد القدرة النووية ناتجاً عن التركيز المتزايد على أمن الطاقة والاهتمام غير الملائم بعناصر أخرى في معادلة الطاقة. في الحقيقة، إن استراتيجيات أمن الطاقة يمكن أن تضع الدول النامية في مأزق اللجوء للأساليب التقليدية للتخطيط للطاقة، وأن تميل في ظل بعض الظروف للأخذ بعدد محدود من خيارات العرض. تخطئ الدول النامية، بغض النظر عن مدى مشروعية احتياجاتها للطاقة، إذا قصرت اختياراتها على التوسع في العرض.

غير أن التركيز المفرط على التقنيات الموجهة للعرض يعد سمة نمطية في مناقشات الطاقة بشكل عام. وغالبا ما يتم التغاضي عن الاستراتيجيات التي يمكن أن تحدث تغييرا جذريا في نظم التوصيل والاستخدام النهائي للبنى التحتية – بالرغم من إمكانية تحقيق تقدم جذري في مثل هذه البنى التحتية التي تتميز بالحداثة والكفاءة من خلال الحلول التقنية التي ناقشتها في مقالي الأول في اجتماع المائدة المستديرة (والتي تشمل المنشآت ذات الطاقة الصفرية، وتوزيع توليد الطاقة، وأنظمة النقل التي تتطلب طاقة تشغيل أقل).

ومع ذلك، تتسم العديد من الدول النامية بكل من طلباتها المكبوتة لامتلاك الطاقة وتزايد سكانها. وبالتالي، فحتى لو تم اعتماد برامج صارمة للإبتكار الموجه للطلب فإنها لن تكون كافية لتحقيق توازن معادلات الطاقة في هذه الدول. وفقاً لنشرة مستقبل الطاقة في العالم 2010 ، فإن حوالي 1.4 مليار شخص في جميع أنحاء العالم (يتواجد حوالي 85 بالمئة منهم في المناطق الريفية) لا يستطيعون الحصول على الكهرباء. يتوقع أنه بحلول عام 2030 أن ينخفض ​​هذا الرقم الى 1.2 مليار شخص (حتى لو لم يتم تنفيذ سياسات جديدة لتوسيع نطاق الحصول على الكهرباء)، لكن هذا العدد المنخفض سوف يبقى ممثلا لنحو 15 بالمئة من سكان العالم. في الوقت نفسه، فإن نحو 2.7 مليار شخص لا يستطيعون الحصول على وقود الطهي الحديث، ويتوقع ارتفاع هذا الرقم بحلول عام 2030 إلى 2.8 مليار شخص. وإذا أخذنا في الاعتبار أن حرق الوقود التقليدي ينتج عنه غازات الدفيئات ويشكل خطرا على صحة الإنسان فإن ذلك يمثل مشكلة خطيرة .

وباعتبار كل ما سبق، نجد انه حتى السياسات الصارمة لاعتماد تقنيات متقدمة موجهة للطلب لن تحل مشاكل الطاقة في كل بلد، لأنه في كثير من الحالات، سوف يتبين أن توسيع قاعدة العرض ستصبح ضرورية في نهاية الأمر. إن خدمات الطاقة غير المنتظمة أو منخفضة الجودة الموجودة في من الدول النامية تعرقل طموحات الناس في تحسين معيشتهم، وبشكل أوسع، تعيق جهود الدول للنمو اقتصاديا. ولذلك، فإنه من المشروع تماما للدول النامية أن تسعى لتوسيع قاعدة عروضها من الطاقة واعتبار الطاقة النووية كجزءا من هذا السعي .

يمكن للمجتمع الدولي،إذن، بدلا من أن يقف في طريق جهود الدول لتطوير القدرة النووية، أن يحاول مساعدة العالم النامي في تلبية احتياجاته من الطاقة بطرق فعالة من حيث التكلفة وصديقة للمناخ. إن توفير التقنيات هو بالطبع أحد الطرق لتقديم المساعدة، ولكن لا يمكن أن يكون التركيز فقط على التقنيات الموجهة للعرض. الخطوات الأخرى قد تشمل تقديم تسهيلات لتمويل ابتكار تنمية تعتمد على الطاقة المنخفضة، والطاقة المتجددة وأنظمة الطلب الحديثة، وتحقيق قفزة نوعية لاكتساب كفاءات أكبر في عدة مجالات بدءا من الانشاء وانتهاءا بالقطاع الزراعي المصنّع. كما يمكن أيضا تقديم دعم أكبر للمؤسسات الاجتماعية والموارد البشرية المحلية التي لديها القدرة على إدارة نظم الطاقة المستدامة . من المهم أيضا، بلا شك، أن تتشارك الدول النامية مع بعضها البعض في نقل التقنيات وأن تكافح عموما لتحقيق مزيد من التعاون فيما بين بلدان الجنوب .

الطاقة النووية هي واحدة من عدة خيارات مشروعة أمام العالم النامي لامتلاك الطاقة. لكنه خيار خاطئ في كثير من الحالات، والنتيجة الأسوأ على الدول النامية هو سعيها وراء خيارات غير مناسبة للطاقة بينما تقوم فى الوقت نفسه بخلق أنماط غير مستدامة للطلب المستقبلي على الطاقة. ومع ذلك، فازدياد الطلب على خدمات الطاقة هو أمر واقع، ويجب معالجته بصورة واقعية .

Round 3

التقدم المبني على التقنية، و ليس السيطرة السياسية

هل هناك أي رابط جوهري يربط الطاقة النووية وبرامج التسلح النووي؟ اذ تطور الموضوع ليصبح القضية المركزية في اجتماعنا هذا — والدليل المقدم هنا لا يثبت فكرة أن هذا الرابط موجود. أنا والسيد جيلبرتو جانوزي  أيدنا فكرة أنه والى حد كبير أن نظام منع الإنتشار العالمي يميل إلي تضخيم مخاطر الانتشار النووي مما قد يعيق الطموحات المشروعة للدول النامية في تطوير قطاعات القدرة النووية؛ والسيد شهرمان لقمان وعلى الرغم من أنه يعتبر أن الانتشار النووي يشكل خطورة عظمى اكثر مما اعتبره المشاركون الآخرون في الاجتماع، إلا أنه لم يقل أن انتشار الطاقة النووية سوف يؤدى بالضرورة إلي إنتشار الأسلحة النووية. ومما لاشك فيه أن هناك بعض الدول طورت برامج للطاقة النووية ثم شرعت في عمليات التسلح بعد ذلك. ولكن حتي فى الهند، وهي حالة واضحة، لم تكن الرغبة في امتلاك الطاقة النووية مجرد ذريعة للتسلح النووي.

نظراً لإجماع كافة أطراف هذه المائدة المستديرة بشأن موضوعها الرئيسي، بات حريأ بنا الآن أن نركزبمزيد من الاهتمام علي نقاشنا حول منطقة واحدة حيث القضايا النووية هي محط الاهتمام على وجه الخصوص. تلك المنطقة هي الشرق الأوسط، حيث أكد الربيع العربي علي حاجة الكثير من البلدان للحصول علي خيارات جديدة للطاقة، بما في ذلك الطاقة النووية. فلقد أدى إضعاف السلطة المركزية في مصر علي سبيل المثال إلي وقوع العديد من أعمال التخريب ضد خط الغاز الممتد بين مصر والأردن مما أدي إلي تفاقم مشكلة نقص الطاقة القائمة بالفعل في الأردن. وذلك النقص، إلي جانب ضآلة الموارد الاقتصادية للدولة، يعمل علي تقويض استقرار الحكومة — وسيظل التوتر قائماً على الرغم من أن الإصلاحات التي أجرتها الأردن في ظل الربيع العربي كانت أكبر تأثيراً من تلك التي أجرتها العديد من دول الشرق الأوسط الأخري. وفي الأردن، ربما تكون القدرة النووية هي الخيار الواقعي الوحيد الذى سيلبي الاحتياجات الوطنية من الطاقة —  بل وربما تكون ضرورة إذا ارادت الدولة تنفيذ مزيد من الاصلاحات السياسية التي طال انتظارها.

ولكن أهمية الطاقة النووية باعتبارها مصدراً للطاقة الكهربائية لاتمحي تلك المخاوف المتعلقة بالانتشار النووي. فالقدرة النووية التي تمتلكها اسرائيل منذ وقت طويل لم تعمل علي تحفيز سباق التسلح النووي، لكن هذا لا يعنى أن الدول العربية قد رضيت بذلك التباين النووي في منطقتها. بل ان سياسة العصا و الجزرة التى تتبعها الولايات المتحدة الامريكية اقنعت  الدول العربية بالعدول عن السعي لامتلاك الخيار النووي. و في الوقت ذاته، فإن اسرائيل،علي الرغم مما ترتكبه من أخطاء متكررة، إلا أنها استطاعت الحفاظ علي موقف نووي غير شفاف منذ أواخرالستينيات، مما جنّبها فرض عقوبات دولية عليها.

وفي معرض سياق  حديثنا عن الشرق الأوسط، فإن فكرة المنطقة الخالية من الأسلحة النووية لاتزال حلماً طوباويا، بما أنه لا يمكن تحقيق أي تقدم ملموس نحوهذا الهدف دون تسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي. الحل الواقعي الوحيد لذلك النزاع — وهو خيار الدولتين، بمعنى أن تحيا اسرائيل وفلسطين جنباً إلي جنب — لا يزال أمراً بعيد المنال. ولكن علي أية حال، فإن جوهر المشكلة لا يكمن في الحدود أوالمستوطنات أو أي شئ من ذلك القبيل، بل في قبول اسرائيل ككيان سياسي ، بكل ما يستلزمه ذلك.

وفي الوقت نفسه، فإن الجدل الدائر بشأن طموحات ايران النووية المفترضة يكشف محدودية مقدرة معاهدة حظر الانتشار النووي علي الحد من انتشار الأسلحة النووية كما يضمن أيضاً الحق المشروع للدول الموقعة في تطوير الطاقة النووية. فإذا اصبحت ايران دولة نووية بحكم الأمر الواقع، فلربما تسعى دول مثل السعودية وتركيا ومصرلامتلاك هذه الأسلحة أيضا، أو امتلاك مظلة نووية علي أقل تقدير. و قد يغري ذلك اسرائيل علي التلويح باستخدام قدراتها النووية علنا. بالتالي، فإنه ليس من المبالغة القول أن بقاء نظام منع الانتشار يتوقف على قدرة النظام علي التأكد من أن ايران ما تزال دولة غير مسلّحة نوويا .

وعودة مرة أخرى إلي قضيتنا المركزية بشأن الرابط بين الطاقة النووية والتسلّح، المخاطر متاصلة في اي تقنية والطاقة النووية هي التقنية الأكثر خطورة من اغلب التقنيات الاخرى. بيد أن التقدم البشري يعتمد، إلي حد كبير، على الإستفادة من الطاقة النووية مع الحد من مخاطرها. لا يمكن إحراز التقدم بحرمان بعض الشعوب من التقنية او ممارسة السيطرة السياسية عليهم.

معرفة مدى القلق

في الدول النامية، قد تبدوا مخاطر الانتشار النووي والإرهاب النووي بعيدة غالبا. ينظر لهذه التهديدات في العالم المتقدم على أنها مهلكة. جزء من سبب عدم التوافق بين وجهتي النظر هو الصعوبة البالغة في تقييم خطر الانتشار.

حتى المناطق المستقرة نسبيا، بل وحتى الدول التي ليس لديها برامج للطاقة النووية، قد تساهم في الانتشار النووي. في ماليزيا، على سبيل المثال، لطالما اعتبر تهديد الانتشار النووي أولوية منخفضة. بدأ ذلك في التغير عام 2004، عندما اكتشف أن شركة ماليزية ، تعمل كجزء من شبكة عبد القدير خان أنتجت مكونات أجهزة الطرد المركزي للنظام الليبي لمعمر القذافي. لمنع حدوث مثل هذا الأمر مرة أخرى، أصدرت ماليزيا في عام 2010 احد اقسى قوانين مراقبة الصادرات في آسيا. كما تخطط أيضا للتصديق على البروتوكول الإضافي لاتفاقية الضمانات في إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وكذلك التوقيع على اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية، وتعديلاتها لعام 2005.

ومع ذلك، تميل معظم الدول النامية إلى اتخاذ نهج تدريجي حيال تهديدات مثل الإرهاب النووي. يظهر ذلك بشكل خاص في سياق التجمعات الإقليمية مثل رابطة امم جنوب شرق آسيا (آسيان)، حيث يتعين غالبا على الدول أن تعمل على مستوى القاسم المشترك الأدنى. بالرغم من أن الآسيان أنشأت منطقة خالية من الأسلحة النووية في إقليمها فإن الإرهاب النووي لم تكن له المكانة البارزة في جدول الاعمال الاسيان الامني، بالرغم من حقيقة أن عددا من دول جنوب شرق آسيا يفكر فعليا في اعتماد القدرة النووية. دفع ذلك العالم السياسي الفلبيني ريموند جوزيه جي. كويلوب ان يقترح أن دولا من خارج جنوب شرق آسيا قد تحتاج "لقيادة عملية" زيادة أهمية الأمن النووي داخل الآسيان (على سبيل المثال، في سياق عمليات اقليمية مثل قمة شرق آسيا).

طبعا، في الدول المتقدمة من خارج المنطقة — مثل الولايات المتحدة وأستراليا فإن توقع الإرهاب النووي يخلق شعورا متميزا لناقوس الخطر. تعاملت الولايات المتحدة على وجه الخصوص مع الإرهاب النووي كمصدر رئيس للقلق على مدى ثلاثة عقود. في عام 1976، فيما وصفه ميكا زينكو من مجلس العلاقات الخارجية بأنه أول تحليل شامل لوكالة المخابرات المركزية عن الإرهاب الدولي، كان تقييم الوكالة أن "احتمال وجود إرهابيين مسلحيين بأسلحة نووية، في الواقع، لم يعد من الممكن التغاضي عنه ". كما زادت هجمات 11/9 بشكل كبير من قلق الولايات المتحدة من هذا التهديد، وقد وصف الرئيس باراك أوباما الإرهاب النووي بأنه "التهديد المفرد الاكثر أهمية للأمن القومي الذي نواجهه "و" التهديد الذي يفوق كافة التهديدات الأخرى الحاحا".

هل خطر الإرهاب النووي يستوجب مثل هذا الخوف الشديد؟ أعتقد غيرذلك. لكن لا يمكن أيضا التغاضي عنه كمسألة بسيطة. مما لا شك فيه، أن الإرهابيين النوويين الطموحين سوف يواجهون عقبات تقنية ولوجستية عند سعيهم للمقدرة على تفجير وسيلة نووية بدائية . ومع ذلك، فعدم الدقة يكتنف أمن المخزون العالمي من المواد الانشطارية. كما أشار خبير الفيزياء النووية الأمريكي بيتر زيمرمان الى أنه "ليس من الممكن طمأنة العالم بأنه لم تكن هناك سرقات للمواد الانشطارية، أو أنه سيتم كشف أي من مثل هذه المحاولات بسرعة كافية لمنع المواد من أن تحوّل إلى وسيلة نووية".

في مثل هذه البيئة، يجب على الدول النامية التعامل مع تهديد الانتشار النووي والإرهاب النووي بجدية أكبر مما تعمله حاليا. وهذا ينطبق بشكل خاص على الدول التي تفكر في اعتماد القدرة النووية. مثل هذه الدول، إذا ما فشلت في إثبات وجود التزام حقيقي تجاه عدم الانتشار والأمن النووي، فلا ينبغي أن تتفاجأ إذا أعرب المجتمع الدولي عن تشككه حول استعدادها وقدرتها لخفض التهديد النووي.

لذلك، أنا لا أتفق مع بي. آر. كوماراسوامي بأن القدرة النووية يمكن أن تعتبر في اي وقت "مجرد اضافة اخرى للطاقة." في الوقت نفسه، ينبغي على الدول المتقدمة التوقف عن استخدام مصطلحات مفزعة لوصف االمخاطر الأمنية المصاحبة لبرامج الطاقة النووية. بالتأكيد ليس هناك شيئ يقوض قضية الأساليب الجادة لعدم الانتشار النووي والأمن النووي أكثر من المبالغة من شأن المخاطر، بالإضافة إلى ذلك، هذه المبالغة قد تحمل البعض في العالم النامي إلى التساؤل عن دوافع أولئك الذين يطلقون هذه التحذيرات. من أجل خير جميع المعنيين، يجب بذل الجهد لتقييم المخاطر الأمنية للوصول الى توازن دقيق.

مخاوف جوفاء من الاننتشار النووي

بالنسبة لمواطني أميركا اللاتينية، الذين يعيشون في منطقة تنعم بالسلام نسبياً، فإن قلق المجتمع الدولي إزاء انتشار الأسلحة النووية يبدو غريبا بعض الشيء. فأمريكا اللاتينية منطقة خالية من الأسلحة النووية منذ عام 1969، عندما دخلت معاهدة تلاتيلولكو حيز التنفيذ. كل دول المنطقة، بالإضافة إلى كونها موقعة على تلك المعاهدة، هي أيضا طرفاً في معاهدة حظر الانتشار النووي. في ضوء كل هذا، فإن قضية الانتشار لا تمثل قلقاً حقيقاً بالنسبة لمعظم الناس في أمريكا اللاتينية.

البرازيل، موطني، أصبحت طرفاً في معاهدة حظر الانتشار النووي عام 1998 كدولة خالية من السلاح النووي. (بعد اقرار الدستور الجديد عام 1988، تخلت الدولة عن الجهود السابقة لتطوير أسحلة نووية.) لكن المشاركة في أنظمة عدم الانتشار النووي العالمية والإقليمية لا تعني أن البرازيل ليس لديها مصلحة مشروعة في تطوير قدراتها المحلية في مجال التقنية النووية.

لقد تمكنت البرازيل على مدار السنوات الأربعين الماضية من خلق صناعة نووية محلية، بإستثناء تقنيات الطاقة النووية المدنية، وطورت تقنيتها الخاصة لتخصيب اليورانيوم لاستخدامه كوقود للغواصات النووية. في الواقع، لم توقع البرازيل على البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي عام 1997 بسبب القضايا المحيطة ببرنامج الوقود النووي لقواتها البحرية. وهذا يسلط الضوء على وجود مشكلة مع النظام الدولي لعدم الانتشار: المعاهدات الدولية بإمكانها أن تحد من نطاق الأهداف النووية المشروعة لدول بعينها. كما أن لذلك تأثير تمييزي في ابقاء الموقعين في وضع دائم كمشترين للتقنية.

في الوقت ذاته، كانت تجربة البرازيل مع توليد الكهرباء النووية مكلفة ومليئة بالمطبات، وهذا أقل ما يقال. بدأ العمل في بناء المحطة النووية الأولى للبرازيل، انجرا I ، عام 1971، لكن التشغيل التجاري للمنشأة كان في عام 1985. التكلفة الإجمالية المعلنة رسميا كانت بحدود 2 مليار دولار. ، بيد أن العديد من المحللين يدعون أن هذا الرقم قديم. بدأ تشغيل المحطة الثانية، انجرا II ، عام 2000، رغم أن عملية بناء هذه المنشأة بدأت عام 1976. بدأ العمل على بناء المحطة الثالثة، انجرا III ، عام 1984، لكنها توقفت عدة سنوات. أستأنفت عملية انشاء المحطة عام 2009 ومن غير المتوقع الانتهاء منها الى عام 2015، بتكلفة نهائية يتوقع أن تصل الى 6 مليارات دولار تقريباً.

في الوقت الراهن، تمثل الطاقة النووية اقل من 3 بالمائة من إجمالي انتاج الكهرباء في البرازيل. هذا الرقم قد يزيد اذا قررت الحكومة المضي قدما في خطط إنشاء أربع محطات إضافية وفقاً للتصور المطروح في خطة الطاقة الوطنية 2030، لكنه سيترتفع الى 4 بالمائة فقط في عام 2030 (بالاعتماد على سيناريوهات الطلب). في كل الأحوال، فإن كارثة في محطة فوكوشيما دايتشي للقدرة النووية دفعت الحكومة الى مراجعة خططها للطاقة النووية ومن المرجح جداً أن تقلل خطة الطاقة الوطنية (2035 ) بشكل جذري القدرة النووية المفترضة سابقاً.

لقد صاحب بناء المنشآت النووية الحالية في البرازيل احتجاج شعبي وقيادة سياسية ضعيفة وأولويات غير واضحة في سياسة الطاقة. التغييرات الجذرية في السياسة النووية التي شهدتها البلاد على أعلى المستويات حملت آثاراً مهمةً — تغيير الأولويات أدى إلى تأجيل أو وقف بناء المحطات مما تسبب في تكاليف نهائية أكبر للكهرباء المنتجة .

الإفتقار الى الاستمرارية السياسية، أيضاً، عرقل جهود البرازيل في تطوير مورادها البشرية المحلية. إن الطاقة النووية تقنية متخصصة ومتطورة جداً، تتطلب كوادر بشرية مدربة في مجالات السلامة والتشغيل والصيانة والجوانب الأخرى في سلسلة الانتاج، وتوفير كل ذلك يستغرق وقتاً وجهداً مستداماً. وفي البرازيل، فإن أموراً مثل السلامة العامة وإدارة النفايات ما زالت تحتاج الى مزيد من المعالجة الكاملة والمراجعة المنهجية من قبل السلطات ومن خلال المشاورة العامة.

إن انتشار الاسلحة النووية في أمريكا اللاتينية، هي مسألة على درجة عالية من التنظيم يشرف عليها هيئات محلية ودولية موثوق بها. في الوقت ذاته، ما زلت أعتقد أنه لا توجد مساحة كبيرة للطاقة النووية لتحقيق قدر أكبر من الأهمية في إنتاج الكهرباء، سواء في البرازيل أو في معظم دول أميركا اللاتينية .



 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]