The authoritative guide to ensuring science and technology make life on Earth better, not worse.

الردع النووي والإرهاب النووي: آثارهما على الأمن العالمي

ddroundtable.png

أدرج تقرير مراجعة الموقف النووي للولايات المتحدة لعام 2010 تخفيض دور الأسلحة النووية في استراتيجية الأمن القومي ضمن الأهداف الرئيسية لسياسة الأسلحة النووية. كما قيّدت الظروف التي قد تفكر بموجبها الولايات المتحدة في استخدام الأسلحة النووية. إلا أن التقرير جدد أيضا الالتزام بـ"المحاسبة الكاملة لأي دولة أو جماعة إرهابية أو أي جهة فاعلة غير حكومية أخرى تدعم أو تمكّن محاولات إرهابية من الحصول على أو استخدام أسلحة الدمار الشامل...." هذا الالتزام - الذي يبدو أنه يترك الباب مفتوحا أمام احتمالية تعرض الدول التي توفر أسلحة الدمار الشامل لإرهابيين إلى هجوم نووي – يستهدف معالجة صعوبة ردع جماعات مثل القاعدة. لكن الالتزام يثير أسئلة صعبة حول إسناد المسؤولية عن اكتساب مجموعة إرهابية لقدرة نووية، وحول مدى توافق السياسة مع تخفيض مخزونات الأسلحة النووية وتحقيق نزع السلاح في النهاية. فيما يلي، يحاول كل من إفجيني بوزينسكي من روسيا وسعدية تسليم من باكستان ومانبريت سيثي من الهند الإجابة عن هذا السؤال: كيف تؤثر جهود الولايات المتحدة لردع الهجمات الإرهابية من خلال سياستها النووية على الأمن الدولي وجهود منع الانتشار النووي ونزع السلاح؟

يمكن قراءة مناقشات الدائرة المستديرة حول مسألة نزع السلاح والتنمية باللغة الإنجليزية والصينية والاسبانية .

الآن نحن معكم من خلال تويتر. تابعونا على @Bulletin_Arabic

Round 1

فكرة صائبة وتنفيذ صعب

في سياق تقديم تقييمات جديدة للتهديدات النووية التي تواجهها الولايات المتحدة، وضع تقرير مراجعة الموقف النووي للولايات المتحدة لعام 2010 منع الانتشار النووي والإرهاب النووي على قمة الأجندة النووية للبلاد، حيث تقدما في ترتيب القائمة على الاحتفاظ بردع استراتيجي وتعزيز الردع الإقليمي والمحافظة على ترسانة نووية آمنة ومصونة وفعالة. وهذا ليس مستغربا بالنظر إلى مدى انشغال الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة بخطر احتمالية أن يحصل إرهابيون على أسلحة نووية أو إمكانية أن تحدث دول مثل كوريا الشمالية أو إيران انتشارا أفقيا. في الحقيقة، هذان الخطران مترابطان، حيث يزيد الانتشار من فرص إمكانية حصول جهات فاعلة غير حكومية على مواد نووية.

يبدو أن الولايات المتحدة ستعالج هذه التهديدات من خلال مستويين: تكتيكي واستراتيجي. تتكون الطريقة التكتيكية من أربعة عناصر: تسريع الجهود لتأمين المواد النووية المعرضة للخطر في جميع أنحاء العالم؛ وتعطيل الشبكات الإرهابية من خلال استهداف قنوات تمويلها والقضاء على قيادتها؛ وتدعيم الأمن القومي من خلال مراقبة الحدود بشكل أفضل وإقامة دفاعات صاروخية والقدرة على ضرب الأهداف الإرهابية على نحو عاجل من على بعد؛ وكما هو مبين في مراجعة الموقف النووي، التهديد بـ"المحاسبة الكاملة لأي دولة أو جماعة إرهابية أو أي جهة فاعلة غير حكومية أخرى تدعم أو تمكّن محاولات إرهابية من الحصول على أو استخدام أسلحة الدمار الشامل".

على المستوى الاستراتيجي،  رغم ذلك، السياسة الأمريكية تحاول مواجهة المخاطر النووية من خلال تقليص دور الأسلحة النووية في استراتيجية الأمن القومي. قيّد تقرير مراجعة الموقف النووي، على سبيل المثال، استخدام الأسلحة النووية بـ"الحالات القصوى للدفاع عن المصالح الحيوية للولايات المتحدة أو حلفائها وشركائها". كما أنه احتوي على تعهد بعدم استخدام، أو التهديد باستخدام، الأسلحة النووية ضد دول غير حائزة للأسلحة النووية التي هي أطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وتبدي إمتثالا لالتزاماتها المتعلقة بالانتشار النووي. الفكرة من وراء كل هذه التدابير هى أن الأسلحة النووية سوف تصبح أقل جاذبية للدول الأخرى وسوف يكتسب نظام حظر الانتشار دعما إضافيا. 

هل هذه الطرق التكتيكية والاستراتيجية متناقضة؟ هل التهديد بمهاجمة الدول التي تحرض الإرهابيين يتنافى مع الهدف المتمثل في خفض المخزونات النووية والتحرك نحو نزع السلاح؟ بالتأكيد لا. بداية، التهديد الأمريكي  بـ" المحاسبة الكاملة" لأولئك الذين يدعمون جهودا إرهابية للحصول على أسلحة الدمار الشامل لا يعني بالضرورة أن الولايات المتحدة سوف تستخدم الأسلحة النووية في مثل هذه الحالات. حتى المبادرة الأمريكية المعروفة باسم "الضربة العالمية الفورية"، التي من شأنها تمكين الولايات المتحدة عسكريا لضرب أي نقطة على كوكب الأرض في غضون حوالي ساعة تعتمد على إيصال الأسلحة التقليدية بوسائل الإيصال الاستراتيجية. في الوقت نفسه، القيود الجديدة التي وضعتها الولايات المتحدة على استخدامها الخاص للأسلحة النووية تهدف بوضوح إلى التقليل من قيمة الأسلحة النووية – أي تهدف لدعم جهود منع الانتشار عن طريق اتخاذ إجراءات جادة نحو نزع السلاح. لذلك، ومن حيث المبدأ، فإن سياسة الولايات المتحدة تسير على الطريق الصحيح. لكن المشكلة تكمن في التنفيذ.

لن تنجح جهود الولايات المتحدة، بما في ذلك من خلال سياستها النووية، لردع الإرهاب إلا إذا حظيت بتأييد دولي صادق وواسع الانتشار. لا يمكن للولايات المتحدة أن تأمل في جعل نفسها بمأمن من الإرهاب إلا إذا أمكنها إقناع الآخرين بأن خطر الإرهاب أمر ملح ويتطلب تعاون كثير من الأطراف. من هنا تنشأ العراقيل أمام سياسة الولايات المتحدة. أحيانا تجد الولايات المتحدة نفسها غير قادرة على متابعة سياستها الخاصة. في حالات أخرى، يمكن أن ينظر إلى سياساتها على أنها تمثل تهديدا ويمكن أن تعقد العلاقات بين الدول.

باكستان هي دولة تظهر مدى القيود المفروضة على السياسة النووية للولايات المتحدة. فرغم وجود أدلة كثيرة على أن باكستان شاركت في الانتشار النووي – وأن الجيش وجهاز الاستخبارات، وهما العنصران الأكثر تأثيرا في بنية الدولة الباكستانية، قد دعما وحرضا على الإرهاب – ثمة أمران يمنعان الولايات المتحدة من اتخاذ إجراءات عقابية جادة. أحدهما هو أن الولايات المتحدة يجب أن تحصل على الدعم الباكستاني في حربها في أفغانستان. والآخر هو أن باكستان نفسها تمتلك أسلحة نووية. نتيجة لذلك، تتجاهل واشنطن إلى حد كبير المخاطر المرتبطة بترسانة باكستان النووية المتنامية والدعم الذي تحصل عليه المنظمات الإرهابية من داخل باكستان – برغم أنه لا يمكن استبعاد احتمال حصول هذه المجموعات على أسلحة النووية، بما في ذلك من خلال التواطؤ الرسمي. لذا تكتشف السياسة النووية للولايات المتحدة حدودها عند الاصطدام بدولة مسلحة نوويا حيث تنمو الجماعات الإرهابية. هناك دروس في هذا الصدد يمكن تطبيقها على دول أخرى.

وفي الوقت نفسه، تستشعر روسيا والصين تهديدا من سعي واشنطن لإقامة نظام دفاعي ضد الصواريخ الباليستية ومبادرتها المسماة بالضربة العالمية الفورية (وهي أمور تصفها الولايات المتحدة بالضرورية للدفاع ضد انتشار الأسلحة النووية والإرهاب). التوتر الناتج عن ذلك لا يفسد فقط فرص الدول الثلاثة لمعالجة المخاطر النووية المشتركة بطريقة موحدة، لكنه أيضا يضفي شرعية على جهود التحديث الاستراتيجي لموسكو وبكين. وبينما تسعى روسيا والصين لمعالجة عدم التوازن بين قواهما العسكرية وقوة الولايات المتحدة العسكرية، تزداد حالة الشعور بالتهديد في الدول الأقل قوة. والخاسر بوضوح في كل هذا هو الأمن الدولي.

إذا أرادت الولايات المتحدة التغلب على مثل تلك العقبات، فلا بد لها من صياغة استراتيجيات من شأنها أن تقدم أسبابا للدول الأخرى من أجل التعاون معها. استهلّ تقرير مراجعة الموقف النووي لعام 2010 بالإعلان عن أن حجم الترسانة النووية الأمريكية سوف تستمر في الانخفاض وأن دور الأسلحة النووية في الأمن القومي للولايات المتحدة من شأنه أن يقلل كذلك. قمم الأمن النووي، وهي مبادرة تتزعمها الولايات المتحدة، قد فعلت الكثير لرفع مستوى الوعي بقضايا الأمن النووي. لكن هناك ضرورة لاتخاذ مزيد من الخطوات، لا سيما عندما يتعلق الأمر ببناء الثقة بين الدول والشعور بهدف مشترك بين الأمم والرغبة في العمل بصورة جماعية.

ثمة خطوة هامة أخرى وهي مواصلة جهود نزع السلاح بنفس القدر من القوة المتوخاة في مواصلة جهود حظر الانتشار النووي. في مؤتمرات مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي التي أقيمت عامي 2005 و 2010، رفضت الدول غير الحائزة لأسلحة النووية أن تتحمل التزامات إضافية لمنع الانتشار ما لم يتم اتخاذ خطوات جادة تجاه نزع السلاح – ونتيجة لذلك تم تحقيق القليل في هذا الصدد. نزع السلاح النووي في حد ذاته يتطلب معالجة مثل هذه المواضيع المثيرة للنزاع مثل نظام الدفاع ضد الصواريخ البالستية وعدم التوازن في الأسلحة التقليدية وتسليح الفضاء الخارجي. قد لا تكون هذه القضايا ذات صلة مباشرة بردع الإرهاب النووي، لكن التصدي لها بشكل صحيح سوف يخلق بيئة يمكن أن يعمل فيها الردع على نحو أفضل.

الإرهاب النووي والانتشار النووي يشكلان مخاطر للبشرية جمعاء، فهما ليسا مسؤولية الولايات المتحدة وحدها. لكن الولايات المتحدة هي التي وضعت منذ فترة طويلة النغمة العالمية للشؤون النووية – وفي المجال النووي، يرتبط الأمن القومي ارتباطا وثيقا بالأمن الدولي. إن نهج واشنطن تجاه المخاطر النووية سوف يحظى بقبول كبير لو كان أكثر شمولية، ولو وجدت الولايات المتحدة حلولا قانونية وسياسية للتحديات النووية بدلا من الاعتماد بشدة على الاستراتيجية العسكرية.

ردع الإرهاب النووي: أفكار من إسلام آباد

إذا سألت علماء الاستراتيجيات والأمن في إسلام آباد بأن يقوموا بتقييم مدى تأثير ردع الولايات المتحدة للهجمات الإرهابية من خلال سياستها النووية على الأمن وجهود منع انتشار الأسلحة النووية ومبادرات نزع السلاح، فإن معظم الردود ستكون على الأرجح مركزة على التشكك الكامن في سياسة الولايات المتحدة. على سبيل المثال، بعض الجوانب التنفيذية لمكافحة الإرهاب من خلال الردع النووي غير واضحة تماما – كيف يمكن للولايات المتحدة أن تثبت أن دولة ما كانت متواطئة في عمل من أعمال الإرهاب النووي؟ كيف يتم الاحتراز من التقديرات والحسابات الخاطئة؟ لكن الحقيقة هي أنه لم يسبق للعديد من العلماء في باكستان النظر بجدية في الآثار المترتبة على مراجعة الموقف النووي للولايات المتحدة عام 2010، كما أن مناقشة هذا الموقف كانت مهملة نوعا ما.

من وجهة نظري، ردع الهجمات الإرهابية من خلال ترك الباب مفتوحا أمام إمكانية استخدام الأسلحة النووية يمثل عدم تناسب كبير بين النهايات السياسية والوسائل العملية. في الواقع، الفجوة واسعة جدا، بحيث تبدو مثل هذه السياسة غير فعالة كرادع. ومما لاشك فيه أنه يصعب اختبار قيمة الأسلحة النووية في ردع التهديدات غير المتماثلة بشكل تجريبي. غير أن الأسلحة النووية لم تفعل شيئا لمنع الهجمات الإرهابية البشعة التي نفذت ضد الولايات المتحدة في عام 2001 وبريطانيا في عام 2005.

يدعي تقرير مراجعة الموقف النووي أن الولايات المتحدة تعمل على التقليل من أهمية الأسلحة النووية في الشؤون الدولية، لكن هذا التخفيض غير مميز بوضوح في السياسة في حد ذاتها. على العكس من ذلك: ربط الردع النووي بالإرهاب يضخم من فعالية الردع ويبدو من وجهة نظر خارجية أنه يقوم فقط بتعزيز قيمة أن السياسة الأمنية للولايات المتحدة متوافقة مع الأسلحة النووية. وبالتالي فإنه يخلق تحديات خطيرة لأنصار منع الانتشار ونزع السلاح في الدول التي لديها ترسانات نووية صغيرة، وبهذا الشعور يقوض نظام منع الانتشار القائم.

لذا إذا كانت سياسة الولايات المتحدة تجاه الردع النووي تسهم قليلا في الردع وحتى بصورة أقل من ذلك في الأمن الدولي، فمم يتكون النهج الأكثر فعالية؟ بشكل أساسي، سينطوي على منع الوصول إلى مواد حساسة في حين يهدد أيضا باستخدام القوة العسكرية التقليدية ضد الدول التي تدعم إرهابيين. سيكون هذا النهج صحيحا ليس فقط من منظور الردع ولكن أيضا من منظور منع الانتشار: على الرغم من أنه لن يقنع الدول التي تملك ترسانات نووية صغيرة بنزع سلاحها، فإنه على الأقل سيقوض من القيمة الرمزية للأسلحة النووية.

لا يمثل تهديدا. لم يلق تقرير مراجعة الموقف النووي سوى اهتمام قليل نسبيا في باكستان لأن البلاد تواجه تحديات داخلية وخارجية لا حصر لها حظت بالانتباه – وعلى وجه الخصوص، المكافحة المستمرة ضد الإرهاب. لكن عندما يوجه الاهتمام إلى القضايا النووية، فإن بعض المواضيع تتكرر ويتردد صداها من جديد، وجميعها تشمل الهند: اتفاقية التعاون النووي بين الهند والولايات المتحدة عام 2008 وآثارها على منع انتشار الأسلحة النووية؛ العقيدة العسكري للهند المسماة بـ"البداية الباردة" (والتي تتصور توجيه ضربات سريعة ضد باكستان دون المساس بالعتبة النووية لإسلام آباد)، وبرنامج الهند للدفاع ضد الصواريخ الباليستية. وعلى الرغم من العقيدة العسكرية الباكستانية التي تحدد الإرهاب كأكبر مصدر للقلق الأمني في البلاد، فالإرهاب النووي على وجه الخصوص لا يمثل قضية تحظى باهتمام كبير.

عندما يفكر الباكستانيون في الإرهاب النووي، تختلف الآراء حول مدى خطورة التهديد الذي يمثله. البعض يراه على أنه إمكانية مثيرة للقلق؛ والبعض الآخر يعتقد أنه خطر مبالغ فيه. لكن في إسلام آباد هناك إجماع كبير سائد حول الحاجة إلى معالجة حتى أبعد إمكانية يمكن أن يصل إليها الإرهاب النووي. وبناء على ذلك، استجابت باكستان بشكل إيجابي للمبادرات الرئيسية لمنع الانتشار – قمم الأمن النووي، والمبادرة العالمية لمكافحة الإرهاب النووي وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1540 (والذي يلزم الدول بوضع ضوابط محلية لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل).

فيما يتعلق بالمخاوف التي يطلقها غالبا محللون أمريكيون وتبثها وسائل الإعلام الغربية بأن الارهابيين قد يحصلون على أسلحة أو مواد نووية من داخل باكستان، تبدو إسلام آباد واثقة من قدراتها على منع أي احتمالية من هذا القبيل. إن ذلك، بجانب الثقة التي تستمدها باكستان من تعاونها الوثيق مع الولايات المتحدة، يمنع الباكستانيين من تصور أن سياسة الردع النووي للولايات المتحدة تمثل تهديدا. إن شعور باكستان بالتهديد سوف يتركز في ناحية أخرى.

ومع ذلك، الاحساس بخيبة الأمل تجاه الولايات المتحدة منعكس بشكل كبير في الخطاب الشعبي في باكستان. خيبة الأمل في الأساس ناجمة عن هجمات الطائرات بدون طيار والآثار المترتبة على الشراكة الاستراتيجية بين الهند والولايات المتحدة. العملية التي أسفرت عن وفاة أسامة بن لادن أثارت قلقلا في وسائل الإعلام الباكستانية، لكن لا يبدوا أن تلك الحادثة كان لها أثر دائم على شعور البلاد بالتهديد من قبل الولايات المتحدة. الهواة فقط هم من يتخيل تخطيط الولايات المتحدة لتدمير الأسلحة النووية الباكستانية أو تخريب قدراتها الاستراتيجية. النظريات العلمية لا تردد صدى هذا التهويل، كما أن دوائر صنع السياسات ليست مهتمة بهذه النظريات بعيدة الاحتمال. كما يمكن أن يتوقع في أي دولة مسلحة نوويا، صناع القرار الباكستانيون يؤكدون على أن باكستان لن تغض الطرف حتى عن أبعد التهديدات المتصورة لسلامتها وأمنها. لكن سياسة الردع النووي للولايات المتحدة لا ينظر إليها على أنها تشكل تهديدا.

وجهان لعملة واحدة

مراجعة الموقف النووي للولايات المتحدة (إبريل 2010) يَنُم عن عقيدة نووية تعكس عن كثب سياسات إدارة أوباما ويقدم ابتكارات استراتيجية جوهرية. يبرز التقرير الحاجة إلى الاحتفاظ بقدرة للردع النووي – لكنه أيضا يقلل من ” أهمية الأسلحة النووية في الشؤون الدولية” ويؤكد على وجود نية لتخفيض الترسانة النووية للولايات المتحدة.

تنص العقيدة الجديدة على أن “الدور الأساسي لأسلحة الولايات المتحدة النووية، والتي سوف تبقى طالما وجدت أسلحة نووية، هو ردع أي هجوم نووي على الولايات المتحدة أوحلفائها أوشركائها.” لكن الولايات المتحدة “ستنظر فقط في استخدام الأسلحة النووية في الحالات القصوى للدفاع عن المصالح الحيوية للولايات المتحدة أو حلفائها وشركائها”. تم تخفيض دور الأسلحة النووية في ردع الهجمات التقليدية والكيميائية والبيولوجية – وتؤكد الوثيقة أن الترسانة النووية التي ورثتها الولايات المتحدة منذ فترة الحرب الباردة لا تتناسب مع التحديات التي يشكلها الإرهابيون والأنظمة العدائية التي تسعى للحصول على أسلحة نووية. لذلك، تقرر الوثيقة أنه “من الضروري أن نجعل سياساتنا وأوضاعنا النووية متوافقة بشكل أفضل مع أولوياتنا الأكثر إلحاحا – منع الإرهاب النووي وانتشار الأسلحة النووية”.

التزام الولايات المتحدة بـ”المحاسبة الكاملة لأي دولة أو جماعة إرهابية أو أي جهة فاعلة غير حكومية أخرى تدعم أو تمكّن محاولات إرهابية من الحصول على أو استخدام أسلحة الدمار الشامل” يبدو أنه يعني أن الولايات المتحدة ستواصل جهودها لوقف انتشار أسلحة الدمار الشامل من خلال جميع الوسائل الممكنة، والتي تشمل الخيارات العسكرية – لكني على يقين بأن استخدام الأسلحة النووية في هذا السياق مستبعد. ومع ذلك، فالالتزام لا يعزز الأمن الدولي، لأن الخيارات العسكرية المتوقعة في إطار هذه السياسة ستكون على الارجح بمثابة قرارات أحادية الجانب من قبل الولايات المتحدة باستخدام القوة ضد دولة ذات سيادة أو جهة فاعلة غير حكومية تعمل داخل حدود دولة ذات سيادة. وهذا لا يسهم في عملية نزع السلاح (النووي وغيره) لأن اعتماد الولايات المتحدة على الخيارات العسكرية غير النووية يفترض أن الأسلحة التقليدية الحالية سوف يتم تحسينها وأن أسلحة جديدة سوف يتم تطويرها، مما يعطي حافزا جديدا لسباق التسلح العالمي. إن ذلك يساهم إلى حد ما في عمليات منع الانتشار النووي، على الأقل بقدر ما يرتبط هدفه مع تلك العمليات.

على أية حال، أنا واثق من أن مجمل السياسة الأمريكية التي أُعرب عنها في مراجعة الموقف النووي تُقر بأن الأسلحة النووية قد يكون لها تأثير عكسي على انتشار أسلحة الدمار الشامل – وهذا يعني، أنه كلما زاد الاعتماد على الأسلحة النووية كوسيلة للردع، قد ترغب دول أخرى في الحصول على تلك الأسلحة. علاوة على ذلك، أوضح لي التقرير أن الرئيس أوباما وإدارته يدركان أن الأسلحة النووية لا يمكنها حل المشاكل الحيوية للقرن 21: انتشار أسلحة الدمار الشامل والإرهاب والصراعات الإقليمية والهجرة الجماعية للاجئين التي قد تنتج عن تلك المشاكل والحروب الإلكترونية والجريمة المنظمة والاتجار غير المشروع بالمخدرات. إن تقليص دور الأسلحة النووية في سياسة الولايات المتحدة الأمنية هو أمر إيجابي بشكل لا لبس فيه.

غير أن هناك وجها آخر للعملة. فقد أخفق تقرير مراجعة الموقف النووي في تحديث السياسات المتعلقة بنشر وتحديث القوات النووية وبنياتها التحتية، كما أن طريقة مراجعة الموقف النووي لعملية التحديث تؤكد على بقاء القوات النووية كأداة رئيسية لاستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة لعقود قادمة.

وفيما يتعلق بالنشر، لم يتضمن التقرير أي تغييرات جوهرية في بنية القوة النووية للولايات المتحدة – القاذفات الثقيلة والصواريخ الباليستية العابرة للقارات والصواريخ البالستية التي تطلق من الغواصات – أو وضعها في حالة تأهب. كما يشير إلى نهج عدائي فيما يتعلق بالتحديث. وينص على أن الولايات المتحدة تخطط لتطوير ونشر جيل جديد من وسائل إيصال الأسلحة النووية على مدى العقدين القادمين، ويشمل ذلك غواصات الصواريخ البالستية والصواريخ الأرضية؛ وأنها سوف تستبدل القاذفات المقاتلة الحالية ذات القدرة النووية بمقاتلات الغارة المشتركة إف-35 القادرة على التخفي، وأنها سوف تدرس إمكانية وكيفية استبدال صواريخ كروز الحالية التي تطلق من الجو، وأنها لن تقبل بوجود قيود على برنامجها للدفاع الصاروخي وسوف تحتفظ بخيارات لنشر صواريخ مسلحة تسليحا تقليديا. كما نص تقرير لاحق صادر من البيت الأبيض لمجلس الشيوخ بشأن التصديق على معاهدة “ستارت الجديدة” على أنه “على مدى العقد المقبل سوف تستثمر الولايات المتحدة أكثر من 100 مليار دولار في وسائل إيصال الأسلحة النووية للحفاظ على قدراتها الحالية وتحديث بعض النظم الاستراتيجية”.

ذكر تقرير مراجعة الموقف النووي أيضا أن العمل على تمديد العمر الافتراضي للرؤوس الحربية سوف يمضي قدما بالنسبة للرؤوس الحربية دابليو-76 للصواريخ البالستية التي تطلق من الغواصات؛ وقنابل بي-61، المنتشرة على القاذفات المقاتلة؛ والرؤوس الحربية دابليو-78، المنتشرة على الصواريخ الأرضية. وبرغم أن التقرير يزعم أن العمل لن “يدعم المهام العسكرية الجديدة أو يزود قدرات عسكرية جديدة”؛ فإن تمديد العمر الافتراضي لرؤوس دابليو-76 يعزز في الواقع من القدرة على ضرب الأهداف الصعبة. كذلك، القدرة العسكرية لا تعتمد على الرؤوس الحربية وحدها، وإجراء تحسينات على وسائل إيصال الأسلحة مازال جاريا، على سبيل المثال، تجري تحسينات على نظم التحكم والأوامر والاستهداف للمقاتلة إف-35.

في الوقت نفسه، يجرى التخطيط لاستثمارات كبيرة في مرافق إنتاج الأسلحة، والذي يفترض منه التحوط ضد مزيد من التخفيضات للرؤوس الحربية النووية المنشورة وغير المنشورة. كما تخطط الإدارة لإنفاق 80 مليار دولار حتى عام 2020 على مجمع الأسلحة النووية، بالإضافة إلى تخصيص 100 مليار دولار لوسائل الإيصال.

أعتقد أن الولايات المتحدة، فضلا عن روسيا وسائر الدول النووية بحكم الشرعية أو بحكم الأمر الواقع، ينبغي أن تواجه التهديدات والتحديات الحقيقية للقرن الـ21 من خلال تحديث استراتيجياتها النووية باتخاذ خطوات أبعد من تلك المتوخاة في مراجعة الموقف النووي لعام 2010 . إن الدفع الرئيسي لهذا التحديث سيأتي من خلال نوعين من التحول: التحول من الأساليب الفردية لمعالجة التهديدات المحلية والإقليمية الناشئة إلى الأساليب الجماعية، والتحول من التحكم “الايجابي” في الأسلحة النووية، الذي يؤكد على القدرة على استخدام القدرات النووية بسرعة، إلى التحكم “السلبي”، الذي يركز على منع الاستخدام غير المقصود أو غير المصرح به للأسلحة النووية أو الاستيلاء عليها من قبل إرهابيين.

يمكن أن تساعد الولايات المتحدة ودول أخرى في تنفيذ هذه التحولات وأن تساهم أيضا في منع انتشار الأسلحة النووية والحد من التهديدات الإرهابية، إذا اتخذت بضعة خطوات محددة. ينبغي دمج مخزونات الأسلحة النووية وجعلها أكثر أمانا، وينبغي إدخال آليات حماية أكثر موثوقية. ينبغي تخفيض أعداد الرؤوس الحربية العاملة المنتشرة ووسائل إيصال الأسلحة. كما ينبغي زيادة الوقت اللازم لتحقيق الجاهزية القتالية للقوات النووية – إلى ما بين 24 و 72 ساعة. القوات التقليدية ينبغي أن تكون على استعداد للاشتباك في القتال في خلال الـ 24 إلى 72 ساعة الأولى من بدء الصراع، حتى يتم هزيمة العدو أو يتم تحقيق الجاهزية النووية بالكامل. ينبغي تنظيم القيادة والسيطرة ونظم الإنذار المبكر بحيث يمكن تنسيق الجهود القتالية بشكل ملائم خلال المراحل الأولى من الصراع، وذلك في الوقت الذي يتم فيه انتقال التحكم في القوات النووية من السلبي إلى الإيجابي. فمن خلال مثل هذه الخطوات يمكن فعلا أن يتم تخفيض أهمية الأسلحة النووية في الشؤون الدولية.

Round 2

تجاوز المصالح القومية الضيقة

أشارت زميلتي سعدية تسليم في مقالها الثاني، خلال مناقشتها ما إذا كان يمكن اعتبار باكستان هدفا محتملا لسياسة الردع النووي للولايات المتحدة، إلى أن بلادها لم "تساعد إرهابين في الحصول على أسلحة دمار شامل". هذا صحيح – حتى الآن. ورغم أنه من المطمئن أن باكستان قامت خلال السنوات الأخيرة بسَنّ إجراءات لتعزيز أمنها النووي، لا يزال هناك أمر مقلق: فقد نفذ إرهابيون في الفترة ما بين 2007 و 2012 ست هجمات على منشآت عسكرية حساسة في باكستان ، يعتقد أن بعضها كان يحتوي على مكونات نووية، حيث أظهر الإرهابيون مقدرة على الاختراق تدريجيا لنحو أعمق. في هذه الأيام، المنظمات الإرهابية الناشئة في باكستان تعارض الولايات المتحدة والهند بنفس القدر الذي  تعارض به مؤسسات الدولة، وكما ذكرتُ في الاجتماع الأول للمائدة المستديرة، فإنه لا يمكن استبعاد التواطؤ الداخلي معهم. وبينما تقوم باكستان بشكل محموم بتوسيع ترسانتها النووية وتنويعها لتشمل قدرات تكتيكية، تتضاعف أيضا المصادر التي قد يستطيع إرهابيون من خلالها الوصول إلى أسلحة نووية. لجميع هذه الأسباب، لا زلت أعتقد أن باكستان ما هي إلا واحدة من الدول التي قد تجد نفسها مخالفة لسياسة الولايات المتحدة تجاه الإرهاب والردع النووي.

غير أنّ إقامة الدليل على تواطؤ الدولة مسألة معقدة، وقد أثارت تسليم نقطة صحيحة عندما تساءلت كيف يمكن للولايات المتحدة أن تحترز من التقديرات والحسابات الخاطئة. لكن الطب الشرعي النووي يبشر بإقامة الدليل على استحقاقية اللوم: تحليل الغبار الإشعاعي المتساقط يمكن أن يقدم أدلة قيمة عن نوع ومصدر المواد الانشطارية المستخدمة في تفجير ما. أيضا، الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع التي تُنفذ عبر الفضاء تجعل الأنشطة النووية لأية دولة أكثر شفافية. وعلى المدى الطويل، لن تكون هناك دولة قادرة على الإفلات من العواقب إذا ما كانت متواطئة في عمل من أعمال الإرهاب النووي.

لحسن الحظ، لم تقع قط حادثة إرهاب نووي. لكن هذا لن يدوم ما لم يتم تطوير نهج طويل الأجل وأكثر شمولية تجاه وجود الأسلحة النووية. زملائي المشاركون في هذه المائدة المستديرة لا يحدوهم أمل كبير في إمكانية تحقيق ذلك. إذ يبدو أن تسليم قليلة التفاؤل بشأن الحد من التسلح في جنوب آسيا؛ كما أن إيفجيني بوزينسكي يُقدِّر على نحو متشائم أن نزع السلاح النووي أمر غير واقعي.

إذا لم تجد فكرة وجوب القضاء على الأسلحة النووية قبولا عالميا، فثمة خطوة قيمة تكمن في تقليل القيمة الممنوحة للأسلحة النووية. قدمت الولايات المتحدة خطوة موضع ترحيب في هذا الصدد عن طريق إصدارها لتقرير مراجعة الوضع النووي عام 2010 (على الرغم من أن سياسة الولايات المتحدة النووية يمكن انتقادها من عدة جوانب). إني أستحسن نوعىّ "التحول" اللذين اقترحهما بوزينسكي في مقاله الأول- التحول إلى الأساليب الجماعية لمواجهة التهديدات الناشئة بدلا من الأساليب الوطنية، والتحول إلى التحكم السلبي في الأسلحة النووية بدلا من التحكم الإيجابي.

أود أن أضيف تحولا آخر إلى هذه القائمة. قد تكمن طريقة غير مباشرة لمكافحة الإرهاب النووي في وضع معيار شرعي ضد استخدام الأسلحة النووية. أعلم أن الإرهابيين لا يلعبون وفق القواعد، لكن وجود اتفاقية عالمية ملزمة من الناحية القانونية لحظر استخدام والتهديد باستخدام الأسلحة النووية من شأنها أن يكون لها تأثيران هامّان على الإرهاب النووي. أولا، ستتقلل من قيمة الأسلحة النووية كأدوات للدولة، وهذا من شأنه أن يقلل من السرية والتعتيم الذين يحيطان بالأسلحة النووية، وأن يعزز من شفافية حساب المواد النووية والرؤوس الحربية؛ وفي نهاية المطاف التقليل من خطر السرقة. ثانيا، من خلال تعزيز الشفافية والثقة، فإن مثل هذه الاتفاقية ستسهل التعاون الدولي في تبادل المعلومات الاستخباراتية وإنفاذ القانون، وبالتالي تعزيز الأمن العالمي. إن الأمم التي ستتوحد لمكافحة انتهاكات لهذا المعيار ستكون مجهزة جماعيا – سياسيا وأخلاقيا- بشكل أفضل للرد على الانتهاكات، سواء نُفذت من قبل جهات فاعلة من الدول أو من غير الدول.

أشار بوزينسكي إلى أن "الأسلحة النووية لا يمكنها حل المشاكل الحيوية للقرن الـ21." في الحقيقة إنه لا يمكنها ذلك، وأنا أزعم أن الأسلحة النووية ببساطة تخلق مشاكل جديدة. الأسلحة النووية تخدم المصالح القومية الضيقة الراسخة فقط،؛ ويجب على القادة أصحاب الرؤى النظر إلى ما هو أبعد من هذه المصالح والتركيز بدلا من ذلك على الأمن العالمي.

مظاهر ايجابية وأخرى سلبية

حللت زميلتي مانبريت سيثي في مقالها الأول في اجتماع المائدة المستديرة المستويات التكتيكية والاستراتيجية لسياسة الولايات المتحدة تجاه الانتشار النووي والإرهاب وخلصت إلى أن الولايات المتحدة، من حيث المبدأ، تسير على الطريق الصحيح. لكنها احتجت بعد ذلك بأن سياسة الولايات المتحدة تصطدم بعراقيل عندما يتعلق الأمر بالتنفيذ – واستشهدت بباكستان كمثال على مدى حدود هذه السياسة. وكتبت، على وجه التحديد، أن الولايات المتحدة لم تتخذ "إجراءات عقابية جادة" ضد باكستان برغم وجود"أدلة كثيرة على أن باكستان شاركت في الانتشار النووي – وأن الجيش وجهاز الاستخبارات… قد دعما وحرضا على الإرهاب".  

لكن لا يوجد في السياسة الأمريكية ما يشير إلى  أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تتخذ اجراءات عقابية ضد باكستان. في تقرير مراجعة الموقف النووي للولايات المتحدة لعام 2010، جددت الولايات المتحدة التزامها بـ" المحاسبة الكاملة لأي دولة … تدعم أو تمكّن محاولات إرهابية من الحصول على أو استخدام أسلحة الدمار الشامل…". باكستان ليست هذه الدولة. حتى لو قبل المرء أن باكستان شاركت في الانتشار النووي في الماضي، أو اعتقد أن ثمة عناصر من داخل باكستان دعمت وحرضت على الارهاب، فلا يمكن اتهام باكستان بفعل الشيئ الوحيد الذي قد يخضعها لـ"إجراءات عقابية" التي ناقشتها سيثى –وهو مساعدة إرهابيين في الحصول على أسلحة دمار شامل. إن عنصر السياسة الأمريكية محل المناقشة في اجتماع المائدة المستديرة هذا لا يحمل ببساطة علاقة مباشرة بالسلوك الباكستاني.  

ورغم ذلك، فمن الجدير أن نتذكر أن ما تم كشفه منذ حوالي عقد مضى عن أنشطة متعلقة بالانتشار  النووي لشبكة عبد القادر خان كان له جانب إيجابي في باكستان: الضغط الدولي عموما وضغط الولايات المتحدة خصوصا تركا انطباعا لدى إسلام آباد بأن التسلح النووي ينطوي على مسؤوليات خطيرة. تجاوبت باكستان من خلال إدخال مجموعة من التدابير الأمنية النووية، كما أنها تتعاون حاليا مع العديد من المبادرات العالمية التي تهدف إلى منع وصول إرهابيين إلى منشآت نووية ومواد حساسة. باكستان اليوم في خضم ربما أسوأ موجة إرهاب واجهتها في تاريخها، لكنها على مدى تلك المواجهة نجحت في الحفاظ على مواقعها وموادها النووية. إن ذلك لا ينبغي أن يكون أساسا للرضا الذاتي، لكنه ينبغي على الأقل أن يخفف من المخاوف بشأن سلامة وأمن الترسانة النووية الباكستانية.

في الوقت نفسه، ناقش إفجيني بوزينسكي في مقاله الثاني اعتقادي بأن الولايات المتحدة، من خلال ربط الردع النووي بالإرهاب، تضخم من فعالية الردع وتبدو من وجهة نظر خارجية أنها تقوم فقط بتعزيز قيمة أن السياسة الأمنية للولايات المتحدة متوافقة مع الأسلحة النووية. افترض بوزينسكي من حديثي أنني أعتبر ربط الردع النووي بالإرهاب مصطنع، "وليس إلا مجرد ذريعة أخرى للولايات المتحدة لتواصل الاعتماد على ترسانتها النووية بشكل كبير". هذا ليس صحيحا تماما. فأنا لا أعتقد أن الربط مصطنع – ولكني أعتقدأنه غير فعال، بقدر ما أن أهدافه ووسائله التنفيذية غير متكافئة. وأعتقد أيضا أن هذا الربط يضر أكثر مما يساعد في قضية منع انتشار الأسلحة النووية، بغض النظر عما قد تكون عليه نوايا إدارة أوباما.

ذكر بوزينسكي أيضا تأكيدي على أن ربط الردع النووي بالإرهاب يخلق، في الدول التي لديها ترسانات نووية صغيرة، تحديات خطيرة لأنصار منع الانتشار ونزع السلاح. كتب بوزينسكي "أعتقد أنها كانت تشير في المقام الأول لبلدها- باكستان". لم أكن أشير إلى باكستان في المقام الأول – كان تعليقي عاما في طبيعته – لكن بالتأكيد باكستان ليست استثناء من فكرة أن الدول التي لديها ترسانات نووية صغيرة لن تكون متحفزة لنزع أسلحتها جراء تصورها أن الولايات المتحدة تعزي قيمة أمنية كبيرة إلى الأسلحة النووية. في نفس الوقت، سياسة الولايات المتحدة النووية ليست بأي حال هي المحرك الرئيسي للانتشار أو الفشل في نزع السلاح. إذ يمكن لمناصري الانتشار النووي أن يجدوا الكثير من المبررات لإنشاء أو توسيع الترسانات النووية.

أخيرا، ناقش بوزينسكي وسيثي قضايا مثل برنامج الدفاع الأمريكي ضد الصواريخ البالستية والتفوق الذي تتمتع به الولايات المتحدة في الأسلحة التقليدية، من حيث التحديات التي تضعها هذه القضاياأمام منع انتشار الأسلحة النووية ونزع السلاح. أود أن أضيف أن نفس هذه القضايا مطروحة في جنوب آسيا. إن برنامج الدفاع الهندي ضد الصواريخ الباليستية والتفاوت المتزايد في القدرة العسكرية التقليدية في المنطقة ينذران بسوء بشأن الحد من التسلح في المنطقة.

كيفيةعمل السياسة الأمريكية ضد نزع السلاح

إن دلّ مقالا زميلتيّ سعدية تسليم ومانبريت سيثي في اجتماع المائدة المستديرة على شيئ فيما يتعلق بالنظرة المتبادلة بين باكستان والهند تجاه سياساتهما النووية، فإنما يدل على أن أهمية الردع النووي في جنوب آسيا سوف تزداد قطعا. ستزداد أعداد الرؤوس الحربية، وكذلك وسائل إيصالها. قد يأمل نشطاء حظر الانتشار النووي، من خلال إقناع باكستان والهند بالتخلص من ترساناتيهما النووية والانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية كدول غير حائزة لأسلحة نووية، تصعيب الأمور أمام الإرهابيين للوصول إلى أسلحة نووية. لكن استنادا إلى وجهتى نظر زميلتىّ، تبدواهذه الآمال غير واقعية على الإطلاق.

لكن بالرجوع إلى القضية الرئيسية لاجتماع المائدة المستديرة هذا – وهي كيف تؤثر سياسة الردع النووي للولايات المتحدة على الأمن الدولي وجهود منع الانتشار ونزع السلاح –فقد طالعت باهتمام بالغ استعراض"تسليم"للطريقة التي تربط بها سياسة الولايات المتحدة للردع النووي بالإرهاب. فقد كتبت إن هذا الربط "يضخم من فعالية الردع ويبدو من وجهة نظر خارجية أنه يقوم فقط بتعزيز قيمة أن السياسة الأمنية للولايات المتحدة متوافقة مع الأسلحة النووية". إذا فهمت ما تقصده بشكل صحيح، فهي بذلك تعتقد أن هذا الربط مصطنع، وليس إلا مجرد ذريعة أخرى للولايات المتحدة لتواصل الاعتماد على ترسانتها النووية بشكل كبير. وعندما كتبت أن الربط "يخلق تحديات خطيرة لأنصار منع الانتشار ونزع السلاح في الدول التي لديها ترسانات نووية صغيرة"،أعتقد أنها كانت تشير في المقام الأول لبلدها- باكستان. بأخذ ما تقدم في الاعتبار، فإن تصورات تسليم تعزز فقط من قناعتي بأن إزالة الأسلحة النووية من العالم، على الرغم من هدفها النبيل، أمر غير واقعي في المستقبل المنظور.

في الوقت نفسه، كتبت"سيثي" أنه "تستشعر روسيا والصين تهديدا من سعي واشنطن لإقامة نظام دفاعي ضد الصواريخ الباليستية ومبادرتها المسماة بالضربة العالمية الفورية". لا أملك غير أن أؤكد أن انطباعها هذا صحيح، إذ لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن لمشروعي الولايات المتحدة هذين أن يسهما بأي شيء في جهود مكافحة الارهاب وخصوصا في منع الانتشار النووي. بل على العكس، فإنها يزيدان فقط من مخاطر الصراع النووي بين القوى الكبرى ويجعلان الأسلحة النووية أكثر جاذبية. أو أنهما، على أقل تقدير، سوف يثنيان روسيا عن إجراء مزيد من التخفيضات في ترسانتها النووية، كما سيثنيان الصين عن إيقاف ترسانتها النووية عند مستوياتها الحالية.

فكرة الضربة العالمية الفورية، من وجهة نظر روسيا، خطيرة للغاية. تتلخص الفكرة في أن الجيش الأمريكي سيكون قادرا على توجيه ضربة بسرعة لأي بقعة على هذا الكوكب بأسلحة تقليدية عالية الدقة بواسطة وسائل إيصال استراتيجية (في الأساس ستطلق من الغواصات). جاء الدافع الأول للمشروع من عجز الولايات المتحدة في عام 2001 للتوصل إلى أسامة بن لادن في مخبئه في مجموعة كهوف تورا بورا بأفغانستان. لكن ثمة مشكلة رئيسية: أنظمة الإنذار المبكر الروسية لا يمكنها التمييز بين الصواريخ بعيدة المدى سواء التقليدية أوالمسلحة نوويا. لذا فإن العواقب المحتملة إذا تم إطلاق صاروخ في اتجاه روسيا واضحة للغاية. إن هذا مُقلق بصورة خاصة لأن أقصر طريق نحو تهديد منشؤه جنوب روسيا (حيث تنشأ غالبية التهديدات المعاصرة) ربما يكمن فوق القطب الشمالي، وهذا يمكن أن يؤدي بسهولة لمرور صواريخ فوق أراضي روسيا الشاسعة. هذا هو أكثر الأمثلة وضوحاعلى وجود تهديد صاروخي لروسيا، لكن قد تكون هناك أمثلة أخرى. فمثلا، في حال أُطلق صاروخ باليستي من غواصة في شمال المحيط الأطلسي نحو هدف في دولة واقعة جنوب روسيا، فلن يمر فوق القطب الشمالي، لكنه سيمر فوق روسيا. الأمر نفسه ينطبق على إطلاق صواريخ باليستية من غواصات في وسط المحيط الهادي.

في الوقت الحالي، تواصل الولايات المتحدة تطوير نظامها الدفاعي ضد الصواريخ الباليستية بالرغم من مخاوف واعتراضات روسيا والصين. نظام الدفاع الصاروخي للولايات المتحدة سوف يثني هاتين الدولتين، وربما غيرهما، عن تقليص دور الأسلحة النووية في معتقداتها العسكرية. الردع يعتمد على التوازن، فإذا تم الإخلال بالتوازن الاستراتيجي بين روسيا والولايات المتحدة، فستجد موسكو أنه من المستحيل أن تستمر في تخفيض ترسانتها النووية، إذ أن التخفيضات إذا ما جاوزت حدا معينا سوف تترك روسيا دون رادع نووي موثوق به.

Round 3

مصالح شخصية وتهديدات وهمية

المقال الثالث لإيفجيني بوزينسكي يلخص عقلية تمنع الأمم من التفكر بجدية في أشكال للأمن الدولي لا ترتكز على أسلحة نووية.

كتب بوزينسكي، معلنا عن شروط صارمة لإجراء مزيد من التخفيضات في الترسانة النووية الروسية، أنه يجب على روسيا أولا "اللحاق بركب الولايات المتحدة في مجال الأسلحة التقليدية وعالية الدقة." للأسف، هذا يدل على أنه إذا قامت الولايات المتحدة بتهديد روسيا بأسلحة تقليدية وعالية الدقة، فيمكن أن ترد موسكو بطريقة معقولة بهجوم نووي. وفي الوقت نفسه، أعرب بوزينسكي عن قلقه إزاء التحديثات العسكرية للدول الواقعة على طول أو بالقرب من حدود روسيا، وكتب أنه "يجب أن تشعر موسكو بالأمان بشأن سلامة أراضيها" قبل أن تستطيع إجراء مزيد من التخفيضات في ترسانتها النووية. لكن إذا لحقت موسكو بركب واشنطن في مجال الأسلحة التقليدية وعالية الدقة، فسوف ترغب دول أخرى بدورها في اللحاق بالركب. إذن، هل العالم محكوم عليه أن يعيش في حالة من الخوف الدائم؟

ولعلّ السؤال الأقرب إلى صلب الموضوع هو: هل سيظل الشعور بالتهديد عاليا في روسيا لأن زيادة التهديدات تصب في مصلحة صناعة الدفاع المؤثرة والمتحالفة مع زمرة سياسية ذات نفوذ؟ يمكن طرح سؤال مماثل حول باكستان: هل سيظل الجيش الباكستاني يعتقد أن الهند تشكل تهديدا لأن التخلي عن هذا الاعتقاد من شأنه أن يقوض أهمية الجيش في هيكل السلطة في باكستان؟

إذا ظلت الدول أسيرة لتصورات التهديد التي يدفعها للأمام هؤلاء الذين لديهم حوافز لإدامتها، ستكون "الأسلحة النووية باقية معنا لفترة" وفقا لعنوان المقال الثالث لبوزينسكي. وستبقى لفترة طويلة. وسيبقى معنا خطر الحرب النووية والإرهاب النووي لفترة طويلة أيضا.

تخطي الحدود. في الاجتماع الثاني، اقترحتُ اتفاقية عالمية ملزمة من الناحية القانونية لحظر استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية. في الاجتماع الثالث، سجّل بوزينسكي اعتراضاته على ذلك الاقتراح.

أولا، قال:"لا أفهم ما هو المغزى من امتلاك دولة لأسلحة نووية إذا لم تتمكن من استخدامها". لكن هذا هو المقصود بالضبط. لا ترغب الدول في نزع أسلحتها لأنها تعتقد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية – إما عسكريا أو سياسيا. لكن إذا كانت هناك اتفاقية عالمية تحظر استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية، فستصبح الترسانات النووية عديمة الفائدة. وبمرور الوقت، ستصبح الأمم على استعداد لنزع أسلحتها.

ثانيا، تساءل بوزينسكي كيف يتم الربط بين معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وبين الاتفاقية التي اقترحتها، مستفسرا إذا كان نيل عضوية الاتفاقية سيسمح للدول غير الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي بأنهم "سيكتسبون فجأة الاعتراف بهم كدول حائزة لأسلحة نووية". الشيئ الذي يتجاهله بوزينسكي هو  أنه في حال اكتسبت هذه الدول الاعتراف بأنها دول حائزة لأسلحة نووية، فإنها ستتخلي أيضا عن حقها في استخدام أسلحتها النووية. ولن يكون مهما الوضع الذي ستمنحه الاتفاقية للدول خارج معاهدة حظر الانتشار النووي.

ثالثا، يعترض بوزينسكي على أن الاتفاقية ستلغي مفهوم الردع النووي، وبالتالي ستضطر الدول المسلحة نوويا لإعادة كتابة عقيدتها العسكرية.وماذا في ذلك؟ ألا تقوم الدول بالفعل بمراجعة عقائدها العسكرية بشكل دوري لمواكبة التهديدات والتقنيات المتغيرة؟

قد تكون اتفاقيتي المقترحة، كما يقول بوزينسكي" ليست مناسبة لظروف الوقت الحاضر" لكن هذا هو امتياز المثقفين- كلا، بل واجبهم- لتخطي الحدود.

التهديد الحقيقي. يعتقد زميلىّ في اجتماع المائدة المستديرة هذا أن الوضع النووي الراهن خطير. لكن، بصورة مخيبة للآمال، لا يبدو أي منهما مستعدا لتصور شكل للأمن الدولي لا تمثل فيه الأسلحة النووية هاجسا. حددت سعدية تسليم، وهو مما يحسب لها، عددا من "المعتقدات الشائعة، لكنها غير مؤكدة، بشأن الردع النووي"، مثل أن الأسلحة النووية تعادل اختلال موازين القوى وأن الردع قد منع نشوب حرب بين دول متنافسة مسلحة نوويا، ودعت إلى إعادة النظر بصورة شاملة في مثل هذه الآراء. لكنها كانت ستساهم أكثر في مسألة الأمن في حال استطاعت إقناع زملائها الباكستانيين بأن العديد من الأفكار التقليدية حول الردع لا تستند إلى الواقع. وفي الوقت نفسه، تأسف تسليم على أن "أنظمة الحد من التسلح ومنع انتشار الأسلحة النووية تواجه عثرات"، وتخشى من فشل هذه الأنظمة في المستقبل، لكن حلولها المقترحة لإصلاح المشكلة ليست شاملة أو مقنعة بما فيه الكفاية. سوف تفشل الأنظمة عاجلا وليس آجلا إذا ظلت الأسلحة النووية تمثل هاجسا.

لقد مرّت حوالي سبعة عقود منذ طور البشر أسلحة نووية. وقد ثبت أن هذه الأسلحة تعتبر مسؤولية أكثر من كونها مصدر قوة لأمن الدول- حتى للدول المسلحة نوويا ذات قدرات عسكرية تقليدية ضعيفة نسبيا. عندما تحاول الدول تعويض نقص أسلحتها العسكرية التقليدية بالأسلحة النووية، فإنها عادة تعالج تهديدات وهمية فقط. لكن التهديد الحقيقي، الظاهر للعيان، هو الأسلحة النووية ذاتها.

توجد عثرات وليس إخفاقات

في الاجتماع الثاني للمائدة المستديرة، أكدت زميلتي مانبريت سيثي بشكل صحيح على أن الاختراق الإرهابي لمواقع عسكرية حساسة هو مصدر قلق حقيقي. لكنها ركزت بشكل ضيق على قابلية تعرض باكستان للإرهاب، وهذا يفرط في تبسيط القضية. التاريخ الحديث للهجمات الإرهابية – على الولايات المتحدة في عام 2001، ولندن في عام 2005، ومومباي في عام 2008، والنرويج في عام 2011، وقاعدة مهران الجوية التابعة للبحرية الباكستانية في نفس العام – يبين أن الإرهابيين يمكنهم الضرب في أي مكان، حتى في أكثر الأماكن غير المتوقعة، ويمكنهم القيام بذلك باستخدام تقنيات لا يمكن التنبؤ بها. الدول التي تشمل، لكن لا تقتصر على، باكستان تواجه ببساطة حدودا عندما يتعلق الأمر بضمان الأمن. وآليات الأمن العالمي تواجه مثل هذه الحدود أيضا.

كما يجدر أن نضع في الحسبان أيضا أن حركات التمرد المحلية منتشرة على نطاق واسع في جنوب آسيا- في باكستان بلا شك، لكنها موجودة في الهند أيضا. إن إفراد دولة واحدة في هذا الصدد يخرج المشكلة عن إطارها ولا يقدم حلا لأي شيء. بدلا من ذلك، ينبغي على الدول أن تتعاون مع بعضها البعض لمعالجة التحديات الأمنية المعقدة. في نفس الوقت، يجب على الدول المعرَّضة بشكل خاص لتهديدات إرهابية – مثل باكستان – أن تحافظ على حراسة منشئاتها في جميع الأوقات.

إعادة النظر في بعض الافتراضات. أشارت سيثي أيضا في مقالها الثاني من اجتماع المائدة المستديرة إلى أنني متشائمة بشأن احتمالات نزع السلاح النووي على الصعيد العالمي. هي محقة في ذلك. في الواقع، أعتقد أن أنظمة الحد من التسلح ومنع انتشار الأسلحة النووية تواجه عثرات. لكنها لم تخفق حتى الآن.

ولكي نضمن أنها لن تخفق، يجب تقليل أهمية الأسلحة النووية في السياسة الدولية. وعلى الرغم من أنني أتفق إلى حد كبير مع المقال الثالث لإيفجيني بوزينسكي الذي انتقد فيه اقتراح سيثي لحظر استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية، أعتقد أن أهمية الأسلحة النووية قد يتم تخفيضها من خلال وسائل أخرى.

أحد هذه الوسائل الهامة هو الاعتراض على وتغيير وجهات النظر التقليدية تجاه الردع، لأنه طالما أن القادة السياسيين يؤمنون بالقيمة الرادعة للأسلحة النووية، فلن يتم تقليل أهمية الأسلحة النووية. أو مهما يكن الأمر، لن تنخفض أهميتها في الدول المسلحة نوويا ذات قدرات عسكرية تقليدية ضعيفة نسبيا وبيئة من الأمن القومي تتصور أنها تمثل تهديدا لها. لذلك، في جميع الدول التي تمتلك أو تطمح في امتلاك ترسانات أسلحة نووية، من الضروري أن يقوم الأكاديميون وصانعو السياسات في الأساس بإعادة النظر في بعض المعتقدات الشائعة، لكنها غير مؤكدة، بشأن الردع النووي. ويشمل ذلك فكرة أن الأسلحة النووية تعادل اختلال توازن القوى، وأن الردع قد منع نشوب حرب بين دول متنافسة مسلحة نوويا، وأن الردع يضمن أمن وسيادة الدولة، ولا سيما بالنسبة للدول الأضعف.

من الأعمال الرائدة في هذا السياق هو ما طرحه "وارد ويلسون" الباحث بمركز جيمس مارتن لدراسات منع انتشار الأسلحة النووية في كتابه "خمس أساطير عن الأسلحة النووية". لكن فعالية الردع النووي تستحق مزيدا من البحث والدراسة والمناقشة. هذا النوع من الأبحاث، برغم ذلك، يعتمد إلى حد ما على رفع السرية عن السجلات الأرشيفية، والمسائل النووية غالبا ما تكتنفها السرية بشكل كبير. ستظل الأبحاث المتعلقة بالردع والمسائل ذات الصلة تشكل تحديا حتى يتم تحقيق قدر أكبر من الشفافية في جميع الدول المسلحة نوويا.

ختاما، جادل زميلىّ بأن الأسلحة النووية لا يمكنها أن تحل مشاكل القرن 21، وتقول سيثي إن هذه الأسلحة تخدم المصالح القومية الراسخة فقط. أود أن أذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وأتساءل ما إذا كانت أساسا الأسلحة النووية تخدم المصالح القومية. إذا لم تكن تخدمها، لكن استمرار القادة الوطنيين في الاعتقاد بأنها تخدمها، فمن الصعب أن نتصور أن جهود منع انتشار الأسلحة النووية، ناهيك عن مبادرات نزع السلاح الشامل، يمكن أن تنجح على المدى الطويل.

الأسلحة النووية باقية معنا لفترة

ناقشت مانبريت سيثي في مقالها الثاني تقييمي بأن التخلص من الأسلحة النووية في المستقبل القريب غير واقعي. ردا على ذلك، أود أن أضيف شيئا آخر إلى تقييمي بأن نزع السلاح أمر مستبعد على المدى القريب أو المتوسط، وهذا ما يفسر بأن روسيا ترى بأن ردعها النووي أمر ضروري في الوقت الحاضر.

كخبير عسكري، سأكون غير متحمس، بطبيعة الحال، للهيمنة العسكرية العالمية التي سوف تتمتع بها الولايات المتحدة إذا اختفت بأعجوبة الأسلحة النووية من ترسانة روسيا. لكن هذا بعيد جدا من أن يكون السبب الوحيد الذي يبقي الردع النووي لموسكو ضروريا. إن روسيا- بالنظر إلى مدى اتساع أراضيها، ومدى غناها بالمعادن والموارد الأخرى، وصغر عدد سكانها بالنسبة إلى أراضيها وسكان بعض الدول الأخرى- لا تستطيع ببساطة أن تكون أقل تفوقا من الناحية العسكرية من أية دولة أخرى. وفي الوقت نفسه، هناك عدد من الدول الواقعة على طول أو بالقرب من حدود روسيا تقوم بتنفيذ برامج طموحة جدا للتحديث العسكري. قبل أن تستطيع روسيا مناقشة إجراء مزيد من التخفيضات في ترسانتها النووية، بما في ذلك أسلحتها التكتيكية، يجب أن تشعر موسكو بالأمان بشأن سلامة أراضيها، واللحاق بركب الولايات المتحدة في مجال الأسلحة التقليدية وعالية الدقة، وبطريقة ما حل مسألة النظام الدفاعي للولايات المتحدة ضد الصواريخ البالستية.

يستحق موقف روسيا بشأن الأسلحة النووية التكتيكية بعض الإيضاح أيضا، لأن روسيا تعتبر الأسلحة التكتيكية أداة وطنية للردع النووي الإقليمي. وفي الجهة المقابلة،تحافظ الولايات المتحدة على ترسانة من الأسلحة التكتيكية بشكل أساسي لتعزيز الروابط مع حلفائها الأوروبيين-لا تواجه الولايات المتحدة خصومات إقليمية خطيرة ولا تحتاج لأسلحة تكتيكية للحفاظ على سلامتها الإقليمية. ومع ذلك، لا بد أن أعترف بأن الموقف الرسمي الروسي بشأن الأسلحة النووية التكتيكية هو في غاية التشدد، وأنه ينبغي أن يكون من الممكن، من أجل القدرة على التنبؤ والأمن العالمي، اتخاذ بعض الخطوات التي من شأنها زيادة الشفافية وبناء الثقة. على سبيل المثال، يمكن لروسيا أن تكشف عن عدد الرؤوس الحربية النووية غير الاستراتيجية التي تحتفظ بها في المخازن؛ وكذلك الكشف عن الرؤوس الحربية التي بانتظار التفكيك، وأيضا التعهد بعدم زيادة ترسانتها من الأسلحة التكتيكية.

حظر القصف بالقنابل؟ في الاجتماع الثاني للمائدة المستديرة، اقترحت سيثي "اتفاقية عالمية ملزمة من الناحية القانونية لحظر استخدام والتهديد باستخدام الأسلحة النووية." لدىّ بعض الاعتراضات على هذه الفكرة.

أولا، أنا لا أفهم ما هو المغزى من امتلاك دولة لأسلحة نووية إذا لم تتمكن من استخدامها. ثانيا، توجد بالفعل معاهدة ملزمة قانونا وشبه عالمية لمنع انتشار الأسلحة النووية – لكن هناك عدد قليل من الدول لم توقع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، فكيف يتم الارتباط بين المعاهدة والاتفاقية التي اقترحتها سيثي؟ لم تنضم الهند وباكستان إلى المعاهدة ويرجع ذلك جزئيا إلى اعتراضهم على تصنيفهم بأنهم دول غير حائزة لأسلحة نووية، فهل إذا انضموا للاتفاقية المقترحة، سيكتسبون فجأة الاعتراف بهم كدول حائزة لأسلحة نووية؟ ثالثا، اقتراح سيثي سيلغي ببساطة مفهوم الردع النووي، وبالتالي  ستضطر أي دولة مسلحة نوويا انضمت إلى الاتفاقية إلى إعادة كتابة عقيدتها العسكرية (لن يكون من المنطقي أن تقوم دولة بالتصديق على اتفاقية تحظر استخدام أو التهديد باستخدام أسلحة نووية إذا كان في عقيدتها العسكرية تصور استخدام الأسلحة النووية في ظل ظروف معينة). لذا فإن فكرة سيثي ليست مناسبة لظروف الوقت الحاضر. إن استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية يجب أن يتم حظره فقط عندما يتم تحقيق نزع السلاح النووي على الصعيد العالمي، وفقا للمادة السادسة من معاهدة حظر الانتشار النووي. في الحقيقة، عندما يتحقق ذلك يمكن استبدال معاهدة حظر الانتشار النووي باتفاقية تحظر في آن واحد كل من امتلاك واستخدام والتهديد باستخدام الأسلحة النووية.



 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]