The authoritative guide to ensuring science and technology make life on Earth better, not worse.

الانزعاج من التحقق وكيفية التغلب عليه

في الغرب، تجتذب الأجهزة المحمولة هذه الأيام قدرا كبيرا من الاهتمام بسبب إمكانياتها للمساعدة في التحقق من الترتيبات متعددة الأطراف لمراقبة الأسلحة. ومع الانتشار الواسع للأجهزة المحمولة تقريبا في جميع دول الغرب واستمرار تزايدها في العالم النامي – من المتوقع أن تمثل آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية الأغلبية في زيادة أعداد المشتركين في خدمات الهواتف المحمولة في السنوات المقبلة — فإن الفرص تبرز لتقنيات مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر اللوحية لتلعب دورا في التحقق من الامتثال لاتفاقات معنية بالأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية .

تتمركز العديد من مشاكل التحقق الرئيسية المرتبطة بترتيبات مراقبة الأسلحة في الدول النامية. وأي شيء يمكن أن يسهم في منع انتشار الأسلحة النووية في هذه الدول ينبغي ان يكون موضع ترحيب. إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كان الأفراد في العالم النامي سوف ينظرون إلى الأجهزة المحمولة واستخداماتها الممكنة في مجال التحقق كما ينظر اليها الكثيرون في الغرب. وفي هذا الصدد تبرز ثلاثة أسباب تدعو للشك .

أولا، في الهند والعديد من الدول النامية الأخرى، قد يعرض الأفراد الذين يشاركون في جهود التحقق المجتمعي أنفسهم لمخاطر شخصية كبيرة. فقد يجدوا انفسهم في بوتقة واحدة مع الناشطين في مجال حقوق الإنسان — الذين ينظر إليهم أحيانا باعتبارهم ليسوا وطنيين بالقدر الكافي، أو أنهم يشكلون مخاطر على الأمن القومي. وحتى لو أنهم لم ينتهكوا أي قوانين، قد يصبحوا أهدافا للغضب البيروقراطي والسياسي. في الهند، وقد واجهت تقنية مثل خرائط جوجل معارضة كبيرة لأنها تظهر مواقع حساسة كما واجه برنامج “جوجل إيرث” معارضة رسمية في العديد من الدول. بأخذ كل هذا في الاعتبار، فإن تشجيع مواطني بعض الدول على المشاركة في التحقق المجتمعي قد يعتبر ببساطة عملاً غير مسئول .

ثانيا، فكرة أنه يمكن للأشخاص العاديين المساهمة في التحقق من المعاهدات، سواء عن طريق تنفيذ مشاريع التعهيد الجماعي أو من خلال جمع المعلومات بالأجهزة المحمولة، تستند إلى افتراض أن الأشخاص العاديين ستتولد لديهم رغبة في أن يصبحوا شركاء نشطين في ترتيبات مراقبة الأسلحة. حتى إن نحينا جانبا التداعيات السلبية بأن المشاركين في التحقق المجتمعي قد يعانون، فهذا الافتراض يبدو مشكوكا فيه في العالم النامي. مواطنو الدول النامية ببساطة لا ينظرون إلى الحد من الأسلحة بنفس الطريقة التي ينظر بها مؤيدو الحد من الأسلحة في الغرب .

يميل كثير من الأشخاص في الدول النامية إلى أن يكونوا قوميين للغاية، وغالبا ما تكون قوميتهم مرتبطة بمقدار معين من العداء للغرب — وليس ذلك بمستغرب، باعتبار أن العديد من الدول النامية هي مستعمرات سابقة للدول الغربية أو هيمن عليها الغرب. في كثير من الأحيان يعتبرالحد من التسلح على وجه الخصوص أداة للهيمنة الغربية، لذلك يمكن أن تتواجد معارضة كبيرة لتدابير الحد من الأسلحة على المستوى الشعبي. ومما يزيد من انعدام الثقة الشعبية في جهود الحد من التسلح هو الشعور بعدم مصداقية الغرب — غالبا يُتهم الغرب بتناول مراقبة الأسلحة وفقا لهواه، أي أنه أمر يجب التخلص منه عندما يتعارض مع مصالح أخرى أكثر إلحاحا. قد تكون هذه الآراء مؤسفة، وربما غير صحيحة، لكنها راسخة. وبالتالي، فإنه قد لا يكون من الصواب افتراض أن يقوم الأفراد العاديين في الدول النامية باختيار المشاركة في جهود التحقق المجتمعي .

ثالثا، يمكن أن تثير جهود التحقق المختلفة الانزعاج في الدول النامية. مثال على ذلك، أنه على الرغم من أن العديد من الدول النامية قد تفاوضت بشأن البروتوكولات الإضافية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لا يزال التعاطف موجودا بالنسبة لبلد مثل إيران، التي وقعت ولكن لم تصدق على البروتوكول الإضافي. يرى الكثيرمن الأفراد في الدول النامية أن البروتوكول الإضافي يسمح للمفتشين الأجانب بالدخول إلى الأراضي الوطنية متى أرادوا وتفتيش أي مكان متى شاءوا. وهذا يذكرنا بالحقبة الاستعمارية، عندما فقدت الدول النامية السيطرة على أراضيها. وعلى الرغم من أن بعض تدابير التحقق، مثل تلك المدرجة في اتفاقية الأسلحة الكيميائية اكتسبت قبولا واسعا، فإنه نادرا ما يرافق هذا القبول أي شعور حقيقي بالارتياح .

مثال آخر على انزعاج الدول النامية من إجراءات التحقق يكمن في تدابير بناء الثقة التي وضعتها دول مثل الهند والصين وباكستان لتخفيف حدة التوترات الثنائية. هذه التدابير تعتمد على نموذج أنشئ خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. ولكن رغم أن قوى الحرب الباردة العظمى ارتأت ان التحقق من مراقبة الأسلحة كعنصر هام من تدابير بناء الثقة، فإن دولا مثل الهند والصين وباكستان لم تفكر حتى في القيام بذلك .

وبالنظر إلى هذه الحساسيات، فإن السعي لإشراك المواطنين العاديين في ترتيبات التحقق قد تزيد فقط من الانزعاج الذي تشعر به الدول النامية حيال تدابير الحد من الأسلحة متعددة الأطراف. في الواقع، من المرجح أن تنظر النخب البيروقراطية والسياسية في الدول النامية الى أي محاولة لإشراك المواطنين في رصد سلوك الدول بالنيابة عن وكالة تتجاوز الحدود الإقليمية على أنها غير شرعية. وبالمثل قد ينظر إلى أي مبادرة للحد من الأسلحة التي تتضمن ترتيبات للتحقق المجتمعي على أنها غير شرعية .

هل يعني كل هذا أن التحقق المجتمعي محكوم عليه بالفشل في العالم النامي؟ ليس بالضرورة. لكن نجاح التحقق المجتمعي ربما يعتمد على أن يصبح الحد من الأسلحة ذاته أكثر قبولا من الناحية السياسية. تنبع معارضة تدابير الحد من التسلح في العالم النامي جزئيا من عدم مشاركة الدول النامية بشكل كامل في تطوير المعاهدات والأنظمة. لذلك فإن جعل عمليات الحد من التسلح أكثر شفافية، وإشراك أكبر عدد ممكن من الدول النامية في تلك العمليات، خاصة في مراحل صياغة اتفاقات الحد من التسلح، سوف يقدم للعالم النامي شعورا مجديا بملكية تلك المبادرات. كما أن جعل العملية أكثر شمولاً من شأنه أيضا تشجيع الامتثال للمعاهدات وتؤدي، في نهاية المطاف، الى زيادة فعالية أنظمة الرقابة على الأسلحة. من وجهة نظري، يمكن للتحقق المجتمعي المساهمة في جهود منع الانتشار النووي والامتثال للمعاهدات، لكن فقط بعدما يصبح الحد من التسلح نفسه أكثر قبولا .



 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]