أهي قصة معاهدتين؟

ddroundtable.png

مقدمة: قبل أن تدخل معاهدة حظر الانتشار النووي حيز التنفيذ في عام 1970، وضع العلماء المعنيون تنبؤات متشائمة حول معدل إنتشار الأسلحة النووية في جميع أنحاء العالم. ولكن تم تجنب السيناريوهات الأكثر تشاؤماً، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى المعاهدة. لكن العديد في الدول النامية يشككون فيما اذا كانت دولهم تلقت تعويضاً عادلاً عن قراراتها بالتخلي عن الأسلحة النووية -- وما اذا كانت الدول جميعها ملتزمة بالصفقة التي تشكل صلب المعاهدة. فيما يلي، يناقش كلاً من نعيم أحمد ساليك من باكستان وعادل محمد علي من مصر، وصنداي جوناه من نيجيريا السؤال التالي: "كيف تضمن الدول الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي تطبيق بنود المعاهدة بإنصاف؟"

Round 1

مطلوب: صندوق أدوات أكبر للوكالة الدولية للطاقة الذرية

الأهداف الأساسية لمعاهدة حظر الانتشار النووي واضحة الى حد كبير  وهي: منع انتشار الأسلحة النووية وتقديم تطمينات، من خلال ضمانات دولية، بأن الأنشطة النووية السلمية لن تؤدي إلى إنتاج أسلحة نووية، وتعزيز الاستخدامات السلمية للطاقة النووية بما يتوافق بأقصى درجة ممكنة مع الأحكام الأخرى للمعاهدة ، وفي نهاية الأمر تحقيق تقدم حيال نزع السلاح النووي.

لكن تنفيذ أحكام المعاهدة كان دائما يمثل تحديا كبيرا – يرجع ذلك جزئيا لكون الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المفوضة بتطبيق اتفاقات الضمانات التي تعقدها مع الدول بصورة فردية، ليست مخولة بتطبيق المعاهدة ككل. مما يعني أن الوكالة ليست لديها القوة التنفيذية. على أي حال، دور الوكالة كمشجع دولي "للذرة من أجل السلام" لا يقل أهمية عن وظيفتها في مجال الضمانات والتحقق.

القيود المفروضة على سلطة وكالة الدولية للطاقة الذرية ، خاصة في مجال الأمن النووي، تعادل مجموعة من أوجه القصور الخطيرة في نظام عدم الانتشار. على سبيل المثال، لا يمكن أن تطلب الوكالة من الدول وضع أنظمة للأمن النووي. وليس لديها سلطة للتحقق من أن المواد النووية داخل الدول تخضع للحماية المادية الملائمة. حتى إن التوجيهات التي تقدمها الوكالة بشأن هذه القضايا تتم بناء على الطلب فقط. وعلى الرغم من أن وكالة الطاقة الذرية الدولية تنشر بانتظام توصيات حول هذه الموضوعات، فإن اتباع هذه التوصيات ليس ملزما. لا يوجد تفويض للأمن النووي يستلزم أن تقوم الدول بحماية موادها النووية على نحو ملائم.

في الواقع، الوكالة تفتقر إلى السلطة لاتخاذ إجراءات أو حتى التعليق على التدابير التي تسنها الدول فيما يتعلق بالحماية المادية للمواد النووية ما لم تطلب الدول أن تقوم الوكالة بتنفذ مهمة محددة لعمل ذلك. وحتى لو لاحظ مفتشو الضمانات قصورا في الأمن النووي، لن يكون لهم سلطة قانونية لتقديم تقرير عنها.

يمكن ضمان الامتثال بشكل أكثر كفاءة إذا تم إعادة تعريف مهمة الوكالة، وبالتالي وضعها في قلب الجهود الدولية نحو تحقيق الأمن النووي. في ظل مثل هذا السيناريو، فإن الوكالة ستقوم بتطوير معايير شاملة للأمن النووي، وإجراء تقييمات إلزامية للمخاطر في الدول الموقعة علي المعاهدة، ايفاد بعثات متابعة تكون هي أيضا إلزامية. وكجزء من هذه العملية، هناك حاجة لوضع اتفاق دولي بشأن معايير الأمن النووي، وجود اتفاق بشأن الوسائل التي يمكن من خلالها ضمان الامتثال.

في الوقت الراهن، يجري إحراز بعض التقدم من خلال سلسلة من اجتماعات القمة. في عام 2010، اجتمع الرئيس الأميركي باراك أوباما بـ47 من زعماء العالم في واشنطن العاصمة، في قمة الأمن النووي الأولى، التي ركزت على الحاجة الدائمة لوجود يقظة بين الحكومات الملتزمة ومع ذلك، تطورت طبيعة خطر الانتشار بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وقد بدا خطر حصول جهات فاعلة غير حكومية على أسلحة نووية أكثر إلحاحا منذ 9/11، ومفاعلات الطاقة النووية الحالية والجديدة تبدو أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى. الدول – خصوصا تلك التي تمثلها حركة عدم الانحياز – أبدت على نحو متزايد استياءها من القيود المفروضة على الحصول على التقنية النووية التي وضعتها مجموعة موردي المواد النووية، والتي تضع قواعد التجارة النووية الدولية؛ ومع مزيد من الشروط المفروضة على التجارة النووية يأتي احتمال انتشار خبرات الأسلحة النووية.

بالتالي، عقدت القمة الثانية فى مارس فى كوريا الجنوبية، والتي حضرها أكثر من 50 من قادة العالم. تلك القمة، التي أجريت في أعقاب الحادث الذي وقع في محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية، اختتمت باصدار بيان ختامي تناول أمن المواد المشعة التي يمكن استخدامها لصنع أسلحة إشعاعية، وكذلك العلاقة بين الامن والامان النوويين .

المستوى الرفيع لتلك القمم وضع الأمن النووي، وكذلك نظام معاهدة حظر الانتشار، بالقرب من قمة جدول أعمال العالم. ربما يمكن الآن إحراز تقدم نحو إصدار أحكام تشتد الحاجة إليها من أجل تحسين إنفاذ المعاهدة، ولا سيما إذا أخذنا في الاعتبار أن هناك قمة ثالثة مقرر عقدها عام 2014 في هولندا . ثمة خطوة يمكن اتخاذها في الاتجاه الصحيح وهي دخول اتفاقية حماية المواد النووية المعدلة حيز النفاذ، حيث تمت صياغة هذه التعديلات عام 2005 لتجريم سرقة وتهريب المواد النووية، كما تتضمن أحكاما هامة بشأن التخزين والنقل، وحماية المواد النووية، فضلا عن حماية المنشآت.

بالإضافة إلى ذلك، يجب توجيه جهود خاصة إزاء عدم الانتشار النووي في العالم النامي. لقد ثبت أن عددا من الدول النامية، بما في ذلك بعض الدول الأفريقية، هي بؤر لتجنيد الإرهابيين، وعجز الحكومات الأفريقية عن حماية حدودها على نحو فعال أثار المخاوف بشأن الاتجار غير المشروع بالمواد النووية.

لمعالجة هذه المشاكل، ينبغي أن يساعد المجتمع الدولي الحكومات الأفريقية في تنفيذ البرامج التنموية التي يمكن من خلالها معالجة الدورة اللانهائية من الفقر واليأس اللذين تتسم بهما معظم دول القارة. ومن خلال دمج الحلول لهذه التحديات المتوطنة مع توجيه المساعدة لضمان عدم الانتشار، يمكن للعالم أن يساعد في تقليص خطر الاتجار في المواد النووية – وبالتالي الحد من انتشار الأسلحة النووية من خلال التنمية.

كيف نحترم الصفقة كاملة

علي الرغم من أن معاهدة حظر الانتشار النووي لم تصمم علي أساس التمييز بين الدول ،إلا أنها الآن، و ربما بشكل دائم، قسمت الدول إلي فئات مختلفة — الدول الخمسة المعترف بها كدول حائزة للأسلحة النووية و184 دولة خالية من الأسلحة النووية والدول الأربعة التي لم توقع علي المعاهدة. و تنص الصفقة الأساسية لمعاهدة حظر الانتشار النووي علي أن تتعهد الدول غير الحائزة للأسلحة النووية بعدم حيازة تلك الأسلحة بينما توافق الدول الحائزة للأسلحة النووية علي مشاركة تقنياتها النووية للأغراض السلمية بالإضافة إلي السعي إلي نزع السلاح، وهو الأهم. بيد أن التقدم نحو نزع السلاح مازال يسير ببطء شديد.

وتولي الدول الحائزة للأسلحة النووية اهتماما كبيراً بقضية الانتشار النووي المحتمل ،إلا أنها لا تقدم ما يكفي من اهتمام نحو الخطوات الضرورية لنزع السلاح النووي. وإذا كانت هذه الدول ترغب في تعزيز نظام عدم الانتشار، فعليها القيام بالمزيد من عمليات خفض التسلح النووي وكذلك أيضاً تقليل أهمية الأسلحة النووية في سياساتها الخارجية. إضافة إلي ذلك، فإن الدولتين الحائزتين للأسلحة النووية واللتين لم تصدقا — علي معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية — وهما الولايات المتحدة والصين — يجب أن تنضما الى المعاهدة في أسرع وقت.

في الوقت ذاته، تطور نظام ضمانات وكالة الطاقة الذرية الدولية، والذي بدأ كمجموعة بسيطة من الاتفاقات في عام 1970، ليصبح نظام تحقق متطور بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي. وتم إدخال تقنيات تفتيش ورصد متطورة على مر السنين من خلال اتفاقيات الضمانات والبروتوكول الإضافي. ويشمل ذلك عمليات تفتيش موقعي ورصد بيئي واسع النطاق وعمليات تفتيش خاصة .

علاوة على ذلك، اقترحت الولايات المتحدة في عهد الرئيس بوش أن تَسْتَبْعِد مجموعة الموردين النوويين من التجارة النووية السلمية تلك الدول التي تفتقر إلى التقنية اللازمة لتخصيب اليورانيوم واعادة معالجة الوقود المستنفد، إلا إذا تعهدت هذه الدول بعدم اكتساب مثل هذه التقنية. وهذا قد يمثل تغييراً في الصفقة المركزية للمعاهدة: عدم الانتشار في مقابل احراز تقدم تجاه نزع السلاح وتقاسم التقنية النووية السلمية. أي أنها قد تغير قواعد اللعبة. لكن الدول غير الحائزة للأسلحة النووية تنظر الى المعاهدة على نحو متزايد كما لو أنها تتيح لهم تطوير قدراتها في تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود المستنفد للأغراض السلمية (حتى ولو في ظل ظروف معينة، فإنه يمكن استغلال هذه القدرات في تطوير أسلحة نووية). بالفعل، تعتقد الدول غير الحائزة للأسلحة النووية بشكل عام أنه بموجب المعاهدة يملكون "حقاً غير قابل للتصرف" للقيام بهذه الأنشطة، مع مراعاة ضمانات وكالة الطاقة الذرية العالمية.

داخل المناطق. في هذه الأثناء، بإمكان المناطق الخالية من الأسلحة النووية أن تسهم إسهاماً كبيراً في مشروع نزع السلاح، ولقد حان الوقت لإيلاء مزيداً من التركيز نحوها. وتوجد في الوقت الراهن خمسة مناطق — أمريكا اللاتينية (معاهدة تلاتيلولكو، 1967)، جنوب المحيط الهادي (معاهدة راروتونجا، 1985)، جنوب شرق آسيا (معاهدة بانكوك، 1995)، أفريقيا (معاهدة بليندابا، 1996)، وآسيا الوسطى (معاهدة سيميبالاتينسك، 2006).وداخل هذه المناطق، يسمح بتطوير برامج سلمية للطاقة النووية، لكن يحظر امتلاك وحيازة واختبار وتصنيع الاسلحة نووية بموجب معاهدات وبروتوكولات ملزمة قانونياً تتعلق بالمناطق الخالية من الأسلحة النووية. وتتعهد الدول الحائزة للأسلحة النووية من خلال بروتوكولات منفصلة على عدم استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية داخل المناطق.

في ظل التوترات الشديدة التي تهدد السلم والأمن في الشرق الأوسط، ينبغي أن تتضافر الجهود العالمية والإقليمية لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في المنطقة تشمل الدول أعضاء جامعة الدول العربية إلى جانب إيران وإسرائيل. إن منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر المناطق خطورة في العالم، ووصفت بأنها "منطقة توتر" من قبل مؤتمر مراجعة وتمديد معاهدة حظر الانتشار النووي. وهذه هي النتيجة الطبيعية لسباق التسلح التقليدي الساخن في المنطقة، الذي يشعله جزئياً مخزون اسرائيل المفترض من الأسلحة النووية.

هذا السباق أيضاً هو نتيجة لغياب الإرادة السياسية، خارج الدول العربية، لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية أو منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. وحجر الزاوية الأهم لإنشاء هذه المنطقة هو الالتزام السياسي للأطراف غير العربية بالانضمام الى إليها. بالفعل، استرعى إنشاء منطقة كهذه اهتماماً عالمياً والفضل في ذلك يعود جزئياً الى توصية مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي 2010 التي مهدت الطريق لبدء محادثات رسمية في هذا الشأن — في الواقع، من المقرر مبدئياً بدء هذه المحادثات في ديسمبر هذا العام في هلسنكي. ولكن بدون التزام دولي أكبر لهذا المشروع، فإنه لن يمكن تحقيق هذه الخطوة الأساسية في بناء شرق أوسط جديد.

برتوكول جديد. لقد حان الوقت أيضا لحظر استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية ضد الدول غير الحائزة للأسلحة النووية التي هي أطراف في معاهدة حظر الانتشار النووي وذلك من خلال إضافة بروتوكول لمعاهدة حظر الانتشار النووي مثل تلك البروتوكولات التي صاحبت معاهدات المنطقة الخالية من الأسلحة النووية. ان قيام الدول الحائزة للأسلحة النووية بإصدار بروتوكول ملزم قانونياً بعدم استخدام الأسلحة النووية ضد الدول غير الحائزة للأسلحة النووية يشكل خطوة أساسية نحو تحقيق صفقة معاهدة حظر الانتشار النووي.

لا ينبغي إغفال أن عدد الدول المسلحة نوويا في تصاعد مستمر. الهند وباكستان أصبحتا دولتين حائزتين فعلياً للأسلحة النووية وترفضان الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي؛ كوريا الشمالية أصبحت دولة حائزة فعلياً للأسلحة النووية بعد الانسحاب من المعاهدة؛ واسرائيل، الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي ليست طرفا في المعاهدة، والتي يعتقد عالمياً أنها تمتلك أسلحة نووية رغم انتهاجها سياسية التعتيم النووي. لقد بات من الصعب منع مزيد من حالات الانتشارالنووي. في النهاية، لن يكتب لنظام معاهدة حظر الانتشار النووي النجاح إلا إذا حظي بدعم وتأييد كل أعضائه — سواء الدول الحائزة للأسلحة النووية والدول غير الحائزة للأسلحة النووية — وتم ضم إسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية في النظام كدول غير حائزة للأسلحة النووية. إن تحقيق عالمية المعاهدة مشروعاً بالغ الأهمية.

نحو نظام عدم انتشار أكثر إنصافا وفعالية

اجتماع المائدة المستديرة هذا يطرح تساؤلا وهو كيف تضمن الدول الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي انفاذ بنود المعاهدة بإنصاف؟ لكن نظرا لأن المعاهدة تتسم بعدم التوازن بين حقوق والتزامات الدول الموقعة – حيث تقسمهم المعاهدة إلى دول "تمتلك" القدرة النووية وأخري " لا تمتلك" – ففكرة الإنصاف في انفاذ المعاهدة تبدو بصراحة سريالية إلى حد ما. بالإضافة الى ذلك، كلمة "انفاذ" كلمة قوية، لأنها تحمل دلالات القوة (في الواقع، مقاومة الانتشار هو بالفعل الخيار المفضل للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مقابل عدم الانتشار – كما تمثل ذلك بشكل ملحوظ في الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة على العراق في عام 2003). قد تكون كلمة "تطبيق" هي الخيار الأفضل لموضوع اجتماع المائدة المستديرة هذا.      

ظلت المعاهدة محورا للنظام العالمي لعدم الانتشار لأكثر من أربعة عقود، لكن سجل انجازاتها يبدومختلطا. حققت المعاهدة إلى حد كبير الهدف المعبر عنه في اسمها وهو منع إنتشار الأسلحة النووية. في فترة الستينيات، توقع بعض المحللين أنه خلال عقود سيكون هناك ما بين 25 إلى 30 دولة لديها أسلحة نووية ، لكن في واقع الأمر يوجد اليوم تسع دول فقط تمتلك أسلحة نووية.

مع ذلك، عانت المعاهدة دائما من عدم كفاية هياكل الدعم المؤسسي؛ فالمهام الرقابية لمعاهدة حظر الانتشار النووي يتنم تنفيذها من خلال نظام الضمانات التابع لوكالة الطاقة الذرية الدولية، ويتم استكمالها من خلال أنظمة الرقابة على الصادرات — لكن الإجراء الوحيد الذي يمكن أن تتخذه الوكالة في حالات عدم الامتثال هو الإحالة إلى مجلس الأمن في الامم المتحدة .

علاوة على ذلك، تآكلت مصداقية المعاهدة في بعض الأحيان على مدى العقود الأخيرة على سبيل المثال من خلال العراق وليبيا وسعي سوريا السري لامتلاك أسلحة نووية. والمخاوف الحالية بشأن الطموحات النووية لإيران تمثل أيضا تحديا لمصداقية المعاهدة. لكن ذلك، أيضا، يتضمن إجراءات معينة تقوم بها الدول المعترف بحيازتها للأسلحة النووية. الولايات المتحدة تنشر أسلحة نووية لاستخدامها في مسرح العمليات وساحة المعركة في ألمانيا وغيرها من دول حلف شمال الأطلسي، كما قامت روسيا بتأجير غواصة تعمل بالطاقة النووية للهند . هذه التصرفات تنتهك على الأقل روح المعاهدة .

في الوقت نفسه، العديد من الدول لديها احباطات متعلقة بمعاهدة حظر الانتشار النووي، سواء أكانت حائزة لأسلحة نووية أم غير حائزة. فالدول غير الحائزة للأسلحة النووية تنازلت عن حقها في تطوير أسلحة نووية عندما انضمت إلى المعاهدة؛ وفي المقابل، تم الاعتراف بحقها غير القابل للتصرف في استخدام التقنية النووية للأغراض السلمية، وتلقت وعودا من القوى النووية بمساعدتها في الحصول على هذه التقنية. من جانبها، تعهدت الدول الحائزة للأسلحة النووية بالدخول في مفاوضات بحسن نية للتوصل في نهاية المطاف لنزع السلاح النووي. لكن الدول غير الحائزة للأسلحة النووية تشكو أحيانا من أن الدول الحائزة للأسلحة النووية لم تقدم لها المساعدة الكافية للحصول على التقنية النووية للأغراض السلمية ولم تحقق تقدما كافيا نحو نزع السلاح. الدول الحائزة للأسلحة النووية، من ناحية أخرى، لا تزال تشعر بالقلق من احتمال إساءة استخدام التقنية النووية السلمية من قبل بعض الدول غير الحائزة للأسلحة النووية .

لمعالجة احباطات كلا المجموعتين من الدول، يمكن إنشاء اتحاد دولي تحت إشراف وكالة الطاقة الذرية الدولية، بحيث يكفل للدول الحصول على امدادات مضمونة من التقنية والوقود في مقابل أمرين: أولا، اتخاذها ترتيبات لإعادة الوقود المستنفد، وثانيا، انضمامها للبروتوكول الإضافي لاتفاقية الضمانات بمعاهدة حظر الانتشار النووي — والذي تمت صياغته لتعزيز نظام تفتيش الوكالة بعد اكتشاف نطاق الأنشطة الخاصة بالأسلحة النووية في العراق عقب حرب الخليج عام 1991. (لم توقع دول عديدة على البروتوكول، أو فشلت في التصديق عليه). لكن، في ظل أي اتحاد من هذا القبيل، يجب أن يكون الحصول على التقنية النووية والوقود مستندا إلى معايير موضوعية على نحو صارم، وليس خاضعا للتفضيلات السياسية لدول بعينها.

إضافة لذلك، يجب تعزيز الموارد البشرية والمالية لوكالة الطاقة الذرية الدولية بطريقة فعلية. إن تعزيز هذه الموارد يتطلب بدوره أن تشترك الدول الأعضاء في تحمل الأعباء على نحو متساوٍ، حتى لا تتمكن القوى العظمى من ممارسة نفوذها الواسع بسبب مساهماتها المالية الكبيرة.

ثمة أمر آخر طالما مثل مشكلة لمعاهدة حظر الانتشار النووي وهو الدول الثلاث التي لم توقع على الاتفاقية – الهند وإسرائيل وباكستان، والتي تمتلك جميعها أسلحة نووية. (كوريا الشمالية، الدولة الوحيدة التي انضمت لنظام عدم الانتشار ثم انسحبت منها، تمتلك أيضا قدرات نووية). بموجب المعاهدة بصيغتها الحالية، يمكن للدول خارج الاتفاقية أن تنضم للمعاهدة كدول غير حائزة للأسلحة النووية، الأمر الذي تعتبره الهند وباكستان غير مقبول. إدخال تعديل على معاهدة حظر الانتشار النووي قد يحل هذه المشكلة، لكن إجراءات التعديل معقدة، والكثير يتخوف من أن فتح معاهدة حظر الانتشار النووي للتعديل سيكون بمثابة فتح صندوق باندورا. ولذلك، فإن المشكلة تبدو للعديد عسيرة الحل .

مع ذلك، قد يكون من الممكن، وبدون تشويه المعاهدة على نحو غير ملائم، صياغة بروتوكول إضافي تقوم بموجبه الدول خارج الاتفاقية بتحمل الالتزامات التي قبلتها الدول الأخرى الحائزة للأسلحة النووية في مقابل قبول وضعها كدول حائزة للأسلحة النووية. وفي نهاية المطاف، فإن النجاح في إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط سوف يحل المشاكل الإسرائيلية والإيرانية على حد سواء. كما يمكن حل مشكلة كوريا الشمالية في المستقبل من خلال عملية المحادثات السداسية، أو من خلال اتفاق ثنائي بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة. عندئذ، ستكون قد تحققت عالمية المعاهدة .

الآن ولاحقا. هذه الأهداف طموحة ولن تتحقق على الفور. في الوقت الحالي، يمكن أن تتخذ وكالة الطاقة الذرية الدولية بالتعاون مع الدول الموردة للمواد النووية العديد من الخطوات التي يمكن أن تعزز النظام العالمي لعدم الانتشار. إحدى هذه الخطوات هي إنشاء "مواقع حاضنة للطاقة نووية" ، وهو ترتيب تقوم بموجبه دولة موردة أو اتحاد دولي ببناء وتشغيل مفاعلات الطاقة النووية في المواقع التي تقدمها الدول المضيفة؛ حيث يوفر المورد أو الاتحاد الوقود الخاص به ثم يتخلص منه فور استنفاده، دون إشراك القوى العاملة المحلية. فكرة أخرى قد تستحق الدراسة هي بناء محطات توليد للطاقة على متن سفن راسية في الموانئ وتوصيلها بشبكات الكهرباء المحلية. كذلك يمكن أن تفوض الوكالة بإجراء دراسات تهدف إلى تطوير تقنيات مقاومة للانتشار النووي والتي يمكن أن تقلل من إمكانية التحويل والغش.

لتحقيق ذلك، يمكن للوكالة الاستفادة من مجموعة الخبراء خاصتها، ويمكن استخدام الدول المتقدمة لبحث هذه الأنظمة. في الوقت نفسه، ينبغي على الدول الخمس المعترف بها كحائزة للأسلحة النووية أن تبدي إلحاحا أكثر فيما يتعلق بتوفير ضمانات الأمن السلبية للدول غير الحائزة للأسلحة النووية، والتخفيف من مخاوفهم الأمنية والحد من الحوافز التي تدفعهم للحصول على أسلحة نووية. (ضمانات الأمن السلبية هي بالفعل على جدول أعمال مؤتمر نزع السلاح، لكن إلى الآن لم يتم تناولها في مناقشات جادة) .

يجب كذلك البدء في عقد مفاوضات للتوصل لاتفاقية تجرم الأسلحة النووية. مثل هذه المفاوضات قد تمتد لسنوات عديدة، لكن في الوقت نفسه، الخطوات المذكورة أعلاه قد تعزز نظام عدم الانتشار النووي وفي نهاية المطاف تجعله عالميا، وهذا من شأنه أن يساعد في توفير ضمانات للجميع .

Round 2

توسيع الصلاحيات وتوفير قدر أكبر من الأمن

هناك شئ واحد يتفق عليه جميع المشاركين في اجتماع المائدة المستديرة هذا وهو وجود عناصر معينة في نظام حظر الانتشار بحاجة إلى تقوية أساسية. لتحقيق ذلك، اقترح المؤلفون في اجتماع المائدة المستديرة أفكارا متعددة مثل تعديل هيكل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتوسيع صلاحياتها، والسماح للدول التي لم توقع على معاهدة حظر الانتشار النووي بالانضمام للمعاهدة كدول حائزة للأسلحة النووية، وإقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وبالرغم من أن المقصود من جميع هذه المقترحات هو وضع أساس صلب لإجراءات متعددة الأطراف حيال نزع السلاح وحظر الانتشار، فقد أثارت خلافا كبيرا بين المؤلفين.

ذكر نعيم أحمد ساليك في مقاله الثاني، بشأن ما اقترحته بأنه يجب توسيع سلطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإعادة تعريف مهمتها، أن " نظام حظر الانتشار النووي ليس حلا سحريا لجميع المشاكل، وأنه لا ينبغي توسيع دور الوكالة إلى الحد الذي لا تستطيع معه الوفاء بالتزاماتها". لكن ساليك نفسه كان قد أشار فى مقاله الأول إلى أن معاهدة حظر الانتشار النووي تعاني من عدم كفاية هياكل الدعم المؤسسي – على سبيل المثال عندما لا يكون هناك إجراء يمكن أن تتخذه الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حالات عدم الامتثال للمعاهدة سوى الإحالة إلى مجلس الأمن الدولي في الامم المتحدة. دعا أيضا ساليك في مقاله الأول إلى إنشاء اتحاد دولي تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية يكفل للدول الحصول على الوقود والتقنية النوويين في مقابل إعادتها للوقود المستنفد وموافقتها على البروتوكول الإضافي لاتفاقية الضمانات بمعاهدة حظر الانتشار النووي. لذا، يبدو أن ساليك يتفق معي، بدرجة أكبر مما قد يوحيه مقاله الثاني، على أنه يجب توسيع سلطة الوكالة. (لكن في نهاية الأمر، طبعا، فإن أي توسيع لسلطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيعتمد على تحديد نطاق هذا التوسيع وعلى وضع جدول أعمال شامل لتحقيق ذلك.)

لا يتفق ساليك أيضا مع تأكيدي بأن "خطر حصول الجهات الفاعلة غير الحكومية على أسلحة نووية بدا أكثر إلحاحا منذ هجمات 11/9". إذ يعتقد ساليك أن خطر الإرهاب النووي لم يزدد منذ 11/9، إنما الوعي بالخطر هو الذي ازداد. إن أقواله وأقوالي لا تتعارضان تماما مع بعضهما البعض، لكن يجدر بنا الأخذ في الاعتبار أن زيادة التركيز العالمي على الأمن النووي منذ 11/9 لم يقض بأي حال من الأحوال على اهتمام الإرهابيين بالحصول على أسلحة نووية. في الواقع، أيمن الظواهري القيادي البارز في تنظيم القاعدة، كرر بقوة في كتابه التبرئة عام 2008 فتوى صادرة عام 2003 عن الشيخ السعودي ناصر الفهد يجيز فيها استخدام الأسلحة النووية . على أية حال، يبقى الإرهاب النووي تهديدا حقيقيا يستحق اهتماما مستمرا على أعلى المستويات .

وفي سياق متصل، أشعر أن زملائي المشاركين في اجتماع الدائرة المستديرة لم يولوا أهمية كافية لقمة الأمن النووي في واشنطن عام 2010 ونظيرتها في سيول عام 2012. يجب أن يعامل الأمن النووي كعنصر هام في نظام حظر الانتشار، فقد لعبت هذه القمم دورا مهما في جلب الأمن النووي وكذلك معاهدة حظر الانتشار النووي ذاتها إلى قمة جدول أعمال العالم. بل إنه قد يكون من الملائم في هذه المرحلة أن ننسب للأمن النووي نفس القدر من الأهمية التي ننسبها إلي الركائز الثلاثة الحالية للمعاهدة وهي: حظر الانتشار ونزع السلاح والتعاون النووي السلمي.

ثمة مبادرة إيجابية أخرى تتعلق بالأمن النووي وهي أن يتم إشراك الشركات الخاصة التي تقوم بتوريد المواد النووية وتشغيل المفاعلات النووية في الجهود المبذولة لحظر الانتشار بشكل وثيق. إن الجزء الأصعب في انتاج سلاح نووي يكمن في الحصول على المواد النووية التي تكون هذه الشركات مسؤولة جزئيا عن أمنها. كما يجب التأكد من أن اجراءات الشركات متوافقة على نحو صارم مع معاهدة حظر الانتشار فيما يتعلق بأمن واندماج مثل هذه المواد وتقديم بيانات عنها، وينبغي أن يعتبر هذا الجهد جزءا رئيسا من مشروع المجتمع العالمي المعني بحظر الانتشار لتحقيق أمن جميع المواد النووية.

نحو معاهدة معدلة

تميل الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية إلى تركيز كثير من الاهتمام على فشل الدول الحائزة للسلاح النووي في تحقيق نزع السلاح الذي تنشده معاهدة حظر الانتشار النووي. وفي الوقت ذاته، تركز الدول الحائزة للأسلحة النووية على حقيقة أن الوصول إلى التقنية النووية للأغراض السلمية، والذي تضمنه المعاهدة لجميع الدول، يحمل في طياته احتمالات انتشار الأسلحة النووية.

وحقيقة امكانية أن يؤدي مثل هذا الوصول إلى الانتشار النووي، يشكل في الواقع مصدر قلق خطير — لكن ينبغي للمرء أن يضع نصب عينيه أنه عندما حصلت الدول على أسلحة نووية في الماضي بصورة غير مشروعة، فإنها لم تعتمد على المنشآت المدنية للقدرة النووية للقيام بذلك. كوريا الشمالية وإسرائيل استخدمتا مفاعلات البحوث لتطوير قدرات الأسلحة لديها. باكستان أيضاً طورت قدرات الأسلحة لديها، دون الإعتماد على دورة الوقود المدني، في حين يعتقد أن المواد الانشطارية للأسلحة النووية في الهند لم تستمد من مفاعلات إنتاج القدرة.

رغم ذلك، اقترح البعض — من بينهم ساليك أحمد نعيم في هذه المائدة المستديرة — أن يتم وضع ترتيبات متعددة الأطراف لإدارة دورة الوقود النووي. لكن هذه المقترحات تعاني من عيوب خطيرة. أولا، الترتيبات متعددة الأطراف بشأن دورة الوقود قد تفشل ببساطة في التعامل مع مخاطر الانتشار الحقيقية — كما هو مبين أعلاه، فحالات الانتشار الماضية لم تحدث نتيجة للاستخدام المدني للطاقة النووية. ثانياً، تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة البلوتونيوم غير محظورين بموجب معاهدة حظر الانتشار. فأي دولة غير حائزة للأسلحة النووية لا يمكن أن يقال عنها أنها قامت بأمر محظور لمجرد حيازتها لتقنيات تخصيب أو إعادة معالجة أو حتى بسبب حيازتها لمادة قابلة للاستخدام في الأسلحة النووية.

ولذلك، إذا ما أردنا تنفيذ نهج متعددة الأطراف بشأن دورة الوقود، فلا بد من هيكلتها بحيث لا تشكل تعديا على حق أي دولة في التوصل إلى قراراتها المتعلقة بدورة الوقود. وبشكل حاسم، لا ينبغي ان يكون لبلد المورد الحق في عرقلة أو إعاقة المشاريع النووية السلمية لأي دولة لأسباب سياسية.

معترف بها عالميا
إذا كان صحيحاً أن الترتيبات متعددة الأطراف بشأن دورة الوقود لا يمكنها في نهاية المطاف منع الانتشار النووي، فإن الوظيفة الأولية لهذه الترتيبات ستكون فيما يبدو تعزيز نظام حظر الانتشار النووي. ولكن إذا كان هذا هو الهدف، فهناك وسائل أفضل لتحقيقه.  على سبيل المثال، يمكن ضم الدول غير الأعضاء إلى المعاهدة كدول غير حائزة للأسلحة النووية من خلال إنشاء مناطق خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وفي شبه الجزيرة الكورية. ساليك اعترض على هذه الفكرة، قائلاً إنه "سيتم تقديم أشياء لإسرائيل مقابل نزعها للسلاح — الاعتراف بحقها في الوجود، ضمانات أمنية — [لكن] لا يوجد ما يمكن تقديمه بالمقابل في المستقبل القريب عندما يتعلق الأمر بالهند وباكستان." مثل هذه الاعتراضات يمكن معالجتها اذا ما تم هيكلة المعاهدات المنشئة لمناطق خالية من الأسلحة النووية على غرار معاهدة بليندابا الخاصة بأفريقيا. البروتوكولات الأولى والثانية لتلك المعاهدة صممت لمنع استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية ضد الدول الموقعة؛ تلك الضمانات وغيرها المدرجة في البروتوكولات من شأنها أن تسهم بصورة مجدية في قضية الأمن إذا ما طبقت في جنوب آسيا.

ساليك، مع ذلك، يقترح وضع بروتوكول إضافى في معاهدة حظر الانتشار النووي تقوم بموجبه الهند وإسرائيل وباكستان بالالتزام بالتعهدات التي قبلتها غيرها من الدول الحائزة للأسلحة النووية، مقابل قبول وضعهم كدول حائزة للأسلحة النووية. وجهة نظري هو أن مثل هذا النهج ، أولاً، يتعارض مع مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي عام 2010، والذي دعا جميع الدول التي ليست طرفا في المعاهدة إلى الانضمام كدول غير حائزة للأسلحة النووية. ثانياً، الأقتراح يتعارض مع روح المعاهدة نفسها، التي تهدف في المقام الأول إلى منع انتشار الأسلحة النووية إلى الدول التي لا تمتلك مثل هذه الأسلحة وتحقيق نزع السلاح في الدول التي تمتلك أسلحة نووية. ثالثاً، هذا الإقتراح من شأنه إضعاف نظام حظر الانتشار النووي بل قد يضع نهاية له. يجب أن تقتنع الدول خارج النظام أن انضمامها الى المعاهدة هو الأمل الوحيد لوقف المزيد من الانتشار النووي؛ وأن استمرار تميزهم، أو الإصرار على قبولهم كدول حائزة للأسلحة النووية، لا يدعو فقط لمزيد من الانتشار النووي ولكنه ينذر في نهاية المطاف بانهيار نظام المعاهدة نفسه.

من بين أبرز خصائص نظام حظر الانتشار النووي الحالي هو وجود مستويات مختلفة من الجهود يتم بذلها من أجل منع الانتشار النووي ونزع السلاح. في الواقع، العديد من الدول غير الحائزة للأسلحة النووية على اقتناع أن السبيل الوحيد لوقف انتشار الأسلحة النووية هو معالجة نزع السلاح وحظر الانتشار النووي بنفس القوة. في عام 2000 عندما ألزمت الدول أطراف المعاهدة نفسها بـ"تعهد لا لبس فيه" لتخليص العالم من الأسلحة النووية، كانت نيتهم تحويل معاهدة حظر الانتشار إلى معاهدة تركز حقا على نزع السلاح وحظر الانتشار النووي. ذلك التحول يجب أن يستمر الآن.

يجب ألا تخلق الحلول مشكلات جديدة

أشار صنداي جوناه وعادل محمد علي، زميليّ المشاركان في اجتماع المائدة المستديرة هذا، بصورة دقيقة إلى عدد من نقاط الضعف والخلل الموجودة في النظام العالمي لحظر الانتشار النووي. مع ذلك، قد يختلف المرء معهما في بعض جوانب التشخيص والعلاج.

أثار جوناه قضية الأمن النووي، مقترحا أن خطر الإرهاب النووي قد ازداد بقوة منذ هجمات 11/9. إن المخاطر التي تهدد المنشآت النووية كانت دائما موجودة، لكني أعتقد أن الوعي بالخطر هو الذي زاد منذ 11/9 — وليس الخطر في حد ذاته. بل على العكس من ذلك، فإني أزعم أنه تم تعزيز الأمن في المنشآت النووية منذ عام 2001، وأن العديد من الدول قد بذلت جهدا هائلا لتعزيز أمنها النووي وذلك باعتماد طريقة الدفاع في العمق في محطات الطاقة النووية.

في هذا الصدد، اتخذ أيضا مجلس الأمن في الأمم المتحدة بعض الاجراءات، حيث أصدر القرار رقم 1540 في عام 2004. هذا القرار يلزم الدول الأعضاء بوضع ضوابط فعالة على الصادرات ومراقبة الحدود، وآليات تشريعية وتنفيذية فيما يتعلق ليس فقط بالأسلحة النووية، ولكن أيضا الكيميائية والبيولوجية. ويدعو القرار على وجه التحديد اتخاذ تدابير قوية لمنع الجهات الفاعلة غير الحكومية من الحصول على مواد نووية. في الوقت نفسه، قامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء دراسات وعقد ورش عمل في الدول الأعضاء بشأن التهديد القائم على التصميم — والذي تعرفه الوكالة بأنه "وصف سمات وخصائص أعداء محتملين من الداخل و/ أو الخارج والذين قد يحاولون نقل المواد النووية بطريقة غير شرعية أو التخريب والتي من أجلها يتم تصميم وتقييم نظام الحماية المادية". هذه مسألة لم يسبق أن تم تناولها من قبل بهذا المستوى الرفيع. وعند انشاء المفاعلات النووية في المستقبل، سوف تترجم إجراءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى تعزيز القدرة على الصمود أمام هجمات مماثلة لتلك التي نفذت في 11/9 — تلك النوعية من الهجمات التي لم توضع مطلقا في الاعتبار عندما تم تصميم وإنشاء قباب المفاعلات النووية في الماضي.

اقترح جوناه أيضا أن يتم توسيع نطاق سلطة الوكالة حتى تتمكن من القيام بعمليات تفتيش لتقييم الترتيبات الأمنية في الدول الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي. إلا أنه قد يكون من الصعب إعداد توسيع للنطاق من هذا القبيل — وقد يتطلب زيادة كبيرة في ميزانية الوكالة وحجم قوتها الفنية العاملة. وتبين التجربة أنه ليس من السهل أبدا اقناع الدول بتقديم مساهمات مالية أكبر للمنظمات الدولية.

على أية حال، الوكالة الدولية للطاقة الذرية تجد بالفعل صعوبة في القيام بمسؤولياتها الحالية لتنفيذ الضمانات، خصوصا منذ تطبيق البروتوكول الإضافي لاتفاقية الضمانات بمعاهدة حظر الانتشار النووي. في ضوء كل هذا، لا بد من الاعتراف بأن نظام حظر الانتشار النووي ليس حلا سحريا لجميع المشاكل، وأنه لا ينبغي توسيع دور الوكالة إلى الحد الذي لا تستطيع معه الوفاء بالتزاماتها (أو، بالتبادل، إلى الحد الذي تصبح فيه الوكالة بمثابة حكومة فوق وطنية).

من ناحية أخرى، يرى علي أنه يجب أن تنضم إسرائيل إلى معاهدة حظر الانتشار النووي كدولة غير حائزة للأسلحة النووية، أو أنه ينبغي إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. وفي حين يكون من المفهوم أن الكثيرين في العالم العربي يرغبون في أن تتخلى إسرائيل عن ترسانتها النووية المفترضة، فإن المقترحات لتحقيق ذلك عادة ما تؤيد، بطريقة إشكالية، أن تنضم الهند وباكستان أيضا إلى معاهدة حظر الانتشار النووي كدول غير حائزة للأسلحة النووية. مثل هذه المقترحات تتغاضى عن حقيقة أنه بينما سيتم تقديم أشياء لإسرائيل مقابل نزعها للسلاح — مثل الاعتراف بحقها في الوجود والحصول على ضمانات أمنية — لا يوجد ما يمكن تقديمه بالمقابل في المستقبل القريب عندما يتعلق الأمر بالهند وباكستان.

في الواقع، كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد وعد بتسهيل دخول الهند في النظم العالمية للرقابة على الصادرات — خصوصا مجموعة موردي المواد النووية، والتي منحت بالفعل الهند في عام 2008 تنازلا يتيح لها المشاركة في التجارة النووية على الرغم من وضعها كدولة نووية خارج نظام معاهدة حظر الانتشار. حاليا تتسابق عدد من الدول، متأثرين في ذلك بالولايات المتحدة، لبيع المواد والمعدات النووية إلى الهند، حتى وإن كان ذلك على حساب انتهاك التزاماتها فيما يتعلق بمعاهدات المناطق الخالية من الأسلحة النووية التي وقعت عليها. أستراليا هي أحد الأمثلة على ذلك، حيث يحتج كثيرون بأن قرارها لبيع اليورانيوم للهند يتعارض مع التزاماتها بموجب معاهدة راروتونجا. هذه البيئة من الاستثناءات، حيث تتفوق المصالح التجارية على المثل العليا لحظر الانتشار النووي، لا تشجع الدول خارج المعاهدة للانضمام إلى النظام العالمي لحظر الانتشار ولا تعزز التنفيذ العادل للنظام.

Round 3

تهديدات حقيقية، حلول حقيقية

أجمع المؤلفون في هذه المائدة المستديرة، علي الرغم من اختلاف أساليبهم في ذلك، علي أنه ينبغي إجراء تغييرات كبيرة في نظام حظر الانتشار العالمي، من أجل تحقيق الأهداف المنصوص عليها في معاهدة حظر الانتشار (NPT ). و يبدوأن تلك التغييرات قد غدا اجراءها ضرورياً ويرجع ذلك جزئيا الي ان العالم في السنوات الأخيرة قد شهد انتشاراً واسعاً للتقنيات، الأمر الذي سمح للعديد من الدول، بما في ذلك البلدان النامية، بالتطلع لامتلاك القدرة النووية. وقد أدى ذلك إلى إمكانية حدوث نهضة نووية عالمية – ولكنه أدي فى الوقت ذاته الي تجدد المخاوف بشأن انتشار الأسلحة النووية.

ولكن هناك سبب آخر يجعل نظام حظر الانتشار النووي يبدو في حاجة إلى إعادة صياغة وهو، كما سبق وقلت، أن الإرهاب النووي قد برز في السنوات الأخيرة باعتباره التهديد الأكبر للأمن. ويتناول السيد نعيم أحمد ساليك هذه المسألة مناقشاً وجهات نظري في مقاله الثالث حيث يقول أنه في بعض الأحيان تكون هناك مبالغة لخطر الإرهاب النووي لأسباب سياسية. ولكن حتى حتى لو كان هناك أحياناً بعض المبالغة لهذا التهديد، تظل هناك حقيقة أن مجموعات غير حكومية قد قدمت مراراً تصريحات حول نيتها المطلقة للحصول على أسلحة نووية .

و يقول السيد ساليك انه من غير المرجح أن يتمكن الارهابيون من الوصول إلى أسلحة نووية بسبب "الصعوبة التقنية لبناء جهاز قابل للاستخدام. " لكن على الرغم من أنه قد يكون من الصعب على الجماعات الإرهابية بناء سلاح نووي متطور، فمن المؤكد أنه من المعقول أنهم قد يتمكنوا من بناء سلاح أولي. ولقد ذكر لويس الفاريز الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل في إحدي كتاباته أنه إذا امتلك الإرهابيون اليورانيوم المخصص لصنع السلاح ، فإن " الفرصة أمامهم ستكون سانحة لانتاج انفجارذو مردود عالي وذلك ببساطة عن طريق إسقاط نصف المواد على النصف الآخر." وما زلت أري أن الجزء الأكثر صعوبة لصنع القنبلة النووية هوالحصول على المواد الانشطارية، وبالتالي، فإن العامل الرئيس لمنع الإرهاب النووي هو التحكم في الوصول إلى مثل هذه المواد. وكما يقول المحلل الأمني جراهام أليسون، من جامعة هارفارد في إحدى كتاباته : "هناك حقيقة فيزيائية : إذا لم يوجد بلوتونيوم ويورانيوم عالي التخصيب، إذاً فلن يكون هناك انفجار الانشطار النووي و لا إرهاباً نووياً"

ومع ذلك، فإن بناء جهازاً نووياً ليس هو السبيل الوحيد للإرهاب النووي. فقد يحاول الإرهابيون أيضا تخريب أنظمة السلامة في المنشآت النووية من أجل خلق كارثة من نفس حجم تلك التي وقعت في محطة فوكوشيما دياتشي للقدرة النووية. إن تسليط الضوء على خطر الإرهاب النووي لا يعني الانخراط في وسيلة للتحايل السياسي، كما يشيرالسيد ساليك،بل علي العكس ، فإن الإرهاب النووي هو تهديد حقيقي يستحق الاهتمام الذي يحظى به حالياً من خلال سلسلة مؤتمرات القمة المعنية بالأمن النووي.

لقد اختلف السيد ساليك والسيد عادل محمد علي حول ما إذا كان ينبغي السماح للهند وباكستان وإسرائيل بالانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي باعتبارهم دول حائزة للأسلحة النووية. وسوف أشير فقط، وكما تبدو الأمور الآن، إلي أنه يبدو من غير المحتمل أن تنضم هذه البلدان باعتبارها دول غير حائزة للأسلحة النووية. ومن بين العقبات الأخرى، هناك اتفاقية التعاون النووي بين الولايات المتحدة والهند والتي أبرمت عام 2008، والتنازل المقدم للهند في العام نفسه من قبل مجموعة موردي المواد النووية، وكلاهما قد أتاح الفرصة للهند لتنعم بفوائد التعاون النووي، كما هو منصوص عليه بموجب معاهدة حظر الانتشار، دون الحاجة إلي انضمامها إلى المعاهدة. مثل هذا الترتيب يعتبر بمثابة حافزاً للدول غير الأطراف في المعاهدة للانضمام إلي نظام حظر الانتشار النووي.

وختاماً أقول، أن هناك عدداً قليلاً من الدول فقط استطاعت تطوير القدرة على إنتاج الأسلحة النووية منذ أن دخلت معاهدة حظر الانتشار النووي حيز النفاذ. وعلى الرغم من أن المعاهدة ليست هي السبب الوحيد ، فإن عدداً أكبر من الدول كان ليمتلك القدرة النووية لولا وجود تلك المعاهدة. وحتي يتسني لمعاهدة حظر الانتشار النووي الاستمرار في جعل العالم مكانا أكثر أمنا عما كان يمكن ان يكون الأمر خلاف ذلك، فإنني أكرر تأييدي لتوسيع دور وصلاحيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولمنح الأمن النووي نفس الأهمية التي تمنح للدعائم القائمة للمعاهدة وهي حظر الانتشار النووي ونزع السلاح والتعاون النووي السلمي.

تحقيق عالمية أهداف و مبادئ معاهدة حظر الانتشار النووي

في ملحوظة للسيد نعيم أحمد ساليك قرر أن المشاركين في هذا النقاش الحماسي قد حافظوا إلى حد كبيرعلي نفس المواقف التي تبنوها عندما بدأت المناقشة. ولم يحد ساليك عن هذا النمط في مقاله الأخير، ,ولن أحيد أنا كذلك. وعوضاً عن ذلك ، فسوف أقدم بعض الملاحظات الجديدة لدعم حججي التي قدمتها آنفاً و تفنيد حجج زملائي .

لقد اقترح السيد جوناه (يوم الأحد) في مقاله الأول لهذه المائدة المستديرة أن يتم توسيع سلطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بحيث يتم تمكين الوكالة من تقييم الترتيبات الأمنية النووية في الدول الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي. وناقش جوناه وساليك هذه النقطة على نطاق واسع، وقد أبدى السيد ساليك ملاحظة صائبة حول ما يتطلبه توسيع سلطة الوكالة من تعديل للمعاهدة، وهو أمر ليس بالقليل. ولكن من وجهة نظري على أية حال فإن قضايا الأمن النووي داخل كل دولة تقع ضمن مسؤوليات تلك الدولة تماماً. وفي رأيي، فإن أكبر المخاطر المرتبطة بالأمن النووي لا تنبع من أطراف المعاهدة – وكالة الطاقة الذرية تعرف الكثير عن منشآت تلك البلدان وموادها النووية – ولكنها تنبع من الدول غير الأطراف في المعاهدة، و التي لا يعرف عنها المجتمع الدولي سوى القليل نسبياً .

و كما أختلف كلاً من السيدان ساليك وجوناه حول توسيع سلطة وكالة الطاقة الذرية، فقد أختلفت أنا والسيد ساليك حول كيفية دفع الهند وباكستان وإسرائيل إلي الانضمام في نظام منع الانتشار. لقد ذهبت إلى أن هذه البلدان ينبغي ضمها إلى المعاهدة بوصفها دولا غير حائزة للأسلحة النووية كما دعا مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي  عام 2010 . (وبالمناسبة، لتفادي أي سوء فهم محتمل لمقدمة مقال جوناه الثانية، لم يسبق لي القول بأنه ينبغي السماح لهذه الدول بالانضمام باعتبارها دول حائزة للأسلحة النووية.) بينما دعا السيد ساليك، في الوقت نفسه، إلي أنه  ينبغي السماح لهم بالانضمام كدول حائزة للأسلحة النووية. وفي مقاله الثالث، يرى السيد ساليك بأن الدول التي ليست طرفاً في المعاهدة لا يمكن اتهامها بانتهاك شروط أو روح معاهدة حظر الانتشار النووي، لأنهم تحديداً لم ينضموا إلى المعاهدة. ولكن في اعتقادي أنه ينبغي النظر إلى المبادئ والأهداف التي أعرب عنها في معاهدة حظر الانتشار النووي باعتبارها تنطبق على جميع الدول، حتى تلك التي ليست طرفا فيها – تماما كما جاء في ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أن جميع الدول، وليس فقط اعضاء الامم المتحدة، عليها التصرف وفقا لمبادئ معينة تحكم العلاقات الدولية.

ويذكر ساليك أيضا أن مصر انضمت الى معاهدة حظر الانتشار النووي على الرغم من أن برنامج إسرائيل للأسلحة النووية كان سابقاً لقيام المعاهدة. هذا صحيح، ولكن ينبغي الإشارة إلى أنه، في وقت انضمام مصر إلي المعاهدة، في عام 1981 كانت مصر وإسرائيل قد أبرمتا بالفعل اتفاق سلام ينبذ استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة ضد بعضهما البعض. وينبغي الإشارة أيضا إلى أنه عندما وافقت مصر على تمديد المعاهدة لأجل غير مسمى في عام 1995، فهي لم تفعل ذلك إلا بعد أن فازت باعتماد قرار بشأن الشرق الأوسط، الأمر الذي دعا، من بين أمور أخرى، إلى إنشاء منطقة نووية خالية من الأسلحة في المنطقة، ودعا جميع الدول في المنطقة إلي الانضمام إلى المعاهدة. وخلاصة القول، علي أية حال، هو أن مصر تستحق الثناء وليس النقد من أجل المشاركة بشكل كامل في نظام حظر الانتشار العالمي.

في بداية هذه المائدة المستديرة، ألمح السيد ساليك إلى نية إدارة أوباما تسهيل عضوية الهند في النظم العالمية للرقابة على الصادرات بما في ذلك مجموعة موردي المواد النووية (NSG )؛ وإلى حقيقة أن الهند تلقت تنازلا من مجموعة موردي المواد النووية يسمح لها بالمشاركة في التجارة النووية على الرغم من أنها ليست لها طرفا في المعاهدة. وقد دفع السيد ساليك بأن هذه التطورات، بالإضافة إلي حرص عدد من الدول على المشاركة في التجارة  النووية مع الهند، قد خلقت جوا من الاستثنائية الذي لا يشجع الدول غير الأطراف في معاهدة حظر الانتشار النووي علي الانضمام إليها ولا يعزز التنفيذ العادل للمعاهدة. وأنا أقر ذلك تماما.

وعلى اية حال أود أن أضيف نقطة مهمة. فبلد مثل استراليا لا يمكن القول فقط أنها تنتهك التزاماتها بموجب معاهدة راروتونجا من خلال الانخراط في التجارة النووية مع الهند، كما يشيرالسيد ساليك. ولكن هناك انتهاك أيضاً، من وجهة نظري، لمعاهدة حظر الانتشار النووي، اذ تحظر  المواد I و II و III من المعاهدة ، بالإضافة إلى ديباجة المعاهدة  التجارة النووية مع الهند، كما تهدف هذه الأجزاء من المعاهدة جزئياً إلى ضمان أن لا يتم نقل القدرة علي إنتاج أسلحة نووية، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى الدول التي لا يعترف بها كدول حائزة للأسلحة النووية بموجب المعاهدة. إن حظر الانتشار النووي يتطلب، من بين أمور أخرى، الانضباط من جانب الدول الموردة للمواد والتقنية النووية.

القضايا الخطيرة تثير خلافات دائمة

خلال المناقشات الحيوية في اجتماع المائدة المستديرة هذا، فند المشاركون بقوة آراء بعضهم البعض وتمسك كل منهم برأيه إلى حد كبير. وأنا لن أحيد عن هذا النمط الآن. في الواقع، أود التذكير ببعض حججي السابقة، في محاولة لتوضيحها بطريقة ربما تكون أكثر وضوحا وإقناعا.

اشتركت مع صنداي جوناه في نقاش حول توسيع سلطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى يمكنها تنفيذ معاهدة حظر الانتشار النووي على نحو أفضل، حيث طالب جوناه بتوسيع كبير لصلاحياتها، وهي فكرة تعاملت معها بارتياب. وتعليقا مني على هذا الخلاف، قال جوناه في مقاله الثاني إن "ساليك نفسه كان قد أشار إلى أن معاهدة حظر الانتشار النووي تعاني من عدم كفاية هياكل الدعم المؤسسي …. يبدو أن ساليك يتفق معي، بدرجة أكبر مما قد يوحيه مقاله الثاني، على أنه يجب توسيع سلطة الوكالة."

هذا ليس صحيحا تماما. ومع ذلك أعترف أن معاهدة حظر الانتشار النووي تفتقر إلى وجود منظمة مخصصه لتنفيذها على نحو فعال، على غرار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية واللجنة التحضيرية لمنظمة الحظر الشامل للتجارب النووية ولأن تأسيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابق لمعاهدة حظر الانتشار النووي، ولأن الغرض الأساسي للوكالة كان دعم برنامج الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور "الذرة من أجل السلام" ، نجد أن الإشراف على المعاهدة هي مهمة لم تكن متوقعة أصلا، والتي لم يتم من أجلها تجهيز الوكالة على نحو كاف.

ومع ذلك، ينبغي أن يتذكر هؤلاء الذين يطالبون بتعزيز الدعم المؤسسي للمعاهدة ونظام الرقابة، على وجه التحديد لأن مثل هذه الهياكل لم تكن جزءا من نظام المعاهدة عندما وافقت عليها الدول الموقعة، أنه لا يمكن إضافة هذه الهياكل بسهولة الآن. إن إضافتهم سوف تتطلب تعديلا للمعاهدة، وأن تعديلا مثل هذا قد لا يكون مقبولا بالضرورة من جانب الدول الأعضاء. وفي النهاية، لم تصدق غالبية الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية على تعديلات عام 2005 التي أدخلت على اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية، برغم مرور سبع سنوات على إجرائها.

النقطة الثانية التي اختلفت مع جوناه حولها هي الإرهاب النووي. وبرغم أني قد أتهم بكوني راضيا عن ذلك، فأنا أحتج بأن هذا التهديد يبالغ فيه أحيانا لأسباب سياسية. بالتأكيد، إن خبيرا مثل جوناه يدرك أن، حتى لو حصلت منظمة ارهابية على المواد اللازمة لصنع سلاح نووي – وهو في حد ذاته يمثل تحديا كبيرا – الصعوبة التقنية ستبقى هائلة أمام صنع سلاح نووي صالح للاستخدام. كما أن أي سلاح نووي قد تنتجه منظمة إرهابية سيكون كبيرا وثقيلا وغير مناسب لنقله بواسطة أي من نظم النقل المتاحة حاليا. بالتالي، وفي حادثة بعيدة الاحتمال إذا قامت مجموعة إرهابية بالحصول على سلاح نووي، فإنه سيتم استخدام هذا السلاح على الأرجح في الدولة التي تم الحصول منها على المواد النووية. هذا الواقع يميل إلى تقويض الحجج التي تثير المخاوف بشأن أهمية الإرهاب النووي باعتباره تهديدا للأمن الدولي. ومع ذلك، فإن كل دولة تتحمل مسؤولية متساوية عن الأمن النووي عندما يتلعق الأمر بحيازة المواد النووية، وقد أكدت البيانات الصادرة عن قمتي واشنطن وسيول للأمن النووي على أن الدول تتحمل "مسؤولية أساسية" للحفاظ على أمن موادها ومنشآتها النووية.

وقد اختلفت مع عادل محمد علي حول إصراره على أنه يجب أن تنضم الهند وباكستان وإسرائيل إلى المعاهدة بوصفها دولا غير حائزة للأسلحة النووية. يشير علي بشكل صحيح إلى أن الغرض من المعاهدة هو منع الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية من الحصول عليها، بينما يتم تحقيق نزع السلاح في الدول التي تمتلكها. لكن تبقى الحقيقة أن الهند وباكستان وإسرائيل لم تنضم إلى المعاهدة، وبالتالي لا يمكن اتهامها بانتهاك شروط المعاهدة أو روحها. (دول مثل مصر، في الوقت نفسه، انضمت إلى المعاهدة على الرغم من حقيقة أن البرنامج النووي الإسرائيلي كان سابقا لمعاهدة حظر الانتشار النووي، ثم وافقت على تمديد المعاهدة لأجل غير مسمى في عام 1995، وفقدت بذلك النفوذ الذي كان من الممكن أن تمارسه في وقت لاحق.) أنا مصرُ على اقتراحي السابق بأن تنضم الهند وباكستان وإسرائيل إلى المعاهدة كدول حائزة للأسلحة النووية، وتقبل الالتزام بالدخول في مفاوضات بحسن نية للتوصل في نهاية المطاف لنزع السلاح النووي.

أما بالنسبة لاقتراح على بإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في جنوب آسيا، فينبغي أن نتذكر أن باكستان في عام 1975 طرحت هذه الفكرة على وجه التحديد للمناقشة من خلال قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة – لكن لم تتحقق إقامة هذه المنطقة أبدا بسبب المعارضة الهندية. في هذه المرحلة، فإن فكرة إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في جنوب آسيا قد تجاوزتها الأحداث، ومالم يكن هناك نزع عام وشامل للسلاح النووي، فسوف تبقى الأسلحة النووية في جنوب آسيا.



 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]

RELATED POSTS

Receive Email
Updates