الصحافة النووية في العالم النامي

ddroundtable.png

موضوع يصعب تناوله. معلومات سرية. ألغام من الجدل. هذه هي المشاكل الشائعة التي يواجهها أي صحفي يتناول المسائل النووية، حتى هؤلاء الذين يعملون في أفضل الظروف. ولكن الصحفيين في العالم النامي قد يواجهون أيضًا ندرة في وجود الخبراء المستقلين، واختلالاً في البيئة الإعلامية، وسيطرة سياسية محكمة على حرية الصحافة. وفيما يلي، يصف ألكسندر غولتس من روسيا، وبراميت بال شودري من الهند، وداليا العقاد من مصر وضع الصحافة النووية في بلادهم، من خلال تعاطيهم مع السؤال التالي: ما الذي يمكن القيام به للتأكد من أن الصحافة النووية تخدم الجماهير بصورة أفضل؟

Round 1

التحديات تفوق الموارد

رصدت الحكومة المصرية هذا العام ما يقرب من 1% من إجمالي الناتج المحلي للإنفاق على البحث العلمي — وتزيد هذه النسبة بشكل كبير عن نسبة 0.23% المسجلة في عام 2011. ولكن العلماء على الرغم من ذلك يتقاضون رواتب ضعيفة، كما أن البنية التحتية في الجامعات والمراكز البحثية سيئة، مما يؤدي إلى هجرة العلماء إلى أماكن أخرى بحثاً عن مستويات معيشة أفضل وفرص أفضل للحصول على التكنولوجيا المتقدمة وظروف سياسية أكثر استقرارًا.

يشعر الصحفيون العلميون أنه يمكنهم القيام بدور مهم في إخراج العلوم في مصر من الورطة التي وقعت فيها. ولكن الصحفيون العلميون أنفسهم يواجهون تحديات خطيرة. وتعد السياسة واحدة من بين أكبر التحديات، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتغطية القضايا النووية. وقد واجهتُ قبل الثورة مشكلة السرية الزائدة عندما كتبت حول موضوع ذي صلة بالبرنامج النووي للبلاد. حيث كان نظام مبارك يعتبر أي شيء يتعلق بالشئون النووية سريًا للغاية. وكانت هناك لجنة تراقب الصحافة لا تسمح سوى بنشر القليل حول هذه الموضوعات. ولم تكن تسمح بنشر أية اخبار في الشأن النووي إلا فيما يتصل بالتركيز على انجازات النظام. وحتى في الوقت الراهن، فشلت مسودة الدستور في توضيح الأمر فيما يتعلق بالتوتر الحادث بين الأمن الوطني من جانب وحرية الصحافة وحق الجمهور في المعلومات من جانب آخر. (من المقرر أن ينتهي الاستفتاء على مشروع الدستور في 22 ديسمبر.)

مساحة صغيرة، وتمويل ضئيل. يغطي عدد محدود من الصحفيين العلوم، ويرجع ذلك في الغالب لأن وسائل الإعلام لا تزال غير مقتنعة بأن تغطية العلوم من الأمور الهامة. ويجد الكتاب العلميون صعوبة في النشر في الصفحة الأولى، ولا تخصص بعض الصحف والمجلات أي مساحة للأخبار العلمية على الإطلاق. ولا تحصل التغطية العلمية على التمويل الكافي، إما لأن الصحفيين الذين يتناولون القضايا النووية والعلمية يتقاضون مرتبات ضعيفة، وينتج عن هذا ضعف التغطية حيث يقدم الكُتاب أخبارًا مترجمة من مصادر غربية أو يعتمدون بصورة أساسية على النشرات الصحفية. وبالرغم من ذلك، لا يتم نشر نشرات صحفية إلا بواسطة عدد قليل من المراكز البحثية.

يهتم المتحدثون باسم الحكومات أكثر في العادة بالاجتماعات الرسمية وجداول سفرهم أكثر من اهتمامهم بتوفير المعلومات العلمية التي تهم القراء. ولا يسمح للصحفيين بالدخول إلى هيئة الطاقة الذرية المصرية، ولا يمكنهم التحدث مع أي من علمائها دون الحصول على إذن. وفوق ذلك، يرفض العديد من العلماء إجراء مقابلات صحفية لأن بعض الصحفيين لا يقومون بالإعداد للمقابلات بشكل مناسب، أو يقومون بنشر معلومات لا تتسم بالدقة.

القطار البطيء. يوجد تحد رئيسي آخر واجهته وهو الافتقار إلى الدورات التدريبية للأشخاص للعاملين في مجال تخصصي. وقد بدأت العمل كصحفية علمية في عام 2004، ولم تكن تتوفر أي دورات تدريبة للصحفيين العلميين على المستوى المحلي حتى عام 2008. وتم تمويل هذه الدورة التدريبية بواسطة المجلس الثقافي البريطاني في مصر، بتعاون مالي مع الاتحاد الأوروبي – ولا تبدي الصحف المصرية بشكل عام اهتماماً بتوفير دورات تدريبية للعاملين لديها في مجالات متخصصة من هذا القبيل. ومن ثم ينبغي على الصحفيين أن يعتمدوا على أنفسهم ويحسنوا مهاراتهم من خلال القراءة المستقلة والسعي للحصول على الدورات التدريبية حيثما وجدت.

يمثل السفر للخارج لحضور المؤتمرات العلمية تحديًا كبيرًا آخر، فلا توفر معظم الصحف تمويلاً للصحفيين لحضور مثل هذه الفعاليات، وبالتالي ينبغي على المرء تأمين تمويل خارجي. وقد حضرت ست مؤتمرات علمية خارج مصر، إلا أن كل رحلة كان يتم تمويلها من قبل منظمة دولية تقديرًا منها لما أكتبه من مقالات.

هذا أمر مخزٍ، لأن المؤتمرات الدولية توفر أرضية خصبة للحوار والتواصل بين الأشخاص من العالمين المتقدم والنامي. وفي عام 2011، كان من المقرر أن تستضيف مصر المؤتمر العالمي للصحفيين العلميين، إلا أن المؤتمر نقل إلى الدوحة نتيجة القلاقل السياسية. وبالرغم من ذلك، كانت الفعاليات التي شاركت فيها جديرة بالاهتمام؛ حيث جاء نصف المشاركين من العالم النامي وكان المؤتمر بالفعل عبارة عن تجربة متعددة الثقافات. وبالرغم من الاختلافات بين الشعوب، ما زال الصحفيون العلميون في كل أنحاء العالم يواجهون تحديات مشتركة – مثل أفضل الطرق للتواصل مع العلماء، والوصول لنطاق أوسع من الجمهور، وإتاحة الأخبار، وإجراء حوارات عامة حول الشؤون العلمية.

خطوات للأمام. بشكل مثالي، ينبغي على وسائل الإعلام أن تقوم بدور حيوي في تشجيع تفاعل الجمهور مع العلوم والتكنولوجيا. ولكن في دولة نامية مثل مصر، لا يتم الوصول إلى هذه المستوى من المثالية في الغالب. ويمكن تحسين هذا الوضع بعدة طرق. على سيبل المثال، ينبغي تنظيم المزيد من ورش العمل والدورات التدريبية للصحفيين العلميين. وينبغي على الاتحادات الصحفية المساعدة في تمويل مثل هذه الدورات، وينبغي عليها أيضًا رعاية مسابقات الصحافة العلمية وجوائزها. ويمكن أن تسهم أقسام الإعلام في الجامعات من خلال إنشاء برامج متخصصة في الصحافة العلمية.

لكن، ينبغي على الصحفيين العلميين أنفسهم المكافحة من أجل مهنتهم. لقد تعلمت في مرحلة مبكرة من مسيرتي المهنية أنه لا يكفي أن تقدم عملاً جيدًا، بل إنه من الضروري أيضًا أن تبيعه للمحررين، وأن تقنعهم بنشره بجانب الأخبار السياسية. وفي الوقت ذاته، ينبغي على الحكومة أن تترك الأمر للصحفيين ليقرروا ما هي المعلومات النووية المهمة التي ينبغي نشرها، وأن تدرك أن الرقابة لا تسهم في الأمن القومي. وفي واقع الأمر، يمكن للرقابة أن تجعل الجمهور أكثر مقاومة للمشروعات النووية. على سبيل المثال، لاقى مشروع الطاقة النووية المصري المقترح في الضبعة معارضة من السكان المحليين الذين انتابهم الغضب من نزع ملكية أراضيهم ، أو ممن تملكهم الخوف من الآثار البيئية والصحية السلبية للمشروع. وربما كانت الحكومة تستطيع التقليل من تلك المشكلات إذا بدأت في التواصل بصورة أكثر انفتاحًا مع الجمهور.

أحد الأشخاص يخفي سرًا

يتسم الحوار العام في الهند حول القضايا النووية — من سياسة منع الانتشار إلى عقيدة الأسلحة وأيضاً لأمن القوة النووية المدنية بالسطحية بصورة عامة، ويتمثل السبب الرئيسي لهذا في الثقافة السرية النووية في البلاد. وتنشأ السرية عن عدة عوامل، بعضها خاص بالهند والبعض الآخر عوامل خارجية. ومن بين هذه العوامل أن الهياكل الرسمية مثل قانون الطاقة الذرية لسنة 1962 تحصر المعلومات النووية وصناعة السياسات في مجموعة صغيرة من الأشخاص. ويضع القانون قطاعات كبيرة من البرامج النووية المدنية والعسكرية تحت غطاء كثيف من السرية لدرجة تعيق الرقابة البرلمانية. ومن ثم، تقتصر صناعة القرار النووي على مجموعة قليلة من العلماء والبيروقراطيين، والتي يشار إليها أحياناً بالمجموعة النووية الهندية، والذين يعملون تحت إشراف ضئيل بل وقدر أقل من الشفافية. ومن المدهش أن الجيش ليس جزءًا من هذه الدائرة، على الرغم من أنه هو المسئول عن نشر الترسانة النووية.

كان الغموض الذي اكتنف البرنامج النووي خلال العقدين الأولين من وجوده من العوامل الأخرى التي ساهمت في زيادة السرية. ونتيجة للانقسامات داخل المجموعة النووية، والتي كان العديد من أعضائها معادين بصورة شديدة للتسلح، كان هناك قدر كبير من الشكوك حول ما إذا كان يجب أن يتضمن البرنامج عنصراً عسكريًا. ومن ثم، وضعت الدولة برنامجًا ثنائي المسار دون أن تعلن بصورة رسمية عن الجانب العسكري فيه. وبعد ذلك، نمت مخاوف بأنه في سياق سعي الغرب المستمر لتقويض البرنامج النووي المدني العسكري المشترك القائم بالفعل، والذي يعمل بمنأى عن الضمانات الدولية،فإن أية معلومات نووية ستعلنها الهند سيقوم الغرب باستخدامها ضدها. وقد لعبت العقوبات الدولية على الجهود النووية الهندية دورًا مهمًا في تأسيس ثقافة السرية والعزلة بين العلماء النوويين في البلاد.

يتمثل العامل الأخير في أنه بمجرد ظهور البرنامج النووي الهندي أصبح هذا البرنامج تحت حصار القوى الإمبريالية الأجنبية الحديثة وأصبح معروفاً بدرجة كبيرة، وصار قبوله على المستوى العام مؤكدًا . ثم تطور جو السرية النووية ولكنه صار يقل تدريجياً من خلال الحوار الحقيقي حول السياسات النووية. ولم يواجه البرنامج النووي مثل هذا القدر من المعارضة حتى في الوقت الذي تعرض فيه لأخطاء وأثبت عدم كفاءته في الكثير من الأوقات. وكان الجدل حول الاستحقاقات النووية غير مكتمل بشكل كبير، كما كان التقييم الذكي مستحيلاً تقريباً، وركز الجمهور على الإنجازات الرمزية مثل الاختبارات النووية. وقد أحيط البرنامج بدرجة من القداسة وصار خارج نطاق النقاش، وكان ينظر إلى السرية على أنها ضرورة –بل وعلى أنها ميزة إيجابية.

الكلاب لا تنبح. مما يزيد الأمور سوءًا في الهند أن المؤسسات التي تعمل كهيئات رقابة في العديد من المجتمعات — سواء أكان ذلك في صورة مراقبين مستقلين أو من خلال البرلمان أو وسائل الإعلام وغيرها — تعاني جميًعا من عيوب تعوق قدرتها على المساهمة في النقاش. ومما يزيد المشكلة سوءًا أن الهيئة التنظيمية للطاقة الذرية، وهي الوكالة الرئيسية التي تراقب أمن المفاعلات الهندية وسلامتها، هيئة تابعة لإدارة الطاقة الذرية التي يفترض بها أن تراقبها. وقد تساءلت هيئة الرقابة الحكومية، المراقب المالي العام، حول مسألة انعدام استقلالية الهيئة. كما لوحظ أن البرلمان قد توقف، عمدًا، عن وضع السياسات النووية ولم تعد له سيطرة على تمويل البرامج النووية.

في الوقت نفسه، تعاني وسائل الإعلام من مشاكل هيكلية حادة. ويتمتع سوق الإعلام الذي يشمل أكثر من 500 قناة تلفزيونية و70 ألف صحيفة ، بدرجة عالية من التنافسية، ويحركه الاهتمامات ذات المدى القصير ولا يوجد أمامه مجال لتحليل السياسات بصورة أعمق؛ حيث تكون الأخبار قليلة والإعلانات لا حصر لها. ويوجد القليل من الصحف، إن وجدت، التي يعمل لديها مراسلون علميون، إلا أنها جميعًا لا تمتلك متخصصين في القضايا النووية. وتسهم معظم المنافذ الإعلامية، مثل الوسائل العامة، في القول بإن العقوبات الدولية السابقة تستدعي ضرورة وجود برنامج نووي — وهو البرنامج الذي لابد يستمر التعامل معه على أنه محصن من الانتقاد.

نتيجة لهذا كله،أصبحت هناك منشأة نووية لا تشعر بأن ثمة حاجة إلى التواصل مع الجمهور، بل وتشعر بدرجة حقيقة بعدم قدرتها على القيام بهذا. وقد لاقت هذه العزلة درجة كبيرة من القبول، ولكن نظرًا لأن البرنامج النووي قد تم تدويله عقب توقيع اتفاقية التعاون النووي بين الهند والولايات المتحدة، فقد تم الكشف عن أوجه الخلل في تأسيس ثقافة ترى نفسها خارج نطاق النقاش العام العادي. واليوم، مع ظهور بعض الاحتجاجات الشعبية ضد مفاعلات الطاقة المدنية، ومع تجنب الحكومة الأخذ بزمام المبادرة فيما يتعلق بوضع حظر الاختبارات النووية التي كانت تدعمه حيز التنفيذ، نرى جهود منشأة نووية لم يسبق لها شرح موقفها لأي شخص — باستثناء رئيس الوزراء ومجموعة قليلة من الناس.

ليست ثقافة السرية النووية الهندية، التي ولدت في جو السرية النووية في عام 1950 والعقود العديدة من العقوبات الدولية، مجرد شيء من الماضي. بل تصبح احتمالاً للتوسع في برنامج الطاقة النووية الهندي. وعلى الرغم من أنه كان من المفترض أن يؤدي رفع تجميد التجارة النووية مع الهند الذي استمر لأكثر من 30 عامًا إلى فتح الباب أمام توسع كبير في برنامجها للطاقة النووية، وهو النمو الذي تعرض لعراقيل نتيجة مسائل المسؤولية القانونية، والاحتجاجات السياسية ضد الطاقة النووية، ومشاكل حيازة الأراضي — وهي الصعوبات التي نتجت جزئيًا، أو تفاقمت إلى حد كبير، نتيجة عدم شفافية إدارة الطاقة الذرية وضعف التوعية العامة. والآن، بدأت الإدارة والهيئات التابعة لها في إجادة فن الدبلوماسية العامة ووسائل الاتصال الجماهيرية. والمطلوب لهذا الانفتاح الجديد والمتنامي أن يصطبغ بالصبغة المؤسسية، وبالتالي ضمان أن تصبح ثقافة السرية النووية الهندية دائمة.

إخفاء الأسلحة النووية عندما تكون الأسلحة هي الأصول الرئيسية للدولة

توضح الحكاية التالية الطريقة التي تستجيب بها السلطات الروسية لنقد سياساتها النووية.

في يناير 2012، استشاط فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء في ذلك الوقت ورئيس الدولة الحالي، غضبًا خلال اجتماع مع رؤساء تحرير العديد من أهم وسائل الإعلام. وبينما كان يشتكي إلى أليكسي فينيديكتوف من المحطة الإذاعية إيخو موسكفي حول "الهراء الواضح" الذي استمع إليه مؤخرًا عبر المحطة من اثنين من محللي الدفاع: ألكسندر كونوفالوف، رئيس معهد التقييمات الاستراتيجية، وأنا — زعم بوتين أن المحللين كانا يروجان لمصالح قوة أجنبية ملمحًا إلى الولايات المتحدة.

كان بوتين غاضبًا بشكل خاص من اقتراح كونوفالوف بأنه لا ينبغي أن يشكل موقع منشآت الدفاعي الصاروخي الأمريكية قلقاً للقيادة السياسية والعسكرية الروسية نظرًا لأن التهديد الذي تمثله المنشآت على قدرات الردع النووية للبلاد ضئيلة، إن لم تكن منعدمة. وفي الحقيقة، صرح بوتين أنه إذا نشرت الولايات المتحدة منشآت الرادار لنظام دفاع صاروخي في جورجيا، فإن روسيا قد توجه بعض صواريخها تجاه تبليسي. ولكن واشنطن لا تعتزم نشر منشآت الرادار في جورجيا. وفي الواقع، اقترح أربعة نواب جمهوريون في مجلس الشيوخ هذه الفكرة العام الماضي، ولكنها لم تكن أكثر من مجرد إثارة إعلامية، وأخذ عدد قليل في واشنطن الاقتراح على محمل الجد. ويعتقد بوتين بصدق أنه خبير في مجال الأسلحة النووية، ولكن موقفه من الدفاع الصاروخي يثبت عكس هذا.

الهيستريا والأشباح. نظرًا لأن الأسلحة النووية مكون أساسي في السياسة الخارجية الروسية، من الممكن أن يواجه الصحفيون الذين يتناولون ويناقشون سياسة الأسلحة النووية اتهامات بأن عملهم غير وطني. ومنذ أن وصل بوتين إلى سدة الحكم في المرة الأولى، تم بذل جهود حثيثة من جانب الدبلوماسية الروسية لجعل مسائل الإستراتيجية النووية على رأس الاهتمامات. فمن وجهة نظر الكرملين، تستطيع روسيا إثبات ضرورة اعتبارها قوة عظمى عن طريق التأكيد على قدراتها النووية. ومن ثم، فقد حاولت، بشتى الطرق، تعظيم ترسانتها النووية الضخمة التي ورثتها عن الاتحاد السوفيتي ليكون لها تأثير أكبر في الشئون الدولية. وفي الحقيقة، يبدو أن موسكو ترغب، من خلال محادثاتها مع نظرائها الغربيين — والأمريكيين بوجه خاص، في مناقشة بعض الأمور إلى جانب الشأن النووي. وقد عمل بوتين بلا كلل لإثارة عدد الرؤوس النووية على قائمة الأجندة الدولية من أجل التعتيم على الجوانب الأخرى التي تبدو فيها روسيا ضعيفة — مثل تدني مستوى التقدم الاقتصادي في البلاد والذي لا يرتقي لمستوى طموح بوتين في جعل بلاده قوة عظمى. وهو يعتقد أن الولايات المتحدة السبب الرئيسي في جميع المشكلات، ويستغل كل فرصة لتذكير واشنطن أن هناك قوة واحدة في هذا العالم لديها القدرة على تدمير الولايات المتحدة.

عبرت موسكو في السنوات الأخيرة كثيراً عن عدم رضاها عن سياسات الغرب عن طريق استعادة نماذج الحرب الباردة. على سبيل المثال، فإن الكرملين غير سعيد برغبة جورجيا في الانضمام إلى حلف الناتو، واحتمالية انضمام أوكرانيا للحلف أيضًا. وبالتالي، زعم أن الغرب سيقوم حتماً ببناء قواعد عسكرية في هذين البلدين إذا ما انضمتا إلى حلف الناتو، وأنه سيتم تزويد تلك القواعد بصواريخ موجهة إلى روسيا. وتعرب موسكو عن عدم رضاها عن الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية عندما تعبر هذه الدول عن عدم رضاها عن قمع الحريات في روسيا، وترد روسيا على هذا الأمر بإثارة موجات من السخرية حول محاولة الناتو بناء تفوق عسكري.

ظهر الكثير من هذا في خطاب بوتين الذي ألقاه في ميونخ عام 2007 ، والذي قال فيه إن السلام القائم على الخوف من التدمير المتبادل "كان موثوقاً فيه بصورة كافية"، ولكن "يبدو اليوم أن السلام لم يعد يتمتع بمثل هذه الدرجة من الثقة". وقد وضع قضايا الحرب الباردة مثل توازن الأسلحة التقليدية والدفاع الصاروخي في أوروبا مرة أخرى على طاولة المفاوضات، في حين وجه اتهامات إلى الولايات المتحدة مراراً، فضلاً عن غيرها من دول حلف شمال الأطلسي، بمحاولة تحقيق تفوق عسكري على روسيا.

تمنع فكرة أن الأسلحة النووية هي الأصول الرئيسية للبلاد مناقشة قضايا خطيرة مثل ما إذا كانت روسيا بحاجة للحفاظ على التكافؤ النووي مع الولايات المتحدة. كما لا يوجد الكثير من النقاشات الشرعية في روسيا حول الشأن النووي الأكثر إلحاحًا في الوقت الراهن وهو النظام الدفاع الصاروخي الأمريكي. وتصر روسيا على أن الولايات المتحدة تهدف من خلال نظام الدفاع الصاروخي إلى تقويض الاستقرار الاستراتيجي وتهديد قوة الردع النووية الروسية. ولا يبدو أن أحدًا في روسيا يهتم بإجراء نقاش جاد حول هذا الشأن، وأصبح الدفاع الصاروخي شبحًا مثاليًا يمكن للكرملين استخدامه لأغراض سياسية بنفس طريقة استخدامه لمسألة توسع الناتو.

في حقيقة الأمر، نجد أن بوتين مذعور بالفعل من تهديدات الغرب. ولكنه لا يخشى الحرب النووية، بل يخشى الثورة البرتقالية في روسيا. ولدى الكرملين مخاوف من مثل هذه "الثورة الملونة". ولا تتعدى المخاوف من خطط الدفاع الصاروخي الأمريكية كونها مخاوف مصطنعة، حيث يدرك القادة الروس أن تلك الخطط لا تمثل أي تهديد على قدرات الردع الروسية، إلا أنهم مستعدون لمواجهة "الطاعون البرتقالي" حيثما ظهر في العالم. فقد قامت الولايات المتحدة بتغيير النظام في العراق، وساعدت في حدوث الأمر ذاته في ليبيا، وترغب الآن في تكرار الأمر في سوريا، ووفقاً للكرملين، تخطط الولايات المتحدة لقلب نظام الحكم في روسيا.

تلميحات وإشارات وخيانة. في ظل هذه الظروف، فإن إثارة الشكوك حول السياسة النووية الحكومية تثير التساؤلات بشأن السياسة الخارجية الكاملة للبلاد. ويؤثر هذا الأمر على الصحفيين وعلى المنظمات غير الحكومية أيضًا. وتوظف العديد من المؤسسات البحثية الروسية خبراء مؤهلين للغاية في الشؤون النووية. ومن بين هذه المؤسسات مركز الأمن الدولي، الذي يترأسه عالم العلاقات الدولية أليكسي أرباتوف؛ ومعهد الدراسات الأمريكية والكندية، الذي يترأسه سيرجي روغوف، ومركز كارنيغي موسكو. ويرتبط خبراء بارزون مثل الجنرالان المتقاعدان فلاديمير دفوركين وفيكتور إيسين بهذه المؤسسات، إلا أن مجتمع الخبراء يفضل عدم الدخول في مناقشات مباشرة مع الكرملين حول المسائل النووية. ولكنه يفضل، بدلاً من ذلك، التحدث بإشارات وتلميحات خفيفة جدًا بحيث يمكن للحكومة تجاهلها بأمان. وقد يقترح المحللون طرقًا لمواصلة عملية نزع السلاح — ولكن المسؤولين الحكوميين يصرحون بأن موسكو ليست مهتمة بأي عملية لنزع السلاح.

في الوقت الحاضر، تمتلك السلطات بين يديها أداة جديدة وفعالة جدًا لإيقاف أية مناقشات حول الأسلحة النووية. وقد سنت روسيا حديثًا قانون الخيانة الذي يجرم أي شخص يرتبط بأنشطة مؤسسات تمثل تهديدًا لأمن روسيا. ويمثل الأمن مفهوماً يمكن تفسيره على نطاق واسع بالطبع، ويوفر القانون الجديد فرصة ممتازة لإسكات أي شخص، بما في ذلك الصحفيين، يختلف مع وجهات النظر الرسمية.

Round 2

العام مقابل الخاص

واجه برنامج مصر للطاقة النووية عدداً من التحديات في الآونة الأخيرة. أولاً، ارتفعت أصوات جماعات حماية البيئة، التي تفضل استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح بدلاً من الطاقة النووية. ثانياً، أثار الموقع المقترح لمنشأة الطاقة النووية في الضبعة المظاهرات من جانب سكان المنطقة. وفي كانون الثاني/يناير نشر أنه سيتم تأجيل مشروع الضبعة لحين انعقاد الهيئة التشريعية التي سيتم انتخابها لمناقشة المسألة.

تتعامل الصحف والمجلات المستقلة مع كل هذه المسائل بطريقة مهنية. ولأول مرة، ونتيجة لزيادة حرية التعبير التي أعقبت الثورة المصرية، أصبحت وسائل الإعلام قادرة على تكريس الاهتمام بالفئات التي تعارض البرنامج النووي — فتحت الثورة الباب أمام شرائح جديدة من المجتمع للتعبير عن آرائها ووجهات نظرها. وقبل الثورة، كان النظام لا يسمح بنشر أي مقال ينتقد البرنامج النووي. وكان هذا صحيحاً، على وجه الخصوص، عندما أعلن جمال مبارك، نجل الرئيس السابق حسني مبارك، في مؤتمر الحزب في عام 2006 عن إعادة تشغيل البرنامج.

على الرغم من ذلك، فإن وسائل الإعلام المملوكة للحكومة لا تزال تنتهج إلى حد كبير نفس نهجها قبل الثورة. في آب/أغسطس الماضي، أعلن الرئيس محمد مرسي أن القاهرة تدرس تجديد البرنامج النووي غير المستقر، الذي وصفه بأنه جهد مدني بحت من شأنه توفير الطاقة النظيفة للمواطنين في مصر. وأبرزت الصحف المملوكة للحكومة بيان مرسي على صفحاتها الأولى. وفي نفس الوقت تقريباً، خصصت الصحف مساحة كبيرة لتقرير صادر عن وزارة الكهرباء والطاقة يشير إلى أن البرنامج النووي سوف يخلق فرص عمل ويوفر دفعة اقتصادية لمنطقة الضبعة. وكانت الصحف المستقلة، في الوقت نفسه، حرة في التركيز على الانتقادات التي توجهها الجماعات التي تعارض تجديد البرنامج.

المماثل والمختلف. وصف زميلي براميت بال شودري المشهد الإعلامي في بلده الهند. ويتسم سوق الإعلام هناك بحجمه الكبير وتنافسيته الشديدة، وناقش شودري الجوانب السلبية لهذا التنافس — "تحرك السوق الاهتمامات قصيرة الأجل ولا يوجد سوى مجال ضيق للتحليل المتعمق للسياسات". ولكن في مصر، مع سوقها الإعلامي الأصغر، فإن المنافسة شيء إيجابي، وخصوصاً لأن الصحف المستقلة بدأت في الوقت الحالي في الازدهار. وقد جعلت المنافسة هنا بالفعل وسائل الإعلام أكثر رغبة في تقديم تغطية وتحليل متعمق للأحداث. ولكن وسائل الإعلام المصرية تشترك في بعض المشاكل مع نظيراتها في الهند. حيث توجد ندرة في كلا البلدين في الصحفيين العلميين والصحفيين النوويين على وجه الخصوص.

يوجد شيء أكدته هذه المائدة المستديرة وهو أن السرية النووية تمثل تحدياً مشتركاً لعدد من البلدان. وقد ناقش شودري في مقالته الأولى الخوف داخل الهند من "استغلال الغرب لأي معلومات نووية تكشفها الهند ضدها". ويوجد نفس الموقف اليوم في مصر — يبرر المسؤولون الحكوميون في بعض الأحيان رفضهم تقديم تفاصيل عن المسائل النووية بالقول إن "الغرب سيستخدمها ضدنا." وفي بعض الأحيان، ينتهج العلماء الذين يعملون في المؤسسات البحثية الحساسة نفس النهج.

أشار ألكسندر غولتس في مقالته الأولى أنه اتهم بتعزيز مصالح الولايات المتحدة لأنه ناقش السياسات النووية الروسية. ويحدث شيء من هذا القبيل في مصر: يتهم بعض العلماء التابعون للحكومة الجماعات التي تعارض البرنامج النووي بخدمة مصالح إسرائيل. ومن وجهة نظرهم، فإن المستفيد الوحيد من إيقاف البرنامج هو دولة إسرائيل.

أدت الثورة المصرية إلى قدر أكبر من حرية الصحافة، ولكن الافتقار إلى الشفافية لا يزال سمة البرنامج النووي للبلاد. ومع التقييد الشديد للمعلومات، ووسط استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في البلاد، فإنه من الصعب للغاية التأكد من الموقف الحقيقي للحكومة فيما يتعلق باستئناف البرنامج النووي.

نحو الاتجاه السائد

برزت السرية، كما ذكر زميلي ألكسندر غولتس، كموضوع مركزي في هذه المائدة المستديرة. أكثر ما يثير دهشتي دائماً حول السرية في المجال النووي — وهو أكثر إثارة للدهشة من السرية نفسها، حيث سيحافظ المسؤولون على سرية الإحصاءات الخاصة بالحفاضات إذا كان في وسعهم ذلك — هو القبول العام للسرية. (أتحدث عن الهند، ولكن استناداً إلى هذه المائدة المستديرة، تبدو الظروف مماثلة في بعض الدول الأخرى الناشئة أو غير الغربية).

يوجد في قلب كل هذا، في الهند على الأقل، الغموض النووي الذي ناقشته في مقالتي الأولى؛ ويسمح الغموض، أكثر من الأنظمة القانونية، بمواصلة برنامج الهند النووي لعمله مع قدر ضئيل من التدقيق العام. وفي أي دولة ديمقراطية، من المفترض أن تولد التعبئة العامة ضغوطاً سياسية، وهو ما يؤدي إلى إصلاحات قانونية أو إدارية، والتي تؤدي بدورها إلى توطيد الديمقراطية. ولكن إذا لم تبدأ حلقة التعقيبات هذه على الإطلاق، فإن احتمالات الانفتاح والنقاش النشط تكون لا مغزى لها.

لماذا يوجد الغموض؟ ناقشت بعض الأسباب في مقالتي الأولى، ولكن هناك عوامل أخرى كذلك. ومن بين هذه العوامل الشعور بالرعب الذي يمكن أن تولده تكنولوجيا متقدمة معلنة في دولة نامية — لا سيما تكنولوجيا تتمتع بقوة تدميرية لا تصدق. وهناك عامل آخر هو الحصرية التي كان يتسم بها ولا يزال التعامل مع التكنولوجيا النووية من قبل الدول النووية الأصلية، مما يجعل هذه التكنولوجيا تبدو وكأنها الفاكهة الأكثر تحريماً. (يسود اعتقاد غير صحيح لدى الكثير من الهنود أن امتلاك الأسلحة النووية كان أحد المعايير التي تم بموجبها اختيار الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي). ونتيجة لكل ذلك، يتم التعامل مع المنشآت النووية الهندية وكأنها كهنوت — والذي ينبغي ألا يتم إجباره عن كشف عقيدته المقدسة.

يصعب هذا الغموض من تطبيع النقاش النووي. ولكن إذا كان المرء سيضع الرواية النووية في الاتجاه السائد، فكيف سيتعامل مع هذا الموضوع؟ ستكون الخطوة الأولى إزالة الغموض عن الطاقة النووية المدنية من خلال بدء التعامل معها كقطاع عادي للاقتصاد. (سوف تأتي التطبيقات العسكرية لاحقاً.) وسوف يجعل هذا التغير في السياق صناعة الطاقة النووية مسؤولة أمام جمهور أكبر، وهو ما يجبرها لأن تصبح أكثر شفافية ويخضعها لانضباط السوق وتدقيق المحاسبين.

بدأت الهند اتخاذ بعض الخطوات في هذا الاتجاه، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى ثلاثة تطورات: اتفاق تعاون نووي مع الولايات المتحدة؛ وقرار اتخذته مجموعة الموردين النوويين، عقب حشد ثقيل للتأييد من قبل الولايات المتحدة، لإعفاء الهند من نظام الحرمان من التكنولوجيا الذي تم فرضه بسبب عدم التوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية؛ واتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإخضاع قطاع الطاقة النووية المدنية في الهند للضمانات. وقد أسفر هذا المزيج من الاتفاقات عن الفصل بين البرامج النووية العسكرية والمدنية في البلاد، وفتح الباب أمام إمكانية تدويل قطاع الطاقة النووية من حيث التكنولوجيا والعمليات والاستثمار.

يمثل العمل أيضاً على تطبيع الطاقة النووية دور الحكومة نحو تصور قطاع الطاقة النووية كجزء من سلسلة توريد عالمية، والتي ستكون فيها الهند مورداً وعميلاً. وسوف يتم النظر إلى قضايا الانتشار والسلامة المحيطة بمحطات الطاقة النووية باعتبارها قضايا تقنية وإدارية، وليس أعذاراً للمزيد من السرية. وقد تسارع هذا الاتجاه نتيجة الحادث الذي وقع في محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية ونتيجة لعدد من الاحتجاجات الهندية المناهضة للأسلحة النووية.

بشكل عام، تقف الهند على حافة انفراجة، حيث من الممكن أن تتوقف الطاقة النووية عن كونها مجموعة فرعية في الترسانة النووية الكلية في البلاد، وتصبح بدلاً من ذلك مجموعة فرعية في صناعة الكهرباء. ومن بين العلامات على أن هذه الانفراجة قد تكون وشيكة ما يلي: أصبحت تغطية القضايا النووية بشكل متزايد السبق الصحفي للصحفيين التجاريين، وليس المراسلين السياسيين أو الأمنيين.

قد يقضي ارتفاع تكاليف المسؤولية أو انخفاض أسعار الوقود الأحفوري، وفق الأسس الاقتصادية البسيطة، على أي توسع قوي لبرنامج الطاقة النووية في الهند. ولكن من غير المحتمل حدوث تراجع لتعميم الطاقة النووية المدنية. ولا تزال الأسلحة النووية، كما أوضحت مقالات غولتس حول روسيا، تميل إلى تقديم نوع مختلف من الرواية الرسمية، ويبدو أنه من غير المرجح تعميم الأسلحة النووية الهندية في أي وقت قريب.

السرية، الملاذ الأخير

بصراحة، عندما تلقيت الدعوة من نشرة علماء الطاقة الذرية للمشاركة مع الزملاء من البلدان النامية في مناقشة مائدة مستديرة حول الصحافة النووية، كانت لدي بعض التحفظات. فرغم كل شيء، روسيا هي الوريث الرئيسي للاتحاد السوفيتي، البلد الذي كان على قدم المساواة مع الولايات المتحدة في المجال النووي أثناء الحرب الباردة. وتحتل روسيا في الوقت الحالي المرتبة الثانية في الساحة النووية، بسبب ترسانتها العملاقة من الأسلحة وصناعة الطاقة النووية المتقدمة (التي تبني محطات على الصعيد المحلي وفي بلدان أخرى، لا سيما في الصين والهند). ولذا كانت لدي بعض الشكوك حول ما اذا كانت روسيا تنتمي في واقع الأمر إلى نقاش حول المسائل النووية في العالم النامي.

كانت المفاجأة هي أن زملائي المشاركين في مناقشة المائدة المستديرة، بناءً على مقالاتهم الأولى، يواجهون، كصحفيين نوويين، العديد من المشكلات المماثلة التي واجهتها أنا نفسي. وكان من بين العوامل الأساسية في هذه المشكلات، مستنقع السرية التي يواجه أي شخص يكتب حول المسائل النووية في روسيا، ومن الواضح وجود الشيء نفسه في الهند ومصر أيضاً.

أود القول إنه لا توجد العديد من الأسرار الحقيقية في المجال النووي كتلك التي كانت موجودة قبل 30 أو 50 عاماً. ويمكن العثور بسهولة على تصاميم للقنابل الذرية في الكتب الدراسية لمقررات الفيزياء الجامعية. ونتيجة للمعاهدات بين روسيا والولايات المتحدة، لم تصبح مواقع الأسلحة النووية في البلدين وتنظيم قواتهما النووية سراً كبيراً، وينطبق الأمر نفسه إلى حد كبير على فرنسا والمملكة المتحدة بسبب مؤسساتهما الديمقراطية الشفافة. كما أن أهم الأسرار النووية للدول الأخرى ليست سراً أيضاً بسبب ما يشار إليه بدقة باسم "الوسائل الوطنية" (استطلاع الفضاء والتجسس، وما شابه ذلك). وفي الوقت الحالي، فإن المعلومات السرية بحق هي التفاصيل التقنية المحددة للغاية حول الأسلحة أو إنتاج الأسلحة — ولا تحظى هذه الموضوعات باهتمام الجمهور.

ولكن على الرغم من ذلك، يحيط ستار من السرية بالمسائل النووية، ويسمح هذا للمسؤولين بإخفاء أخطائهم وعدم كفاءتهم عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرارات حول المسائل الأمنية. وأعلنت الحكومة الروسية مؤخراً أنها تعتزم تطوير ونشر صواريخ تعمل بالوقود السائل الثقيل لتحل محل صواريخ إس إس — 18 التي ستحال إلى التقاعد. وقد تم اتخاذ هذا القرار في سرية تامة، دون مناقشة، ودون التشاور مع الخبراء. ولكن يجب على المرء أن يتساءل كيف سيتم إنتاج الصواريخ(؟). في ظل الاتحاد السوفيتي، كانت الصواريخ "الثقيلة" تصمم وتصنع في أوكرانيا. ولم يسبق أن قامت روسيا بإنتاج الصواريخ الأرضية التي تعمل بالوقود السائل "الثقيل". ولذلك يجب أن تقوم روسيا بتصميم هذه الصواريخ الجديدة وقد تضطر أيضاً إلى بناء مصانع لإنتاجها. وسوف يتكلف كل ذلك مليارات الدولارات. ويحرص قادة صناعة الدفاع الروسية على إنتاج أسلحة جديدة، وكذلك كبار الجنرالات في قوات الصواريخ الاستراتيجية. ولكن لا أحد يسأل ما إذا كانت هذه الصواريخ ضرورية لأمن البلاد.

يصر الرئيس فلاديمير بوتين أنه لا يمكن ضمان الأمن القومي لروسيا إلا من خلال الحفاظ على المساواة الكمية في الرؤوس الحربية النووية مع الولايات المتحدة. ولهذا السبب فإنه يريد بشدة مركبات التسليم "الثقيلة" هذه، التي يمكنها حمل عشرة رؤوس نووية. ومن وجهة نظر بوتين، فإن التكافؤ الكمي فقط، مع قدرته على ضمان الدمار المتبادل، هو الذي يستطيع تحقيق الاستقرار. ولكن كيف يحسب الاستراتيجيون الروس الضرر الذي قد يحدث نتيجة حرب نووية؟ وهذا أيضاً سر عظيم. هل يتبعون نفس الصيغة التي وضعها وزير الدفاع الأميركي روبرت ماكنمارا في ستينيات القرن السابق، التي تم بموجبها حساب "درجة غير مقبولة من الضرر" مثل تدمير 50 في المائة من القدرة الصناعية للدولة و 20 إلى 25 في المائة من سكانها؟ وفي رأيي، فإن تفجير رأس حربي واحد يمثل ضرراً غير مقبول، ويكفي رأس حربي واحد لردع أي ميول عدوانية من جانب الولايات المتحدة. ولكن إذا كان هذا هو الحال، فإن روسيا تنفق موارد هائلة على لا شيء.

تحول "ثقافة السرية" القادة الوطنيين إلى رهائن لدى من يقدمون لهم المعلومات. على سبيل المثال، لا يزال بوتين يعتقد أن الولايات المتحدة تريد استخدام صواريخ اعتراضية أرضية لتدمير الصواريخ الباليستية الروسية في مرحلة الانطلاق. وقد أوقف الكونغرس الأميركي تمويل هذا المشروع في عام 2009 ، ولكن بوتين يتجاهل المعلومات المتاحة علناً، ويثق في تقاريره السرية بدلاً من ذلك.

السرية هي الملاذ الأخير للبيروقراطيين. وهي حيث يخفي المرء عدم الكفاءة ويخفي المصلحة الذاتية — ويفعل في الوقت نفسه كل ما يمكن القيام به لتجنب مناقشة قراراته.

Round 3

النقد ليس كافياً

في أعقاب ثورة 2011 ، أصبح الشعب المصري مهتماً للغاية بالسياسة – ولا يوجد شيء يمكن أن ينافسها في الفوز بانتباههم. وتمتلئ الصحف والمجلات بالأخبار والتحليلات السياسية، مما لا يترك سوى مساحة صغيرة لتغطية القضايا العلمية والنووية. ويتفاقم هذا الوضع بين الصحف الجديدة المستقلة، لعدم وجود شركات مستقلة لطباعة الصحف: يجب أن تقوم الصحف المستقلة بطباعة إصدارتها عن طريق الصحف الحكومية مثل الأهرام والجمهورية وأخبار اليوم، التي تتحكم  في طباعة الصحف المستقلة، وكيف يتم توزيعها، وعدد الصفحات التي تحتوي عليها، وحتى عدد الصفحات الملونة التي يضمها العدد. ويجب أن يختار رؤساء التحرير المستقلون، الذين يواجهون قيوداً من هذا النوع، الموضوعات التي سيتم تغطيتها، وعادة ما يحبذون الموضوعات السياسية عن العلمية. وفي الوقت الحالي، يعتبر الاهتمام بالقضايا النووية منخفضاً خاصة بسبب إعادة تأجيل برنامج الطاقة النووية الذي تكرر تشغيله وإيقافه عدة مرات.

يمثل عدم وجود مساحة في الصحف واحدة من المشاكل الرئيسية العديدة التي تواجه الصحفيين العلميين في مصر. كما أن هناك مشكلة أخرى وهي أن الحكومة غير شفافة بقدر كاف، وغالباً ما لا توجد لدى المسؤولين رغبة في توفير المعلومات. ولكن الصحف المستقلة نفسها ليست بمعزل عن اللوم: تقوم ممارساتها التحريرية العامة على انتقاد الحكومة دون اقتراح حلول للمشاكل التي تحددها. وخير مثال على ذلك نقص البنزين والسولار والغاز في البلد. حيث قصرت الصحف المستقلة بشكل أساسي تغطيتها لهذا الموضوع على التقارير الواردة من محطات الوقود المزدحمة، ولم تقم بإجراء مقابلات مع العلماء أو غيرهم من الخبراء لمعرفة كيفية علاج هذا الوضع.

يلعب الصحفيون دوراً هاماً للغاية في القرارات الوطنية مثل السعي إلى تنفيذ برنامج الطاقة النووية أم لا. ويمثل رفع مستوى الوعي العام بالقضايا المطروحة، من الطلب على الكهرباء في المستقبل إلى الأمان النووي، خدمة صحفية لا غنى عنها. ومرة أخرى هنا، من الممكن أن يسهم الصحفيون المصريون بدور هام. فقد ناقشت الصحف التقرير الصادر في يوليو 2012 من قبل وزارة الكهرباء والطاقة الذي يذكر أن البلاد يجب أن تسعي إلى استخدام الطاقة النووية للمساعدة في تلبية الطلب المستقبلي الذي يبلغ 300 ميجاوات إضافية من الكهرباء سنوياً، ولكنه لم يقترح كيف يمكن تلبية احتياجات مصر من الكهرباء إذا لم يتم تلبيتها عن طريق الطاقة النووية. وفيما يتعلق بمنشأة الطاقة النووية المقترحة في الضبعة، يستحق الشعب تقارير مخصصة حول ما إذا كانت الضبعة هي الموقع المناسب لمثل هذه المنشأة، وليس فقط تغطية الاحتجاجات ضد المحطة. (ينبغي أيضا توجيه الانتباه إلى النجيلة، وهي المدينة التي تم ذكرها كموقع محتمل للمفاعلات في المستقبل.)

في نفس الوقت، يستحق الناس الذين يعيشون بالقرب من الضبعة المزيد من الحكومة. لأن السكان هم من سيعانون إذا تعرضت منشأة نووية لحادث. ولذلك، يجب على الحكومة الشروع في عملية شفافة بشأن تحديد مواقع منشآت الطاقة النووية، مع إشراك العلماء وجماعات حماية البيئة والسكان المحليين والصحافيين. وبهذه الطريقة، تستطيع كلا من الحكومة ووسائل الإعلام تحمل مسئولياتهم تجاه الشعب.

لماذا الشفافية مهمة

هل تستفيد السياسات النووية لأي بلد، سواء أكانت مدنية أو عسكرية، من التغطية الإعلامية والنقاش العام؟ تحدد الطريقة التي يجيب بها المرء على هذا السؤال الأساسي، موقفه تجاه منح الصحفيين المزيد من الوصول إلى عمليات صنع القرار النووي. وثمة سؤال آخر يتعلق بهذا الموضوع، والذي يبدو أن هذه المائدة المستديرة أدت إلى إثارته، وهو كيف تجعل مؤسسة نووية في بلد ما تعتاد على فكرة أن التغطية والنقاش تعتبر في واقع الأمر قوى إيجابية.

يتمثل أفضل سبب لإخضاع السياسة النووية للفحص العام في أن النقاش يسمح بفحص السياسة قبل تطبيقها. وفي غياب ذلك، من الممكن أن تتسبب الأزمات في اتخاذ القرارات في بيئات تتسم بارتفاع العاطفة والتوتر السياسي. ويقدم تاريخ الهند الحديث العديد من الأمثلة لنقل المعلومات في الوقت المناسب مما يسمح بوضع السياسات بسلاسة — أو لوجود أثر عكسي للإخفاق في نقل المعلومات.

يوجد جانب يتم إغفاله كثيراً في اتفاق التعاون النووي بين الولايات المتحدة والهند، وهو أن هذا الاتفاق كان محل شك عميق من قبل العديد من العلماء النوويين في الهند، ومن قبل الأشخاص في أقاصي الطيف السياسي في البلاد، ووفقاً لما  أخبرني به مفاوض هندي من قبل " 70 في المائة من المجتمع الدبلوماسي الهندي". ومع ذلك وافق البرلمان على الاتفاق، وفعل ذلك بتأييد شعبي قوي.  والذي يفسر هذا الدعم، لا سيما مع الوضع في الاعتبار أن الجمهور ليس لديه أدنى فهم للاتفاق، وذلك بالاستناد إلى الاقتراع. يكمن السر في أن الاتفاق نتج عن عملية تفاوض شفافة: وتم الإعلان عن كل خطوة من خطوات التفاوض، وتم تقديم كل وثيقة تم الانتهاء منها للشعب.

يقدم قانون المسؤولية النووية المدنية لعام 2010 المعيب في الهند مثالاً للشفافية غير الكافية، وهو لا يتماشى مع قواعد المسؤولية الدولية ويجعل استيراد المفاعلات أكثر تكلفة بكثير مما ينبغي. وتم صياغة هذا القانون من قبل البرلمانيين الشعبيين. ولم يبذل الائتلاف الحاكم سوى جهد ضئيل لشرح مبادئ المسؤولية النووية للمعارضة. ومع اقتراب التصويت على مشروع القانون، بدأ هاتفي في الرنين واستقبال المكالمات من المنتجين الهنود للمكونات النووية، الذين كانوا يدركون بعد فوات الأوان أن مشروع القانون يمثل مشاكل بالنسبة لهم. وكانت فرضيتي بالنسبة لسبب سير الأمور وفق ما حدث هو أن المؤسسة النووية في البلاد، التي اعتادت التصرف بطريقتها الخاصة، ولم تقم مطلقاً بالتفاعل مع البرلمان بأي طريقة رسمية، افترضت ببساطة أن السلطة التنفيذية ستتدخل في وقت ما وأنها ستعيد الأمور إلى نصابها.

ظهرت على السطح قضايا مماثلة بعد الحادث الذي وقع في محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية في اليابان. وقد واجهت مرافق الطاقة النووية الجديدة في الهند لفترة طويلة احتجاجات من المزارعين الذين تعرضت أراضيهم للمصادرة لبناء المحطات؛ وبعد فوكوشيما، ارتفعت وتيرة المظاهرات العامة، وأثرت حتى على المرافق التي قطعت شوطاً كبيراً من عملية الإنشاء. وفي حين كشفت الاحتجاجات مدى ضآلة فهم الجمهور للسلامة النووية، إلا أنها أظهرت أيضاً مدى ضآلة الجهد الذي بذلته المؤسسة النووية لنقل المعلومات. وأتذكر مؤتمراً صحفياً مطولاً من قبل رئيس لجنة الطاقة الذرية الهندية في ذلك الوقت والذي كان تقنياً للغاية ويعج بالمصطلحات لدرجة أن معظم الصحفيين المتواجدين توقفوا عن تدوين الملاحظات. ولم يتم إصدار بيان صحفي أو ورقة معلومات أساسية.

القلق الكبير. يتمثل قلقي الحقيقي بشأن ضعف التواصل وغياب الشفافية في أن أهم نقاش نووي عام في الهند — النقاش حول ترسانة البلاد وعقيدتها النووية — لم يحدث بعد. وعندما يحدث ذلك، قد يتعرض الجمهور بسهولة لحملة خوف، تدور على سبيل المثال حول فكرة فجوة الصواريخ. حيث كانت ترسانة الهند النووية تعامل دائماً على أنها قدس الأقداس، عالم يحظر دخول الجمهور إليه؛ وعقيدة يتم التعامل معها، إلى الحد  الأقل المعلن، كأسفار مقدسة لا يمكن التشكيك فيها. وفي الوقت نفسه، تكدس باكستان المواد الانشطارية  الخاصة لتصنيع الأسلحة، ويبدو أن إيران تسعى للحصول على الردع النووي، وتتباهى العديد من الدول الآسيوية الكبرى بالدفاع الصاروخي. ومن وجهة نظر عقائدية، فإن هذه بيئة مستقرة بالكاد.

في وسط هذا كله، قد تؤدي محاولة تأجيج المشاعر العامة بشأن القضايا النووية إلى سباق تسلح مكثف. كما أن الشعب الهندي ليس أكثر عرضة للنداءات العاطفية من الشعوب في البلدان الأخرى، ولكن الحكومة نفذت محاولات قليلة لنشر عقيدة نووية واضحة، وبالتالي توجد مساحة للتلاعب الساخر. ولم يشكك الشعب أبداً في العقيدة النووية في الماضي. وهو افتراض خطير من جانب المؤسسة النووية في البلاد أن الشعب لن يبدأ القيام بذلك الآن.

الأسلحة النووية، الفخر الوطني

أبرزت هذه المائدة المستديرة بوضوح شديد المشكلة الأكبر التي يواجهها العديد من الصحفيين الذين يغطون القضايا النووية. وغالباً ما يجد الصحفيون، الذين لا يريدون سوى القيام بمهمتهم المتمثلة في توعية الجمهور، أنفسهم في معركة مع المسؤولين الذين يعتقدون أنه من الممكن تحقيق تقدم في الأهداف الوطنية الهامة عن طريق إخفاء أو تشويه المعلومات. وفي هذه الحالات، عادة ما يكون من السهل أن يسود البيروقراطيون — خاصة في الدول النامية، وخاصة إذا كان الجمهور واقعاً تحت تأثير الدعاية الحكومية.

يتم استخدام التكنولوجيا النووية، في عدد من البلدان، كرمز للإنجازات الوطنية. وفي روسيا، أصبح هذا الموقف نوعاً من الولع. ويكرر عشاق جوزيف ستالين (لا يزال هناك مثل هؤلاء الأشخاص) في كثير من الأحيان عبارة ينسبونها إلى ونستون تشرشل تقول: إن ستالين ورث روسيا بمحراث خشبي وتركها وهي تملك قنبلة نووية. ويريد هؤلاء الوطنيون الذين عينوا أنفسهم مناقشة الأسلحة النووية، ولكنهم لا يرغبون في الاعتراف بالعدد الكبير من المواطنين السوفييت الذين لقوا حتفهم في معسكرات العمل، وهم يعملون في مصانع الأسلحة أو في مناجم اليورانيوم. وقد مكنت كل هذه الوفيات قادة البلاد الشيوعيين من الحصول على أسلحتهم النووية، والتي ضمنت بدورها قدرتهم على إجراء تجارب سياسية مجنونة على شعبهم، وعلى شريحة كبيرة من البشرية في البلدان الأخرى.

حتى في الوقت الحالي، تتضمن الأسلحة النووية وظائف تتجاوز الردع العسكري. وهي أيضاً مؤشر على المكانة كقوة عظمى. ولكن الأسلحة النووية هي المؤشر الوحيد من هذا القبيل التي تستطيع روسيا ادعاءه؛ حيث لم ترث من الاتحاد السوفيتي أي سمات قوة عظمى أخرى. ولا يستطيع الروس الفخر بمستوى المعيشة المرتفع أو التوزيع العادل للثروة أو النظم الطبية والتعليمية الحديثة. ولذلك، تريد السلطات الروسية أن يفخر الشعب بالقوة النووية للدولة.

في بعض البلدان، قد تكون الأسلحة النووية أداة تتيح بقاء الديكتاتورية. ففي كوريا الشمالية، توفر الأسلحة النووية نوعاً من استبداد القرون الوسطى مع ضمان عدم التدخل الخارجي. ومن وجهة نظري، فإن غزو العراق في عام 2003 بواسطة الولايات المتحدة قدم لكل ديكتاتور على وجه الأرض حافزاً واضحاً لامتلاك أسلحة نووية.

حيث يكمن الأمل. يبدو أن قادة روسيا يعتقدون أن الهدف الرئيسي لأي خصم قد يواجهونه هو رفض الأسلحة النووية الروسية. وفي عام 2004 ، اتخذ الإرهابيون رهائن في مدرسة في بلدة بيسلان؛ وبلغ هذا الحادث ذروته بوفاة أكثر من 300 شخص، معظمهم من الأطفال. وفي أعقاب ذلك، كان على فلاديمير بوتين أن يقول: "لا تزال روسيا، باعتبارها واحدة من القوى الكبرى النووية، تمثل تهديداً لبعضهم. ولذلك يجب القضاء على هذا الخطر. والإرهاب، بطبيعة الحال، ليس سوى أداة لتحقيق هذه الأهداف." تسهل مثل هذه البيئة السياسية، التي يمكن من خلالها تصوير هذه التهديدات الأمنية التي تشكلها مجموعة من الإرهابيين على أنها تهديد لوجود ترسانة روسيا النووية، من اتهام الصحفيين الموضوعيين بالعمل كعملاء لدولة أجنبية — أو كما أوضحت في مقالتي الأولى، من اتهامهم بالخيانة. وفي هذه الحالات، يؤيد الشعب بشكل عام الحكومة عن الصحفيين.

سوف يتغير كل هذا فقط إذا تغير موقف الأمة تجاه الأسلحة النووية. ولسوء الحظ، من الصعب أن نرى حدوث مثل هذا التحول في وقت قريب، حتى لو كانت روسيا تواجه "تغيير النظام". وليس من المرجح أن يتخلى أي رئيس للدولة الروسية عن أداة للمساومة الدولية تتسم بالفعالية مثل الأسلحة النووية. ولذلك، فإن الأمل الرئيسي لحدوث تغيير في موقف روسيا تجاه الأسلحة النووية هو التحسن العام في البلاد. أي، إذا تغيرت روسيا نحو الأفضل، وظهرت إنجازات وطنية جديدة كمدعاة للفخر، فإن الأسلحة النووية لن تعد هذا الرمز القوي.

لن يحدث أي من هذا على الفور. ولكن الصحافة ذاتها يمكن أن تساعد على تسريع هذه العملية. ويجب أن يفي الصحفيون بالتزاماتهم، ليس فقط بإبلاغ الشعب عن الأحداث، ولكن أيضاً بتوعية المواطنين لتحذيرهم من المخاطر المرتبطة بالبرامج النووية. ويتطلب هذا أن يواصل الصحفيون تقديم تقييمات صادقة وموضوعية حول القضايا التي يغطونها. نعم، من الممكن أن يكون ذلك صعباً للغاية، وخطيراً في بعض الأحيان. ولكن الصحافة لا معنى لها ما لم تكن مدفوعة بمثل هذه المهمة.



 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]