المرأة وسياسية الأسلحة النووية

في الحرب النووية، تعاني المرأة على الأقل بقدر معاناة الرجل. إلا أن المرأة لا تزال ممثلة تمثيلا ناقصا في مجالات تؤثر على السياسة النووية— مثل السياسات رفيعة المستوى والدبلوماسية والشؤون العسكرية والعلوم والتقنيات. إذن كيف يمكن أن تكتسب المرأة تأثيرا أكبر على سياسة الأسلحة النووية؟ وكيف يمكن أن يؤثر تمكينها على جهود نزع السلاح ومنع الانتشار النووي؟

Round 1

التقاليد..عدو نزع السلاح

الحرب النووية والإرهاب النووي يهددان النساء بنفس قدر تهديهما للرجال. لكن في الحقيقة، قد تكون النساء أكثر عرضة من الرجال لمخاطر نووية معينة، مثل السرطانات المرتبطة بالإشعاع. ومع ذلك، فإن تأثير المرأة على السياسة النووية ضعيف للغاية. هذا ينطبق على كل من الصعيدين الوطني والدولي على حد سواء، وينطبق كذلك على مجالات السياسة والشؤون العسكرية والعلوم والتقنيات.

في الدول التي تفتقر فيها المرأة لتكافؤ الفرص—حيث يتوقع أن تظل خاضعة للرجل في جميع الأمور—فليس من المفاجئ أن تفتقر المرأة للتأثير السياسي فيما يتعلق بالأمور النووية. في الهند، حصلت النساء على حق الاقتراع الكامل في عام 1950. لكن تمثيل المرأة في "لوك سابها"، أو مجلس النواب فى البرلمان، يمثل 11٪ فقط، ولا تزال التشريعات التي من شأنها أن تضمن للمرأة 33 في المئة من المقاعد في لوك سابها و المجالس التشريعية في الولايات متوقفة منذ عام 1996. وفي باكستان، اكتسبت المرأة حق التصويت على الاستقلال الوطني في عام 1947، لكن حقوق التصويت للمرأة مازالت تواجه معارضة شديدة حتى الآن. ولا سيما في المناطق الريفية، حيث غالبا ما يعتبر تصويت المرأة "غير إسلامي".

ليس كل المجتمعات تهيمن عليها الذكور تماما، لكن من الصعب تصور دولة يكون تأثير النساء فيها على السياسة النووية أو صنع القرار الاستراتيجي والعسكري متناسبا مع أعدادهن. لماذا؟ حسناً، يمكن للمرء أن يجادل بشكل صحيح أن عددا قليلا نسبيا من النساء يمتلكن خلفية علمية وتعليما عسكريا أو خبرة في السياسة والدبلوماسية والتي هي ضرورية للمشاركة في صنع سياسات الأسلحة النووية. لذا، يمكن للمرء أن يجادل بأنه لا يحق للنساء أن يتم تمثيلهن في صناعة القرارات النووية وذلك لمجرد كونهن نساء.  

لكن هذا النوع من الاستنتاج يتجاوز حدود المنطق. إذ أنه في العديد من الدول يرجع التأثير الضعيف للمرأة في المجالات السياسية والأمنية إلى القوالب النمطية الجنسانية مثلما يرجع إلى التساؤلات المنطقية عن خبرة المرأة. في الأسر التقليدية في العديد من الدول، ينظر دائما إلى الرجل باعتباره القائد. ومن ثمَّ يقوم بتحديد الأدوار الاجتماعية والاقتصادية لأفراد الأسرة الآخرين. فالرجل يمثل القوة والمنطق والحكمة والحماية. مثل تلك القوالب النمطية تم نقلها إلى الترتيبات السياسية الحديثة، حيث يتحكم قائد (عادة ذكر) في أدوار أتباعه وممثليه. وفي الوقت نفسه، يتم تصوير المرأة على أنها ضعيفة وعاطفية وغير عقلانية، وبحاجة إلى الحماية— ومن ثم فهى غير قادرة على اتخاذ قرارات لنفسها أو للآخرين.

هذا النوع من التمايز "الطبيعي" بين الجنسين قد تخلل في كل جوانب عملية صنع السياسة النووية. على سبيل المثال، خلت الوفود الهندية والباكستانية المشاركة في مؤتمر أوسلو حول الآثار الإنسانية للأسلحة النووية عام 2013 من العنصر النسائي. على نطاق أوسع، إذا وصف رجل الموت والدمار النووي بعبارات مجردة وخالية من العاطفة مثل "أضرار جانبية غير مقصودة"، فإن كلماته تحمل رسالة ذكورية قوية واثقة. بينما إذا استخدمت المرأة مصطلحا مثل "القتل الجماعي" لوصف الأحداث نفسها، يمكن أن تعبر كلماتها عن رسالة أنثوية عاطفية. وبالتالي تصبح كلمات المرأة أقل شأنا، حتى لو كانت أكثر واقعية.  

بجانب هذه الصور النمطية، هناك بعض البحوث التي تشير إلى أن المرأة هي في الواقع أقل عدوانية من الرجل. فقد خلصت دراسة نشرت عام 2012 في مجلة المعاملات الفلسفية للجمعية الملكية إلى أن "الرجال مبرمجون بيولوجيا ليصبحوا محاربين". وفي عام 2007، نشر باحثون من جامعة براون وغيرها نتائج أبحاثهم في استجابة الأشخاص لألعاب محاكاة الحرب. وأشار البحث إلى أن "الأشخاص الذين لديهم نسب عالية من هرمون التستوستيرون هم أكثر عرضة للانخراط في هجمات ضد خصومهم حتى بدون سابق استفزاز". لكن إذا صح في الحقيقة أن النساء أكثر محبة للسلام من الرجال— وأقل نزعة للصرعات وأكثر إنسانية ودبلوماسية من الرجال—فإن الاستجابة العقلانية لذلك تكون بتسريع عملية نزع السلاح من خلال ضمان مشاركة المرأة في عملية صنع السياسة النووية.  

فقد لعبت المرأة بالفعل دورا رئيسيا في تطوير الصكوك الدولية مثل اتفاقية الأسلحة البيولوجية والسمية واتفاقية الأسلحة الكيميائية. ويمكن أن تلعب المرأة نفس هذا الدور الحيوي أيضا في نزع السلاح النووي. لكن من الصعب بالنسبة لها القيام بذلك طالما تم إيلاء الدبلوماسية والحوار والإحساس بالترابط بين الدول— وهى أمور أساسية يعتمد عليها نزع السلاح—قيمة منخفضة نظرا لارتباطها بالأنوثة. لذا، فإن المطلوب في النهاية هو تخفيض المفاهيم التقليدية للسلطة والقوة في صنع السياسات. بدلا من ذلك، ينبغي أن يكون صالح  البشرية في مركز الصدارة. يعتمد تحقيق السلام المستدام على معالجة جميع أنواع عدم المساواة، بما في ذلك عدم المساواة بين المرأة والرجل.

لكن في الوقت الحاضر، كيف يمكن زيادة تأثير المرأة على صنع القرارات النووية؟ أقترح تنفيذ مجموعتين من الإجراءات، إحداها تنفذها الحكومات والأخرى تنفذها المرأة بنفسها.

يجب على الحكومات أن تدرك أن المرأة هي أحد أصحاب المصلحة المهمين في عمليات السلام وحل النزاعات ونزع السلاح النووي. وبشكل أكثر تحديدا، ينبغي على الحكومات تشجيع المشاركة المباشرة للمرأة، على الصعيد الدولي، في جهود منع الانتشار النووي ونزع السلاح. كذلك، عندما تقوم الحكومات بتحليل التكاليف والمنافع للنفقات العسكرية، ينبغي أن تأخذ في الاعتبار الأبعاد الجنسانية لهذه النفقات— على سبيل المثال، يعتبر كثيرون أن قرار الحكومة الباكستانية للاستثمار في استراتيجيات بحث وتطوير ونشر الأسلحة النووية التكتيكية هو قرار غير مسؤول. (حيث تعاني باكستان من الفقر وسوء الصحة العامة وارتفاع معدلات البطالة وانخفاض مستويات التعليم، فلا معنى أن تتكبد إسلام آباد نفقات دفاع هائلة للأسلحة النووية "الصغيرة"). بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الحكومات أن تدمج في مداولات سياستها النووية وجهات نظر المنظمات غير الحكومية مثل الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية واتحاد النساء الدولي للسلام والحرية، وبلوغ الإرادة الحاسمة، وقصص من الهيباكوشا (كلمة يابانية تعني الناجين من قنبلتى هيروشيما وناجازاكي). القيام بذلك من شأنه أن يقدم للمداولات النووية الأثر الإنساني الذي سيتركه الصراع النووي على النساء و قطاعات أخرى من السكان.

في الوقت نفسه، إذا أرادت المرأة اكتساب مزيد من التأثير على السياسة النووية، يجب على مزيد من الطالبات دخول مجالات مثل التخطيط العسكري والفيزياء والحد من التسلح والأمن. كما ينبغي على النساء المشتغلات بالبحوث الطبية دراسة مواضيع مثل تأثير الإشعاع على صحة الإنسان—ثم العمل على نشر الوعي بهذه النتائج التي توصلن إليها. يجب أيضا أن تصبح النساء أكثر وعيا بنوع الجنس في سياساتهن، ويقمن بدعم للنساء المرشحات اللائي يشتركن معهن في وجهات النظر حول قضايا مثل نزع السلاح.

بسبب التعقيدات الجيوسياسية، يبدو نزع السلاح حلما بعيد المنال في الوقت الحالي. ولكن سوف نقترب من تحقيق الحلم إذا تمكنت المرأة من ممارسة تأثيرها الشرعي على سياسة الأسلحة النووية.  

روح المرأة في السياسة النووية

يعتبر العديد من مؤيدي حقوق المرأة أن الحالة النووية هى ظاهرة جنسانية. إذ يقال إن الرجال يربطون التقنية النووية بالفحولة الجنسية— في الواقع، عندما أجرت الهند خمسة تفجيرات نووية في مايو 1998، قال السياسي الهندوسي القومي بال ثاكيراي: "علينا أن نثبت أننا لسنا خصيان". هذا الشعور يذكرنا بسؤال طرحته كارول كوهن، وهى باحثة متخصصة في دراسة الجنس والأمن، في عام 1986، حيث تساءلت: "إذا كان نزع السلاح بمثابة إخصاء، إذن كيف يمكن لأي رجل حقيقي مجرد التفكير في ذلك؟". مؤيدو حقوق المرأة يشيرون أيضا إلى أن الرجال يربطون الأسلحة النووية بأدوارهم المتصورة بأنهم المدافعون عن السكان (الإناث)—وفي عالم السياسة النووية، يرى الرجال أن عقلانيتهم المفترضة هى أكثر ملاءمة من حساسية المرأة المفترضة.

لكن ماذا يحدث لو انهارت جنسانية الحالة النووية؟ وفقا للنظرية النسوية، سوف يضعف منطق امتلاك الأسلحة النووية. كما أن فكرة أن القوة تساوي القدرة الكاملة على التدمير سوف تتزعزع هى الأخرى. لكن بالرغم من صحة أن الذكورة ظلت لفترة طويلة مرادفا للعدوان أو للحماية، والأنوثة مرادفا للتهدئة أو تفضيل الاستقرار— بعبارة أخرى، الذكورة مرادف القوة والأنوثة مرادف الضعف— تبين الممارسات أنه بإمكان المرأة أن تصبح قوية مثل الرجل. وقد ارتبطت أسماء سياسيين ودبلوماسيين من الإناث، مثل مارجريت تاتشر ومادلين أولبرايت وكوندوليزا رايس، بانتهاج تدابير سياسية متشددة وعمليات عسكرية بالغة القوة، مما يجعل من الواضح أن الصور النمطية للمرأة باعتبارها حساسة أو مسالمة ليست دائما صحيحة.

لكن الجنس نظام رمزي (بالإضافة إلى سمة الفردية)، كما يُفهم من مؤيدي حقوق المرأة مثل كوهن وشريكتها في التأليف سارة روديك. يوفر الجنس الاستعارات والقيم التي تساعد على هيكلة تفكير الأشخاص بشأن الحرب والأمن، من بين جوانب أخرى من العالم. هذه الاستعارات والقيم تشكل الأيديولوجيات. ويمكن وصف الايديولوجيات إما بالمؤنث أو المذكر—لكن يمكن أن تتبنى المرأة أيديولوجية "مذكرة"، والعكس بالعكس. إن قائدات مثل تاتشر وأولبرايت ورايس، واللائي قمن بوظائفهن في عالم قام ببنائه الرجال على أساس من المُثل الذكورية، قد نجحن في أن يصبحن أكثر "ذكورة" من العديد من الرجال.

كل ذلك يجعل من الصعب مناقشة كيفية إمكان حصول المرأة على تأثير أكبر على سياسة الأسلحة النووية، لكن يبرز في هذا الصدد نهجان. النهج الأول هو تشجيع تمثيل المرأة في الهيئات الحكومية والمنظمات الدولية على أمل أنه كلما اكتسبت النساء نفوذا، سوف يقمن تدريجيا بتغيير السياسة نفسها، مما يحدث تطورا في ضمير الاجتماعي السياسي. إذا أصبحت البيئة المحيطة بالسياسة النووية تتسم بكونها أكثر أنوثة، فقد تصبح السياسة أقل عدوانية مما ينتج عنه في النهاية نزعا عاما للسلاح. غير أن هذا الاستنتاج قد يكون خاطئا. فهل كانت تاتشر وأولبرايت ورايس يتصفن بالـ"ذكورة " بطبيعتهن أم أنهن أصبحن كذلك من أجل تحقيق النجاح في مجال السياسة الذي يهيمن عليه الرجال؟ إذا كانت العبارة الأخيرة هي الصحيحة، إذن كيف يمكن للمرء أن يكون على يقين من أن السياسة النووية لن تغير من الطبيعة "الأنثوية" للعديد من النساء اللائي سوف يلجن فيها؟ كيف يمكن للمرء أن يكون على يقين من أن النساء هن من سيقمن بتغيير السياسة النووية، وليس العكس؟

بينما يستلزم النهج الثاني— وهو الأصعب، لكنه ربما يكون الأكثر جدوى على المدى الطويل—أن تقوم المجتمعات بإجراء تغييرات جذرية في مواقفها من الذكورة. إذ إن الذكورة هي السائدة في العالم اليوم. حيث تكمن الأعمال الحقيقية للرجال في الحروب والعدوان والهيمنة. ومن بين أدوات الهيمنة، تأتي الأسلحة النووية في المقدمة— فهى الرمز الأسمى للرجولة. لكن إذا تم التقليل من قيمة الحرب والعدوان في المجتمع، ابتداء من مستوى التعليم في مرحلة الطفولة الأساسية والترفيهية (على سبيل المثال، إذا لم تمجد ألعاب الكمبيوتر من شأن الحرب)، قد يكون من الممكن مع مرور الوقت إقامة مجتمعات تقل فيها الهيمنة الذكورية.

إن هذه العملية تعتبر جارية بالفعل إلى حد ما. خلال القرنين الـ20 والـ21، بدأ المال يحل محل السلاح كرمز أساسي على قوة الدولة. هذا التحول نحو القوة الناعمة هو تحول جوهري، ويمكن القول أنه يمثل تطورا بعيدا عن العالم التقليدي المتمركز حول الذكور إلى عالم يتسم باختلاف بسيط يكون متأثرا بالأنوثة. إذا استمر هذا التحول، يمكن للمرأة الحصول على صوت أكبر في السياسة النووية ، ليس فقط من خلال المشاركة المباشرة، ولكن أيضا بشكل غير مباشر، من خلال مساعدة المجتمع في تطوير سمة أكثر "أنوثة". وقد قال أدلاي ستيفنسون ذات مرة: "ليس هناك شر في الذرة؛ إنه فقط في نفوس الرجال". فأتوا بروح المرأة في السياسة النووية، مما يجعلها أقل عدوانية و أكثر توجها نحو الاستقرار، ودعوا الذرة تواصل مسارها.

المرأة: من صانعة رأي لصانعة سياسات

يقال عادة أن المرأة تقدم رؤية متميزة فيما يتعلق بالأمور السياسة وعمليات صنع القرار— لكن في الحقيقة لا يوجد غالبا طابع "أنثوي" في الروؤى التي تقدمها المرأة.

منذ بضع سنوات، استخدمت روز جوتيمويلر— التي تشغل حاليا منصب وكيل وزارة الخارجية الأمريكية لمراقبة التسلح والأمن الدولي—مصطلح "نساء الدمار الشامل" في اجتماع غير رسمي مع مجموعة من النساء الباكستانيات اللائي يعملن في الدراسات الأمنية. كانت المجموعة التي أشارت إليها تتسم بالشباب والحيوية. حيث عرفت هؤلاء النسوة موضوعهن وفهمن السياسة التي تحيط به. لكن برغم ما يكون قد تضمنه مصطلح جوتيمويلر، لم تنتج أى من هؤلاء النسوة أعمالا تتسم بالطابع الأنثوي.  

بعد هذا العام بسنوات، وفي مؤتمر القيادات النسائية، سألت هذه الكاتبة سوجاتا سينج، وزيرة خارجية الهند، سؤالا ملغوما للغاية: ما هو الإرث الذي ستتركه بوصفها وزيرة خارجية، وخاصة فيما يتعلق بالصراع بين الهند وباكستان. أجابت سينج، بشكل عملي للغاية، بأن إرثها لن يكون مختلفا عن الإرث الذي سيتركه نظيرها من الذكور.

كذلك في هذا العام، في حفل إصدار تقرير حول الأمن الإقليمي والذي كنت قد شاركت في كتابته، سألتني ناشطة اجتماعية بحدة لماذا فشل التقرير في مراعاة الفوارق بين الجنسين. واضطررت الى الاعتراف بأن وجهة نظر السائلة كانت منطقية.

ساعدتني هذه التجربة في أن أدرك أن العديد من النساء، إن لم يكن معظمهن، يتناولن قضايا مثل نزع السلاح وصناعة السياسة والعلوم والتكنولوجيا من خلال وجهات نظر يهيمن عليها الطابع الذكوري، وذلك بدلا من محاولة تطوير وجهات نظر بديلة. ينبغي على المرأة في عالم السياسة ألا تثبت كفاءتها فقط ولكن أيضا أن تناضل من أجل التسامي فوق القوالب النمطية. يجب أن تثبت النساء أنهن أكفاء لنظرائهن من الذكور— أوعلى الأقل، يجب أن يسعين بجد ليبدوا محايدات في المعاملة بين الجنسين. وبالتالي، فإن النساء غالبا ما يظهرن بشخصيات تكون صارمة ومتشددة و"رجولية".

إن الدراسات الأمنية وصنع السياسات هما عالمان يتسمان بالشراسة الشديدة. إن النساء محرومة من التواجد في هذه البيئات الصعبة بسبب تمثيلهن بأعداد قليلة جدا. وبالتالي فإنهن يكافحن دائما لخلق مساحة لأنفسهن لجعل صوتهن مسموعا وليؤخذ رأيهن على محمل الجد وليكون لديهن الشجاعة الكافية لتلقي الاحترام. وعلى الرغم من ندرة تواجد النساء في الدوائر السياسية، وخاصة رفيعة المستوى، قد يكون الوضع أسوأ مما يبدو— فإنه من المشكوك فيه أن النساء يمارسن تأثيرا حتى في حدود القدر الذي يتيحه تمثيلهن المنخفض.

قضايا صعبة وأخرى سهلة. هناك مجالات بحوث معينة تعتبر صعبة— مثل صنع السياسات النووية وانتشار الصواريخ وسباقات التسلح، والآن الحرب الإلكترونية. يهيمن الرجال على هذه المجالات بصورة عامة. بينما يتم وضع قضايا أخرى، مثل الجنس والأمن وحقوق المرأة وإعادة الإعمار بعد انتهاء الصراعات والفعالية، في صور نمطية "سهلة" وأكثر أنوثة. المرأة غير ممثلة بشكل جيد في القضايا "الصعبة"؛ وعندما تعمل على هذه القضايا، فإنها تميل إلى إنتاج أعمال غير متسمة بطابع أنثوي ، مما يعزز إلى حد كبير من الإرث ( الذكوري) المهيمن. يتم تمثيل المرأة بشكل أفضل عندما يتعلق الأمر بقضايا "سهلة"، لكن تلك القضايا نفسها تعتبر أقل أهمية. وعلاوة على ذلك، البحث في المناطق "السهلة" في كثير من الأحيان يجلب عناصر الأنثروبولوجيا أو علم الاجتماع، وعامة ما يتم رفض المناهج متعددة التخصصات من أجل القضايا "الصعبة".  

في باكستان والهند، تميل المرأة المنشغلة بقضايا "صعبة" إلى أن تكون أكثر تشددا و أكثر دعما للإرث الذي أسسه نظرؤها الذكور. وفي الوقت نفسه، مع وجود استثناءات قليلة، المرأة العاملة على القضايا النووية تتردد في متابعة مجالات مثل نزع السلاح و مخاطر الانتشار النووية غير المقصود، والنفايات النووية و آثارها السلبية على السكان المدنيين (وخاصة النساء والأطفال) . تركز بعض الصحفيات على هذه القضايا، وكذلك بعض الناشطات، لكن النساء لا يقدمن شيئا تقريبا في هذه القضايا في سياق المجلات الأكاديمية أو المناقشات السياسية الرسمية.

لماذا؟ قد يكون ذلك بسبب أن القضايا النووية في باكستان والهند متشبثة كثيرا بإرث بناء الأمة. وبالرغم من أن هذه الدول قد تجاوزت المراحل الأولى من تطورها النووي، يظل الحديث عن القضايا النووية، في الواقع، مملوكا للدولة وموجها من قِبلها. و يعتمد اكتساب المصداقية والقبول لأي صانع رأي، رجلا كان أو امرأة، على خلق مكانة لنفسه تقوم على تعزز الخطاب القومي.  

في باكستان، عدد الطالبات اللائي يسعين للحصول على درجة أكاديمية في دراسات الأمن والدفاع في تزايد بمرور الوقت. وهناك عدد غير قليل من الطالبات يركزن على القضايا النووية. غير أنه يبدو أن هؤلاء الطالبات لا يركزن على نزع السلاح— أو، بصفة عامة، على وجهات نظر بديلة حول القضايا النووية التي قد تتسبب في الاعتراض على الآراء المتبعة. قد يكون هذا راجعا لأعضاء هيئة التدريس الذين يعملون على تجنيب الشابات التركيز على مثل مثل هذه المجالات. أو لأن الشباب الجدد الداخلين إلى سوق العمل ربما يتوقعوا أن تكون تجربتهم أسهل لو أنهم سلكوا المسار المتبع بدلا من الدخول بجرأة في تجربة جديدة. (وإذا سألت، بشكل غير علني، الشابات في الدراسات الأمنية من هم معلموهم، لن تذكر أي واحدة منهن اسم امرأة أخرى).   

هناك مشاكل مماثلة تتعلق بالمجال التقني. في باكستان، اكتسبت مجموعة من النساء المتفوقات تعليما من الدرجة الاولى وأصبحن علماء أو فنيين رائعين، يقمن بأعمال عالية الجودة في المنظمات البحثية المرموقة. ولكن حتى مع ذلك، فإنهن نادرا ما يتمكن من الترقي إلى أعلى المستويات في المجتمع العلمي أو الحصول على صوت عال في السياسة النووية وصنع القرار. ومرة أخرى، قد يرجع ذلك إلى أن النساء لا يمارسن تأثيرا حتى في حدود القدر الذي يتيحه تمثيلهن المنخفض.

تبديد الخرافة. إن فكرة مركزية الدولة ذات الهيمنة الذكورية المتعلقة بالقضايا الأمنية التي تسيطر على باكستان لم يعد من الممكن اعتبارها كافية لتلبية مجموعة كبيرة ومعقدة من التحديات الأمنية التي تواجه البلاد. على سبيل المثال، يجب تقديم اهتمامات أمنية بديلة مثل استراتيجيات إعادة التأهيل عقب الصراعات من أجل التأثير على صنع القرار الاستراتيجي. لا يمكن مواجهة التحديات الحالية إلا من خلال تطبيق نهج متعدد التخصصات، نهج يربط الدراسات الأمنية بكل من الدراسات الجنسانية وعلم الاجتماع وعلم الإنسان والتاريخ  والعمل الاجتماعي، أو غيرها من المجالات الأخرى.  

وفي الوقت نفسه، إذا بقيت القوالب النمطية بين الجنسين في الدراسات الأمنية كما هي— في باكستان، على أي حال كان— فسوف تترك النساء العاملات في هذا المجال إرثا أنثويا قليلا للغاية. سوف تشارك النساء في صناعة الرأي المتشدد، إلا أنهن لن يشاركن بطريقة مجدية باعتبارهن واضعي سياسات. من أجل تغيير تلك الأمور، يجب أن تبذل مزيد من النساء جهودا متضافرة للتركيز على قضايا أمن المرأة. يجب أن تضغط النساء من أجل الحصول على تمثيل أكبر في جميع الجوانب السياسية. يجب أن يسعين إلى إشراك المشرِّعات والأكاديميات والناشطات وصانعات الرأي في بناء بديل حقيقي للإرث النووي ذي الهيمنة الذكورية— إرث يتمتع بفرصة حقيقية لتحقيق نزع السلاح. طالما بقيت أصوات النساء المشاركات في السياسة أصواتا منعزلة، فإنهن لن يتمكن أبدا من تبديد الخرافة بأن مجال السياسة النووية مقصور بحق على الرجال فقط.

Round 2

السعي نحو منصة السلطة

كتبت زميلتي في هذه المائدة المستديرة سلمى مالك في مقالها الثاني أن "النساء لن يساهمن كثيرا في تمكين أنفسهن إذا ما حاولن التقيد بالعمل تحت العباءة النسائية—لو حاولن خلق مجتمع حصري من الخبيرات النووييات اللائي يفكرن ويعملن بطريقة مختلفة عن الرجال". ولحسن الحظ أنه ليس ضروريا أن يتقيد المرء بالعمل تحت عباءة معينة. بدلا من ذلك، تستطيع النساء تمكين أنفسهن و أيضا المساهمة بطريقة مجدية في صنع القرار النووي من خلال القيام بأدوارهن— التقليدية في كثير من المجتمعات— المتمثلة في كونهن راعيات للأخلاقيات والآداب. أي أنه يمكن للنساء، من خلال تسليط الضوء على الإمكانية المستبعدة لنشوب حرب نووية، أن يساعدن دولهن في تجنب الأخطاء الاستراتيجية الجسيمة بينما يعملن أيضا على احراز تقدم في تحقيق المساواة بين الجنسين. 

وبرغم ذلك، كما جادلت في جولة الاجتماع الأولى، لا يمكن أن تتوقع النساء أن يحصلن على تمثيل أكبر في عملية صنع القرار النووي على أساس جنسهن فقط، أو عن طريق إظهار صفات مرتبطة تقليديا بجنسهن. إذا أيدت النساء نزع السلاح، على سبيل المثال، يجب أن يكن في وضع يمكنهن من خلق التغييرات التي يرغبن في تحقيق تشريعها. وهذا يعني، إلى حد ما، اكتساب خبرات في مجالات مثل الفيزياء والتقنية النووية والدراسات المعنية بمنع الانتشار النووي، لكنه يعني أيضا التخلي عن التثبيطات التي تشعر بها عديد من النساء حيال العمل بشكل طموح وتأكيد أنفسهن. وهو ما يعني التخلي عن أي شعور بالعبء قد تلاقيه النساء بسبب جنسهن.

إذن بالزواج. كتبت مالك في جولة الاجتماع الثانية أن المرأة الباكستانية قطعت أشواطا كبيرة على مدى عقود نحو تحقيق المساواة بين الجنسين في الشؤون النووية— وهذا ينطبق أيضا على الهند. في عام 1949، أصبحت تشونيرا بيليابا ماثاما أول امرأة تلتحق بالخدمة الخارجية الهندية.  في البداية واجهت ماثاما عقبات مؤسسية من الصعب تصورها اليوم، كان من بينها شرطا يوجب على أي امرأة عاملة في الخدمة أن تحصل على إذن كتابي قبل الزواج. وفي حال قررت الحكومة أن مسؤوليات المرأة العائلية سوف تتداخل مع عملها، حينها يمكن صرفها من الخدمة. لكن في النهاية وصلت ماثاما إلى أعلى المستويات المتميزة في الخدمة الخارجية، بينما أزالت العديد من هذه العقبات على طول الطريق. أفسحت مثابرة ماثاما الطريق أمام النساء اللائي التحقن بالخدمة فيما بعد. وبحلول مارس عام 2014، كان حوالي خمس عدد العاملين في الخدمة الخارجية من النساء، بالإضافة إلى وجود ست عشرة سفيرة. وفي عام 2010، عندما أوضحت وزيرة الخارجية الهندية للمجتمع الدولي التزام الهند بنزع السلاح— وكذلك التزامها باتفاقيات عدم الاستخدام الأول للأسلحة النووية واستخدام الأسلحة النووية ضد دول غير حائزة للأسلحة النووية— كانت السيدة نيروباما راو هى من شرحت وجهة نظر الدولة.

من المحتم أن امرأة مثل راو أظهرت كفاءة كبيرة حتى تنال منصبها هذا. لكن يبدو في بعض الأحيان أن النساء اللاتي يصلن إلى أعلى المستويات، بدلا من اعتبارهن "ضعفاء" أو تجاهلهن بسبب جنسهن، يُنصت إليهن بانتباه أكثر من نظرائهن الذكور على الصعيدين الوطني والدولي. يمكن للمرء أن يجادل بأن هؤلاء النساء يحظين بالاحترام فقط لأنهن يتحدثن من منصات سلطوية، وأنه في كثير من الأحيان يتم تجاهل النساء اللائي لا يمتلكن قدرا كبيرا من السلطة— لكن أليس ذلك سببا كافيا في وجوب سعي النساء للحصول على تمثيل أكبر في مواقع السلطة؟

الموازنة بين الذكورة والأنوثة

في ندوة ترأستها مؤخرا حول الوضع السياسي الراهن في أوكرانيا، دخل طالب وطالبة في نقاش محتدم. قال الطالب إنه يجب على أوكرانيا الرد على العدوان الروسي في شبه جزيرة القرم وغيرها من خلال سعيها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). بينما احتجت الطالبة بأن العدوان الذي شنته موسكو كان يمكن ردعه من البداية بسهولة إذا كانت أوكرانيا تمتلك أسلحة نووية.

إن هذا يمثل نوعا من العكسية الجنسية التي ليست بمستغربة في أوكرانيا. في الواقع، يمكن للمرء أن يجادل بأن الطابع "الأنثوي" يهيمن على السياسة الأوكرانية واتخاذ القرارات، حتى لو كان غالبية صناع القرار هم في الواقع من الرجال. وقد جادل المحلل السياسي الروسي أندريه أوكارا بأن أوكرانيا تفتقر إلى صورة "تمجيد الأب" التي تميز معظم المجتمعات— إذ يميل الفولكلور والتقاليد الأوكرانية إلى تمجيد النساء أكثر من الرجال، وذلك بسبب التأثير الأمومي القوي المأخوذ عن شعب الكومان الذين توطنوا في الماضي في شرق أوكرانيا وعن السكوثيين الذين توطنوا في الجزء الجنوبي من البلاد. ونتيجة لذلك، فإن السياسات التي تتبعها أوكرانيا منذ استقلالها تميل إلى أن تتسم بالسلبية ورد الفعل. وبالكاد لم ير المرء أدلة على الصفات "الذكورية" التقليدية مثل الحسم في اتخاذ القرار والإحساس الواضح بالهوية والقدرة على الدفاع عن المصالح الشخصية.

غير أنه نتج عن ذلك بعض المنافع— فبعد تفكك الاتحاد السوفياتي، بضغط من القوى العظمى، تخلصت أوكرانيا بسرعة من الأسلحة النووية التي ورثتها. لكن في الوقت نفسه، أظهرت أوكرانيا ضعفا وطنيا واضحا وعجزا عن متابعة مواقف سياسة واضحة واعتمادا كبيرا على الجهات الخارجية. وبالتالي تمكنت روسيا من ضم شبه جزيرة القرم بدون صعوبة تذكر، وخلق مناخ من العنف في شرق أوكرانيا وتحويل الدولة إلى مصدر لعدم الاستقرار في أوروبا.

إذن، هل يمكن للمرء أن يجادل بشكل معقول أن النساء، بشكل عام، هن أكثر ميلا من الرجال نحو نزع السلاح النووي، وهل إذا قامت النساء بممارسة نفوذ سياسي أكبر، فسوف يعزز ذلك السلام ويساهم في تحقيق الأمن؟ الاجابة نعم. هل يمكن للمرء أن يجادل بكل ثقة بأن السياسات ذات الطابع الذكوري تجعل الدول أكثر عدوانية، كما هو ظاهر بشكل واضح في أفعال روسيا اليوم؟ الاجابة- على الأرجح- هى نعم. لكن السعي المفرط نحو طابع إما "مذكر" أو "مؤنث" يمكن أن يؤدي إلى مشاكل— الضعف من جهة والعدوان المفرط من جهة أخرى. وكلا النهجين يشكلان خطرا على الأمن الدولي. لذلك فإن الحل المعقول لأية دولة هو الجمع بين النهجين بطريقة متوازنة— أى ممارسة السلام ومتابعة نزع السلاح مع الحفاظ أيضا على قدرة قوية للدفاع عن أمن الدولة ومصالحها.

رفض التقيد بالعمل تحت العباءة النسائية

ثمة صورة شهيرة التقطت عام 1927 في مؤتمر سولفاي حول الإلكترونات والفوتونات، ظهر فيها 29 من العلماء الرواد الذين شكّل عملهم في وقت لاحق أساس مشروع مانهاتن. وكانت ماري كوري هى المرأة الوحيدة التي ظهرت في هذه الصورة. أما بقية الـ28 عالما الآخرين فكانوا كلهم من الرجال .

أما اليوم في باكستان، فأنا أقدر أن تمثيل المرأة في المجتمع النووي— الذي يضم علماء وفنيين ومحللين أمنيين— يبلغ من 20 الى 25 في المئة. ومع أن هذه النسبة أقل مما ينبغي أن تكون عليه، فهى تمثل تقدما فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين منذ عام 1927، كما أنها متساوية تقريبا مع النسب بين الجنسين في الغرب.

لكن كما ناقشت أنا وبولينا سينوفيتس في جولة الاجتماع الأولى، يمكن لصانعي السياسات من النساء أن يكن صقورا وشرسات وعلى استعداد للرد بطريقة عنيفة مثل نظرائهن من الذكور. ومن الأمثلة على ذلك أنه قد ورد أن باراك أوباما قرر توجيه ضربات جوية ضد نظام القذافي في ليبيا لأن هيلاري كلينتون وسامانثا باور وسوزان رايس قمن بإقناعه بذلك. إذن، هل يوجد حقا أي سبب يدعو للاعتقاد بأن نهجا أنثويا لنزع السلاح يمكن أن يؤدي إلى التخلص من الأسلحة النووية بطريقة أسرع؟

حتى لو كانت الإجابة بالنفي— وحتى لو كان تمكين المرأة سيساهم بالقليل تجاه تغيير السياسة النووية— فلا يزال تمكين المرأة أمرا مهما لأنه سيفيد المرأة نفسها وسيساعد في إنشاء مجتمعات أكثر إنصافا. لكن النساء لن يساهمن كثيرا في تمكين أنفسهن إذا ما حاولن التقيد بالعمل تحت العباءة النسائية—لو حاولن خلق مجتمع حصري من الخبيرات النووييات اللائي يفكرن ويعملن بطريقة مختلفة عن الرجال. بدلا من ذلك، يمكن إحراز تقدم على نحو أفضل في السعي من أجل تحقيق المساواة إذا قامت النساء ببساطة بالعمل على زيادة كل من تمثيلهن ومصداقيتهن وحضورهن.

لكن النساء لا يمكنهن تحقيق هذه الأهداف وحدهن. يجب على الحكومات في العديد من الدول القيام بتمرير وتنفيذ تشريعات تنص على تكافؤ الفرص وخلق أماكن عمل ملائمة للإناث. وقد يتطلب أحيانا أن تكون هناك أنصبة أو حصص خاصة للمرأة لضمان حصول النساء المؤهلات على الفرص التي يستحقونها. مع مرور الوقت، سوف تعمل هذه الخطوات على زيادة مجموعات واضعي السياسات والخبراء من النساء وتعزيز مصداقية المرأة. وبالرغم من ذلك، فإنه من المرجح أن تستمر النساء في الاصطدام بالسقف الزجاجي، الذي سيتحتم عليهن اختراقه بطريقة أو بأخرى. لكن القيام بذلك لن يكون سهلا— لكن متى كانت الأمور سهلة بالنسبة للمرأة؟

وختاما، قالت رشمي كازي في جولة الاجتماع الأولى إنه "عندما تقوم الحكومات بتحليل التكاليف والمنافع للنفقات العسكرية، ينبغي أن تأخذ في الاعتبار الأبعاد الجنسانية لهذه النفقات". لكن القضايا الاجتماعية مثل الفقر والصحة لم يكن لديها مطلقا أي تأثير على صناعة قرارات الدول المتعلقة بالأسلحة. هل سوف تستغني نيودلهي عن ترسانتها النووية انطلاقا من اهتمامها بالأحياء الفقيرة في مومباي أو أحياء الأقليات المسلمة في دلهي أو قرى الأرامل في كشمير؟ ليس ذلك من المرجح. لن تبدأ الدول في اتخاذ قراراتها الاستراتيجية على أسس معنوية وأخلاقية حتى يصبح العالم مكانا مختلفا للغاية— عالم يتسم فيه الرجال والنساء على حد سواء بالعقلانية والرشد. في مثل هذا العالم، ستعطى الأولوية لأمن البشرية والتنمية المستدامة والمسالمة— وليس للقوالب النمطية الجنسانية.

Round 3

الأمهات والزوجات وصنّاع القرار

أعلنت مؤخرا أنانديبين باتل، رئيسة وزراء ولاية جوجارات الهندية، أن حكومتها ستجدد جهودها لزيادة تمثيل المرأة في قوات شرطة الولاية إلى 33 في المئة. قد يبدو هذا الإعلان— حتى في حال وصول جوجارات إلى هدفها المتمثل في توظيف نحو 20,000 شرطية بدلا من عددهن الحالي البالغ تقريبا 2,500 شرطية— غير وثيق الصلة بموضوع هذه المائدة المستديرة المعني بزيادة نفوذ المرأة في عملية صنع السياسة النووية. لكن هذه المبادرة وثيقة الصلة بالموضوع وذلك بسبب إعلان باتل أنه "عندما أعدّت الأم نفسها لخدمة… المجتمع والولاية والدولة، فعلينا أن نوفر لها تدريبا خاصا ومساحة خاصة".

هذه مسألة بالغة الأهمية. إذ أن تحقيق التوازن بين الجنسين في الشؤون السياسية والإدارية للدولة يتطلب الاعتراف بالمهام المتنوعة التي تؤديها النساء. فالمرأة في معظم المجتمعات تتحمل قدرا أكبر من المسؤوليات الأسرية مقارنة بالرجل. تميل هذه المسؤوليات، وما يحيط بها من توقعات أخلاقية، إلى تقييد حرية المرأة. لكن لا يمكن أن تكون مثل هذه القيود عذرا للتمييز المؤسسي. يجب ألا يفترض أن النساء اللائي يقمن بأدوارهن التقليدية كأمهات وزوجات وأخوات وبنات غير قادرات على القيام بمهام منصبهن— إذ يجب عدم استبعادهن من القيام بوظائف عمومية هامة (وظائف قد تتراوح بين فرض القانون واتخاذ قرارات حاسمة بشأن الأسلحة النووية).

يجب على المؤسسات أن تضع ثقتها في النساء المؤهلات بغض النظر عن حالات أسرهن. كما يجدر بالمؤسسات في الهند أن تتذكر أن نساءً مثل سوجاثا سينغ وشوكيلا آير (وزيرتان للخارجية) ورئيسة الوزراء أنديرا غاندي لم يسمحن لمسؤولياتهن الأسرية أن تمنعهن من خدمة الحكومة الهندية.

إذا فشلت المؤسسات الحكومية في ضمان تمثيل كافٍ للمرأة، فإنها ستفشل في ولاياتها المتعلقة بإحراز تقدم في التنمية والاستقرار والأمن وحقوق الإنسان. وسيعاني واضعو السياسات من أجل تحقيق سلام مستدام إذا استبعدت المرأة من عمليات صنع القرار. لقد جادلت في جولة الاجتماع الأولى أن النساء قد يكن "أكثر محبة للسلام من الرجال— وأقل نزعة للصرعات وأكثر إنسانية ودبلوماسية". لذلك لابد من تشجيع مشاركتهن في صنع القرار النووي— وهذا غالبا ما يعني أنه يجب على الدول توفير أماكن إقامة للنساء العاملات مع أسرهن.

ومما يستحق الذكر أيضا أن تحقيق المساواة بين الجنسين قد يعتمد على الأرقام المجردة للمرأة في المؤسسات أقل من اعتماده على التركيز على توفير فرص للمرأة العملية صاحبة الروؤى المستقبلية لشغل مواقع السلطة الحقيقية. وبمجرد أن تشغل المرأة مناصب مؤسسية هامة، غالبا ما يتم ضمان بيئة عمل أفضل للنساء الأخريات. وقد ناقشت في جولة الاجتماع الثانية الأبواب التي فتحتها تشونيرا بيليابا ماثاما أمام النساء اللائي أتين بعدها في الخدمة الخارجية الهندية. إن نساءً مثل ماثاما هن من يقمن بتحطيم السقف الزجاجي—حتى مع قيامهن بأعمال هامة في صياغة السياسات.

تبذل المرأة غالبا ضعفىّ المجهود الذي يبذله الرجل لكى تصل إلى مواقع النفوذ. وإذا ما وصلت المرأة لهذه المواقع، فغالبا يجب أن تعمل بجد أكثر من الرجل للبقاء في هذه المواقع. وبالاعتماد على المثابرة التي يتطلب جنسها منها إظهارها، فقد تغير المرأة الحديث عن الأسلحة النووية بحيث يتم تحقيق نزع السلاح العالمي في النهاية.

الردع المصاحب لنزع السلاح

أعربت زميلتي سلمى مالك في مقالها الثالث، عن أملها في أنه "إذا اكتسبت النساء مزيدا من النفوذ على سياسة الأسلحة النووية، فربما يتعلم العالم أن "ينسى" الأسلحة النووية تماما". وبالنسبة لمالك، فإن "نسيان" الأسلحة النووية يعني تحقيق نزع كامل للسلاح. لكن هناك معنى آخر يُعد فيه "نسيان" الأسلحة النووية أمرا خاطئا للغاية.

عندما كنت في السابعة من العمر، حدثتنا معلمة فصلي المدرسي عن الأسلحة النووية. حيث قالت إن الولايات المتحدة قد صنعت قنبلة نووية فعالة للغاية وتخطط لاستخدامها في اليوم التالي— ضد الإتحاد السوفيتي، وبالتالي ضدي أنا وزملائي. ثم أردفت المعلمة قائلة:"لكن لا تقلقوا، فالاتحاد السوفيتي لديه نفس النوعية من القنابل، وسوف يستخدمها في نفس اللحظة التي سيقوم الأمريكان باستخدامها. وبالتالي سيتم تدمير العالم أجمع".

لذلك، فإن أول اصطدام لي بمفهوم الأسلحة النووية دفعني إلى الاعتقاد بأن العالم سوف يموت في اليوم التالي. وحتى في الوقت الحاضر، فإن التفكير في الأسلحة النووية يثير لدىّ نفس الخوف الذي شعرتُ به حينئذٍ. ربما تكون معلمتي قد أخطأت بتخويف مجموعة من الأطفال الحساسين بشكل سيء للغاية، لكني مع ذلك أعتقد أن الاستجابة الصحيحة للأسلحة النووية هى الخوف المتأصل في النفس.

كما أعتقد أيضا أن الأسلحة النووية تقدم مساهمة كبيرة للبشرية— إلى الحد الذي جعلها تمنع نشوب الحروب من خلال ما توحيه من مشاعر رعب متعمقة في النفس.

في عام 1988، تبادلت مارجريت تاتشر وجينادي جيراسيموف، المتحدث باسم وزارة الخارجية السوفيتية، على التلفاز وجهات النظر المتعلقة بالأسلحة النووية. قال جيراسيموف، في إشارة إلى شكوك تاتشر حول نزع السلاح في أوروبا،” أنتم لا تؤمنون بعالم خالٍ من الأسلحة النووية، لذا فإن مهمتنا هى إقناعكم بعقيدتنا”. بعد ذلك ببضع ساعات، ردت  تاتشر في برنامج آخر بقولها: "أنا أريد أوروبا خالية من الحروب، ولا أعتقد أن أوروبا الخالية من الأسلحة النووية، ستكون خالية من الحروب… إن الأسلحة النووية قد حافظت على السلام في أوروبا الغربية لمدة 40 عاما”.

لقد مرّ أكثر من 25 عاما على هذا الحديث، لكني أعتقد الآن، كما اعتقدت تاتشر حينئذٍ، أن الأسلحة النووية تمنع البشرية من تدمير نفسها في حرب عالمية. وبرغم ذلك، يعد الردع النووي أمرا ضعيفا للغاية— ومقدّر له أن ينهار مع عواقب مميتة، إذا ما تركت مسؤولية رعايته فقط إلى الرجال الذين وصفتهم كارول كوهن في مقالها "الجنس والموت في العالم العقلاني للمثقفين المدافعين (عن الأسلحة)". في الواقع، ينبغي التعامل مع الردع من خلال مراعاة "التداعيات عاطفية" للحرب النووية، كما ذكرت كوهن. يجب الأخذ في الاعتبار النهج "الأنثوي" لسيدات مثل ريبيكا جونسون، المديرة التنفيذية لمعهد أكرونيم لدبلوماسية نزع السلاح، والتي تُذكّر العالم باستمرار بالعواقب المدمرة التي قد تنتج عن التفجيرات النووية. إنها تعبر عن الحرب النووية بعبارت بشرية—على سبيل المثال، ذكرت أنه إذا تم إطلاق صواريخ نووية من غواصة واحدة فقط من غواصات ترايدنت البريطانية على موسكو، فيتوقع أن يسفر ذلك عن موت 5,4 مليون شخص في غضون بضعة أشهر. تعمل جونسون على التأكد من أن الأسلحة النووية تثير الرعب في نفوس العامّة— نفس الرعب الذي شعرتُ به عندما كنت فتاة صغيرة. أما بالنسبة لـ"الرجال البيض الذين يرتدون رابطات عنق ويناقشون أحجام الصواريخ" كما وصفتهم كوهن، فيجب أن يشعروا أيضا بهذا الرعب ويشاركوا في المسؤولية تجاهه.

إن وظيفة الردع النووي هى منع الحروب الكبرى. ويمكن تحقيق ذلك إلى الأبد إذا تم التعامل مع الردع من خلال شعور أنثوي بخسائر الحرب النووية— وفي نفس الوقت، إذا تم تخفيض الترسانات النووية بشكل كبير. يجب علينا ألا ننسى الخوف أبدا.

الجنسان والدولة والأسلحة النووية

عندما سعيت لمعرفة ردود أفعال زملائي حول مقالي الأول في هذه المائدة المستديرة، تلقيت نوعية واحدة من الإجابة: وهى أن الأسلحة النووية مدخرات وطنية غير قابلة للتفاوض، وبالتالي لا ينبغي أن يُنظر إليها من منظور النوع الاجتماعي. حيث يقتضي المنطق أنه إذا كان الناس وطنيين، فيجب أن تكون أراؤهم حول القضايا الوطنية واحدة سواء كانوا نساء أو رجالا. بل أكثر من ذلك، يبدو أن المعنى الضمني هو أن النزعة المنخفضة للحرب أو تفضيل دوائر السلام على آلات الحرب قد يشكك في حماسة المرء الوطنية.

ربما تكون هذه هى وجهة النظر السائدة في جنوب آسيا بشكل خاص، حيث تُمثل الأسلحة النووية العزة الوطنية كما تعتبر نوعا من السحر الذي يمكنه أن يعالج جميع العلل التي تعاني منها الأمة. غير أن الوطنية أظهرت خصائص النوع الاجتماعي في كثير من الأماكن والأوقات. فقد حلل العالم السياسي البرازيلي خوسيه أيزنبرج العلاقة بين النوع الإجتماعي والكيانات السياسية منذ عصر أرسطو إلى يومنا هذا. حيث قال، وفقا للنظريات الديمقراطية السائدة في القرن العشرين، إن "الولاء للجمهورية يعتبر علاقة أبوية، تتكون من واجبات مدنية وولاء لصاحب السيادة؛… بينما الولاء للأمة يعتبر علاقة أمومية، تتألف من الحق في جني ثمار ثروات الدولة القومية وثقافتها". إذن فمن السهل، من خلال وجهة النظر هذه، أن نرى لماذا يعتبر بعض الوطنيين (الذكور)  دعمهم للأسلحة النووية أنه ممارسة حميدة للواجب— بينما يعتبرون التشكك في الأسلحة النووية دافعا غير جدير بالاحترام.

في الوقت نفسه، وصفت كارول كوهن، الباحثة في مجال النوع الاجتماعي والأمن، في مقالها الشهير "الجنس والموت في العالم العقلاني للمثقفين المدافعين (عن الأسلحة)" تجربتها مع "رجال بيض يرتدون رابطات عنق ويناقشون أحجام الصواريخ" والذين استخدموا "لغة نظيفة" لمناقشة القنابل النووية "النظيفة"— بينما تجنبوا مراعاة عدد القتلى من المدنيين وما أطلقت عليه كوهن "التداعيات العاطفية" للحرب النووية. إن المثقفين الذين وصفتهم كوهن كانوا بالتأكيد يعتبرون أنفسهم وطنيين، وكانوا لا يرون بأسا في مناقشة الأسلحة النووية والحروب باستخدام لغة جنسية (أحيانا هزلية).  

إن اللغة والصور المجازية الجنسية ليست مقصورة بالطبع على المجال النووي. لقد كانت على الارجح عنصرا من عناصر الحرب منذ بداية الحروب. لكن، ليس هناك مجال للالتفاف حول حقيقة أن الصور المجازية الجنسية والأبوية—والشعور بالوطنية القائم على نوع الجنس—غالبا تُحوّل نزع السلاح ومنع الانتشار النووي إلى شيء يتسم بالـ"الضعف" أو الأنثوية أو العجز التام. إن هذا لا يعرقل نزع السلاح فقط ولكن أيضا يجعل من الصعوبة بمكان تأسيس نهج أنثوي ذات مصداقية للدراسات الاستراتيجية المتشددة وصنع السياسات.

كل هذا يبعث على الإحباط، لكني أود أن أختم حديثي بشئ يبعث على التفاؤل وذلك من خلال تذكّر حادثة وقعت أثناء حرب أكتوبر أو يوم الغفران عام 1973. فقد دعا وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه دايان، باعتبار أن بلاده تواجه تهديدا وجوديا، إلى القيام بإظهار قدرة إسرائيل النووية— لكن وفقا لقول خبير حظر الانتشار النووي أفنير كوهين فقد قالت رئيسة مجلس الوزراء جولدا مائير (التي اشتهرت باسم "المرأة الحديدية" وذلك قبل أن يصبح هذا المصطلح مرتبطا بمارجريت تاتشر بفترة طويلة) لدايان أن "ينسى ذلك". إن مفهومها للوطنية على ما يبدو لم يتضمن تفجيرا نوويا كان يمكن أن يكون له أشد العواقب على منطقة الشرق الأوسط. إذا اكتسبت النساء مزيدا من النفوذ على سياسة الأسلحة النووية، فربما يتعلم العالم أن "ينسى" الأسلحة النووية تماما.



Topics: Nuclear Weapons

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]