النهج النووي لمخاطر المناخ

ddroundtable.png

من التصحر في الصين إلى ذوبان الأنهار الجليدية في نيبال وندرة المياه في جنوب أفريقيا، بدأ تغير المناخ يكشر عن أنيابه في العالم النامي. وبينما تبحث الدول النامية عن سبل لاحتواء انبعاثات الكربون مع تحقيق أقصى قدر من الإمكانات الاقتصادية في الوقت ذاته، يصبح التركيز الطبيعي للاهتمام نحو القدرة النووية. لكن الطاقة النووية لها مخاطرها الخاصة بها. فيما يلي، يجيب كل من، وانج هايبنبين من الصين وأنتوني تيرتون من جنوب أفريقيا وهيرا بهادور ثابا من نيبال، على هذا السؤال: "نظرا لإمكانية استخدام الطاقة النووية في إبطاء الاحتباس الحراري، فهل تفوق الفوائد المترتبة على استخدامها المخاطرة المحتملة منها، أم هل تفوق مخاطر استخدامها الفوائد العائدة منها بالنسبة للدول النامية؟ "

Round 1

تغير المناخ والمفاعلات النووية والقنابل

لقي مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة المنعقد في يونيو الماضي ، والمعروف باسم ريو +20، انتقاداً في العديد من النواحي لفشله في التوصل إلى اتفاقات ملزمة بشأن تغير المناخ وغيرها من القضايا العالمية. ان لهذه الانتقادات ما يبررها، حيث أن المجتمع الدولي لم يحرز تقدما يذكر في السنوات الأخيرة نحو معالجة الآثار الكارثية المحتملة لظاهرة الاحتباس الحراري، وخاصة في العالم النامي. وفي موطني الأم نيبال، بدأت الأنهار الجليدية في الذوبان مما تسبب في تكون بحيرات جديدة الأمر الذي يعرض السكان على طول ضفتي النهر إلى مخاطر رهيبة خاصة في المناطق الأقل ارتفاعاً. كما يهدد ذوبان الأنهارالجليدية في جبال الهيمالايا امدادات مياه الشرب للملايين من الأشخاص في نيبال والهند والصين.

ونظرا لتلك المخاطر، يكون من الطبيعي أن تبحث الدول النامية – وخاصة الدول ذات الدخول المتوسطة و معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة- عن بدائل للوقود الاحفوري. الطاقة النووية هي إحدى هذه البدائل؛ فقدرتها على توليد الكهرباء من دون انبعاثات الكربون هو أحد الأسباب التي تجعل عددا كبيرا من الدول النامية، وفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) ، تفكر في تطوير قطاعات الطاقة النووية .

بيد أن هناك عددا من القضايا التي تقف في طريق التوسع في الطاقة النووية في العالم النامي. فحادثة محطة فوكوشيما داياتشي للطاقة النووية عام 2011 ، على سبيل المثال، وجهت ضربة قاصمة لهذه الصناعة التي كان يتوقع أن تلقى دعماً بسبب المخاوف المتعلقة بتغير المناخ. لقد كان هذا الحادث بمثابة تذكير لنا بأنه حتى ولو اعترفنا بالجوانب الإيجابية للطاقة النووية، فإن المخاطر الجدية لا تزال متأصلة في استخدامه. وتشمل تلك المخاطر، بالإضافة إلى حوادث مثل حادثة فوكوشيما، زيادة مخاطر انتشار الأسلحة.

ولكن، و مما يزيد الأمور تعقيداً ، أصبح التوتر المستمر سمة الجهود المبذولة لاحتواء انتشار الأسلحة النووية وتسهيل انتشار الطاقة النووية السلمية.  و يعود هذا التوتر، إلى حد ما، إلى أيام الرئيس دوايت أيزنهاور. فقد كانت الولايات المتحدة في عهد ايزنهاور تروج بقوة للاستخدام السلمي للطاقة النووية في جميع أنحاء العالم، كما أوجد برنامج آيزنهاور "الذرة من أجل السلام" مناخا مواتياً لإنشاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عام 1957. لكن في النهاية، كانت الولايات المتحدة هي التي أسقطت قنبلتين نوويتين على اليابان في عام 1945. وحتى في الوقت الراهن، فأن هدفي الوكالة التوأم المتمثلين في تعزيز التطبيقات النووية السلمية وقف انتشار الأسلحة النووية قد يبدوان في بعض الأحيان على طرفي نقيض.

قد يكون من المبالغة القول أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تهتم فقط بمنع التطبيقات العسكرية للتقنية النووية، ولكن في بعض الأحيان ربما تظهرالوكالة ومجلس محافظيها كما لو كانت تفضل الدول الأعضاء الأكثر نفوذا – والتي يبدو أن جل اهتمامها ينصب على منع الانتشار أكثر من التوسع في الطاقة النووية. ولقد اتهمت الوكالة بإصدار تقارير خاطئة فيما يتعلق بأنشطة الانتشار النووي المزعوم لبعض الدول الموقعة على المعاهدة؛ على سبيل المثال، تعرض أحد التقارير الذي أعد في نوفمبر2011 عن ايران لانتقادات شديدة ، و لم يكن ذلك من جانب الايرانيين فحسب. وعلى أقل تقدير، فإن التزام الوكالة بتسهيل انتشار التقنية النووية للأغراض السلمية لا يبدو متناسباً مع القوة التي يظهرها فيما يتعلق بقضايا الانتشار النووي.

وبأخذ إيران كمثال مرة أخرى، فقد اشتركت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعدد من القوى الكبرى في الجهود المبذولة لوقف التسليح المزعوم لهذا البلد . فالمفاوضات الأخيرة. قصة بين ايران والدول الخمس المعترف بها كدول حائزة للأسلحة النووية، بالاضافة الى المانيا ، لم تسفر عن نتائج ايجابية؛ لكن  هناك جهودا كبيرة بذلت في قضية ايران وهذه الجهود أكبر بكثير من الجهود التي بذلت من أجل مساعدة الدول النامية على ممارسة حقها غير القابل للمصادرة في امتلاك القدرة النووية.

وربما تشابه الحال بشأن كوريا الشمالية. فلقد كان انسحاب هذه الدولة من معاهدة حظر الانتشار النووي في عام 2003، والتجارب التي أجرتها علي أجهزة نووية في عامي 2006 و 2009، نتيجة إن جاز القول، — على الأقل في جزء منه —  لفشل الولايات المتحدة في الالتزام بالجزء الخاص بها من الصفقة المنصوص عليه في الإطارالمتفق عليه عام  1994. فبموجب ذلك الاتفاق، كان علي الولايات المتحدة تسهيل بناء مفاعلات ماء خفيف مقاومة للانتشار في كوريا الشمالية وتزويد بيونج يانج بزيت الوقود الثقيل لتعويض القدرة الكهربائية التي قد تفقدها كوريا الشمالية جراء تجميد العمليات في مفاعلها النووي الحالي في "يونجبيون" . ولكن لم يتم أبداً الانتهاء من مفاعلات الماء الخفيف،كما تم تعليق شحنات زيت الوقود في عام 2002. واليوم، بات التوصل إلى حل للأزمة النووية لكوريا الشمالية أمر بعيد المنال كما كان دائما.

لذلك فشلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (والقوى الكبرى) في وقف انتشار الأسلحة النووية في حالة كوريا الشمالية وربما تكون على وشك الفشل في الحالة الإيرانية. ولكن لكي نكون منصفين، فقد تم تصميم الوكالة لتعمل بمثابة نظام للإنذار، وليس كقوة شُرَطية، فإذا وجدت ان دولة ما قد خرجت عن الامتثال لالتزاماتها بموجب معاهدة عدم الانتشار، فإن التحرك الوحيد الذي سيكون بمقدورها القيام به هو الاحتكام الى مجلس الأمن الدولي بشأن هذا الإخلال. ولكن، وكما تشير حالتي إيران وكوريا الشمالية الى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تكون أحياناً غير قادرة على تحقيق أهداف منع الإنتشار الوارده في معاهدة حظر الانتشار النووي، فإن الوكالة تفشل أيضاً في بعض الأحيان في تسهيل انتشار التقنية النووية للاستخدامات السلمية. ولعل هذا يشير إلى أن هناك صراع عميق بين تعزيز مفاعلات القدرة وحظر الأسلحة النووية.

المعوقات والحلول. ولكن من غير المعقول أن تلام الوكالة على كل شيء. فالاعتبارات التجارية أيضاً تلعب في بعض الأحيان دوراً غير مفيد في تحقيق هدف توسيع نطاق الاستخدام السلمي للذرة دون التسبب في مخاطر غير مقبولة. ومن الأمثلة على ذلك  اتفاق 2008 للتعاون النووي بين الولايات المتحدة والهند، وسياسة لي الذراع التي طبقتها القوة العظمى الوحيدة في العالم لاقناع مجموعة موردي المواد النووية بمنح الهند استثناء لضوابط التصدير الخاصة بها على الرغم من أن الهند ليست من الدول الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي. في هذا المثال نجد أن دولة مسلحة نوويا خارج نظام منع الانتشار استطاعت اكتساب العديد من الفوائد التي تعود على الدول المشاركة في النظام . مثل هذا الترتيب لا يسهم بشئ في سلامة نظام حظر الانتشار النووي، وذلك لأن جميع الدول التي تتطلع إلى تطوير قطاع الطاقة النووية يجب أن تكون واثقة من أن الآخرين يلتزمون بقواعد اللعبة.

ولكن، علي الرغم من كل هذه الصعوبات،إلا أنه  قد يكون من الممكن تحقيق توازن مقبول بين فوائد ومخاطر التوسع النووي — سواء كانت المخاطر من نوع حوادث فوكوشيما أو السعي الخفي وراء حيازة الأسلحة النووية. وقد يعتمد إيجاد مثل هذا التوازن على تطوير تقنيات متقدمة للمفاعلات ذات مواصفات سلامة محسنة، غير أن هناك خطوات إضافية مفيدة تشمل تعددية دورة الوقود يقابلها تعزيز للإطار متعدد الأطراف، من أجل مراقبة المنشآت والمواد النووية. فإذا تم إنشاء إطار قوي تستطيع كل الدول أن تضع ثقتها فيه، حينها يمكن تعزيز ضمانات ونظم سلامة بإنتظام. وهكذا يكون الطريق قد أصبح ممهداً لنرى ذلك اليوم الذي تقوم فيه جميع الدول التي يمكنها تحمل التكاليف بتبني فكرة الذّرّة السلمية. ويجب الإسراع نحو الوصول إلي مثل هذا اليوم إذا أردنا تجنب حدوث أكثر آثار تغير المناخ ضرراً.

المياه والمناخ والثوريوم: ما سبب ملائمة الطاقة النووية لجنوب إفريقيا

طلب من المشاركين في اجتماع المائدة المستديرة هذا، نظرا للمخاطر التي يمثلها تغير المناخ، الإجابة عما إذا كانت الطاقة النووية تستحق مخاطرة الدول النامية لامتلاكها. بلدي، جنوب أفريقيا، تمثل نافذة هامة على وجه الخصوص والتي يمكن من خلالها مناقشة هذه المسألة.

تشتهر جنوب أفريقيا على الصعيد الدولي فيما مضى بكونها موطنا للتمييز العنصري. لكن الأمر الذي لم يكن مشهورا هو أنه أثناء حقبة التمييز العنصري، عندما كانت جنوب أفريقيا منبوذة دوليا، استجابت النخب من صناع القرار في البلاد إلى تهديدات متصورة للبقاء الوطني من خلال التشجيع على تطوير قدرات متطورة في العلوم والهندسة، والتكنولوجيا. وكان أحد مظاهر هذا التطوير هو برنامج للأسلحة النووية.

خلال مرحلة انتقالها إلى الديمقراطية، ألغت جنوب إفريقيا برنامجها لامتلاك أسلحة نووية، وفي عام 1991 انضمت إلى معاهدة حظر الإنتشار النووي. وبذلك أصبحت أول دولة مسلحة نوويا في العالم تتخلى طواعية عن أسلحتها. هذه الحقيقة وحدها تضع جنوب إفريقيا في مكان متميزيمكن من خلاله التفكير في مسائل الانتشار النووي والطاقة النووية.

الحاجة للمياه. اليوم، ربما يكون أكبر تهديد أمام بقاء جنوب أفريقيا، وبالتأكيد أمام آفاقها لتحقيق الازدهار، هو ندرة المياه – وهذه المشكلة ، كما سيتم شرحه لاحقا، ترتبط ارتباطا وثيقا بتغير المناخ.

جنوب أفريقيا واحدة من الدول الأربعين الأكثر جفافا في العالم. موقعها بين ثلاثة أنظمة طقس عالمية — نطاق التقارب بين المدارين والمحيط الجنوبي وظاهرة التردد الجنوبي النينيو — ساعد في تفسير متوسطها ​​السنوي لهطول الأمطار الذي يبلغ 495 ملليمترا فقط ، مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 860 ملليمترا. تحديات المياه في جنوب أفريقيا خطيرة للغاية لدرجة أن الاقتصاد القومي موجود فقط لأن الأنهار، من خلال مشاريع الهندسة الهيدروليكية، منتشرة على نطاق وطني.

ومما يزيد الأمور تعقيدا، أن غالبية النشاط الاقتصادي للبلاد يقع في المناطق النائية عن الساحل، على هضبة مركزية عالية وجافة. جوهانسبرغ، العاصمة الاقتصادية ليس فقط لجنوب إفريقيا ولكن للقارة الإفريقية كلها، هي أكبر مدينة في العالم لا تقع على نهر أو بحيرة أو شاطئ. فهي تقع على ارتفاع حوالي 1800 متر فوق مستوى سطح البحر، وتفصل التقسيم القاري الفاصل بين أحواض نهري أورانج وليمبوبو.

نهرا أورانج وليمبوبو، اللذان يصبان في المحيطين الأطلسي والهندي على التوالي، ضروريان بالنسبة لاقتصاد البلاد — لكن نسبة ضئيلة من الأمطار التي تسقط في جميع أنحاء البلاد يتم تحويلها لمياه في هذه الأنهار. على سبيل المثال، معدل التحويل في حوض نهر أورانج , هو 3.4 في المئة فقط. هذا يعني أنه، من بين كل 100 وحدة من المياه التي تسقط على هيئة أمطار على سطح الحوض، فقط 3.4 وحدة تصبح مياها في النهر، وبالتالي تصبح مفيدة للأغراض الصناعية. أما الباقي فيتم فقده في عملية التبخر والنتح. وعلى الأرجح سوف يتسبب تغير المناخ في زيادة انخفاض معدلات التحويل المنخفضة بالفعل بسبب زيادة فقدان المياه في عملية التبخر والنتح.

حاولت جنوب أفريقيا معالجة نقص المياه المزمن لديها من خلال بناء السدود، لكن بناء السدود أوشك أن يصل إلى منتهاه. في حوض نهر أورانج، إجمالي السعة التخزينية الحالية للسد يساوي، على نحو مذهل، 271 في المئة من المتوسط ​​السنوي لتدفق النهر. وبعبارة أخرى، يتم تخزين ما يقرب من ثلاثة أضعاف المياه في السدود الواقعة على نهر أورانج مقارنة بالتي تتدفق خلال النهر، بدون وجود سدود، خلال المتوسط السنوي لدورة واحدة. هذا يشير إلى القيود على استخدام المياه والتي تدعو إلى التساؤل عن مدى قابلية جنوب أفريقيا لتصبح دولة ديمقراطية مستقرة ودولة قادرة على توفير العمالة الكاملة للجميع.

أكثر سخونة وجفافا. تغير المناخ، وما يحمله من مخاطر جديدة غير معروفة إلى حد كبير، تنذر بأن تجعل الأمور أكثر سوءا. ازدياد درجات الحرارة المحيطة بأحواض الأنهار في جنوب إفريقيا ستفاقم فقدان المياه عن طريق التبخر وستعرقل أنماط الطقس التي لا يمكن التنبؤ بهابالفعل. وبينما تزداد درجات الحرارة المحيطة في المناطق المجهدة، فمن المرجح أن مشكلة البلاد مع الفيض المفرط للعناصرالمغذية ستزداد سوءا — حاليا، حوالي ثلث المياه المتوفرة في جنوب أفريقيا غنية جدا بالمغذيات (أي أنها غنية بالمعادن الذائبة وبالتالي تكون داعمة لحياة المغذيات الزائدة، وعلى الأخص الطحالب الخضراء المزرقة).

وكخبير في قطاع المياه ومشارك بعمق في عمليات التخطيط الاستراتيجي، فإني لا أرى أي مستقبل قابل للاستمرار لجنوب إفريقيا ما لم نطور روح ثقافية جماعية لإعادة تدوير متطورة. اليوم، الموارد المائية الوطنية، التي تتوفر بتأمين عال من الإمداد، تقدر بحوالي 38 مليار متر مكعب سنويا. هذا العدد بحاجة إلى الزيادة بنحو 65 مليار متر مكعب بحلول عام 2025 إذا ما أردنا أن نحقق العمالة الكاملة (بافتراض أن أنماط استخدام المياه التي تعتمد عليها العمالة لن تصبح أكثر فاعلية). هذا يعني أنه سيتحتم على جنوب أفريقيا إما الحصول في كل عام على 27 مليار متر مكعب إضافي من المياه من الأنهار التي ليس لدينا حق في المطالبة القانونية بمياهها (نهر زامبيزي أو الكونغو) — أو سنضطر إلى إعادة تدوير جميع مواردنا الوطنية بنحو 1.7 مرة كل عام. لكن إعادة التدوير في الواقع تعني تحلية المياه، لأنه يجب إزالة الأملاح المعدنية الزائدة والمواد الكيميائية المعطلة لعمل الغدد الصماء. وهذا، بدوره، يتطلب كميات هائلة من الطاقة.

برنامج الطاقةالحالي لجنوب إفريقيا، والذي يرتكز على احتراق الفحم من الواضح أنه غير قابل للاستمرار. لكن الطاقة النووية موضوع آخر — خاصة إذا كانت جنوب أفريقيا ستنشأ مفاعلات نووية تستخدم الثوريوم كوقود. في الواقع، وضع جنوب إفريقيا المثالي يؤهلها للاستفادة من مفاعلات الطاقة المعتمدة على الثوريوم. أولا، لأن البلاد لديها احتياطيات كبيرة من الثوريوم، الذي يعتبر حاليا بمثابة معدن مهدر القيمة، له بعض الاستخدامات التجارية. ثانيا، جنوب أفريقيا تحتل مكانة معنوية كبيرة فيمايتعلق بالشؤون النووية بفضل تخليها عن برنامجها للأسلحة النووية، وبالتالي يجعل ذلك منها مرشحا مناسبا للمساعدة في أن تصبح من الدول الرائدةفي استخدام الثوريوم، والثوريوم هو وقود ذو مقاومة معززة للانتشار. ومما ينبغي ذكره أيضا أن جنوب أفريقيا هي واحدة من البلدان القليلة النامية نسبيا التي تستخدم الطاقة النووية بالفعل، ولا تفتقر للقدرة التقنية في هذا القطاع.

سوف يتحدد مستقبل جنوب أفريقيا بشكل كبير من خلال الطريقة التي ستعالج بها الدولة معضلة ندرة المياه، ومن خلال قدرتها على خلق فرص عمل وسط تزايد القيود المفروضة على الموارد. ستكون هناك ضرورة لعمل تغييرات شاملة لمواجهة التحديات في البلاد. ولأن المناطق البعيدةعن الساحل تقع على هضبة عالية، توجد حاجة إلى كميات كبيرة من الطاقة لضخ المياه صعودا للوصول إليها، وفي نهاية الأمر، سيكون من اللازم نقل الصناعات الكبرى بجوار الساحل على الأرجح. وفي جميع الاحتمالات، ستصبح تحلية مياه البحر الأساس الهيدروليكي لاقتصاد البلاد، وهذا يشير إلى وجود دور كبير محتمل للطاقة النووية.

جنوب أفريقيا تتمتع بوفرة في كل من اليورانيوم والثوريوم، لكن المورد الأخير هو الذي يمكنه أن يوفر للبلاد طاقة نظيفة نسبيا والتي تحتاجها لتحقيق التنمية الاقتصادية دون إحداث مخاطر جديدة للانتشار النووي.

قضايا عالمية ورؤى شخصية

نظرا للمخاطر الناجمة عن تغير المناخ، ليس من السهل الاجابةعما إذا كانت فوائد الطاقة النووية تفوق مخاطرها في الدول النامية. قد تنظر مجموعات مختلفة من الناس في العالم النامي للمخاطر والمنافع بشكل مختلف جدا.

لهذا الهدف في هذا المقال سوف أقسم الناس في العالم النامي إلى مجموعتين: مجموعة المنتفعين ومجموعة المخاطرين. الناس في مجموعة المنتفعين، غالبيتهم من الفقراء، معرضين للآثار السلبية لتغير المناخ، بما في ذلك الجفاف وموجات الحرارة وارتفاع منسوب مياه البحر والعواصف المتكررة والقوية، ونقص الغذاء، إلخ. وبالتالي، فإن هذه المحموعة قد ترى فوائد كبيرة في مجال الطاقة النووية وقدرتها على إبطاء تغير المناخ. الناس في مجموعة المخاطرين، من ناحية أخرى، أكثر قدرة على التكيف مع تغير المناخ. لذا، قد يكون من المتوقع أنهم قد يرون مخاطر أكبر في تطوير الطاقة النووية أكثر مما يراه الفقراء.

كما كتب العالم السياسي فرانسيس فوكوياما "لقد كان للناس الأثرياء تأثير غير متناسب في معظم الأنظمة السياسية الحاكمة في معظم الأوقات في التاريخ". ونظرالأن أعضاء مجموعة المخاطرين هم أفضل حالا من الناحية المالية من أعضاء مجموعة المنتفعين، فإن اختلالات التوازن القائمة على أساس طبقي في النفوذ السياسي تمثل عقبة كبيرة محتملة أمام مزيد من تطوير الطاقة النووية في العالم النامي.

مما يزيد من صعوبة التغلب على هذه العقبة هو أنه يجب بناءمعظم المفاعلات النووية حيثما تكون المياه وفيرة (خاصة على طول السواحل البحرية أوضفاف الأنهار). كما أن إنشاء هذه المحطات على مقربة من المياه يعد أمرا ملائما كذلك، لأن القرب من الماء يسهل عملية نقل القطع الكبيرة والثقيلة من المعدات المطلوبة لبناء وصيانة محطات الطاقة النووية. لكن السواحل البحرية وضفاف الأنهار هي أيضا على الأرجح أماكن معيشة أعضاء مجموعة المخاطرين. (في الصين، على سبيل المثال، فأن أعضاء مجموعة المنتفعين قد – وقد لا- يعيشون في مثل هذه المناطق). إن تداخل المناطق المزدهرة مع مواقع مناسبة لبناءمفاعلات نووية له عواقب وخيمة بالنسبة للمزيد من تطوير الطاقة النووية – خاصة في أعقاب الحادث الذي وقع في محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية.

بالنسبةلأعضاء مجموعة المخاطرين، الذين يتمتعون بمواضع مميزة من الناحية الاقتصادية، تعد الطاقة النووية هي أحد الخيارات للحصول على الطاقة. في الوقت نفسه، في حين أن آثار الاحتباس الحراري قد تبدو وكأنها تهديد بعيد إلى أعضاء مجموعة المخاطرين بسبب مواردهم الكبيرة، فإن وقوع حادث نووي بقدر حادثة فوكوشيما يهدد على حد سواء كيانهم الجسدي وسبل عيشهم. وبالتالي، الخوف من وقوع حوادث نووية يعطي أعضاء مجموعة المخاطرين حافزا قويا لتبني سياسة"ليس في الفناء الخلفي لمنزلي".

ولأن الناس في مجموعة المخاطرين لديهم قوة اقتصادية وسياسية أكثر مما لدى أعضاء مجموعة المنتفعين، يبدو أن التوسع في الطاقة النووية في العالم النامي يواجه صعوبات كبيرة. ومما يزيد الأمور تعقيدا هو وجود شكوك على نطاق واسع في العالم النامي فيما يتعلق بالحكومات بصفة عامة، وبصفة خاصة في قدرة الحكومات على مراقبة الصناعة النووية. وهذاالشك يتسم به كل من مجموعة المخاطرين ومجموعة المنتفعين.

حسابات سياسية. في الصين، توقفت الحكومة المركزية بعد حادثة فوكوشيما مباشرة عن تقييم والموافقة على مشاريع جديدة للطاقة النووية. وبمرور الوقت، أصبحت بعض الحكومات المحلية حريصة على استئناف المشاريع النووية من أجل النمو الاقتصادي، لكن الحكومة المركزية ظلت مترددة في منحهم الموافقة. ومع ذلك، في يوم 31 مايو من هذا العام ظهرت مؤشرات على أن الحكومة المركزية قد تستأنف خطواتها نحو التوسع النووي. لكن الأعداد المستهدفة لتوليد الطاقة النووية تبدو آخذة في الانخفاض بشكل حاد. في أوائل عام 2011 كان من المتصور أن قدرة الطاقة النووية فى الصين سوف تصل إلى 86 جيجاوات  بحلول عام 2020، لكن التوقعات الحالية تشير إلى توسع لا يزيد عن 60 جيجاوات.

هذا التعديل النزولي يظهر الحذر الذي تشعر الحكومة المركزية بأنها يجب أن تتحلى به بعد حادثة فوكوشيما. أنفقت الحكومة المركزية قدرا كبيرا من الوقت، قطعا، في عمل موازنة بين رغبات كل من مجموعة المخاطرين ومجموعة المنتفعين. إن حسابات الحكومة تنطوي بالضرورةعلى المكاسب الاقتصادية والبيئية للطاقة النووية مقابل الخسائر الاقتصادية والبيئية في حالة وقوع حادث نووي بغض النظر عن مدى استبعاد وقوع حادث من هذا القبيل.

الصين لديها عدد من الأدوات المتاحة غير الطاقة النووية لمساعدتها على التصدي لتغير المناخ. تشمل هذه الأدوات زيادة تطوير مصادر الطاقة منخفضة الكربون مثل الغاز الطبيعي، أو مصادر الطاقة الخالية من الكربون مثل الرياح والطاقة الشمسية. كما يمكن للحكومة أيضا أن تقبل بتدابير الحكومات المحلية غير التقليدية، مثل قطع التيار الكهربائي على نطاق واسع، لتحقيق التخفيضات المستهدفة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون – في واقع الأمر حدث ذلك بالفعل في أواخر عام 2010. لكن إذا وقعت حادثة نووية خطيرة في الصين، حتى لو لم تكن بخطورة فوكوشيما – وخاصة إذا وقعت في واحدة من المناطق الثلاثة الأكثر ازدهارا في البلاد (دلتا نهر اللؤلؤ ودلتا نهر اليانجتسى ومنطقة خليج بوهاى) – سيكون ذلك بمثابة كارثة اقتصادية للبلاد وكارثة سياسية بالنسبة للحكومة المركزية. في الواقع، قد تكون مثل هذه الحادثةأكبر من أن تطيقها الحكومة.

Round 2

المكاسب البيئية ملازمة للمخاطر الأمنية

استقطبت الطاقة النووية اهتماما متجددا في السنوات الأخيرة، يرجع ذلك في جزء منه إلى قدرتها على توليد الكهرباء بينما تنتج انبعاثات ضئيلة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. برغم ذلك، يمثل إنشاء وصيانة قطاع للطاقة النووية مجموعة كبيرة من التحديات بالنسبة للعديد من الدول النامية. هذا ينطبق بشكل خاص على واحدة من "الدول الأقل نموا" مثل نيبال، موطني. وعلى الرغم من أن نيبال أصبحت عضوا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عام 2008 ، الا أن مواردها البشرية والرأسمالية المحدودة تجعل منها مرشحا غير محتمل لتطوير قطاع للطاقة النووية.

غير أنه بسبب التهديد العالمي الذي يمثله تغير المناخ، يمكن حتى للدول التي ليس لديها مفاعلات للطاقة النووية أن تستفيد من التوسع العالمي للطاقة النووية. إذا حدث تطور في تغير المناخ، ستواجه نيبال تهديدات بشأن إمداداتها المائيه نتيجة ذوبان جليد جبال الهيمالايا وأخرى بشأن قطاعها الزراعي بسبب تغيرات محتملة في أنماط الطقس. لذلك، فإن نيبال لديها سبب وجيه للترحيب بمزيد من التطوير للطاقة النووية في الدول الأخرى.

لكن على الرغم مما يمكن أن يقدمه أي توسع نووي من فوائد متعلقة بالمناخ لدولة مثل نيبال، يمكن أن ينتج ذلك أيضا مخاطر جديدة. على سبيل المثال، إن حادثة مشابهة لتلك التي وقعت العام الماضي في محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية – أو، أسوأ من ذلك، حادثة مشابهة لكارثة تشيرنوبيل عام 1986 – قد يكون لها عواقب مروعة في نيبال. في الواقع، من المصادفة أن تكون نيبال محاطة باثنتين من الدول النامية واللتين تعدان من بين أوائل المرشحين في العالم للتوسع النووية – وهما الصين والهند. وكما أشار وانج هايبين في مقاله الأول من اجتماع المائدة المستديرة إلى أن كثير من الناس في العالم النامي لديهم شكوك في قدرة حكوماتهم على مراقبة الطاقة النووية. لا يلزم أن تكون هذه الشكوك مقصورة على حكومة دولة بعينها.

بالنسبة لنيبال، برغم ذلك، تنطوي المخاطر الكامنة في التوسع النووي على بعد أمني ​​أيضا. جنوب آسيا، وهي منطقة خطرة بسبب العداء بين الهند وباكستان، لديها تاريخ من الأحداث الإرهابية مثل الهجوم المنسق على مومباي في عام 2008. وكثيرا ما أتهمت باكستان بمساعدة الجماعات الإرهابية. في مثل هذه البيئة، لا بد من اعتبار جميع المنشآت النووية على أنها أهداف محتملة للارهاب، ومن ثمَّ زيادة عدد المنشآت يخلق مزيدا من خطر تعرضها لهجمات.

هناك مسألة أخرى تجعل بعض النيباليين متخوفين وهي اتفاقية التعاون النووي بين الولايات المتحدة والهند عام 2008. ومما لا يثير الدهشة، كان رد فعل باكستان على الاتفاقية سلبيا للغاية ، لكن الاتفاقية تظل مدعاة للقلق بسبب ما توحيه بشأن المواقف الأميركية والهندية تجاه الصين. وعلى حد تعبير شيام ساران ، وزير الخارجية الهندي الأسبق، فإن الاتفاقية "تعكس تقاربا استراتيجيا معينا بين الولايات المتحدة والهند … لدينا مخاوف ومواقف متشابهة بشأن ظهور الصين". كما يجب اعتبار أي حالة من التوتر بين الهند والصين على أنها مصدر قلق لنيبال.

موارد نيبال محدودة – تقنيا وعلميا وماديا. ولا تستطيع الدولة أن تتحمل إنشاء قطاع نووي خاص بها. لكنها مع ذلك تعمل على الاستفادة من الناحية البيئية من التوسع النووي في أماكن أخرى، على الرغم من المخاطر المبينة أعلاه. يوما ما، ربما يمكن تخفيض المخاطر المرتبطة بالطاقة النووية من خلال تطوير وتسويق مفاعلات الاندماج النووي ، وهي تقنية يمكن أن تحدث ثورة في القطاع النووي في جميع أنحاء العالم. لكن حتى ذلك الحين، يجب أن تضمن القوى الإقليمية أن الطاقة النووية تعمل على تقليل المخاطر بدلا من تفاقمها.

التقدم والأزمة والابتكار

يدعو اجتماع المائدة المستديرة هذا المشاركين به لتقييم مدى ملاءمة الطاقة النووية للعالم النامي، وذلك على خلفية تغير المناخ. لكني في هذا المقال أود أن أناقش مسألة ذات صلة لكنها أشمل – ألا وهي الآفاق البشرية للاستمرار في الازدهار على كوكب قدرته على دعم الحياة البشرية واقعة تحت ضغوط على نحو متزايد.

دعيت مؤخرا، مع عدد من المؤلفين المشاركين، لكتابة بحث عن إدارة الموارد المائية. في البحث، تناقشنا حول فكرة أن العالم شهد في الآونة الأخيرة انتقالا من حقبة جيولوجية تعرف باسم الهولوسين إلى حقبة جديدة تسمى الأنثروبوسين. هذه الفكرة، والتي تنسب إلى بول كروتزن الحائز على جائزة نوبل من بين آخرين، تعتمد على أن الإنسان يؤثر الآن على القوى التي ستشكل الأرض في المستقبل. على سبيل المثال – ومن الأهمية بمكان لإجتماع المائدة المستديرة هذا – يتم الآن اكتشاف نويدات مشعة في رواسب عديد من الأنهار بمستويات أكبر بكثير مما كان سيكون عليه الحال في ظل ظروف ذات خلفية طبيعية. هذه الزيادة في النويدات المشعة يرجع تاريخها تحديدا إلى منتصف فترة الأربيعنيات من القرن الماضي- والتي تتزامن مع قدرة البشر على تقسيم الذرة. هذا يعني، أن الصخور الرسوبية في المستقبل سيتم تشكيلها من الرواسب التي تم تغييرها من قبل البشر.

كل ذلك يبرز المعضلة العميقة التي يواجهها الجنس البشري. فمن جهة، ترتبط المعضلة بقدرة بقاء النظام الداعم للحياة على كوكب الأرض، ومن جهة أخرى بالنمو في عدد السكان والنشاط الاقتصادي والقدرة التقنية. النظام الداعم للحياة على كوكب الأرض هو توازن ديناميكي تتفاعل فيه متغيرات معقدة لتخلق مجموعة من الظروف البيئية المواتية للحياة؛ وإذا حدث اختلال في هذا التوازن، فإن الظروف التي تؤدي إلى الحياة سوف تنهار. في الوقت نفسه، ازداد عدد السكان بسرعة على مدى عدة قرون، ويبدو أن تلك الزيادة ستستمر لعدة عقود أخرى ؛ كما ازداد النشاط الاقتصادي العالمي بشكل ملحوظ، والتقدم التقني شهد تزايداً مستمراً بخطوات سريعة. كل ذلك خلق طلبا متزايدا على الطاقة والمياه، وغيرهما من الموارد الأخرى، كما وضع ضغوطا كبيرة على المحيط الحيوي.

أولئك الذين يرون أن النظام الداعم للحياة على كوكب الأرض محدود يحتجون بأنه لا يتوقع من هذا النظام أن يدعم النمو السكاني والتنمية الاقتصادية غير المحدودين. ويقولون إذا فشل البشر في الحد من نموهم السكاني ونشاطهم الاقتصادي، فإن النظام الداعم الذي سمح بتطور حياة ذكية منذ البداية سوف يتغير. هذا هو الموقف الأساسي للمالتوسية، والتي تتوقع بأن النتيجة الحتمية للتوسع البشري هي وقوع كارثة. لكن الرأي المعارض – من وجهة نظر الـكورنيوكوبيين (Cornucopian ) [رابط محتمل: ، والتي تنسب أحيانا للعالم الراحل جوليان سيمون، الأستاذ بجامعة ميريلاند – يرى أن البشر سينجحون من خلال براعتهم الابتكارية في حل المشاكل الناجمة عن ازدياد السكان والنمو الاقتصادي.

إنني أؤمن بالقدرة البشرية على التعلم والابتكار والتكيف من أجل الحفاظ على حياة ذكية على سطح هذا الكوكب، وبالتالي، أعتبر نفسي واحدا من الـكورنيوكوبيين. إن مما جذبني إلى نظرية الـكورنيوكوبيانية هو أنها تجيز تحويل المعضلات إلى شئ مختلف – إلى مشاكل. المشاكل التي تكشفها عدسة الـكورنيوكوبيين معقدة، ومن المحتمل أن تصبح أكثر تعقيدا مع مرور الوقت. ومع ذلك، فإن المشاكل تكون قابلة للحل بعكس المعضلات التي لا تقبل ذلك.

يتميز البشر عن الأنواع الأخرى من الكائنات بقدرتهم على الابتكار، لكن يجب عليهم الآن أن يبتكروا بسرعة كافية للتصدي للضغوط التي تضعها الحياة البشرية على النظام الداعم للحياة على كوكب الأرض. ولحسن الحظ، كان التقدم التقني للبشرية على مدار السنين رائعاً للغاية. على سبيل المثال، تم تقسيم الذرة للمرة الأولى منذ بضعة عقود فقط
. ولكن في العام الماضي، عندما وقع حادث خطير في محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية، تم احتواء الضرر بشكل معقول على الرغم من الظروف الصعبة، كما يمكن إدراج الدروس المستفادة من هذه الحادثة في التصاميم المستقبلية لمنشآت الطاقة النووية. في رأيي، إن نتيجة حادثة فوكوشيما تدعم وجهة نظر الـكورنيوكوبيين.

أنا لا أعتبر نفسي من المناصرين المتحمسين للطاقة النووية. لكني أعتقد أنه إذا كان الجنس البشري يرغب في البقاء، فيجب استكشاف جميع الخيارات التي يمكن أن تفيد فرص الإنسانية للبقاء، وهذه الخيارات تشمل الطاقة النووية.

لكل تقنية زمانها ومكانها المناسبان

في مقاله الأول من اجتماع المائدة المستديرة، قدم أنتوني تيرتون تحليلا من منظوره الخاص عن الارتباط بين ندرة المياة ومتطلبات الكهرباء وتغير المناخ في جنوب إفريقيا. كما أجمل عددا من الأفكار الملهمة حول تخفيف القيود المفروضة على استخدام المياه في البلاد من خلال استخدام الطاقة في تحلية مياه البحر. لكني أرى أنه بالرغم من أن أفكار تيرتون قد تكون ملائمة لجنوب إفريقيا، فإن تطبيقها يكون محدودا في كثير من الأماكن الأخرى- بما في ذلك الصين.

في حال تطوير الطاقة النووية بطريقة مستدامة، يجب أن يؤخذ جليا في الاعتبار معدلات التكلفة-المنفعة – وفي مواقع مختلفة، يمكن أن تمثل الطاقة النووية معدلات تكلفة-منفعة مختلفة تماما. في الدول النامية التي لديها موارد مياه مقيدة وإمدادات كهرباء أقل تقييداً، ربما يكون من الملائم استخدام الطاقة النووية لتحلية مياه البحر (وحتى ضخها للمناطق النائية). لكن في الدول النامية التي يعاني سكانها من نقص مُلِّحٍ في الكهرباء، فإن فكرة استهلاك كميات هائلة من الطاقة لانتاج مياه عذبة ستبدو أنها تفتقر إلى أساس اقتصادي قوي.

الصين، وهي دولة تشهد احتياجاتها الاقتصادية والكهربائية نموا سريعا، تقوم حاليا بتشغيل 15 مفاعلا نوويا وأكثر من مفاعل من تلك المفاعلات يُستخدم لتحلية مياه البحر، لكن ذلك يتم فقط، كما هو الحال في منشأة هونجيانهي بإقليم لياونينج، عندما تكون التحلية أمرا لا غنى عنه. مفاعلات الماء المضغوط في منشأة هونجيانهي تحتاج الى كميات هائلة من  المياه العذبة لتشغيلها، لكن الإمداد المحلي من المياه العذبة غير كاف لهذا الغرض. لذا، تم تصميم المفاعل ليقوم بتحلية أكثر من 10.000 متر مكعب من مياه البحر يوميا من أجل تشغيلها الخاص.

من الجدير بالملاحظة أن التقنية التي يستخدمها المفاعل في عملية التحلية هي التناضح العكسي. هذا الاختيار مهم لأن التناضح العكسي يستهلك طاقة أقل لكل وحدة من المياه العذبة المنتَجة مقارنة بطرق تحلية المياه الأخرى، مما يجعل احتياجاتها من الطاقة والتكاليف الاقتصادية لتحلية المياه مقبولة لمشغلي المفاعل. لكن – وفقا لمقابلة أجريتها مؤخرا مع أحد كبار الخبراء الاقتصاديين في مجموعة جوانجدونج الصينية للطاقة النووية، وهو مالك المفاعل – فإن الشركة ليس لديها أية خطط لتحلية كميات أخرى من مياه البحر أكثر مما تحتاجه منشأة هونجيانهي لتشغيلها الخاص.

قرارات الشركة بشأن تحلية المياه تعكس مفاضلة بين متطلبات المياه ومتطلبات الطاقة، مثل هذه المفاضلات شائعة في العالم النامي، حيث تحتاج العديد من الدول إلى مزيد من المياه ومزيد من الكهرباء أو مزيد منهما. وأعتقد أنه، في عالم يوجد به 1.5 مليار شخص لا يستطيعون الحصول على الكهرباء ، فإن متطلبات الطاقة، على العموم، هي الأكثر إلحاحا من متطلبات المياه.

إن ذلك لا يعني التقليل من خطورة نقص المياه في عديد من الدول، لا سيما في أفريقيا – حيث أدى الجفاف المستمر في دول مثل السودان والصومال إلى صراعات دامية في السنوات الأخيرة. ولأن الجفاف المستمر في بعض المناطق هو من بين النتائج المتوقعة لظاهرة الاحتباس الحراري ، فمن الصعب أن لا نربط بين النزاعات المرتبطة بالجفاف وبين زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. لذا، كي يمكن التقليل من التحديات المناخية التي تواجه دولا مثل السودان، يجب على الدول في جميع أنحاء العالم أن تزيد من جهودها للحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون – على سبيل المثال، عن طريق زيادة استخدام مصادر الطاقة منخفضة الكربون مثل الطاقة النووية. ليس هناك ما يضمن أن الطاقة النووية سوف تمنع آثار تغير المناخ الأكثر سوءا، ولكن على الأقل هناك أمل في هذا الاتجاه.

ختاما، إننى أختلف مع تأكديات تيرتون بأن جنوب إفريقيا " لديها احتياطيات كبيرة من الثوريوم" و" أن وضعها المثالي يؤهلها للاستفادة من مفاعلات الطاقة المعتمدة على الثوريوم." وأنا أرى أن هذه التصريحات متفائلة جدا وربما مبالغة في التبسيط – نظرا لحقيقة أن الهند، وهي دولة لديها احتياطيات من الثوريوم أكبر مما لدى جنوب إفريقيا ، وتشتهر بطموحاتها في مجال تقنية الثوريوم، ولديها حاليا 20 مفاعلا نوويا داخل الخدمة، ومع ذلك تعتمد في المقام الأول على مفاعلات الماء الثقيل المضغوط في منشآتها النووية. مفاعلات الطاقة المعتمدة على الثوريوم هي بالطبع فكرة رائعة، لكنها مثل مفاعلات الاستنسال السريع تنتمى إلى المستقبل أكثر منها إلى الحاضر. ومن المرجح أن تنقضي سنوات عديدة قبل أن تصبح مفاعلات الثوريوم تقنية ناضجة.

Round 3

إلحاق الضرر بالآخرين يستوجب مساعدتهم

أقرٌ جميع المشاركون  في هذه المائدة المستديرة بالمخاطر المرتبطة بالطاقة النووية، وناقشوا امكانية التوسع في استخدامها فيما يتعلق بالتحكم بالمخاطر. ومع ذلك فنحن جميعاً نتفق أن مثل هذا التوسع في استخدام الطاقة النووية تبرره المخاطر المرتبطة بتغير المناخ. وفي ضوء توافق الآراء بشأن الطاقة النووية الذي ظهر في هذه المائدة المستديرة، فإنني، في مقالي الأخير، أود استكشاف الطرق التي تستطيع من خلالها دولة مثل نيبال، التي من غير المرشح أن تقوم بتطوير قطاع نووي من تلقاء نفسها،  المساهمة في جهود مكافحة تغير المناخ، — وتحديد المسؤوليات التي تقع على عاتق الدول الغنية تجاه نيبال وغيرها من الدول الأقل نموا.

انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في نيبال منخفضة جدا. وتُظهر إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الامريكية أنه في عام 2010 انبعث أكثر من 31.780 طن متري من غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي نتيجة لاستهلاك الطاقة على مستوى العالم. ومن هذا المجموع، كانت نيبال مسؤوله فقط عن انبعاث 3.36 طن متري. وكما بينت بالتفصيل في مقالاتي السابقة، فإن تغير المناخ ينذر بمخاطر وخيمة على نيبال من نواح مختلفة، بدءاً بالإنتاج الزارعي وصولاً الى السلامة الجسدية للمواطنين النيباليين. وباختصار، فإن حجم الضرر الذي بصدد ان تعاني منه نيبال بسبب تغير المناخ لا يتكافئ مع حجم مسؤوليتها عن المشكلة.

وتواجه العديد من الدول الأخرى الأقل نموا موقفاً مماثلاً. فالدول الساحلية المنخفضة مثل بنجلاديش، والدول الجزرية مثل كيريباتي، والدول الجافة مثل النيجر المعرضة لمزيد من الانخفاض في مستويات هطول الأمطار مع استمرار تفاقم ظاهرة تغير المناخ — كل هذه الدول تملك مبرراتها عندما تنظر بقلق الى تفاقم ظاهرة تغير المناخ. وما يزيد الأمر تعقيداً، فإن الدول الأقل نمواً على وجه التحديد غير مجهزة للتعامل مع المشاكل الجديدة التي تفرضها ظاهرة تغير المناخ.

هذه الدول بإمكانها  القيام بمحاولة للتأثير على السلوك الدولي بشأن قضايا المناخ، على سبيل المثال من خلال مجموعة الدول الأقل نموا، وهي جمعية مكونة من 49 دولة داخل منظومة الأمم المتحدة. وقد ترأست نيبال هذه المجموعة، وشنت حملة بصفتها هذه وغيرها لاتخاذ إجراء بشأن تغير المناخ. ولكن التأثير السياسي للدول الأقل نموا يكون دائماً محدوداً. في نهاية المطاف، فإن الدول الأكثر تقدماً هي التي يجب أن تتخذ الخطوات الصعبة اللازمة لاحتواء الضرر الناتج عن تغير المناخ.

ومع ذلك، وعلى الرغم من ضئالة حجم انبعاثات الكربون في نيبال ومحدودية نفوذها السياسي، إلا أن بإمكانها الإسهام مباشرة في إبطاء وتيرة تغير المناخ. نيبال، على سبيل المثال، مؤهلة جيداً لاستضافة مشاريع التحريج التي تأتي في إطار آلية التنمية النظيفة ، وهي إحدى اليات بروتوكول كيوتو التي تسمح للدول الصناعية بتحقيق أهداف الحد من انبعاث الكربون من خلال تمويل مبادرات مرتبطة بانبعاثات الكربون في الدول النامية. ويمكن أن تقوم نيبال أيضاً بمساعدة الدول الأخرى على خفض انبعاثات الكربون عن طريق إدخال المزيد من التحسينات في قطاع الطاقة الكهرمائية لديها– وكما ذكر وانج هايبن في مقاله الثالث في هذه المائدة المستديرة، فإن الطاقة الكهرمائية تعتبر وسيلة آمنة لتوليد الكهرباء لا تساهم في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري. وتستيطع نيبال من خلال إمكانياتها المتمثلة في الطاقة الكهرمائية ، تصدير كميات كبيرة من الكهرباء للدول المجاورة التي تزيد لديها حجم انبعاثات الكربون.

مبادرات كهذه تتطلب قيام الدولة الأكثر ثراء بتقديم إسهامات سواءً كانت مالية أو غير ذلك. ولا تستيطع نيبال تنفيذ هذه المبادرات وحدها. ولكن على أية حال، فإن أساس مشكلة تغير المناخ تكمن في أن الدول الأكثر تقدماً من نيبال تطلق كميات كبيرة من الكربون في الغلاف الجوي. لقد أكدت أن الطاقة النووية يمكن أن تلعب دوراً هاما للحد من انبعاثات الكربون، لكنها مجرد قطعة واحدة للغز كبير. وعلى الرغم من أن نيبال يمكن أن تسهم في تجميع هذا اللغز، فإنه يتعين على الدول الأكثر تقدما القيام بالجزء الأكبر من العمل.

الأمن في العهد الجديد

احتلت قضية الأمن اهتماماً بارزاً في عدة مقالات بهذه المائدة المستديرة. وقد ناقش وانج هايبن نظرة الأشخاص من الطبقات الاقتصادية المختلفة إلى المخاطر التي تهدد الأمن الشخصي التي تفرضها قضايا تغير المناخ والطاقة النووية. وقد بين هيرا بهادور ثابا بالتفصيل التهديدات التي تواجه نيبال نتيجة للوضع الأمني غير المستقر في جنوب آسيا. وكنت قد كتبت عن القيود الشديدة التي تفرضها جنوب أفريقيا على المياه، والتي، من وجهة نظري، تهدد الأمن الاقتصادي للبلاد بل وتهدد بقائها — والتي أرى أيضاً أنه يمكن تخفيفها من خلال إنشاء مرافق تحلية مياه تعمل بالطاقة النووية (وربما تضائلت مخاوف الانتشار بسبب استخدام الثوريوم كوقود).

يمتلك الإنسان القدرة على تعزيز أمنه من خلال وسائل متطورة غير متوفرة لدى المخلوقات الأخرى. خلال عصر الهولوسين — تلك الحقبة الجيولوجية التي شهدت استقراراً نسبياً لحالة المناخ في الأرض — تعلم الانسان زراعة المحاصيل الغذائية وإدارة المياه وبناء الملاجئ الدائمة التي ساعدت على تخفيف الخطر البيئي. تقدم تقني كهذا جعل البشرية هي النوع السائد بين الأنواع الأخرى؛ فالقدرة على تحقيق الاستفادة والتحكم تعد عنصراً أساسياً لنجاح الإنسان.

هذه القدرة أيضا تجعل بني البشر النوع الوحيد الذي يتمسك بالأمن كشرط أساسي للوجود. وتتميز حياة الأنواع الأخرى بالإنعدام الفطري للأمن؛ ونتيجة لذلك تطورت لديها مجموعة من استراتيجيات التكيف. ومن بين أكثر الاستراتيجيات نجاحاً هي تلك التي تقضي بتعاون افراد النوع الواحد عند مواجهة تهديداً مشتركاً. أعتقد أنه سيتعين على الانسان تبني استراتيجيات التعاون المستخدمة لدى الأنواع الأخرى من أجل مواصلة النجاح ، على الرغم من أن سبب نجاحه تكمن في قدرته على تحقيق الاستفادة القصوى من بيئته.

الهيمنة والحكمة.أكدت في مقالي الثاني في هذه المائدة المستديرة أن ثمة عملية تحول حدثت من حقبة الهولوسين إلى حقبة الأنثروبوسين. بمعنى، أن الجنس البشري بدأ يعمل على تحقيق الإستفادة القصوى من بيئته على نطاق عالمي — وظهرت تحديات أمنية جديدة، مثل تغير المناخ، كجزء من عملية التحول هذه. هذه التحديات تؤثر على الأفراد الذين يعيشون داخل نظم بيئية معينة، لكن كل نظام بيئي يندرج ضمن منظومة المناخ العالمي؛ حتى الاقتصادات الوطنية يمكن أن ينظر إليها  كشركات تابعة مملوكة بالكامل للنظام البيئي العالمي. وهكذا، وعلى الرغم من أن التحديات الأمنية الجديدة لللأنثروبوسين ستتجلى غالباً في أشكالاً محلية، إلا أنه يجب أن لا نغفل الاعتبارات العالمية عند معالجتها. ان الجهود الرامية إلى تحقيق التوازن بين المحلي والعالمي من المرجح أن تؤثر على النظم السياسية على مختلف الأصعدة.

هذا يعيد النقاش مرة أخرى حول قضية الطاقة النووية. هل ستدفع المخاطر الأمنية التي تفرضها ظاهرة الاحتباس الحراري الناس إلى قبول مخاطر الحوادث الأكثر تمركزاً في مرافق الطاقة النووية؟ هل ستتأثر حسابات الناس من خلال تحسين الرقابة النووية والتقدم المستمر في مجال الهندسة؟ هل من الصحيح وصف قبول الاعتماد على الطاقة النووية كنوع من السلوك التعاوني الذي يتعين على بني البشر الالتزام به إذا ما أرادوا مواصلة الازدهار؟ في رأيي، الإجابة على هذه الأسئلة تبدأ من القبول بأن الجنس البشري هو النوع السائد عالمياً، ومن ثم التصرف على هذا الأساس بالحكمة. وإذا ما أردنا تطبيق الحكمة على مسائل القضايا النووية، فقد يعني ذلك تبني المزيد من التطوير للتقنية النووية السلمية ورفض التسليح (وبتطبيق هذا المبدأ على قضية المياه، فقد يقتضي الأمر أن يتصرف الناس كحراس له، بدلا من ان يكونوا مجرد مستهلكين يعتبرون الماء الذي تغير لونه غير صالح للاستهلاك.)

في الوقت نفسه، ومن أجل مواجهة التحديات الأمنية التي تواجه الأنثروبوسين، يجب على بني البشر استغلال عبقريتهم في احراز المزيد من التقدم التقني بسرعة فائقة، ويجب على المؤسسات تحفيز هذا التقدم في ظل غياب الطلب في السوق. هذا الهدف صعب المنال، ولا بد من معالجته في سياقات متفاوته، على المستويين العالمي والمحلي. وستكون هذه المهمة أسهل إذا أدرك الانسان وجود ترابط بين النظم البيئية، والطبيعة المتداخلة لهذه التهديدات والفرص. يجب أن تكون الانسانية شجاعة بما فيه الكفاية لاستكشاف آفاق جديدة من العلم بحكمة تكفل صياغة أمن جماعي لا يعتمد تحقيقه على تطوير الأسلحة.

مخاطر المبالغة في تقييم الخطر

حوادث منشآت الطاقة النووية نادرة الحدوث. وحتى في الحوادث الخطرة مثل تلك التي وقعت العام الماضي في محطة "فوكوشيما دايتشي"  للطاقة النووية، فقد تم احتواء الضرر في نهاية المطاف داخل حدود معينة. لكن في كثير من الأحيان ينظر الى المخاطر المرتبطة بالطاقة النووية ببساطة على أنها غير مقبولة ، ولايزال العوام في العديد من الدول يعتبرون لطاقة النووية خطراً فعلياً. ولفهم المزيد عن هذه الظاهرة، من المفيد أن نقارن بين المخاطر التي تشكلها الطاقة النووية والمخاطر الكامنة في طرق توليد كهرباء الحمل الأساسي — احتراق الوقود التقليدي والطاقة الكهرمائية.

فمن أحد الجوانب، لا تشكل محطة توليد الكهرباء التي تعمل بالوقود التقليدي سوى خطراً ضئيلاً على السلامة العامة. وبالفعل، قد يهدد حدوث انفجار في منشأة كهذه أرواح الأشخاص الذين يسكنون في المنطقة الملاصقة، لكن الخطر لن يمتد إلى ما  أبعد من ذلك. بيد أن الخطر الحقيقي الذي يشكله الوقود التقليدي يكمن في التلوث. وبداية،  فإن حرق الوقود من هذا النوع ينتج ملوثات مثل ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين ، التي تتسبب في أضرار مباشرة وسلبية على صحة الإنسان. الأخطر من ذلك، هو أن حرق هذا النوع من الوقود ينتج غاز ثاني أكسيد الكربون المسبب الرئيس لظاهرة الاحتباس الحراري التي تهدد بتغيير الحياة على هذا الكوكب بشكل جذري. وعلى الرغم من ان انبعاثات الكربون من محطات الطاقة يرجح أن تنخفض في المستقبل من خلال تقنيات مثل احتجاز وتخزين الكربون، الا أنه بات من المؤكد استمرار تدفق انبعاثات كبيرة من الكربون لفترة غير محددة.

وفي الوقت نفسه، ينظر الى الطاقة الكهرمائية على نطاق واسع كمصدر آمن للطاقة، مع وجود بعض المخاطر التي يمكن السيطرة عليها بسهولة. وبالتأكيد هناك من سيجادل بالقول أن بناء السدود يخلق مشاكل بيئية، لكن تشغيل محطات الطاقة الكهرمائية لا يؤثر البتة في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري. وعلى العكس تماما، فقد تلحق ظاهرة تغير المناخ أضراراً بمنشآت الطاقة الكهرومائية حين تتسبب ظاهرة الاحتباس الحراري في إحداث خلل في تدفق المياه من خلال أحواض الأنهار. وفي سياق مماثل، قد تتضرر بعض محطات الطاقة الكهرمائية اذا تسبب استهلاك الوقود التقليدي في تقليل توافر المياه بالمنشآت الكهرمائية — في الصين، على سبيل المثال، يشكل تعدين الفحم ضغوطاً كبيرة على الموارد المائية.

على ضوء ما ذكر، ليس من الصعب القول أن احتراق الوقود التقليدي يشكل مجموعة من المخاطر أكثر من تلك التي تفرضها الطاقة النووية — أو، في هذا الصدد، أكثر من المخاطر المرتبطة بالطاقة الكهرمائية، والتي يمكن اعتبارها على نحو ما الحليف الطبيعي للطاقة النووية. ومع ذلك، ووفقاً لاستطلاعات رأي نشرت في تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2010 ، أيدت الأغلبية في دوليتن من بين 18 دولة بناء محطات الطاقة النووية من أجل مكافحة تغير المناخ.

وإذا كان للطاقة النووية أن تصبح أداة شديدة الأهمية في مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، فيجب على مؤيدي استخدام الطاقة النووية القبول ببعض المخاطر التي قد تترتب علي استخدام  الطاقة النووية– والتى ربما تأتي أحيانا على شكل حوادث. مرة أخرى، يجب أن يتعامل مؤيدي استخدام الطاقة النووية مع خطرين آخرين مرتبطين بالطاقة النووية يكونان في العادة غير مبالغ فيهما. الأول هو انتشار الأسلحة النووية؛ فأي مصادر أخرى للطاقة، ولا بد من الاعتراف بذلك، لا تشكل أي خطر يعادل خطر الانتشار. والخطر الثاني يكمن في النهاية الخلفية لدورة الوقود، والمتمثلة في التخلص من الوقود المستهلك. هذا الخطر، بطريقة ما، قد يساء تقديره من قبل العامة.

ان جهود مكافحة الانتشار هي مشروع سياسي مستمر؛ ومخاطر دورة الوقود يمكن بطريقة مماثلة معالجتها من خلال المبادرات المتعددة الأطراف والتقدم التقني. ولكن الخوف العام بشأن سلامة محطات الطاقة النووية يظل عقبة حقيقية أمام التوسع النووي، وبالتالي امام التقدم في مكافحة تغير المناخ.



 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]

RELATED POSTS

Receive Email
Updates