حظر تجارب الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت؟

إن التقنية المتعلقة بالصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت (الهايبرسونيك) بخمسة أضعاف أو أكثر مازالت غير ناضجة. غير أن دولا عديدة قد قامت بإجراء اختبارات لصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت أو أنها تنوي القيام بذلك. إن القيمة العسكرية المتصورة من منظومات الإيصال التي تفوق سرعة الصوت تكمن في قدرتها على توجيه ضربة سريعة عبر مسافات طويلة مع قدرتها على تجنب رادارات الإنذار المبكر ودفاعات الصواريخ الباليستية—كما أن بعض المؤيدين لهذه التقنية يجادلون بأن الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت يمكنها أن تحل محل الأسلحة النووية في بعض الأدوار. بينما يرى المعارضون أن الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت تمثل زعزعة للاستقرار: إذ يمكن أن يتم الخلط بينها وبين الصواريخ البالستية، أو يمكن استخدامها في هجمات ضد الأصول النووية أو غيرها من الأصول العسكرية الاستراتيجية، أو يمكن حتى تجهيزها برؤوس نووية. وسط هذه المخاوف، برزت دعوات لوقف سباق التسلح بالأسلحة التي تفوق سرعة الصوت من خلال تشريع يقضي بوقف تجارب الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت والتوصل في النهاية إلى وضع معاهدة لحظر هذه التجارب. فيما يلي، يناقش خبراء من الولايات المتحدة الأمريكية والهند والصين السؤال التالي: ما مدى خطورة التهديد الذي تشكله الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت على الأمن العالمي، وهل يعتبر وضع معاهدة لحظر هذه التجارب هى الطريقة المثلى للحد من هذا التهديد؟

تابعونا على الفيس بوك:

Bulletin of the Atomic Scientists: اللغة العربية

تابعونا على تويتر:

@Bulletin_Arabic

Round 1

حظر الأسلحة الفائقة لسرعة الصوت: مجرد مبالغة في الأمل

إذا أردنا الحفاظ على علاقات مستقرة بين الدول القوية والضعيفة الحائزة للأسلحة النووية، فيجب الحفاظ على مبدأ التدمير المؤكد المتبادل بطريقة قوية وذات مصداقية. لكن ثقة الدول ببقاء روادعها النووية يمكن أن يتم تقويضها بشكل خطير من قبل الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والمسلحة برؤوس حربية تقليدية— سواء المركبات الطائرة الدافعة أو صواريخ كروز الفائقة لسرعة الصوت. يظن بعض المحللين الصينين أن الولايات المتحدة تسعى لامتلاك هذه القدرة للقضاء على الردع النووي لبكين من الضربة الأولى— واذا نجحت واشنطن في تطوير صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، فإن ثقة بكين في مصداقية رادعها النووي سوف تضعف. (وعلى نحو مماثل، قد تشعر دلهي في يوم من الأيام بالقلق إزاء توجية الصين ضربة فائقة لسرعة الصوت ضد ترسانة الهند النووية الصغيرة).

إن بعض الصينين يناقشون بالفعل ما إذا كان يجب على بكين تغيير سياستها غير المشروطة بعدم الاستخدام الاول، وذلك في مواجهة التهديدات التقليدية الجديدة لترسانتها النووية. كما أن عدم فهم السياسة المستقبلية للصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت قد بدأت بالفعل في تعقيد الحوار الأمني الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة— وبين الولايات المتحدة وروسيا. إن الحالة المتأصلة من انعدام الثقة المتبادلة بين هذه الدول يجعل من المحتم أنه إذا قامت إحدى هذه الدول بنشر صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، فستشعر الدول الأخرى بالتهديد بشكل مبالغ فيه. وقد تقوم الدول القلقة بشأن بقاء رادعها النووي ببناء منشآت نووية إضافية عميقة تحت الأرض— أو تبدأ في إظهار شفافية أقل بشأن سياساتها النووية. ومن شأن هذه التطورات أن تعيق الجهود الرامية إلى بناء الثقة بين المؤسسات العسكرية الوطنية. وقد يساعد الحوار على تهدئة المخاوف، لكن بقدر محدود فقط.

إن أكبر ميزة للصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت هى سرعتها الهائلة، لكن السرعة هي أيضا مصدر الخطر الأكبر لهذه التقنية. إن صناع القرار أثناء أزمة ما، إذا كانوا يرغبون في الاستفادة من سرعة الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، سيكون لزاما عليهم أن يقرروا ما إذا كان عليهم شن ضربات استباقية قبل زوال الفرصة بسرعة. وسوف يتم تشجيع اتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر. ولأنه من المرجح أن تكون الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت معدّة للاستخدام ضد الأهداف الاستراتيجية—مثل مراكز القيادة والسيطرة وأنظمة المراقبة طويلة المدى وحتى مركبات إطلاق الصواريخ—فقد تتصاعد الصراعات بسهولة في حال تمّ استخدام الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

عقبات صعبة. لكن هل يمكن للدول أن تتجنب سباق تسلح بأسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت يكون مكلفا ومعتمدا على التقنية من خلال تبني معاهدة وقائية للحد من التسلح؟ لا تبدو الاحتمالات مشجعة في هذا الصدد.

أولا، إن فرض قيود تقنية على برامج تطوير الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت سيكون صعبا. إذ لا يمكن إجراء أي تمييز تقني واضح بين الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وبين القدرات التقليدية الأخرى الأقل سرعة والأقصر مدى والقادرة أيضا على تقويض الردع النووي. ستجد الدول أنه من الصعب جدا وضع حدود للسيطرة على التقنيات المختلفة. وعلاوة على ذلك، إن أحد الأهداف الأمريكية المحتملة من تطوير صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت هو اكتساب القدرة على توجيه ضربة استباقية لترسانات نووية صغيرة مثل ترسانة كوريا الشمالية— وذلك مقارنة بحجم ترسانة الصين. لكن القدرات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية تتقدم بسرعة. وبحلول الوقت الذي سيتم فيه نشر التقنية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، فإنه قد لا يكون من الممكن هيكلة القدرات الأمريكية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بحيث يمكنها أن تمثل تهديدا للأسلحة النووية لكوريا الشمالية، لكن دون أن تمثل تهديدا للأسلحة النووية الصينية. وحتى إذا كان ذلك ممكنا—من خلال الترتيبات الدبلوماسية أو فرض قيود إحادية الجانب—للحفاظ على قدرات الولايات المتحدة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت محصورة في نطاق ضيق— فستبقى روسيا والصين تشعران بالقلق إزاء وجود فرصة للتوسعات المستقبلية.

ثانيا، إن الأنظمة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ليست معدّة بالضرورة لإيصال أسلحة تقليدية فقط. إذ إن بعض الدول الحائزة للأسلحة النووية، والتي تشعر بالقلق إزاء التطورات المستقبلية في مجال الدفاع الصاروخي، تحتفظ بخيار تحميل رؤوس نووية على المركبات الطائرة الدافعة أو صواريخ كروز الفائقة لسرعة الصوت. إن مثل هذه النظم ذات القدرة العالية على المناورة يمكن أن تزيد إلى حد كبير من قدرة الرؤوس النووية على اختراق الدفاعات الصاروخية في منتصف المسار. وبالتالي فإن المكاسب الناجمة عن تطوير صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت تصبح عالية— أعلى من المكاسب الناجمة عن تطوير قدرات تقليدية جديدة بحتة. لذلك قد تكون الدول مترددة للغاية للتخلي عن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

ثالثا، بالرغم من أن واشنطن قد تكون لا تعمل على تطوير صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت من أجل استهداف الترسانات النووية للدول النووية الكبرى الأخرى، يُبدي بعض المحللين الأمريكيين اهتماما باستهداف الأهداف الاستراتيجية غير النووية لتلك الدول. يمكن أن تصبح الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت جزءا مما يسمى عمليات "قمع الدفاع" والتي تسعى لمواجهة قدرات "منع الولوج/ المنطقة المحرّمة" للصين وغيرها من الدول. كما يمكن أن تصبح الأصول المضادة للأقمار الاصطناعية مستهدفة أيضا.

في مثل هذه الأوقات، عندما تزداد التوترات بين بعض كبار المستثمرين في مجال التقنية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، تواجه الجهود الرامية إلى السيطرة على هذه التقنيات تحديات هائلة. إن زيادة الاحتكاكات في بحر الصين الجنوبي هى مجرد أحد الأمثلة للتوتر العسكري بين الولايات المتحدة والصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وفي أوروبا الشرقية، يبدو أن حلف الناتو وروسيا يتجهان نحو علاقة عسكرية تقليدية أكثر عدائية. في مثل هذه الظروف، عادة ما يكون القادة الوطنيون مهتمين بالاستثمار في تقنيات عسكرية جديدة أكثر من اهتمامهم بالسيطرة عليها— ولا سيما التقنيات التي قد تحمل مفتاح السيادة في ساحات القتال المستقبلية.

خطوات قابلة للتحقيق. وباعتبار كل ما سبق، فإنه سيكون من الصعب حظر برامج البحث والتطوير للصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. إن تدابير الشفافية المحدودة، مثل تبادل البيانات والإخطارات، قد تكون متاحة— لكن حتى هذه الآليات تتطلب جهدا دؤوبا ومشاركة من قبل اللاعبين الرئيسيين.

قد يكون أفضل ما يمكن تحقيقه بشكل واقعي، في المدى القصير، هو اتخاذ تدابير أحادية الجانب للحد من المخاطر (مدعومة بالجهود الدبلوماسية التي تبني الثقة في هذه الإجراءات). على سبيل المثال، يجب على الدول الحائزة للأسلحة النووية لمصلحتها الخاصة الامتناع عن وضع استراتيجيات تنطوي على استخدام الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ضد أهداف نووية. لقد طالب قانون إقرار الدفاع الوطنى الامريكي لعام 2013 وزارة الدفاع بإعداد دراسة حول قدرة واشنطن على "تحييد" الشبكات الصينية الواقعة تحت الأرض، والتي تنتشر بها بعض الأسلحة النووية، "بقوات تقليدية ونووية." وتشير هذه الدراسة إلى وجود رغبة فعلية في استهداف الأسلحة النووية من خلال وسائل تقليدية— لكن يجب تجنب أي شيء من هذا القبيل بدقة متناهية.

وبالمثل، يجب التدقيق بعناية في الاستراتيجيات التي قد تؤدي إلى تفاقم "ضباب الحرب". فمثلا، على الرغم من أن الضربات الاستباقية بصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت ضد مراكز القيادة والسيطرة ومراكز الاتصال قد تكون وسيلة مفيدة لمواجهة قدرات "منع الولوج/ المنطقة المحرّمة"، فإنها تخاطر أيضا "بتعمية" وإرباك قيادة العدو— لدرجة أن صناع القرار قد يعتقدون خطأ بأن هناك ضربة نووية جارية. وهذا من شأنه أن يمثل خطرا شديدا لتصعيد غير مقصود. كذلك يجب رفض أي استراتيجية من شأنها إخفاء الخط الفاصل بين الحرب التقليدية والنووية. كما يجب على الدول التي تقوم بنشر أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت السعى بنشاط لاتخاذ خطوات أحادية الجانب والتي من شأنها إحباط زعزعة الاستقرار— إن كان سيتم في الواقع نشر هذه التقنيات من الأساس.

تقنية جديدة ومخاطر معتادة

سوف تغطي الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت مسافات طويلة في وقت قصير، اذا تم تطويرها بنجاح. يرى بعض المراقبين أن هذه الصواريخ، إذا امتلكتها دولة تهدف إلى إرباك أنظمة الدفاع الصاروخي والإنذار المبكر للعدو، فمن شأنها أن تشكل تهديدا خطيرا للأمن العالمي، وبالتالي يجب منعها. لكن هذه فكرة قابلة للنقض. إذ لا تزال التقنية المتعلقة بالصواريخ الفائقة لسرعة الصوت قيد التطوير إلى حد كبير، ولو حتى تم اتقانها، فلن تضيف كثيرا إلى التهديدات الأمنية المتمثلة بالفعل في أنظمة الأسلحة المنتشرة مثل الصواريخ الباليستية.

في الواقع، تعمل المركبات العائدة للصواريخ الباليستية بسرعات تفوق سرعتها سرعة الصوت في جزء كبير من مسار رحلتها. على سبيل المثال، تسير المركبة العائدة لصاروخ باليستي متوسط المدى، مداه مثلا 3000 كم، بسرعة تفوق سرعة الصوت حتى يهبط الى ارتفاع 30 كيلومترا (حوالي 30 ثانية قبل الاصطدام). لكن الخطر الذي تشكله هذه الأسلحة يعتبر مقبولا وقابلا للتبرير بشكل عام. فأجهزة الاستشعار قادرة على تتبع رحلة الصواريخ البالستية. كما أن أنظمة الدفاع الصاروخي تتطور بقوة أكثر.

مشكلة التمييز. إن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت— أي التي تبلغ سرعتها خمسة أضعاف سرعة الصوت أو أكثر— تمتاز بأنها بعيدة المدى وذات سرعة عالية وأوقات طيران قصيرة. لم تنشر أي دولة حتى الآن نظاما تفوق سرعته سرعة الصوت، لكن هناك دولا عديدة تجري أبحاثا وتطويرات في هذا الصدد. المجالات الرئيسية للأبحاث هي صواريخ كروز الفائقة لسرعة الصوت والمركبات الطائرة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. وتبدو المركبات الطائرة هى محور التركيز الرئيسي للتطوير في الدول التي تسعى لامتلاك تقنيات فائقة لسرعة الصوت.

يمكن استخدام المركبات الطائرة مع الصواريخ الباليستية الحالية (سواء العابرة للقارات أو متوسطة المدى أو التي تطلق من الغواصات). تقوم الصواريخ الباليستية بدفع المركبات الطائرة إلى الارتفاع الذي تطلق منه، وعندئذ يُسمح للمركبات الطائرة بالطيران إلى أسفل بسرعة تفوق سرعة الصوت. أما صواريخ كروز التي تفوق سرعتها سرعة الصوت فيتم دفعها إلى الارتفاع التشغيلي والسرعة التشغيلية بصواريخ مناسبة (غير باليستية) ثم يتم دفعها بعد ذلك بواسطة محرك احتراق تضاغطي فوق صوتي (أو محرك سكرامجت). والمدى الذي تقطعه هذه الصواريخ يعتمد على كمية الوقود التي يمكن أن تحملها.

إحدى المشاكل المحتملة التي تمثلها الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت هي كيف يمكن التمييز بين إطلاق مركبة طائرة فائقة لسرعة الصوت ومسلحة بأسلحة تقليدية أو صاروخ كروز وبين إطلاق سلاح استراتيجي. كيف يمكن للدول الأخرى أن تتأكد من نوعية الرأس الحربي الذي يحملة الصاروخ؟ كذلك تم تصميم الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت لتكون قادرة على المناورة— لذلك فإنه من الممكن أن يُساء فهم الوجهة المقصودة للصاروخ. وقد تستنج دولة ما، على سبيل المثال، أن قواتها النووية تتعرض لهجوم بينما تكون قواتها التقليدية هى الهدف المقصود في الحقيقة.

نهج غيرعملي. إن الولايات المتحدة هي الدولة الرائدة والسبّاقة في مجال التقنية الفائقة لسرعة الصوت. وتحاول دول أخرى اللحاق بركبها في هذا المجال. وتقوم الصين حاليا باستثمارات في تقنية الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت، وهناك مزيد من الدول عقدت العزم على أن تحذو حذوها.

كلما أجرت دولة اختبارات توضح سرعة ومدى ودقة وإحكام أحد أنظمة الأسلحة، تثور أسئلة بشأن نوايا تلك الدولة (وكذلك فيما يتعلق بالآثار المترتبة على نظام الأسلحة نفسه). وعندما يتعلق الأمر بالأسلحة الفائقة لسرعة الصوت، فالغموض الذي يحيط بالنوايا الوطنية يصبح حقيقة واقعة. ويمكن أن ينجم عن ذلك حالة من عدم الاستقرار وربما سيناريوهات تصعيدية للصراع. ومع ذلك، فإن حل هذه المشاكل لا يكمن في حظر التجارب الصاروخية الفائقة لسرعة الصوت. بل يكمن في فهم التهديدات وكيفية إدارتها واتخاذ تدابير لبناء الثقة.

حتى في النظام الحالي للأمور، مع عدم وجود انتشار لصواريخ فائقة لسرعة الصوت، ما زال الغموض موجودا— على سبيل المثال، عندما تندرج الصواريخ التقليدية والاستراتيجية لدولة ما تحت نظام قيادة وسيطرة مشترك. كما أن إطلاق الصواريخ من الدول التي تنفذ استراتيجيات "منع الولوج/ المنطقة المحرّمة" يمكن أن يكون غامضا من حيث نوعية الرأس الحربي والهدف على السواء.

إن وقف تجارب الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت ليست نهجا عمليا لحل مثل هذه المشاكل. والحقيقة هي أن الدول سوف تتخذ قرارات بشأن نشر واختبار أسلحة فائقة لسرعة الصوت على أساس القوة النسبية والمنافسة. إذا نجحت الولايات المتحدة في تطوير تقنية فائقة لسرعة الصوت، يمكن للمرء أن يكون على يقين من أن روسيا والصين سوف تفعل الشيء نفسه. وقد تحذو بلدان أخرى، مثل الهند، حذوهم.  إن الدول التي تكون في المراحل الأولى من تطوير تقنية فائقة لسرعة الصوت لا ترغب في وضع أنفسها في وضع غير مؤات للدول التي تكون تقنيتها أكثر تقدما. في الواقع، فإن بعض الدول تفكر في فرض حظر على الاختبارات التمييزية.

والأهم من ذلك هو أن التقنية الفائقة لسرعة الصوت لها تطبيقات في مجال الفضاء المدني—في مجالات نظم النقل الفضائي والكبسولات العائدة والهبوط وإعادة الاستخدام. التقدم التقني في مجال الفضاء المدني يتطلب إجراء اختبارات، والدول التي لها مصلحة في هذه التطبيقات المدنية ستعارض أي آلية تحرمها من حرية إجراء هذه الاختبارات.

بناء الثقة. صحيح أن التقنية الفائقة لسرعة الصوت تحمل في طياتها خطرا بأن إطلاق الصواريخ يمكن أن يُحدث خطأ في التعرف عليها—لكن المركبات العائدة التي يتم إطلاقها بواسطة الصواريخ البالستية ثم تعود بسرعة تفوق سرعة الصوت ليست جديدة. إن المركبات العائدة المناورة تزيد من صعوبة تفهم مسار إعادة دخول الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ولكن هذا ينطبق على الصواريخ الباليستية الحالية أيضا. وقد استجاب المجتمع الدولي إلى الغموض والمخاطر التصعيدية للصواريخ الباليستية باتخاذ تدابير لتخفيف المخاطر وأنظمة للدفاع والتتبع، ومحاولة للحفاظ على التوازن بين قدرات الردع والانتقام. سوف يحتاج هذا النهج إلى تكراره في شأن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

لقد أعلنت الولايات المتحدة أنها ستستخدم صواريخ فائقة لسرعة الصوت لاستكمال قدراتها التقليدية— وليس لنقل رؤوس حربية نووية. وهذا النهج هو موضع ترحيب. فمثل هذه السياسة، في بداية الصراع، يمكن أن تساعد على تجنب الخيار النووي. ومن المهم بالنسبة للدول النامية الأخرى التي تقوم بتطوير صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت أن تتبنى سياسات مماثلة.

ثمة خطوة هامة أخرى وهي وضع تدابير لبناء الثقة. هذه التدابير لا يمكن أن تنطوي فقط على الولايات المتحدة وروسيا، مثلما كان يحدث غالبا في الماضي؛ إذ يجب إشراك غيرهما من الدول التي تقوم باختبارات لتقنيات تفوق سرعتها سرعة الصوت، سواء للتطبيقات المدنية أو العسكرية. وسيكون أحد الإجراءات المهمة لبناء الثقة هو النص على أن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت سيتم استخدامها فقط برؤوس حربية غير نووية. وتشمل التدابير المفيدة الأخرى تقديم إشعار مسبق بإجراء الاختبارات؛ بحيث يتم اختيار مواقع إطلاق منفصلة ومميزة لاختبار الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، مع وضع قيود على الاختبارات التي تجرى في البحر.

إن التقنية المتعلقة بالصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت لا تزال في مرحلة التطوير. وإنتاج ونشر تلك الأسلحة ليس وشيكا. ومن السابق لأوانه في هذه المرحلة التفكير في حظر اختبارات تلك الأسلحة— ولا سيما عندما يكون للتقنية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت تطبيقات في المجال المدني أيضا. إن المسار الأفضل للتقدم إلى الأمام هو استخدام الوقت قبل انتشار هذه الأسلحة لمناقشة مخاطر الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ووضع روادع لاستخدامها— وكذلك العمل على وضع التدابير اللازمة لبناء الثقة.

فقط قولوا “لا”

قد يبدو القيام برحلة طيران تفوق سرعتها سرعة الصوت متعة لا مثيل لها— لكنك لست أنت المعني بهذه الرحلة. إذ المعني بها الأسلحة التي ربما يتم استخدامها فقط في بداية حرب نووية.

لم تنجح أي دولة حتى الآن في تطوير صواريخ غير باليستية يمكنها قطع مسافات طويلة بسرعة 5 ماخ (خمسة أضعاف سرعة الصوت) أو أكثر، إلا أن الولايات المتحدة والصين تقومان بإجراء اختبارات في هذا الصدد. وقد أعلنت روسيا والهند إنهما يعملان معا على تطوير صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت. وبطبيعة الحال يجب على باكستان القيام بفعل أي شيئ تقوم به الهند. وسوف تجد فرنسا أنه لا يمكنها أن تكون فرنسا بدون امتلاك صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، في حين يجب ألا تتخلف بريطانيا عن الركب … وسيستمر الحال على هذا المنوال، في جولة جديدة من سباق التسلح القديم الذي لن يؤدي إلا إلى طريق مسدود أو إلى اللامبالاة. لحسن الحظ، هناك طريقة بسيطة خالية من المخاطر ويمكن التحقق منها لتفادي هذا الاحتمال الكئيب: حظر اختبارات الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت (الهايبرسونيك).

لماذا ترغب أي دولة في امتلاك صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت على أية حال؟ لأكثر من نصف قرن، وفرت الصواريخ الباليستية القدرة على إلقاء الرؤوس الحربية فوق الغلاف الجوي وضرب أي بقعة على الأرض في غضون دقائق. ومع أن فكرة صنع صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت قادرة على اختراق الغلاف الجوي بسرعة هائلة كانت موجودة أيضا منذ حوالي نصف قرن—فإن الضغط الشديد ودرجات الحرارة المرتفعة وآثار التآكل للطيران فوق صوتي أحبطت الجهود الرامية إلى تطوير أسلحة عملية. إن الصواريخ البالستية هي أبسط وأرخص وأسرع، ويمكنها هزيمة الدفاعات الصاروخية بالشراك الخداعية خفيفة الوزن وغيرها من التدابير المضادة البسيطة.

إن الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت، بتكاليفها العالية وحمولاتها الصغيرة، لن تكون ملائمة لحملة عسكرية متواصلة، لكن يمكنها أن تكون ذات فائدة كسلاح يستخدم في بداية الحرب. إذ إن هذه الصواريخ، المزودة برؤوس حربية تقليدية وطاقة حركية خاصة بها، يمكنها مهاجمة السفن والرادارات وهوائيات الاتصالات والغرف المحصنة للقيادة والأسلحة ومهابط الطائرات وقاذفات الصواريخ، وغيرها من الأصول الاستراتيجية. كما يمكنها أيضا حمل رؤوس نووية، والطيران في مدار منخفض عن الرادارات التي تراقب الصواريخ الباليستية. يقترح الاستراتيجيون الأمريكيون أنه يمكن  استخدام الأسلحة الفائقة لسرعة الصوت في "الضربة العالمية الفورية التقليدية" من دون خطر احتسابها هجوما نوويا بطريق الخطأ— لكن واشنطن تزعم أن الصين تعتزم استخدام أسلحتها الفائقة لسرعة الصوت من أجل الإيصال النووي.    

الاختبارات حتى الآن. هناك نوعان رئيسيان للصواريخ الفائقة لسرعة الصوت: مركبات طائرة دافعة وصواريخ كروز ذات محرك.

في المركبات الطائرة الدافعة، يتم استخدام صاروخ لإطلاق طائرة شراعية إلى مسار عالي في الفضاء. وعندما تعاود دخول الغلاف الجوي، تقوم الطائرة الشراعية بالسحب إلى أعلى حتى تطير أفقيا، بدون محرك، لآلاف الأميال بسرعات أولية في نطاق فوق صوتي عالٍ، يتراوح ما بين 10 إلى 20 ماخ (حوالي 7000 إلى 14000 ميل في الساعة).

اختبرت الولايات المتحدة مركبة طائرة دافعة في النهاية القصوى من سرعة هذا النطاق في عام 2010 و 2011، لكن الاختبارات باءت بالفشل. تم اختبار برنامج آخر يسمى الأسلحة المتقدمة فائقة السرعة، الذي استهدف سرعات أقل (حوالي 12 ماخ) وقد قيل إنه تم اختباره بنجاح في نوفمبر عام 2011. لكن في الاختبار الثاني الذي أجري في أغسطس 2014، انفجر السلاح نفسه على منصة الاطلاق. في الوقت نفسه، أجرت الصين ثلاثة اختبارات على مركبات طائرة دافعة، والمعروفة باسم WU-14 في عام 2014. أما الاختبار الثاني الذي أجرته الصين في أغسطس فقد كان بمثابة فشل ذريع. ويفترض على نطاق واسع أن الاختبارات التي أجريت في يناير وديسمبر قد حققت نجاحات جزئية على الأقل. أما الاختبار الرابع، الذي كان ناجحا على ما يبدو، فقد تم إجراؤه منذ عدة أسابيع قليلة.

أما بالنسبة لصواريخ كروز الفائقة لسرعة الصوت فيتم دفعها في البداية بواسطة صاروخ صغير ثم تحريكها بعد ذلك بواسطة محرك احتراق تضاغطي فوق صوتي (أو محرك سكرامجت) للطيران في نطاق فوق صوتي منخفض— ما بين 5 إلى 10 ماخ أو من حوالي 3000 إلى 7000 ميل في الساعة. وهى تغطي مسافات تصل إلى حوالي 600 ميل. هذه الأسلحة مناسبة بشكل مثالي للضربات البحرية، والضربات الأرضية من الجو أو المنصات البحرية، أو هجمات مفاجئة عبر الحدود بين الدول المتجاورة.

في مايو 2013، أصبحت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة المعروفة التي اختبرت بنجاح صاروخ، X-51A ، وهو نموذج أولي لسلاح الضربة عالية السرعة أو HSSW ، والذي من المزمع أن يطير بسرعة تقدر بـ5 ماخ. لكن يقال إن الصين تعمل على تقنية مشابهة وتقوم بدراسة التصورات لاستخدامه. وفي الوقت نفسه، فإن روسيا والهند تسوقان معا لصاروخ كروز فوق صوتي يعمل بمحرك نفاث، يُعرف باسم براموس، الذي تم تصميمه على أساس الحقبة السوفيتية. كما أعلنت الدولتان عن مشروع لإنتاج صاروخ فوق صوتي آخر، براموس 2، الذي قالتا عنه إنه سوف يطير بسرعة ماخ 7  .

لا مزيد من التجارب. في التجارب التي أجريت حتى الآن، أثبتت النجاحات أنه من الممكن صنع أسلحة عملية فائقة لسرعة الصوت—وبالتأكيد، إذا استمر العمل على ذلك، فمن المرجح أن تصبح الأسلحة الفائقة لسرعة الصوت حقيقة واقعة على مدى العقد المقبل. وفي الوقت نفسه، أظهرت التجارب الفاشلة أنه من المستحيل القيام بتطوير أسلحة فائقة لسرعة الصوت تكون موثوقة ومفيدة عسكريا بدون القيام بإجراء تجارب.

إن وضع معاهدة حظر تجارب للأسلحة فائقة السرعة ستكون أداة قوية للحد من الأسلحة. إذ لن تبني دولة خططها الهجومية الاستراتيجية الاستباقية على أسلحة لم يتم اختبارها بدقة وتنقيحها والتحقق من فعاليتها.

كما ستكون معاهدة الحظر قابلة للتحقق أيضا. في حين أن تطوير صواريخ فائقة لسرعة الصوت يمكن أن يتم في المختبرات وأنفاق الرياح إلى حد ما، فإن الاختبارات الكاملة اللازمة للتأكد من أدائها وتصحيح العيوب يمكن إجراؤها فقط في الهواء الطلق—تحت مراقبة أجهزة الاستشعار الموجودة في الفضاء وفي البحر وعلى الأرض وحتى في أيدي الناس العاديين.

ويمكن أن يبدأ الحظر بوقف غير رسمي. يمكن للولايات المتحدة أوالصين أوروسيا أوالهند المبادرة بالوقف من خلال إعلانها أنها قد أوقفت خططها المتعلقة بالتجارب المستقبلية للأسلحة فائقة السرعة—وفي الوقت نفسه تقوم بدعوة الدول الأخرى لتأجيل تجاربها الخاصة والسعي إلى فرض حظر دائم. وفي الوقت المناسب، يمكن تنظيم مؤتمر للتفاوض بشأن المعالم الدقيقة لفرض حظر عالمي ومن ثم يمكن صياغة معاهدة رسمية.

إن المبادرة أو الانضمام إلى وقف التجارب والتمسك بالحظر سوف ينطوي على خطر ضئيل. إن الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت تشكل تصعيدا للتهديدات الاستراتيجية، لكنها ليست كافية لضمان نجاح الضربة الأولى النازعة للسلاح. ولن تكون أي دولة قادرة على الإتقان سرا وإنتاج كميات كبيرة من الأسلحة بسرعة دون أن يكون لمنافسيها أي فرصة لاستيعاب تلك التقنية واللحاق بالركب.

رفض الكل لعدم الرضا عن الجزء. سوف يجادل البعض بأن حظر الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت من شأنه أن يمنع تطور "الطائرات الفضائية" التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والتي يمكن أن تعبر المحيطات في ساعة واحدة أو تطير في المدار الأرضي. في الواقع، إن الوضع الاقتصادي لهذه الأفكار مشكوك فيه للغاية. لكن حظر التجارب الصاروخية الفائقة لسرعة الصوت لا يحتاج إلى الوقوف في طريق تحقيق ذلك. إذ من السهل التمييز بين الصواريخ وبين المركبات الضخمة التي قد يكون من المنطقي أنها طائرات فضائية. ويمكن أن تحدد المعاهدة المعايير التقنية اللازمة لإيضاح هذا التمييز، وكذلك إظهار النية بعدم منع الأنشطة السلمية.

إن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ليست سوى جانب واحد من سباق تسلح استراتيجي جديد بين القوى النووية المسلحة الرئيسية في العالم. وتشمل مصادر هذا الخطر المتصاعد المنافسات الجيوسياسية المشتعلة، والتحولات في القوة الاقتصادية، وأسلحة جديدة أصبحت ممكنة بفضل التقنية الناشئة. لقد فشل العالم حتى الآن في إرجاع الجني النووي إلى القمقم مرة أخرى، لكن هناك أعداد جديدة من الجن تخرج الآن: أسلحة الفضاء والحرب الإلكترونية وطائرات بدون طيار والأسلحة المستقلة. كما أن الأسلحة المعتمدة على البيولوجيا التركيبية وتكنولوجيا النانو تلوح في الأفق.

في هذا السياق، فإن وضع معاهدة لحظر اختبارات الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت تبرز باعتبارها فرصة سهلة ومهمة للغاية لمقاومة هجمة تقنية الأسلحة المزعزعة للاستقرار. دعونا نقول فقط "لا" للأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

Round 2

العقبات السياسية والتعقيدات التقنية

تطلب هذه المائدة المستديرة من المشاركين فيها أن يقوموا بتقييم مدى التهديدات التي تشكلها الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت على الأمن العالمي— لكن حتى الآن، لم يُظهِر المؤلفون خلافا جديا ينبئ بأن فكرة الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت مزعزعة للاستقرار. لذلك يصبح التساؤل هو ما إذا كانت الدول سوف تشرع رغم ذلك في الدخول في منافسة شاملة للتسلح بصواريخ تفوق سرعة الصوت.

يفضل معظم الأشخاص، وأنا منهم، الإجابة على هذا التساؤل بـ"لا". وكما قال زميلي مارك جوبرد بقوة في مقاله الأول، "لقد فشل العالم حتى الآن في إرجاع الجني النووي إلى القمقم مرة أخرى، لكن هناك أعداد جديدة من الجن تخرج الآن". إن الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت هى جنّي، وأعتقد، مثل جوبرد، أنه يجب أن يظل حبيسا في قمقمه. لكن حظر تجارب الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت لن يكون سهلا كما يقترح جوبرد.

أولا، إن الاعتقاد الساري في الولايات المتحدة بأن الابتكار التقني هو أفضل وسيلة لمواجهة التحديات الأمنية بمثابة عقيدة راسخة. والعديد من المسئولين والمحللين الأمريكيين مقتنعون بأن تقنية الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت تمثل الثورة القادمة في الشؤون العسكرية. وكما فشلت روسيا والصين في اقناع الولايات المتحدة بالحد من دفاعها الصاروخي، فمن الصعب أن نتصور قيام أي أحد باقناع واشنطن بالموافقة على فرض قيود على أبحاثها المتعلقة بتطوير الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت.

ثانيا، إن روسيا والصين—وهما من كبار المستثمرين في تقنية الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت— لا يعتبران الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت هى التهديد الوحيد لروادعهما النووية. كما تساورهما مخاوف جدية بشأن الأسلحة التقليدية بالغة الدقة التي تسيير بسرعة أقل من سرعة الصوت. إن حظر تجارب الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت لن تعالج وحدها مخاوف روسيا والصين بشأن بقاء روادعهما النووية—فما هي إذن الحوافز التي تجعل هذه الدول تقوم بحظر تجارب الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت؟

ثالثا، يبدو أن روسيا والصين تسعيان للحصول على صواريخ تفوق سرعة الصوت على وجه التحديد لأنهما تشعران بالقلق إزاء بقاء قواتهما النووية. إن استثمار روسيا في هذه التقنية، على سبيل المثال، يبدو نابعا من رغبتها في امتلاك نظام إيصال قادر على اختراق أي نظام دفاع صاروخي أمريكي في المستقبل. وقد ينطبق الأمر نفسه على الصين. وإذا لم يمكن تبديد مخاوف موسكو وبكين بشأن الدفاع الصاروخي الأمريكي، فسيكون من الصعب جدا اقناع روسيا أو الصين بالموافقة على حظر أو تعليق تجارب الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت. وفي الواقع، فإن الخلافات بشأن الدفاع الصاروخي تزداد حدة في ظل الأزمة الأوكرانية، والاقتراحات العلنية لبعض المحللين الأمريكين بأن الدفاعات الصاروخية الامريكية يجب ان تستهدف الصواريخ الروسية.

الجانب التقني. وبجانب هذه الاعتبارات الاستراتيجية، هناك مجموعة من المشاكل التقنية سوف تزيد من صعوبة تحقيق معاهدة لحظر تجارب الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، كما يأمل جوبرد. أولا، تعتمد صواريخ كروز التي تفوق سرعة الصوت على تقنية المحركات النفاثة، التي لها أيضا استخدامات مدنية محتملة. وقد اقترح جوبرد في مقاله الأول، لدرايته بهذه المسألة، أن يتم السماح بإجراء اختبارات لـ"المركبات التي قد يكون من المنطقي أنها طائرات فضائية" في ظل معاهدة لحظر تجارب تلك الصواريخ. لكن هذا سوف يخلق ثغرة كبيرة من شأنها القضاء على جدوى معاهدة لحظر تلك التجارب. في الواقع ستكون "طائرات الفضاء" التي سيتم السماح باختبارها، وفقا لاقتراح جوبرد، عبارة عن مركبات جذابة للغاية لنقل الذخائر أو إجراء مهمات عسكرية أخرى. وعلاوة على ذلك، فإن تطوير طائرات فضائية مدنية كبيرة قد يبدأ ببناء واختبار مركبات أصغر حجما— والتي سيكون من الصعب جدا التمييز بينها وبين صواريخ كروز التي تفوق سرعة الصوت. كما سيكون حتى من الممكن بناء صواريخ كانت في الحقيقة نسخا مصغرة من طائرات فضائية كبيرة الحجم.

ثانيا، قد لا يكون من الممكن التمييز بشكل قابل للتحقق بين المركبات الطائرة الدافعة التي تفوق سرعة الصوت وبين الصواريخ الباليستية الحالية التي يتم توجيهها إلى نقطة النهاية. فكلتا التقنيتين تعتمدان على صواريخ تعزيز لإيصال مركبات عائدة قادرة على المناورة إلى ارتفاعات الإطلاق، بحيث تسيير بعدها المركبات العائدة بسرعة تفوق سرعة الصوت. الاختلاف الوحيد يكمن في نهاية مسار الصواريخ البالستية ومدى قدرة المركبات العائدة على المناورة. ويجري حاليا بالفعل اختبار ونشر صواريخ باليستية يتم توجيهها إلى نقطة النهاية— كما يتبين ذلك من الصاروخ البالستي الصيني (DF-21D)  المضاد للسفن. إن رسم فروق واضحة بين هذه الأسلحة والصواريخ التي تفوق سرعة الصوت قد يكون مستحيلا من الناحية التقنية.

ورغم أني أحب أن أكون مخطئا— فإني لا أعتقد أنه سيتم وضع معاهدة لحظر تجارب الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت في أي وقت قريب. إذ إن الدافع السياسي غير متوفر، والتحديات التقنية هى حقيقة واقعة. ومع ذلك، هناك حاجة ملحة لإجراء مناقشة مستفيضة حول إيجابيات وسلبيات تطوير ونشر الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت. لا يمكن أن تظل برامج تطوير الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت معتمدة على التقنية فحسب. بل يجب أن تكون موجهة بواسطة مشاورات استراتيجية شاملة.

الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت وجدت لتبقى

جادل زميلي في هذه المائدة المستديرة مارك جوبرد لصالح حظر تجارب الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت— وهى مسألة مستبعدة في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة تطوير الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت.

أجرت الصين في السابع من يونيو اختبارا رابعا لمركبتها الطائرةWU-14) ) التي تفوق سرعة الصوت. ويقال إن هذه المركبة قد طارت بسرعة 10 ماخ، وأن الاختبار شمل "مناورات فائقة الحد". بذلك تكون الصين قد أجرت حتى الآن أربعة اختبارات لصواريخ تفوق سرعة الصوت خلال فترة 18 شهرا—ما يدل على أن بكين تولي ضرورة ملحة وأولوية لتطوير التقنية المتعلقة بالصواريخ التي تفوق سرعة الصوت .

تقوم روسيا أيضا بتطوير مركبتها الطائرة ( (Yu-71 التي تفوق سرعة الصوت. ويبدو أن الاختبارات الثلاثة التي أجرتها منذ سبتمبر 2013 (بما في ذلك الاختبار الذي أجرته في فبراير من هذا العام) لم تكن ناجحة، لكن الروس يملكون الوسائل والموارد التقنية اللازمة لتسيير مركبة تفوق سرعة الصوت بنجاح في نهاية الأمر .

عانى الجيش الأمريكي من انتكاسة في أغسطس الماضي بشأن اختبار السلاح الفائق لسرعة الصوت المتقدم (AHW) . لكن الولايات المتحدة لديها تاريخ طويل في مجال تطوير التقنية التي تفوق سرعة الصوت، ولن تثبط انتكاسة الصيف الماضي خطط واشنطن في هذا الصدد.

إن أنظمة الأسلحة توفر فقط ردعا حقيقيا عندما تظهر قدراتها من خلال الاختبارات. ولا يمكن للمرء أن يتصور الظروف التي في ظلها يمكن أن تقوم الدول التي تشتمل خططها الأمنية على صواريخ تفوق سرعة الصوت بتأييد أو دعم معاهدة لحظر اختبارات الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت. على العكس، فإنه يبدو من المؤكد أنها ستقوم بإجراء اختبارات من أجل اتقان هذه التقنية. وبعد أن تكون قد أتقنتها تماما، ربما يمكن بعدها أن تناقش مسألة وضع معاهدة لحظر تلك التجارب.

قد يكون من المفيد في هذا الصدد إلقاء نظرة على معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية لعام 1963، والتي حظرت اختبارات الأسلحة النووية في الجو وبعض البيئات الأخرى. ففي الوقت الذي وضعت فيه المعاهدة، كانت أربع دول قد قامت بالفعل بإجراء اختبارات في الغلاف الجوي (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا). كما قامت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بإجراء تجارب نووية في الفضاء— واكتسبتا معرفة مباشرة بالعواقب الوخيمة لاختبارات الفضاء. ولم يتم إجراء أية اختبارات في الغلاف الجوي منذ عام 1980— لكن التفاوض بنجاح بشأن حظر التجارب لم يتم إلا بعد أن برهنت الدول الرئيسية على موثوقية تصاميم أسلحتها من خلال عدد كاف من الاختبارات.

وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من الاختبارات التي أجرتها بعض الدول على أسلحة قتل حركية مضادة للأقمار الصناعية— والمخاطر المحيطة بهذه الاختبارات معروفة جيدا— فإن المجتمع الدولي لا يعمل على فرض حظر على الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية. بدلا من ذلك، فإنه يناقش لوائح قواعد السلوك وقواعد الطريق، وهلم جرا. وببساطة، فإن الدول لا تتعجل بصفة عامة في فرض حظر على تجارب الأسلحة الجديدة.

إن اقتراح جوبرد بأن تبادر الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند بوقف غير رسمي لهذه الاختبارات هى فكرة مُجهضة من البداية. إذ لم تصل بعد التقنية التي تفوق سرعة الصوت إلى التصميم الناضج— خلافا لتقنية الأسلحة النووية في أوائل الستينات. ولذلك فمن المستبعد أن نتوقع أن تقترح واشنطن أوبكين أوموسكو وقفا للاختبارات. وسوف تتمثل أولوية الهند في الوصول إلى مرحلة الاختبار.

حتى إن بعض الدول التي لا تطور حاليا قدرات تفوق سرعة الصوت من المرجح ان تنضم إلى ركب الدول التي تطور صواريخ تفوق سرعة الصوت، وذلك استجابة منها إلى سيناريوهات تهديد حقيقية أو متصورة. ومع ذلك، فقد تقوم دول أخرى، على الرغم من عدم مقدرتها من الناحية التقنية على تطوير صواريخ تفوق سرعة الصوت، بمعارضة فرض حظر للاختبارات، وذلك لأنها قد ترغب في يوم من الأيام في شراء صواريخ تفوق سرعة الصوت، أو لأنها تعتقد أنه يمكنها الاستفادة من انتشار التقنية التي تفوق سرعة الصوت.

وفي ظل القوة التدميرية الكثيرة الموجودة بالفعل، تصبح الحاجة إلى صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت أمرا قابلا للنقاش. لكن في العالم الحقيقي، للأسف، يكون جدول الأعمال موجها من قبل الدول القوية والمتقدمة تقنيا. ويميل جدول أعمال هذه الدول إلى أن يكون بعيدا كل البعد عن المفاهيم المثالية. إن تقنية الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت وجدت لتبقى— لكن، كما كتب تونغ تشاو في مقاله الأول، يجب على الدول التي تخطط لتطوير ونشر أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت "السعى بنشاط لاتخاذ خطوات أحادية الجانب والتي من شأنها إحباط زعزعة الاستقرار".

الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت: “لِمَ؟” و”لِمَ لا؟”

إن الأمل في المستقبل بالنسبة لكثير من الناس يتلخص في كلمات جورج برنارد شو: "أنت ترى أشياء موجودة وتتساءل "لِمَ؟" أما أنا فأحلم بأشياء لا وجود لها وأتساءل " لِمَ لا؟". لكن عندما يكون العالم مهددا بسباق تسلح متصاعد، مدفوع جزئيا بأحلام مصممي الأسلحة، فيجب أن يبدأ الأمل بالتساؤل بـ" لِمَ؟".

في الجولة الأولى من هذه المائدة المستديرة، لم يقدم كل من راجارام ناجابا وتونغ تشاو أسبابا وجيهة تبين لنا لِمَ ينبغي القيام بتطوير صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت. بدلا من ذلك، أوضح كلا المؤلفين بعض الأسباب الدالة على أن تطوير هذه الأسلحة أمر خطير وغير مرغوب فيه. لكن يبدو أن كلاهما يفترض أنه سيتم تطوير صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، وذلك في ظل عدم وجود سبب خاص ومقنع للغاية للقيام بخلاف ذلك.

لم أجادل يوما في أن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت تمثل تصعيدا للتهديدات، لكن هذه الأسلحة، كما يتفق ناجابا وتشاو، تبدو ملاءمة أكثر للقيام بهجوم استراتيجي. إن وضع معاهدة لحظر تجارب هذه الصواريخ ستكون إجراءً فعالا للغاية وبسيطا ويمكن التحقق منه لمنع أحد الطرق الخطيرة المؤدية إلى سباق تسلح خطير للغاية. لذلك أنا أتساءل "لم لا؟"

لكن ناجابا رفض هذه الفكرة معتبرا إياها "ليست نهجا عمليا". وكتب تشاو يقول إنه لا يمكن "تحقيقها بشكل واقعي". لكن لم يجادل أي منهما بأن حظر التجارب سوف يؤدي إلى نتائج عكسية أو أنه لا يمكن التحقق منها أو أنها ستفشل في منع تطوير الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. إن زميلىّ في هذه المائدة المستديرة هما ببساطة متشائمان.

ليست صعبة بصفة خاصة. ادّعى كلا المؤلفين بأنه سيكون من الصعب من الناحية التقنية التفاوض حول معاهدة لحظر التجارب. لكني أعتقد أنه بالمقارنة مع غيرها من المشاكل المتعلقة بالحد من التسلح، فهذه المعاهدة لن تكون صعبة بصفة خاصة. لقد قام ناجابا بطمس الحدود الفاصلة بين الصواريخ البالستية والصواريخ الفائقة لسرعة الصوت عندما كتب يقول إن المركبات العائدة للصواريخ الباليستية تسير "بسرعة تفوق سرعة الصوت". لكن الجزء الأكبر من سيرها هذا يتم فوق الغلاف الجوي، حيث لا ينطبق مفهوم السير بسرعة تفوق سرعة الصوت؛ إذ تُعرف الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت بقدرتها على تحمل الاختراقات عبر الغلاف الجوي لمسافات طويلة بسرعة تفوق سرعة الصوت. بينما يؤكد تشاو على أنه "لا يمكن إجراء أي تمييز تقني واضح" لتحديد الأسلحة التي سيتم حظر اختبارها. لكن الحجم والسرعة ونوعية الدفع ومسافة الرحلة الفائقة لسرعة الصوت هي بعض المعايير التي يمكن استخدامها في هذا الصدد.

إن ما قد يؤدي إلى صعوبات في المفاوضات هو انعدام الإرادة السياسية، وخاصة إذا استمرت الاختبارات وحاولت الأطراف التلاعب في المعايير الفنية لمعاهدة الحظر من أجل إدراج  أو استثناء أنظمة معينة في عملية التطوير. وهذا هو أحد الأسباب الجيدة لبدء جهود حظر التجارب بوقف اختياري أحادي الجانب والذي يمكن أن يرسخ دعائم النوايا الحسنة والأهداف المشترك.

كما جادل ناجابا أيضا بأن بعض الدول ستنظر إلى معاهدة حظر التجارب على أنها تمييزية، لأن الولايات المتحدة والصين وروسيا قد اختبرت بالفعل نماذج تجريبية. لكن في ظل معاهدة لحظر التجارب، سوف تتخلى جميع الدول عن تطوير أسلحة قابلة للاستخدام الفعلي. وفي الوقت نفسه، فإن الفجوة المعرفية بين الدول سوف تنغلق بمرور الوقت نتيجة لتطوير ونشر المواد الفضائية ذات الصلة، وتقنيات الدفع (والتي لا يجب عرقلة استخداماتها في الأغراض السلمية بواسطة معاهدة لحظر التجارب).

 استخدام قليل ومخاطر حقيقية. يعطي تشاو مصداقية كبيرة للفائدة العسكرية للأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. وأنا أتساءل كيف يمكن أن تكون مفيدة. فالصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت غالية الثمن. كما أن حمولتها الصغيرة تحد من معدل الفتك إلا إذا قامت بحمل أسلحة النووية. أما الصواريخ الباليستية فتصل إلى أهدافها بشكل أسرع. يمكن أن تكون صواريخ كروز التي تقل سرعتها عن سرعة الصوت متخفية ويمكن توجيهها لأهداف صغيرة، في حين أن درجات الحرارة القصوى والصدمات الناجمة عن الصواريخ التي تسير بسرعة تفوق سرعة الصوت فسوف تعلن عن وجودها وتبقيها عمياء. وفي السيناريو الذي تصوره تشاو عن هجوم الولايات المتحدة على الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، يمكن للصواريخ الباليستية أو صواريخ كروز التي تقل سرعتها عن سرعة الصوت والتي تطلق من الجو أو البحر أو الأرض من مكان قريب أن تحقق أزمنة طيران أقصر وزيادة في معدل الفتك مقارنة بالصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والتي يتم إطلاقها من مسافات بعيدة. كما أنه ليس هناك حاجة للصواريخ الفائقة لسرعة الصوت لضمان الردع النووي. إذ يمكن أن تكون في مأمن من الدفاعات الصاروخية البالستية غير المصممة لاعتراضها، لكنها ستكون عرضة للدفاعات المناسبة لها. إضافة إلى أنها لن تكون قادرة على اشباع أنظمة الدفاع بالشراك الخداعية خفيفة الوزن مثلما تفعل الصواريخ الباليستية.

لن تكون الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، إذا تم نشرها، هى أول أسلحة مشكوك في فائدتها تقوم بتعكير صفو العلاقات الدولية وتصعيد سباق التسلح وزيادة خطر نشوب حرب. ولكن لم نفعل ذلك مجددا؟ ألن تكون معاهدة لحظر التجارب هى البديل المفضل؟

Round 3

ما يمكن فعله: الحد من أضرار الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت

إن إحدى المفارقات الرئيسية في السباق الحالي للتسلح بصواريخ تفوق سرعة الصوت هى أن الولايات المتحدة—البادئة والمتصدرة لهذا السباق— لم تحصل حتى الآن على أي ميزة عسكرية من التقنية التي تفوق سرعة الصوت، بل إنها تستشعر تهديدات ناشئة منها. وفي الحقيقة، أظهر تقرير صادر عن لجنة مجلس النواب الأمريكي حول مشروع قانون تفويض الدفاع لعام 2015 مخاوفا من أن "الصين ودولا منافسة أخرى تشكل تحديا متزايدا للتفوق التقني للولايات المتحدة في … الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت". وطلب التقرير من البنتاجون "توضيح الطريقة التي تعتزم وزارة الدفاع من خلالها تطوير ونشر قدرات دفاعية لمواجهة هذا التهديد الناشئ". لذلك، أصبح سباق الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت، مثل السباقات الأخرى في مجال التقنيات العسكرية، دوامة ذاتية الاندفاع. وتقوم الأمم المهتمة بامتلاك صواريخ تفوق سرعة الصوت، اقتناعا منها بأن الأسلحة الأسرع هي أسلحة المستقبل، باعتماد الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت دون التفكير في مزاياها وعيوبها— وبخاصة دون التفكير في ردود أفعال الدول الأخرى.

إن زميلي في هذه المائدة المستديرة مارك جوبرد، الذي يقترح فرض حظر على تجارب الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، يبحث عن حلول لسباق الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت. وأنا أحيّيه على ذلك. كما أشترك معه في شكوكه العامة حول القيمة العسكرية للصواريخ التي تفوق سرعة الصوت. لكن نقطة خلافنا تكمن في مدى إمكانية حظر تلك التجارب.

يقترح جوبرد أن يبدأ المسار نحو حظر التجارب بوقف إحادي الجانب لتك التجارب. لكن هذه الفكرة لن تنجح ما لم توافق الولايات المتحدة على المشاركة في الأمر— إذ إن الولايات المتحدة لم تبد اهتماما كبيرا بالتزامات الحد من الأسلحة التي لا يمكن التحقق منها بشكل فعال. ومن الأمثلة البارزة على ذلك معاهدة منع وضع الأسلحة في الفضاء الخارجي، وهى أحد تدابير الحد من التسلح التي اقترحتها روسيا والصين في عام 2008، لكن واشنطن رفضتها مرارا بسبب مخاوفها المتعلقة بإمكانية التحقق منها. وخلافا لما يعتقده جوبرد، لن يكون من السهل مطلقا التحقق من معاهدة لحظر تجارب الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت— وذلك للأسباب الفنية التي تناولتها في مقالي الثاني.

إذن، فما هى الاستجابة الممكنة للمشاكل التي تشكلها الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت؟ إحدى الطرق، برغم كونها بعيدة عن المسار المثالي، هى أن تمتنع الدول بشكل أحادي الجانب عن تبني سياسات مزعزعة للاستقرار فيما يتعلق بنشر واستخدام التقنية التي تفوق سرعة الصوت. وكنت قد قدمتُ في مقالي الأول بعض الأفكار المحددة في هذا السياق. أولا، يمكن أن تتعهد الدول بعدم استخدام الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت ضد أهداف نووية. ثانيا، يمكن أن تتخلى الدول عن استراتيجيات قد تكثف من"ضباب الحرب" وتؤدي إلى تصعيد غير مقصود— مثل توجيه ضربات وقائية بصواريخ تفوق سرعة الصوت ضد مراكز القيادة والسيطرة والاتصالات.

في الوقت نفسه، ناشد زميلي في هذه المائدة المستديرة راجارام ناجابا جميع الدول أن تمتنع عن تسليح الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت برؤوس نووية. إن اقتراحه هذا سوف يسهم في تحقيق الاستقرار، وذلك من خلال المحافظة على وجود تمييز واضح بين أنظمة إيصال الأسلحة النووية والتقليدية. لكن إمكانية تنفيذ اقتراحه تعتمد إلى حد كبير على التهديدات التي تستشعرها روسيا والصين بشأن قدرات الدفاعات الصاروخية الأمريكية في المستقبل. بمعنى أن موسكو وبكين تسعيان لامتلاك أسلحة تفوق سرعة الصوت للتحوط في المقام الأول ضد الدفاعات الصاروخية الأمريكية في المستقبل، والتي قد تقوض قدرات روسيا والصين لإيصال روادعهما النووية بواسطة الصواريخ الباليستية. وقد أشار جوبرد إلى أنه سيكون من السهل نسبيا الدفاع ضد الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت— لكني لست متأكدا من ذلك. وعلى وجه التحديد، سيكون تحديا كبيرا للغاية من الناحية التقنية بناء نظام "دفاع عن منطقة" (في مقابل "دفاع عن نقطة" الأكثر سهولة) ضد الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت. إن عدم التيّقن التقني، في هذه المرحلة من تطوير صواريخ تفوق سرعة الصوت، يجعل من المستحيل التوصل إلى استنتاجات قاطعة حول فعالية هذه الصواريخ ومدى تعرضها للتدابير الدفاعية.

إن التوصل إلى توافق في الآراء حول حظر تلك التجارب سيكون صعبا للغاية. لكن أحد الطرق العملية في هذا الصدد هو أن تضمن الدول أنه سوف يتم تضمين الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، إذا أردنا أن يتم صُنعها ونشرها، في مناقشات الحد من الأسلحة النووية وأن تكون جزءا لا يتجزأ من ترتيبات الحد من أو تخفيض الأسلحة الاستراتيجية.

الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت: تتوجه إلى حيث تتجه التقنية

يتفق المشاركون في هذه المائدة المستديرة على نقطة واحدة: هى أن العالم يمتلك بالفعل ما يكفي من القدرات التدميرية وليس هناك حاجة لإضافة المزيد منها. لكن في حين يدعو مارك جوبرد إلى وضع معاهدة لحظر تجارب الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، أشعر أنا وتونغ تشاو أن تلك التقنية الفائقة لسرعة الصوت سوف تبقى— في مختلف الأحوال.

إن تطوير التقنية يأخذ عموما منحنى على شكل حرف (S) ، حيث تأتي التحسينات ببطء في مراحل التطوير الأولى. ثم لاحقا، تسمح الطفرات التقنية بتحقيق تحسينات سريعة. وفي النهاية، تصل التقنية إلى حدودها المادية، حيث يمكن إجراء تحسينات قليلة، ثم يثبت المنحنى عند هذا المستوى. وقد وصلت الصواريخ الباليستية إلى المرحلة الأخيرة. ولا يمكن التغلب على حدود أدائها إلا من خلال تطوير تقنية جديدة— مثل الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت.

تقدم الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت وسيلة لإكتساب التفوق العسكري والحفاظ عليه، وذلك بسبب سرعتها وسرعة إيصالها. ومن غير المعقول أن الدول التي استثمرت بالفعل للحصول على هذا التفوق ستوافق على وضع معاهدة لحظر تجارب الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت.

وحتى لو كانت هذه الدول مستعدة للقيام بذلك، فسيكون من الصعب للغاية التحقق من صحة هذه المعاهدة— وذلك خلافا لما يقوله جوبرد. إذ يجب دفع كل من المركبات الطائرة التي تفوق سرعة الصوت وصواريخ كروز التي تفوق سرعة الصوت إلى الارتفاعات التي تطلق منها بواسطة صواريخ باليستية. وبالتالي، فهى تقدم بصمة للأشعة تحت الحمراء (يتم رصدها من الفضاء) ومقطعا عرضيا راداريا مشابهين للصواريخ الباليستية. وكما قال تونغ تشاو في مقاله الثاني "إن رسم فروق واضحة بين [الصواريخ الباليستية التي يتم توجيهها إلى نقطة النهاية] والصواريخ التي تفوق سرعة الصوت قد يكون مستحيلا من الناحية التقنية".

كذلك ستكون أي معاهدة لحظر تلك التجارب متحيزة ضد الدول التي لم تبدأ اختبارات برامجها الخاصة— وذلك أيضا خلافا لما يقوله جوبرد. إذ كتب جوبرد أن معاهدة حظر التجارب لن تتسم بالتحيز في المجال العسكري لأن "سوف تتخلى جميع الدول عن تطوير أسلحة قابلة للاستخدام الفعلي"، ولن تتسم بالتحيز في المجال المدني لأنّ "الفجوة المعرفية بين الدول سوف تنغلق بمرور الوقت". ولكن في رأيي، فإن الفجوة لن تنغلق، لأنّ التقنية التي تفوق سرعة الصوت هى بطبيعتها ذات استخدام مزدوج. لذلك، فإن الدول التي ترغب في الحفاظ على المزايا العسكرية سوف تحرص على عدم انتشار التقنية المدنية التي تفوق سرعة الصوت. وفي النهاية، ما الذي يضمن ألا يتم تسخير التقنية المدنية التي تفوق سرعة الصوت في تطبيقات الصواريخ؟

حلول حتمية. تساءل جوبرد في مقاله الثالث "ما هى تلك الميزة [للصواريخ التي تفوق سرعة الصوت]"، وقال إنها "لن تكون قادرة على تدمير العديد من الأهداف الصعبة الثابتة بدون تزويدها برؤوس حربية نووية". لكن بدون معرفة مواصفات تصميم الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، فسيكون من الصعب تخمين مدى حجم حمولتها وقدرتها التدميرية وتكلفتها، وما شابه ذلك. صحيح أن قدرة الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت ستكون محدودة بشكل واضح في بعض النواحي— على سبيل المثال، يبدو أن الأهداف الثابتة غير الحصينة فقط هى التي ستكون عرضة لهجمات الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت. لكن سيكون من الصعب الوصول إلى الأهداف الموجودة داخل تحصينات قوية عميقة تحت الأرض. ويمكن أن تحقق الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت اختراقات عميقة وذلك بحكم طيرانها بسرعات عالية جدا، لكن حمولتها المتفجرة في هذه الحالة ستكون أصغر— وحجم الدمار الذي يمكن أن تخلقه سيكون أقل.

تلك فقط هى واحدة من العديد من القضايا التي يجب أن تتغلب عليها الدول التي تقوم بتطوير تقنيات تفوق سرعة الصوت قبل قيامها بنشر هذه الأسلحة—لكن بينما تسيير التقنية التي تفوق سرعة الصوت بشكل حتمي في المنحنى الذي يتخذ شكل حرف (S) ، سيتم إيجاد حلول. لكن السؤال هو متى يمكن تحقيق ذلك. هذا بدوره يعتمد على الإرادة السياسية وتمويل الأولويات في الدول الني تسعى للحصول على صواريخ تفوق سرعة الصوت. إن الشيئ المؤكد هو أن الدول التي تطور بالفعل صواريخ تفوق سرعة الصوت— وهى دول قوية مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا— لن توافق على وضع معاهدة لحظر تلك التجارب إلا بعد أن تتغلب على جميع العقبات التقنية. لذا، فإن وضع معاهدة لحظر تلك التجارب لا تبدو في الأفق.

الصواريخ التي التفوق سرعة الصوت: أشياء عديمة المنفعة

اقترحت في هذه المجلة في سبتمبر الماضي فرض وقف وفي النهاية حظر لاختبارات الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت. وفي الشهر التالي، اقترح اللفتنانت كولونيل جيف شراينر بسلاح الجو الأمريكي فكرة مماثلة في الولايات المتحدة. العقبة الرئيسية أمام تشريع هذا الاقتراح هو مجرد الشك— وهو نفس الشك الذي تواجهه في البداية كل مبادرة ناجحة للحد من التسلح.

وعلى الرغم من أن زميلىّ في هذه المائدة المستديرة راجارام ناجابا وتونغ تشاو يتشككان في إمكانية فرض معاهدة لحظر تلك التجارب، فهما لا يجادلان لصالح الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت. إذ يعتقد تشاو أنه من غير المحتمل وضع معاهدة لحظر تلك التجارب، لكنه قال "أحب أن أكون مخطئا". ويصور ناجابا الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت على أنها تمثل "حالة من عدم الاستقرار وربما سيناريوهات تصعيدية للصراع". لكنه يعتقد أنه يجب الانتظار قبل وضع معاهدة لحظر تلك التجارب إلى أن يتم إتقان التقنية المتعلقة بتلك الأسلحة.

وأشار ناجابا في مقاله الثاني إلى أن معاهدة عام 1963 بشأن حظر التجارب النووية في الغلاف الجوي قد وضعت نتيجة لتمام إتقان الأسلحة النووية في تلك الفترة. لكني أعتقد أن الحكومات كانت مضطرة، في أعقاب أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، لاتخاذ قرار حيال الغضب العالمي بشأن خطر الحرب النووية والتسمم الإشعاعي للهواء والماء. "ماذا فعلوا للمطر؟" تساءلت إحدى الأغنيات في تلك الأونة. واليوم بينما تقوم الدول بإعادة إثارة سباق التسلح بشكل عبثي، أريد من الناس أن تتساءل "ماذا يفعلون للغد؟".

وكما لاحظ ناجابا، فإن الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت ليست هى الوحيدة التي يتم تطويرها بشكل سريع ولكن أيضا الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية— وأود أن أضيف الأسلحة المستقلة وفئات أخرى إلى هذه القائمة. لذا، يجب على المحللين والمنظمات غير الحكومية الدعوة إلى تغيير في اتجاه المسار الحالي، بدلا من السير مع التيار.

معتقد خاطئ. بصفتي أمريكي، أحث حكومة بلدي لأخذ زمام المبادرة للتحكم في الأسلحة الوقائية— وليس تصدّر السباق نحو خطر جديد. لكني لا أشعر بأنه يحق لي إخبار حكومات الدول الأخرى بأنه ينبغي عليهم أن يكونوا مثالا يحتذي بشكل أفضل من واشنطن. ولكن أنا واثق من أن الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت لن تعزز الأمن القومي لأية دولة.

المؤيدون للصواريخ التي تفوق سرعة الصوت يهتفون بأن "السباق قائم" للحصول على "ميزة استراتيجية كبيرة". ولكن لا أحد يبدو قادرا على توضيح ما هى تلك الميزة. وكما كتب تشاو "الاعتقاد بأن الابتكار التقني هو أفضل وسيلة لمواجهة التحديات الأمنية بمثابة عقيدة راسخة" في الولايات المتحدة— ولكن هذا الاعتقاد لا يقتصر على دولة واحدة. فروسيا والصين يظهران نفس هذا الاعتقاد الخاطئ من خلال سعيهما للحصول على الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت باعتبارها أسلحة مضادة للدفاعات الصاروخية الأمريكية غير الفعالة.

كما أنه ليس هناك سبب يدعو للاعتقاد بأن اعتراض الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت سيكون أصعب من اعتراض الصواريخ الباليستية. فكثيرا ما يشار إلى قدرة الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت على إجراء مناورات مراوغة، لكن قدرتها على رؤية الصواريخ الاعتراضية تكون محدودة بشدة بالحرارة المرتبطة بالطيران فوق الصوتي والآثار المدمرة على أجهزة الاستشعار. في حين يمكن أن تكون الصواريخ الباليستية مجهزة بقدرات مناورة، ويمكنها ايضا أن ترى الصواريخ الاعتراضية. كما يمكن أن تكون الصواريخ الباليستية مخفية داخل شراك خداعية خفيفة الوزن، في حين يكون من السهل ملاحظة الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت بواسطة الرادارات وأجهزة الاستشعار العاملة بالأشعة تحت الحمراء.

يصوّر المسؤولون الامريكيون الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت على أنها بدائل للأسلحة النووية لتوجيه ضربات استراتيجية، لكنها لن تكون قادرة على تدمير العديد من الأهداف الصعبة الثابتة بدون تزويدها برؤوس حربية نووية. وقد لا يمكن إخفاؤها، كما قد تجد صعوبة في استخدام أجهزة الاستشعار للقيام بالملاحة الدقيقة— أو لتحديد واستهداف الأهداف المتحركة التي قد تنطلق بسرعة من مكانها قبل وصول الصواريخ.

إن أي دولة قد تتعرض لهجوم، كما أوضح ناجابا، لا يمكنها أن تعرف المكان الذي يستهدفه صاروخ فائق لسرعة الصوت أو ما إذا كان يحمل رأسا حربيا نوويا. وكما كتب تشاو "يجب رفض أي استراتيجية من شأنها إخفاء الخط الفاصل بين الحرب التقليدية والنووية". لكن من المخاطرة أيضا المراهنة على أنه يمكن استبعاد خطر نشوب حرب نووية جرّاء أي حرب قد تنشب بين القوى النووية.

أنا لا أقلق كثيرا بشأن التعاريف أو الفروق أو المشاكل التقنية الأخرى المتعلقة بالحد من الأسلحة فيما يختص بالصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، ولا أقلق بشأن قيام بعض الدول بمحاولة الالتفاف على معاهدة لحظر تلك التجارب من خلال التنمية السلمية المزعومة لتقنية الطائرات الفضائية. لكن أي "خروج" مفاجئ عن معاهدة لحظر اختبارات الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت لا يمكن أن يبقى سرا في أي حال. ولن يضفي ذلك أي ميزة عسكرية حاسمة أو قابلة للاستخدام الفوري، وسوف تحذو الدول الأخرى ببساطة حذو الدولة الخارجة على نظام المعاهدة. ستكون الدولة المنشقة قد قامت فقط بإضاعة الفرصة لتجنب جولة جديدة من سباق تسلح متوقف حاليا لكنه خطير للغاية.

دعونا ننتهز الفرصة بينما لا تزال قائمة حاليا، إذ إن الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت هى أشياء عديمة المنفعة.


Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]