زيادة الوصول الى الطاقة من شأنه تحسين حياة المرأة

ddroundtable.png

يشكل عدم الوصول إلى خدمات الطاقة الحديثة مشكلة ملحة في العالم النامي، والمرأة ليست الأقل تضرراً من ذلك. فوفقا لسلسلة من التقارير التي يرعاها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، هناك مليار شخص في جميع أنحاء العالم يتلقون الرعاية الصحية في مستشفيات محرومة من الكهرباء، وتحدث 99 في المئة من وفيات الولادة في البلدان النامية بسبب سوء المرافق الصحية. تقضي العديد من النساء الفقيرات الكثير من الوقت في أعمال شاقةالتي ربما تم أداءها بسهولة أكثر في حال توفرت الطاقة  كما أن الاعتبارات المتعلقة بالسلامة غالبا ما تمنع النساء من الخروج ليلا، حيث لا توجد إنارة في الشوارع. كما يعاني الأطفال أيضا بسبب نقص الطاقة - فأكثر من 50 في المئة من أطفال العالم يلتحقون بمدارس ابتدائية تفتقر إلى الكهرباء، وهذا يمكن أن يؤدي إلى نتائج تعليمية سيئة بشكل ملحوظ . يمكن تحسين الوصول الى خدمات الطاقة الحديثة من خلال العمل، ضمن تدابير أخرى، على إنشاء مشاريع توليد الطاقة الكهرومائية الصغيرة، وتسهيل استخدام نظم الطاقة الشمسية المنزلية، أو توفير شبكة كهرباء (والتي في حد ذاتها قد يتم إنتاجها باستخدام أنواع الوقود التقليدية أو من خلال وسائل متجددة). فيما يلي يجيب كل من ديباك جياوالي من نيبال، وكالبانا شارما من الهند، وتراي مومبوني من اندونيسا على السؤال التالي: ما هي طرق  زيادة  الوصول الى الطاقة الأكثر نجاعة لتحسين حياة النساء والأطفال الفقراء في العالم النامي؟

الآن نحن معكم من خلال تويتر. تابعونا على @Bulletin_Arabic

Round 1

توفير الطاقة للقرى والنساء والعائلات

تحقق إندونيسيا تقدماً اقتصادياً ملحوظاً بكل المقاييس. ووفقاً لتصريحات البنك الدولي، فقد عاش 17.8% من الإندونيسين تحت خط الفقر عام 2006 لكن هذا العدد انخفض الآن إلى نحو 12%. وفي الوقت الراهن، يمكن أن يصبح اقتصاد الدولة هو أكبر سابع اقتصاد بحلول عام 2030، وهو  في الوقت الراهن يمثل أحد أكبر الاقتصاديات في العالم في المرتبة السادسة عشر. توضح شركة الاستشارات الإدارية "ماكنزي وشركاه" أن 45 مليون من الشعب الإندونيسي البالغ عدد سكانه 240 مليون نسمة ينتمون للفئة المستهلكة ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 170 مليون نسمة في أقل من عقدين. وتشهد عملية التحضر في إندونيسيا نمو متزايداً: حيث يعيش 53% من السكان في المدن ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد إلى 71% بحلول عام 2030.

ولكن ماذا تعني هذه الأرقام الإجمالية بالنسبة للإندونيسين– وخاصة بالنسبة للمرأة الريفية — الذين لم تتأثر حياتهم حتى الآن بالازدهار المتنامي؟ عندما يتعلق الأمر بقضايا الطاقة، نجد أن هذه الأرقام لا تعني شيئاً.

إن إندونيسيا دولة مفعمة بمصادر الطاقة لكن معدل الكهرباء بها 57% فقط  وعندما يكون هناك نقص في موارد الطاقة وخاصة في القرى، فإن المرأة هي التي تعاني من هذا النقص على الأغلب حيث يقع على عاتقها جمع الحطب، والذي يعتبر مصدر الطاقة الرئيسي بالنسبة لمعظم العائلات. وتقوم السيدات في القرى أيضاً بإعداد الطعام وتدبير مياه الشرب وتعتبر هذه المهام صعبة للغاية عند عدم توفر خدمات الطاقة الحديثة. في العائلة الإندونيسية التقليدية، وخاصة في المجتمعات الريفية، تعتبر المرأة هي العمود الفقري للرفاهية الاقتصادية بالعائلة وتتحمل النساء أكبر الأعباء عند عدم إتاحة مصادر الطاقة الحديثة.

تركز "آى بي إي كيه أيه"، وهي المنظمة غير الحكومية التي أعمل كمدير تنفيذي لها، بشكل خاص على التنمية الريفية وتعمل بشكل رئيسي على مساعدة المناطق الريفية لتحقيق إمكانياتها الاقتصادية حيث تزودهم بتكنولوجيات الطاقة المناسبة. وتسعى "آى بي إي كيه أيه" أيضاً إلى حماية البيئة وبناء الوعي بأهمية القضايا البيئية في التنمية.

هذا ويمكن توفير الطاقة المتجددة عن طريق توربينات الرياح والألواح الشمسية والغاز الحيوي، من بين مجموعة أخرى من التقنيات. ولكن في إندونيسيا، وهي دولة تنعم بموارد هائلة من المياه، يعتبر توليد الكهرباء عن طريق المياه– بمعنى استخدام المياه على أصغر النطاقات لتوليد الكهرباء — الطريقة الأكثر ملائمة.

يمكن إنشاء مشروعات توليد الطاقة الكهرومائية الصغرى بالاعتماد على مخططين، أولهما توليد الطاقة لمحطة مستقلة لا ترتبط بالشبكة الوطنية ويتم بناء مثل هذا النظام من قبل المجتمع لاستخدامه الخاص ويشارك المجتمع في التخطيط منذ المراحل الأولى ويصبح مسئولاً، ، عن إدارة وتشغيل وصيانة ذلك النظام بعد تلقي التدريب التقني والإداري كما يخضع ذلك النظام أيضاً لملكية المجتمع ذاته.

وتفي الكهرباء التي يتم توليدها باحتياجات الإضاءة الأساسية لكن المرأة الريفية تستخدم الكهرباء أيضاً لمهام تتعلق بالزراعة مثل صناعة زيت الباتشولي وزيت عشب الليمون وتحميص وطحن البن وتجفيف الكاكاو وما إلى ذلك. وتشكل النساء مجموعات عمل تعاونية تمنحها الوضع القانوني من أجل التعامل على قدم المساواة مع الأطراف الأخرى وحينئذ يمكن تحصيل الدخل الجديد وبالتالي ضمان رفاهية العائلات.

أما المخطط الآخر فهو مخطط الاتصال بالشبكة- حيث تنشيء القرية المتصلة بالفعل بالشبكة مرفق مصغر للطاقة الكهرومائية بحيث يمكنها بيع الكهرباء الفائضة لديها. ويتم تخصيص الأموال التي يتم تحصيلها لصندوق تنمية القرية الذي يشرف عليه سكانها وتقوم إدارته على أساس توافق الأراء. في قرية جافا الغربية في سنتا ميكار، حيث تم إنشاء مرفق مصغر للطاقة الكهرومائية عام 2004 بمساعدة منظمة "آى بي إي كيه أيه" وآخرين، يتم استخدام الدخل الناتج في دعم خدمات الرعاية الصحية بالقرية والمنح الدراسية ورأس المال التأسيسي بالإضافة إلى أغراض أخرى ذات صلة بالتنمية. وترأس إحدى السيدات الجمعية التعاونية التي تقوم بإدارة الصندوق كما أن أمينة الجمعية وأمينة الصندوق من النساء أيضاً حيث حصلت هذه السيدات على ثقة المجتمع ويعتبر تأثيرهن في المشروع بأكمله قوي جداً.

في القرى، غالباً ما يكون الأمر أكثر سهولة فيما يتعلق بتطوير نظام البنية الأساسية إذا سعى المرء لإشراك المرأة بشكل كبير منذ البداية — فبمجرد إنشاء البنية التحتية، تكون النساء هن الأكثر استفادة منها في غالب الأمر لكن العائلات بأكملها تحقق الاستفادة في القرية التي تحصل على خدمات كهربائية جديدة عندما يتم إعفاء المرأة من اضطرارها لجمع الحطب وجلب المياه والقيام بمهام أخرى شاقة. إن توفير الطاقة للمناطق الريفية يعمل على تمكين دعم المرأة والعائلات.

الطاقة البديلة لتمكين المرأة

على الطريق المؤدي إلى مرفق الطاقة النووية المثير للجدل في بمنطقة كودانكولام بولاية تاميل نادو جنوب الهند، كان هناك مشهداً غير متوقع يتبدى لأعين الزائرين- طواحين هواء عملاقة ميلاً بعد ميل تدور دون تراخٍ. وقد بدا من غير المنطقي وجود أحد مصادر الطاقة غير الضار بالبيئة مثل طواحين الهواء بالقرب من شيء خطير جداً مثل محطة الطاقة النووية.

إذا تحدثت مع مئات النساء في المنطقة واللاتي خرجن للإحتجاج ضد مرفق كودانكولام على مدار سنوات عدة (رغم حصول منازلهن على إمدادات متقطعة فقط من التيار الكهربائي). فسوف تخبرك النساء بأنهن تفضلن مزيد من التطوير في طاقة الرياح بدلاً من استخدام الطاقة النووية. تتسائل النساء لماذا تصر الحكومة على الاستمرار في امتلاك الطاقة النووية رغم وجود مجموعة من البدائل أقل خطورة؟

إن فرص استفادة هؤلاء السيدات في جميع الأحوال من الكهرباء التي ستولدها محطة الطاقة النووية التي طال انتظارها تعتبر منخفضة للغاية — لأن الكهرباء ستغذي الشبكة ويستخدمها أشخاص آخرين في أماكن أخرى. وفي واقع الأمر فإن ملايين النساء والرجال الذي يعيشون على طول سواحل وأنهار الهند أو في الغابات التي قد تغمرها مشروعات الطاقة الكهرومائية يطرحون السؤال التالي عندما يتم الإعلان عن إقامة مشروع كبير للطاقة في منطقة مجاورة لهم: لمصلحة من هذا؟

لقد أثبت تاريخ المشروعات الكبرى في الهند مراراً وتكراراً أن الأشخاص الذي يعيشون بالقرب من هذه المشروعات- والذين قد يضطرون إلى النزوح أو يعانون من التلوث- نادراً ما يحصلون على أية فائدة من هذه المشروعات. وباعتراف الحكومة ذاتها، فإن نصف الأشخاص الذين يعيشون في القرى تقريباً لا يحصلون على الطاقة. وعلى الصعيد الوطني، فإن أكثر من 400 مليون شخص يعانون من عدم الوصول إلى الكهرباء ويعتبر الأشخاص الأكثر تضررا من النساء- حيث تقضي النساء عدة ساعات كل يوم لجمع الأخشاب واستخدامها كوقود ويشعرن بالخوف من الخروج بعد غروب الشمس نتيجة لنقص الإضاءة الكهربائية كما أن الفتيات يتسربن من المدارس لأن المذاكرة بعد حلول الظلام مستحيلة.

لا يبدو أن الحقائق الآنف ذكرها تشغل اهتمام المسئولين عن وضع سياسة الطاقة في الهند. وإذا كانت تلك الحقائق موضع اهتمامهم بالفعل، لأدركوا أهمية تنمية مصادر بديلة للطاقة. إن شبكة الطاقة المركزية في البلاد لم تف باحتياجات 400 مليون شخص وليس من المحتمل أن تفي باحتياجاتهم في المستقبل القريب. ومع ارتفاع نسبة النزوح إلى المدن، يزداد الطلب على الكهرباء بشكل سريع– أسرع بكثير من العرض. وتواجه كل مدينة من المدن تقريباً عجزاً كبيراً في الكهرباء وتعاني من انقطاعات يومية في التيار الكهربائي ويمتد ذلك خلال شهور الصيف على مدار اليوم بأكمله وقد أصبح ذلك أمراً طبيعياً في معظم مدن الهند. وفي الوقت نفسه، لا يتم توفير قدر كاف من الكهرباء لباقي أرجاء البلاد.

على مدار العديد من العقود، ظهرت العديد من الحلول لهذه المشكلة بالهند ولم تكن هناك إمكانية لتطبيق بعض من هذه الحلول إلا في الوقت الراهن- لكن هذه الحلول لا تكفي لإحداث تغيير حقيقي.

فلنناقش أحد الحلول الواضحة، وليكن الطاقة الشمسية. في دولة تتمتع بأكثر من 300 يوم مشمس في العام في معظم أنحائها، يبدو عدم تولي الطاقة الشمسية دوراً أكبر في تعزيز مصادر الطاقة الأخرى في البلاد لغز. لكن الأمر ليس كذلك في الواقع، لأن الطاقة الشمسية يتم تحقيق الاستفادة القصوى منها كمصدر غير مركزي للطاقة وتفضل الحكومة استخدام طرق مركزية مرتكزة حول رأس المال في توليد الكهرباء.

وعلى سبيل المفارقة، فإن الهند تفخر بنفسها فيما يتعلق بنظام الحوكمة اللامركزي بها. وعلاوة على ذلك فإن الدولة قد يسرت مشاركة المرأة في المجالس القروية حيث حفظت لها ثلث إلى نصف المقاعد بها. ولكن عندما يتعلق الأمر بمسألة ذات أهمية كبرى مثل سياسة الطاقة، حيث قد يعمل تغيير الأولويات على تحسين حياة ملايين السيدات القرويات الفقيرات، يظل النهج الذي تتبعه الحكومة مركزياً.

هذا وقد أوضحت التجارب الخاصة باستخدام الطاقة الشمسية بالهند بالفعل الفوائد التي تتحقق من الاعتماد على مصدر للطاقة يسمح بالتحكم المحلي. ففي ولاية كارنتاكا الجنوبية على سبيل المثال، قدمت إحدى الشركات الخاصة التي يطلق عليها سيلكو  نموذجاً عاملاً وقابلا للتكرار لاستخدام الطاقة الشمسية. وبشكل أساسي، فإن منهج شركة سيلكو يتعلق بربط التكنولوجيا بالتمويل. حيث يمكن للأسر ذات الدخل المنخفض في المدن الصغيرة- حيث يعاني الأفراد من نقص في إمداد الكهرباء- الحصول على قروض من البنوك لشراء ألواح الطاقة الشمسية، ويتم دفع هذه القروض على أقساط وفي الوقت ذاته تتحقق الاستفادة من الطاقة التي يحتاجون إليها بشدة.

لقد أثبت مثل هذا النوع من مناهج توفير الطاقة فائدته الكبرى بالنسبة للباعة من النساء اللاتي يعتمدن على قوت يومهم وغالباً ما يتم تنظيمهن داخل مجموعات عصامية، حيث تختار الشركة سيدة لتزويدها بالمساعدة المالية لإنشاء بنك للبطاريات الشمسية وتقوم البائعات بعد ذلك بتأجير تلك البطاريات بشكل يومي بحيث يمكنهن مد ساعات العمل إلى ما بعد غروب الشمس. وبهذا يغطي الدخل الإضافي اللاتي تحصلن عليه الإيجار الذي يجب دفعه. وفي ضوء وجود آلاف من المجموعات العصامية في جميع أرجاء الهند، فإن مثل هذا النهج يمكن تكراره بسهولة.

وفي ولاية راجسثان الصحراوية، يتم تدريب سيدات ريفيات في منتصف العمر كمتخصصات ميكانيكيات في استخدام الطاقة الشمسية من خلال مبادرة كلية بيرفوت  وهي منظمة غير حكومية أنشئت منذ عقود وتعمل على القضايا الريفية. تتعلم النساء هناك كيفية تركيب وصيانة وإصلاح ألواح الطاقة الشمسية والإضاءة وقد أدخلت هذه النساء، العشرات منهن حتى الآن، الطاقة الشمسية لقراهن. وعن طريق اختيار تدريب النساء، ضمنت كلية بيرفوت بقاء الخبرة في القرى (حيث من الممكن أن يذهب الرجال إلى أي مكان آخر للبحث عن العمل) . وبالنسبة للقرى النائية، والتي تعتبر فرص وصولها إلى الكهرباء من خلال الشبكة ضعيفة للغاية، يعتبر هذا المنهج اللامركزي ملائم بشكل خاص.

يمكن للمرء توجيه الانتقادات، وهذا ما يفعله الكثيرين، قائلا أن البرامج الصغيرة مثل تلك البرامج المذكورة سابقاً لا يمكن توسيع نطاقها إلا عند مستو محدد. لكن نطاقها الصغير يعتبر النقطة الأساسية. فمشروعات الطاقة الضخمة تترك ثغرات واسعة كفيله بابتلاع 400 مليون شخص. وأنظمة الطاقة اللامركزية، في الوقت نفسه، يمكن تكييفها مع الاحتياجات المحلية — وبالإضافة الى ذلك، تعمل على تمكين النساء وإزالة الغموض عن التكنولوجيا وتحمي البيئة.

تحسين الوصول الى الطاقة منوط بالقضاء على الاحتكار

في جميع أنحاء العالم النامي، عادة ما تكون السيدات في مقدمة الصفوف للحصول على الطاقة. تتحمل المرأة مسئولية جلب المياه، وغالباً ما يكون ذلك من مسافة تبعد ساعات عن منزلها وتحمل المياه على ظهرها نتيجة لنقص المضخات والأنابيب كما تقوم المرأة أيضاً بمعالجة الحبوب والخضراوات عدة مرات في اليوم الواحد لكي تطعم عائلتها كما تكدح وتمارس الأعمال المنزلية الشاقة التي لا تنتهي والمتمثلة في الحفاظ على نظافة منزلها وأطفالها وملابسهم. إن احتياجاتها من الطاقة تتمثل في احتياجات مباشرة — فهي لا تهتم بتحليلات محاكاة القدرة أو نماذج التحسين المحيرة أو التحكيمات الخاصة بالعطاءات أو المناقصات. إنها تريد الطاقة عند الحاجة إليه لمساعدتها على القيام بأعمالها المنزلية وتريد أن تكون هذه الطاقة بمستوى جهد مستقر وتردد مستقر أيضاً وبتكلفة منخفضة لكل كيلو وات في الساعة.  كما تريد أن تمتلك القدرة على محاسبة الشخص المسؤول عن عدم توفير هذه الاشياء ، تماماً مثلما قد تفعل في المتجر الذي تشتري منه الخضراوات (بالنسبة لها، فإن مدير المرافق الوطنية في العاصمة البعيدة غير خاضع للمساءلة حيث أنها تنظر إليه كما لو كان على سطح القمر) وبعبارة أخرى، فإنها ترغب في ممارسة الرقابة الديمقراطية على موارد الطاقة الحيوية ذات الأهمية لسعادة أسرتها اليومية.

وقد أصبحت الكهرباء، التي كانت تعتبرها دول العالم النامي في الماضي شيئا من الرفاهية، ضرورة وحقاً من حقوق الإنسان. فبدون الكهرباء لا تتمكن الأمم أو الأفراد من استغلال قدراتهم الاقتصادية ولا يمكن تخزين العقاقير الأساسية المنقذة للحياة في المستشفيات المحلية ولا يمكن للمواطنين الحصول على المعلومات بشأن القرارات السياسية الحاسمة التي يتم اتخاذها في العواصم الوطنية كما لا يمكن لهم مخاطبة ممثليهم عن طريق الانترنت أو الهواتف المحمولة. تساعد الكهرباء على تحديد المدى الذي يمكن من خلاله أن يمارس المرء مواطنته ويفي بالالتزامات التي تترتب على ممارستها.

إن زيادة إمكانية الوصول إلى الكهرباء يمثل عدة تحديات، لكن التحدي الأكبر في نظري لا يتعلق بكيفية توليد الكهرباء كبادئ ذي بدء، ولكنه يتعلق بكيفية إضفاء الطابع الديمقراطي عليها. في القرن العشرين، تم ابتكار الكثير من الطرق الذكية لتوليد (وإلى حد ما تخزين) الكهرباء. في الوقت الراهن يمكن الحصول على الكهرباء ليس فقط من خلال حرق الوقودالأحفوري ولكن أيضاً عن طريق الطاقة المائية والمد والجذر والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الشمسية والكتلة الحيوية والنفايات والمصادر النووية. ومن المؤكد أن كل مصدر من مصادر الطاقة المذكورة يتضمن العديد من المشكلات. فيجب الحد من استخدام الوقود الأحفوري اذا كنا نسعى إلى احتواء مشكلة الاحتباس الحراري العالمي. ويمكن أن تتسبب الطاقة الكهرومائية عواقباً اجتماعية وبيئية حادة وتثير مشاعر سياسية عميقة. وتعتبر الطاقة الشمسية أمراً معقداً نتيجة لصعوبة التخزين الملائم للطاقة التي يتم توليدها والتخلص من نفايات البطاريات الخطرة. كما أن الطاقة النووية تنتج نفايات مشعة لكن معظم هذه المشكلات، إن لم تكن جميعها، يمكن التغلب عليها مع مرور الوقت حتى إذا كانت الحلول تتطلب البراعة وتحمل التكاليف.

كانت تلك هي الأخبار السارة أما الأخبار السيئة فهي أن العقبة الحقيقية أمام توسيع سبل الوصول إلى الطاقة تتمثل في إرث منهك من القرن الماضي: فعادة ما يتم توصيل الكهرباء عن طريق مؤسسات غير مستجيبة للمطالب على الإطلاق. ففي الكثير من مناطق جنوب الكرة الأرضية- بما في ذلك دولتي نيبال، والتي تقبع على منجم ذهبي من الطاقة المائية في جبال الهيمالايا تعاني شبكتها الوطنية من انقطاع يومي للكهرباء لنحو 12 ساعة– وذلك لأن الكهرباء يتم توصيلها عن طريق مؤسسات احتكارية متكاملة بشكل عمودي تتسم بقدر كبير من القسوة ولا تكترث لمصالح المستهلكين. مثل هذه المؤسسات تهتم كثيراً بممارسة السيطرة أكثر من اهتمامها بتوصيل الخدمة وفي الحالات الأكثر سوءاً تدعي هذه المؤسسات قلة الكهرباء من أجل زيادة السيطرة إلى الحد الأقصى. إن الشغل الشاغل للكثير من هذه المؤسسات هو الإنشاءات الجديدة وليس الإدارة الشاملة حيث تدفعها عقليتها إلى تجاهل القضايا الأكثر أهمية للمستهلكين– وهي التوزيع وإدارة الطلب والإبداع بشأن الأمور المتعلقة بالاستخدام النهائي.

غالبا ما تكون جودة الخدمة ضعيفة. فبالإضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي، يعاني المستهلكون من تقلبات في التردد والجهد مما يقصر عمر الأجهزة المنزلية مثل المضخات الكهربائية وأجهزة التلفاز. إن الخسائر الفنية للكهرباء من المعدات غير الفعالة والتوسع العشوائي لخطوط الطاقة تعتبر مرتفعة جداً بدرجة لا يمكن قبولها في الكثير من مناطق جنوب الكرة الأرضية لكن ما هو أسوأ من ذلك هو أن الكهرباء يتم سرقتها (وغالباً ما يتم ذلك بالتواطؤ مع موظفي المرافق العامة) وذلك على نطاق من شأنه إفلاس الشركات التي لا تحصل على دعم من الدولة. ويدفع المستهلكون الأمناء لتعويض هذه الخسائر من خلال زيادات في رسوم الخدمة أو الضرائب. وكأفراد، لا يمكن للعملاء تحدي جبروت شركات الكهرباء التي تملك جميع البطاقات الفائزة.

لقد أظهرت مشروعات التنمية الريفية الناجحة أن هناك إمكانية للتغلب على مثل تلك المشكلات– طالما تقسمت هذه المؤسسات الإحتكارية المتكاملة بشكل عمودي إلى كيانات لتوليد ونقل وتوزيع الطاقة ولعل الكيان الأخير المعني بتوزيع الطاقة من الأهمية بمكان لضمان رقابة ديمقراطية أكثر استجابة على المستوى الشعبي. وهذه المؤسسات الإحتكارية اذا ما تقسمت تحافظ على بقاء بعضها البعض واستمرارها. ويتحسن مستوى المساءلة لأن المستهلكين الفقراء غير القادرين على ممارسة نفوذهم على مستويات التوليد والنقل يجدون أن تأثيرهم يزداد إلى حد أقصى عند مستوى التوزيع (هذا أيضاً هو السبب الذي يجعل مستوى المساءلة في مشروعات إنتاج الكهرباء صغيرة الحجم مثل محطات الطاقة المائية متناهية الصغر أفضل حالاً مقارنة بمستواها عندما يتم نقل الكهرباء من مرافق توليد الكهرباء البعيدة).

يعتبر فصل التوزيع عن عناصر أعمال الكهرباء الأخرى إصلاحاً هيكلياً هاماً يساهم في إضفاء الطابع الديمقراطي على شبكات الكهرباء وينطبق الأمر ذاته على تكليف البلديات واللجان القروية أو التعاونيات المحلية بالجزء الأكبر من المسئولية لإدارة التوزيع. من بين الإصلاحات الأخرى المهمة أيضاً، عقد جلسات استماع عامة عند تحديد الأسعار ووضع الخطط لتوسيع التوزيع. ومن خلال هذه الإصلاحات فقط يمكن لفقراء الريف- والكثير منهم من النساء الذين يديرون المنازل في غياب رجالهم الذين يهاجرون بحثاً عن العمل- المطالبة بتحسين إمكانية الوصول إلى الكهرباء والتي تعتبر حقاً من حقوقهم. وحينئذ فقط، يمكنهم تحمل المسئولية بضمانهم أن الكهرباء ستقوم بتقليل أعمالهم الشاقة وتحسين حياتهم- من خلال أجهزة مثل الثلاجات التي تعمل على منع تلف الأطعمة الجاهزة، والغسالات التي توفر في المياه وتحد من الأعمال الشاقة بالإضافة إلى الهواتف المحمولة التي يمكن استخدامها لطلب المساعدة عند إصابة الأطفال بأي ضرر.

حيثما وجدت هذه الإصلاحات- كما هو الحال في بعض أجزاء من ريف نيبال، حيث ظهرت هناك حوالي 200 جمعية خاصة بمستخدمي الكهرباء يستفيد القرويون من التكنولوجيا في أعمال مثل الري بالرفع الذي يسمح بمضاعفة المحاصيل لضعفين أو حتى ثلاثة أضعاف في الزراعة التجارية. ويعمل تقشير الحنطة باستخدام الكهرباء على تقليل نصف العمالة المحلية (تكون في العادة من النساء) التي لا غنى عنها في تربية الماشية. ويسمح الدخول على الانترنت للأطفال بالحصول على تعليم أفضل كما يسمح لصغار المزارعين بالتعرف على أماكن يمكنهم بيع خضراواتهم من خلالها بأفضل الأسعار.

تعتبر شركات الكهرباء التي لا تستجيب للمطالب إرثاً سيئاً من القرن العشرين كما تعتبر أكبر عقبة تواجه تحسين إمكانية الوصول الى الكهرباء بالنسبة لسكان العالم النامي من الفقراء- سواء من النساء أو الأطفال أو الرجال.

Round 2

الموارد المحلية والمنفعة المحلية

يتفق المشاركون في هذه المائدة المستديرة علي أن انتهاج الأساليب المجتمعية لانتاج الطاقة مثل الطاقة الشمسية والكهرومائية غالبا ما تكون الخيارات الأنسب لتحسين حياة الفقراء، وخاصة النساء، في المجتمعات الريفية. ومع ذلك، فإنني أود أن أقوم بدراسة أسباب فشل سياسات الأنواع الأخرى من الطاقة في خدمة مصالح سكان الريف في إندونيسيا وبالتالي فشلت في خدمة مصالح الحكومة أيضاً.

و لنبدأ بالفترة التى تلت الطفرة النفطية التى شهدتها اندونيسيا في سبعينيات القرن الماضى، فقد كان النهج الذي اتبعته الحكومة لكهربة الريف يتمثل في توفيرالمولدات التي تعمل على وقود الديزل للأحياء الفرعية في جميع أنحاء البلاد. ولكن الحكومة اضطرت الى دعم أسعار النفط، فتحولت تلك السياسة الى عبئ علي عاتق الدولة. الأسوأ من ذلك، أنه ومع اعتبار ان عدم قدرة المجتمع على الاستفادة من الموارد المتوفرة محلياً لطالما كان عاملاً رئيسياً لانتشارالفقر ، فقد أصبحت المجتمعات تعتمد بشكل كبير على الوقود المقدم من جهات أخرى .

ثم قامت الحكومة، في عام 1992، بخصخصة قطاع الطاقة جزئيا من خلال السماح بإنشاء محطات الطاقة المستقلة  لتوليد الكهرباء. وتملكت الشركات متعددة الجنسيات كالمعتاد محطات الطاقة المستقلة عن طريق إقامة مشاريع مشتركة مع الشركات الاندونيسية. وتسبب ذلك في مشكلة كبرى عندما حدثت الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997 وانخفضت قيمة الروبية على نحو حاد وتحتم بسبب ذلك ان يكون الدفع لمحطات الطاقة المستقلة مقابل ما تنتج من الكهرباء بالدولار الأمريكي ، إلا أن الإندونيسيين قاموا بدفع فواتير الكهرباء الخاصة بهم بالعملة المحلية. وهكذا اضطرت الحكومة لتعويض هذا الفارق.

وفي هذه الأثناء، كانت محطات الطاقة المستقلة على استعداد لتوسيع خدماتها إلى مناطق جديدة فقط إذا كان ذلك يجلب لها ربحاً. وهكذا وجدت الحكومة أنها لا تزال مسؤولة عن توفير الطاقة إلى الأماكن غير المربحة. وكانت النتيجة استمرار افتقار العديد من المناطق الريفية إلى التيار الكهربي.

لقد كان من الممكن أن تتجنب الحكومة كل هذا لو أنها ركزت منذ البداية على مشاريع الإمدادات المجتمعية من الكهرباء. نهج كهذا كان من شأنه أيضاً إعادة الاتصال بين المجتمعات والموارد المحلية وتشجيع الاستقلالية ودعم النشاط الاقتصادي وتمكين الأشخاص.

وتعمل المصادر المجتمعية لانتاج الطاقة كالطاقة الكهرومائية علي تقديم خدمة جيدة من حيث توفير الكهرباء للقرى بأسعار في متناول الجميع. كما أنها تساهم في الحفاظ على البيئة لأنها تترك انطباعا لدى أفراد المجتمع أن الحفاظ على موارد المياه في مستجمعات المياه بمنطقتهم سيؤمن لهم إمدادات الكهرباء، علاوة على أنها لا تتطلب خطوط نقل طويلة. ولكل تلك الأسباب فقد قامت المؤسسة الشعبية للاقتصاد و التجارة، وهى المنظمة غير الحكومية التي أعمل مديراً تنفيذياً لها، بالتركيزعلى تقديم مشاريع الطاقة الكهرومائية إلى المناطق الريفية منذ التسعينيات.

بيد أن انتاج الطاقة كهرومائيا لن يكون ناجحاً إلا إذا كانت المجتمعات مهيأة بشكل كاف لإدارة نظام الكهرباء حالما يتم إنشائه. ولحسن الحظ، فإن الطاقة الكهرومائية هي تقنية صديقة للمستخدم يمكن لأفراد المجتمع فهمها بسهولة، ومع بعض التدريب التقني والإداري، يمكنهم الإشراف عليها بأنفسهم. ومن الناحية الفنية، يجب أن يكون لدى المجتمعات القدرة على تشغيل وصيانة معدات التوليد والنقل الخاصة بها. أما من الناحية الإدارية، فيجب على أعضاء المجتمع تشكيل تعاونية لتعلم كيفية التعامل مع قضايا مثل تحصيل الفواتير من العملاء وتخصيص جزء من المال لأعمال الصيانة. وفي حالة وجود فائض من المال، فيمكن لتلك التعاونيات تخصيص هذه الأموال لاستخدامها في أنشطة تدرالمزيد من الدخل. وغالبا ما تتمثل هذه الأنشطة في قيام النساء بتصنيع المنتجات الزراعية ذلك النشاط الذي يستطعن أداءه بفضل توفر الكهرباء في المقام الأول.

التركيز على الطبخ

ذهبت ديباك جياوالي الى القول بأن إضفاء الطابع الديمقراطي على الكهرباء يمثل تحد أكبر من التحدي المتعلق بتوليدها في المقام الأول وان تقسيم الشركات الاحتكارية المتكاملة عموديا هو مفتاح التحول الديمقراطي. ولقد قدمت دولتي الهند دراسة حالة هامة حول هذه الفكرة. فمنذ 66 عاماً حينما أعلنت الهند استقلالها عن الأمبراطورية البريطانية، فرضت السلطات المؤيدة لفكرة مركزية الطاقة سطوتها وباتت رؤية المهاتما غاندي بشأن الحوكمة اللامركزية والحكم الذاتي في القرى، والتي تحدثت عنها جيوالي في مقالتها الثانية، حلماً بعيد المنال.

ورغم ذلك تدعى الحكومة بأنها بالفعل قامت بتفكيك احتكار الكهرباء. إن هذا الأمر صحيح على الورق فقط: اذ تملك الهند الآن شركات مستقلة لتوليد ونقل وتوزيع الكهرباء في عدة ولايات، بيد ان كل شركة لا تزال تتسم بالمركزية العميقة الهرمية. وعلى الرغم من تقسيم هذه الشركات،  الا أنها (تهتم بالحد الأدنى لهامش الربح) على حساب العدالة في التوزيع،  كما أن تقسيمها لم يوفر الكهرباء للمحرومين منها.

لقد حمل البرنامج الحكومي لكهربة الريف الذي تم اطلاقه عام 2006 وعداً بتوفير الكهرباء الى الأسر بحلول عام 2009-2010 ولكن الهدف لم يتم تحقيقه مع وجود فارق ملحوظ في التوقيت وتم تمديد تاريخ الانتهاء الى عام 2017. والسبب الرئيس لهذا الفشل، من وجهة نظري، هو اعتماد الحكومة على كهرباء الشبكة بدلاً من أنظمة التوليد والتوزيع اللامركزية التي حازت على تأييد جميع المشاركين في المائدة المستديرة.

لكن قطاع الكهرباء في الهند لم يتم تقسيمه فقط — بل إنه أصبح مجالاً للمنافسة أيضاً. فبعد أن شرعت الهند في إصلاحات السوق عام 1991، بدأ صناع القرار في البحث عن حلول مستندة إلى السوق لحل مشاكل البلاد، تم فتح سوق الكهرباء أمام القطاع الخاص. فقد جاء أداء الشركات المحتكرة في البلاد مخيباً للآمال، لذلك توجهت الأنظار صوب الخصخصة والسوق الحر كحل للمشكلة. لكن الخصخصة لم تتدارك مشكلة التفاوت في التوزيع أو تقضي على أوجه القصور في قطاع الكهرباء . ولم يختلف القطاع الخاص عن شركات الكهرباء المملولكة للدولة، فلم يقدم اسهاماً يذكر من أجل توصيل الكهرباء إلى تلك الأجزاء من البلاد التي تفتقر إليها.

والواقع الأليم هو أن هناك نحو 400  مليون شخص في الهند لا يزالون مفتقرين إلى الكهرباء .  لذلك بالنسبة لأولئك الذين يهتمون بتخفيف الأعباء عن النساء الفقيرات، هل يجدر بهم التركيز على توصيل الكهرباء إلى الأسر الريفية؟  أم أنه من الأنسب وضع خطط تلبي احتياجات الأسر الريفية من الطاقة — وليس بالضرورة احتياجاتهم من الكهرباء؟

إذا كان التركيز على تلبية احتياجات الريف من الطاقة، فينبغي أن يكون توفير الوقود الحديث للطهي على رأس الأولويات، اذ تشهد الهند تقدماً بطئياً في هذا الصدد. فوفقا للمسح الوطني الذي قامت بها الحكومة عامي 1999 و2000،  تعتمد 86 في المائة من الأسر الريفية على الحطب ورقائق الخشب أو روث البهائم  كمصدر رئيس لوقود الطهي. وبعد مرور عشر سنوات، تحسنت النسبة لتصبح 83 في المئة فقط. ان الاعتماد على هذا النوع من الوقود لأغراض الطهي يمثل استنزافا هائلا لوقت وطاقة الأشخاص:إذ تشير التقديرات أنه في كل عام في المناطق الريفية في شمال الهند، يتم تمضية 30 مليار ساعة في جمع حطب الوقود والأنواع التقليدية الأخرى من الوقود. وغني عن القول أن المرأة هي التي تقوم بالجزء الأكبر من هذا العمل. وهكذا فإنه سيكون من العسير طرح النقاش حول عالم ينعم بوفرة الكهرباء بينما الواقع الحالي يشير إلى أن تلبية متطلبات الطاقة الأولية لكثير من الناس –الطاقة اللازمة للطبخ — مازالت تواجه قصورا شديدا.

وكان الراحل أميوليا ريدي، وهو رائد في مجال التكنولوجيا الملائمة، يطلق علي احتياجات الطاقة في المناطق الريفية مسمى "الأولوية المهجورة ."  وفي مقال وثيق الصلة بالقضية نشر في صحيفة "ايكونوميك اند بوليتكال ويكلي"عام 1999، ناقش ريدي الجهود التي بذلت في سبعينيات القرن الماضي لتطوير نظم الطاقة الريفية التي تركز في المقام الأول على احتياجات الطبخ . غير أنه قد تم التخلي عن هذه الجهود، وقال ريدي أن النتيجة كانت: "قبول مجتمع 'الوقود المزدوج…… حيث يستخدم الفقراء شتى انواع الوقود الصلب في مواقد غير فعالة نسبيا بينما يستمتع الأغنياء بالوقود الغازي النقي…. في مواقد ذات كفاءة عالية. كما لم يكن هناك وعياُ كافياً بالتحيز القوي القائم على اساس النوع ضد المرأة خلال هذا التحول في الأولويات ".

وبعد أربعة عشر عاما على نشر مقال ريدي ، لا يزال الهند مجتمع "الوقود المزدوج". وإذا كان لابد من تحقيق العدالة في التوزيع في الهند وغيرها من الدول، فأنه من اللازم أن تركز الجهود على وقود الطبخ، والذي يمثل المتطلب  الاولي من الطاقة للفقراء عموماً، وللنساء الفقيرات في المقام الأول.

نقل التحكم في الكهرباء من الشركات الاحتكارية الى المدنيين

يدعم المشاركون الثلاثة في هذه المائدة المستديرة أنظمة الطاقة الديمقراطية اللامركزية التي يلعب فيها الفقراء والمهمشون — وفي مقدمتهم المرأة — دوراً نشطاً. في مقالتي الأولى، ركزت بشكل أساسي على القضايا المحيطة بتوزيع الطاقة، في حين أن زميلاتي كالبانا شارما وتري مومبوني ركزتا كثيراً على إمدادات الكهرباء. فيما عدا ذلك، يبدوا أن الاختلافات في وجهات نظر المؤلفين ترتبط في المقام الأول بتجارب وطنيهما.

عندما يتعلق الأمر بالأنظمة اللامركزية للطاقة التي يمكن أن تستجيب الى مطالب المهمشين، تجد أن أندونسيا، بلد زميلتي مومبوني، مرشحة لتطبيق ذلك بحكم موقعها الجغرافي: فذلك الوطن الشاسع المكون من جزر لا حصر لها مجبرة على ممارسة اللامركزية. وبطريقة ما، تتشابه نيبال معها في ذلك: فقرى نيبال الواقعة على التلال تجدها مجاورة مشابهه للجزر، ولا يفصلها عن بعضها البعض المياه العميقة بل تفصلها وديان عميقة. مشكلة نيبال تكمن في حقيقة أن معظم المخططون والسياسيون درسوا تقنيات تتناسب مع السهول، حيث يسهل نسبياً انشاء وتشغيل أنظمة الطاقة اللامركزية. وهم يريدون مد الشبكة الوطنية الى النجوع البعيدة على الرغم أنه من الأفضل تمكين تلك النجوع من إنشاء شبكات مصغرة خاصة بهم.

دولة الهند، بلد الزميلة شارما، والتي في حد ذاتها تعتبر شبه قارة واسعة ومتنوعة، لا تتكيف مع التطبيقات السهلة، ولكن يمكن القول أن تاريخ الهند الاستعماري ساعد في تشكيل المؤسسات الإدارية في البلاد، بما في ذلك مؤسسات الطاقة. كانت رؤية المهاتما غاندي بأن تكون لكل قرية حكمها الذاتي، ولكن تلك الرؤية ماتت في مهدها بمجرد اغتياله؛ وعاد الحكم البريطاني لينتقم من خلال تطبيق الاشتراكية النهروية التي تنص على ابقاء سيطرة الحكومة المطلقة على صروح الاقتصاد الشامخة – وهي النقل والطاقة وهلم جرا. تناسب تقنيات الطاقة اللامركزية بشكل واضح دولة الهند، ذلك البلد الاستوائي وشبه الاستوائي الذي يتميز بخطوطه الساحلية الطويلة. ورغم ذلك لا تحظى الطاقة الشمسية والكتلة الحيوية وطاقة الرياح بأي اهتمام من قبل أباطرة الطاقة الذين يفضلون محطات توليد الطاقة المركزية.

ما زلت أرى أنه إذا كان الهدف هو الحصول على نظام للطاقة يتسم بالمزيد من الديمقراطية ويشعِر الفقراء المهمشون بملكيتهم لأنظمة الطاقة ذات الأثر البالغ على معيشتهم، فلا بد من تفكيك المؤسسات الإحتكارية الكهربائية المتكاملة عمودياً. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن تبدأ عملية التحول الديمقراطي من ناحية توزيع الكهرباء وليس من ناحية توليدها (حتى أنظمة الطاقة الصغيرة المعزولة تتطلب ضمانات قانونية تحمي حقوق السكان المحليين). وفي كثير من الأماكن، تمثل عملية التحول الديمقراطي معركة صعبة ضد قوى الماضي. لكن نيبال حققت بعض النجاحات.

دبتارا ثامسوهانج، هي رئيس التعاونية الزراعية لصغار المزارعين في قرية بلوادي الواقعة في منطقة جابا. ويبلغ عدد أعضاء هذه التعاونية 462 من بينهم 73 من النساء — لكن اللجنة التنفيذية تتألف بالكامل من النساء. وتدير دبتارا وأخريات عملية توزيع الكهرباء بالقرية، وتشترين الطاقة بكميات كبيرة من هيئة كهرباء نيبال لبيعها بالتجزئة بعد ذلك، كما تقوم تلك السيدات أيضاً بتركيب العديد من وحدات الغاز الحيوي. وتحقق الجمعية التعاونية أرباحاً كبيرة من مبيعات الكهرباء، وهذا يمكنها من تشغيل برنامج مستدام للقروض الصغيرة يعمل على تمويل الاحتياجات الصغير التي تستلزمها عملية الانتاج الزراعي. ما كان نشاط اقتصادي كهذا أن يرى الضوء بدون الكهرباء.

مينا خادجا هي رئيس مركز تنمية الطفل وتمكين المرأة في قرية كاتاري الواقعة في منطقة سيندهولي. ويشرف هذا المركز على عملية توزيع الكهرباء لنحو 532 أسرة، ويتبع المركز سياسة تدريب وتوظيف النساء فقط لقراءة العدادات ولف الأسلاك الكهربائية والقيام بأعمال الصيانة. ويخطط المركز لاستثمار الأرباح التي يجنيها من الكهرباء في إنشاء محطة صغيرة لتوليد الطاقة الكهرومائية. ويتم تخصيص فائض الطاقة لتمويل حملات تستهدف صحة الطفل من بين أمور أخرى.

لم يكن من الممكن تحقيق مثل هذا التقدم بدون عملية الإصلاح الجزئي التي طالت قضية احتكار الكهرباء في نيبال عام 2003 والتي شملت فرض مجموعة من القوانين الداخلية على الكهرباء؛ والفضل يرجع الى هذه التغييرات المؤسسية التي مكنت سيدات مثل دبتارا ومينا من التحكم في مصادرهم الكهربائية. ولو كانت تلك السيدات مازلن من صغار المستهلكين، ويدينين بالفضل لإملاءات مدراء يسكنون في مناطق بعيدة عنهم، ما كان لهذه المبادرات التي يشتركن بها أن تخطر على قلب بشر.

لم ترحب القوى الاحتكارية بهذه الإصلاحات، ولايزال أصحاب المصالح الخاصة القوية يعارضون فكرة اللامركزية. في عام 2009، تم إعادة طرح مشروع قانون قديم خاص بالكهرباء أمام برلمان الدولة وكان من شأن هذا القانون تعزيز مصالح مطوري المحطات الكهرومائية واسعة النطاق ذات التوجه التصديري وفرض قيود صارمة على حرية قياديات المجتمع مثل دبتارا ومينا. وشنت الرابطة الوطنية لمستخدمي الكهرباء، التي تنتمي اليها السيدتان، حملة ضد مشروع القانون؛ وأسفر الضغط الذي مارسته الرابطة على المشرعين عن الغاء القانون. هذا هو التمكين الديمقراطي الحقيقي — وهذا التمكين الدعم يصبح ممكناً فقط عند تدشين إصلاحات كالسماح للمبادرات المجتمعية بلعب دور في إدارة التوزيع.

Round 3

المرأة والطاقة: صفقة شاملة

كما تبين من خلال هذه المائدة المستديرة، تتحمل المرأة معظم الأعباء المترتبة على ندرة الوصول إلى الطاقة في العالم النامي. فالمرأة هي من تقضي ساعات في جمع الحطب من الغابة، أو هي من تقطع عدة كيلومترات لشراء صفيحة كيروسين سعة خمسة لتر لتلبية احتياجات أسرتها من طهي وإضاءة لبضعة أيام فقط. وعلى نفس المنوال، فكلما تمكن الأشخاص من الوصول إلى خدمات الطاقة الحديثة، تكون المرأة هي المستفيد الأول- فشئ بسيط مثل الوعاء الكهربائي لطهى الأرز من شأنه المساهمة بقدر كبير في تخفيف الأعباء الملقاة على عاتق المرأة. وعندما تساهم الكهرباء في تخفيف أعباء المرأة، فإن ذلك ينعكس إيجابياً على جميع أفراد الأسرة.

ولكن قبل أن يتم تركيب تقنية الطاقة وقبل أن تتمكن الأسر الفقيرة من رؤية تحسن في ظروفهم المعيشية، لابد أن يكونوا مستعدين لما هو آت. اذ يتعين على المنظمات، التي تساهم في إنشاء نظم الطاقة المجتمعية، وضع برامج لتدريب الأشخاص على إدارة وصيانة مرافق الطاقة الجديدة على أساس تعاوني. ومن الضروري أن تلعب المرأة دورا حيوياً في هذه العملية، والواقع أنها عادة ما تفعل ذلك — على الرغم من أنها في بعض الأحيان تحتاج الى بعض التحفيز .

تبدأ العملية عادة باجتماع لأهل القرية يتم من خلاله تقديم المعلومات الى السكان (رجالاً ونساء). في بعض المناطق المحافظة جدا في إندونيسيا، مثل منطقة اتشيه في شمال سومطرة، من غير المألوف أن تلعب المرأة أي دور في قضايا التخطيط المتعلقة بالقرية – لكن يظل من الأهمية بمكان دعوة المرأة لحضور مثل هذه الإجتماعات. في مثل هذه المناطق، تجلس السيدات خارج قاعة الإجتماع في المرة الأولى، ويستمعن إلى وقائع الجلسة دون المشاركة. ويتكرر نفس الأمر في الاجتماع الثاني كذلك. ولكن في الاجتماع الثالث، تجلس السيدات عادة جنبا إلى جنب مع الرجال ويسمعن أصواتهن. وبمجرد إحراز ذلك التقدم، يكون بمقدور المرأة في الغالب لعب دور قوي في جميع مراحل عملية التخطيط (على الرغم من أن التقاليد والأعراف المحلية تمثل بحق عقبة كبيرة في بعض المناطق).

من الأهمية بمكان توظيف سيدة من المدافعات عن المرأة في اللجنة التعاونية. فعادة تكرس السيدات المشاركات في لجان الإدارة جهودهن في البحث عن طرق لتحقيق الإستفادة من الكهرباء للقرية بأكملها، ويفضلن اتخاذ خطوات مثل إنشاء مراكز صناعية مجتمعية تمكن السكان من إضافة قيمة إلى المنتجات الزراعية المحلية. وتحرص المرأة على التأكد من أن القواعد واللوائح تعود بالفائدة على الرجال والنساء على حد سواء، كما تبذل كل ما في وسعها لتوفير الكهرباء للسكان بأسعار معقولة. في بعض الأحيان يصعب على السيدات الحصول على مقاعد في اللجان- ولكن متى حصلن على مقاعد، يصبح المرء على يقين من أنهن سوف يقدمن مساهمات قيمة لإدارة وصيانة مرافق الطاقة الجديدة في المجتمع .

ولضمان استفادة جميع السكان في المجتمع الفقير من الفوائد المترتبة على الكهرباء، فإنه لا غنى عن مشاركة المرأة. وبمعنى آخر، تعد تقنية الطاقة وإشراك المرأة بمثابة صفقة شاملة: فبدون أحدهما يكون من الصعب جدا تحسين حياة الفقراء في المناطق الريفية .

الطاقة النساء والحوكمة

الخلافات في الرأي بين المشاركين في هذه المائدة المستديرة كانت طفيفة. وكانت هذه الاختلافات إن وجدت مرتبطة على الأغلب بالاختلافات بين الدول التي ينتمي إليها الكتاب. ففي دولتي نيبال وإندونيسيا اللتان ينتمي اليهما ديبكا جيوالي وتراي مومبيني على التوالي، ربما كان من الأيسر اختيار النموذج المصغر لتوليد الكهرباء. أما في الهند، ذات التعداد السكاني الضخم، فلابد من اختيار كلا من المشاريع الكبيرة والصغيرة لتوليد الطاقة حتى تتمكن من تلبية احتياجاتها.

ولا يمكن تمكين المرأة في أي دولة نامية أو تخفيف الأعباء الملقاة على عاتقها فقط من خلال إنشاء أنظمة لتوليد وتوزيع الكهرباء. بل يجب أن يؤخذ في الإعتبار أيضاً أنظمة الحوكمة.

في مقاله الثاني من هذه المائدة المستديرة، تحدث جياوالى عن مبدأ المهاتما غاندي المتعلق بتمكين الحكم الذاتي في القرى. هذا المبدأ موجود في صلب أحد اشكال الحكم اللامركزي المعاصر على مستوى القرية، والمعروف باسم "بانشاياتي راج"، الذي أقرته الهند بعد التعديل الدستوري في عام 1992 وبحسب تقاليد الهند، يشرف على شؤون القرية خمسة شيوخ يشكلون سوياً تنظيماً يعرف في الهند باسم "بانشيات " — وتعني حرفياً جمعية خماسية. وبموجب القانون الحالي، تقوم عدة قرى بانتخاب "بانشيات" لتحمل مسئولية إدارة مرافق المياه والصحة والصرف الصحي ومشاريع الغابات والمساكن الريفية والطرق وهكذا دواليك. ويخوض المرشحون لعضوية "البانشيات" الانتخابات كمستقلين، وليس كأعضاء في الأحزاب السياسية، ولضمان تمثيل "البانشيات" للجميع، يتم حجز مقاعد على حد سواء للمرأة وللأشخاص من الطبقة السفلى والذين عادة ما يتم استبعادهم من مؤسسات كهذه. ويشمل نظام "البانشيات" ما يمسى بـ "غرام سبها"  أو مجلس القرية، والذي يمكن للمواطن من خلاله المشاركة برأيه في شؤون العامة .

حالياً تعمل نحو أكثر من مليون سيدة في "البانشيات" تشكل ومشاركتهن فارقاً إيجابياً وحقيقياً في أداء الحكومة المحلية.  ووفقاً لعدد من المسوح  والتقارير  تحرص السيدات الأعضاء في "البانشيات" على تحقيق أقصى استفادة من الأموال المخصصة للتنمية. وإذا كان هناك خيار ما بين تحقيق الربح ورفاه المجتمع، فإن النساء يفضلن عادة الخيار الأخير.

حتى الآن، وكما هو الحال في النظم الديمقراطية، يشوب نظام "البانشيات" الكثير العيوب. فالعديد من السيدات العاملات في "البانشيات" يخشين من التحدث في الاجتماعات؛ وعندما يتحدثن، فغالباً لا يلقى حديثهم اي اهتمام من قبل الرجال. وتقرً العديد من النساء العاملات في "البانشيات" بأنهن حقاً ينوبن عن أزواجهن أو آبائهن أو أخوتهن. ولكن وبعد مرورأكثر من 20 عاما علي التعديل الدستوري الذى تم في عام 1992، استطاعت أعداد متزايدة من النساء إدراك طريقة عمل النظام وعرفن كيف يجعلن أصواتهن مسموعة.

ما صلة كل هذا بالطاقة؟ بالتأكيد هناك ثمة ارتباط وثيق من خلال عدة أمور ملموسة. لقد قابلت سيدات يعملن  في "البانشيات" حيث لمسن بأنفسهن الفرق الذي أحدثته مشاركتهن في قضايا الطاقة المحلية. على سبيل المثال، في عدة قرى بولاية بيهار وهي واحدة من أفقر ولايات الهند، عمدت إحدى السيدات التي انتخبت لرئاسة إحدى "البانشيات" إلى إستخدام أموال صناديق التنمية المتاحة في "البانشيات" لتركيب الإضاءة الشمسية في المناطق العامة حتى تشعر السيدات بالمزيد من الأمن بعد حلول الظلام. وعندما يكون للمرأة الحق بالمشاركة في القرارات، تزيد فرص تلبية إحتياجاتهم من الطاقة، مثل وقود الطهي. وفي بعض المناطق كان هناك إصرار لدى السيدات الأعضاء في "البانشيات" على ضرورة تركيز المشروعات الحرجية المجتمعية على زراعة أصناف الأشجار التي تفي بإحتياجاتهم من الحطب، بدلا من الأصناف التي قد تكون أكثر ربحاً من الناحية التجارية، والتي يفضل الرجال زراعتها. وعندما يتم تقديم مصادر موثوقة من الطاقة المتجددة للسيدات، فإنهن يبادرن بقبولها بل ويصرن عليها.

وجاء اسهام المشاركون في هذه المائدة المستديرة مؤيداً لأنظمة الطاقة اللامركزية مثل الطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية، ومؤيداً أيضاً لمسألة التحكم المحلي. وسيكون من شأن إنشاء أنظمة للطاقة على هذا النحو أثر إيجابي على حياة النساء الفقيرات. ويبقى التحدي الأكبر متمثلاً في إقناع الحكومة بضرورة تبني سياسيات الطاقة التي تكون منصفة وصديقة للبيئة. ومن الممكن تحقيق تغيير فعلي في هذا الصدد عن طريق تعزيز نماذج الحوكمة مثل نظام "البانشيات"، الذي يعتد بصوت المرأة.

استقلال القرية ليس خيالاً ريفياً

تحدثت تراي مومبيني عن أثر خصخصة قطاع الطاقة في اندونيسيا الذي حال دون استخدام الفقراء ، وخاصة النساء، للموارد المحلية. وكانت كالبانا شارما محقة إذ شددت على أهمية معالجة الصعوبات التي تواجه النساء الفقيرات في سعيهن للحصول على الطاقة لأغراض الطهي، إذا ما أردنا تحقيق المساواة بين الجنسين في العالم النامي. ويتفق جميع المشاركون الثلاثة في هذه المائدة المستديرة أن انتهاج الأساليب المجتمعية لانتاج الطاقة المتجددة هي أفضل مسار نحو تحسين حياة النساء الفقيرات. ولكن ما الذي يحول دون تنفيذ هذه الحلول وما الذي يمكن فعله إزاء ذلك؟

وتكمن المشكلة في أن العقليات الهرمية البيروقراطية عادة ما تكون أقوى من مبدأ المساواة المجتمعية التي تقوم عليه فكرة الطاقة البديلة اللامركزية. ويؤدي التفكير الهرمي إلى خلق نظم مركزية للطاقة تعمل على تهميش وتفتيت المستخدمين — معظمهم من النساء اللاتي يحاولن إدارة منازلهن في ظل مشاكل قائمة منذ وقت طويل – مما يدفعهم في نهاية المطاف الى الاستسلام للقدر. لكن انتصار الهرمية باهظ الثمن. لأن عموم الناس يصبح غير راغب في الاستثمار ببرامج توسيع الشبكة، سواء من خلال شراء السندات أو زيادة الرسوم الجمركية، وبالتالي تعجز سلطة المرافق عن تلبية الطلب المتزايد على الطاقة. لذلك فإنها تتخلى عن مسؤوليتها تجاه الناس من خلال برامج الخصخصة التي تزيد الامور سوءاً على الفقراء والمحرومين. ورغم تلك الحقيقة، يرفض المسئولون عن المرافق إعطاء فرصة لمصادر الطاقة البديلة .

وفي الوقت نفسه، يتم تجاهل حلول الطاقة كتلك المقترحة في هذه المائدة المستديرة بإعتبارها ضرباً من خيال الأرياف، وأفكاراً لا تستحق اهتماماً جاداً في العصر الحضري الحديث. حيث يتم الإستخفاف بهذه الحلول بحجج أنها برامج تجريبية صغيرة غير قابلة للتوسع لمواجهة التحديات العالمية، وأنها خيارات باهظة الثمن لا يمكن أن تنافس النهج المركزية المفترض فيها وفرة الانتاج. ولكن حلول الطاقة البديلة ليست ضرباً من الخيال، أو حتى باهضة الكلفة – وهو الأمر الذي قد يكتشفه الخبراء الدوليون في مجال سياسات الطاقة إذا تخلوا عن تحيزاتهم الهرمية.

في الواقع، فإن البرامج المركزية التي تحظى بتشجيع السياسيين ودعاة استخدام الطاقة الكهرومائية والمقاولين -مدعومة في أغلب الأحيان بإعانات خفيه وشبه خفيه (ناهيك عن الإعانات التي تعتريها شبهة الرشوة) مما يجعلها تفشل في تحقيق وفرة الإنتاج التي تعد بها. ونتيجة لذلك، فإنها في الغالب تكون أكثر كلفة من البدائل، كما كان الحال مع مشروع " آرون 3 "  لتوليد الطاقة الكهرومائية المشهور بسوء السمعة في نيبال. حصل هذا البرنامج على دعم البنك الدولي، من بين عدد أخر من هيئات المعونة الدولية بالإضافة إلى دعم مرفق الكهرباء في نيبال. لكن النشطاء عارضوا هذا البرنامج بسبب تكاليفه الباهظة، والتي ربما كانت مجحفة لنيبال وللمستهلكين الفقراء. وتعرض البنك الدولي لانتقادات حادة بسبب دعمه لمشروع "آرون 3" فأجهض المشروع في عام 1995. إن هذا مجرد مثال واحد لبرامج المرافق الإحتكارية الأدنى منزلة من البدائل اللامركزية من الناحية الاقتصادية والأخلاقية .

ومن بين المشاكل التي يتعين على العالم أن يستعد لها اليوم هي تلك المرتبطة بزيادة التحضر. فالحياة في الريف صعبة — وهذا هو السبب في استمرار هجرة الناس إلى المدن. وتتوقع الأمم المتحدة أن نحو 64% من الناس في "المناطق الأقل نموا" في العالم سيعيشون في مناطق حضرية بحلول عام 2050، مقارنة  بأقل من نصف هذه النسبة في الوقت الراهن .  تحضر بهذا الحجم يمثل كارثة محتملة تنذر بإنتشار الفقر والجريمة والأوبئة. وإذا ما أردنا تفادي حدوث هذه الكارثة فلا بد من تحسين مستوى المعيشىة في القرى من خلال أكثر الطرق نجاعة، لا سيما نهج الطاقة البديلة التي تمت مناقشتها في هذه المائدة المستديرة. إن هذا ليس ضرباً من الخيال الريفي ولكنه تشجيع على استقلال القرية وحماية الناس من أهوال حياة العشوائيات .

لابد من وضع أجندة مستقبلية للطاقة تدعم أي مبادرة واعدة تحول دون هجرة فقراء الريف بأعداد كبيرة إلى الأحياء الفقيرة في المدن. ويجب أن تبني السياسة على النجاحات المثبتة لأنظمة الطاقة البديلة المجتمعية. ولابد من إعطاء مساحة لنهج الطاقة البديلة التي تسعى لتحقيق العدالة والإنصاف عند تصميم أنظمة الطاقة— لتقف كقوة موازنة لميول المرافق البيروقراطية التي تسعى لتحقيق التحكم وتحقيق الربح المجحف للقطاع الخاص .



 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]

RELATED POSTS

Receive Email
Updates