إلغاء الأسلحة النووية يتطلب نزع قناعها الجميل
By Mustafa Kibaroglu: AR |
لقد وصل العصر الذهبي للردع إلى نهايته، ولم يعد الأسلحة النووية مكان تحت الأضواء، بعد أن كانت يومًا نجم المسرح الدولي.
ولا شك أن بعض صانعي السياسات لايزالون ينسبون للأسلحة النووية نفس المكانة والسمعة الكبيرة التي اكتسبتها إبان الحرب النووية بفضل قوتها التدميرية التي لا مثيل لها آنذاك، وبسبب النفوذ التي منحته للدول النووية على الساحة الدولية. لكن بيئة الحرب الباردة، التي لعبت فيها الأسلحة النووية للقوتين العظميين دورًا حيويًا في الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي، لم تعد موجودة. كما أنه لم يعد محتملًا أن تتكرر تلك الظروف مستقبلا – رغم أن بعض نقاط التشابه والتوازي التي كانت تميز العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة لاتزال موجودة في علاقات الولايات المتحدة وروسيا اليوم. في الوقت ذاته، نجد واضحًا للأسف أن الردع النووي غير مجدٍ في مواجهة التنظيمات الإرهابية التخريبية التي يحركها التعصب الديني. ولو حصلت مجموعة من تلك المجموعات على سلاح نووي واستخدمته، فربما لن يكون هناك “عنوان للرد” يمكن توجيه الانتقام نحوه. وربما لا يخشى الإرهابيون المخربون الدمار من الأساس.
وبما أن العصر الذهبي للردع قد انتهى، أصبح حظر الأسلحة النووية أمرًا قابل للتحقيق – طالما أمكن تقويض القيمة التي ينسبها صانعو السياسات لهذه الأسلحة. لقد حان الوقت لنزع القناع الجميل الذي كان يُخفي الوجه القبيح للأسلحة النووية طوال فترة الحرب العالمية. حان الوقت لأن يعامل العالم الأسلحة النووية كما يعامل الأسلحة الكيميائية والبيولوجية – وهي من أسلحة الدمار الشامل أيضًا – على أنها أسلحة للقتل فقط، ولا تستحق مكانة أو احتراما. حان الوقت لحظر الأسلحة النووية – تمامًا كما حُظرت الأسلحة البيولوجية والكيميائية بموجب اتفاقية الأسلحة البيولوجية والسامة، واتفاقية الأسلحة الكيميائية.
لماذا الآن. اختُرعت الأسلحة على مر التاريخ لأسباب متنوعة، لكن الغرض الرئيس كان قتل العدو. وطالما أن هناك سلاح، فسوف يُستخدم إن آجلًا او عاجلًا – لا سيما إذا ضعفت أو اختفت العوامل التي يمكن أن تقلل من إمكانية استخدامه، كمعاهدات السلام والبيئات السياسية المستقرة، والقيادة الرشيدة، وقدرات الردع.
لكن هل يمكننا الاعتماد، في عالمنا الحالي وكذلك في المستقبل القريب،على قيادة سياسية رشيدة للحفاظ على بيئة دولية مستقرة لن تُستخدم فيها الأسلحة النووية؟ من الصعب الإجابة بـ”نعم”، فالطريقة المضمونة الوحيدة لمنع الكارثة النووية هي حظر إنتاج هذه الأسلحة والتخلص منها للأبد. ولا شك أن العالم سيصبح أقل أمانًا بدرجة كبيرة إذا لم يتم التخلص من الأسلحة النووية عاجلًا، خاصة لو أخذنا في الاعتبار تزايد قدرة كثير من الدول والفاعلين من غير الدول على إتقان المعرفة العلمية والمهارات التكنولوجية اللازمة لبناء أجهزة تفجيرية نووية، سواء بسيطة أو معقدة. لقد أخفق الهيكل الموجود لنزع السلاح وعدم الانتشار في تحقيق هدف نزع الأسلحة حتى الآن، ويبدو أنه لن ينجح على الأرجح في تحقيق ذلك في المستقبل القريب. وبالتالي لابد من معاهدة الحظر.
البنود الواجب تضمينها. يصبح السؤال إذًا عن ما ينبغي أن تستتبعه أي معاهدة لحظر الأسلحة النووية. بداية وقبل كل شيئ، ينبغى أن تكفل المعاهدة لكل الدول الملتزمين بها التمتع بنفس الحقوق في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية التي تتمتع بها حاليًا الدول غير النووية بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي. بمعنى أن الصفقة الأساسية التي جذبت دولًا كثيرة للانضمام لمعاهدة عدم الانتشار – مع حذف خيار بناء أسلحة نووية مقابل المساعدة في التطبيقات السلمية للطاقة النووية – ينبغي الإبقاء عليها في المعاهدة الجديدة. كما ينبغي أن تواصل الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحمل مسؤوليتها في مساعدة الدول في مشاريع الطاقة النووية.
ثانيًا: ينبغي أن تؤسس معاهدة الحظر آليةً فعالةً للتحقق – لكن قد لا يكون ذلك من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتشكيلها الحالي. فعلى فرضية أن الدول النووية سيتحتم عليها يومًا الانضمام لمعاهدة الحظر حال نجاحها، فلا يمكن أن تهيمن الدول النووية على آليات التحقق الخاصة بالمعاهدة، كما هي مهيمنةٌ على الوكالة حاليًا. وقد تمثل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية قالبًا أكثر فعالية وفائدة في هذا الصدد. فقد نفذت هذه المنظمة حتى الآن العمل المنوط بها فيما يتعلق بالتخلص من الأسحة الكيميائية بطريقة عادلة وفعالة وفي الوقت المناسب.
ثالثًا: إن أي معاهدة للحظر ستحول العالم بأسره إلى منطقة خالية من الأسلحة النووية بمجرد أن تصبح هذه المعاهدة عالمية. لذا ينبغي أن تكون شروط المناطق الموجودة حاليًا مصدر إلهام لمن سيضعون مسودة المعاهدة الجديدة، خاصة فيما يتعلق بالحقوق والمسؤوليات.
أسباب تدعو للتفاؤل. قد تكون فرص نجاح معاهدة الحظر في تحقيق هدف نزع التسلح ليست بأسوأ من فرص معاهدة منع الانتشار- بل ربما تكون أفضل. وأحد العوامل التي تصب في صالح معاهدة الحظر أن أي دولة لن ترى فيها تهديدًا حقيقيًا لها. فالدول غير النووية لا ترى اليوم أي تهديد في معاهدة عدم الانتشار – وفي حال عولمة اتفاقية الحظر، ستصير كل الدول غير نووية. ولن يستطيع بلد التجبر على جيرانه بتهديدات استخدام الأسلحة النووية.
هناك عامل آخر مساعد، وهو أن التحركات الخاصة بمعاهدة الحظر يمكن أن تبني على نظام نزع التسلح الموجود، الذي تشارك فيه كل الدول عدا أربع – هي إسرائيل، والهند، وباكستان، وكوريا الشمالية. ومن بين هذه الدول الأربع، امتنعت الهند وباكستان عن التصويت على معاهدة الحظر الذي جرى في أكتوبر الماضي. ويجب اعتبار امتناعهما علامات إيجابية على إمكانية نجاح معاهدة الحظر في تحقيق نزع كلي للأسلحة. كذلك امتنعت الصين أيضًا عن التصويت، وهو ما يمكن قراءته كإعلان من بكين بأنها غير خائفة من عالم خال من الأسلحة النووية، حتى لو كان لها امتياز احتفاظها بوضع نووي رسمي.
ثمة امتناع آخر مثير للاهتمام كان من جانب هولندا،وهي عضو بحلف الناتو الذي صوتت بقية أعضائه ضد القرار. كما أن هولندا هي إحدى خمس دول أوروبية تستضيف أسلحة نووية تكتيكية خاصة بالولايات المتحدة، وذلك كجزء من اتفاقية دول الناتو لتقاسم العبء النووي. وربما يمثل امتناع هولندا صدعًا في الدرع الذي أسسته الولايات المتحدة ودول أخرى مسلحة نوويًا لحماية أسلحتها النووية من مبادرة معاهدة الحظر.
هل يمكن أن تكون معاهدة الحظر كافية للتخلص من الأسلحة النووية؟ قد يقول البعض بأنها ستكون مسعى فاشلًا، لا سيما مع امتناع الدول التي تمتلك غالبية المخزون النووي العالمي عن تبني معاهدة المبادرة. لكن ربما كانت هذه النظرة قصيرة المدى. فقد لا تستطيع المعاهدة إنهاء سطوة الأسلحة النووية من تلقاء نفسها، حتى في المستقبل القريب، لكن يمكن أن نتوقع أن تخلق وصمة عار عالمية تحيط بالأسلحة النووية – مما قد يؤشر لبداية النهاية. وقد لا تكون مفاجأة إذا اعتبرت المعاهدة، بعد عقود من الآن، الأساس لعالم خال من الأسلحة النووية.