وجهة نظر من جنوب شرق آسيا
By Raymund Jose G. Quilop (AR) |
التقنية النووية تمثل دائما مسألة خلافية. فالدول التي أخذت زمام المبادرة أولا لتطوير وامتلاك التقنية النووية أدركت بصورة واضحة مدى الأخطار التي تشكلها تلك التقنية، وغالبا ما سعت لمنع انتشار هذه الخبرة التقنية على نطاق أوسع. لكن دولا أخرى، إدراكا منها بالفوائد التي قد تجنيها عن طريق التقنية النووية، غالبا ما تحرص على اكتساب تلك الخبرة.
ويزيد من تعقيد هذا الوضع المشحون كل من المفاهيم الخاطئة وعدم الثقة. إذ يمكن أن ينظر إلى الدول التي تمتلك التقنية النووية على أنها ترغب في الحفاظ على تلك التقنية لأنفسها حتى تتمكن من التمتع بمزايا غير عادلة عن بقية الدول الأخرى. وفي الوقت ذاته، الدول التي تحاول تطوير تقنيات نووية قد يشتبه في أنها تضمر دوافعا غير سلمية.
تؤكد معاهدة حظر الانتشار النووي على الحق المتأصل لجميع الدول في الاستخدام السلمي للتقنية النووية، كما تؤكد، في الوقت ذاته، على منع انتشار التقنية والمواد النووية لإنتاج الأسلحة، وعلى قيام الدول التي تمتلك بالفعل أسلحة نووية بنزع أسلحتها. هذه هي أركان المعاهدة الثلاثة، والتي تمثل في مجموعها فكرة واحدة أنشئ على أساسها نظام حظر الانتشار النووي. لكن البعض يجادل بأن هذه الفكرة ظلت على هذا النحو، مجرد فكرة، وأنه لم يتحول أي من هذه الأركان الثلاثة بشكل كامل إلى واقع. ويفسر النجاح غير الكامل للنظام "انتشار" الجهود العالمية والمتعددة الأطراف والإقليمية ودون الإقليمية لمنع انتشار الأسلحة وتعزيز الاستخدام السلمي للتقنية النووية وتشجيع نزع السلاح. ومع ذلك، ينبغي الاعتراف بالتقدم الذي حققته المعاهدة، وإن كان محدودا للغاية في نظر بعض المراقبين. كما ينبغي الاعتراف بقيمة مختلف الجهود المتعددة الأطراف والإقليمية ودون الإقليمية.
على الرغم من أنه لم يتم إلى الآن تسوية القضايا المتعلقة بامتلاك الدول لتقنيات نووية، فإن خطر حصول الجهات الفاعلة غير الحكومية على تقنيات ومواد نووية قد ظهر على الساحة بشكل متزايد. وهذا قد دفع المجتمع العالمي، الذي أعطى بالفعل اهتماما كبيرا للسلامة النووية والضمانات، لتكريس مزيد من الاهتمام لمسألة الأمن النووي. ويزيد من تعقيد هذه المسألة الخطر المحتمل من قيام بعض الدول بإمداد الجهات الفاعلة غير الحكومية بتقنيات أو مواد نووية — سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، عمدا أو عن طريق الخطأ. غير أن الآليات الدولية لمعالجة إمكانية حصول الجهات الفاعلة غير الحكومية على تقنيات أو مواد نووية لا تزال في مراحلها الناشئة. وإذا كانت الآليات التي استخدمت لفترة طويلة لمعالجة امتلاك الدول غير المشروع لتقنيات ومواد نووية لم تنجح بشكل كامل، فلماذا ينتظر من آليات ناشئة في التعامل مع الجهات الفاعلة غير الحكومية أن تثبت أنها أكثر فعالية؟
العرض والطلب. في ضوء ما سبق، إذا أرادت مجموعة الموردين النوويين أن تشكل مجموعة من السياسات تكون أكثر فعالية لمعالجة الانتشار النووي، فيجب أن تتعامل مع عدة قضايا أساسية. أولها، يجب ألا تشعر الدول التي ستبدأ في تنفيذ برامج نووية لأغراض مشروعة بأن سياسات وبرامج وجهود مجموعة الموردين النوويين تهدف إلى تقييدها وكبحها. لكن ذلك، باعتراف الجميع، ليس مهمة سهلة، فمراقبة الصادرات مجال يمكن أن تشكل فيه اختلاف الرؤية حجر عثرة خطير. مؤيدو مراقبة الصادرات، مثل الولايات المتحدة، غالبا ما يؤكدون أن مراقبة الصادرات لا تهدف لتقييد تجارة المواد ذات الاستخدام المزدوج (على الرغم من أن مجموعة الموردين النوويين بذاتها تستلزم أن تخضع المرافق أو الأنشطة التي تستعمل موادا ذات استخدام مزدوج لضمانات تشرف عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية). لكن بين الدول العملاء، هناك إدراك قوي بأن مراقبة الصادرات تقيد حركة التجارة بدون داع. هذه الرؤية تجعل من الصعب، لا سيما في الدول ذات المجالس التشريعية المنتخبة ديمقراطيا، تمرير قوانين مراقبة الصادرات التي تهدف إلى منع إعادة تصدير أوإعادة شحن مواد ذات استخدام مزدوج.
تبرز مثل هذه القضايا في منطقتي — جنوب شرق آسيا- والتي يقال أحيانا أنها تمر بـ "نهضة نووية". بمعنى، أن عدد الدول المستكشفة للطاقة النووية كمصدر إضافي للطاقة لدعم تنميتها الاقتصادية من المتوقع أن يرتفع خلال السنوات القادمة. فيتنام قد تقوم بإنشاء مفاعل نووي بحلول عام 2020 ، كما أن إندونيسيا وماليزيا تفكران جديا في اعتماد الطاقة النووية. في خضم هذا النشاط، من الضروري ألا ينظر إلى مجموعة الموردين النوويين على أنها تقيد طموحات دول جنوب شرق آسيا في امتلاك الطاقة بدون وجه حق.
المسألة الثانية الأساسية لمجموعة الموردين النوويين هي أنه يجب على المجموعة وضع آليات أفضل لضمان أن التقنيات والمواد المقدمة إلى دول لاستخدامها في أغراض سلمية مشروعة لن تحول إلى دول لديها طموحات نووية غير سلمية تماما. (في شرق آسيا، غالباً ما تُعتبر كوريا الشمالية دولة ذات طموحات نووية خبيثة، حيث شاركت في صفقات غير مشروعة كمستورد وربما كمورًد أيضا.. قد يكون من غير المرجح أن تقوم الحكومات التي تتعامل معها مجموعة الموردين النوويين بنقل التقنيات والمواد النووية مباشرة إلى دول لديها دوافع غير حميدة. لكن مع ذلك يمكن أن يحدث التحويل.
ثالثا، وفيما يتصل بذلك، يجب أن تأخذ مجموعة الموردين النوويين في الحسبان احتمالية أن تقوم الدول المعروف عنها تطوير قدرة نووية مشروعة بتوفير التقنية والمواد النووية إلى الجهات الفاعلة غير الحكومية. لكن ذلك يمثل مسألة صعبة في جنوب شرق آسيا. لا توجد دولة في جنوب شرق آسيا يعرف عنها تسامحها مع الجماعات الإرهابية التي حاولت الحصول على مواد نووية، لكن نفاذية الحدود في المنطقة، بالإضافة إلى المقدرة القليلة في مجال الأمن النووي، يجعل من الصعب ضمان عدم القيام بشحنة غير مشروعة أو إعادة شحن مواد نووية.
أكبر أو أقل. لذا، المعضلة أمام مجموعة الموردين النوويين هي الاختيار ما بين التعامل مع عدد أكبر أو أقل من الدول. التعامل مع عدد أكبر من الدول سوف يضمن تطبيق معايير المجموعة الصارمة لحظر الانتشار النووي في أماكن أكثر، لكنه سيزيد أيضا من عدد الطرق التي يمكن أن تحصل من خلالها الدول التي تعمل على الانتشار والجهات الفاعلة غير الحكومية ذات الدوافع الخبيثة على هذه التقنية. في حين أن التعامل مع عدد أقل من الدول سوف يقلل عدد الأماكن التي توفر الحصول على تقنيات نووية، لكنه سوف يعني أيضا أن معايير مجموعة الموردين النوويين ستطبق في عدد أقل من الدول. (على أية حال، إذا اختارت مجموعة الموردين النوويين عدم التعامل مع دول ما فإن هذه الدول ستسعى في الغالب الى امتلاك التقنية النووية من خلال وسائل غير مشروعة.)
ينطوي انتشار التقنية النووية على ديناميكيات معقدة وتفاعل بين القوى المتنافسة. لكن بما أن التقنية النووية قد تم تطويرها بالفعل ولا يمكن تركها من غير استغلال، فينبغي على المجتمع العالمي — بما في ذلك مجموعة الموردين النوويين – مواصلة البحث عن أفضل السبل للتحكم في انتشار هذه التقنية.