إغلاق دورة الوقود: وجهة نظر الأغلبية

لم يفند كلاوس جانبيرج وهوى تشانج الحجة الرئيسية التي قدمناها لصالح إعادة المعالجة والمفاعلات المولدة السريعة: بأن الجيل الحالي يحمل التزاما أمام الأجيال القادمة بعدم استنزاف موارد اليورانيوم في العالم. لكن بدلا من ذلك، ركز جانبيرج وتشانج على المسائل الاقتصادية وقضايا النفايات وكذلك على برنامج الأسلحة النووية للهند— والذي يأتي خارج السياق، إذ إن الغرض من هذه المائدة المستديرة هو مناقشة موضوع معين، وليس موقف أي دولة تجاه هذا الموضوع.

حددنا أيضا عدة أخطاء فنية في المقال الثاني لتشانج. على سبيل المثال، قال تشانج إن "النفايات عالية المستوى الإشعاعي، والنفايات متوسطة المستوى الإشعاعي طويلة العمر، والنفايات منخفضة المستوى الاشعاعي [الناجمة عن إعادة معالجة البلوتونيوم وإعادة تدويره] … يجب أن تدفن في النهاية، وبالتالي فإن إعادة المعالجة لا تلغي الحاجة إلى وجود مستودعات". وهذا بعيد تماما عن الدقة. والحقيقة هى أن النفايات عالية المستوى الإشعاعي فقط هى التي تتطلب الدفن في مستودعات جيولوجية عميقة. إذ يمكن دفن النفايات متوسطة المستوى الإشعاعي في مستودعات سطحية— والتي يكون إنشاؤها أسهل. أما النفايات منخفضة المستوى الاشعاعي فيمكن تخفيفها وتبديدها، دون الحاجة إلى مستودعات على الإطلاق. وهذا في الواقع يمثل النهج الدولي لإدارة النفايات (وليس نهج الهند فقط).

كما اقترح تشانج أيضا أن دورة وقود المرة الواحدة لا تتطلب مساحة إضافية في المستودعات الجيولوجية مثل التي تتطلبها دورة الوقود المغلقة— طالما يمكن تخزين النفايات لمدة 100 سنة في براميل التخزين الجاف. لكن هذا بعيد تماما عن الصواب أيضا. إذ إن أبحاثا عديدة تتعلق بمجموع ما كُتب في هذا الصدد تبين بوضوح أنه، عن طريق دورة وقود المرة الواحدة، يتم تخفيض سمّية النفايات عالية المستوى الإشعاعي إلى مستويات مماثلة لمستويات اليورانيوم الطبيعي بعد عشرات الآلاف من السنين. لكن عندما تتم إزالة عناصر ما بعد اليورانيوم من خلال إعادة المعالجة، فإنه يتم تخفيض مستويات السمّية المماثلة لمستويات اليورانيوم الطبيعي بعد 300 سنة فقط. هذه حقيقة أساسية تستند إلى طبيعة الاضمحلال الإشعاعي، ولا يمكن أن نتجاهلها. وعلى أية حال، إن تأكيد جانبيرج وتشانج على براميل التخزين الجاف هو تأكيد خاطئ. إذ هل هناك أي طريقة لضمان سلامة الوقود المستهلك المخزن في براميل لمئات أو آلاف السنين؟ وكما كتبنا في مقالنا الثاني، المكان الأكثر أمانا للبلوتونيوم هو داخل المفاعل. وبراميل التخزين الجاف لا يمكن مقارنتها به.

الآن أو لاحقا. ثمة ميزة أخرى مهمة لإعادة المعالجة، والتي لم يُعرها جانبيرج وتشانج أي اهتمام، ألا وهى قدرتها على الحد من الحاجة إلى استخراج اليورانيوم. إن مرحلة استخراج اليورانيوم، من بين جميع مراحل دورة الوقود النووي بما في ذلك إدارة النفايات في النهاية، هى المسؤولة عن تقديم أعلى جرعة من النشاط الإشعاعي إلى البشر. إن المؤتمر الدولى حول التطورات في مفاعلات الطاقة النووية لعام 2015، الذي انعقد مؤخرا في مدينة نيس الفرنسية، اشتمل على عروض ومناقشات حول نظم نووية تعمل باليورانيوم والبلوتونيوم المنضبين (المستخرجين من إعادة المعالجة) وقدرتها على تقليل الحاجة إلى استخراج اليورانيوم، إن لم يتم تجنبه تماما.

كتب تشانج أيضا في مقاله الثاني أن "المفاعلات السريعة وإعادة تدوير البلوتونيوم لا يزال أمامها الكثير قبل أن تتمكن من المساهمة بشكل فعال" في إنشاء طاقة نووية مستدامة. ونحن يسرنا أن نرى أن تشانج يعتقد أنه المفاعلات السريعة وإعادة المعالجة يمكنها أن تسهم بشكل فعال في مرحلة ما، حتى إن لم يكن ذلك في الوقت الحالي. لكن ذلك، في الحقيقة، هو محور حجتنا— بأن اعتماد المفاعلات المولدة السريعة ومعالجة البلوتونيوم على نطاق واسع هى مسألة توقيت، وليس اختيار. إن الحاجة العالمية لتحقيق استدامة الطاقة حددت مسألة "الاختيار". أما "التوقيت" فيعتمد على سياسات الدول المنفردة والنضج التقني ومتطلبات الطاقة.

وحسب معرفتنا، لا توجد دولة تبنت الرأي القائل بأنه لن تكون هناك أبدا حاجة لدورة الوقود المغلقة. في الواقع، يوجد عدد قليل جدا من الدول التي تفضل دورة وقود المرة الواحدة، وبعض هذه الدول تنوي التخلص التدريجي من الطاقة النووية بالكلية. إن أغلبية الدول ترى أن دورة الوقود المغلقة ليست اقتصادية بالنسبة لهم في الوقت الحالي، أو ليست مطلوبة الآن. لكنها تحتفظ بخيار اعتماد دورة الوقود المغلقة على المدى الطويل. لطالما تم الإقرار بأهمية المفاعلات السريعة وإعادة معالجة البلوتونيوم في البرامج الدولية مثل المؤتمر الدولى حول التطورات في مفاعلات الطاقة النووية والمنتدى الدولي للجيل الرابع. إن السبب وراء موقف الأغلبية هذا هو أنه إذا أردنا أن تكون الطاقة النووية مستدامة— حيث تشمل معايير الاستدامة كل من الاقتصاد والسلامة وإدارة النفايات— فإنه لا يمكن الاستغناء عن دورة الوقود المغلقة والمفاعلات السريعة.


Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]