الإرهاب الإشعاعي: تهديد قائم لم يتصدى له

By Hubert Foy: AR, April 22, 2016

تحظى المواد الانشطارية بقدر وافر من الإهتمام – سواء على صعيد قمم الأمن النووي او في هذه المائدة المستديرة. والسبب في ذلك معلوم. اذ تستحق المواد التي يمكن استغلالها من قبل الإرهابيين لصنع قنبلة نووية نصيب الأسد من الإهتمام في اي محفل يتم خلاله مناقشة قضية الأمن النووي. وتشكل المصادر المشعة – وهي تلك المواد التي تٌنتج لقدرتها على إصدار نوع من الاشعاع ذو نفع كبير في مجالات الزراعة والصناعة والبناء والدواء والتعدين والأبحاث والمواصلات – خطرا كبيرا في حد ذاتها. اذ تترواح اعدادها بالملايين. كما تشكل عشرات الآف من هذه المصادر الاشعاعية المُغَلًفة  – التي تأتي على هيئة كبسولات ذات تركيزات عالية من المواد الصلبة المشعة  – مصدر قلق حقيقي. اذ يمكن سرقتها او بيعها في السوق السوداء. الأسوأ من ذلك، ان هذه المصادر يمكن استخدامها من قبل الجهاديين لصنع جهاز التشتيت الإشعاعي المعروف ايضاً باسم القنبلة القذرة.

وحتى الآن تبقى المخاطر  التي تشكلها المصادر الإشعاعية الى حد كبير قائمة دون معالجة.  ومن المعلوم أن قضية المصادر المشعة قد طرحت في أجندة أعمال قمم الأمن النووي في العام 2012 ، عندما أكد البيان الختامي لقمة سول على أهمية ضمان عدم اعطاء اية فرصة لوقوع المصادر المشعة في الأيدي العابثة. ولكن رغم عقد قمتين على مدار أربعة أعوام ، لا تزال المصادر المشعة تشكل تهديدا حقيقاً.  وكما ذكر زميلي نيلسو في مقاله الأول من هذه المائدة المستديرة، فقد سرقت نحو 10 جرامات من مادة الراديوم-192 العام الماضي من إحدى منشآت التخزين بالعراق. وتم استعادة المادة المسروقة لاحقاً، لكن هذه الحادثة اعتبرت مؤشرا خطيراً. لذلك، وقع نحو 35 عالماً من الحاصلين على جائزة نوبل على رسالة قبيل انعقاد القمة الأخيرة، دعوا من خلالها زعماء الدول "الى تخصيص الموارد الضرورية لاحراز مزيد من التقدم …. في جهود منع وقوع أعمال ارهابية باستخدام المواد النووية والاشعاعية".

ليس من السهل تتبع مصادر المواد الاشعاعية وتطبيق نظام للمسآلة بشأنها. وكما هو مؤكد فالمصادر المشعة موجودة في اماكن كثيرة متفرقة وتتنوع مجالات استخداماتها.  وفي الغالب يتم الاتجار بهذه المواد عن طريق المهربين، او عن طريق العاملين بالمنشأة انفسهم الساعين نحو تحقيق مكاسب كبيرة من خلال الاتجار غير المشروع. وهذا يعني بما لايدع مجالاً للشك ان العديد من المصادر المشعة لا تخضع للرقابة النظامية وتعد غير حصينة البتة ضد اساءة استخدامها. وخلال الفترة بين العامين 2013-2014، أبلغت نحو 133 دولة من الدول الأعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن حدوث 276 واقعة اتجار غير مشروع او نشاط غير مسموح به بالمصادر المشعة.  وفي ظل عجز الحكومات والقطاع الخاص عن تتبع المواد المشعة، بدء من مصدر انتاجها وصولا الى المستخدم وانتهاء الى التخلص الآمن منها، تبقى احتمالية وقوع عمل ارهابي باستخدام قنبلة قذرة قائمة على نحو لا يمكن السكوت عنه.

وتبقى الفرص قائمة لتعزيز الحماية المتاحة للمصادر المشعة – وذلك على سبيل المثال، من خلال النجاح في الزام المجتمع الدولي على الالتزام بمدونة قواعد السلوك المتعلقة بسلامة المصادر المشعة وأمنها، الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية،  والعمل بها. وتهدف المدونة الى "وضع ومؤامة سياسات وقوانين وتشريعات خاصة بسلامة المصادر المشعة وأمنها". ومع الأسف، لم تلتزم بالمدونة سياسياً سوى 130 دولة من أصل 168 عضو لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأخطرت 103 دولة فقط الوكالة من أنها تعتزم العمل بموجب دليل الوكالة الارشادي الخاص باستيراد وتصدير المواد المشعة.

إضافة الى ماسبق، لم تضع العديد من الدول أطر قانونية وتشريعية قوية وشاملة للأمن الإشعاعي. وفي دولة غانا، حيث يقع مقر عملي، وقع الرئيس جون ماهاما السنة الماضية المرسوم التنظيمي للمواد النووية لسنة 2015، والذي بموجبه أصبحت دولة غانا ثالث دولة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء  يكون لديها سلطة تشريعية مستقلة للشأن النووي. ومما لا شك فيه، فإن  ضعف البنى القانونية لدى العديد من الدول – ومع عدم التزام الدول بمدونة القواعد سالفة الذكر – يعني وجود عدد كبير من المصادر المشعة خارج نطاق اليات التأمين الوطنية والدولية.
وتمكن ثمة فرصة أخرى لتعزيز الأمن الإشعاعي في اقامة دورات تدريبية وتقديم منح تعليمية للعاملين في مجال إدارة المصادر المشعة والتخلص منها. اذ تتوقف فعالية إجراءات التأمين على سلوك الأفراد المتعاملين تعاملاً مباشراً مع الأجهزة الاشعاعية. فحري بالجهات المعنية، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والشبكة الدولية للتعليم في مجال الأمن النووي، أو اية جهات أخرى ذات صلة، وضع برامج تعليمية وتدريبية، معدة خصيصاً لتأمين المصادر الإشعاعية. ويب ان تنصب كل هذه الجهود نحو غرس ثقافة أمنية قوية.

وأخيرا، يستطيع القطاع الخاص أن يؤدي واجبه بالعمل كخط الدفاع الأول ضد وقوع المواد الاشعاعية في ايدي الارهابيين. فلا بد من جعل مسألة تطبيق افضل الممارسات ذات الصلة بالعمل في المجال الاشعاعي، مسؤولية مشتركة لدى شركات القطاع الخاص، وغرس افضل الممارسات في مختلف المجالات ذات الصلة. كما يجدر بالمنظمات الفاعلة، كالوكالة الدولية للطاقة الذرية والمعهد العالمي للأمن النووي، تسهيل عملية التبادل الدولي بين الشركات وتمكينها من تبادل افضل الممارسات. ويجدر ايضاً بهذه المنظمات المساهمة في تطوير الأجهزة التي تستخدمها شركات لحماية المواد ومراقبتها وكشف محالاوت تهريبها.

هذه المبادرات التي طرحتها لا تبدو براقة في ظاهرها ، لكنها ربما شكلت الخط الفاصل بين يوم عادي في احدى عواصم العالم – وبين ذلك اليوم الذي تضطر فيه دول العالم، رغم انفها ودون ترو، إلى النظر الى قضية الأمن الاشعاعي من منظور جديد غير سار، وذلك بعد ما تفاجئ بوقوع عمل ارهابي باستخدام قنبلة قذرة.


Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]