السبيل نحو تسوية كورية

By Andrei Lankov: AR, September 12, 2016

لن يُحَلَّ المأزق النووي بكوريا الشمالية ما دام الأمر يقتصر على اعتبار نزع السلاح الحل الوحيد المقبول للخروج من هذا المأزق. وسوف يروج بكل تأكيد الداعون إلى فرض العقوبات وممارسة الضغوط لأفكارهم سنينا بل ولربما لعشرات قادمة من السنين. وسوف ينهج من يؤمنون بالحل الدبلوماسي على غرار "النموذج الإيراني" نفس النهج. ولكن وعلى خلاف تلك الاعتقادات، أستطيع أن أؤكد انني على يقين الآن بأن شيئا لن يقنع صناع القرار في كوريا الشمالية بالتنازل عن سلاحهم النووي، لن يقنعهم الضغط الاقتصادى ولا المكافأة الاقتصادية، حيث ينظر صناع القرار بكوريا الشمالية إلى السلاح النووي على أنه الضمان الأمني الأوحد لهم. وبهذا يمكننا القول أنه ما من سبيل لتحقيق نزع السلاح النووي سوى تغيير النظام في بيونغ يانغ وهو سيناريو محتمل الوقوع خاصة على المدى البعيد إلا أنه غير متوقع الحدوث.

وما دمنا قد سلمنا بتلك الحقائق المزعجة، يأتي الآن دور البحث عن سبل للتخفيف من وقع العواقب السلبية لنزع السلاح النووي للشمال.

وبصفة عامة فقد تجلب العقوبات الدولية ضررا يفوق ما تحققه من منفعة، بيد أنه ينبغي الاستمرار في فرض العقوبات التي تحد من حصول كوريا الشمالية على التكنولوجيا النووية وتكنولوجيا الصواريخ ومكوناتهما بل وينبغي دعم تلك العقوبات أيضا. كما سيكون من السهل نوعا ما ضمان الدعم العالمي الكبير بشأن استمرار  هذا النوع من العقوبات "المحدودة". ولن تمنع تلك العقوبات كوريا الشمالية من تطوير برنامجها النووي كليةً إلا أنه من المحتمل أن ترجىء أمد تقدمه بصورة ملحوظة.

وبعيدا عن العقوبات، فإن المنهج الأفضل والأكثر واقعية أو لِنَقُل "الأقل سوءًا" هو التفاوض حول تجميد البرنامج النووي لبيونغ يانغ. ويعد تطبيق هذا المنهج على أرض الواقع بشكل ما أو بآخر صيغة جديدة لإطار 1994 المتفق عليه، وهو الإطار الذي نجح في إرجاء أمد تقدم برنامج الشمال النووي. فقد وافقت كوريا الشمالية بموجب الإطار على تجميد العمليات ثم تفكيك مفاعلاتها المهدأة بالغرافيت. وكان من المتفق عليه أن تحصل كوريا الشمالية مقابل ذلك بانتظام على شحنات من البترول الخام وعلى مفاعلين من مفاعلات الماء الخفيف لتوليد الكهرباء.

وسوف تفرض كوريا الشمالية بموجب الصيغة المحدثة من الاتفاق قرارا بتعليق الاختبارات النووية  وعمليات إطلاق الصواريخ طويلة المدى. كما ستسمح للمراقبين بدخول منشآتها النووية. وسوف تحصل بيونغ يانغ في المقابل على الغذاء والمساعدات الانسانية والإنمائية بصورة منتظمة بجانب حصولها على امتيازات سياسية قد يدخل ضمنها بعض انماط من العلاقات أو الإقرارات الدبلوماسية. وسوف ينص الاتفاق صراحة أو سيقر ضمنا بإمكانية احتفاظ كوريا الشمالية بأجهزتها النووية الحالية.

ومن الوارد بل ويؤيده الواقع أن يحاول شعب كوريا الشمالية أن يحتال للأمر (كما فعل منذ 1994 حتى 2002 وقت سريان الإطار). إلا أن وجود المفتشين الأجانب  والإغراءات التي تستدعيها العطايا الدولية سوف تجعل بيونغ يانغ أكثر حرصًا، وبالتالي لن يكون النجاح في أغلب الأحيان حليفا لها في أي محاولة سرية منها لتطوير ترسانتها النووية.

وتبقى التسوية حلا مربحًا لكلا الطرفين، إذ ستحتفظ كوريا الشمالية بقدر كاف من أجهزة الردع النووية كما ستحصل في الوقت ذاته على مساعدات يحتاج اقتصادها إليها. وعلى الجانب الآخر سوف تقل الأسباب التي تدعوا الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إلى القلق من التهديدات التي تفرضها كوريا الشمالية. ولن يتفاقم التهديد كل عام على الأقل كما هو الحال الآن.

ويبدوا –لسوء الحظ- أنه من غير المحتمل الوصول إلى تلك التسوية في ظل الأوضاع السياسية الراهنة. ففي الولايات المتحدة تستدعي محاولة أي رئيس صياغة اتفاق ما هجومًا  حادًّا كما يُتَّهَم حينها بمحاباة المبتز. وعلى الجانب الآخر، سوف تضع التسوية كوريا الشمالية بلا شك في موضع الدولة الأولى التي توقع على معاهدة منع الانتشار النووي ثم تضرب بها عُرض الحائط وتمتلك سلاحا نوويا ثم تحصل في المقابل على عطايا فياضة نظير انتهاكها للقانون الدولي. ولهذا فإن التسوية بغض النظر عن مدى ملاءمتها للواقع سوف تحمل في طياتها خطرا سياسيا كبير للإدارة الأمريكية. وتزداد الأمور تعقيدا عندما نعلم أن واشنطن يسيطر عليها آمال عراض لا تمت للواقع بأدنى صلة بشأن العقوبات. ومعلوم أن أصحاب المواقف المتشددة لا يملون الادعاء أبدا بأن العقوبات قد أينعت واقترب أوان قطاف ثمارها.

وتبدوا كوريا الشمالية كذلك تحت قيادة زعيمها كيم جونغ أون غير مكترثة بإبرام أي تسوية. ومن الواضح أن الراحل كيم جونغ إل كان يهدف إلى انتاج عدد قليل من الأجهزة النووية لأغراض تتعلق بالردع وحسب، إلا أن الزعيم الحالي يبدوا مُصِرًّا على امتلاك ترسانة أكبر تتوافر بها جميع أجهزة الإطلاق القادرة على ضرب الولايات المتحدة القارية. ولهذا فمن غير المحتمل أن يسترعي انتباه كين جونغ أون أمرأي تسوية قبل أن يتمكن من تحقيق أهدافه الطموحة.

وعليه يتجمد الموقف وهو ما يدعوا للأسى. فكل عام يمرهدرا يعني تطوير كوريا الشمالية للمزيد من السلاح بصورة أفضل مع ازدياد أخطار الانتشار في الوقت ذاته. إلا أنه إن عاجلا أم آجلا، سوف نسلم جميعا بعدم جدوي السياسات الحالية. وقد لا ندرك هذا إلا بعد أن تحرز بيونغ يانغ بعضا من النجاجات المذهلة في برنامجها النووي والصاروخي ولربما يأتي هذا النجاح في صورة اختبار ناجح لصاروخ طويل المدى. وأيا كانت الظروف والأحوال، فإنه من المتوقع أن تكسب التسوية أرضا عند نقطة ما، وكلما اقترب أوان التغيير كان الوضع أفضل. فقد لا يكون تعليق البرنامج النووي لكوريا الشمالية حلا نموذجيا إلا أنه يبدوا الحل الواقعي الأوحد.



Topics: Nuclear Weapons

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]