الكثير من اللغط حول لا شيء

By Bharath Gopalaswamy: AR, June 5, 2015

أثار الاختبار المضاد للأقمار الصناعية الذي أجرته الصين عام 2007 جدلا كبيرا بين مخططي السياسات في الولايات المتحدة بشأن احتمال تعرض الموجودات الفضائية الأمريكية لهجوم. ويعتقد كثير من العلماء والمحللين أنه على مدى العقد الماضي، استثمرت الصين ببطء ولكن بثبات في مجموعة واسعة من القدرات الفضائية المضادة والقادرة في الحقيقة على تشكيل تهديد للولايات المتحدة وحلفائها. وفي هذا الصدد يتركز الاهتمام على قضيتين.

أولا، قد تشكل القدرات الصينية المضادة للأقمار الصناعية في يوم من الأيام تحديا للقيادة الأمريكية للمشاعات، لا سيما في مجال الفضاء. هذا هو الاعتبار الأساسي فيما يتعلق بالعمليات العسكرية التقليدية لواشنطن لأن الموجودات الفضائية توفر مزايا هائلة للولايات المتحدة في المراقبة العسكرية وغيرها من المجالات. ثانيا، يمكن لبعض القدرات الفضائية المضادة أن تهدد موجودات بالغة الأهمية لوضع واشنطن النووي المتعلق بالإطلاق عند الإنذار. إن الهجوم على هذه الموجودات يمكن أن يؤدي إلى حرب نووية بدون قصد. وفي هذا السياق، يتخوف البعض من أن استثمارات بكين في التقنيات المضادة للأقمار الصناعية قد تؤدي الى سباق تسلح إقليمي— وعلى وجه التحديد، قد تستثمر دلهي في هذه القدرات أيضا، مما يزيد من خطر وقوع حرب نووية غير مقصودة بين الهند والصين.

مواقف ودوافع. يتمتع الجيش الأمريكي بمزايا نوعية كبيرة مقارنة بالمنافسين المحتملين بسبب الدعم الذي تقدمه المنصات الفضائية. على سبيل المثال، تقوم مجموعة كبيرة من الأقمار الصناعية المصوِّرة بتحسين قدرات المراقبة للولايات المتحدة بشكل كبير. كما أن الأقمار الصناعية لتحديد المواقع العالمية تساعد القوات الأمريكية على توجيه أسلحتها بدقة لا مثيل لها. وتساعد الأقمار الصناعية للاتصالات في التحكم في تدفق المعلومات. نتيجة لذلك، فإن القوات العسكرية الأمريكية قادرة على إطلاق قوتها بطريقة الحملة السريعة. إذ يمكنها أن تعمل في مسارح عمليات بعيدة، مستخدمة كل من المبادئ والمعدات المتطورة التي تعتمد على الأقمار الصناعية للمراقبة المتقدمة والاستطلاع والاتصالات والملاحة وبيانات التوقيت.

غير أن الموجودات الفضائية الأمريكية تمثل أيضا نقاط ضعف محتملة— وبالأساس أمام القدرات الصينية الفضائية المضادة. وتشير العديد من التقديرات المعتمدة على معلومات متاحة علنا أنه على الرغم من زيادة استثمارات الصين في مجال التقنيات الفضائية المضادة، ما زالت واشنطن تتمتع بميزة هائلة تتعلق بالعمليات التقليدية التي يتم إجراؤها بدعم من الموجودات الفضائية. لكن الصين مترددة في الانخراط بشكل كامل في النظام العالمي القائم على القواعد التي أرستها واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا هو مصدر القلق الرئيسي لصناع السياسات الأمريكية. فهم يشعرون بالقلق من أن الصين قد تظهر سلوكا لا يمكن التنبؤ به— وفي الحقيقة تجلت عدم القدرة على التنبؤ تلك في اختبار الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية الذي أجرته الصين في عام 2007، وغيرها من التجارب في الفضاء الخارجي منذ ذلك الحين.

أما مصدر القلق الرئيسي الثاني لصناع السياسات الأمريكية هو أن القدرات الفضائية المضادة قد تؤدي بدون قصد إلى حرب نووية— على سبيل المثال بين الولايات المتحدة والصين أو بين الصين والهند. ويخشى العديد من مخططي السياسات الأمريكية أن الصين يمكنها توظيف قدراتها الفضائية المضادة لتدمير الموجودات الفضائية الهامة لواشنطن، مثل الأقمار الصناعية للإنذار المبكر. ويمكن أن يؤدي ذلك، في بعض السيناريوهات، إلى تقديرات خاطئة بأن الصين قد قامت بتوجيه ضربة نووية وقائية. وبالمثل، قد تؤدي الاستثمارات الصينية أو الهندية في هذه القدرات إلى سوء التقدير في بكين أو دلهي، مما يصعد النزاع إلى حرب نووية. لكن لكي نفهم احتمالية مثل هذا الوضع، فمن المهم أن نفهم دوافع الصين والهند لاكتساب قدرات فضائية مضادة—ومن أجل أن نفهم المواقف النووية للدولتين أيضا.

إن دوافع الصين المتعلقة بقدراتها الفضائية المضادة ما زالت، للأسف، غير واضحة. هل تفكر الصين في إضعاف القيادة الأمريكية للمشاعات من أجل عرقلة القدرة التشغيلية للقوات الأمريكية في منطقة غرب المحيط الهادي؟ هل تتصور بكين التخلص من قدرات المراقبة النووية الأمريكية؟ لا تزال هذه الأسئلة الهامة بدون إجابة. والأمر الذي أدى إلى مزيد من الالتباس بالنسبة لصانعي السياسات هو ما إذا كانت الصين سوف تتعامل مع هذه القضايا بنفس الطريقة التي انتهجتها موسكو خلال الحرب الباردة—في تلك الحقبة، خفف الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة من الضغوط وطمأنا أنفسهما من خلال إنشاء معاهدات مثل معاهدة الفضاء الخارجي. هناك شيء واحد مؤكد: القدرات الصينية الفضائية المضادة الحالية كافية لمنع وصول الولايات المتحدة إلى الفضاء— لكن بشكل مؤقت فقط.

وعندما يتعلق الأمر بالوضع النووي، فإن الموقف يكون أكثر وضوحا: الصين لا تعتقد في القيام بتنفيذ ضربة نووية أولية. ومنذ عام 1964، عندما أجرت الصين أول تجربة نووية لها، وحتى منتصف التسعينات، عندما بدأت المفاوضات بشأن معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، سار تحديث الترسانة الصينية ببطء شديد. في أواخر السبعينات، طورت الصين صواريخ باليستية بعيدة المدى قادرة على استهداف الولايات الأمريكية الـ48 المتجاورة، لكن بكين تمتلك بالكاد اثني عشر صاروخا من هذه النوعية. وبالنسبة للصينيين، تبدو نسبة 125: 1 من الرؤوس الحربية لصالح واشنطن كافية لتوفير الردع النووي. وخلافا للولايات المتحدة، التي طورت ترسانة تشتمل على عدة آلاف من الرؤوس الحربية ونظم إيصالها وقدرات متنوعة لخوض حرب نووية وأسلحة زائدة عن الحاجة، أبقت الصين ترسانتها بسيطة. حيث استعاضت بكين عن التقنية بالسياسية.

واليوم، تشير جميع الأدلة المتاحة إلى أن الصين، على الرغم من زيادة ترسانتها النووية، لم تعد التفكير في موقفها النووي بطريقة جذرية. وبالتالي فإنه من غير المحتمل تماما أن تعتبر الصين الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية وسيلة لتعطيل المراقبة النووية للأقمار الصناعية. وحتى لو لم تعتمد الصين سياسة عدم الاستخدام الأول، فإن نظم إيصال الأسلحلة النووية لبكين ليست دقيقة بشكل خاص. فهى غير قادرة على تنفيذ "ضربة أولية مدمرة" التي قد تقضي على القوات النووية الأمريكية المتمركزة على الأرض.

وعلى الرغم من التوترات بين الصين والهند، فإن الوضع النووي لدلهي إزاء بكين يتسم بالهدوء—إذ إنه يقوم على الحد الأدنى من الردع وسياسة صارمة بعدم الاستخدام الأول. مديرو الأمن القومي الهندي، مثل نظرائهم الصينيين، يعتبرون الأسلحة النووية أدوات سياسية، وقد قاوموا محاولات المخططين العسكريين من أجل التخلي عن سياسة عدم استخدام الأول. إن الهند تمتلك ما يقرب من 100 رأس حربي نووي، لكنها ليست مجهزة بقذائف في ظل الظروف الطبيعية. إن مخططي السياسات في الهند، بسبب التزام بلادهم القوي بعدم الاستخدام الأول، لديهم حافز قليل لتطوير سلاح تشغيلي مضاد للأقمار الصناعية للمساعدة في تنفيذ ضربة نووية أولية ضد الصين. ونادرا ما ترد مثل هذه الأفكار في أي منتدى هندي عام حول أمن الفضاء. بدلا من ذلك، تتركز معظم المناقشات حول الدفاع عن الموجودات الفضائية المتنامية للهند في المدار الأرضي المنخفض.

وما من شك أن الاستعراض الناجح للصين لسلاح مضاد للأقمار الصناعية قد أثار جدلا في الهند، ودفع منظمة أبحاث الدفاع والتنمية لبدء جهود استكشافية نحو تطوير قدرات انتقامية وأسلحة هندية مضادة للأقمار الصناعية. لكن جهود الهند البحثية لصنع أسلحة مضادة للأقمار الصناعية كانت نابعة من برنامج وطني للدفاع الصاروخي، بعكس الصين، مما يوحي بأن تلك الجهود كانت إلى حد كبير فرعا من هذا البرنامج. إن العديد من تقنيات الطاقة الحركية المضادة للأقمار الصناعية تتداخل مع نظام الدفاع الصاروخي البالستي الذي هو قيد التطوير حاليا في الهند، وخاصة في مجالات تتبع الرادار والتقاط الهدف. وتشير الأدلة القليلة المتاحة علنا إلى أن السلطات الهندية لم تضع برنامجا مضادا للأقمار الصناعية. حتى لو كانت دلهي قد فعلت ذلك، فإن تقنيات الهند المتعلقة بالأسلحة المضادة للأقمار الصناعية غير مثبتة بشكل كبير، إذ لم يتم إجراء اختبار واحد. في المقابل، أجرت الولايات المتحدة أكثر من ثلاثين اختبارا، كما أجرى الاتحاد السوفيتي السابق أكثر من عشرين اختبارا، قبل أن يعلنا أن أسلحتهما المضادة للأقمار الصناعية أصبحت فعّالة.

إذا كانت الولايات المتحدة قلقة من أن التقدمات الصينية سوف تؤدي إلى تقويض تفوقها في الفضاء، تشير الدلائل إلى أن الأنظمة الصينية قادرة على تحدي التفوق الأمريكي على الأقل. لكن المخاوف من أن التقدمات الصينية أو الهندية في مجال تقنيات الفضاء سوف تؤدي الى حرب نووية غير مقصودة فهى مخاوف مبالغ فيها. إذ إن القدرات الفضائية الصينية والهندية لم تتقدم بما يكفي لتدمير الأقمار الصناعية الأمريكية للإنذار المبكر— وبشكل أكثر عمقا، لا تزال المواقف النووية للهند والصين موجهة نحو الردع.


Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]