الهند وباكستان: بعيداً جداً عن كانساس

By Rabia Akhtar: AR, November 23, 2016

لم تعد الولايات المتحدة تتمتع بنفس التأثير الذي كان لها على باكستان في الماضي. ولم يكن لواشنطن قط تأثير كبير على الهند. لذا فإن فكرة زميلي في المائدة المستديرة ماريو كارانزا بشأن قدرة واشنطن على "إجبار" نيودلهي وإسلام آباد على "وقف سباقهما للتسلح النووي والتعاطي بجدية مع قضية الحد من الأسلحة النووية" – حتى في ظل قيام الولايات المتحدة ذاتها بتحديث ترسانتها النووية – تفتقر إلى الصرامة والدقة التاريخية.
    
إن الحجة التي سقتُها ضد التدخل الأميركي المفرط في جنوب آسيا تحت عنوان "كفى أيها العم سام" لا تعني أنني أميل إلى إقصاء الولايات المتحدة تماماً من المعادلة الهندية-الباكستانية. بل ربما لاتزال هناك عقود قبل أن يتلاشى دور واشنطن كقوة خارجية في جنوب آسيا.  إنني فقط أشير إلى أن التدخلات الأميركية المبكرة في أزمات جنوب آسيا تشجع الجانبين على استكشاف خيارات الحرب المحدودة (حتى مع ترحيب الهند وباكستان تاريخياً بمثل هذه التدخلات).

يقول كارانزا إنه يجب على واشنطن أن تجعل "نزع السلاح النووي هدفها الأكبر في المنطقة". وربما وافقته الرأي لو كنا نعيش في أرض الخيال، لكننا لسنا كذلك. فالاختيارات  قد حُددت، وهو ما انعكس بالفعل في قرارات نيودلهي وإسلام آباد بالوقوف خارج نظام عدم الانتشار النووي – وهي في جوهرها قرارات بعدم قبول النفاق المنظم. تنعكس هذه الاختيارات أيضاً في تغيير باكستان لنماذج تحالفها، في ظل تقارب الصين وروسيا مع إسلام آباد.  أما الهند، فقد رفضت من جانبها وضع كل بيضها الاستراتيجي في سلة الولايات المتحدة، رغم إنجاز الاتفاق النووي بين الدولتين ودعم  واشنطن القوي لعضوية الهند في مجموعة الموردين النوويين. لقد ولى ذلك العهد التي كانت فيه القيادة الأميركية "المفتاح" لحل مشكلات شبه القارة، بحسب  تعبير كارانزا. وصدقت دوروثي حينما قالت في فيلم ذا ويزارد أوف أوز: إننا لم نعد في كانساس. ولن نكون مجدداً.        

ليست هشة ولا معزولة. أكتب مقالي هذا مباشرةً عقب الهجوم الانتحاري المروع على مركز لتدريب الشرطة في كويتا، الواقعة في إقليم بلوشستان الباكستاني، والذي راح ضحيته أكثر من 60 طالباً بكلية الشرطة. لذا فإني أتفهم سبب مقولة زميلتي جاييتا ساركار بأن "دولة باكستان الهشة قد تنهار". وربما يتعجب المتابع للأوضاع عن بُعد كيف لاتزال باكستان قائمة حتى اليوم.

لكن من المهم أيضاً أن نلاحظ قدرة باكستان على التعافي بسرعة من الإرهاب. من المهم أن نعطي باكستان حقها بعد عملية ضرب الغضب العسكرية التي قضت على مخابيء الإرهابيين في شمال وزيرستان. إن باكستان دولة مرنة، والدول المرنة ليست هشة. وهذا يستوجب الاعتراف.

تُرجع ساركار "هشاشة" باكستان إلى عزلتها المزعومة. وقد رُوج في الهند لرواية العزلة الباكستانية منذ هجوم يوري المسلح على موقع عسكري هندي في 18 سبتمبر. لكنه إدعاء يفتقر إلى الدقة. فقد استشهدت ساركار، على سبيل المثال، بمؤتمر رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي الذي كان مقرراً في باكستان في نوفمبر، حيث أُرجئ المؤتمر نظراً لانسحاب بعض الدول. لكن هذا دليل ضعيف للغاية على عزلة باكستان – حيث تُلغَى القمة تلقائياً حتى لو انسحبت دولة واحدة. في الوقت ذاته، نجد أدلة كثيرة تفندادعاء العزلة الباكستانية. فهناك مثلاً الممر الصيني-الباكستاني الذي يستعد لجذب استثمارات بقيمة 150 مليار دولار – ولا تقتصر هذه الاستثمارات على الصين "صديقة" باكستان، فإيران هي الأخرى مهتمة بالاستثمار في هذا الممر، وقد تجد ترحيباً من بكين وإسلام آباد. كما نفذت القوات الروسية والباكستانية في سبتمبر الماضي أول تدريبات عسكرية مشتركة بينهما في تاريخهما. كذلك اعترف فريق من صندوق النقد الدولي، عقب زيارته إسلام آباد مؤخرا، أن باكستان نهضت من أزمتها الاقتصادية، وفي طريقها لبدء الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة. فهل هذه عزلة؟ فكّري مرة أخرى.

ربطت ساركار أيضاً خطر "انهيار" باكستان باحتمالية الانتشار النووي. وقفد فقدت مثل هذه الحجة قوتها منذ زمن طويل. فليس هناك أسهل من استحضار اسم عبد القدير خان – و"تسليط الضوء عليه بشكل مبالغ فيه" – عند الترويج لقضية باكستان والانتشار النووي. لكن لماذا يكون من الصعب جداً الإشادة بباكستان على الخطوات التي اتخذتها لمنع ظهور شبكة عبد القدير خان النووية 2.0 ؟

ليس أمام باكستان إلا طريق واحد لتسلكه – المضي قدما. وللهند أن تتمنى لباكستان النجاح والرخاء، أو الفشل والفوضي. ليست هناك خيارات أخرى. ولن يفيد حوار سياسي مُجمد أياً من البلدين.  

أتفق مع ساركار على حاجة الهند وباكستان لإجراء حوار ثنائي بهدف تحقيق الاستقرار النووي – لكن الاستقرار النووي في جنوب آسيا ليس شيئاً واحدا، إنه مزيج من الاستقرار السياسي، واستقرار الردع، واستقرار الأزمة. وطالما أن البيئة السياسية ذاتها في البلدين غير مستقرة، فلن يمكن تحقيق استقرار الردع أو استقرار الأزمة.

خلاصة القول أنه يجب على الهند وباكستان أن تتحاورا، مهما كان الثمن.



Topics: Nuclear Weapons

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]