الواقع والخيال في جنوب آسيا النووية

By Mario E. Carranza: AR, November 28, 2016

تتحمل الهند وباكستان في الأساس مسؤولية حل أزماتهما، لكن تسليح شبه القارة نوويًا أفضى إلى تدويل نزاعاتهما. فلم تعد التوترات في جنوب آسيا شأنًا مقصورًا على الإقليم، نظرًا للعواقب الإنسانية الكارثية المحتملة التي قد يواجهها العالم بأسره حال حدوث تراشق نووي في جنوب آسيا.

أشرت في مقالي بالجولة الثانية من المائدة المستديرة إلى ضرورة أن يكون "نزع السلاح النووي في المنطقة" هدف واشنطن الأكبر كجزء من جهود أطراف متعددة "لتقليل الأخطار النووية سواءٌ على المستوى الدولي أو في جنوب آسيا". وتدعي زميلتي في المائدة المستديرة رابيا أختر أن هذا القول أشبه بـ "العيش في أرض الخيال"، لكني لا أجد في طرحي هذا أي وجه من أوجه الخيال. فمنذ خطاب باراك أوباما الذي ألقاه في براغ عام 2009، بات "السلام والأمن في عالم خالٍ من الأسلحة النووية" سياسة أميركية رسمية. كذلك تبنت الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن في العام ذاته هدف إيجاد عالم خالٍ من الأسلحة النووية.      

تحاول أختر تفنيد أفكاري "الخيالية" بقولها إن " الاختيارات قد حُددت بالفعل" – وتعني هنا بشكل أساسي أن الهند وباكستان قد قررتا البحث عن الأمن في الأسلحة النووية، مع البقاء خارج نظام عدم الانتشار النووي. لكن مثل هذه الخيارات ليست نهائية أو غير قابلة للرجوع عنها. ولا شك أن الهند وباكستان ليستا على وفاق مع الغالبية العظمى من الدول، التي أعلنت رفضها للأسلحة النووية، وأن خصميّ جنوب آسيا هما من يتصرفان وكأنهما يعيشان في "أرض خيال" – وهي أرض خيال "واقعية" خادعة وخطيرة. 

ورغم اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بالهند وباكستان كدولتين نوويتين فعليًا، فإن غالبية المجتمع الدولي لم يعترف بهما. في عام 1998 مثلًا، أقر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع القرار 1172، الذي طالب الهند وباكستان "بالوقف الفوري لبرامج تطوير الأسلحة النووية القائمة في الدولتين". وتدفع الهند بالفعل ثمنًا لتجاهلها نظام عدم الانتشار النووي، بعد أن رُفض طلبها لعضوية مجموعة الموردين النوويين في يونيو/حزيران الماضي لأسباب كان أبرزها "إصرار بعض أعضاء المجموعة على تصديق الهند على معاهدة عدم الانتشار النووي كدولة غير نووية قبل قبولها عضوًا في الموردين النوويين".

ذهبت أختر أيضًا – ومعها جاييتا ساركار –  المشاركة الثالثة في هذه المائدة المستديرة – إلى أن قدرة واشنطن على التأثير على دبوماسية الهند وباكستان النووية محدودة.  وقد يكون هذا صحيحًا فقط إذا واصلت الإدارة الأميركية القادمة سياسة أوباما التي تراعي الحساسيات الهندية. فبوسع واشنطن أن تعظم نفوذها إذا تبنت "مقاربة متوازنة في التعاطي مع العلاقات الهندية-الباكستانية" وحسنت علاقاتها مع باكستان. وربما تدعي أختر أن "واشنطن لم يكن لها أبدًا تأثير كبير على الهند"، لكن الحلفاء دائمًا يعطون الشريك الأقوى أفضلية على الشريك الأدنى. وهو ما ينطبق على الشركة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند.      

وينحصر الخيار الذي يواجه الفاعلِين الرئيسيين في دراما جنوب آسيا النووية في أمرين: إما الاستمرار على نفس النهج، أو التغيير وتجربة شيء مختلف تماما. وفي الواقع، لم يُجد المنهج القديم نفعًا بالنسبة لباكستان، كما يمكن القول بأنه يكن ناجحًا بالنسبة للهند أو الولايات المتحدة أيضًا. لذا ينبغي على الولايات المتحدة أن تتحرك في جنوب آسيا من تركيز مقصور على محاربة الإرهاب والجغرافيا السياسية إلى تركيز على حل الصراع والحد من الأسلحة النووية. كما ينبغي أن تتبنى السياسة الجريئة التي أطلقها أوباما في مقابلة صحفية مع مجلة تايم عام 2008 – وهي "التعاون مع باكستان والهند لمحاولة حل أزمة كشمير بطريقة جادة". (تخلت إدارة أوباما نفسها عن هذا النوع من النهج الاستباقي تحت ضغط من اللوبي الهندي في واشنطن). ورغم ادعاء أختر بأنني لم أُظهر "دقة تاريخية" عندما أشرت إلى ضرورة أن تحث واشنطن الهند وباكستان بقوة على التعاطي بجدية مع قضية الحد من الأسلحة النووية،  فقد كانت هناك سابقة تاريخية لتعامل أمريكي جريء مع الصراع الهندي-الباكستاني في عام 1963، حينما رعت إدارة كينيدي ست جولات من المفاوضات بشأن النزاع على كشمير.    

لن يمكن التخلص من الأسلحة النووية في شبه القارة بين عشية وضحاها. لكن يمكن تقليل الأخطار النووية في جنوب آسيا إذا تبادل الجانبان المعلومات بشأن عقائدهما النووية، وتعاونا لتحسين الأمن النووي والسيبراني، وأقاما مراكز لتقليل المخاطر النووية. كما ينبغي على نيودلهي وإسلام آباد الشروع في إجراءات ضرورية وملحة للحد من الأسلحة النووية، مثل إبرام اتفاقية ثنائية لحظر الاستخدام الأول، وحظر التجارب النووية من الجانبين –  مع فصل هذه الإجراءات عن مسألة التوصل لحل نهائي للنزاع على كشمير. ولدى باكستان حوافز قوية للمبادرة إلى الشروع في هذه الخطوات.  فلو استمرت اللعبة النووية المجنونة الحالية لأجل غير مسمى، ستكون خسائر إسلام آباد اكبر من خسائر نيودلهي من ناحيتي الأمن والموارد الاقتصادية المهدرة. لكن من مصلحة الجانبين في نهاية الأمر إحياء "روح إعلان لاهور" المعلن عام 1999 – مع تأسيس جبهة موحدة لمواجهة كل أشكال الإرهاب في المنطقة.



Topics: Nuclear Weapons

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]