انتشار الصواريخ – وبعض الحلول الممكنة

من المسلم به أن الصواريخ تفرض تحديات هائلة أمام الأمن والسلام الدولييْن، إلا أنه من الصعب الاتفاق على آلية لمواجهة تلك التحديات.

تفرض الصواريخ ثلاث مجموعات من التحديات على الأقل، وذلك وفقًا لما اتفقا عليه وأورداه في صياغةٍ بليغة  زميلاي بالمائدة المستديرة ماساكو إيكيغامي وسيتكي إيغيلي. وتتمثل أولى تلك التحديات في أن الاستخدام الفعلي للصواريخ المزودة برؤوس نووية من شأنه أن يدمر الأمن والسلام الدولييْن، وأن أي تهديد باستخدام الصواريخ المزودة برؤوس نووية سوف يؤثر سلبًا وعلى نحو خطير على الاستقرار، وأن الاستخدام الفعلي للصواريخ التقليدية المتقدمة الموجهة بدقة يمثل تهديدًا كذلك خاصةً بالنسبة للدول التي تستهدفها مثل تلك الهجمات. ويتمثل ثاني تلك التحديات في عدم حظر الصواريخ وعدم استنكار عمليات انتشار الصواريخ على الإطلاق إلا في بعض الحالات الاستثنائية المعروفة. أما ثالث تلك التحديات فيرجع إلى عدم ملاءمة أو فعالية الترتيبات القائمة الخاصة بضبط تكنولوجيا الصواريخ وتجارتها خاصة نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ.   

ما هي الحلول الممكنة في سياق ما سبق ذكره؟

تركز إيكيغامي على الروابط التي تصل بين الصواريخ والسلاح النووي وتؤكد على أن "منع انتشار الصواريخ ونزع السلاح النووي (يجب مواجهتهما) كجزءان متكاملان لا ينفصل أي منهما عن الآخر على نفس برنامج العمل". يوجد بالفعل علاقة مباشرة بين الصواريخ والسلاح النووي إذ تمتلك جميع الدول التسع الحائزة للسلاح النووي صواريخا كما تمتلك جميعها صواريخ بالستية مسلحة نوويا أو قادرة على حمل سلاح نووي، هذا كما تمتلك غالبية تلك الدول في الوقت الحالي صواريخ كروز ذات قدرة على حمل سلاح نووي أو تسعى لامتلاكها، ولكن ليست كل الدول التي تمتلك صواريخ بالستية أو صواريخ كروز تمتلك سلاحا نوويا. ترغب بالطبع العديد من الدول التي تفتقر إلى السلاح النووي خاصة في ضوء الدقة والخطورة المتزايدة للصواريخ المسلحة تقليديا إلى حيازة صواريخ طويلة المدى. ويطرح هذا الوضع تساؤلًا يصعب الرد عليه وهو: إذا كانت دولة ما تمتلك صواريخًا خاصة الصواريخ البالستية، هل ستطمح وقتها إلى حيازة سلاح نووي؟  سيكون الرد على هذا التساؤل ب"ربما" تحديدًا. وعلينا أن نعلم علم اليقين أن دولًا ككوريا الشمالية والعراق وليبيا وايران وهي دول تمتلك صواريخا سعت أيضا إلى امتلاك سلاح نووي (وقد كانت تلك الدول كافة من الموقعين على معاهدة منع انتشار السلاح النووي وقتما بدأت كل دولة دولة منهم السعي لامتلاك سلاح نووي)، ولكن وعلى الجانب الآخر، هل من المحتمل أن تحقق أرمينيا المالكة للصواريخ البالستية قفزة نحو حيازة السلاح النووي؟

نستنتج مما سبق أنه أيا ما كان الحال فإن وضع نظام عالمي للرقابة على الصواريخ ذات القدرة على حمل سلاح نووي أو للتخلص منها نهائيًّا أمر من السهل الحديث عنه ولكن ليس من الهين تطبيقه. وما وقعت الحالات الاستثنائية التي طبقت فيها إجراءات الرقابة على الأسلحة أو إجراءات نزع السلاح على الصواريخ ذات القدرة على حمل سلاح نووي إلا نتيجة ظروف خاصة للغاية ودون الخضوع لأي معيار أو نظام عالمي ومن أمثلتها معاهدة القوى النووية متوسطة المدى أو نزع السلاح من العراق وجنوب افريقيا وليبيا تحت مظلة الأمم المتحدة. كما تخيم في الوقت ذاته سحب الاخفاق على أسلوب التعامل حالة بحالة الخاص بعمليات انتشار الصواريخ التي تخص كوريا الشمالية وايران وهذا على الرغم من الاضطلاع الدائم  لمجلس الأمن بالأمم المتحدة بالأمر.

يبدوا أن اقتراح ايغيلي بالتركيز على الصواريخ طويلة المدى عند الشروع في وضع نظام للرقابة على الصادرات والتكنولوجيا لن يؤتي ثماره كذلك، ويرجع ذلك بداهةً إلى أن التكنولوجيات النووية المدنية والعسكرية تخطت بقدر بعيد للغاية الصواريخ متعددة المراحل كما أن مركبات الإطلاق متعددة المراحل المدنية الفضائية حظيت بذات الأمر بقدر هائل، وعليه فإنه من الوارد أن تعترض الدول المالكة لبرامج إطلاق شرعية مدنية فضائية أو التي تسعى لتطوير تلك البرامج على التوقيع على مثل هذا الاقتراح، مع العلم أن بعض من تلك الدول أعضاء في نظام الرقابة على تكنولوجيا الصواريخ. وعلاوة على ما ذكر، تستشعر بعض الدول مثل اسرائيل خطرا جمًّا مصدره الصواريخ قصيرة المدى المسلحة تقليديا والكائنة بأيدي الكيانات غير الحكومية أكثر من الخطر الذي تستشعره من الصواريخ طويلة المدى.

سوف يصطدم اقتراح إيغيلي بالحد من اختبارات الصواريخ ثم القضاء عليها على نحو نموذجي بمشاكل شبيهة‘ إذ أن مثل هذا النظام سوف يتطلب التزام دولي وهو أمر مستبعد الحدوث يرجع سبب استبعاد وقوعه إلى احتمال معارضة الدول الحائزة بالفعل لصواريخ على هذا النظام، ومن تلك الدول على سبيل المثال الولايات المتحدة وروسيا والحال نفسه ينطبق على الدول المتمردة ككوريا الشمالية، تلك الدولة التي تتحدى بالفعل حظر اختبارات الصواريخ الذي فرضه مجلس الأمن بالأمم المتحدة تحديا صارخا.

علينا بدلا من السعي وراء وضع توصيات طموحة أمْر نجاحها غير وارد على الإطلاق أن ننظر في الاقتراحات الأكثر واقعية التي انبثقت عن دورة 2008 لفريق الخبراء الحكوميين التابع للأمم المتحدة حول "قضية الصواريخ من جميع جوانبها". ولنكن على يقين بأن تلك الأفكار قد تكون عرضة للانتقاد نظرًا لافتقادها لعنصر الطموح ولكنها تحظى رغم ذلك باتفاق جماعي فيما بين غالبية القوي الكبيرة الحائزة للصواريخ (قام أعضاء الفريق الثلاثة وعشرين بضم خبراء من دول أخرى من بينها الصين وايران والهند واسرائيل وروسيا والولايات المتحدة إلا أنه لم يضم خبراء من كوريا الشمالية). ودعا الفريق الدول -على سبيل المثال- إلى تحديث أنظمة رقابتهم على نقل الصواريخ والتكنولوجيا المتعلقة بها وتصديرهما، كما شجع الفريق الدول على تقديم المعلومات المتعلقة بالصواريخ من خلال آليات تقديم التقارير التابعة للأمم المتحدة. ونادى الفريق كذلك بتعزيز الأمن العالمي والإقليمي بانتهاج عدة وسائل منها على سبيل المثال التسوية السلمية للنزاعات، وشجع الدول أيضا على تبني إجراءات الشفافية وبناء الثقة الطوعية …(من أجل تعزيز) إمكانية التوقع". نعود ونكرر القول بأن تلك الأفكار تحمل القليل من الإثارة وجراءة التصور إلا أنها قد تكون بداية لا بأس به عند مواجهة المشاكل الأمنية الصعبة التي فرضتها عمليات انتشار الصواريخ.  


Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]