تقنية جديدة ومخاطر معتادة

By Rajaram Nagappa: AR, July 6, 2015

سوف تغطي الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت مسافات طويلة في وقت قصير، اذا تم تطويرها بنجاح. يرى بعض المراقبين أن هذه الصواريخ، إذا امتلكتها دولة تهدف إلى إرباك أنظمة الدفاع الصاروخي والإنذار المبكر للعدو، فمن شأنها أن تشكل تهديدا خطيرا للأمن العالمي، وبالتالي يجب منعها. لكن هذه فكرة قابلة للنقض. إذ لا تزال التقنية المتعلقة بالصواريخ الفائقة لسرعة الصوت قيد التطوير إلى حد كبير، ولو حتى تم اتقانها، فلن تضيف كثيرا إلى التهديدات الأمنية المتمثلة بالفعل في أنظمة الأسلحة المنتشرة مثل الصواريخ الباليستية.

في الواقع، تعمل المركبات العائدة للصواريخ الباليستية بسرعات تفوق سرعتها سرعة الصوت في جزء كبير من مسار رحلتها. على سبيل المثال، تسير المركبة العائدة لصاروخ باليستي متوسط المدى، مداه مثلا 3000 كم، بسرعة تفوق سرعة الصوت حتى يهبط الى ارتفاع 30 كيلومترا (حوالي 30 ثانية قبل الاصطدام). لكن الخطر الذي تشكله هذه الأسلحة يعتبر مقبولا وقابلا للتبرير بشكل عام. فأجهزة الاستشعار قادرة على تتبع رحلة الصواريخ البالستية. كما أن أنظمة الدفاع الصاروخي تتطور بقوة أكثر.

مشكلة التمييز. إن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت— أي التي تبلغ سرعتها خمسة أضعاف سرعة الصوت أو أكثر— تمتاز بأنها بعيدة المدى وذات سرعة عالية وأوقات طيران قصيرة. لم تنشر أي دولة حتى الآن نظاما تفوق سرعته سرعة الصوت، لكن هناك دولا عديدة تجري أبحاثا وتطويرات في هذا الصدد. المجالات الرئيسية للأبحاث هي صواريخ كروز الفائقة لسرعة الصوت والمركبات الطائرة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. وتبدو المركبات الطائرة هى محور التركيز الرئيسي للتطوير في الدول التي تسعى لامتلاك تقنيات فائقة لسرعة الصوت.

يمكن استخدام المركبات الطائرة مع الصواريخ الباليستية الحالية (سواء العابرة للقارات أو متوسطة المدى أو التي تطلق من الغواصات). تقوم الصواريخ الباليستية بدفع المركبات الطائرة إلى الارتفاع الذي تطلق منه، وعندئذ يُسمح للمركبات الطائرة بالطيران إلى أسفل بسرعة تفوق سرعة الصوت. أما صواريخ كروز التي تفوق سرعتها سرعة الصوت فيتم دفعها إلى الارتفاع التشغيلي والسرعة التشغيلية بصواريخ مناسبة (غير باليستية) ثم يتم دفعها بعد ذلك بواسطة محرك احتراق تضاغطي فوق صوتي (أو محرك سكرامجت). والمدى الذي تقطعه هذه الصواريخ يعتمد على كمية الوقود التي يمكن أن تحملها.

إحدى المشاكل المحتملة التي تمثلها الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت هي كيف يمكن التمييز بين إطلاق مركبة طائرة فائقة لسرعة الصوت ومسلحة بأسلحة تقليدية أو صاروخ كروز وبين إطلاق سلاح استراتيجي. كيف يمكن للدول الأخرى أن تتأكد من نوعية الرأس الحربي الذي يحملة الصاروخ؟ كذلك تم تصميم الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت لتكون قادرة على المناورة— لذلك فإنه من الممكن أن يُساء فهم الوجهة المقصودة للصاروخ. وقد تستنج دولة ما، على سبيل المثال، أن قواتها النووية تتعرض لهجوم بينما تكون قواتها التقليدية هى الهدف المقصود في الحقيقة.

نهج غيرعملي. إن الولايات المتحدة هي الدولة الرائدة والسبّاقة في مجال التقنية الفائقة لسرعة الصوت. وتحاول دول أخرى اللحاق بركبها في هذا المجال. وتقوم الصين حاليا باستثمارات في تقنية الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت، وهناك مزيد من الدول عقدت العزم على أن تحذو حذوها.

كلما أجرت دولة اختبارات توضح سرعة ومدى ودقة وإحكام أحد أنظمة الأسلحة، تثور أسئلة بشأن نوايا تلك الدولة (وكذلك فيما يتعلق بالآثار المترتبة على نظام الأسلحة نفسه). وعندما يتعلق الأمر بالأسلحة الفائقة لسرعة الصوت، فالغموض الذي يحيط بالنوايا الوطنية يصبح حقيقة واقعة. ويمكن أن ينجم عن ذلك حالة من عدم الاستقرار وربما سيناريوهات تصعيدية للصراع. ومع ذلك، فإن حل هذه المشاكل لا يكمن في حظر التجارب الصاروخية الفائقة لسرعة الصوت. بل يكمن في فهم التهديدات وكيفية إدارتها واتخاذ تدابير لبناء الثقة.

حتى في النظام الحالي للأمور، مع عدم وجود انتشار لصواريخ فائقة لسرعة الصوت، ما زال الغموض موجودا— على سبيل المثال، عندما تندرج الصواريخ التقليدية والاستراتيجية لدولة ما تحت نظام قيادة وسيطرة مشترك. كما أن إطلاق الصواريخ من الدول التي تنفذ استراتيجيات "منع الولوج/ المنطقة المحرّمة" يمكن أن يكون غامضا من حيث نوعية الرأس الحربي والهدف على السواء.

إن وقف تجارب الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت ليست نهجا عمليا لحل مثل هذه المشاكل. والحقيقة هي أن الدول سوف تتخذ قرارات بشأن نشر واختبار أسلحة فائقة لسرعة الصوت على أساس القوة النسبية والمنافسة. إذا نجحت الولايات المتحدة في تطوير تقنية فائقة لسرعة الصوت، يمكن للمرء أن يكون على يقين من أن روسيا والصين سوف تفعل الشيء نفسه. وقد تحذو بلدان أخرى، مثل الهند، حذوهم.  إن الدول التي تكون في المراحل الأولى من تطوير تقنية فائقة لسرعة الصوت لا ترغب في وضع أنفسها في وضع غير مؤات للدول التي تكون تقنيتها أكثر تقدما. في الواقع، فإن بعض الدول تفكر في فرض حظر على الاختبارات التمييزية.

والأهم من ذلك هو أن التقنية الفائقة لسرعة الصوت لها تطبيقات في مجال الفضاء المدني—في مجالات نظم النقل الفضائي والكبسولات العائدة والهبوط وإعادة الاستخدام. التقدم التقني في مجال الفضاء المدني يتطلب إجراء اختبارات، والدول التي لها مصلحة في هذه التطبيقات المدنية ستعارض أي آلية تحرمها من حرية إجراء هذه الاختبارات.

بناء الثقة. صحيح أن التقنية الفائقة لسرعة الصوت تحمل في طياتها خطرا بأن إطلاق الصواريخ يمكن أن يُحدث خطأ في التعرف عليها—لكن المركبات العائدة التي يتم إطلاقها بواسطة الصواريخ البالستية ثم تعود بسرعة تفوق سرعة الصوت ليست جديدة. إن المركبات العائدة المناورة تزيد من صعوبة تفهم مسار إعادة دخول الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ولكن هذا ينطبق على الصواريخ الباليستية الحالية أيضا. وقد استجاب المجتمع الدولي إلى الغموض والمخاطر التصعيدية للصواريخ الباليستية باتخاذ تدابير لتخفيف المخاطر وأنظمة للدفاع والتتبع، ومحاولة للحفاظ على التوازن بين قدرات الردع والانتقام. سوف يحتاج هذا النهج إلى تكراره في شأن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

لقد أعلنت الولايات المتحدة أنها ستستخدم صواريخ فائقة لسرعة الصوت لاستكمال قدراتها التقليدية— وليس لنقل رؤوس حربية نووية. وهذا النهج هو موضع ترحيب. فمثل هذه السياسة، في بداية الصراع، يمكن أن تساعد على تجنب الخيار النووي. ومن المهم بالنسبة للدول النامية الأخرى التي تقوم بتطوير صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت أن تتبنى سياسات مماثلة.

ثمة خطوة هامة أخرى وهي وضع تدابير لبناء الثقة. هذه التدابير لا يمكن أن تنطوي فقط على الولايات المتحدة وروسيا، مثلما كان يحدث غالبا في الماضي؛ إذ يجب إشراك غيرهما من الدول التي تقوم باختبارات لتقنيات تفوق سرعتها سرعة الصوت، سواء للتطبيقات المدنية أو العسكرية. وسيكون أحد الإجراءات المهمة لبناء الثقة هو النص على أن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت سيتم استخدامها فقط برؤوس حربية غير نووية. وتشمل التدابير المفيدة الأخرى تقديم إشعار مسبق بإجراء الاختبارات؛ بحيث يتم اختيار مواقع إطلاق منفصلة ومميزة لاختبار الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، مع وضع قيود على الاختبارات التي تجرى في البحر.

إن التقنية المتعلقة بالصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت لا تزال في مرحلة التطوير. وإنتاج ونشر تلك الأسلحة ليس وشيكا. ومن السابق لأوانه في هذه المرحلة التفكير في حظر اختبارات تلك الأسلحة— ولا سيما عندما يكون للتقنية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت تطبيقات في المجال المدني أيضا. إن المسار الأفضل للتقدم إلى الأمام هو استخدام الوقت قبل انتشار هذه الأسلحة لمناقشة مخاطر الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ووضع روادع لاستخدامها— وكذلك العمل على وضع التدابير اللازمة لبناء الثقة.



Topics: Nuclear Weapons

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]