تناقضات السياسة النووية لتركيا

By Mustafa Kibaroglu: AR, September 25, 2015

يبدو أن مقالي في جولة الاجتماع الثانية، الذي جادلت فيه بأن مخزون اليابان من البلوتونيوم يضعف رسالة الهيباكوشا لنزع السلاح، كان مصدر إلهام لزميلي أكيرا كاواساكي لمناقشة "المعايير المزدوجة المتأصلة في سياسات اليابان النووية". وفي هذا المقال من جولة الاجتماع الثالثة، سوف أرد بالمثل من خلال مناقشة المعايير النووية المزدوجة لبلدي، تركيا.

تركيا عضو ذات وضع جيد في أنظمة منع الانتشار النووي ونزع السلاح— وقد وقّعت على صكوك مثل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، وهى أيضا عضو في مبادرات مثل لجنة زانجر ومجموعة الموردين النوويين. علاوة على ذلك، لطالما قامت تركيا بالدعوة لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. ويصور مسؤولون أتراك إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية على أنها مسألة ذات مسؤولية جماعية ملّحة، وذلك في ضوء الوضع الأمني المتردي بشكل متزايد في منطقة الشرق الأوسط.

لكن تركيا هى أيضا عضو في منظمة حلف الناتو، وفي سياق الاستراتيجية الأمنية للحلف ومبادئه المتعلقة بالتضامن وتقاسم الأعباء، سمحت أنقرة على مدى عقود بنشر أسلحة نووية أمريكية في الأراضي التركية. ويعتقد مسؤولون أن هذه الأسلحة تعزز التزام واشنطن بالأمن عبر الأطلسي وتسهم في مصداقية الردع الموسع.

لذا، فإن تركيا ملتزمة بعالم خال من الأسلحة النووية من ناحية. ومن ناحية أخرى، تسمح أنقرة بوجود أسلحة نووية أمريكية داخل أراضيها، وتؤكد أن نزع السلاح سيتطلب وقتا وصبرا— وفي الحقيقة لن يكون النزع الكامل للسلاح ممكنا في أي وقت قريب. إن هذا النهج المتناقض يقلل من مكانة تركيا في الأنظمة القائمة لمنع الانتشار النووي ونزع السلاح— على الأقل في نظر الدول المجاورة لتركيا في الشرق الأوسط، إذ يعد تعاون هذه الدول أمرا ضروريا للقيام بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في المنطقة. وللتخلص من هذا التناقض وتحقيق الاتساق مع مبادئ تركيا المعلنة منذ فترة طويلة، يجب على أنقرة بدء عملية إعادة الأسلحة النووية التكتيكية إلى الولايات المتحدة— من خلال عملية استعراض متأنية ومشاورات وثيقة مع واشنطن.

قد يجادل مسؤولون أتراك بأن إعادة الأسلحة الأمريكية إلى موطنها سوف يقوض أمن تركيا. لكن حتى مع تدهور العلاقات بين الناتو وروسيا في ظل تطورات الأحداث في أوكرانيا، فإن تخيل مواجهة "عنيفة" بين الناتو وروسيا—ناهيك عن حدوث تبادل نووي—سيكون بمثابة، على حد تعبير الخبير الاستراتيجي هيرمان كان: "تصوّر ما لا يمكن تصوّره". حتى لو حدث مثل هذا السيناريو، فبالكاد ستلعب الأسلحة النووية التكتيكية دورا في هذا الصدد!

علاوة على ذلك، يمكن أن يوفر الناتو ردعا موسعا لتركيا من خلال وسائل أخرى لا تعتمد على وجود أسلحة نووية في الأراضي التركية. إذ يمكن، على سبيل المثال، نشر غواصات أمريكية مسلحة نوويا في شرق البحر المتوسط بشكل مؤقت، بحيث يمكنها التردد على الموانئ التركية. خطوات مثل هذه يمكنها ايصال رسالة قوية إلى دول غير صديقة. ومن وجهة النظر هذه، لن يتم نشر أية أسلحة نووية في 20 دولة من إجمالي 28 دولة في حلف الناتو، لكن سيتم تغطية جميع الدول الـ 28 تحت المظلة النووية للحلف.

ومن المفارقات أنه في حال تم سحب الأسلحة النووية من تركيا، فإن بعض الخبراء الغربيين قد ينظرون بارتياب في خطط تركيا للطاقة النووية، متسائلين عما اذا كانت أنقرة تهدف إلى تطوير أسلحة نووية خاصة بها. لكن لن يكون لدى تركيا أي حافز من الناحية الأمنية لمتابعة مثل هذا المسار. إذ إن الشروع في مغامرة الأسلحة النووية من شأنه أن يعقد العلاقات المتوترة بالفعل بين تركيا والاتحاد الأوروبي، ما يحطم الطموحات التركية في الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي في النهاية.

كما أجرت دول أوروبية أخرى تستضيف أسلحة نووية أمريكية مناقشات حول مسألة الاحتفاظ بهذه الأسلحة. فقد أبدت كل من ألمانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا رغبتها على الأقل في مناقشة إزالة الأسلحة النووية الأميركية من القارة الأوروبية. لكن بعض الدول الأخرى، التي تشعر بالقلق إزاء موقفها الأمني في مواجهة روسيا، عارضت هذه الفكرة (كما فعلت تركيا نفسها). في ضوء هذه الخلفية، سيكون من الملائم لتركيا أن تشارك في مناقشات جادة حول إزالة تلك الأسلحة من أراضيها.

وفي الوقت نفسه، فالعامة من الأتراك ليسوا متعاطفين مع حلف الناتو والولايات المتحدة في هذه الأيام. فقد ضعفت الصورة القوية لحلف الناتو، بعدما حوّل الحلف نفسه من منظمة دفاع جماعية ذات موقف يتسم بـ"القوة الصلبة" إلى منظمة أمن جماعية ذات موقف يتسم بـ"القوة الناعمة". كما يُنظر الى حلف الناتو بشكل متزايد على أنه يخدم في المقام الأول مصالح الولايات المتحدة ويحفاظ على الهيمنة الأمريكية. إن المشاعر المعادية للولايات المتحدة منتشرة في تركيا اليوم، ومن المرجح أن تكون إزالة الأسلحة النووية الأمريكية من الأراضي التركية خطوة شعبية.

إن استضافة أسلحة نووية أمريكية لن يقدم سوى القليل لتعزيز الأمن التركي. لكنه سوف يقوض مصداقية تركيا تجاه منع الانتشار النووي ونزع السلاح، وسوف يثير استياء العامة من الأتراك. لقد حان الوقت لواشنطن لإعادة أسلحتها إلى الوطن.


Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]