ضحايا تشيرنوبيل والتحديات المتعلقة بتقديرات الخبراء

By Sonja Schmid: AR, June 9, 2016

الاستعداد لحالات الطوارئ النووية والاستجابة لها هى في مجملها تعهدات مادية وتقنية. إذ إنها تنطوي على معدات مثل مضخات ومولدات وأوعية حاوية وطائرات هليكوبتر. لكن الاستعداد لحالات الطوارئ والاستجابة لها لا تقتصر على الأمور التقنية فحسب، بل تشتمل أيضا على صكوك قانونية متطورة وقدرات مؤسسية، كما أوضحت زميلتي في هذه المائدة المستديرة مانبريت سيتي. إضافة إلى ذلك، كما لوحظ في قسم تعليقات القرّاء، تشتمل عملية الاستعداد للطوارئ والاستجابة لها على قدرات تنظيمية وتدريبية متطورة.

لكن مهما بلغ عدد الاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها دولة ما، ومهما اتّسم نهج هذه الدولة بالمرونة (أو عدم المرونة) فيما يتعلق بالحوادث غير الناجمة عن خطأ في تصميم المفاعل، ترجع في النهاية القرارات الحاسمة في حالة الطوارئ الفعلية إلى موظفي المفاعل—وإلى تقديرهم لمدى حجم الحالة الطارئة. وكلما تطورت الكارثة، تطوّرت معها التقديرات. ويقوم الخبراء بتغيير وجهات نظرهم بشأن شدة الكارثة وتداعياتها المحتملة. كما يكتشفون وجود تشابكات بين أنظمة كان يُعتقد سابقا أنها غير ذي صلة بالأمر.

كل ذلك يعيق نوع الاتصال الذي دعت إليه سيثي في الجولة الأولى— وهو الاتصال الفعال أثناء وقوع حالة طارئة. وعند مناقشتها تأخير إيصال معلومات دقيقة أثناء كارثتىّ تشيرنوبيل وفوكوشيما، كتبت سيثي تقول إنه "يجب أن يتاح للموظفين العمومين [أثناء حالات الطوارئ] سرعة الوصول إلى آراء علمية مطلعة وتقديرات الخبراء حتى يتمكنوا من اتخاذ قرارات سليمة في أوقات الضغوط القصوى". وجادلت سيثي بأنه يجب أن يكون المسئولون قادرين على تصنيف مدى شدة الحادثة بسرعة وبشكل صحيح. لكن إحدى مشاكل الحوادث الشديدة هى أنه يصعب عادة، على المسؤولين والخبراء على حد سواء، تقييم مدى سوء الأمور بسرعة وبدقة. وقد يكون من المستحيل إجراء تصنيف دقيق في حين أن الكارثة لا تزال تتضح معالمها— أو بالأحرى، قد تستحق الكارثة تصنيفات مختلفة أثناء تطورها.

إذن، قد يكمن التحدي الحقيقي في إيصال معلومات ناقصة أو غير مفهومة، وفي اتخاذ قرارات بناء على تلك المعلومات. وعلى الرغم من الأهمية القصوى لما دعت إليه سيثي من توفر "الآراء العلمية المطلعة وتقديرات الخبراء" في حالات الطوارئ، فهذه الأشياء لا تخلو من الخطأ.

عواقب مبرّرة. إحدى المجالات التي يكون فيها تقدير الخبراء هاما للغاية — والتي تثير جدلا كثيرا— تتعلق بالعواقب الطبية للكوارث النووية. ذكر أوجستين سيمو في الجولة الأولى أن عدد وفيات تشيرنوبيل بلغ حتى الآن حوالي 56 شخصا. كما ذكرت سيثي عددا مماثلا (لكنها أقرت بأن عدد الوفيات قد يرتفع على المدى الطويل). استشهد كلا المؤلفين بهذه الأعداد كدليل على أن الصناعة النووية آمنة بما فيه الكفاية. كما اشتملت حججهم ضمنيا على مقارنات بأعداد الوفيات المرتبطة بنشاطات يومية— على سبيل المثال، يموت يوميا حوالي 90 شخصا في الولايات المتحدة جرّاء حوادث سيارات وشاحنات ودراجات نارية. وثمة دائما إغراء لإجراء مقارنات عندما يتم فحص تقنيات عالية المخاطر مثل الطاقة النووية. إلا أن إجراء مقارنات من هذه النوعية تتعرض لمشكلة ذات شقين.

أولا، سيظل دائما عدد الوفيات في أي كارثة نووية موضوعا مثير للجدل بشكل كبير. فقد توقع تقرير حول وفيات تشيرنوبيل أصدرته منظمة الصحة العالمية ومنظمات عديدة أخرى عام 2005 بأنه "قد يموت حوالي 4000 شخص في النهاية من التعرض للإشعاع". لكن تقريرا آخر أصدرته منظمة السلام الأخضر عام 2006 احتجّ على تلك الأعداد، وقدّر أن الكارثة سوف تتسبب في إصابة 250 ألف شخص بالسرطان، منهم 100 ألف حالة مميتة. ما تدلّ عليه هذه التقديرات المتباينة بشكل كبير هو أنه يصعب للغاية أن نعزو وفيات متأخرة لأسباب معينة. في الواقع تقبل المجتمع الدولي علاقة سببية واحدة مباشرة بين كارثة تشيرنوبيل والاصابة بالسرطان— والتي تشمل سرطان الغدة الدرقية لدى الأطفال. وحتى هذا القبول المحدود، كما تجادل أولجا كوتشينسكايا من جامعة بيتسبرج في كتابها الجرئ "السياسات الخفية"، يرجع فقط إلى جهود علماء من بيلاروسيا، والذين يتعرضون لتهميش متزايد في بلدهم.

ثانيا، ليست الوفيات هى العاقبة الوحيدة للكوارث، سواء كانت نووية أو غير ذلك. فهناك الصدمات النفسية التي تسببها الحالات الطارئة، والضغوط الناجمة عن الإخلاء (المؤقت)، أو حتى "رهاب الطاقة النووية" الذي أشار إليه زميلي سيمو (سواء أكان لهذا الرهاب ما يبرره أم لا) – إذ يمكن أن تتسبب جميع هذه الأمور في حدوث آثار فسيولوجية وعقلية تماثل في خطورتها السرطان. مما يعني أن الوفيات ليست هى الآثار السلبية الوحيدة المبرّرة للحوادث النووية. وحتى حالات التعافي من السرطان يمكن أن تكون لها آثار تبعية خطيرة—"علاج" سرطان الغدة الدرقية غالبا ما يعرض المرضى إلى الاستئصال الجراحي للغدة الدرقية والاعتماد على نظام من العلاج البديل مدى الحياة.

تظهر حالة عدم التأكد من عدد ضحايا تشرنوبيل أن "الآراء العلمية" ليست دائما متفق عليها بالاجماع، وكذلك الحال بالنسبة إلى"تقديرات الخبراء". كما أن الخبرات العلمية ليست بمنأى عن الجدل، وتقديرات الخبراء تتغير بمرور الوقت.



 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]