على أرض شبه الجزيرة الكورية، “خطوات عملية نحو أهداف نموذجية”

By Shen Dingli: AR, August 26, 2016

"خطوات عملية نحو أهدافٍ نموذجية"، كان هذا شعار هنري لويس ستيمسون، رجل الدولة الأمريكي البارز في حقبة تاريخية سابقة. وفي ضوء تلك المقولة، يعتبر القضاء على السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية هدفا نموذجيا، إلا أن تحقيق هذا الهدف يفرض عراقيل كبيرة، منها الطبيعة الانعزالية السريالية لنظام كوريا الشمالية، وهو الأمر الذي يضمن اختفاء الدافع القومي فيما يخص نزع السلاح النووي (في تلك المرحلة على الأقل). ولم يؤت -في الوقت ذاته- التفاعل المشترك بين بوينغ يانغ من جانب وبين واشنطن وسيول من جانب آخر ثمارًا ولم يفلح في أغلب الأحيان إلا في التأثير سلبًا على توقعات نزع السلاح. 

لا يعني ما سبق ذكره أنه لم يعد أمامنا سوى الاستسلام والخنوع، بل على العكس من ذلك وعلى غرار شعار ستيمسون، قد يصل بنا المنهج العملى إلى سبلٍ أكثر إشراقا.

يجب على الدول الأخرى –سواء كان لدى بوينغ يانغ سلاح نووي أم لا- أن تتعايش سلميا مع كوريا الشمالية، مثلما حدث تمامًا في فترة التسعينيات، حينما تعايشت الصين مع الولايات المتحدة رغم إطلاق واشنطن من حين لآخر تهديدات أو مناورات نووية ضد بكين. ولم يكن أمام الصين خيارًا آخر سوى العيش تحت ظلال السلاح النووي الأمريكي، حيث تعاملت مع التهديدات بحكمة وتغلبت على الأوقات العصيبة حتى تمكنت من بناء القنبلة الذرية للصين، بل والتزمت حتى بعد ذلك بضبط النفس عندما وضعت سياسة الحد الأدنى للردع. ثم حدث فيما بعد أن قامت بكين بتطبيع العلاقات مع واشنطن متناسية في هذا الوقت المشكلة الشائكة، ألا وهي بيع السلاح الأمريكي لتايوان.

لم يكن –في السياق ذاته- أمام الولايات المتحدة سوى الإذعان للواقع القائل بوجود الصين الحائزة للسلاح النووي، خاصة بعد أن اتخذت واشنطن قراراها بعد البدء بهجوم عسكري ضد برنامج السلاح النووي الوليد لبكين. انضمت الصين في نهاية الأمر إلى معاهدة منع الانتشار النووي وأصبحت طرفا نوويا مسئولًا ومعنيًّا بالأمر، وأفلحت واشنطن في التعايش السلمي مع الصين الحائزة للسلاح النووي لمدة تزيد الآن عن نصف قرن من الزمان.

لم يكن لزامًا على الصين والولايات المتحدة والهند القبول بشرعية الروادع النووية لأية دولة من بينهم، إلا أن جميعهم قبلوا بالتسليم بواقع تلك الروادع، ويرجع سبب ذلك إلى عدم امتلاك أي من تلك الدول الثلاث للقدرة العسكرية التي تمنكها من استنكار السلاح النووي لدى الدولة الأخرى، فكل دولة تحاول قولبة الدولة الأخرى في إطار الدولة النووية المسئولة والمعنية بالشأن النووي.

من الأفضل تطبيق نفس المنطق على كوريا الشمالية. فما من دولة تقبل على الصعيد السياسي بوجود السلاح النووي لبيونغ يانغ، غير أن المجتمع الدولي ينقصه الوسائل العسكرية القابلة للتطبيق واللازمة للقضاء على الموارد النووية للشمال. وعليه فخلاصة القول في هذا، أن لا بديل عن التعايش السلمي مع بيونغ يانغ.

لا يعني "التعايش السلمي" الخنوع المطلق لما تقوم به كوريا الشمالية، ولكنه يعني اتخاذ الدول لأية إجراءات ممكنة تمكنها من قولبة سلوك بيونغ يانغ بشكل يشجع الشمال على التصرف بحكمة ومسئولية أكثر من ذي قبل. وهذا يعني أن يصدر عن جميع دول العالم ردود فعل إيجابية حيال أي مسلكٍ حكيمٍ تنتهجه بيونغ يانغ ومنه -على سبيل المثال- تبنيها مؤخرًا للسياسة النووية المحدودة لعدم البدء بالاستخدام. وعلينا أن نعلم علم اليقين أنه لربما أن تكون كوريا الشمالية قد حددت سياستها تلك لا لغرض إلا لكسب القبول الدولي بوضعها فيما يخص السلاح النووي. ورغم ذلك، يظل الإعلان عن نية استخدام السلاح النووي على نحو مسئول أمرًا يستحق الثناء. 

أعلن الشمال في شهر يناير عن حزمة تضم خمسة شروط مسبقة نظير مشاركتها في نزع السلاح النوووي. ولم تبدِ الولايات المتحدة ولا كوريا الجنوبية اهتمامًا بالدخول في تفاصيل تلك "الحملة الدعائية" من جانب بيونغ يانغ، فضلًأ عن أن بعض تلك الشروط كانت –في واقع الأمر- من الصعوبة بمكان بحيث لا يمكن القبول بها في ذلك الوقت، خاصة فيما يتعلق بالشرط المسبق الذي يطالب بسحب القوات الأمريكية من الجنوب. وإن كان هذا يخالف ما طرحه زميلي بالمائدة المستديرة تشانغ إن مون، حينما قال أن الوفاء بشروط بوينغ يانغ ليس أمرًا محالًا.

طالب الشمال –على سبيل المثال- بألا تهاجم الولايات المتحدة الشمال باستخدام السلاح النووي ولا تهدد باستخدامه ضده. وقد يمثل هذا النوع من الطلب عنصرا من عناصر المفاوضات، إذ ليس لدى الولايات المتحدة أي حاجة في الأساس تدعوها للبدء في هجوم نووي استباقي ضد الشمال. وعلى أية حال فإن إدارة أوباما تستعرض من حين لآخر قابلية تحويل سياسة واشنطن المشروطة لعدم البدء باستخدام السلام النووي إلى سياسة غير مشروطة.

لن يكون هناك ما يمنع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية من مناقشة البعض –على الأقل- من مطالبات بوينغ يانغ، خاصة إذا ما وضعتا نصب عينيهما شعار ستيمسون. ورغم أن النزع الكامل للسلاح النووي من شبه الجزيرة قد يبدوا غير واقعيًّا على المدى القريب، فإن التخفيف من حدة التوتر وتعزيز القيود النووية أمران نافعان في حد ذاتهما. فالنزع المضطرد للسلاح النووي (أو الرقابة على السلاح النووي على الأقل) يعد نقطة انطلاق عملية نحو النزع النهائي للسلاح النووي.

تعد عدم الثقة السياسية سببًا وراء كل عائق يقوض نزع السلاح النووي بشبه الجزيرة، ولهذا فإنه على جميع الأطراف أن تقتنص الفرص لتعزيز الثقة بدلا من البحث عن أسباب تدعوا إلى الوقوف بأيدٍ مكتوفة. أبدًا لن يزول برنامج بوينغ يانغ من تلقاء نفسه، ولن يمحو أثره سوى التعاون البناء.



Topics: Nuclear Weapons

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]