فرض الحظر ومنع الاستحواذ على المعاهدة

By Héctor Guerra: AR, July 23, 2014

يبدو النظام الدولي غير مستقر على نحو متزايد في هذه السنوات الأولى من القرن الـ 21 . كما تظهر العلاقات بين موسكو وواشنطن تجددا للتوترات بينهما. ويبدو أن الشرق الأوسط يتجه ليكون منطقة صراع كبيرة. بعض المناطق في العالم، بما في ذلك المنطقة التي أنتمي إليها وهي أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، تتعرض للعنف على نطاق واسع خارج سياق النزاعات المسلحة التقليدية، ويرجع ذلك جزئيا إلى الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية وانتشار الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة. وفي الوقت نفسه، عدم المساواة في الدخل العالمي تقف عند مستويات مرتفعة جدا. في عالم مثل هذا، فإن الاحتفاظ بترسانات الأسلحة النووية هو ببساطة أمر غير آمن.

على مدى العقود العديدة الماضية، أحرزت الحركة ضد الأسلحة النووية بعض النجاحات—لكنها مُنيت أيضا ببعض الإخفاقات. وقد تحققت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية من انتشار تقنية الأسلحة (حتى وإن كانت كوريا الشمالية قد انضمت للنادي النووي في السنوات الأخيرة) لكنها لم تحقق نفس القدر في مجال نزع السلاح. إن الآمال في إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط بدأت تتلاشى. ولم يسفر مؤتمر نزع السلاح عن شيء تقريبا منذ حقبة التسعينات. بوجه عام، لم تحقق آليات نزع السلاح القائمة المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة—على سبيل المثال، مسؤولية منع الحرب والحفاظ على حقوق الإنسان الأساسية .

ثمة طريقة واعدة للمضي قدما هى "المبادرة الإنسانية " ، وهى محاولة جديدة لنزع السلاح تتمحور حول سلسلة من المؤتمرات بشأن الآثار الإنسانية للأسلحة النووية. ) استضافت النرويج المؤتمر الأول، في عام 2013؛ والمكسيك المؤتمر الثاني في فبراير الماضي، وسوف تستضيف النمسا المؤتمر الثالث في ديسمبر القادم). وتسعى المبادرة إلى إبراز أهمية حقيقتين: أن مجرد وجود الأسلحة النووية يهدد أمن الدول والشعوب في جميع أنحاء العالم، وأنه لا توجد دولة على استعداد للاستجابة للأزمة الإنسانية التي سيحدثها أي تفجير نووي (حتى وإن وقع التفجير ضمن نطاق صراع إقليمي محدود). تسعى المبادرة أيضا إلى معالجة الضجيج المحيط بنزع السلاح النووي—جميع الأحاديث عن خفض المخزونات تدريجيا، أو معالجة أوجه القصور في المعاهدات القائمة، أو الحصول على تأكيدات من الدول المسلحة نوويا بأنها لن تكون أول من يستخدم الأسلحة النووية. تولد المبادرة الإنسانية أملا مسوغا بأنه ستوضع معاهدة تحظر الأسلحة النووية تماما.

تتضمن المبادرة الجهات الفاعلة والنهج وأفكارا من جهود سابقة لاقت نجاحا إلى حد كبير للقضاء على الألغام الأرضية المضادة للأفراد والذخائر العنقودية— وهما نوعان من الأسلحة التي تحصد أرواح الناس دون داع وتكلفهم سبل عيشهم. إن معاهدة حظر الألغام لعام 1997 واتفاقية بشأن الذخائر العنقودية عام 2008 ربما لم يحققا عضوية عالمية حتى الآن— إذ لا تزال الولايات المتحدة وروسيا والصين، إضافة إلى دول أخرى، خارج هذه الصكوك— لكن الألغام الأرضية المضادة للأفراد تم وصمها وينطبق الشيء نفسه بشكل متزايد على الذخائر العنقودية. التجارة الدولية لهذه الأسلحة قد انهارت فعليا، كما يوجد حظر فعلي على استخدامها. هذه الجهود للقضاء على الأسلحة ارتكزت على أعمال سابقة في الحد من الأسلحة النووية، والتي كبحت الانتشار، وحظرت الأسلحة النووية من عدة مناطق، وأوقفت التجارب النووية بالكامل تقريبا. ورغم ذلك، فإن الحركة السائدة حاليا لنزع السلاح النووي فقدت زخمها، وبالتالي فإن المبادرة الإنسانية تحاول تنشيط العملية— نأخذ عمليات أوتاوا وأوسلو بشأن الألغام الأرضية المضادة للأفراد والذخائر العنقودية كسوابق قريبة. من حيث مبادئ السياسة الخارجية والممارسة والخبرة المتراكمة، فإن مختلف عمليات نزع السلاح تتشابك بشكل وثيق.

وقد ساندت العديد من الدول المبادرة الإنسانية، وكذلك العديد من الوكالات الحكومية الدولية ومنظمات المجتمع المدني. لكن هل ستؤدي المبادرة في الواقع إلى عملية دبلوماسية رسمية؟ هل ستتوج بوضع معاهدة توسع نطاق نزع السلاح وراء حدوده الحالية— ربما معاهدة تحظر الأسلحة النووية تماما؟ هذه أسئلة صعبة.

إن مواقف الدول بشأن حظر الأسلحة النووية لن تكون منفصلة عن مبادئ سياساتها الخارجية وأولوياتها الأوسع نطاقا. وبالتالي، ليس كل الدول التي تسعى للحصول على صك ملزم قانونا لحظر الأسلحة النووية لها نفس الحد السياسي من المناورة. هندوراس، على سبيل المثال، هى جزء من المنطقة الخالية من الأسلحة النووية في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي . إنها تؤيد إعلانا بشأن نزع السلاح صدر في عام 2013 من قبل مجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي. إنها تشارك في المبادرة الإنسانية . لكنها أيضا دولة تأتي في المرتبة 120  من أصل 186 دولة حسب مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وفي الوقت نفسه، أكبر شريك تجاري لهندوراس هى الولايات المتحدة، والتي تمتلك "ما يقدر بـ 4,650 من الرؤوس الحربية النووية المعدّة للإطلاق بواسطة أكثر من 800 من الصواريخ الباليستية والطائرات". كيف سيؤثر اعتماد هندوراس الاقتصادي على الولايات المتحدة على سلوكها في العملية الدبلوماسية لحظر الأسلحة النووية؟

سوف تنجح المبادرة الإنسانية فقط إذا شكلت الدول التي تدعمها جبهة موحدة. وهذا يعني أن الدول التي في طليعة هذه المبادرة ينبغي أن تضع نفسها على أنها مجموعة أساسية من "الأبطال " ، إذا جاز التعبير. وينبغي أن تشمل هذه المجموعة ممثلين من مناطق متنوعة، ولكن في نفس الوقت يجب أن تظل المجموعة محدودة بما يكفي للسماح للعقليات المتشابهة في صياغة الاستراتيجية. ان مثل هذه المجموعة ستسمح بتأسيس مواقف إقليمية بشأن معاهدة لحظر الأسلحة— مع اعتبار أنه، بينما تلقي منطقة تلو الأخرى دعمها وراء هذا الحظر، سيزداد الضغط على الدول المسلحة نوويا للمشاركة في عملية المعاهدة. (حركة عدم الانحياز، والتي تحتوي على الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في هذا المجال).

لن تكون العملية منفصلة عن الأنشطة الأخرى في مجال نزع السلاح والأمن الدولي، أو عن السياسة الخارجية بشكل عام، وبالتالي فلن يكون التقدم بسيطا أو معتدلا. وهذا يعني أنه لن يكون هناك غنى عن الصبر والمنظور التاريخي. ولكن عندما تحين اللحظة، يمكن أن تتطور المبادرة الإنسانية إلى نقاش كبير داخل المحافل السياسية— على أمل أن يؤدي ذلك إلى عملية دبلوماسية رسمية نحو وضع معاهدة لحظر الأسلحة.

في أي حال، حتى قبل أن يتم بدأ هذه العملية، يجب تحليل آليات الإنفاذ ومناقشتها . ويجب أن تشمل الآليات معايير مشتركة وقابلة للقياس بشأن ما يستتبع كنتيجة لحظر ونزع السلاح؛ هياكل للتعاون الدولي والمساعدة؛ جدول زمني وميزانية؛ وهيئة مشرفة تتمتع بصلاحيات مناسبة. ستكون هناك حاجة لقاعدة مؤسسية قوية إذا أريد القضاء على الأسلحة المحظورة—ومنعها من الظهور مجددا في العقود القادمة.

إذا لم تعالج مثل هذه الآليات بشكل صحيح قبل إطلاق أية عملية دبلوماسية، ربما "تستحوذ" الدول المسلحة نوويا على أي معاهدة تنتج عن ذلك. إذا جاءت الدول إلى طاولة المفاوضات حاملة العموميات والوعود فقط، فإن بعض الدول ستقوم لا محالة بعرقلة التقدم نحو معاهدة دولية قوية ذات مغزى وطويلة الأمد، أو تقوم بإضعاف أي صك ينبثق عن ذلك. إن أي مناقشة غير متبلورة ستصب فقط في صالح أصحاب الوضع الراهن . ولن ينتج عنها سوى معاهدة رمزية.

من شرق وجنوب آسيا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، يمكن أن تتصاعد التوترات الجيوسياسية القائمة في أي وقت إلى نزاع مسلح واسع النطاق يشمل الدول المسلحة نوويا. في ظل هذه الظروف، أليس بإمكان البشر وضع معاهدة قوية قابلة للتنفيذ تقوم بحظر الأسلحة النووية بشكل تام؟



Topics: Nuclear Weapons

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]