فقط قولوا “لا”

By Mark Gubrud: AR, July 6, 2015

قد يبدو القيام برحلة طيران تفوق سرعتها سرعة الصوت متعة لا مثيل لها— لكنك لست أنت المعني بهذه الرحلة. إذ المعني بها الأسلحة التي ربما يتم استخدامها فقط في بداية حرب نووية.

لم تنجح أي دولة حتى الآن في تطوير صواريخ غير باليستية يمكنها قطع مسافات طويلة بسرعة 5 ماخ (خمسة أضعاف سرعة الصوت) أو أكثر، إلا أن الولايات المتحدة والصين تقومان بإجراء اختبارات في هذا الصدد. وقد أعلنت روسيا والهند إنهما يعملان معا على تطوير صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت. وبطبيعة الحال يجب على باكستان القيام بفعل أي شيئ تقوم به الهند. وسوف تجد فرنسا أنه لا يمكنها أن تكون فرنسا بدون امتلاك صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، في حين يجب ألا تتخلف بريطانيا عن الركب … وسيستمر الحال على هذا المنوال، في جولة جديدة من سباق التسلح القديم الذي لن يؤدي إلا إلى طريق مسدود أو إلى اللامبالاة. لحسن الحظ، هناك طريقة بسيطة خالية من المخاطر ويمكن التحقق منها لتفادي هذا الاحتمال الكئيب: حظر اختبارات الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت (الهايبرسونيك).

لماذا ترغب أي دولة في امتلاك صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت على أية حال؟ لأكثر من نصف قرن، وفرت الصواريخ الباليستية القدرة على إلقاء الرؤوس الحربية فوق الغلاف الجوي وضرب أي بقعة على الأرض في غضون دقائق. ومع أن فكرة صنع صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت قادرة على اختراق الغلاف الجوي بسرعة هائلة كانت موجودة أيضا منذ حوالي نصف قرن—فإن الضغط الشديد ودرجات الحرارة المرتفعة وآثار التآكل للطيران فوق صوتي أحبطت الجهود الرامية إلى تطوير أسلحة عملية. إن الصواريخ البالستية هي أبسط وأرخص وأسرع، ويمكنها هزيمة الدفاعات الصاروخية بالشراك الخداعية خفيفة الوزن وغيرها من التدابير المضادة البسيطة.

إن الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت، بتكاليفها العالية وحمولاتها الصغيرة، لن تكون ملائمة لحملة عسكرية متواصلة، لكن يمكنها أن تكون ذات فائدة كسلاح يستخدم في بداية الحرب. إذ إن هذه الصواريخ، المزودة برؤوس حربية تقليدية وطاقة حركية خاصة بها، يمكنها مهاجمة السفن والرادارات وهوائيات الاتصالات والغرف المحصنة للقيادة والأسلحة ومهابط الطائرات وقاذفات الصواريخ، وغيرها من الأصول الاستراتيجية. كما يمكنها أيضا حمل رؤوس نووية، والطيران في مدار منخفض عن الرادارات التي تراقب الصواريخ الباليستية. يقترح الاستراتيجيون الأمريكيون أنه يمكن  استخدام الأسلحة الفائقة لسرعة الصوت في "الضربة العالمية الفورية التقليدية" من دون خطر احتسابها هجوما نوويا بطريق الخطأ— لكن واشنطن تزعم أن الصين تعتزم استخدام أسلحتها الفائقة لسرعة الصوت من أجل الإيصال النووي.    

الاختبارات حتى الآن. هناك نوعان رئيسيان للصواريخ الفائقة لسرعة الصوت: مركبات طائرة دافعة وصواريخ كروز ذات محرك.

في المركبات الطائرة الدافعة، يتم استخدام صاروخ لإطلاق طائرة شراعية إلى مسار عالي في الفضاء. وعندما تعاود دخول الغلاف الجوي، تقوم الطائرة الشراعية بالسحب إلى أعلى حتى تطير أفقيا، بدون محرك، لآلاف الأميال بسرعات أولية في نطاق فوق صوتي عالٍ، يتراوح ما بين 10 إلى 20 ماخ (حوالي 7000 إلى 14000 ميل في الساعة).

اختبرت الولايات المتحدة مركبة طائرة دافعة في النهاية القصوى من سرعة هذا النطاق في عام 2010 و 2011، لكن الاختبارات باءت بالفشل. تم اختبار برنامج آخر يسمى الأسلحة المتقدمة فائقة السرعة، الذي استهدف سرعات أقل (حوالي 12 ماخ) وقد قيل إنه تم اختباره بنجاح في نوفمبر عام 2011. لكن في الاختبار الثاني الذي أجري في أغسطس 2014، انفجر السلاح نفسه على منصة الاطلاق. في الوقت نفسه، أجرت الصين ثلاثة اختبارات على مركبات طائرة دافعة، والمعروفة باسم WU-14 في عام 2014. أما الاختبار الثاني الذي أجرته الصين في أغسطس فقد كان بمثابة فشل ذريع. ويفترض على نطاق واسع أن الاختبارات التي أجريت في يناير وديسمبر قد حققت نجاحات جزئية على الأقل. أما الاختبار الرابع، الذي كان ناجحا على ما يبدو، فقد تم إجراؤه منذ عدة أسابيع قليلة.

أما بالنسبة لصواريخ كروز الفائقة لسرعة الصوت فيتم دفعها في البداية بواسطة صاروخ صغير ثم تحريكها بعد ذلك بواسطة محرك احتراق تضاغطي فوق صوتي (أو محرك سكرامجت) للطيران في نطاق فوق صوتي منخفض— ما بين 5 إلى 10 ماخ أو من حوالي 3000 إلى 7000 ميل في الساعة. وهى تغطي مسافات تصل إلى حوالي 600 ميل. هذه الأسلحة مناسبة بشكل مثالي للضربات البحرية، والضربات الأرضية من الجو أو المنصات البحرية، أو هجمات مفاجئة عبر الحدود بين الدول المتجاورة.

في مايو 2013، أصبحت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة المعروفة التي اختبرت بنجاح صاروخ، X-51A ، وهو نموذج أولي لسلاح الضربة عالية السرعة أو HSSW ، والذي من المزمع أن يطير بسرعة تقدر بـ5 ماخ. لكن يقال إن الصين تعمل على تقنية مشابهة وتقوم بدراسة التصورات لاستخدامه. وفي الوقت نفسه، فإن روسيا والهند تسوقان معا لصاروخ كروز فوق صوتي يعمل بمحرك نفاث، يُعرف باسم براموس، الذي تم تصميمه على أساس الحقبة السوفيتية. كما أعلنت الدولتان عن مشروع لإنتاج صاروخ فوق صوتي آخر، براموس 2، الذي قالتا عنه إنه سوف يطير بسرعة ماخ 7  .

لا مزيد من التجارب. في التجارب التي أجريت حتى الآن، أثبتت النجاحات أنه من الممكن صنع أسلحة عملية فائقة لسرعة الصوت—وبالتأكيد، إذا استمر العمل على ذلك، فمن المرجح أن تصبح الأسلحة الفائقة لسرعة الصوت حقيقة واقعة على مدى العقد المقبل. وفي الوقت نفسه، أظهرت التجارب الفاشلة أنه من المستحيل القيام بتطوير أسلحة فائقة لسرعة الصوت تكون موثوقة ومفيدة عسكريا بدون القيام بإجراء تجارب.

إن وضع معاهدة حظر تجارب للأسلحة فائقة السرعة ستكون أداة قوية للحد من الأسلحة. إذ لن تبني دولة خططها الهجومية الاستراتيجية الاستباقية على أسلحة لم يتم اختبارها بدقة وتنقيحها والتحقق من فعاليتها.

كما ستكون معاهدة الحظر قابلة للتحقق أيضا. في حين أن تطوير صواريخ فائقة لسرعة الصوت يمكن أن يتم في المختبرات وأنفاق الرياح إلى حد ما، فإن الاختبارات الكاملة اللازمة للتأكد من أدائها وتصحيح العيوب يمكن إجراؤها فقط في الهواء الطلق—تحت مراقبة أجهزة الاستشعار الموجودة في الفضاء وفي البحر وعلى الأرض وحتى في أيدي الناس العاديين.

ويمكن أن يبدأ الحظر بوقف غير رسمي. يمكن للولايات المتحدة أوالصين أوروسيا أوالهند المبادرة بالوقف من خلال إعلانها أنها قد أوقفت خططها المتعلقة بالتجارب المستقبلية للأسلحة فائقة السرعة—وفي الوقت نفسه تقوم بدعوة الدول الأخرى لتأجيل تجاربها الخاصة والسعي إلى فرض حظر دائم. وفي الوقت المناسب، يمكن تنظيم مؤتمر للتفاوض بشأن المعالم الدقيقة لفرض حظر عالمي ومن ثم يمكن صياغة معاهدة رسمية.

إن المبادرة أو الانضمام إلى وقف التجارب والتمسك بالحظر سوف ينطوي على خطر ضئيل. إن الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت تشكل تصعيدا للتهديدات الاستراتيجية، لكنها ليست كافية لضمان نجاح الضربة الأولى النازعة للسلاح. ولن تكون أي دولة قادرة على الإتقان سرا وإنتاج كميات كبيرة من الأسلحة بسرعة دون أن يكون لمنافسيها أي فرصة لاستيعاب تلك التقنية واللحاق بالركب.

رفض الكل لعدم الرضا عن الجزء. سوف يجادل البعض بأن حظر الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت من شأنه أن يمنع تطور "الطائرات الفضائية" التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والتي يمكن أن تعبر المحيطات في ساعة واحدة أو تطير في المدار الأرضي. في الواقع، إن الوضع الاقتصادي لهذه الأفكار مشكوك فيه للغاية. لكن حظر التجارب الصاروخية الفائقة لسرعة الصوت لا يحتاج إلى الوقوف في طريق تحقيق ذلك. إذ من السهل التمييز بين الصواريخ وبين المركبات الضخمة التي قد يكون من المنطقي أنها طائرات فضائية. ويمكن أن تحدد المعاهدة المعايير التقنية اللازمة لإيضاح هذا التمييز، وكذلك إظهار النية بعدم منع الأنشطة السلمية.

إن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ليست سوى جانب واحد من سباق تسلح استراتيجي جديد بين القوى النووية المسلحة الرئيسية في العالم. وتشمل مصادر هذا الخطر المتصاعد المنافسات الجيوسياسية المشتعلة، والتحولات في القوة الاقتصادية، وأسلحة جديدة أصبحت ممكنة بفضل التقنية الناشئة. لقد فشل العالم حتى الآن في إرجاع الجني النووي إلى القمقم مرة أخرى، لكن هناك أعداد جديدة من الجن تخرج الآن: أسلحة الفضاء والحرب الإلكترونية وطائرات بدون طيار والأسلحة المستقلة. كما أن الأسلحة المعتمدة على البيولوجيا التركيبية وتكنولوجيا النانو تلوح في الأفق.

في هذا السياق، فإن وضع معاهدة لحظر اختبارات الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت تبرز باعتبارها فرصة سهلة ومهمة للغاية لمقاومة هجمة تقنية الأسلحة المزعزعة للاستقرار. دعونا نقول فقط "لا" للأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.



 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]