مكافحة مسببات الأمراض من خلال تعليم الأخلاقيات

مسببات الأمراض لا تحترم الحدود. وتتطلب جهود مكافحة تفشي الأمراض— بما في ذلك الناجمة عن مسببات الأمراض الناشئة، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان— أن تكون الاستجابات المحلية والوطنية متزامنة وأن يتم إنشاء آليات للتعاون الدولي. وفي هذا الصدد، يلعب العلماء دورا هاما على الصعيدين الوطني والدولي على حد سواء.

إن العلماء في وضع جيد يمكنهم من أن يصبحوا بمثابة نظام إنذار مبكر لتفشي المرض، وذلك نتيجة لتعاملهم مع مسببات الأمراض في الأبحاث اليومية وخبرتهم العميقة بالمؤلفات المتعلقة بهم. إن مشاركتهم في اتخاذ تدابير للسلامة الحيوية والأمن الحيوي ومراقبة الاستخدام المزدوج والتصديق عليها يعد أمرا ضروريا لمواجهة التهديدات التي تشكلها مسببات الأمراض الناشئة. ("السلامة الحيوية" بعبارات بسيطة، تشير إلى منع التعرض غير المقصود لمسببات الأمراض أو نشرها بغير قصد، أما "الأمن الحيوي" فيعني حماية مسببات الأمراض من السرقة أو الضياع أو التحويل، و"الاستخدام المزدوج" للأبحاث عبارة عن أبحاث مشروعة يمكن أن يساء استخدامها لتهديد الصحة العامة أو الأمن القومي).

غالبا ما يجد العلماء أنفسهم، وذلك بصفتهم خط الدفاع الأول، أنهم مُتقبّلون بحماس من قبل هؤلاء المهتمين بمكافحة مسببات الأمراض. لكن ثمة تساؤلات جدية تحيط بالتعليم الذي يتلقاه العلماء عن أخلاقيات السلامة الحيوية والأمن الحيوي والبحوث ذات الاستخدام المزدوج، وعن المعايير المرتبطة بالمسؤولية والمهنية وحسن السلوك. غالبا ما يخفق تعليم الأخلاقيات في إعداد العلماء لتلبية التوقعات المرجوة منهم، وفي الواقع تشير عديد من الدراسات أن تعليم الأخلاقيات، على المستوى العالمي، لا يزال غير مكتمل وغير موحد. وإلى أن يصبح التعليم الدولي للأخلاقيات أكثر شمولا، فمن الصعب وضع ثقة حقيقية في العلماء بصفتهم خط الدفاع الأول.

يجب أن يكون تعليم الأخلاقيات للعلماء مركّزا حتى يتمكن العلماء من رؤية قيمة في المواضيع قيد المناقشة— أي أن تعليم الأخلاقيات يستلزم أن يكون هناك قبول من العلماء. بدون هذا القبول، لن يعدو تعليم الأخلاقيات عن كونه مجرد تزويد العلماء بمعلومات حول المخاطر المرتبطة بقضايا السلامة الحيوية والأمن الحيوي والاستخدام المزدوج. ولن يكون بإمكانه حث العلماء على الانخراط في التفكير النقدي حول إساءة استخدام البحوث وممارسة اتخاذ قرارات أخلاقية.

الحصول على قبول العلماء ليس بالأمر الصعب عندما يتعلق الأمر بالسلامة الحيوية. إذ أن مخاطر السلامة الحيوية المرتبطة بالبحوث، ومسؤولية العلماء للتصدي لهذه المخاطر، هي أحد العناصر الواضحة تماما والتي يسهل التحكم فيها عموما في منهج الأخلاقيات. لكن توعية العلماء بصورة صحيحة بالمخاطر الأمنية— سواء كانت تلك المخاطر تندرج تحت فئة الأمن الحيوي أو الاستخدام المزدوج— هي عملية بالغة التعقيد. إذ غالبا ما يرى العلماء أن هذه المخاطر بعيدة تماما عن ممارساتهم البحثية اليومية (وفي معظم الحالات ليس هناك الكثير مما يمكن أن يفعله العلماء في الواقع للحد من خطر اساءة استخدام أعمالهم). إذا أُلقيت على العلماء مسؤولية الحد من مخاطر يرون أنه لا أساس لها من الصحة، فمن الممكن أن يضعف ذلك بشدة من فعالية تعليم الأخلاقيات. وبالتالي يجب أن يتبع تعليم الأخلاقيات نهجا متوازنا— بأن يشجع على اتخاذ القرارات الأخلاقية والتفكير النقدي دون المبالغة من المخاطر الأمنية الكامنة في البحوث.

غالبا ما تعاني الدول منخفضة ومتوسطة الدخل من افتقار دائم لتعليم رسمي للأخلاقيات. وغالبية تعليم الأخلاقيات الذي يتلقاه العلماء في هذه الدول يكون متاحا بسبب متطلبات التمويل أو أن اتفاقات التعاون تستلزم أن يكون متوافرا (وإلا فإنه يأتي في شكل دورات على الانترنت)، لذلك تعليم الأخلاقيات الذي يتلقاه العلماء يكون معمماً للغاية— وإذا كان محدداً، يكون محدداً لسياق بحوث دولة ذات دخل مرتفع. هذه المبادرات الأخلاقية الخارجة عن سياقها غالبا ما تناقش أنواع البحوث الخارجة عن نطاق البحوث الوطنية للدول منخفضة أومتوسطة الدخل— وغالبا ما يعاني العلماء من أجل رؤية المغزى من مناقشة مخاطر تقع خارج أطرهم المرجعية. علاوة على ذلك، قد تُلقي المشاكل البارزة للغاية، مثل توفير الرعاية الصحية السيئة، بظلالها على المخاوف الأمنية في الدول منخفضة أو متوسطة الدخل، مما يزيد من تعقيد تعليم الأخلاقيات.

ثمة مشكلة أخرى تواجه مبادرات التعليم في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل وهى أن تلك الدول لا تملك، ومن المستبعد أن تقوم بتطوير على المدى القريب، تنظيمات شاملة تتيح للعلماء أن يبلغوا عن مخاوفهم بشأن قضايا السلامة الحيوية والأمن الحيوي ذات الاستخدام المزدوج. ومع أن مثل هذه التنظيمات في الدول الغنية قد تكون غير كاملة، وأنها ما زالت موضع مناقشات مستفيضة، لكنها قائمة بالفعل. لذلك يجب أن يحرص القائمون على تعليم الأخلاقيات على ألا يحمّلوا العلماء في العالم النامي مسؤوليات ليس لديهم أي وسيلة لتحقيقها. يجب أن تحقق مبادرات تعليم الأخلاقيات التوازن الصحيح بين المسؤولية والمخاطر؛ وإلا ببساطة سوف يرى العلماء أن قضايا الأمن الحيوي والاستخدام المزدوج ليست ذات صلة بأبحاثهم.

ثمة خطوة مهمة نحو مواجهة تهديد مسببات الأمراض الناشئة وهى تطوير مناهج تعليمية محسّنة لأخلاقيات علوم الحياة. وبينما يتم تطوير هذه المناهج، فإنه يجب التكرار باستمرار أن حجما واحد لا يمكن أن يناسب الجميع— يجب أن يتعامل أي نموذج ناجح لتعليم الأخلاقيات مع قضايا مثل البيئة الثقافية التي سيطبق فيها النموذج والتطبيقات العملية للبيئات البحثية المحددة. (من جانب آخر، فإن الانسجام الدولي لتعليم الأخلاقيات هو قضية هامة في حد ذاتها). وإلى أن يتمكن تعليم الأخلاقيات من التغلب على مثل هذه التحديات، فإنه سيكون من الصعب جدا إنشاء مجتمع دولي من العلماء— علماء على دراية مناسبة بقضايا السلامة الحيوية والأمن الحيوي والاستخدام المزدوج— الذين يمكنهم فعلا أن يشكلوا خط دفاع أول متحد ضد مسببات الأمراض الناشئة.



Topics: Biosecurity

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]