نقطة التقاء الأخلاق والواقع

By Wael Al Assad: AR, November 6, 2014

انتقدني سنان أولجن وانتقد معي "لي بن"  لتبنّي كلينا نهجاً "أخلاقياً" في التعاطي مع قضية نزع الأسلحة. وطرح الرجل آراءه على أنها أكثر واقعية من آرائنا. ولكن عندما دعوتُ أنا و"لي بن" إلى النزع الكامل للأسلحة، كان المقصد الرئيس معالجة التصورات للتهديدات الحقيقية، وحل المشكلات الأمنية في العالم الواقعي. وإذا تبين أن تأييد نزع الأسلحة هو الموقف الصحيح أخلاقياً، فأين التناقض الجوهري بين المواقف الأخلاقية والمواقف الواقعية؟        

أستطيع تحديد عدة لحظات في هذه الطاولة المستديرة توافقت فيها آرائي (وكذلك آراء "لي") "الأخلاقية" مع أولويات الأمن العالمي بصورة أفضل من آراء أولجن التي يفترض أنها واقعية. أولاً، يقول أولجن إنه في ظل امتلاك دول قليلة للأسلحة النووية، بات العالم اليوم أكثر أماناً مما يمكن أن يكون عليه حال عدم وجود أسلحة نووية. لكن إذا كان هذا صحيحاً، فلماذا انضمت الدول النووية إلى معاهدة حظر الانتشار النووي كبداية؟ هل انضمت بسذاجة لاتفاقيةٍ من شأنها أن تجعل العالم أقل أماناً؟ بالطبع هذا أمر مستبعد. لكن هناك تفسيرٌ أكثر إقناعاً وهو أن هذه الدول أعطت تعهدات خادعة (رغم أنها ملزمة قانونياً) بنزع الأسلحة وذلك بهدف الحفاظ على احتكارها للأسلحة النووية. بيد أن شرطًا أساسياً لتحقيق نظام دولي آمن هو أن تستطيع الدول أن تثق ببعضها في احترام تعهداتها (أو أن تستطيع الوثوق بفرض آليات إنفاذ قابلة للتطبيق عند عدم الوفاء بتلك التعهدات). غير أن الثقة التي يتطلبها النظام الدولي تتآكل حالياً فيما يتعلق بالأسلحة النووية. وقد يهدد انهيار الثقة الأمنَ الدولي، بل والنظام الدولي نفسه في النهاية. وفي ظل ظروف كهذه، هل يكون الإصرار على نزع الأسلحة بشكل عام مجرد موقف أخلاقي ولا يمت للواقعية بصلة؟

ثانياً، يعارض أولجن النزع التام للأسلحة النووية بالإشارة إلى أن الأسلحة النووية توفر الأمان للدول غير النووية من خلال مظلة حلف الناتو النووية والردع الأمريكي الممتد. لكن، حتى لو نحينا جانباً عدم شرعية مد مظلة نووية لمجموعة من الدول غير النووية الأعضاء بالمعاهدة، ينظر كثير من أطراف معاهدة حظر الانتشار النووي إلى الردع الممتد ومظلة الناتو النووية على أنهما مصدران لمخاوف أمنية شديدة. وتكمن المشكلة هنا في أن الردع الممتد أوجد فئة ثالثة من أطراف المعاهدة. فبالإضافة إلى الدول النووية، بات هناك نوعان من الدول غير النووية –دول تحصل على فوائد الردع النوي، وأخرى محرومة من تلك المزايا. وهذه الفئة الأخيرة من الدول هي التي أشرت إليها في الجولة الثانية عندما قلت بأنه إذا كانت الأسلحة النووية توفر الأمان للدول التي تمتلكها، "ألا ينبغي للدول الأخرى أن تقوي أمنها بامتلاك أسلحة للردع النووي؟" ولو فعلت ذلك، ستكون التداعيات الأمنية أمراً واقعاً إلى حد كبير.

ثالثاً، يذكر أولجن أنه "في عالم "صفري"، ستكون دوافع التسلح النووي لأي دولة مارقة قويةً للغاية، لأنه لن يكون هناك حينئذ تهديد يردعهم –ناهيك من التدمير المحقق للدولة والتخلص من قيادتها" . يعتقد أولجن في الحقيقة أن نزع الأسلحة ونظام حظر الانتشار قد ينهارا عند امتلاك أول "دولة مارقة" السلاح النووي. وعبارة "دولة مارقة" هي عبارة غير موضوعية وتصنيف متحيز، فضلاً عن كونها تذكير بغيض بعهد جورج دبليو بوش. لكن إضافةً إلى ذلك، هناك دولة نووية لطالما اعتبرت "مارقة" نجحت في امتلاك السلاح النووي –وهي كوريا الشمالية. فهل تقوض نظام حظر الانتشار كنتيجة لذلك؟ لا، لم يتقوض، لذا لا أدري أي دروس يمكن استخلاصها من مثال واحد للانتشار النووي.

على الجانب الآخر، فإن امتلاك إسرائيل الأسلحة النووية يتسبب في استمرار تآكل مصداقية نزع الأسلحة ونظام حظر الانتشار في عقول كثير من صانعي السياسات في الشرق الأوسط. فدول هذه المنطقة تنظر إلى قدرة إسرائيل النووية على أنها تهديد مباشر لأمنها، وبدأت في التشكيك في الحكمة من قرارات الانضمام إلى المعاهدة التي اتخذتها قديماً. وإذا انسحبت دول المنطقة من المعاهدة، ستكون التداعيات الأمنية خطيرة بالفعل. والطريقة العملية الوحيدة للحيلولة دون حدوث هذه النتيجة على المدى الطويل هي نزع الأسلحة بشكل عام. مرةً أخرى، لقد طرحتُ أنا و"لي" حججنا المؤيدة لـ"الصفر النووي" على أساس التصورات للتهديدات الفعلية والمخاوف الأمنية. قد يكون نزع الأسلحة أمراً أخلاقياً–لكن هذا بعيد عن كونه المقصد الوحيد. 



 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]