الأمر بحاجة لأكثر من مجرد وعود
By Rolph Payet: AR |
إن الارتباط بين التنمية وتغير المناخ ليس بجديد: يعتقد العديد، على سبيل المثال، أن تغير المناخ ساهم في انهيار حضارة المايا. لكن مشكلة المناخ التي يواجهها العالم اليوم هائلة الحجم. في شهر مارس من هذا العام، ولأول مرة، تم تسجيل تركيز الكربون في الغلاف الجوي فوق 400 جزء في المليون على مدى فترة 24 ساعة خلال الـ800 آلاف سنة قبل بداية الثورة الصناعية، لم تصل أبدا مستويات تركيز الكربون لأكثر من حوالي 280 جزءا في المليون. ومن بين 7,2 مليار شخص في العالم، يعيش 44 في المائة في المناطق الساحلية، حيث يواجهون مخاطر بسبب ارتفاع منسوب البحار والعواصف العاتية. يمكن أن يواجه الأشخاص في أماكن أخرى مستقبلا حافلا بجفاف شديد أو اضطرابات أخرى. باعتبار جميع ما سبق، يمكن أن يعاني مليارات الأشخاص من الآثار المباشرة لارتفاع درجة حرارة المناخ.
أحد الأسباب التي أدت إلى عدم التوصل لحل عملي متعدد الأطراف لظاهرة الاحتباس الحراري هو أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مرتبطة بعلاقة قوية بالناتج الاقتصادي كما أنها وثيقة الصلة بمراحل التنمية التي تمر بها الأمم؛ فالدول التي تمر بمراحل مختلفة من التنمية تنظر إلى مسألة خفض الانبعاثات بطرق مختلفة. يجادل البعض في الدول المتقدمة بأن جميع الدول، بغض النظر عن حالتها التنموية، يجب أن تتحرك بقوة للحد من انبعاثات الكربون. لكن الدول النامية تميل إلى الجدال بأنه ينبغي على الدول الأكثر ثراء، التي تعتبر مسؤولة عن معظم انبعاثات الكربون التي دخلت الغلاف الجوي منذ فجر الثورة الصناعية، تحمل مزيد من المسؤولية للحد من هذه الانبعاثات. وهناك من يرى أنه لا ينبغي إجبار الدول النامية للحد من انبعاثاتها إلى الدرجة التي قد تعيق تنميتها. يمكن تفهم وجهتي النظر هاتين، لكني أتعاطف أكثر مع الرأي القائل بأن آليات المناخ يجب أن تأخذ بعين الاعتبار مرحلة التنمية الاقتصادية لأي دولة. إذ أن الحجم الواحد لا يناسب الجميع.
هل من الممكن بناء اقتصاد عالمي منخفض الكربون؟ بالطبع، ويجب أن تبدأ الجهود مع الأمم التي تنتج مجتمعة حوالي ثلثي الانبعاثات العالمية: الصين والولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي والبرازيل واندونيسيا وروسيا والهند واليابان. لكن أبعد من ذلك، لا بد من وضع أهداف محددة زمنيا للحد من الانبعاثات العالمية، وضمن هذا الإطار، يجب على الدول المنفردة اعتماد استراتيجيات التخفيف والتقنيات الملائمة لظروفها الخاصة.
يهدف اتفاق كوبنهاجن عام 2009 أن يكون خطوة في هذا الاتجاه. لكن الاتفاق، لسوء الحظ، لا يزال غير ملزم، وهذا يثير قلقلا شديدا بين العديد من الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، بما في ذلك الدول الجزرية الصغيرة مثل بلدي سيشيل. ومع ذلك، فإن الاتفاق يستحق الثناء لتصور تخفيضات انبعاثات محددة لكل بلد ( من المقرر تحقيقه بحلول عام 2020 )، و الأخذ بعين الاعتبار المرحلة التنموية لكل دولة على حدة.
تشمل تعهدات الحد من الانبعاثات المحرزة منذ مؤتمر كوبنهاجن للتغيرات المناخية، على سبيل المثال، تعهد الولايات المتحدة للحد من انبعاثاتها بنسبة 17 في المئة بحلول عام 2020، مقارنة بمستويات عام 2005. الصين، من ناحية أخرى، لا تتعهد بالحد من انبعاثاتها في حد ذاتها، وإنما الحد من كثافة الكربون— مما يعني، تخفيض كمية الكربون المنبعثة لكل وحدة من الناتج الاقتصادي—إلى ما بين 40 و 45 في المئة. هذه الأساليب المختلفة، بطبيعة الحال، تجعل من الصعب مقارنة وتقييم جهود الحد من تغير المناخ لكل بلد على حدة، كما أنه من الصعب أيضا تقييم تفصيلات أخرى مثل تعهد الصين الإضافي بزيادة غطائها الحرجي إلى 40 مليون هكتار بحلول عام 2020، وعدم التأكد من قيام الولايات المتحدة بسن إجراءات تشريعية للحد من الانبعاثات.
أُجريت عدة دراسات لتقييم فعالية تعهدات كوبنهاجن. وخلص تقرير عام 2010 الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن أهداف الانبعاثات الوطنية ليست طموحة بما فيه الكفاية للحد من ارتفاع درجات الحرارة الى 2 درجة مئوية. ومع ذلك، تشير دراسة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن "هذه الجهود تمثل إنطلاقة هامة عن الاتجاهات الحالية" بافتراض تنفيذ تلك التخفيضات .
ومع ذلك، إذا أراد العالم أن يخطو إلى الأمام بجدية أكثر، فإن التعاون هو أمر أساسي. ولأن تكاليف التخفيف سوف تختلف من دولة لأخرى، اعتمادا على عوامل مثل قدرات الأمم التقنية واقتصاديات الحجم والبيئات السياسية، سوف تتواجد فرص هائلة للتعاون. ستتواجد الفرص في مجالات مثل تجارة الكربون وكفاءة استخدام الطاقة وتطوير مصادر الطاقة منخفضة الكربون وربما حتى الهندسة الجيولوجية. على سبيل المثال، إنشاء آلية أكثر قوة وأكثر تمثيلا لتجارة الكربون العالمية سيؤدي إلى انخفاض التكاليف الكلية لإزالة الكربون مقارنة بما لو طورت كل دولة آلية تجارية خاصة بها. ستؤدي الاستثمارات في تقنيات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية لهبوط الاسعار بالنسبة للدول الأكثر فقرا، مما يسهل الحصول على هذه التقنيات. وبالمثل، إذا حققت الولايات المتحدة تقدما تقنيا يقلل من الانبعاثات المتعلقة بالنقل، ستكون الدول في مناطق أخرى من العالم مهيئة للحد من انبعاثاتها. الصين، في الوقت نفسه، في خضم استثمار 43 مليار دولار في تقنيات الشبكة الذكية، وهي تقنيات قد تؤدي إلى انخفاضات كبيرة للانبعاثات خلال العقود المقبلة، حيث يستمر العالم في التحضر.
سيؤدي تغير المناخ إلى تكاليف غير متكافئة. الدول الأكثر ثراء ستدفع المزيد من أجل التخفيف من تغير المناخ— لكن الدول الأكثر فقرا سوف تعاني من عواقب أكثر خطورة من تغير المناخ ذاته. من وجهة نظر الدول النامية، فإن الأمر الرئيسي هو أنه يجب أن تفعل مجهودات المناخ الدولية ما هو أكثر من مجرد تقديم وعود بشأن كارثة إنسانية تلوح في الأفق.