السعي نحو العدالة المناخية

يتطلب تغير المناخ، الذي يعد مشكلة عالمية، حلا تعاونيا. غير أنه لا يمكن إقامة ودعم أي نهج تعاوني إلا إذا اعتقدت الأمم أن جميع الأمم الأخرى تسهم بنصيب عادل من أجل معالجة هذه المشكلة. في عالم يتسم بالتفاوت الصارخ في الموارد المالية والقدرات التقنية والمسؤولية عن الغازات المسببة للاحتباس الحراري الموجودة بالفعل في الغلاف الجوي، يمكن لمفهوم العدالة أن يتعارض مع المصالح الوطنية، مما يؤدي إلى مفاوضات دولية مثيرة للخلاف. فيما يلي، يتناول أمبوج أكلساجار من الهند ورولف باييت من سيشيل وبابلو سولون من بوليفيا الاجابة عن هذا السؤال: كيف ينبغي أن تسهم الدول التي تمر بمراحل مختلفة من التنمية في معالجة تغير المناخ؟

يمكن قراءة مناقشات الدائرة المستديرة حول مسألة نزع السلاح والتنمية باللغة الإنجليزية والصينية والاسبانية .

الآن نحن معكم من خلال تويتر. تابعونا على @Bulletin_Arabic

Round 1

الأمر بحاجة لأكثر من مجرد وعود

إن الارتباط بين التنمية وتغير المناخ ليس بجديد: يعتقد العديد، على سبيل المثال، أن تغير المناخ ساهم في انهيار حضارة المايا. لكن مشكلة المناخ التي يواجهها العالم اليوم هائلة الحجم. في شهر مارس من هذا العام، ولأول مرة، تم تسجيل تركيز الكربون في الغلاف الجوي فوق 400 جزء في المليون على مدى فترة 24 ساعة خلال الـ800 آلاف سنة قبل بداية الثورة الصناعية، لم تصل أبدا مستويات تركيز الكربون لأكثر من حوالي 280 جزءا في المليون. ومن بين 7,2 مليار شخص في العالم، يعيش 44 في المائة في المناطق الساحلية، حيث يواجهون مخاطر بسبب ارتفاع منسوب البحار والعواصف العاتية. يمكن أن يواجه الأشخاص في أماكن أخرى مستقبلا حافلا بجفاف شديد أو اضطرابات أخرى. باعتبار جميع ما سبق، يمكن أن يعاني مليارات الأشخاص من الآثار المباشرة لارتفاع درجة حرارة المناخ.

أحد الأسباب التي أدت إلى عدم التوصل لحل عملي متعدد الأطراف لظاهرة الاحتباس الحراري هو أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مرتبطة بعلاقة قوية بالناتج الاقتصادي كما أنها وثيقة الصلة بمراحل التنمية التي تمر بها الأمم؛ فالدول التي تمر بمراحل مختلفة من التنمية تنظر إلى مسألة خفض الانبعاثات بطرق مختلفة. يجادل البعض في الدول المتقدمة بأن جميع الدول، بغض النظر عن حالتها التنموية، يجب أن تتحرك بقوة للحد من انبعاثات الكربون. لكن الدول النامية تميل إلى الجدال بأنه ينبغي على الدول الأكثر ثراء، التي تعتبر مسؤولة عن معظم انبعاثات الكربون التي دخلت الغلاف الجوي منذ فجر الثورة الصناعية، تحمل مزيد من المسؤولية للحد من هذه الانبعاثات. وهناك من يرى أنه لا ينبغي إجبار الدول النامية للحد من انبعاثاتها إلى الدرجة التي قد تعيق تنميتها. يمكن تفهم وجهتي النظر هاتين، لكني أتعاطف أكثر مع الرأي القائل بأن آليات المناخ يجب أن تأخذ بعين الاعتبار مرحلة التنمية الاقتصادية لأي دولة. إذ أن الحجم الواحد لا يناسب الجميع.

هل من الممكن بناء اقتصاد عالمي منخفض الكربون؟ بالطبع، ويجب أن تبدأ الجهود مع الأمم التي تنتج مجتمعة حوالي ثلثي الانبعاثات العالمية: الصين والولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي والبرازيل واندونيسيا وروسيا والهند واليابان. لكن أبعد من ذلك، لا بد من وضع أهداف محددة زمنيا للحد من الانبعاثات العالمية، وضمن هذا الإطار، يجب على الدول المنفردة اعتماد استراتيجيات التخفيف والتقنيات الملائمة لظروفها الخاصة.

يهدف اتفاق كوبنهاجن عام 2009 أن يكون خطوة في هذا الاتجاه. لكن الاتفاق، لسوء الحظ، لا يزال غير ملزم، وهذا يثير قلقلا شديدا بين العديد من الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، بما في ذلك الدول الجزرية الصغيرة مثل بلدي سيشيل. ومع ذلك، فإن الاتفاق يستحق الثناء لتصور تخفيضات انبعاثات محددة لكل بلد ( من المقرر تحقيقه بحلول عام 2020 )، و الأخذ بعين الاعتبار المرحلة التنموية لكل دولة على حدة.

تشمل تعهدات الحد من الانبعاثات المحرزة منذ مؤتمر كوبنهاجن للتغيرات المناخية، على سبيل المثال، تعهد الولايات المتحدة للحد من انبعاثاتها بنسبة 17 في المئة بحلول عام 2020، مقارنة بمستويات عام 2005. الصين، من ناحية أخرى، لا تتعهد بالحد من انبعاثاتها في حد ذاتها، وإنما الحد من كثافة الكربون— مما يعني، تخفيض كمية الكربون المنبعثة لكل وحدة من الناتج الاقتصادي—إلى ما بين 40 و 45 في المئة. هذه الأساليب المختلفة، بطبيعة الحال، تجعل من الصعب مقارنة وتقييم جهود الحد من تغير المناخ لكل بلد على حدة، كما أنه من الصعب أيضا تقييم تفصيلات أخرى مثل تعهد الصين الإضافي بزيادة غطائها الحرجي إلى 40 مليون هكتار بحلول عام 2020، وعدم التأكد من قيام الولايات المتحدة بسن إجراءات تشريعية للحد من الانبعاثات.

أُجريت عدة دراسات لتقييم فعالية تعهدات كوبنهاجن. وخلص تقرير عام 2010 الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن أهداف الانبعاثات الوطنية ليست طموحة بما فيه الكفاية للحد من ارتفاع درجات الحرارة الى 2 درجة مئوية. ومع ذلك، تشير دراسة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن "هذه الجهود تمثل إنطلاقة هامة عن الاتجاهات الحالية" بافتراض تنفيذ تلك التخفيضات .

ومع ذلك، إذا أراد العالم أن يخطو إلى الأمام بجدية أكثر، فإن التعاون هو أمر أساسي. ولأن تكاليف التخفيف سوف تختلف من دولة لأخرى، اعتمادا على عوامل مثل قدرات الأمم التقنية واقتصاديات الحجم والبيئات السياسية، سوف تتواجد فرص هائلة للتعاون. ستتواجد الفرص في مجالات مثل تجارة الكربون وكفاءة استخدام الطاقة وتطوير مصادر الطاقة منخفضة الكربون وربما حتى الهندسة الجيولوجية. على سبيل المثال، إنشاء آلية أكثر قوة وأكثر تمثيلا لتجارة الكربون العالمية سيؤدي إلى انخفاض التكاليف الكلية لإزالة الكربون مقارنة بما لو طورت كل دولة آلية تجارية خاصة بها. ستؤدي الاستثمارات في تقنيات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية لهبوط الاسعار بالنسبة للدول الأكثر فقرا، مما يسهل الحصول على هذه التقنيات. وبالمثل، إذا حققت الولايات المتحدة تقدما تقنيا يقلل من الانبعاثات المتعلقة بالنقل، ستكون الدول في مناطق أخرى من العالم مهيئة للحد من انبعاثاتها. الصين، في الوقت نفسه، في خضم استثمار 43 مليار دولار في تقنيات الشبكة الذكية، وهي تقنيات قد تؤدي إلى انخفاضات كبيرة للانبعاثات خلال العقود المقبلة، حيث يستمر العالم في التحضر.

سيؤدي تغير المناخ إلى تكاليف غير متكافئة. الدول الأكثر ثراء ستدفع المزيد من أجل التخفيف من تغير المناخ— لكن الدول الأكثر فقرا سوف تعاني من عواقب أكثر خطورة من تغير المناخ ذاته. من وجهة نظر الدول النامية، فإن الأمر الرئيسي هو أنه يجب أن تفعل مجهودات المناخ الدولية ما هو أكثر من مجرد تقديم وعود بشأن كارثة إنسانية تلوح في الأفق.

علاقة مختلفة مع الطبيعة

لم تحقق المفاوضات متعددة الأطراف حول الحد من انبعاثات الكربون النتائج المرجوة منها. وفقا لتقرير فجوة الانبعاثات الصادر عام 2012 عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بلغت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية 49 جيجا طن في عام 2010. إذا أردنا تحجيم ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى درجتين مئويتين— رغم كونها زيادة مختلة—يجب تخفيض الانبعاثات إلى حوالي 44 جيجا طن بحلول عام 2020. فما الذي تقوم به الدول حاليا لتحقيق هذا الهدف؟ تقوم دول عديدة بتقديم تعهدات غير ملزمة للحد من الانبعاثات، وغالبا ما يُعبر عن هذه التعهدات بالأقل تفاؤلا أو الأكثر تفاؤلا. وفقا لحسابات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإنه إذا قامت الدول بالوفاء بأدنى مستويات تعهداتها، في حين تقوم بتعريض نفسها إلى قواعد محاسبة متساهلة، ستبلغ الانبعاثات الكربونية العالمية في عام 2020 حوالي 57 جيجا طن. أي أقل بنسبة واحد جيجا طن فقط من النسبة التي ستنتج في الوضع العادي. وهذا يعني أن كل الجهود المبذولة في مؤتمرات كوبنهاجن وكانكون وديربان والدوحة للتغيرات المناخية ستؤدي لخفض انبعاثات الكربون بنسبة أقل من 2 في المئة مقارنة بالوضع العادي. وحتى إذا قامت الأمم بالوفاء بأهدافها الأكثر تفاؤلا وأخضعت نفسها لقواعد محاسبة صارمة، فسوف تنخفض الانبعاثات بمقدار 6 جيجا طن فقط من النسب المتوقعة في الوضع العادي.  

إذاً ما الذي يجب أن تسعى المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة إلى تحقيقه فعليا؟ أولا، يجب التحديد بوضوح هدف الحد من الانبعاثات عام 2020: 44 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون هو هدف معقول، على الرغم من أنه يفضل أن تخفض النسبة لأقل من ذلك. سينتج عن ذلك العدد، بالقسمة على عدد سكان العالم المتوقع في 2020— حوالي 7,7 مليار شخص— تقريبا 5,7 طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للفرد الواحد.

ستكون الخطوة التالية هي وضع أهداف للحد من الانبعاثات للفرد الواحد في كل دولة. ينبغي أن يتم حساب ذلك على أساس المبادئ التي تشكل قوام اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ— الإنصاف والمسؤوليات المشتركة وإن كانت متباينة. يجب على الدول التي تتحمل مزيد من المسؤولية عن الكربون الموجود بالفعل في الغلاف الجوي القيام بمزيد من الجهود لخفض الانبعاثات. أما الدول التي تتحمل مسؤولية تاريخية بصورة أقل سوف تتاح لها مساحة أكبر للتنمية الاقتصادية. ولأن العديد من الدول المتقدمة يمكنها الاستعانة بمصادر خارجية لانبعاثاتها، يجب أن تأخذ الأهداف القومية للفرد الواحد في الاعتبار الاستهلاك وكذلك الانبعاثات. إذا قامت دولة أوروبية، على سبيل المثال، باستيراد سلع مصنعة من دولة نامية، فليس من المنطقي أن يتم احتساب جميع الانبعاثات الناتجة في عملية التصنيع ضد الدولة النامية.

يجب على جميع الدول أن تتبنى أهدافا للحد من الانبعاثات للفرد الواحد كتعهدات ملزمة. ينبغي أن يكون هناك "نظام تعهد ومراجعة"— وهو نظام يسمح بالتعهدات الطوعية، بدلا من المطالبة بحدود الانبعاثات عن طريق التفاوض. لا يمكن إعفاء أي دولة من حدود الانبعاثات، مهما بلغ مدى غناها أو فقرها. في المدى القصير، ستقوم بعض الدول بمزيد من التخفيضات لانبعاثاتها، و ستقوم بعض الدول الأخرى بتخفيضات أقل. سيسمح حتى لبعض الدول بزيادة انبعاثاتها لفترة من الوقت، لكن يجب أن يكون واضحا متى ستبدأ في تخفيض الانبعاثات، ونسبة هذه التخفيضات.  

ومن أجل ضمان أن تكون هذه الالتزامات الملزمة ملزمة بالفعل، يجب إنشاء محكمة للعدالة المناخية تتمتع بفرض عقوبات. ينبغي تطبيق مبدأ المسؤولية المشتركة، وإن كانت متباينة، على الامتثال بنفس الطريقة التي ينبغي تطبيقها على الانبعاثات ذاتها: يجب أن تتحمل الدول، التي أوجدت معظم الكربون في الغلاف الجوي في الماضي، أشد العواقب إذا ما فشلت في الوفاء بالتزاماتها، في حين ينبغي أن تتحمل الدول، التي لديها مسؤولية تاريخية بصورة أقل، عقوبات خفيفة للغاية.  

لا ينبغي أن تكون هناك دولة قادرة على التملص من التزاماتها الملزمة من خلال البدائل وآليات سوق الكربون. مبادرات مثل الحد من الانبعاثات المرتبطة بإزالة الغابات وتدهور الغابات في الدول الأخرى، أو تعزيز "الزراعة الذكية مناخيا" ومشاريع "الكربون الأزرق" تمثل إشكالية ليس فقط لأنها تخلق تصاريح للتلويث ولكن أيضا لأن "ائتمانات الكربون" هي مشتقات مالية يمكن أن تسهم في خلق أزمة مضاربة مالية.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تضمن اتفاقات المناخ أن ما لا يقل عن ثلثي الاحتياطي المؤكد للوقود الأحفوري في العالم سيبقى موجودا في باطن الأرض. وهذا يتماشى مع وجهة نظر وكالة الطاقة الدولية بأنه لا يمكن استهلاك أكثر من ثلث الاحتياطيات المؤكدة بسلام قبل عام 2050 .

وأخيرا، فإن الحق في التنمية— والذي تعترف به الأمم المتحدة في إعلانها بشأن الحق في التنمية— لا ينبغي أن يفهم على أنه الحق في التلويث بقدر ما لوثت بعض الدول الأخرى في الماضي. في معظم الدول، حيث يكون الفقر ناجما عن تركز الثروة في عدد قليل من الأيدي، فإن القضاء على الفقر لا يتطلب حتى التنمية. المهمة الرئيسية في معالجة الفقر هي إعادة توزيع الثروة على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي. يجب أن يُفهم الحق في التنمية بوصفه الحق في تلبية احتياجات الناس الأساسية، وليس الحق في اتباع نموذج للتنمية لا يأخذ في الاعتبار حدود الأرض.

وضع حد للنمو اللامتناهٍ. مفاوضات المناخ تحرز تقدما بطيئا ليس لأن علم المناخ غير مقنع أو هناك غياب  للوعى العام. في الواقع، استولت النخب والشركات متعددة الجنسيات على المفاوضات. ورغم تفهم دبلوماسيين من عدة دول أن انبعاثات غازات الدفيئة تظل مرتفعة للغاية بسبب الاستهلاك والسعي وراء النمو الاقتصادي، عدد قليل منهم على استعداد لمناقشة إدخال تغييرات على النظام الاقتصادي الذي يدفع باتجاه تغير المناخ.  إذا أردنا معالجة التغير المناخي بصورة مجدية، يجب على العالم التخلي عن نموذج النمو اللامتناهٍ والذي يعد أساس النظام الرأسمالي. يجب على الأمم أن تتخلى عن المنافسة المجنونة مع بعضها البعض، وأن تقوم بتعزيز التضامن بين الشعوب بدلا من ذلك. الاقتصادات التي تهدف إلى النمو خارج إطار الحدود التي تسمح بها الطبيعة سوف تنهار عاجلا أو آجلا، كما أن النظم الديمقراطية لا يمكنها الاستمرار إذا لم تتبنى المجتمعات علاقات مختلفة مع الطبيعة. الحكومات التي تعامل الطبيعة كغرض نفعي سوف تستغل شعوبها كذلك، وستعاملهم على أنهم مجرد مستهلكين أو مصادر لرأس المال.

لا يمكن أن تحل أزمة المناخ من خلال الإصلاحات التقنية مثل الوقود الحيوي والطاقة النووية والمحاصيل المعدلة وراثيا والتقاط الكربون وتخزينه أو الهندسة الجيولوجية. هذه الأساليب الخطيرة تقوض فقط دورات الطبيعة بصورة أكبر. في الواقع، يجب على البشر، لمعالجة تغير المناخ وغيره من القضايا الملحة التي تواجه العالم، تبني مواقف معينة في الحياة التي سبقت الرأسمالية— كما هو موضح، على سبيل المثال، في النظام الأخلاقي المسمى بـ "فيفير بيان" (العيش بشكل جيد)

وفقا لهذه المجموعة من المبادئ، المرتبطة بالشعوب الأصلية في أمريكا اللاتينية، فإن البشر هم جزء لا يتجزأ من الطبيعة؛ الناس والطبيعة ليسا ذاتين منفصلتين. يسعى الهدف الرئيسي من "العيش بشكل جيد" إلى إحداث توازن، بدلا من النمو على حساب الآخرين أو الطبيعة. "العيش بشكل جيد" يعني العيش في وئام مع الطبيعة ومع الآخرين، والتكامل بدلا من التنافس. إلى ماذا يشير "العيش بشكل جيد" بشأن تغير المناخ؟ يشير إلى أنه يجب على البشر، لمواجهة هذا التحدي، استعادة إنسانيتهم و القيام بتغيير جذري في علاقتهم مع الطبيعة.  

المشاعات العالمية مشكلة خبيثة

من المرجح أن يكون تغير المناخ— بسبب تأثيره المحتمل على الأمم والأفراد والنظم الإيكولوجية، وبسبب التحديات التي تواجه البشر في معالجة هذه المشكلة التي تعد من أكبر مشاكل المشاعات العالمية—من بين القضايا التي تميّز القرن الـ21.

غير أن المسؤولية عن تراكمات الغازات المسببة للاحتباس الحراري يتم توزيعها بشكل غير متساو. تعتبر العديد من الدول مصادر كبيرة لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، لكن بعضها أكثر أهمية من البعض الآخر. سوف تعاني جميع الدول من آثار تغير المناخ— لكن بعضها سيعاني بدرجة أكبر من البعض الآخر. سوف تتحمل العديد من الدول الأكثر تضررا جانبا قليلا من المسؤولية بشأن خلق هذه المشكلة.

في نفس الوقت، تمتلك الأمم قدرات مختلفة— بشرية ومالية وتقنية ومؤسسية— للحد من الانبعاثات أو التخفيف من آثار تغير المناخ. وحجم مشكلة المناخ يعني أن هناك حاجة إلى موارد هائلة لتجنب "التدخل البشري الخطير في النظام المناخي"، الذي يعد الهدف الرئيسي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

هذا المزيج من العوامل يجعل تغيير المناخ "مشكلة خبيثة"– مما يعني، أنها مشكلة معقدة جدا وليست قابلة لأن تحل بسهولة. وكلما تأخر اتخاذ إجراء في هذا الصدد، ستصبح المشكلة أكثر تكلفة لتحقيق أي هدف معين للمناخ.

إذاً، كيف ينبغي للدول التي تمر بمراحل مختلفة من التنمية أن تساهم في معالجة تغير المناخ؟ نوعا ما، يكون الجواب واضحا جدا. الاتفاقية الإطارية، وهي معاهدة تضم 195 دولة، تطلب من الأمم حماية النظام المناخي "على أساس العدالة ووفقا للـ … المسؤوليات المشتركة – لكنها متباينة- وقدرات كل طرف". وتنص الاتفاقية على أنه "ينبغي على الأطراف من الدول المتقدمة أخذ زمام المبادرة في مكافحة تغير المناخ والآثار الضارة المترتبة على ذلك".

النهج المتبع بشأن المناخ المعرب عنه في الاتفاقية له أساس أخلاقي وعملي على حد سواء. من جهة النظر الأخلاقية، فمن الإنصاف أن أولئك الذين ساهموا في تفاقم المشكلة بصورة أكثر من غيرهم، والذين يملكون أعظم الموارد، يجب أن يتحملوا العبء الأكبر في معالجة المشكلة. ومن الناحية العملية، فإن الدول المتقدمة تتمتع بوضع أفضل لحشد القدرات المتطورة والهامة المطلوبة للتخفيف من تغير المناخ. رغم ذلك، ووفقا لإحصائيات البنك الدولي لعام 2012، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد 1,489 دولار في الهند و 6,091دولار في الصين، و 46,720 دولار في اليابان و 49,965 دولار في الولايات المتحدة. كذلك، عادة ما تستطيع الدول الغنية استثمار جزء أكبر من ناتجها المحلي الإجمالي في البحث والتطوير.

لكن الدول المتقدمة "لا تأخذ زمام المبادرة" في واقع الأمر. لم تفشل فقط غالبية الدول المتقدمة في خفض انبعاثاتها إلى حد كاف ( في كثير من الحالات، زادت انبعاثاتها) ، لكن أيضا رغبة الدول المتقدمة في تحقيق تخفيضات تبدو محدودة للغاية. في الواقع، وفقا لتقرير عام 2011 من قبل معهد استوكهولم للبيئة الذي قيمت فيه دراسات اتفاق كوبنهاجن 2009 واتفاق كانكون 2010، فإن تعهدات الدول النامية لتخفيف آثار تغير المناخ تتجاوز (على أساس مطلق) تعهدات الدول المتقدمة.

ترجع أهمية سياسات التخفيف القوية في الدول المتقدمة لسببين. أولا، يجب تخفيض الانبعاثات في هذه الدول إذا أردنا تجنب التغير المناخي الخطير. ثانيا، يمكن أن تعمل سياسات التخفيف في العالم المتقدم على خلق أسواق لتقنيات منخفضة الكربون وخفض التكاليف وتوفير حوافز لمزيد من الابتكار.

إلا أنه بالنظر إلى حجم وإلحاح تحديات تغير المناخ، ينبغي أيضا أن تلعب الدول التي تمر بمراحل أخرى من التنمية دورا في معالجة هذه المشكلة— على الرغم من أن العديد من تلك الدول تواجه تحديات تنموية كبيرة تتطلب اهتمامها ومواردها. يجب على الدول سريعة النمو استكشاف سبل عاجلة لتغيير مسارات الانبعاثات في اقتصاداتها، في حين تظل أيضا متنبهه إلى تحدياتها التنموية؛ وقد تحتاج بعض هذه الدول دعما ماليا وتقنيا من أجل تغيير مسارات انبعاثاتها. وفي الوقت نفسه، بدأت بالفعل بعض الدول تشعر بآثار تغير المناخ، ويجب أن تبدأ في تطوير ووضع خطط للتكيف مع المناخ. وهذا يتطلب أيضا دعما ماليا وتقنيا.

تتطلب مشاكل المشاعات العالمية تعاونا عالميا. لكن مفاوضات المناخ لم تكن ناجحة بشكل خاص في تحقيق التعاون أو وضع أساليب عادلة ونظامية لتقاسم الأعباء. بدلا من ذلك، سار العالم في طريق الالتزامات الطوعية من قبل الدول المنفردة. هذا الشكل من أشكال التعاون يعد ضعيفا وغير فعال في الواقع— وحتى الآن، كما هو مفصل في التقرير الذي أعده معهد استوكهولم للبيئة، لا يشكل مجموع تعهدات التخفيف للعالمين المتقدم والنامي إجراءً بالحجم المطلوب لتجنب التغير المناخي الخطير.

هل ستظل الدول الأطراف في الاتفاقية الإطارية مخلصة لأهدافها ومبادئها، أو أنها سوف تتخلى عن تلك الأهداف والمبادئ من أجل مصالحها السياسية؟ آمل بالتأكيد أن تظل مخلصة. هل ستنجح الدول في وضع نموذج من التعاون الذي يجعل من الممكن التوصل إلى حل عادل وفعال لمشكلة المناخ؟ آمل بالتأكيد أن يحدث ذلك. لكن هذا كله في علم الغيب.

Round 2

الفقراء يضيئون طريقهم الخاص

بدأت أنماط الاستهلاك العالمي تتجاوز قدرة كوكب الأرض على إنتاج الموارد والحفاظ على توازن المناخ على السواء ، غير أن التقدم الاقتصادي المزعوم يعتمد على استمرارية أنماط الاستهلاك غير المستدامة. وفي الوقت نفسه، يتباين استهلاك الدول تباينا كبيرا، فهناك دول تتسم بالفقر المدقع بينما هناك دول أخرى تستحوذ على موارد الثروة. ولا يفاقم من تلك المشاكل إلا وجود نموذج للتنمية تطمح الدول الفقيرة من خلاله للوصول إلى مستويات استهلاك الدول الغنية. المطلوب بدلا من ذلك هو أن يقتصر الاستهلاك العام على مستويات متسقة مع قدرة كوكب الأرض للمحافظة على الحياة البشرية.

يجب أن ينخفض الاستهلاك في الدول الغنية بشكل واضح، لكن لكي يحدث ذلك، سوف يتعين على المستهلكين إدراك التكاليف الحقيقية لما يستهلكونه (تلك التكاليف تشمل انبعاثات الكربون). فشل النظام الاقتصادي في العالم الغني فشلا ذريعا في التواصل مع التكاليف. كل شيء بداية من النظام التجاري العالمي وانتهاء بميزانيات التسويق الضخمة للشركات يتحرك نحو مزيد من الاستهلاك. في الولايات المتحدة، كى أضرب مثالا واحدا، يتم استبدال الهواتف كل 21 شهرا في المتوسط ، والالكترونيات الاستهلاكية هي مساهم رئيسي في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ومما يدعو للقلق، فإن أنماط الاستهلاك في الدول النامية يبدو أنها تتبع الاتجاهات المتعارف عليها في العالم المتقدم. الصين، على سبيل المثال، التي كانت تعرف باسم أرض الدراجات، أصبحت أكبر سوق للسيارات في العالم، لكنها تدفع ثمن ذلك من تلوث الهواء وازدحام المرور.

لذا، فإن الاستهلاك المرتفع لا يمثل المسار الصحيح نحو التنمية الاقتصادية والقضاء على الفقر. لكن ربما يمثل تخفيف آثار تغير المناخ هذا المسار. يتركز اقتصاد الطاقة اليوم إلى حد كبير في عدد قليل من الدول المنتجة للنفط وعدد قليل من الدول الأخرى التي لديها حصصا كبيرة في التكرير والتوزيع، وما إلى ذلك. إذا اعتمد النظام الاقتصادي العالمي على الطاقة المستدامة بدلا من الوقود الأحفوري، فسوف يتم توزيع إنتاج الطاقة على نطاق واسع وسوف تستهلك الطاقة بالقرب من مكان انتاجها. وهذا من شأنه القضاء على العديد من الوسطاء و المضاربين، مما يتيح وجود سيطرة محلية وخلق فرص محلية لتحسين ظروف المعيشة. الاستخدام واسع الانتشار لتقنيات الطاقة المتجددة مثل مضخات المياه والمصابيح التي تعمل بالطاقة الشمسية لديه فرصة لتغيير مناطق العالم الفقيرة.

في الجولة الثانية من هذا الاجتماع، جادل بابلو سولون بشدة لإعادة توزيع الثروة العالمية ( وأيضا لمستويات من الاستهلاك أكثر اعتدالا). لكن بدلا من إعادة التوزيع، فأنا أفضل إيجاد فرص للفقراء لخلق ثرواتهم الخاصة— طالما كان بمقدورهم فعل ذلك بطرق مستدامة. نعم، يجب أن تخفض الدول المتقدمة انبعاثاتها، ولكن من المهم أيضا أن تتجنب الدول الفقيرة الأخطاء المكلفة التي ارتكبتها الدول الغنية. نظم الطاقة المستدامة (وغالبا ما تكون أرخص) هي عنصر أساسي لتحقيق ذلك.

لا يمكن تحقيق الحد من تغير المناخ من خلال نهج واحد، لكن يمكن تشكيل جوهره من خلال مبدأ واحد: وهو فكرة أن استخدام الطاقة يجب أن يكون مستداما. ينبغي وضع تدابير، على كافة الأصعدة الوطنية والإقليمية والعالمية، من شأنها تعريف المستهلكين بالتكاليف الحقيقية للأشياء التي يستهلكونها (لكن مع ضروروة عدم عرقلة التقدم التكنولوجي). كذلك ينبغي تشجيع استخدام التقنيات المستدامة مثل دراجة جيدة من الطراز القديم ( حتى لو اعتبر بعض المستهلكين مثل هذه السياسات تراجعا تقنيا وليس تقدما). وينبغي أيضا تشجيع الملكية المحلية للطاقة. اعطوا الفقراء مصابيح تعمل بالطاقة الشمسية وسوف يضيئون طريقهم الخاص نحو الازدهار.

 

تحقيق الانسجام من خلال إعادة التوزيع

هناك توتر محوري يميز العديد من مقالات اجتماع المائدة المستديرة هذا، وهو فكرة ضرورة التخفيف من حدة تغير المناخ، غير أنه لا يجب تقويض حق الأشخاص الأكثر فقرا في الحصول على الطاقة، بينما نسعي لتحقيق التخفيف. كيف يمكن معالجة هذين الأمرين الضرورين، وعلى ما يبدو المتنافسين، في آنٍ واحد؟ إجابتي هي أنه يمكن معالجتهما من خلال إعادة توزيع الثروة—لكن ليس من خلال نموذج التنمية الرأسمالية.

إن التنمية بالكيفية التي تطبق بها حاليا، حيث إنها بعيدة عن حل مشكلة المناخ وتلبية احتياجات الفقراء، تضر بالفقراء. وهي في طريقها لقتل الطبيعة الأم . التنمية الرأسمالية لا تعبأ بالطبيعة أو البشر، بل تعبأ فقط بأرباح الشركات والنخب. وهذا ينطبق على العالمين المتقدم والنامي.

شهدت العقود القليلة الماضية قدرا كبيرا من النمو الاقتصادي، بما في ذلك في كثير من الدول النامية، غير أنه لم يتم القضاء على الفقر. فهل القضاء على الفقر يبدو هدفا غير واقعي؟ كلا—طالما كان إعادة توزيع الثروة هو الأساس الذي يتم السعي من خلاله للقضاء على الفقر. وفقا لدراسة نشرت مؤخرا من قبل مركز التنمية العالمية، فإن القضاء على الفقر يتطلب إعادة توزيع يساوي 0.2 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، إذا تم تحديد خط الفقر بـ 1.25 دولار في اليوم. كما أن القضاء على الفقر إذا تم تحديد خط الفقر بـ2 دولار يوميا يتطلب إعادة توزيع يساوي 1٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. (لكن ما مدى واقعية تحديد خط الفقر بـ 2 دولار في اليوم؟ هل حاولت في أي وقت مضى أن تعيش بـ2 دولار يوميا ؟)

إذا كان نموذج التنمية الرأسمالية لم يقضِ على الفقر خلال فترات النمو الإقتصادي القوي، فيبدو من غير الواقعي أن نعتقد أنه سيقوم بذلك الآن، في الوقت الذي تعاني فيه العديد من الاقتصادات الكبرى في العالم من أزمة مزمنة. في الواقع ، يبدو على الأرجح أن تزيد التنمية الرأسمالية من عدم المساواة بدرجة أكثر في العالمين المتقدم والنامي على حد سواء. في الولايات المتحدة، وفقا لمجلة الإيكونوميست، فإن الأغنياء ونسبتهم 1 في المائة من إجمالي السكان قد حصلوا على 95 في المئة من المكاسب الاقتصادية التي تحققت خلال التعافي من الكساد العظيم نشرت صحيفة "ذا هندو" أن الاستهلاك في الهند، ما بين الأعوام 1983 و 2012 ، للأشخاص الأشد فقرا والبالغ نسبتهم 20 في المائة من سكان الحضر ظل ثابتا أو زاد بصورة هامشية فقط، بينما زاد استهلاك العشر الأعلى لأكثر من 30 في المئة هذا النمط صحيح حتى أثناء فترات النمو الاقتصادي الأقوى للبلاد.

تجاوز المنطق القديم. في النهاية، لا يوجد تناقض بين معالجة تغير المناخ ومعالجة احتياجات الفقراء. جميع المطلوب هو التخلي عن التنمية بالكيفية التي تمارس بها حاليا، ويتم التركيز بدلا من ذلك على إعادة توزيع الثروة وتحقيق الانسجام مع الطبيعة.

ومن المتوقع، بطبيعة الحال، أن تقوم النخب بالقتال بكل ما أوتوا من قوة للحفاظ على امتيازاتهم— حتى وإن كانت هذه الامتيازات تأتي على حساب الطبيعة و بقية البشر. جهود النخبة لحماية امتيازاتهم تفسر معظم ما يحدث في المفاوضات الدولية بشأن المناخ.

هذا لايعني أن الأغنياء أشرار، ولكن يعني أن سلوكهم يتم تحديده من قبل منطق الرأسمالية. إذا كان الرأسمالي لا يقوم بزيادة أرباحه، يصبح خاسرا في السوق. ولتجنب هذا المصير، فهو على استعداد لاستغلال الطبيعة والبشر الآخرين.

لذلك، فإن إعادة التوزيع هى في الحقيقة مجرد خطوة أولى— وإذا لم يتم التغلب على منطق الرأسمالية، فهذا المنطق سوف يعيد فرض نفسه في القريب، وسوف تصبح الثروة مركزة في أياد قليلة مرة أخرى. التغلب على منطق الرأسمالية لن يكون مهمة سهلة. ولكن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها استعادة التوازن مع الطبيعة، بما في ذلك في مجال المناخ.

التنمية أولاً

في الجولة الأولى من إجتماع المائدة المستديرة، كتب زملائي مقالات تنطوي على مخاوف واحدة— أنّ الجهود الحالية غير كافية لتجنب تغير المناخ الخطير. لكنهم أبدوا مواقف مختلفة تجاه المسؤوليات الوطنية لتخفيف آثار تغير المناخ. فضّل بابلو سولون وضع أهداف مشددة وجداول زمنية محددة للحد من الانبعاثات. فهو بذلك يبني موقفه بشكل صارم نوعا ما على المبادئ التي تقوم عليها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ولا سيما مبدأ المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة. في الوقت نفسه، قدم رولف بايت دعما مشروطا للغاية لاتفاق كوبنهاجن، والذي يسمح للدول أن تأخذ في اعتبارها ما تراه ممكنا عند القيام بصياغة تعهداتها بالتخفيف. آراء كلا المؤلفين تلمح إلى اختلافات جوهرية في وجهات النظر التي تحدث في مفاوضات المناخ.

رأيي هو أن هناك مسألتين يجب أن تظلا في مركز الصدارة بينما يقوم العالم بوضع آليات لتخفيف آثار تغير المناخ- ألا وهما: الفعالية والإنصاف. تعني الفعالية القيام بما يكفي للتصدي لمشكلة المناخ. أما الإنصاف فيعني ضمان أن الأعباء المخصصة للدول المنفردة عادلة. إنّ أي نتيجة منصفة لا تعالج مشكلة المناخ كما ينبغي ستكون بلا معنى، في حين سيكون أي ترتيب غير منصف على الأرجح عديم الجدوى.

"نظام التعهد والمراجعة" باتفاق كوبنهاجن (الذي انتقده سولون بشدة في مقاله الأول) قد يكون عاجزا عن تقديم أي إنصاف أو فعالية. وهو بالتأكيد لم يقم بذلك حتى الآن. أما بالنسبة للفعالية، فإن التعهدات التى قطعتها الأمم على أنفسها للحد من الانبعاثات حتى وقتنا الحاضر تمثل بعض الإجراءات الإيجابية، لكنها تركت "فجوة الانبعاثات" بالإجمال. وفيما يتعلق بالإنصاف، فمن الصعب القول بأن عملية كوبنهاجن أسفرت عن نتيجة عادلة، إذ أن تعهدات الدول النامية للحد من الانبعاثات تتجاوز، على أساس مطلق، تعهدات الدول المتقدمة.

هذا لا يعني أن مزيدا من الفعالية أو الإنصاف سينتج من مخصصات الكربون المستندة إلى مبادئ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. ولكن على الأقل سوف تسير جهود المناخ في الاتجاه الصحيح إذا ما انطلقت من الأهداف العالمية للحد من الانبعاثات، ثمّ قامت، استنادا إلى المبادئ الراسخة، بتخصيص مستوى مسموحا به من انبعاثات الكربون لكل دولة. سوف يقلل هذا النهج من المساومات التي تتميز بها المفاوضات بشأن المناخ— مساومات من النوع الذي غالبا ما يضع الدول النامية في وضع سيئ. علاوة على ذلك، فإن الاختلافات الوطنية الكبيرة في مخصصات الكربون سوف تنجم عن مثل هذه العملية، وهذا من شأنه تعزيز تجارة الكربون، الذي يعد شكلا مفيدا من التعاون الدولي. غير أن السؤال الحقيقي، فعلا، هو ما إذا كانت الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ— أو حتى الدول الكبرى— تستطيع أن توافق على تفاصيل هذا النظام وأن تحافظ على التزامتها السياسية بعد ذلك.

الاستفادة من الفسحة المتاحة. في السنوات المقبلة، سوف تستحوذ استراتيجيات تخفيف آثار تغير المناخ على حصة متزايدة من موارد العالم واهتمامه السياسي— لكن ذلك لا يجب أن يصرف انتباه العالم عن مواجهة تحديات التنمية مثل توفير وقود الطهي الحديث لـ2.6 مليار شخص مفتقر إليه، أو الكهرباء لـ 1.3 مليار شخص مفتقر إليها . في بعض الأحيان، سوف يُنظر إلى مسارات معالجة هذه التحديات الإنمائية على أنها معادية للمناخ، مثلما يتعلق الأمر بتوفير الكهرباء القائمة على الوقود الأحفوري إلى الفقراء.

بوجه عام يمكن حل مثل هذه التوترات (سواء كانت حقيقية أو متصورة)— لكن فقط إذا كانت الاحتياجات البشرية الأساسية في الدول النامية تحظى باهتمام كاف في المقام الأول. في الواقع، ربما كان من الضروري معالجة الحد من تغير المناخ من منظور"التنمية أولا". (وهذا يختلف عن نهج "المنافع المشتركة" ، والذي يولي أولوية قصوى لتخفيف آثار تغير المناخ في حد ذاتها حتى إذا تم تقييم خيارات التخفيف، في جزء منها، على أساس الفوائد الإنمائية الإضافية التي تقدمها). على أية حال، لا ينبغي اعتبار إعطاء الأولوية للاحتياجات التنموية كتقويض لجهود التخفيف. بل هي وسيلة لضمان معاملة عادلة لمجموعة كبيرة من الإنسانية التي أتاحت انبعاثاتها المنخفضة في الماضي فسحة سوف يستفاد منها الجميع لتخفيف آثار تغير المناخ على نحو منظم.

Round 3

إما التعاون أو الهلاك

قال بابلو سولون في مقاله الثالث إنه "لن تحل مشكلة المناخ من خلال مفاوضات المناخ الدولية"، ولا بد لي من موافقته. أو إنه، مهما يكن الأمر، لن يتم تجنب التغيرات المناخية الضارة من خلال المفاوضات وحدها.

هذا لا يعني أن الحرب قد تحل المشكلة. لكن إذا لم يتخذ العالم تدابير لانقاذ الكوكب وإنقاذ الفقراء أيضا، فلا بد من أن تنشأ الصراعات. إن تغير المناخ يخلق بالفعل حالة من انعدام الأمن الغذائي ونقص المياه، ولا يحتاج المرء سوى النظر إلى دارفور ليرى كيف يمكن أن يسهم انعدام الأمن في حدوث الصراعات. إلا أنه يمكن الحد من خطر الحرب بشكل ملحوظ من خلال التعاون في قضايا مثل المياه، وذلك على النحو المفصل في تقرير صدر مؤخرا عن مركز أبحاث "مجموعة الاستبصار الاستراتيجي" إذن، المطلوب ليس إجراء مزيد من المفاوضات، بل مزيد من التعاون الفعّال.

عندما تسعى الدول لتحقيق نمو اقتصادي كبير وتقيس نجاحها من خلال الناتج المحلي الإجمالي للفرد، فإنها بذلك تؤيد النظريات الاقتصادية القائمة على صورة ناقصة لكيفية السلوك البشري. هذه النظريات تتجاهل الإمكانات البشرية لحل القضايا من خلال التعاون. وقد فشلت في أن تدرك أن الترابط الاقتصادي والاعتماد المتبادل في الموارد الطبيعية يمكن أن يحقق فوائد عظيمة.

قد يصور البعض التعاون بين الدول بأنه فكرة خيالية، لكن التعاون في الحقيقة هو نهج عملي مترسخ في كثير من النظم الطبيعية. ينطوي التعاون على العمل الجماعي نحو هدف مشترك لتحقيق منافع متبادلة، حيث لا غالب ولا مغلوب. يتناقض هذا النهج بشكل صارخ مع الاتجاه الاقتصادي الكلاسيكي الجديد الذي يفضل تعظيم الربح على أي شيء آخر.

لو كان الكون كله، بما يحويه من موارد غير محدودة بما فيها الطاقة، ملعبا للبشر بدلا من الأرض— لما أصبح تغير المناخ أمرا مستحوذا على بال هذا الجيل. ولكن لأن البشر يعيشون على كوكب واحد، ولأنه أصبح عندهم مستوى من الوعي يسمح بوجود مفاهيم مثل حقوق الإنسان العالمية، يصبح السؤال كالتالي: لماذا تستمر الدول في ممارسة أعمالها على النحو المعتاد في مجال المناخ إذا كان هذا النهج فاشلا بشكل واضح؟ في كل عام تقوم الدول بعقد اجتماعات، وفي كل عام تقوم الدول بإجراء مفاوضات. وفي كل عام تثبت الدول أنها فشلت في التعلم من الطبيعة نفسها— فشلت في إدراك أنه يمكن معالجة مشكلة المناخ من خلال التعاون فقط أو أنها لن تحل مطلقا.

يجب أن يبدأ التعاون بالإقرار بأن البشر الذين هم على قيد الحياة اليوم يمثلون الحل الوحيد الممكن لمشكلة المناخ. تطالب أجيال المستقبل بأن يقوم الجيل الحالي بمعالجة المشكلة. كما تطالب الأنواع الأخرى التي تسكن هذا الكوكب بالشيئ نفسه. على من يقع اللوم بشأن تغير المناخ غير مهم نسبيا، لكن المهم هو القدرة الجماعية للبشر لحل هذه المشكلة.

من الواضح بشكل متزايد أن حل مشكلة تغير المناخ لا يكمن في الأساليب الأنانية التي تعتمد على استفادة بعض الأطراف على حساب الآخرين. إن وجود موقفا تعاونيا بدلا من موقف "المجموع الصفري" تجاه المناخ— رغم أنه قد لا يحل المشكلة العالمية المتمثلة في كيفية توزيع الثروة بالتساوي— سوف يضمن على الأقل أن لكل إنسان الحق في الغذاء والمأوى وبالطبع الوجود.

معركة لا يجب خسارتها

في خضم اجتماع المائدة المستديرة هذا، كانت تجرى في وارسو محادثات عالمية بشأن المناخ شاركت فيها 193 دولة. قبل ذلك بأيام، ضرب اعصار هايان الفلبين، مخلفاً وراءه آلاف القتلى وقرابة 4 ملايين مشرّد.  

قد يتوقع المرء أن يُحدث اعصار بقوة هايان مزيدا من الأهمية لمفاوضات المناخ (برغم أنه  ليس من الممكن أن نعزوا حدثا مناخيا واحدا لظاهرة الاحتباس الحراري). وقد يتوقع المرء أن تتعهد الدول بإجراء تخفيضات أكبر لانبعاثات الكربون، وأن تتعهد الدول الغنية بتقديم دعم كبير لمبادرات مثل صندوق المناخ الأخضر لكن المفاوضات في وارسو سارت على نحو عكسي. فقد تراجعت اليابان، خامس أكبر باعث للكربون في العالم، عن تعهدها السابق بالحد من انبعاثاتها عام 2020 إلى 6 في المائة أقل من مستويات عام 1990، أى أن انبعاثاتها سوف تزيد بنسبة 3 في المائة عن مستويات عام 1990. وفي الوقت نفسه، أظهرت بيانات صدرت خلال انعقاد مؤتمر وارسو بأن التعهدات لصالح صناديق المناخ الدولية المقدمة حتى الآن في عام 2013 انخفضت بنسبة 71 في المئة مقارنة بنفس الفترة في عام 2012.  

وعندما أشكو للمفاوضين بأن محادثات المناخ مخيبة للآمال، يقول بعضهم إن "هذه هي الكيفية التي تجرى بها المفاوضات." إن التفاوض بشأن تعهد بالحد من الانبعاثات، ناهيك عن التفاوض بشأن التزام راسخ، يستغرق وقتا طويلا ويتسم بالصعوبة— والمفاوضون، الذين يتلقون تعليماتهم من العواصم الوطنية، ليسوا مخوليين للمضي قدما في المحادثات من تلقاء أنفسهم. ويقول البعض الآخر إنه ليس هناك مغزى من مطالبة الدول بفعل أكثر مما هي على استعداد للقيام به، وبالتأكيد يجب أن تكون المعاهدة الجديدة بشأن المناخ مصممة لتناسب أجندات الولايات المتحدة والصين (على الرغم من أن مثل هذه الاتفاقية ستكون مصممة في الواقع لإحراق كوكب الأرض). بينما "في بعض الأحيان" ما زال بعض المفاوضيين الآخرين يقولون إن "الحكومات سوف تستجيب لأزمة المناخ". ولكن متى؟ كم من البشر ينبغي أن يلاقي حتفه أولا؟ وماذا لو جاءت استجابة الدول متأخرة جدا بحيث تكون فرصة الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى مستوى يمكن تحمله قد ضاعت؟

لن تحل مشكلة المناخ من خلال مفاوضات المناخ الدولية. وليس هناك أمل في الحكومات، التي تركز على الانتخابات المقبلة أو الضرورات السياسية الأخرى، والتي استولت عليها الشركات والنخب. إن النخب ببساطة لا تهتم بالاعاصير المدمرة وما شابه ذلك. إذا بدأ تغير المناخ في إزعاجهم، فيمكنهم أن يستقلوا الطائرة إلى جزء آخر من العالم، ويشترون منازل جديدة ويبدأون أعمالا جديدة.

إن الأمل يكمن في الناس ويجب أن تخرج الحلول المناخية من شوارع واشنطن وبكين وأماكن أخرى. يجب أن يبدأ الناس في إدراك أن العدالة المناخية لا تهم فقط المدافعيين عن البيئة ونشطاء المناخ ولكن جميع من على هذا الكوكب. إن الأمر يهمهم، على سبيل المثال، لأن الحكم الديمقراطي والتوظيف على المدى الطويل غير متوافق مع المجتمعات التي علاقاتها بالطبيعة غير متوازنة على نحو سيئ. الاقتصادات التي تنمو خارج الحدود التي تفرضها الطبيعة عليها سوف تنهار عاجلا أو آجلا.

سوف تتغير السياسات الوطنية والعالمية للمناخ عندما تقوم حركات اجتماعية قوية بتبني الكفاح من أجل العدالة—عبر الدول وعبر القارات، وعلى جميع الأبعاد الاقتصادية والسياسية والبيئية. ويجب أن يتبنى هذا الكفاح أهدافا ملموسة مثل اغلاق مناجم الفحم، ووقف بناء خطوط الأنابيب، ووقف مشاريع التكسير، وفرض الضرائب على الكربون، والحفاظ على أراضي السكان الأصليين، ووضع حد للاستيلاء على الأراضي. يجب متابعة هذه الأهداف من خلال وسائل متنوعة— من خلال الضغوط السياسية ومقاطعة المستهلكين والعصيان المدني والإضراب عن الطعام. إن أكبر ميزة للرأسمالية هى الجمود، والتغلب عليه يتطلب إشراك العمال والفلاحين والسكان الأصليين والنساء والشباب والجماعات الدينية والمهاجرين والمثقفين والفنانين ونشطاء حقوق الإنسان.

إن الكفاح الحالي هو لوقف غضب المناخ وخلق عالم يُحترم فيه البشر والطبيعة، وتلك معركة لا يجب خسارتها.

تفضيل المنطق على الواقعية

أشار بابلو سولون إلى أن معالجة كل من مشكلة المناخ واحتياجات الفقراء سيتطلب من العالم "التخلي عن التنمية بالكيفية التي تمارس بها حاليا والتركيز بدلا من ذلك على إعادة توزيع الثروة وتحقيق الانسجام مع الطبيعة". بينما ذهب رولف بايت بدلا من ذلك إلى "إيجاد فرص للفقراء لخلق ثرواتهم الخاصة— طالما كان بمقدورهم فعل ذلك بطرق مستدامة". وجهتا نظر زميلىّ مختلفتان في بعض الأوجه، لكنهما مشتركتان في التركيز على أولوية احتياجات الفقراء (وهي النقطة التي أكدت عليها شخصيا في اجتماع المائدة المستديرة هذا) وعلى استكشاف مسارات للتنمية تختلف اختلافا جوهريا عن المسارات المتبعة حاليا.

قد يقول البعض أن وجهة النظر هذه رومانسية— وليست عملية مطلقا. لكن الاتجاه الحالي لمفاوضات المناخ، والذي يشعر البعض أنه يتسم بمزيد من "الواقعية" ، يتجه نحو السماح للأمم بوضع أهداف طوعية للحد من انبعاثاتها. يبدو أنه من المستبعد تماما أن يحد هذا النهج من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من  درجتين، كما أنه ليس عمليا على الإطلاق لتلبية الأهداف التي وضعتها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. الواقعية اللازمة لمعالجة تغير المناخ— وهي الاعتراف الواقعي بالمشكلة— ليست متوفرة في الغالب.

تفيد تقارير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي بلغت مستوى قياسيا وأن هذه التركيزات مستمرة في"اتجاه تصاعدي ومتسارع". بيّن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، في تقريره عن فجوة الانبعاثات لعام 2013، أنه "من المرجح أن تصل انبعاثات غازات الدفيئة في عام 2020 ما بين 8 إلى 12 جيجا طن من [ثاني أكسيد الكربون] أي ما يفوق المستوى الذي من شأنه أن يوفر فرصة محتملة" لمسار معقول نحو ارتفاع درجات الحرارة لدرجتين أو أقل. وقوع أحداث مثل "اعصار هايان" تذكرنا باستمرار لما يمكن أن يحدث إذا ما استمرت زيادة حرارة المناخ. لكن مفاوضات المناخ تؤدي، بدلا من استجابات واقعية لهذه المشكلة، إلى "الواقعية"— وهي مجرد "تعبير لطيف" عن عدم رغبة الدول في تحمل المسؤولية عن تغير المناخ . ذكرت مؤخرا صحيفة نيويورك تايمز، على سبيل المثال، آراء المحللين بأن النتائج المرجوة من مفاوضات المناخ المنعقدة في وارسو في نوفمبر ستكون بمثابة"اتفاقية ضعيفة تحث أساسا الدول أن تفعل ما في وسعها لخفض الانبعاثات."

التفكير الواقعي والسياسيون وصانعو القرار لا يعالجون بصراحة مشكلة المناخ كما ينبغي. ولا يقومون كذلك بوضع حلول لتحديات التنمية في جنوب الكرة الأرضية. ولذلك، فإن استكشاف مسارات بديلة للمناخ والتنمية مبررة تماما— في الحقيقة، قد تكون السبيل الوحيد للتغلب على نقص التنمية في الدول الفقيرة وعلى سد فجوة الانبعاثات (ربما يكونان أكبر تحديين تواجههما البشرية) . إذا كانت مسارات التنمية البديلة تبدو رومانسية أو سخيفة، فمن المفيد أن نتذكر أن تغير المناخ دون رادع يمكن أن يقود العالم إلى مسارات للتنمية متباينة جدا ومستهجنة للغاية. هل سيكون استكشاف مسارات التنمية البديلة سهلا؟ كلا، على الإطلاق. لكن برغم ذلك يجب مناقشة هذه الخيارات وإيلاؤها اهتماما جادا ووضعها على جداول أعمال صناع القرار.

كتب الكاتب البريطاني جي. كيه. تشيسترتون أن "الواقعية هي ببساطة رومانسية فقدت منطقها … وهذا هو منطق بقائها" وفي الوقت الذي يشرع فيه زعماء العالم في عقد جولات مستقبلية من مفاوضات المناخ— بينما يحاولون حل التوترات بين وجود نتيجة عادلة للمناخ وبين التزاماتهم السياسية الداخلية— يجب أن ينجحوا في التخلي عن الواقعية وأن يستعيدوا منطقهم بدلا من ذلك.



Topics: Climate Change

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]

RELATED POSTS

Receive Email
Updates