المناخ والغذاء وطاقة الكتلة الحيوية

كثير من الخبراء خلصوا إلى أنه إذا كان يجب الحد من تركيزات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في حين يجب الوفاء بمتطلبات العالم من الطاقة ، فإن طاقة الكتلة الحيوية سوف تصبح مصدراً لا غنى عنه. وفي نفس الوقت يتوقع أن يؤثر تغير المناخ سلباً على الإنتاجية الزراعية- وهناك 15 في المائة من الأشخاص في الدول النامية، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، يعانون بالفعل من الانعدام الشديد للأمن الغذائي. وفيما يلي يتولى ن. هـ. رافيندراناث من الهند، وروبرت بيسيو من  الأروجواي وجوزيه ر. موريرا من البرازيل، النظر في هذا السؤال: كيف يمكن تحقيق فوائد تخفيف آثار تغير المناخ المحتملة من تكريس الأراضي الصالحة للزراعة لإنتاج طاقة الكتلة الحيوية دون مزيد من تقويض الأمن الغذائي في العالم النامي؟

يمكن قراءة مناقشات الدائرة المستديرة حول مسألة نزع السلاح والتنمية باللغة الإنجليزية والصينية والاسبانية .

الآن نحن معكم من خلال تويتر. تابعونا على @Bulletin_Arabic

Round 1

ماذا يمكن أن يفعل الوقود الحيوي

على مدى العقود الثلاثة الماضية، ازداد حجم الأراضي المخصصة للمحاصيل الغذائية بمعدل متواضع جدا، ولكن توسع إنتاج الغذاء في جميع أنحاء العالم بشكل ملحوظ. وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن تكون الأنماط مشابهة على مدى العقود القادمة: سوف يتزايد الطلب على الأغذية حتى عام 2050 بمعدل 1.1 في المئة سنويا ، لكن ستتم تلبية هذا الطلب المتزايد أساساً من خلال مكاسب الانتاجية، حيث لا يطلب سوى توسع ضئيل في الأراضي الزراعية. وإذا جاءت مكاسب الانتاجية دون التوقعات فهناك مساحات كبيرة من الأراضي المتاحة التي يمكن ان تستخدم للتوسع في المحاصيل. إن توافر الأراضي ليس عقبة رئيسية أمام التوسع في إنتاج الطاقة الحيوية.

ولكن تغير المناخ قد يكون له أثر سلبي على إنتاجية الكتلة الحيوية (أي على إنتاج المحاصيل الزراعية والمواد الأولية للطاقة الحيوية) بسبب ارتفاع درجات الحرارة وقلة توافر المياه. ويرى البعض أن آثار هذه التغييرات يمكن أن تكون شديدة خصوصا في العالم النامي. فدرجات الحرارة اليوم في المناطق الاستوائية- وفقا لهذ الطرح- قريبة جدا من الدرجة الأمثل لزراعة المحاصيل الاستوائية، وسيشكل ارتفاع درجات الحرارة ضرراً بالغاً على الإنتاجية. ومن ناحية أخرى، فإن المناطق المعتدلة، قد تواجه في الواقع انتاجية أعلى مع ارتفاع درجات الحرارة. ونظرا لأن معظم العالم النامي يقع في المناطق المدارية، فإن تأثير ارتفاع درجات الحرارة سيكون شديداً ولا سيما في البلدان الأكثر فقرا. ولكن يجب على المرء أن يتعامل بحذر هنا. فإذا زاد متوسط ​​درجات الحرارة 2 درجة مئوية أو أكثر، فمن المؤكد أن البيئة ستتغير من نواح عدة، ولكن من الصعب جدا التنبؤ بدقة كيف ستتأثر مناطق معينة. وليس من السهل أن نستنتج أن النقص في الإنتاج الزراعي سيكون أكثر وضوحا في البلدان النامية.

ومع ذلك، إذا افترض المرء أن متوسط ​​ارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم سيؤثر سلبا على إنتاج الكتلة الحيوية، فسيصبح السؤال عندئذ إلى أي مدى يمكن للطاقة الحيوية التخفيف من آثار تغير المناخ. فالطاقة الحيوية يمكن أن تنتج بطرق جيدة أو بطرق سيئة. ولكن إذا تم استخدام التكنولوجيات الصديقة للبيئة والسياسات المناسبة كانت في مكانها الصحيح فإن الدلائل تشير إلى أن الطاقة الحيوية يمكن أن تقلل بشكل كبير من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتخفف بجدية من التأثيرات السلبية لتغير المناخ.

وطبقا لحساباتي أنا وزميلي سيرجيو بكا فإن 70 مليون هكتار من قصب السكر المزروعة في جميع أنحاء العالم يمكن أن تحل -بحلول عام 2030- عندما يبلغ حجم أسطول السيارات العالمية إلى 1.6 مليار مركبة- محل جميع البنزين والديزل المستخدم في السيارات والشاحنات (مادامت المركبات من مكونات التنوع الهجيني). ويمكن أيضا لقصب السكر أن يولد الكهرباء التي سوف تستهلكها هذه المركبات الهجينة. وبهذه الطريقة يمكن تجنب كمية هائلة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

ويعتقد بعض الخبراء أنه بدون الاعتماد الكبير على الطاقة الحيوية، سيكون من المستحيل الحفاظ على الاحترار الكوكبي أقل من 2 درجة، ولكن إذا تم استخدام الطاقة الحيوية بشكل صحيح، وتم أيضا متابعة خيارات التخفيف الأخرى، فإن عتبة الـ 2 درجة ربما لا يتم تجاوزها (وفي هذه الحالة فإن تغير المناخ ربما لا يسبب أي مشاكل خطيرة بالنسبة للإمدادات الغذاء). وقد أكدت العديد من الدراسات أنه إذا لم ينخفض استخدام الوقود الأحفوري ​​بالسرعة الكافية للحد من ارتفاع درجات الحرارة الى 2 درجة أو أقل، قد يكون من الضروري الجمع بين الطاقة الحيوية والتقاط الكربون وتخزينه من أجل خفض تركيزات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وربما يعني هذا أن الغازات المسببة للاحتباس الحراري سيتم إزالتها من الغلاف الجوي من خلال نمو المحاصيل، إذ تحرق المحاصيل بعد ذلك لإنتاج الطاقة والكربون الناتج يتم التقاطه وتخزينه. لكن الوقود الحيوي يمكن أن يكون جزءا هاما من هذه الطريقة أيضاً.

وبداية فإن الوقود الحيوي المولد من بعض المواد الأولية – أساسا من قصب السكر، وكذلك أيضاً من الذرة، والشحوم الحيوانية، وزيت النخيل المزروع بشكل صحيح- ينتج انبعاثات كربونية أقل من تلك التي ينتجها البنزين والديزل على مدى دورة حياتها الكاملة. وإدخال التقاط الكربون وتخزينه في الصورة قد يؤدي في بعض الحالات إلى حدوث انبعاثات سلبية. وقد يكون هذا هو الحال مع تخمير السكر، وهي عملية ضرورية لإنتاج الإيثانول من السكر أوالنشاء، أو حتى المواد السليلوزية. فخلال التخمير يتم تقسيم الجلوكوز أساسا إلى اثنين من المنتجات: الإيثانول وثاني أكسيد الكربون. وعادة ما يتم تنفيس غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. ولكن مع عدم وجود معالجة أخرى، يمكن أن يرسل هذا التيار النقي من ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض إلى طبقات المياه الجوفية المالحة أو خزانات الغاز أو الزيت الفارغة. وهذا من شأنه أن يكون من إحدى الطرق الأقل تكلفة لتنفيذ احتجاز الكربون وتخزينه، إذ أن العمل الوحيد المطلوب تقريباً هو التخزين. وتعد هذه التقنية رائدة في مدينة ديكاتور، بولاية إلينوي وقد حظي مشروع آخر في البرازيل بموافقة مرفق البيئة العالمية. إن الجمع بين الوقود الحيوي مع التقاط الكربون وتخزينه هي واحدة من عدد قليل جدا من التقنيات التي يمكنها إزالة الكربون من الجو وخفض تركيزات الكربون.

ولكن إلى أي مدى كان يمكن تحقيق الحد من تغير المناخ لو أن الأمم بدأت متابعة الطاقة الحيوية على نطاق واسع منذ العام 1980؟ (في ذلك الوقت، كانت نماذج مشاريع جيدة للطاقة الحيوية موجودة بالفعل، وكان حوالي ذلك الوقت أن بدأت الجماهير في معرفة إمكانية الحد من تغير المناخ). تشير حساباتي إلى أنه بحلول عام 2015 كان من الممكن- من خلال التوسع في إنتاج الوقود الحيوي القائم على قصب السكر وحده- خفض انبعاثات الكربون السنوية ما يقرب من 9 في المئة. ولا يمكن القيام بشيء اليوم حول القرارات التي اتخذت في عام 1980. ولكن في السنوات المقبلة، أعتقد أن الطاقة الحيوية يجب أن تكون استراتيجية كبرى إذا ما أردنا تفادي إرتفاع درجات الحرارة الى مستويات خطيرة جداً.

خفض الانبعاثات، وتخطي الاستعاضات الزائفة

في شهر مايو من هذا العام، رصدت محطة قياس على قمة بركان ماونا لوا بهاواي في الغلاف الجوي- على مدار 24 ساعة- متوسط ​​تركيز لثاني أكسيد الكربون يبلغ 400 جزء في المليون. ولعل مستويات الكربون لم تكن بهذا الارتفاع في الـ 3 ملايين سنة الماضية، أي من قبل وجود البشر .

إن النشاط البشري هو المسؤول عن المستويات العالية من ثاني أكسيد الكربون، ولكن الغالبية من البشر يحرقون القليل من الكربون نسبياً. فوفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أفقر بليون شخص على الكوكب مسؤولون عن 3 في المئة فقط من انبعاثات الكربون. (على أن كثيراً منهم يعيشون في المناطق الريفية والأحياء الفقيرة في المدن التي هي أشد عرضة للتهديدات المرتبطة بتغير المناخ). وفي الوقت نفسه، فإن 1.26 مليار شخصاً وهم الذين يعيشون في الدول التي تنتمي إلى منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي مسؤولون عن 42 في المئة من الكربون الذي يضاف إلى الغلاف الجوي كل عام، وأممهم هي المسؤولة على نحو طاغِ عن الكربون الذي أضيف في الماضي .

إن القيم الأساسية مثل العدالة واحترام كرامة الإنسان تجعل من الواضح أن الذين يتحملون المسؤولية الأكبر عن الكربون في الغلاف الجوي –وهم أغنى سُبع من بينهم يتعين عليهم حرق كميات أقل من الكربون ودفع الجزء الأكبر من أجل معالجة المشاكل التي أوجدها استخدام الوقود الأحفوري. لكن حرق الوقود الاحفوري إدمان قوي جداً . والمدمنون  عليه سيجربون كل حيلة ممكنة لتجنب أعراض الانسحاب .

واحدة من هذه الحيل هي حرق الكربون المستمد من سطح الأرض (الكتلة الحيوية) بدلا من رواسب الكربون المستخرجة من باطن الأرض )الوقود الأحفوري). وتبدو الفكرة في البداية ذات معنى، ذلك أن الكتلة الحيوية عندما تحرق تبعث نفس الكمية من الكربون كما تم تخزينها أثناء مرحلة نمو الكتلة الحيوية، وهذا ينبغي أن لا يؤدي إلى زيادة صافية للكربون في الغلاف الجوي. لكن الأمور ليست بهذه البساطة عندما يتم تطبيق الفكرة على نطاق صناعي وتؤخذ جميع المدخلات والتأثيرات غير المباشرة بعين الاعتبار .

 تقول اللجنة العلمية التابعة للوكالة الأوروبية للبيئة إن الطاقة الحيوية "يستهدف منها إلى تقليص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري ولكنها تزيد من كمية الكربون في الهواء إذا  كان حصاد الكتلة الحيوية يقلل من كمية الكربون المختزنة في النباتات والتربة، أو يقلل من التنحية الجارية للكربون." وقد جادل العديد بأن الوقود الحيوي على وجه الخصوص تستخدم بالفعل من الطاقة أكثر مما تنتج.

وعلاوة على ذلك، فإن إحلال الطاقة الحيوية محل الوقود الأحفوري يعني أن كمية هائلة من الأراضي الزراعية أو الغابات سيتم تحويلها لهذا الغرض. والإزالة الهائلة للغابات وعملية قطع الاشجار من الأراضي- والذي يقضي على مصافي الكربون ويضيف إلى إجمالي تركيزات الكربون – تقع بالفعل في اندونيسيا وغيرها من البلدان نظرا للزراعة المتزايدة لسلع من قبيل زيت النخيل .

تتوافر سبل معقولة مختلفة للتخفيف من تغير المناخ. فالممارسات الزراعية الحديثة- التي تعتبر مسؤولة عن  14 في المئة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري- يمكن الاستعاضة عنها بالزراعة العضوية، التي يمكن تنفيذها بطريقة خالية من الكربون وربما حتى تقوم بتخزين كميات كبيرة من الكربون في التربة. لكن هذا يتطلب من أثرياء العالم تغيير عادات الاستهلاك الخاصة بهم، على سبيل المثال من خلال تناول كميات أقل من اللحوم. و يمكن إعادة  زراعة الغابات بحيث يمكن أن تعمل كمصارف للكربون وإن كان هذا له تأثير صافي فقط ما دامت الغابات تتسع. وقد عملت غابات أوروبا، والتي تستعيد عافيتها منذ العام 1950 بعد قرون من إزالة الغابات، كمصارف للكربون خلال العقود الأخيرة لكنها تبدي دلائل مبكرة على التشبع .

لكن ما هو ضروري حقا للناس -خصوصا في العالم الغني- الحد من انبعاثات الكربون. ولتحقيق ذلك، فمن المحتمل أن يكون من الضروري فرض ضرائب الكربون في الدول الغنية. إلا أن أكبر مسببي الانبعثات في العالم المتقدم الكبرى يواصلون البحث عن حلول أخرى. ويبدو الأمر كما لو أن مدخن السيجارة، بدلا من التخلي عن التبغ، قرر الانتقال إلى الضواحي لاستنشاق الهواء النظيف. وهذا شكل زائف من الاستعاضة، والطاقة الحيوية مشابهة لذلك. إنه يخلق وهم اقتصاد أكثر اخضرارا. إنه يتيح للأشخاص تأجيل القرارات الصعبة. ولكن في حين أن المدخنين الذين لا يتخلون عن السجائر يضرون أنفسهم أساساً، فإن البلدان الغنية التي تستهلك كميات هائلة من الوقود الأحفوري تمرر الضرر إلى الأبرياء.

وإذا لم يتغير شيء، قد يكون من العدل أيضاً التخلي عن أي ادعاء من احترام القيم مثل العدالة والكرامة الإنسانية. فقد عانت تلك القيم لفترة طويلة على أية حال، حيث فشلت الدول أن ترقى إلى مستوى "المسؤوليات المشتركة وإن كانت متباينة" التي تمت مناقشتها في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ .

الشيطان في التفاصيل

إن الطاقة الحيوية، بسبب قدرتها على التخفيف من آثار تغير المناخ والإسهام في أمن الطاقة والتنمية الريفية، قد اجتذبت اهتماماً متزايدا في السنوات الأخيرة. وهي مصدر طاقة متعدد الاستعمال جداً أشهر تطبيقاته الطاقة الحرارية لأغراض الطهي والوقود الحيوي للنقل، ولكنه يمكن أيضا أن يشمل الكهرباء. فأنواع الوقود الحيوي مثل الإيثانول والديزل الحيوي يمكن انتاجها من محاصيل مثل قصب السكر أو الذرة، ويمكن أن تستمد طاقة الكتلة الحيوية من مادة أولية (خشبية عادة) من خلال عمليات تمر بسلسلة من احتراق بسيط في موقد طهي إلى تحويل بيوكيميائي.

ميزة أخرى للطاقة الحيوية هي أنها، مقارنة مع الوقود الأحفوري، يتم توزيعها بالتساوي في جميع أنحاء العالم، وسهلة المنال بالنسبة للمجتمعات في كل مكان، بما في ذلك الفقراء في المناطق الريفية، الذين يميلون إلى الاعتماد بشكل كبير على الطاقة التقليدية القائمة على الكتلة الحيوية لأغراض الطهي والتدفئة و حتى بالنسبة للتطبيقات الميكانيكية مثل الري بالرفع. إن الكتلة الحيوية التقليدية غالباً ما تكون غير فعالة وضارة للبيئة، وتترافق مع تدني نوعية الحياة، ولكن ظهرت عدة تقنيات حديثة للطاقة الحيوية يمكنها، بطريقة مستدامة بيئيا، تلبية احتياجات الطاقة لسكان الريف. وتشمل هذه التقنيات مواقد الطهي بالكتلة الحيوية ذات الكفاءة، ونظم الغاز الحيوي للطهي وتوليد الطاقة اللامركزية، وتغويز الكتلة الحيوية الخشبية، وأنواع الوقود الحيوي للنقل.

وفي الوقت نفسه، يتزايد الاعتراف بتقنيات الطاقة الحيوية على أساس قدرتها على التخفيف من آثار تغير المناخ. ووفقا لتقييم الطاقة العالمية 2012 فإن الطاقة الحيوية أمر ضروري إذا كان يجب الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى ما بين 1.5 و 2 درجة مئوية. وفي العديد من التطبيقات، قد تكون الطاقة الحيوية قادرة على أن تحل محل الوقود الأحفوري، كما هو الحال مع الوقود الحيوي للنقل. لكن ثمة طريقة هامة أخرى وهي الجمع بين طاقة الكتلة الحيوية واحتجاز وتخزين الكربون. وتتضمن هذه التقنية زراعة المحاصيل التي تمتص ثاني أكسيد الكربون، وحرقها لإنتاج الطاقة، والتقاط وتخزين الكربون الذي ينتج عن الاحتراق. إن التقاط وتخزين انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من تحويل الطاقة الحيوية لديه القدرة على توليد انبعاثات سلبية لإزالة الكربون من الجو.

ولكن إمكانات التقنيات باعتبارها خياراً للتخفيف لا تزال غير مؤكدة بسبب القيود المفروضة على احتجاز الكربون والتخزين نفسه، وبسبب الصعوبات المرتبطة بإنتاج إمدادات الكتلة الحيوية. إذ يجب نشر طاقة الكتلة الحيوية جنبا إلى جنب مع احتجاز وتخزين الكربون على نطاق واسع إذا أريد أن يكون له تأثير كبير على الانبعاثات العالمية من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وهذا ينطبق أيضاً على الوقود الحيوي. وإن نشراً على نطاق واسع لهتين التقنيتين يعني انتاجاً مستداماً على نطاق واسع من المواد الأولية للطاقة الحيوية، وهذا يحمل مضاعفات محتملة بالنسبة للأمن الغذائي.

القدرة والخلاف. تختلف آثار الأمن الغذائي بالنسبة لكلا نوعي التقنية، وليس أقلها من حيث موداهما الأولية. فالبنسبة إلى طاقة الكتلة الحيوية مع الالتقاط والحبس يتطلب بوجه عام مادة أولية خشبية (أو مشابه للخشب). وهذا يمكن أن يكون مصدره من مزارع الأشجار، ولكن إذا تم استخدام الأراضي الزراعية أو الغابات على نطاق تجاري لإنتاج الكتلة الحيوية الخشبية، فإن الأمن الغذائي والتنوع البيولوجي يمكن أن يتأثرا سلبا. ومع ذلك، إذا تم إنشاء مزارع أشجار مستدامة في الأراضي المتدهورة أو أراضي المحاصيل البور، فإن انعكاساتها على الأمن الغذائي سيكون ضئيلا للغاية. وباستخدام بقايا من الغابات أو الأراضي الزراعية لن يكون لها أي آثار على الأمن الغذائي.

في هذه الأثناء فإنه يمكن التفكير في المادة الأولية لإنتاج الوقود الحيوي باعتبار أنها تنتمي إلى جيلين: الجيل الأول من المحاصيل مثل زيت النخيل (والذي يمكن استخدامه لإنتاج وقود الديزل الحيوي) وقصب السكر (والذي يمكن ان يستخدم في صنع الايثانول)، ومصادر الجيل القادم مثل الطحالب الدقيقة (التي تستخدم لإنتاج وقود الديزل الحيوي) والكتلة الحيوية الخشبية، والأعشاب طويل القامة، والمخلفات الزراعية (التي تستخدم لإنتاج الإيثانول). أما الوقود الحيوي من الجيل الأول فيشكل مخاطر أكبر بالنسبة للأمن الغذائي، وينطوي على آثار بيئية سلبية مثل انخفاض التنوع البيولوجي وزيادة استخدام المياه. وهذه الآثار السلبية من المحتمل أن تكون حادة بصفة خاصة في العالم النامي، حيث يقع على الأرجح -بسبب انخفاض تكاليف الإنتاج- الجزء الأكبر من إنتاج الوقود الحيوي في المستقبل. ومن ثم وعلى الرغم من أن الوقود الحيوي  يمكنه تعزيز التنمية الريفية وخلق فرص العمل في المناطق الريفية، واستصلاح الأراضي المتدهورة، فقد أصبح مثيراً للجدل.

ومع ذلك، فتقنية تحويل المواد الأولية  من الجيل الثاني إلى الوقود الحيوي يحمل وعدا كبيراً بتجنب العديد من التحديات المرتبطة بالمواد الأولية من الجيل الأول. والمخلفات الزراعية أو من الغابات والمحاصيل الخشبية قصيرة التناوب يمكن أن يكون مصدرها من الأراضي الهامشية أو المتدهورة. وهذا من غير المرجح أن يكون له آثار كبيرة على الأمن الغذائي، وعلف الماشية، وإنتاج الألياف. وعلاوة على ذلك، يمكن توقع ظهور تقنيات جديدة للوقود الحيوي لتوفير منافع صافية في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

فإذا أخذنا كل هذا في الاعتبار، فمن الصعب التعميم بشأن قدرة الطاقة الحيوية على تلبية احتياجاتها من الطاقة والتخفيف من حدة تغير المناخ مع تجنب الآثار السلبية على إنتاج الغذاء، والتنوع البيولوجي، الخ. إن آثار استخدام الطاقة الحيوية تعتمد على التقنية المستخدمة (إنتاج الوقود الحيوي مقابل أشكال أخرى لطاقة الكتلة الحيوية،)، والمادة الأولية المستخدمة (الغابات أو مخلفات المحاصيل الزراعية مقابل الحبوب الغذائية، على سبيل المثال)، وحجم الإنتاج.

Round 2

أسباب وجيهة للتوسع

في مقاله الأول ناقش ن. هـ.  رافيندراناث الشكوك التي تحيط باستخدام الكتلة الحيوية كمصدر رئيسي للطاقة، وكرس وقتا مساويا تقريبا لمزايا الطاقة الحيوية والمخاطر المرتبطة بالإنتاج غير المناسب للمادة الأولية للكتلة البيولوجية. ويبدو نهج رافيندراناث مناسباً لصياغة وثيقة ذات تأثير كبير من النوع الذي يتطلب موافقة من سلطات متعددة في عدد من البلدان. ولكن ربما في مائدة مستديرة مثل هذه، لا يحتاج المرء لأن يظهر روح الانصاف الصارمة تلك. فطاقة الكتلة الحيوية تواجه عقبات خطيرة بما في ذلك المستوى المتواضع لاهتمام موردي الطاقة التقليدية بها. والامتناع عن اتخاذ موقف واضح من الطاقة الحيوية يشكل بمعنى ما عائقا أمام الاستفادة من فوائد الطاقة الحيوية.

وأنا أتفق مع رافيندراناث أن استغلال الكتلة الحيوية من أجل الطاقة يتطلب حرصاً، وفي واقع الأمر إن هذه النقطة هي من بين الاستنتاجات الرئيسية للتقرير الخاص لعام 2011 بشأن الطاقة المتجددة والحد من تغير المناخ الذي أخرجه الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ  (IPCC) وكما كتبت في الجولة الأولى، فإن الطاقة الحيوية يمكن أن تنتج بطرق جيدة أو سيئة. وإذا ما اتبعت مسارات جيدة بدلا من السيئة فسيتبعها مزايا هامة.

وجزء من اتباع المسار الصحيح هو تقييم إمكانات طاقة الكتلة الحيوية على أساس منطقة محددة. ففي بعض المناطق يؤدي توافر اليد العاملة الريفية والأراضي والمياه وأشعة الشمس الى جعل توليد كميات كبيرة من الطاقة الحيوية بتكلفة معقولة ممكناً. وبينما تكون مناطق أخرى غير ملائمة لإنتاج الطاقة الحيوية لأن واحداً أو أكثر من هذه العناصر مفقود. وهذا هو أحد الأسباب أن الطاقة الحيوية- في حين أنها يمكن أن تساعد في تخفيف من آثار تغير المناخ- لا يمكن (كما أكد الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC )  مرارا وتكرارا) أن تمثل الحل الوحيد.

وفي الجولة الثانية، اتخذ رافيندراناث نهج "كلما كان أصغر كان أجمل" تجاه الطاقة الحيوية، بحجة أن روبرتو بيسيو وأنا قد ركزنا في الجولة الأولى بشكل مفرط على مشاريع الطاقة الحيوية ذات النطاق الواسع. لكنني أقف إلى جانب التشديد على هذه المشاريع ذات النطاق الواسع. لماذا؟ لأن عقوداً من الجهد قد بذلت في مشاريع الطاقة الحيوية، والمشاريع الكبيرة في الأغلب هي التي ازدهرت.

لكن دعم المشاريع ذات النطاق الواسع لا يعني نسيان الفقراء في المناطق الريفية الذين ركز عليهم جزء من مقال رافيندراناث الثاني. وإني لأود القول بأن مشاريع الطاقة الحيوية ذات النطاق الواسع يمكن أن تفعل الكثير للتخفيف من حدة الفقر في المناطق الريفية. ومن المفيد أن نتذكر أن الفقراء هم فقراء- إلى حد كبير- بسبب أن الأسواق المربحة لا وجود لها في المكان الذي يعيشون فيه لبيع ما هم قادرون على انتاجه- أي الغذاء. وغالبا ما تكون الأسواق الحضرية متشبعة بالنسبة للمنتجات الزراعية لفقراء الريف وذات قدرة تنافسية عالية. أما أسواق الطاقة الحيوية فمختلفة. إذ لدى سكان المناطق الحضرية الذين يمثلون الآن أكثر من نصف سكان العالم القدرة الاقتصادية على شراء الطاقة الحيوية. فهذه السوق غير متشبعة، و هي مفتوحة لفقراء المناطق الريفية. ومشاريع الطاقة الحيوية الكبيرة مثل تلك التي تنتج الإيثانول من قصب السكر أو وقود الديزل الحيوي من المحاصيل الغذائية تخلق العديد من فرص العمل، وتعطي فقراء الريف فرصة لتحقيق مستوى معيشي لائق كرجال أعمال أو كموظفين في شركات الطاقة الحيوية الكبيرة. (وبالمناسبة ، فإني لا أرى عيباً في العمل لحساب شخص آخر. والغالبية العظمى من العمال ذوي الياقات البيضاء هم موظفون لا رجال الأعمال، فلماذا ينبغي للمرء أن يتوقع من سكان الريف تقييد أنفسهم برعاية قطعة صغيرة من الأرض؟)

لا تحايل: لاحظ بيسيو في الجولة الأولى أن بعض مشاريع الطاقة الحيوية يمكن أن تزيد من كمية الكربون في الهواء. وهو محق- فإنتاج طاقة الكتلة الحيوية ينطوي على عمليات معقدة من شأنها، إذا ما أديرت بشكل سيئ، أن تضيف من الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي أكثر مما يضيفه الوقود الأحفوري. ولكن صحيح أيضا أن بعض مشاريع الطاقة الحيوية تتم بطرق مستدامة بيئياً. وهذه هي المشاريع التي يجب تكرارها. وفي هذه الحالة فإن طاقة الكتلة الحيوية لن تكون، كما صورها بيسيو، "خدعة … لتجنب أعراض الانسحاب" من الوقود الأحفوري.

وكبديل للاعتماد على طاقة الكتلة الحيوية لتخفيف آثار تغير المناخ، اقترح بيسيو الزراعة العضوية. وللأسف، تحول بعض العقبات الكبيرة دون ممارسة الزراعة العضوية على النطاق الذي يتصوره بيسيو. فأحد الأسباب أن الأغذية العضوية غالبا ما تكون أكثر تكلفة بكثير من الأغذية "التقليدية". بل أكثر من ذلك، فالزراعة العضوية تنتج غلة تعادل 80٪ فقط من الممارسات التقليدية وهذا يعني أنه إذا تم تنفيذ كل الزراعة في العالم بطريقة عضوية فإنه سيتحتم زراعة 25 ٪ إضافية من الأراضي تبلغ 375 مليون هكتار إضافية. وهذا يعني انبعاثات للغازات المسببة للاحتباس الحراري أعلى بكثير من المرتبطة بما يقرب من 30 مليون هكتار من الأراضي التي كانت تستخدم عام 2010 لإنتاج المادة الأولية للطاقة الحيوية.

نطاق صغير، مساهمة ضئيلة

في مقاله الثاني جادل ن. هـ. رافيندراناث لصالح تقنيات الطاقة الحيوية ذات النطاق الصغير مثل مواقد الطهي ذات الكفاءة وكهربة القرى بالغاز الحيوي. وقال إن هذه التقنيات يمكنها التخفيف من آثار تغير المناخ، ودعم التنمية الريفية، والحد من السخام، الخ. وللتأكيد فإن التقنيات التي ناقشها رافيندراناث ستكون موضع ترحيب في أنحاء العالم إذا ثبت أنها فعالة ومناسبة، وإذا لم تثبت حماية براءات الاختراع عقبة أمام تبنيها. لكن التخفيضات الناجمة في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري ستكون ضئيلة.

لماذا؟ لأن الفقراء الذين ستقلل هذه التقنيات من انبعاثات الكربون الخاصة بهم ينتجون في الأصل القليل جدا من الكربون. وكما ذكرت في المقال الأول فإن أفقر بليون شخص على الكوكب مسؤولون عن 3٪ فقط من الانبعاثات العالمية للكربون. أما الـ 1.26 مليار شخص الذين تنتمي دولهم إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فيتسببون في 42٪ من الانبعاثات. فإذا خفض الأغنياء انبعاثاتهم بنسبة 8% فقط يمكنهم تحقيق التخفيف من آثار تغير المناخ بأكثر مما يمكن أن يحققه الفقراء عن طريق خفض انبعاثاتهم إلى الصفر. ويمكن للأغنياء تدبير هذا التخفيض بنسبة 8٪ عن طريق تغيير أسلوب حياتهم بطرق لا تكاد تلحظ. وأما الفقراء فإن الحد بنسبة 100٪ يعني البؤس الدائم.

ناقش رافيندراناث دراسة أجريت في الهند بحثت فوائد الحد من تغير المناخ بإحلال طاقة الكتلة الحيوية محل وقود الديزل. ونقل أنه "على مدار 100 سنة سوف تحول [هذه الطريقة] دون دخول 92.5 طن متري من الكربون لكل هكتار إلى الغلاف الجوي." مائة سنة!  إن الشخص الأميركي العادي مسؤول عن 17.6 طن من انبعاثات الكربون في العام الواحد. وإذا تصور أحد أن أسرة أميركية من أربعة أفراد ظلت موجودة بطريقة أو بأخرى لمدة 100 سنة فإن هذه الأسرة ستحتاج إلى خفض انبعاثاتها بنسبة 1.31 فقط لتحقيق 92.5 طن متري من الانبعاثات الكربونية المخفضة. ويمكن بسهولة تحقيق  انخفاض صغير جدا عن طريق استخدام مطابخ أو سيارات أكثر كفاءة ، أو توفير عزل أفضل ، أو بزيادة ركوب الدراجة قليلاً. وبالتأكيد يمثل هذا النهج صفقة أفضل لجميع الأطراف المعنية من تكريس هكتار من الأراضي الهندية لإنتاج المواد الأولية لطاقة الكتلة الحيوية في حين يمكن أن تستخدم تلك الأرض في تغذية العائلات الهندية.

وأود أن أوضح أيضا أن طاقة الكتلة الحيوية هي  عنصر من أي استراتيجية جادة للزراعة العضوية، وهي ممارسة أوصيت بها بشدة في الجولة الأولى. والفلاحون في جميع أنحاء العالم يمارسون الزراعة المستدامة على مدى قرون من دون استهلاك الوقود الأحفوري، وبالتالي دون الإضرار بالمناخ. ولم يكن سوى تطوير الزراعة "الحديثة"- الآلية بشكل كبير والمعتمدة على الاستخدام المكثف للأسمدة والمبيدات الحشرية- هو ما حول الزراعة إلى قطاع هو اليوم مسؤول عن 14 ٪ من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي.

فليس الفقراء هم المطالبون بخفض الانبعاثات الصادرة عنهم. واقتراح خلاف ذلك يلقي باللوم ضمنيا عليهم  في مشكلة لم يصنعوها، وهي مشكلة هم يعانون منها بالفعل على نحو غير متناسب. وفي الواقع يجب أن يكون أبطال تخفيف آثار تغير المناخ- بدلاً من المهندسين الذين يطورون تقنيات جديدة- المتخصصين في الزراعة العضوية  التقليدية الذين يستخدمون طاقة الكتلة الحيوية بنفس  الطرق المسؤولة التي نهجها أسلافهم لعدة قرون.

فكر على نطاق ضيق

في مقاله الأول، ركز جوزيه موريرا ر. على قدرة الوقود الحيوي على تلبية الحاجة إلى وقود النقل في حين أن يقوم بالتخفيف من آثار تغير المناخ. وقدم وجهة نظر ايجابية إلى حد كبير عن الوقود الحيوي، وليس هذا من المستغرب في ضوء الأهمية التي تبوءها الوقود الحيوي في بلده البرازيل. وناقش روبرتو بيسيو الآثار الضارة المحتملة لمشاريع الطاقة الحيوية على الغابات والأراضي الزراعية، مع تكريس الانتباه أيضا إلى مسؤولية الدول المتقدمة للتقليل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ويرى زملائي وجهات نظر مخالفة على نحو متباين، لكن لديهم شيء واحد مشترك حتى الآن: مشاريع للطاقة الحيوية على نطاق واسع. وأنا أزعم أن المشاريع الصغيرة – بسبب قدرتها على التخفيف من آثار تغير المناخ ودعم التنمية الريفية المستدامة، دون تقويض الأمن الغذائي أو تكبد مصاريف لا يمكن تدبيرها- تستحق قدرا كبيرا من الاهتمام.

وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية أن 2.7 مليار نسمة في جميع أنحاء العالم يعوزهم الحصول على مرافق طبخ نظيفة وأن 1.3 مليار شخص يفتقرون إلى الكهرباء. ومعظم الذين يعانون من فقر الطاقة-    84 في المئة- يعيشون في المناطق الريفية وتجادل الوكالة بأن الطاقة الحيوية يمكن أن تلعب دورا هاما في تحقيق الوصول العالمي إلى الطاقة النظيفة، لا سيما بين فقراء الريف. وإن مجموعة من التقنيات الحديثة ضيقة النطاق يمكن أن تساهم في هذا الجهد. وتشمل هذه مواقد الطهي ذات الكفاءة، والغاز الحيوي لأغراض الطهي وكهربة القرية، وأجهزة التحويل إلى غاز الكتلة الحيوية، والنظم اللامركزية للتوليد المشترك التي تستخدم مصاصة القصب (الألياف التي تبقى بعد ما يتم استخراج السائل من قصب السكر). فهذه الخيارات القائمة على الكتلة الحيوية- وذلك جزئيا عن طريق الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تنتج من حصاد الكتلة الحيوية غير المستدام – يمكنها تحقيق انخفاض بمقدار 1 جيجا طن في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري سنوياً. كما يمكنها أيضاً أن تقلل بنسبة 60 الى 90 في المئة، من انبعاثات الكربون الأسود- السخام – أساسا، والتي يلقى باللوم عليها في 2 مليون حالة وفاة كل عام.

وحددت دراسة مفصلة للبنك الدولي عن المكسيك تغطي الفترة من 2009 إلى2030 أن اتخاذ مواقد الكتلة الحيوية المتقدمة يمكنه- في الوقت الذي فيه تنتج فائدة اقتصادية صافية- الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 19.4 ميغاطن في السنة- وهو حد أكبر مما يمكن تحقيقه عن طريق أي إجراء آخر في القطاع السكني. وفي الوقت نفسه قارنت دراسة في الهند قدرة التخفيف للطاقة الحيوية اللامركزية  بالنسبة لكهربة القرية مع قدرة التخفيف لتنحية الكربون من خلال الغابات. وخلصت الدراسة إلى أنه عبر 100 سنة من إحلال طاقة الكتلة الحيوية ومحل قود الديزل من شأنه أن يمنع 92.5 طن من الكربون لكل هكتار من دخول الغلاف الجوي. أما مشاريع الغابات فتحقق أقل من ذلك. إن مشاريع طويلة التناوب سوف تبقي 45.2 طن متري من الكربون لكل هكتار خارج الغلاف الجوي، بينما المشاريع قصيرة التناوب ستبقي 23.9 طن فقط لكل هكتار خارج الغلاف الجوي.

وبشكل عام تمثل التطبيقات اللامركزية لخيارات الطاقة الحيوية الحديثة على نطاق صغير -وخاصة في المناطق الريفية من البلدان النامية- منهجيات الفوز في كل الحالات. ويمكن أن تقدم فوائد على طول الأبعاد المناخية والبيئية والاجتماعية مع تجنب الآثار السلبية على الأمن الغذائي. وفي مناقشات طاقة الكتلة الحيوية، من المهم تجنب التركيز المفرط على إنتاج على نطاق واسع من الوقود الحيوي للنقل. وتوجد مناهج أخرى، مناهج يمكنها التخفيف من آثار تغير المناخ في حين تعرض فقط الحد الأدنى من الآثار المترتبة على البيئة وإنتاج الأغذية.

Round 3

المفرطون في استخدام الغاز وحرائق الأخشاب

في الجولة الثالثة كتب ن. ح. رافيندراناث أن "جميع الدول، سواء المتقدمة أو النامية، يجب أن تقوم باستكشاف سبل مختلفة لتخفيف آثار تغير المناخ، سواء على نطاق واسع أو على نطاق صغير." وليس هذا ما اتفق عليه المجتمع الدولي. فبروتوكول كيوتو يعامل الدول المتقدمة والدول النامية على نحو مختلف، طالباً من الأولى الحد من الانبعاثات وموفراً للثانية مساحة للتنمية المستمرة. وتقر هذه التفرقة بأن تغير المناخ ينتج من ثاني أكسيد الكربون الذي يتراكم في الغلاف الجوي منذ بداية الثورة الصناعية وبأن البلدان النامية لم يكن لها أي دور كبير في التسبب في هذه التراكمات. وبالتالي، يتم التعامل معهم بشكل مختلف عن البلدان التي قام ازدهارها الحالي على انبعاثات الكربون التي تضر الآن الكوكب بأسره.

إن مفاوضات المناخ صعبة إلى حد كبير لأن بعض البلدان – حتى وهم لا يزالون يقودون سياراتهم الرياضية متعددة الأغراض ويقومون بتشغيل مكيفات الهواء – تحاول إنكار مسؤلياتها التاريخية. وإذا كانوا يتوقعون تخفيضات في انبعاثات الكربون من الدول الفقيرة فانهم يتوقعون من الفقراء التخلي عن أي فكرة لكهربة منازلهم. وكما هو الواقع فإن كثيراً من الفقراء ينبعث منهم من الكربون بالكاد ما يكفي لطهي طعامهم.

وهكذا فإن رافيندراناث يخطئ عندما يصر على أن الفقراء يجب إدراجهم في جهود الحد من تغير المناخ. وهذا النهج الذي يقترحه لن يكون غير فعال فحسب –حيث يتسبب الفقراء  في انبعاث القليل جدا من الكربون في الأصل – ولكنه يضلل الجمهور ليعتقدوا أن الفقراء بحرقهم غير الفعال للأخشاب يتحملون بعض اللوم  في مشكلة المناخ.

وفي الوقت نفسه، يجادل جوزيه  ر. موريرا بشكل مقنع أن إنتاج الوقود الحيوي في البرازيل يمكن أن يكون سليماً اقتصادياً وبيئياً. فالبرازيل تتمتع بأشعة شمس وافرة وتوفر في الأراضي، إلى جانب انخفاض كثافة السكان. فهذه الشروط غير موجودة في كثير من الأماكن. والحق أن موريرا يلاحظ "أن الولايات المتحدة والبرازيل فقط تبذلان جهودا كبيرة بالفعل في أنواع الوقود الحيوي لأغراض النقل"، ويمكن للمرء أن يضيف أن البرازيل كانت ستكون وحدها في القائمة لولا الدعم الهائل للوقود الحيوي في الولايات المتحدة.

ولكن وجهة خطأ موريرا هي في تكريس الكثير من الاهتمام لجانب الإمداد بالوقود الحيوي لأغراض النقل دون التساؤل عن الأنماط الحالية لاستهلاك الوقود السائل. وفيما يتعلق بالمناخ، فإن لتراً من الوقود له نفس التأثير سواء يتم استخدامه لتشغيل جرار زراعي في العالم النامي أو سيارة رياضية متعددة الأغراض في العالم المتقدم. أما في مجال التنمية، فالاثنان ليسا سواء في كل شيء. ولكن فيماعدا ذلك لا تحقق أنواع الوقود الحيوي شيئا للمناخ إذا كانت تعزز في نهاية المطاف أنماط الاستهلاك التي لا تتوافق مع الاقتصاد الخالي من الكربون الذي يجب أن ينشأ في المستقبل غير البعيد جدا.

أخيرا، وردا على إغفال موريرا قدرة الزراعة العضوية في الحد من تغير المناخ- الأمر الذي يبرره على أساس انخفاض إنتاجية الزراعة العضوية- أود أن أوضح أن عيب الإنتاجية هذا تعوضه كثير من العوامل التي لا يعالجها موريرا. فعلى سبيل المثال، تمنع الزراعة العضوية انبعاثات الكربون لأنها لا تعتمد على الأسمدة الاصطناعية. كما أنها تعزل الكربون في باطن الأرض وتثري التربة، مما يجعلها أكثر قدرة على التكيف مع المناخ.

المصالح المكتسبة تعوق تقدم الوقود الحيوي

أود تكريس مقال المائدة المستديرة الختامي لدراسة أسباب عدم تبني الوقود الحيوي على نطاق واسع كما يستحق.

ففي قطاع النقل، تعد أنواع الوقود الحيوي البديل الوحيد المتجدد للوقود الأحفوري والذي سيكون متاحاً على نطاق واسع في المدى القصير. ويمكنها أن تسهم إسهاما كبيرا في التخفيف من آثار تغير المناخ. كما يمكنها الحد من الفقر في المناطق الريفية من خلال إنشاء أسواق جديدة للمنتجات الزراعية، ويمكن أن تساعد البلدان النامية على التقدم اقتصاديا وتقنيا على حد سواء. كما يمكنها أيضا الحد من أسعار الوقود الأحفوري عن طريق توفير المنافس.

وعلى الرغم من كل هذه المزايا، لم تصل أنواع الوقود الحيوي بعد إلى المتوقع منها في السوق. والقيود السياسية هي السبب الرئيسي في ذلك، وكثير من المعارضة السياسية مدفوع بالرغبة من جانب شاغلي السوق -أولئك الذين ينتفعون من البترول-  في حماية المراكز الاقتصادية الخاصة بهم.

ومن السهل أن نرى لماذا تثير أنواع الوقود الحيوي معارضة قوية ممن لديهم حصة في الوقود الأحفوري. فوقود النقل سوق هائلة، ولا تزال تنمو، لكن نصيب الأسد من وقود النقل اليوم يقع في شكلين فقط: البنزين والديزل. ويتم إنتاج هذين من مادة خام واحد فقط- البترول. ولأن السيارات والشاحنات تنتشر كثيرا بين البلدان يجب أن ينتج الوقود وفقا لمواصفات عالمية. لذلك فوقود النقل أساسا سلعة قابلة للاستبدال، مع ضعف القدرة على تمييزها من وجهة نظر الزبون. وبالنسبة لأولئك الذين يتربحون من البترول فإمكانية أن يبدأ الوقود الحيوي بأخذ مكان الوقود الأحفوري تبدو خطرا ملحاً. إذ سيصبح وقود النقل مثل الكهرباء سلعة تسمح بالمنافسة الحرة حيث إنه يستمد من مصادر عديدة وموزع عبر البلدان والمناطق.

ومن شأن التحول من الوقود الأحفوري إلى الوقود الحيوي أن يفرز العديد من الفائزين، وبعض الخاسرين أيضا. و لن يضم الخاسرون شركات وأفراداً فقط بل أمماً كذلك. وكما هو الحال في العديد من مثل هذه الحالات، فالفائزون- مهما كثروا- يترجح أن يتسموا بالهدوء. وأما الخاسرون فربما يكونون قلة ولكن سوف يكون صوتهم عالياً للغاية.

الاتجاه الخاطئ. اقترحت المفوضية الأوروبية مؤخرا وضع غطاء جديد على حصة وقود النقل المتجدد الذي يمكن أن يفسر بالوقود الحيوي القائم على الغذاء (في مقابل أنواع الوقود المشتقة من السليلوز). ومصير هذا الاقتراح في البرلمان الأوروبي غير مؤكد، لكن حالة عدم اليقين السياسي لم تفعل سوى القليل لتشجيع الاستثمار في الوقود الحيوي أو السماح للمجتمعات بالاستفادة من مزايا الوقود الحيوي . وفي الوقت نفسه، كرس تقرير صدر مؤخرا عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة اهتماما كبيرا للذرة الحلوة كمادة أولية لإنتاج الوقود الحيوي، وآخرون يشيدون بمواد أولية مثل الجاتروفا والطحالب. ومع ذلك فالترويج لهذه المواد الأولية إنما يديم هيمنة الوقود الأحفوري السائل لأنه يصرف الانتباه عن المواد الأولية، مثل قصب السكر وزيت النخيل، التي لديها حقاً القدرة على المنافسة.

وللأسف، يبدو أن الاهتمام بالوقود الحيوي في انخفاض. فاليوم  تبذل الولايات المتحدة والبرازيل فقط جهودا كبيرة حقا في أنواع الوقود الحيوي  من أجل النقل (وإن كانت ثمة جهود أكثر تواضعا تبذل في عدد من البلدان الأخرى)

وتمثل أنواع الوقود الحيوي فرصة ممتازة لإدارة ظاهرة الاحتباس الحراري والحد من الفقر في نفس الوقت. فهي سهلة الإنتاج والتوزيع.  وهي جاهزة للاستخدام في الوقت الراهن. ولكن المصالح السياسية تمنع الوقود الحيوي من اكتساب النفوذ الذي يستحقه في السوق، برغم الحاجة الماسة إلى طرق فورية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ومما يزيد الأمور سوءاً أن الاهتمام الكبير الذي ينبغي أن يوجه إلى الوقود الحيوي يذهب بدلا من ذلك إلى الغاز الصخري، وهو وقود أحفوري آخر يخدم مصالح "الخاسرين" المحتملين. وليس للمرء سوى أن يأمل  في أن مناقشة هذه القضايا سوف تفتح أذهان الناس إلى مزايا الوقود الحيوي.

اتباع العديد من المسارات

إذا كان على طاقة الكتلة الحيوية أن تسهم بجدية في التخفيف من أثار تغير المناخ- دون أن تشكل مخاطر غير مقبولة على الأمن الغذائي- فمن الضروري اتخاذ نهج متعدد الجوانب. فيجب متابعة برامج الطاقة الحيوية على كلا النطاقين الكبير والصغير، وفي العالمين المتقدم والنامي على حد سواء.

في الجولة الثانية، ركزت على مشاريع الطاقة الحيوية ذات النطاق الصغير في العالم النامي-على الإسهامات التي يمكن أن تقدمها للتنمية وانبعاثات الكربون التي يمكن أن تمنعها. وقد انتقد زملاء المائدة المستديرة في مقالاتهم بالجولة الثانية هذا النهج. فحاجج خوسيه ر موريرا- كما  قد فعل في الجولة الأولى- لصالح أنظمة الطاقة الحيوية ذات النطاق الواسع، والوقود الحيوي على وجه الخصوص. وانتقد روبرتو بيسيو- المتشكك جدا في العديد من أشكال الطاقة الحيوية- مشاريع الطاقة الحيوية الصغيرة لأنه يشعر أنها تصرف الانتباه عن الحاجة لخفض الانبعاثات في البلدان التي تنتمي إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وأنا أقر بأن مشاريع الطاقة الحيوية يجب أن تنفذ على نطاق واسع لتحقيق تخفيضات هامة قصيرة المدى في الانبعاثات. لكن تخفيضات قصيرة المدى في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ليست هي الهدف الوحيد. فالانبعاثات طويلة المدى جديرة بالاهتمام كذلك، كالأمن الغذائي والتنمية. ويمكن لتقنيات الطاقة الحيوية ذات النطاق الصغير أن تساهم إلى جنب كل هذه الأبعاد. وبالطبع صحيح أن الجهود قصيرة المدى لخفض الانبعاثات يجب أن تركز على الأمم التي بها الانبعاثات الأعلى الآن (الدول المتقدمة في الغالب، وإن كان عدد قليل من البلدان النامية كذلك). ولكن يجب على المرء أن يتذكر أيضا أن البلدان النامية  تضع الآن البنية التحتية التي ستقوم بتزويد الطاقة لديها لفترة طويلة. فمن المهم أن تعتمد استراتيجيات الطاقة المستدامة التي لا تحصرها في استخدام الوقود الأحفوري. ومشاريع الطاقة الحيوية ذات النطاق الصغير هي واحدة من هذه الاستراتيجية.

إن تكنولوجيات الكتلة الحيوية، سواء على نطاق واسع أو على نطاق صغير ينبغي تقييمها على أساس مزاياها الفردية واتباعها في الأماكن التي تكون فيها مناسبة. فالمشاريع الكبيرة مناسبة للبلدان التي يمكن أن تخصص فيها أراض لإنتاج المادة الأولية للكتلة البيولوجية دون الإضرار بالإنتاج الغذائي، والتنوع البيولوجي، وإمدادات المياه. ويمكن أن تشمل هذه المشاريع من بين أمور أخرى الوقود الحيوي وأنظمة طاقة الكتلة الحيوية متعددة الميجا وات. ولكن في المناطق الريفية التي تواجه عوائق تنموية بسبب ضعف الوصول الى الطاقة، تكون غالبا نظم الطاقة الحيوية ذات النطاق الصغير مناسبة. وكما ناقشت في الجولة الثانية يمكن لمواقد طهي الكتلة الحيوية الفعالة وأنظمة الغاز الحيوي للطهي أن تساعد في تلبية احتياجات الطاقة لـ 2.7 مليار شخص يفتقرون لمرافق طبخ نظيف. وربما تكون المناطق الغنية بالكتلة الحيوية ولكن فقيرة في الوقود الأحفوري قادرة على استخدام أنظمة طاقة الكتلة الحيوية على نطاق صغير لإنتاج وقود سائل لوسائل النقل وأيضا- كمنتج ثانوي- كميات كبيرة من غاز البترول السائل للطبخ ذات تكلفة تنافسية ويمكن لهذه النظم دمج التقاط الكربون وتخزينه، وبالتالي المساهمة في الحد من تغير المناخ.

ولا تتوفر حلول بسيطة للتخفيف من تغير المناخ وتلبية حاجة العالم المتزايدة للغذاء والطاقة. فجميع الدول سواء المتقدمة أو النامية يجب عليها استكشاف سبل مختلفة لتخفيف آثار تغير المناخ، سواء على نطاق واسع أو على نطاق ضيق. وعلى أية حال فتقنيات الطاقة الحيوية إلى جانب التقاط الكربون وتخزينه سوف تكون جزءا لا يتجزأ من استراتيجيات المستقبل لتلبية احتياجات الطاقة والحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض ضمن النطاق المقبول بين 1.5 و 2 درجة.



Topics: Climate Change

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]