The authoritative guide to ensuring science and technology make life on Earth better, not worse.

بحث العلاقة بين الانبعاثات الكربونية والسكان

تتوقع الأمم المتحدة ان يصل عدد سكان العالم – الذي يبلغ حالياً  نحو 7.4 مليار نسمة – الى 11.2 مليار نسمة بحلول عام 2100 (مع استحواذ افريقيا على نصيب الأسد من هذه الزيادة السكانية). وهذه التوقعات تعتبر واقعية بالنسبة للمعنيين بقضية تغير المناخ. وتبذل دول العالم بالفعل جهود مضنية للحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، اذا ما هي احتمالات تخفيف أثر تغير المناخ عندما يزيد سكان العالم بنسبة 50 %؟ كما قد تواجه المقترحات التي يتم طرحها لإبطاء معدل النمو السكاني مقاومة شديدة. والمشكلة الحقيقية – كما يرى البعض – تكمن في أن معدل استهلاك الطاقة سينمو بمعدل أسرع بكثير من النمو السكاني، خاصة مع زيادة الموارد في العالم – و في جميع الاحوال – اتسمت المبادرات الماضية للحد من النمو السكاني بالقسوة في بعض الأحيان.  فيما يلي يناقش خبراء من نيجيريا، والولايات المتحدة، والصين السؤالين التاليين: هل تعد جهود الحد من النمو السكاني عاملاً مشروعا للتخفيف من أثر تغير المناخ – وهل يمكن تنفيذ هذه الجهود دونما اي كلفة أخلاقية غير مقبولة؟

Bulletin of the Atomic Scientists: اللغة العربية

تابعونا على تويتر:

@Bulletin_Arabic

Round 1

الحد من التلوث الكربوني – لا المتسببين في حدوثه

هل يلعب عامل السكان دوراً أساسياً في حدوث انبعاث غاز ثاني اكسيد الكربون؟ بالطبع نعم. بيد أنه ليس العامل الأوحد،  ولكنه على اي حال، يتحكم في تحديد حجم انبعاثات الكربون.

ولنأخذ دولة الصين على سبيل المثال، التي شهدت تحولاً كبيراً في العقود الأخيرة فيما يتعلق بالنمو السكاني وزيادة انبعاثات الكربون. فقد انخفض معدل النمو السكاني في الصين على نحو ملحوظ منذ بداية الثمانينات، وتحديداً عندما بدأت الصين في تطبيق سياسة الطفل الواحد الصارمة. فقد بلغ متوسط النمو السكاني السنوي في الفترة ما بين عامي 1987 و 2000 نسبة 1.25 ، في حين انه بلغ نسبة 0.56 في الفترة ما بين 2000 الى 2014، اي نصف حجم النسبة المسجلة للفترة الأولى. وخلال الفترة ما بين 1987 و 2000، بلغت النسبة السنوية لحجم انبعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون 4.75. وخلال الفترة ما بين 2000 الى 2014 زادت نسبة حجم انبعاثات عاز ثاني اكسيد الكربون لتصل الى 12.7 – اي بمعدل الضعفين أو يزيد عن النسبة المسجلة  للفترة الأولى.

ويتفق جميع ما سبق أعلاه مع معادلة تعرف باسم معادلة "كايا" التطابقية، والتي تنص على ان انبعاثات ثاني اكسيد الكربون هي ناتج احد اربع عوامل. أول هذه العوامل هو عامل السكان، اما العوامل الثلاثة الأخرى فهي الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد؛ وكثافة الطاقة (كمية الطاقة المستهلكة لكل وحدة من الناتج المحلي الاجمالي؛) وكثافة الكربون (كمية الكربون المنبعثة لكل وحدة من الطاقة المستهلكة). ويمكن تلخيص العوامل الثلاثة الأخيرة في رقم واحد  – نصيب الفرد من الانبعاثات – وهو الرقم الذي يمكن ان ينقص عندما تتغير سلوكيات البشر وتحقق الدول تقدماً اجتماعياً. اذ يمكن ان تؤدي عوامل التقدم الاجتماعي والنمو الاقتصادي الى الحد  من معدلات النمو السكاني، وخير دليل على ذلك ما اظهرته التجارب في آسيا الشرقية وأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية. اذا فالحل الأمثل للحد من انبعاثات ثاني اكسيد الكربون يكمن في تغيير السلوك البشري – وليس في الحد من النمو السكاني.

الإدارة والحوكمة. تعتبر انبعاثات ثاني اكسيد الكربون نوعا من انواع التلوث، ولكن مع ذلك فإن الانسان لا ينبغي أن  يلام على انبعاثات ثاني اكسيد الكربون التي تحدث نتيجة لممارساته المعيشية. وللإسف، تجد أن لدى بعض الأفراد محفزات للقيام بالمزيد من الأعمال التي ينتج عنها تلوث كربوني دون الاكتراث بالمصلحة الجماعية – أو بمعنى آخر، يحدث ما يعرف باسم تراجيديا المشاع، (تراجيديا المشاع "، تصف حالة إستنزاف مورد مشترك من قبل الأفراد الذين يتشاركون به بصورة مستقلة وعقلانية إنما وفقا للمصلحة الذاتية لكل منهم على الرغم من إدراكهم أن استنزاف الموارد المشتركة يتعارض مع المصلحة المشتركة للمجموعة في المدى الطويل). ومن ثم، فإن خفض نصيب الفرد من انبعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون يتطلب وجود إدارة جيدة للتعامل مع السلوك البشري المتسبب في حدوث انبعاثات ثاني اكسيد الكربون، وهذه الادارة تتطلب بدورها انشاء بنية تحتية ذات انبعاثات كربونية منخفضة، مع تطبيق حوكمة رشيدة لانبعاثات غاز الكربون.

تشمل البنية التحتية ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة، بالاضافة الى انظمة النقل العام، مثل مترو الانفاق، وقطار السكة الحديد، انظمة أخرى مثل انظمة توليد الطاقة منخفضة الانبعاثات الكربونية، كالمزارع المعتمدة على طاقة الرياح والطاقة الشمسية، والشبكات الكهربائية التي تمد المستهلكين بطاقة ذات انبعاث كربوني منخفض.  وفي السنوات الأخيرة، شهد اقليم سيشوان، مسقط رأسي، والواقع جنوب غرب الصين، انتشار العديد من هذه الأنظمة. وعلى مدار العقود، اعتادت الأسرة العاملة في مجال الزراعة باقليم سيشوان على استخدام الكتل الحيوية لطهي الطعام – ولكن في آواخر التسعينات، بدأ سكان اقليم سيشوان في التحول الى شراء الفحم والاعتماد عليه في مواقدهم.  ولكن للأسف فإن الفحم السيشواني أقل جودة من أنواع الفحم الأخرى المستخدمة في أقاليم أخرى بالصين – اذ يحتوي على نسبة كبريت أعلى، كما أن قيمته الحرارية منخفضة. وفي مارس عام 2014 بدأت عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي في حقل "لونج وانج مياو" الضخم،  الواقع في جنوب اقليلم سيشوان. وعلى الفور بدأ نقل الغاز  الطبيعي عن طريق الانابيب الى المدن والبلدات والقرى المجاورة. وعلى الرغم من ارتفاع سعر الغاز الطبيعي عن سعر الفحم او الكتلة الحيوية، الإ أن المزارعين سعدوا به كثيرا واعتمدوا عليه في طهي الطعام نظراً لكونه أكثر نقاءً، بالاضافة الى ان استخدام مواقد الغاز الطبيعي تمكنهم من ضبط مستوى شعلة الموقد، وهذه الخاصية هامة جدا في إعداد الأطباق السيشوانية. لقد ساعادت أنابيب الغاز وبعض عناصر البنية التحتية في احداث ثورة في مجال الطاقة لأسر أقليم سيشوان المشتغلة بالزراعة – وهي ثورة من شأنها الحد من نصيب الفرد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، ذلك لأن استخدام الغاز الطبيعي ينطوي على انبعاثات اقل بكثير لثاني أكسيد الكربون على عكس الفحم.

وتعتبر الحوكمة الرشيدة عاملاً اخر يساهم في التخفيف من آثار تغير المناخ، وهو لا يقل أهمية عن عامل تحسين البنية التحتية. فلا  جدوى من إقامة بنية تحتية ذات انبعاث كربوني منخفض اذا لم يُمكًن المستهلكون من استخدامها او اذ انعدمت لديهم الرغبة في استخدامها. اذ من شــــأن ارتفاع اسعار استخدام البنيــة التحتية وعـدم ملائمتها أن تتسبب في تقويــض جـاذبية البنية التحتية ذات الانبعاث الكربوني المنخفض – فإذا ارتفعت اسعار استخدام خدمات مترو الانفاق والقطارات السريعة، على سبيل المثال، فإن المستهلكين سيعزفون عن استخدامها  بطبيعة الحال. كما قد تلعب بعض الجهات، عن عمد، دوراً في عزوف المستهلكين عن استخدام البنية التحتية ذات الانبعاث الكربوني المنخفض. على سبيل المثال، تحتكر شركتان مملوكتان للدولة شبكات المد الكهربائي في الصين – وهما شبكة كهرباء جنوب الصين وشركة الشبكة الكهربائية الوطنية الصينية. وتفضل هاتان الشركتان المصادر المستقرة لتوليد الطاقة مثل محطات توليد الطاقة المعتمدة على الفحم، والأنواع الأخرى من المحطات الحرارية، دون غيرها من المصادر المتقطعة للطاقة مثل طاقة الريح . وفي ظل الركود الاقتصادي الحالي التي تشهده الصين، يمكن الاعتماد على المحطات الحرارية لتلبية كافة الاحتياجات من الطاقة، وتعمل شركات الكهرباء على وضع العراقيل أمام ربط طاقة الريح بالشبكة الكهربائية. وفي ظل هذه الظروف يكون من الصعب، ان لم يكن مستحيلاً ، على المستهلكين استخدام الكهرباء صديقة البيئة. لذلك، حتى ان كانت البنية التحتية في أبهى صورها، ستبقى معدلات استخدامها منخفضة في ظل انعدام الحوكمة الرشيدة والإدارة السليمة.

ويعتمد الحد من نصيب الفرد من الانبعاثات على جملة عوامل، من بينها وضع سياسية ضريبية داعمة، الى جانب عاملي التمويل والتسعير. على سبيل المثال، بوسع الحكومات استيعاب التكاليف غير المباشرة  الناجمة عن مصادر الطاقة ذات الانبعاثات الكربونية العالية، من خلال فرض "ضرائب انبعاثات الكربون" على الفحم والنفط. كما انه بوسع الحكومات دعم مصادر الطاقة ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة، مثل الطاقة المعتمدة على الهيدروجين وطاقة الرياح والطاقة الشمسية، من خلال فرض ضرائب على مصادر ابنعاثات الكربون، وتقديم الدعم للطاقة المتجددة.

الحصول على التعليم. هل من الممكن الحد من نصيب الفرد من الانبعاثات الكربونية أو حتى خفضه في ظل زيادة الثراء بالمجتمعات.  من المعلوم أن بوسع الأغنياء استهلاك ما هو فوق احتياجتهم من كل شيئ، بما في ذلك الطاقة عالية الانبعاثات الكربونية. من ناحية أخرى، فإن اتفاقية قمة باريس للمناخ، التي أبرمت مؤخراً ونصت على ان تقوم الدول المتقدمة بتقديم ما قيمته 100 مليار دولار سنوياً الى الدول النامية، كتعويض عن الاثار المترتبة على تغير المناخ وتكاليف التكيف مع  الآثار، تعني في مضمونها أنه سيكون بوسع الدول الفقيرة خفض انبعاثاتها الكربونية اذا حصلت على الأموال الكافية. ولكن في الوقت الراهن،  تجد أن الصين تواجه تهديداً حقيقياً بحدوث زيادة في ابنعاثات ثاني اكسيد الكربون بسبب الفقر. فالاقتصاد الصيني يمر حالياً بفترة ركود، وأصبح الكثير من الصينين غير قادر على دفع نفقات إضافية للحصول على الطاقة ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة، كما أن الحكومات غير قادرة على دعم مثل هذا النوع من الطاقات. وبالفعل، فقد اختارت بعض الجهات الحكومية العودة الى استخدام مصادر الطاقة الرخيصة ذات الانبعاثات الكربونية العالية مثل الفحم، وحذا حذوها بعض المستهلكين من محدودي الدخل. وهذا الاقتصاد المتراجع يضر بجودة الهواء في الصين ويضعف فرص تخفيف آثار التغير المناخي. وحتى الان لم يتم التوصل الى حل بشأن كيفية استغلال الرخاء الاقتصادي للحد من الانبعاثات المستمرة لغاز ثاني أكسيد الكربون.

ثمة عامل آخر لا يقل أهمية عن عاملي بناء البنية التحتية والحوكمة الرشيدة، ألا وهو تحسين التعليم للفتيات على وجه الخصوص. فتوفير التعليم الجيد من شأنه تثقيف الأشخاص بشأن خطورة انبعاثات غازات ثاني اكسيد الكربون وأهمية ايجاد حل لهذه المعضلة. وقد يصبح استهلاك الطاقة ذات الانبعاثات الكربونية العالية أمراً محضوراً في المجتمعات المتقدمة التي تمتلك أنظمة تعليم جيدة. أعود وأكرر، فإن توفير التعليم الجيد للفتيات على وجه الخصوص، سيمكن السيدات من ايجاد فرص عمل جيدة، وتأخير الحمل، وانجاب عدد أقل من الأطفال. ولعل التجارب في اسيا الشرقية، وأوروبا الغربية، وامريكا الشمالية خير دليل على ذلك. وسيعمل هذا العامل بشكل طبيعي على وضع قيود أمام الزيادة السكانية العالمية، وبالتالي سيؤدي الى خفض ابنعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون، وإن كان بطريقة غير مباشرة.

“الجنس صديق البيئة” من أجل المناخ

لا يوجد حل بعينه لمشكلة تغير المناخ، ولا توجد عصاة سحرية لتحقيق التوازن اللازم لخفض تركيز انبعاثات غازات الدفيئة في الجو. بيد أن الفصل بين الجنس والانجاب (جماع المرأة دون حدوث الحمل) يشكل فرصة غير مستغلة، من شأنها الحد من وقوع كارثة مناخية.

وما هو مسَّلمُ به، فإن معالجة ظاهرة التغير المناخي ستحتاج الى نطاق عريض من النهج. فلا بد من تطبيق سياسات الوقاية، والقيام باستثمارات كبيرة لتطوير تقنيات الطاقة المتجددة والارتقاء بها. وثمة فرصة أخرى – طالما غفل عنها الكثير – تكمن في ضمان حصول كل سيدة على المعلومات والوسائل التي تساعدها على الفصل بين الجنس وانجاب للأطفال. واذا ما نظرنا الى أي دولة في العالم تنفذ فيها برامج تنظيم الأسرة بشكل جيد، لوجدنا أن الزوجين يفضلان انجاب عدد أقل من الأبناء في تلك الدولة. إذ يترتب على ذلك فوائد صحية للأسرة بأكملها ويزداد نصيب الفرد من مصادر الأسرة، وتتقلص البصمة الكربونية للزوجين.

ولعل أهم المعادلات الموجودة في عالمنا اليوم هي معادلة (I=PAT )التي أتى بها العالمان جون هولدرن، الذي يشغل حالياً منصب مستشار الرئيس أوباما للعلوم والتكنولوجيا، وعالم البيولوجي بول ايهرليش. في هذه المعادلة، يرمز الحرف I إلى كلمة Impact وتعني الأثر على البيئة، بينما يرمز الحرف P الى كلمة Population ، وتعني بالعربية السكان. أم حرف A فيرمز الى كلمة Affluence ، وتعني بالعربية الوفرة، أما الحرف T فيرمز الى كلمة Technology وتعني بالعربية التكنولوجيا.أما التكنولوجيا فهي سلاح ذو حدين من شأنه زيادة أو تخفيف الأثر البشري على البيئة – لكن الوفرة والسكان يتسببان في إحداث أثر مضاعف. بمعنى آخر، تؤدي الوفرة الى زيادة الاستهلاك والتلوث. وزيادة عدد السكان تعني مزيداً من البصمات الكربونية في الغلاف الجوي. لكن هناك ثمة تداخل في الأمر: فبما أن انبعاثات الفرد الواحد في الدول الغنية اعظم عن غيرها في الدول ذات الدخل المنخفض، فإن تفادي حدوث الحمل غير المقصود في الدول ذات نسبة الانبعاثات الأعلى سيكون نفعه أعظم على المناخ من تفادي حدوث الحمل غير المقصود في الدول ذات نسبة الانبعاثات المنخفضة.

ورغم إقرار الكثير بأثر الزيادة السكانية على البيئة، تجد هناك من يقول بأن النمو السكاني ليس أمراً واقعاً. ففي الدول الصناعية، كان لدى العائلة العادية في منتصف القرن 19 ما بين 6 أولاد فأكثر. أما اليوم، تنجب العائلات في نفس هذه الدول متوسط 2.4 طفل (قرب مستوى الاحلال). ومؤخراً انخفضت معدلات الولادة في بعض الدول النامية بشكل سريع ملحوظ، كما هو الحال في إيران، حيث شهدت معدلات الولادة انخفاض من أكثر من 5 حالات ولادة الى الى أقل من 3 في غضون سبعة أعوام. وانخفضت معدلات الخصوبة في تايلند من 6 أطفال الى متوسط 3.5 في غضون 12 عاماً، وذلك اثر انتشار خدمات التنظيم الطوعي للأسرة والاجهاض الآمن – في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية احتاجت الى 58 عاماً لتنفيذ هذه النقلة في القرن التاسع عشر.

ولا ينبغي ان تكون النهج الإلزامية، مثال سياسية الطفل الواحد في الصين والتعقيم (الاعقام) القسري في الهند، جزء من برامج تنظيم الأسرة. ولكن عندما تُحرم المرأة من المعلومات والوسائل التي تساعدها على الفصل بين الجنس والانجاب فإن الحمل نفسه حينئذ يكون قسرياً. لذلك لا يجب أن تكون خدمات تنظيم الأسرة، بدء من عملية تصميمها وانتهاء الى تنفيذا، مجرد اخبار الزوجين عما ينبغي عليهما فعله؛ ولكن المهم هنا هو تحقيق رغبة الزوجين. والخبر السار هو ان هناك العديد من برامج تنظيم الأسرة في جميع أنحاء العالم تهتم بتحقيق رغبات الزوجين بالفعل. وعلى وجه التحديد، فإن تلك البرامج تؤيد حق المرأة في تحديد عدد ابنائها ومتى تلدهم.

ويترتب على تنفيذ برامج تنظيم الأسرة منافع كبيرة بالنسبة للمناخ. فقد أظهرت دراسة متأنية نفذها برنامج تطوعي لتنظيم الأسرة في كاليفورنيا أن تنظيم الأسرة يعد من الطرق الأكثر فعالية من حيث التكلفة للحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. وبحسب الدراسة، فإن إنفاق نحو 24 دولار على طاقة الريح يحول دون انبعاث طن متري من غاز ثاني أكسيد الكربون، وعلى نفس المنوال فإن إنفاق نحو 51 دولار على الطاقة الشمسية يمنع انبعاث نفس الكمية السابقة. ولكن في المقابل فإن انفاق 7 دولارات فقط على تنظيم الأسرة يحقق نفس النتيجة.

الدروس المستنبطة من منطقة الساحل. يعتبر تنظيم الأسرة كوسيلة للتخفيف من تغير المناخ فكرة مألوفة الى حد كبير، في حين أن تنظيم الأسرة بهدف التكيف مع تغير المناخ لا تبدو كذلك. ولكن هذا غير صحيح. لأن تغير المناخ يؤثر سلبياً على بعض المحاصيل الأساسية، ويفاقم من انعدام الأمن الغذائي في أجزاء من العالم. ولكن وبحسب دراسة أجريت عام 2012 والتي حددت نمط تغير المناخ والانتاج الغذائي والنمو السكاني في أثيوبيا، فإن تحقيق انخفاض في معدل الخصوبة بحلول عام 2050 قد يعوض بالكامل عن الآثار السلبية للتغير المناخي على الزارعة في اثيوبيا. (كلما قل اجمالي عدد السكان زادت عدد السعرات الحرارية المتاحة لكل فرد.) ولعل ما هو أدهى من ذلك قول بعض القرويات في اثيوبيا من أنهن يفضلن العائلات الصغيرة لأن ذلك يساعدهن على التعايش مع الآثار السلبية للتغير المناخي. بينما تقول السيدات في النيجر أنه كلما صغر حجم العائلات، انخفضت حجم المنافسة على الطعام خلال موسم القحط.

وينبغي ان يعير المهتمون بقضية مصير البشرية ازاء تغير المناخ اهتماماً بالغاً لأقوال وأفعال تلك السيدات. فالنيجر واثيوبيا تنتميان الى دول منطقة الساحل، اذ تقعان على الحدود الجنوبية شبه القاحلة من الصحراء الكبرى. وقد عانت هذه المنطقة خلال فترة السبعينات والثمانينات من القحط والمجاعة – لتصبح منطقة الساحل بذلك في مقدمة دول العالم التي تعاني من تغير المناخ الناجم عن سلوك البشر. وفي الوقت الراهن تتسبب الزيادة غير المسبوقة في النمو السكاني وزيادة كثافة دورات الجفاف في تقويض جهود الأمن الغذائي والتنمية بالمنطقة. وفي هذه المنطقة فإنه من بين كل سيدة تستخدم وسائل منع الحمل، هناك ثلاث او اربع أخريات يرغبن في زيادة المسافة الزمنية بين مرات الحمل لديهن او الحد من عملية الانجاب لكنهن لا يستخدمن وسائل منع الحمل.

وفي أشد البلدان فقرا، فإنه من المرجح أن يأتي الأثر الصافي لتباطؤ النمو السكاني على هيئة زيادة في انبعاثات الكربون – لأن الأوضاع الاقتصادية ستتحسن وبالتالي ستزيد كمية الاستهلاك. وما تلبية احتياجات المرأة من وسائل منع الحمل في الدول الأقل نموا والأخرى ذات معدلات الخصوبة المرتفعة الا خطوة ممهدة نحو التنمية، من شأنها  أن تنتشل ما يقرب من مليون شخص من براثن الفقر المدقع. وفي الوقت ذاته وعلى الصعيد العالمي، فإن تحقيق متوسط توقعات الأمم المتحدة لعدد السكان بنهاية القرن الحالي – خلافا للتوقعات المرتفعة – من شأنه أن يحول دون انبعاث أكثر من 7 ملايين طن من الكربون سنويا.

وعندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين السكان والبيئة تجد أن الكثير من الرؤوس قد دست في التراب. فبسبب البرامج المأساوية للتنظيم القسري للنسل التي طبقت في فترات متفرقة في الماضي، تجد انه حتى هؤلاء الذين يدركون أثر الزيادة السكانية على البيئة، يخشون من تعرضعم للانتقاد بسبب ارائهم. لذا يجب على القيادات الوطنية ان ينفضوا عن أنفسهم غبار الخوف ويعلنوا صراحة ان البشرية قد فاقت القدرة الاستيعابية للأرض. كما يجب ان تدرك الشخصيات المؤثرة المعنية بشؤون التنمية والموارد الطبيعية والمناخ أنه لا يمكن تحقيق اي تقدم مستدام الا بعد تحقيق التوازن السكاني. وعلى نفس القدر من الأهمية تأتي مسألة ضمان الاستثمار الدولي، بمستوى يتناسب مع احتياجات العالم، بالإضافة الى التنظيم الطوعي للأسرة وتوفير التعليم الجيد للفتيات في سن المراهقة.

وفي أعقاب مؤتمر المناخ بباريس، قد تجد أن مظاهر القلق باتت واضحة لدى العديد من الأشخاص – وتراهم مكتوفي الأيدي ازاء ظاهرة تغير المناخ العالمية. لكن هناك ثمة اسهام بالغ الأهمية يمكن تقديمه من قبل الأزواج في الدول عالية الاستهلاك وهو: أن يأخذوا بعين الاعتبار موروثهم الكربوني عند تنظيم أسرهم.

المناخ: مجرد سبب اخر يفرض على القارة الأفريقية إبطاء نموها السكاني

هناك من ينظر الى اي جهد يبذل للحد من النمو السكاني على أنه "تحديد النسل". وهذا المصطلح يعيد الى الاذهان على نحو مفزع التدخل القسري للدولة للتحكم في السلوك الانجابي للأفراد. فقلما طُبقت برامج تحديد النسل دون ان يترتب على ذلك أضرار أخلاقية غير مقبولة.

بيد أن هناك ثمة فرق بين برامج تحديد النسل القسرية التي تفرضها الدولة وبين جهود ابطاء النمو السكاني السريع. اذ تستهدف برامج تحديد النسل سلوك الأفراد في حين تعمل جهود ابطاء معدل النمو السكاني من خلال  الأطر المجتمعية القائمة، وتهدف الى احداث التغيير طواعية.

ويعتبر حجم السكان وتركبيته من بين العوامل الرئيسة لتغير المناخ. وسواء كان عدد السكان 7 مليار او 14 مليار فان ذلك في جميع الأحوال يؤثر بشكل اساسي على المناخ. ولكن العلاقة بين السكان وصحة الكوكب ليست سوية. فحين يولد طفل، وليكن مثلا في أمريكا الشمالية، فإن اثار التلوث الكربوني المرتبطة به ستكون اعظم من أثار نظيره من نفس الفئة العمرية، المولود في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وتشهد المناطق التي تعاني من اثار تلوث كربوني شديد بطء في معدل النمو السكاني مقارنة بغيرها. كما تشهد العديد من الدول – بما في ذلك اليابان، وروسيا، ومعظم الدول في أوروبا الشرقية – نمو سكانياً سلبياً. ولكن هذا ليس هو الحال في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. فخلال الفترة بين عام 1950 و 2000 شهد النمو السكاني زيادة ملحوظة من اقل من 180 مليون نسمة الى اكثر من 642 مليون نسمة. ومنذ عام 2000 زاد عدد السكان بمعدل النصف ليصل الى مليار نسمة تقريباً. ومن المتوقع ان يزيد عدد السكان في افريقيا جنوب الصحراء الكبرى الى أكثر من الضعف، اي الى 2.1 مليار نسمة – وبعد ذلك بخمسين عاماً ستصبح المنطقة موطناً لنحو 4 مليارات نسمة تقريبا. وبحسب هذا السيناريو، فإن اثنين من بين خمسة أشخاص بحلول عام 2100 سيكونون افارقة من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وتعد نسبة البصمة الكربونية في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ضيئلة. بيد أن النمو السكاني السريع التي تشهده تلك المنطقة بات أثره واضحاً جداً على البيئة. فالأنظمة البيئية مثل الغابات الاستوائية المطيرة، تتدهور بوتيرة سريعة. كما أن الممارسات الزراعية الخاطئة تحدث آثار سلبية على استخدام التربة. هذا بالإضافة الى النقص الملحوظ في التنوع البيولوجي. وجميع هذه الآثار قابلة للتفاقم إذا ما استمرت الزيادة السكانية في أفريقيا على النحو المتوقع.

ويولي صانعوا السياسة الأفارقة اهتماماً بقضية النمو السكاني السريع الذي تشهده المنطقة – ولعل الدافع الأهم لذلك هو ظاهرة التغير المناخي. ففي أفريقيا، قد تتسبب زيادة الطلب على الخدمات الأساسية – دون زيادة مقابلة في المصادر لتلبية هذه المطالب – في تحميل البنى التحتية فوق طاقتها. وهذا ما يجعل أي حكومة متعاقبة في المنطقة تبدو اقل كفاءة عن سابقتها. وقطاع التعليم خير مثال على زيادة الطلب على الخدمات العامة. فبحسب تقديرات منظمة اليونيسكو، ستكون منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بحاجة الى نحو 2.1 مليون مدرس اضافي للمرحلة الابتدائية، ونحو 2.5 مليون مدرس إضافي للمرحلة الاعدادية لتغطية احتياجاتها الشاملة للمرحلتين الابتدائية والاعدادية بحلول عام 2030. في الوقت ذاته سيزيد الطلب على توفير الوظائف والسكن وغيرها من الضروريات الأساسية بسبب النمو السكاني السريع. ويتضح مما سبق أن القادة السياسيين في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يواجهون تحديات ضخمة بسبب النمو السكاني السريع.

ويساور الزعماء السياسين القلق بشأن النمو السكاني لتخوفهم من ان تتسبب الزيادة السكانية في انعدام الأمن والاستقرار. اذ يسهل على المتطرفين استقطاب مناصرين لهم في الشرائح السكانية الأكبر – خاصة شريحة الشباب الذين خُيبت أمالهم بسبب سوء التعليم وتدني الوظائف وانعدام الخيارات أمامهم.

كما يهتم الزعماء بقضايا السكان بسبب امكانية حدوث ما يعرف باسم "العائد الديمغرافي" —  وهو عبارة عن تحسن في المناحي الاقتصادية للدولة عندما تزيد نسبة السكان ممن هم في سن العمل عن نسبة المعالين والأصغر سناً.

لذلك لا عجب عندما تكون قضية التغير المناخي غير محورية في نقاشات صانعي السياسية الأفارقة عن الزيادة السكانية. لكن ما هو مصدر القلق الرئيس الذي يجب ان يؤخذ في الحسبان بالنسبة للأربعة مليارات نسمة من الأفارقة المتوقع وجودهم بحلول عام 2100؟

القضية إذا لا تكمن في قدرة أفريقيا، وهي القارة ذات الثلاث مليارات هكتار، على استيعاب هذا العدد الكبير من الناس. حتى اذا بلغ عدد سكان افريقيا 4 مليارات نسمة، فإن نسبة الأشخاص لكل وحدة من الأراضي الصالحة للسكن ستكون أقل بكثير عن النسبة الحالية في الهند. ولكن السؤال الهام هو : اي نوع من البشر سيكون هؤلاء الأربعة مليارات نسمة من الأفارقة؟ هل سيكونو فقراء، ومرضى، وأميين، يسحق بعضهم البعض من أجل النجاة؟ أم أنهم سيكونوا أصحاء، ومتعلمين، ومنتجين، فرحين بالعيش في قارتهم التي هي مسقط رأسهم، مساهمين في الازدهار والتقدم الاقليمي (والعالمي)؟ الأهم من ذلك، كيف تستيطع أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تحويل مستقبلها الديمغرافي بحيث يمكن التحكم فيه ويكون ذا منحى انمائي وجدوى اقتصادية – مع الاحترام الكامل لحرية الأشخاص في مسألة الانجاب.

تستطيع الدول الأفريقية تغيير مساراتها الديمغرافية والتنموية الى الأفضل اذا ما سعت بقوة نحو تنفيذ ثلاث إجراءات رئيسة تتعلق بالسياسات. الأول يكمن في توفير خدمات تنظيم الأسرة إلى جميع السكان، والتي اثبتت فعاليتها في خفض عدد المواليد حتى في الشرائح السكانية الفقيرة وغير المتعلمة والريفية. فزيادة بقدر 15 نقطة مئوية في معدل انتشار وسائل منع الحمل، كفيلة في احداث انخفاض بمعدل مولود لاجمالي عدد المواليد للمرأة العادية. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يمكن ان تؤدي زيادة بنسبة 45 نقطة مئوية في استخدام وسائل منع الحمل الى خفض معدل الخصوبة الكلي من 4.7 الى 1.7، وهذا من شأنه خفض معدل النمو السكاني للمنطقة الى ما دون مستويات الإحلال.

اما الاجراء الثاني فيكمن في بذل الجهود لتأخير سن الزواج والحمل. فالسيدة التي تضع مولودها الأول في سن الخامسة عشر سيكون عدد أولادها عندما تبلغ العقد السادس اكثر بنسبة 25 % من الأخرى التي تضع مولودها الأول في سن العشرين. وكلما تأخر سن زواج الفتيات، زادت فرصهن في تنمية ذاتهن – وبالتالي ينعكس ذلك ايجابيا على الدولة بأسرها.

ام الاجراء الثالث الهام فيكمن في مد توفير فرص التعليم للفتيات الى ما بعد المرحلة الابتدائية.  فقد ثبت أن المرأة التي تحظى بمزيد من فرص التعليم في مقتبل العمر يكون لديها في العادة عدد أقل من الأبناء. علاوة على ذلك تساهم زيادة الحصيلة التعليمية في مساعدة المرأة على تحقيق دخل لها – وهذا تحديدا ما تحتاجه الدول النامية لتحقيق التنمية الاقتصادية. وسيؤدي تنفيذ هذه المبادرات السياسية الثلاث الى تحقيق انخفاضات في معدل النمو السكاني اكثر استدامة وكفاءة (وسريعة بوجه خاص) مما يمكن أن تحققه أية إجراءات حكومية قسرية.

قد يكون هاجس وصول عدد السكان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الى 4 مليار نسمة بحلول عام 2100 مدعاة للقلق – ولكن في الوقت ذاته يمكن أن يكون مصدر الهام للاضطلاع بالتزامات الاستثمار في الفرص التعليمية للبنات، وزيادة توفير خدمات تنظيم الأسرة، وتأخير سن الزواج. هذه الخطوات من شأنها احداث تغيير ايجابي للقارة. اذ من شأنها احداث التنمية وتعزيز النمو الاقتصادي بالإضافة الى الحد من الاضرار الديمغرافية التي تسهم في تفاقم ظاهرة تغير المناخ. وفي حين ان جهود افريقيا في الحد من النمو السكاني ستسهم في تحسين الحياة على كوكبنا، الا انه ينبغي ان لا ننسى ان الجناة الأكبر المشتركين في سباق تدمير الكوكب هي تلك الدول ذات البصمات الكربونية الأثقل. ولا بد من من اتخاذ مبادرات عالمية لدعم الدول الأفريقية في جهودها نحو التحقيق العائد الديمغرافي والاستثمار في هذه الشأن.

Round 2

ايها الأفضل للمناخ: الحوكمة الرشيدة أم الجنس صديق البيئة؟

يخلط الأشخاص أحياناً بين مفهومي معدل النمو السكاني وحجم السكان في مناقشاتهم حول دور السكان في ظاهرة التغير المناخي. وهذان المفهومان مرتبطان ببعضهما بطبيعة الأمر، بيد أنهما يختلفان اختلافاً كبيراُ عندما يتعلق الأمر بخيارات السياسيات الرامية الى تخفيف أثر  العامل السكاني على تغير المناخ.

هذا الخلط في المفاهيم كان واضحاً في المقال الأول للسيد وانج هايبان في هذه المائدة المستديرة. صحيح ان معدل النمو السكاني للصين، كما يذكر وانج في مقاله، بلغ نسبة 1.25 في الفترة بين 1987 و 2000 – ثم انخفض الى 0.56 في الفترة بين 2000 -2014 . ولكن يخطأ السيد وانج في تقليله من دور العامل السكاني في زيادة انبعاثات غازات الدفيئة وذلك عندما يقارن النمو المتسارع لانبعاثات غاز الدفئية في الصين بنموها السكاني المتباطئ. حيث يتغاضي السيد وانج عن حقيقة ان حجم السكان في الصين بلغ 1.09 في عام 1987 – وزاد ليصبح 1.27 في عام 2000 الى أن وصل الى نحو 1.37 مليار في عام 2014. اذ يعتبر ذلك زيادة كبيرة في حجم السكان، حتى وان كان معدل النمو السكاني في السنوات الأخيرة ابطأ عنه في السنوات الماضية. والحقيقة ان زيادة حجم السكان له نفس أثر معدل النمو السكاني في زيادة انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون في الصين.

من المؤكد ان البصمة الكربونية للصين كانت لتصبح اكثر وطأة اليوم لولا الانخفاض في معدل النمو السكاني الذي بدأ منذ الثمانينات. ويدعي الحزب الشيوعي الصيني  أن سياسة الطفل الواحد حالت دون حدوث 400 مليون حالة ولادة – وهذا الرقم اكبر من ارقام الأعداد السكانية في كل دولة من دول العالم باستثناء الهند والصين نفسها. وهذا لا يعني انه يمكن قبول سياسة الطفل الواحد. لكن ورغم ذلك، لا يمكن انكار أن هذه السياسة حققت االنفع الكبير للبيئة دون غيرها من السياسات في العالم.

رغم ذلك، هناك ثمة خبر سار وهو ان معدلات النمو السكاني يمكن السيطرة عليها بسياسات تحترم حق الانسان في عدد مرات الانجاب، على عكس سياسة الطفل الواحد. ولكن لاتوجد اخبار سارة بالنسبة للحجم الحالي للسكان، ذلك أنه من المستحيل انقاصه الا من خلال اجراءات غير واردة على الاطلاق مثل القتل الجماعي او الابعاد القسري.

هذا ما يجعلني اتفق مع قول السيد وانج في مقاله الاول من "ان افضل طريقة للحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون يكون من خلال تغيير السلوك – وليس الحد من الزيادة السكانية". واتفق معه لأن الحد من الزيادة السكانية، تحت اي ظرف كان، يعد امراً غير أخلاقياً، بل ويرقى الى كونه جريمة. في حين أن الحد من معدل  النمو السكاني يمكن تحقيقه من خلال توفير خدمات تطوعية لتنظيم الأسرة في كل دول العالم، وتأخير سن الزواج وتحسين تعليم الفتيات . هذه العوامل الثلاثة هي أكثر الحلول نجاعة، وتعود بالنفع الكبير على الأفراد والمجتمعات والبيئة. وحقيقة، وبما اننا في اطار مناقشة تغيير السلوكيات من اجل المناخ، فإنني أعتقد أن أيسر الحلول من بين ما ذكر أعلاه يكمن في مساعدة المرأة على تجنب الانجاب غير المخطط له.

لقد أظهر وانج اقتناعاً كبيراُ في قدرة الحوكمة الرشيدة على معالجة ظاهرة تغير المناخ – وفي قدرة الأفراد على سلك الطرق التي تنفع البيئة بعدما تحررهم الحوكمة الرشيدة من آفة العوز. ولكنه يبالغ كثيرا في تناوله لهذه النقطة. فعلى سبيل المثال، يقول وانج في مقاله انه "كلما كانت الحوكمة سيئة، ترتب على زيادة حجم السكان المزيد من التلوث، في حين ان الزيادة السكانية في المجتمعات التي تنعم بالحوكمة الرشيدة تسهم في زيادة فرص اكتشاف الأشخاص لحلول مبتكرة تساعدهم في التغلب على التحديات التي تواجهم". واعتراضي على تأصيله هو حقيقة ان نسبة التلوث في الدول الغنية اكبر عنها في الدول الفقيرة، وان نسبة حدوث التلوث في المجتمعات الاكثر عددا اكبرعنه في المجتمعات الأقل عدداً.

ولا يمكن انكار حقيقة ان معالجة قضية تغير المناخ تتطلب حوكمة رشيدة لأنظمة الأرض. وبالمثل، فإن القضاء على الفقر يتطلب إقامة حوكمة سياسية رشيدة من بين أمور أخرى. ولكني أرى أن  معالجة تغير المناخ والقضاء على الفقر في آن واحد ستكون ايسر بكثير عندما يتم توفير خدمات تحديد النسل للأسر في كل مكان بالعالم وتزويدهم بالأدوات التي تساعدهم على تطبيق فكرة ممارسة العلاقة الجنسية دون انجاب.  ومما لا شك فيه ان القضاء على مسببات حالات الحمل غير المخطط له يعد مكوناُ رئيساً في إقامة اقتصاد صديق للبيئة من شأنه انتشال الناس من براثن الفقر والحيلولة دون حدوث العواقب الوخيمة المترتبة على تغير المناخ.

لذا فإنني أعتقد أن مفهوم الجنس صديق البيئة الذي تروج له  زميلتي اليشا جريفز هو الأقوم. فلما لا نطبقه!

الحوكمة الرشيدة الحل الرئيس لمشكلة تغير المناخ

من الضروري ان يستهلك البشر الموارد الطبيعية من أجل البقاء، ولذلك فهم يتسببون في انتاج الملوثات الكربونية. وكلما زاد حجم السكان، زادت حجم الانبعاثات الكربونية وزادت معها أثارها المدمرة على البيئة.

ونظرتي هذه حول العلاقة بين السكان وابنعاثات الكربون تشاؤمية بما لا يدع مجالا للشك – ويبدو ان زميلي في هذه المائدة المستديرة يشاطرونني الرأي ذاته.

بيد أن الخيار الأكثر تفاؤلاً يكمن في الفكرة بأن البشر انفسهم، بحسب  كلمات الاقتصادي الراحل جوليان سيمون، هم "المَورِد المطلق". وقد يذهب المتفاؤلون الى القول بأنه على الرغم من أن الناس يستهلكون الموارد الطبيعية ويتسببون في حدوث التلوث، الا انه في النهاية يكون نفعهم فيما يفعلونه أكبر من الضرر الناتج عن استهلاكهم لهذه الموارد الطبيعية. وسيتمكن الناس في نهاية المطاف من ايجاد الحلول للتغلب على مشاكل التلوث- بل سيتمكنون من تحويل الملوثات الى مصادر ذات قيمة.

وهذان الرأيان المتعارضان يشتركان في أمر واحد: وهو أن كلاهما استبداديين. وعادة ينطوي على تطبيق الحلول الاستبدادية على قضية النمو السكاني ظهور العديد من الاشكاليات.

في الصين، على سبيل المثال، نفًذَ القادة السياسيون على مدار عدة عقود مضت مجموعتان من السياسيات ذات صلة بالسكان. وعلى الرغم من اختلافهما الشديد الا انهما اشتركا في كونهما استبداديين ويترتب على تنفيذها بعض الإشكاليات.  ففي ظل حكم مياو زيدونج، اعتبرت الحكومة الصينية انه كلما زاد حجم السكان اصبح الشعب اكثر اقتداراً وقوة. لذلك وضعت الحكومة سياسات تسمح وتشجع الأسر على انجاب المزيد من الاطفال. ولكن وفي اواخر السبعينيات ومع بداية الثمانينيات غيرت الحكومة من توجهها، معتبرة ان الزيادة في حجم السكان شكلً عبأ على الاقتصاد الوطني والبنية الاجتماعية. لذلك نفًذَت بكين سياسة الطفل الواحد القسرية – والتي ثار بشأنها جدلاً واسعاً وقوبلت باستياء عام. وفي عام 2010، وبعد ان ادركت الحكومة أن عدد السكان المسنين يزيد بمعدل سريع وان العائد الديمغرافي آخذ في الانخفاض، أجرت تعديلاً تخفيفياً على سياسة الطفل الواحد بسماحها للأزواج بإنجاب طفلين – بشرط ان يكون أحد الزوجان الطفل الوحيد في أسرته. وبعد ذلك بفترة خففت القيود أكثر ونفذت سياسة "طفلان لكل أسرة".

وحقيقة،  فإن النمو السكاني قد تكون له فوائده القيمة فيما يتعلق بالتخفيف من اثار تغير المناخ وقد يكون بمثابة عائق امام ايجاد حل لهذه المشكلة. والعامل الرئيس في قضية تخفيف اثار تغير المناخ يكمن في تطييق الحوكمة الرشيدة في المجتمعات من عدمه.  

ففي ظل الحوكمة السيئة، يترتب على زيادة عدد السكان حدوث مزيد من التلوث على الأرجح. وطالما كان الأمر مجرد صراع من أجل البقاء، لن يكون امام الناس سوى خيار واحد وهو استهلاك الموارد الطبيعية المتاحة امامهم، دون النظر الى اية عواقب ناجمة عن استهلاكهم غير المستدام والتلوث الناجم عن طريقة استهلاكهم للأشياء.  فإذا كان الفحم ، وخاصة ذاك النوع الردئ، هو ارخص انواع مصادر الطاقة المتاحة ، سيتهلكه الناس دون اية اعتبارات.  علاوة على ذلك، فان شعوب البلدان المفتقرة الى الحوكمة الرشيدة يرون ان الموارد ستشح في المستقبل، وهم لا يثقون في قدرة المجتمع على رعايتهم عندما يتقدم بهم العمر. لذلك، وبسبب خوفهم على وضعهم في المستقبل، يعمدون الى انجاب مزيد من الابناء وهم في مرحلة الشباب، وهذا يؤدي الى حدوث نمو سريع في حجم السكان.

في المقابل، وفي ظل الحوكمة الرشيدة، تسود حالة من الاستقرار بالمجتمعات. وتكون المواد الضرورية متاحة بوفرة. وبكل تأكيد يتسبب ذلك في زيادة انبعاثات ثاني اكسيد الكربون في الوقت الراهن. ولكن وفي الوقت ذاته فإن ذلك سيفسح المجال امام الناس لحل المشاكل والاسهام في الرفاهية المستقبلية. قد لا يكون الناس هم "المورد المطلق" دائماً كما يريدهم سيمون. ولكن اذا ما تم تحقيق الاستفادة القصوى من الموهبة والمعرفة البشرية سيكون بوسع الناس توسيع نطاق الموارد القابلة للاستخدام باستمرار وتحقيق الاستفادة القصوى من المورد ، مع خفض نسبة التلوث في ذات الوقت – بما في ذلك التلوث الناجم عن انبعاثات الكربون. في مجتمعات كهذه، فان زيادة اعداد السكان تزيد من فرص اكتشاف الحلول الناجعة للتحديات التي تواجههم. وتحرر الحوكمة الرشيدة الناس من مشاعر الخوف والقلق، وتمنحهم الوقت والموارد، على سبيل المثال، لاستبدال الوقود الاحفوري بمصادر الطاقة ذات الانبعاث الكربوني المنخفض.

وبما ان جزء من ظاهرة الاحتباس الحرري على الاقل من صنع الانسان، فلا بد ان يغير الأفراد من سلوكهم بطرق معينة. ولا ينبغي القاء اللائمة على العوام في حدوث ظاهرة التغير المناخي. فالسبب الرئيس يكمن في الحوكمة السيئة. وما يجب احتوائه حقا هي مشلكة الافتقار الى الحوكمة الرشيدة وليس النمو السكاني.

لذلك، في حين تروج زميلتي اليشا لفكرة "الجنس صديق البيئة" كعامل رئيس للتخفيف من ظاهرة تغير المناخ، أرى انه من الافضل الترويج لفكرة "الإدارة العامة صديقة البيئة"، والتي تشمل توفير التعليم الجيد وانظمة الرفاء الاجتماعي. وارى ان تطبيق الإدارة صديقة البيئة في جميع انحاء العالم من انجع الحلول التي يمكن تطبيقها للتخفيف من اثار تغير المناخ دون غيره.

تنظيم الأسرة: العامل الأسرع للحد من انبعاثات الكربون

في العديد من مجالات السياسة الوطنية، لا بد من تحقيق الموازنة بين مصالح الشعب بأسره وحقوق الأفراد. والأمر ذاته ينطبق على العلاقة بين تخفيف آثار تغير المناخ وتنظيم الأسرة – اذ كيف يمكن للدول خفض انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون مالم يكن هناك ما يمنع الأفراد من انجاب الأطفال كما يحلو لهم؟ لكن الحقيقة أعمق من ذلك. فالعديد من الأفراد ينجبون مزيداً من  الأطفال على عكس ارادتهم، وبالتالي من الضروري توفير الوسائل اللازمة لهم لتنظيم أسرهم، وهذا في حد ذاته من شأنه مساعدة الدول على احتواء اجمالي انبعاثات الكربون لديها.

في الجولة الأولى من المائدة المستديرة، ذهب  اليكس ايزيه الى القول بأن " الجناة الرئيسيون المشتركون في سباق تدمير الكوكب هي تلك الدول ذات البصمات الكربونية الأعلى". وأنا كأميركي، اعترف بأن بلدي مدانة بهذه التهمة الموجهة اليها. في عام 2011 (وهو العام الذي يتيح البنك الدولي اخر الاحصائيات بشأنه في هذا الصدد)، بلغت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للفرد الواحد في الولايات المتحدة 17 طناً مترياً. اي أكثر من ضعف المتوسط العالمي للفرد. ومن ناحية أخرى، فإن حوالي نصف حالات الحمل في الولايات المتحدة غير مقصودة – واعتبارا من عام 2008، فإن 60 % من حالات الحمل كانت ناجحة. وفي ظل هذه الظروف، ينبغي أن تظهر الولايات المتحدة التزاماً سياسياً أكبر ازاء قضية تنظيم الأسرة – وينبغي أن تضع قضية تنظيم الأسرة ضمن العناصر الرئيسة لسياستها الوطنية بشأن المناخ. لأنه حينما تخفق الولايات المتحدة في تقديم التشجيع الكافي لقضية تنظيم الأسرة، فإنها بذلك تفوت على نفسها فرصة عظيمة للتخفيف من آثار المناخ وتسلب الناس قدرتهم على اتخاذ القرارات الفردية بشأن حجم أسرهم.

من جهة أخرى، يركز السيد وانج هايبن أفكاره المتعلقة بالتخفيف من آثار المناخ على 'الحكم الرشيد للكربون"،' حيث كتب يقول أن الطريقة المثلي للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تكمن في  تغيير سلوكيات [الأفراد المتسببة في زيادة انبعاثات الكربون]- وليس في الحد من الزيادة السكانية.' ومن المفهوم تماما أن وانج يشكك في امكانية تخفيف آثار تغير المناخ من خلال تنظيم الأسرة. وعلى كل،  فإن سياسة الطفل الواحد في الصين – والتي ظلت قائمة لمدة 35 عاماً حتى استبدلت بسياسة الطفلين في أواخر العام الماضي- كانت سياسة قسرية. وقد ترتب علي تنفيذ هذه السياسية بعض العواقب المأساوية للأسر الصينية، لا سيما وأد المواليد والتعقيم القسري، فضلا عن التحديات الوطنية في تأمين الخدمات الاجتماعية للمسنين.

ولكن عندما يكتب وانج عن 'الحد من الزيادة السكانية،' فإنه يبدو وكأنه يريد أن يقول أنه لا يمكن خفض نسبة الخصوبة الا بإجراءات تنطوي على انتهاكات لحقوق الانسان. ولكن الواقع ليس كذلك، ولعل التجارب في دول مثل تايلند وايران وتونس خير دليل على ذلك.  وبالفعل، فإن نموذج 'الحد من الزيادة السكانية' – والذي ينم عن وجود تحكم خارجي على ارادة الانسان – ينبغي إحلاله بنموذج يضمن الحرية وحق الاختيار الشخصي (وهي المسائل التي تناولها ايزيه ببلاغة في الجولة الأولى من الدائرة المستديرة). فالمرأة التي تستخدم وسائل منع الحمل لا تحد من فرص حملها فحسب، ولكنها ايضا تمارس حقها الشخصي في تحديد حجم أسرتها. وعندما تفعل ذلك، فأنها تدرك حجم الفوائد الصحية لنفسها ولأطفالها وتخفف الضعوط على البيئة أيضاً. وما اروع ذلك اليوم عندما نرى المدافعون عن حقوق المرأة  والبيئة، والعاملون في مجال الصحة العامة يعملون جنبا الى جنب لاغتنام الفرصة المتمثلة في توفر خدمات تنظيم الأسرة للجميع على مستوى العالم.

وقد كتب وانج عن دور الحكومة الرئيس في تشجيع استخدام الطاقة النظيفة. وقد ربط وانج بين بتقديم خدمات تنظيم الأسرة، ودورها في تحقيق فاعلية الحكم الرشيد – اذ تساهم خدمات تنظيم الأسرة في تيسير الحياة وتوفير المتلطلبات بثمن ارخص، ولكنها ليست شرطا ضروريا. ومما هو مؤكد، فإن البلدان التي لديها معدلات خصوبة أعلى تجدها أقل البلدان نمواً، وأكثرها فساداً،  وأسوأها حكماً. ولكن هذا لا يمكن اعتباره عذراً لتأخير تقديم خمات تنظيم الأسرة الى حين ظهور الحكم الرشيد – على العكس من ذلك، فإن المعدلات المفزعة لوفيات الأمهات والرضع في أقل البلدان نمواً  تتطلب تطبيق برامج تنظيم الأسرة في الحال. وفي حال افتقرت الدول إلى الحكم الرشيد، تصبح قدرة المرأة على الفصل بين الجنس وانجاب الأطفال بمثابة مسألة حياة أو موت. وعندما توفر برامج الصحة العامة للمرأة تلك القدرة، فإنها لن تمكنها من ممارسة حقها في تحديد حجم أسرتها فحسب – بل انها ستسهم اسهاماً كبيرا ازاء خفض الانبعاثات في المستقبل القريب.

قد يسأل البعض ماذا أعني "بالمستقبل القريب"؟ حسنا، عندما لا يتم الحمل غير المقصود اليوم بسبب استخدام وسيلة لمنع الحمل، فهذا يعني أنه قد نقص من  العالم احد مسببي انبعاث الكربون خلال فترة زمنية قدرها 40 اسبوعا فقط- — وهي نفس مدة الفترة الكاملة للحمل.

Round 3

الانفصال الزماني والمكاني لأسباب وآثار تغير المناخ ودوره في تقويض الجهود

إذا قلنا أن اجمالي عدد السكان يزيد بمعدل شخص – او عشرة أشخاص – فإن ذلك لا يشكل فرقاً كبيراً ذو أهمية بالنسبة لمشكلة تغير المناخ. لكن اذا ضربت هذا الرقم في مليار، فإن الفرق حينها يكون مؤثراً. وهذه الحقيقة قد تبدو بديهية. لكنها ليست كذلك بالنسبة لزميلي في هذه المائدة المستديرة وانج هايبان، الذي تجاهل تأثير العامل السكاني على المناخ بتأكيده على دور الحوكمة الرشيد في التصدي لظاهرة تغير المناخ.

وفي مقاله الأخير من هذه المائدة المستديرة كتب وانج يقول بأنه "من الخطأ المبالغة في دور العامل السكاني في حدوث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون" لأن "سلوك الانسان هو السبب الأساسي للعديد من المشاكل مثل مشكلة ظاهرة تغير المناخ". وانا أجد من الصعب الاختلاف معه في قوله الثاني. فالسلوك الإنساني بالفعل هو العامل الأهم في احداث التغير المناخي. فسلوك الانسان داخل غرفة النوم يحدد حجم النمو السكاني. كما أن سلوك الانسان على طاولة الطعام يحدث تغييرا في نمط الأنظمة الزراعية، اذ انه يحدث تغييرات في استخدام الأراضي ويؤدي الى فقدان التنوع الحيوي. كما ان سلوك الانسان في التنقل اليومي الى العمل يؤدي إلى زيادة البصمة الكربونية. وتساهم السلوكيات العادية للبشر في اجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تصل سنوياً الى نحو 36 مليار طن. فسلوكيات البشر باختلاف مستوياتها – سواء على المستوى الفردي او المستوى العالمي – تضر الأنظمة الطبيعية التي تعتمد عليها الحياة. وفي حين يسعى الأشخاص نحو ايجاد الحلول للمشكلة البيئة التي اقترفتها ايديهم ولا يزالون يتسببون في حدوثها، فإنه لا ينبغي تجاهل أيا من مستويات السلوك البشري.

أقر ان من السذاجة الاعتقاد بأن خدمات تنظيم الأسرة، اذا ما تم توفيرها على مستوى العالم، ستكون بمثابة الحل السحري لمشكلة تغير المناخ. لكن من السذاجة ايضاً القول بأن حجم السكان ومعدل النموم السكاني لا يشكلان عاملاً ذو أهمية في حدوث انبعاثات ثاني اكسيد الكربون. فإذا ما سلمنا الى القول بأن الأشطة البشرية هي المسبب الأول للتغييرات في الأنظمة الطبيعية للإرض – وهي كذلك بالفعل – فلا يمكن المجادلة بالقول ان الحجم السكاني ومعدل النمو السكاني لا يشكلان عاملاً ذو أهمية في حدوث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. فلا تعني الزيادة البسيطة في الحجم السكاني اي شئ لكن حينما تكون الزيادة بالمليارات فإن الأمر حينها يختلف اختلافاً كلياً.

من الهام توفير خدمات تنظيم الأسرة الطوعي في جميع انحاء العالم لأن الفائدة الأولى التي تترتب على هذه الخدمات تتمثل في الحد من فرص الحمل غير المقصود – اذ ان 40% من حالات الحمل السنوية التي يبلغ عددها تقريبا 213 مليون حالة تكون غير مقصودة.

وهذه المشكلة لا تخص العالم المتقدم وحده؛ لكن رغم ذلك، فإن معدلات الحمل غير المقصود أعلى لدى الدول المتقدمة اقتصادياً. ويكون الاجهاض عادة آمناً وقانونيا في هذه الدول، لذلك فإن حالات الحمل غير المقصود لا يترتب عليها بالضرورة حالات ولادة غير مقصودة (او فقد لحياة السيدات). ولكن مع الأسف الشديد، فالأمر ليس كذلك في العديد من الدول النامية في افريقيا وآسيا وامريكا اللاتنية ودول الكاريبي.

وكما ذكرت في مقالي الأول من هذه المائدة المستديرة، لا يجب ان تشتمل اولويات التنمية في أفريقيا على توفير خدمات تنظيم الأسرة فحسب، ولكن يجب أن تتضمن ايضاً زيادة في فرص تعليم الفتيات، وبذل الجهود لتأجيل سن الزواج والحمل. فهذه الأولويات من شأنها خفض معدل الزيادة السكانية للقارة ومن شأنها ايضاً التصدي للعديد من التحديات البيئية،  مثل تغييرات استخدام الأراضي، وفقد الغابات الأستوائية ، وفقد التنوع الحيوي، وظاهرة التصحر. واذا ما تضاعف الحجم السكاني للقارة الأفريقية على مدار الـ35 المقبلة، فسيكون من الصعب عليها التصدي لهذه التحديات بفعالية.

وثمة أعمال يتعين على الدول ذات البصمة الكربونية العالية القيام بها. اذ ينبغي لهذه الدول تطبيق الحوكمة الرشيدة التي يدعو لها زميلي وانح، واثبات اهميتها في معالجة مشاكل البيئة. وفي الغالب تفشل القرارات التي تتخذ على مستوى الفرد والشركات بل وحتى على مستوى المجتمع في ايجاد حل للضرر البيئي المترتب على المكاسب الافتصادية الحالية. ويعد الفقراء ودول العالم النامي  — والأجيال المقبل بوجه عام، الخاسر الأكبر من الأضرار التي تلحق بالبيئة. وتنفصل أسباب وآثار تغير المناخ انفصالاً زمانياً ومكانياً، وهذا الانفصال يقوض الجهود الرامية للوصول الى وفاق عالمي للمحافظة على البيئة.

 وفي كل الأحوال لا يملك البشر سوى كوكباً واحداً. فليختلفوا كما يشاؤون، فهم في النهاية مشتركون في مصير واحد.

العامل السكاني: ليس السبب الرئيس في مشكلة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون

لا اعترض على فكرة "الجنس صديق البيئة" التي ايدها زملائي في هذه المائدة المستديرة، اليشا جريفز، واليكس ايزيه  – اذا كان المقصود منه ان تقوم الجهات المسؤولة في المجتمعات بمساعدة الزوجين على امتلاك الوسائل والمعلومات الضرورية للاستعداد للحمل او تجنبه. لكني لا زلت أصر بأنه من الخطأ المبالغة في تضخيم دور العامل السكاني كسبب رئيس في حدوث ابنعاثات ثاني أكسيد الكربون.

وحقيقة فإن الحجم السكاني يتسبب في جزء بسيط فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وهناك عوامل أخرى عديدة اكبر أهمية من العامل السكاني يجدر تناولها في جهود التصدي لظاهرة تغير المناخ. وعلى أيه حال، فإن كان من شأن الجنس صديق البيئة خفض النمو السكاني إلا أنه لا يضمن على الإطلاق  ان يكون سلوك الأشخاص صديق للبيئة خارج حجرة النوم. ويعتبر السلوك صديق البيئة، بمفهومه الواسع، اكثر العوامل أهمية للتخفيف من ظاهرة تغير المناخ والتكيف معها.

وربما اتضحت فكرتي اكثر اذا ما أجريت مقارنة بسيطة بين التلوث الكربوني والمرض المتوطن – الذي يعتبر في حد ذاته شكلاً من أشكال التلوث من منظور معين. فالتلوث الكربوني والمرض المتوطن يتسببان في تدهور بيئة الانسان. وكلاهما يشكلان تهديداً للصحة والحياة. ولكن خطر المرض المتوطن لا يزيد بالضرورة مع النمو السكاني. والدليل على ذلك هو ان عدد السكان في زيادة مستمرة – ولكن بسبب التطور الكبير في علم الصحة والدواء حوصرت العديد من الأمراض الخطيرة مثل الجدري والملاريا أو قضي عليها. والبشرية اليوم ابعد بكثير من خطر الأمراض المعدية مما كان عليه الحال في القرون الماضية ولنقل على سبيل المثال عندما اودى مرضى الطاعون الدبلي بحياة ثلث سكان أوروبا.

ويرتبط التقدم في مجال الصحة العامة والدواء ارتباطاً وثيقاً بالحوكمة الرشيدة، التي اكدت على أهميتها مؤخراً في هذه المائدة المستديرة. فالحوكمة السيئة تسمح بانتشار نطاق المرض المتوطن وزيادة التلوث الكربوني بلا هوادة. كما تتسبب أيضاً في مشاكل اكثر خطورة من المشاكل المترتبة على الانفجار السكاني. من الناحية الأخرى، وفي ظل الحوكمة الرشيدة، يمكن تخفيف أعباء المجتمع رغم الأعباء السكانية المؤقتة.

ومن المسلًمِ به، وبما أن العالم ليس "مسطحاً" ولن يكون هكذا في يوم من الايام، فإنه يصعب تحقيق الحوكمة الرشيدة في بعض المناطق أكثر من غيرها. ففي بعض الدول الفقيرة في أفريقيا واسيا الغربية، تتضائل احتمالية تحقيق الحوكمة الرشيدة بعكس الحال في دول الاقتصادات الناشئة. ولا يعتبر التلوث الكربوني مشكلة خطيرة في افريقيا واسيا الغربية، لكن الأمراض المتوطنة وتوفر مياه الشرب النقية واستنزاف الأراضي الصالحة للزراعة هي المشاكل الغالبة في هذه المناطق. وبالنسبة لشعوب تلك المناطق تعتبر اشكال "التلوث" هذه اكثر خطورة بكثير من التلوث الكربوني.

من الجيد طرح افكار مثل فكرة "الجنس صديق البيئة" والتي قد تساعد في مواجهة ظاهرة التلوث الكربوني. ولكني ارى بأن الحل لمشكلة تغير المناخ يكمن في البنى الاقتصادية والاجتماعية التي تحددها الحكومات الى حد كبير – وعلى وجه الخصوص حكومات الدول العظمى. فالحكومات وحدها هي اليتي يقع على عاتقها المسؤولية الكبرى في انشاء انظمة تعمل بالطاقة منخفضة الانبعاثات الكربونية مثل الطاقة النووية. في عام 2014 بلغت نسبة الطاقة النووية المستخدمة 4.4 بالمئة فقط من اجمالي استهلاك الطاقة الأولية في العالم. واذا ما ارتفعت هذه النسبة ولنقل الى 40 بالمئة –  وهي تقريبا حصة الطاقة النووية من استهلاك الطاقة الأولية في فرنسا في الوقت الراهن – مع تطوير مصادر الطاقة الأخرى مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية، فستنخفض انبعاثات الكربون العالمية حتى وان زاد عدد السكان بشكل ملحوظ.
 
لا يعتبر العامل السكاني المسبب الرئيس لمشكلة الكربون او أي مشكلة أخرى على سطح الأرض. لكن المسبب الرئيس للمشاكل العالمية، مثل تغير المناخ هو السلوك الانساني الحالي. لذلك لا بد من تسليط الضوء على سلوك الانسان خارج حجرة النوم في جهود التخفيف من اثر تغير المناخ.

الأمور الحقيقية المثيرة للجدل بشأن تنظيم الأسرة والمناخ

لا يمكن استنثاء اية حلول منطقية تهتم بمعالجة ظاهرة تغير المناخ، من ترسانة العالم لحلول تخفيف اثر تغير المناخ. ومما لا شك فيه ان قضية تنظيم الأسرة تستحق ان توضع في اولويات تلك الحلول بسبب التداعيات الكبيرة للعامل السكاني وارتباطه بزيادة الانبعاثات في المستقبل.  ونظراً لأن العامل السكاني سيكون العامل الأهم في التسبب بحدوث مزيد من الانبعاثات في النصف الثاني من القرن الحالي عنه في النصف الأول، ربما يجبر صانعوا السياسات على الإبقاء على خيار تنظيم الأسرة في مقدمة الحلول ذات الأولوية. على جانب آخر لا بد من ابطاء معدل النمو السكاني في القرن الحالي اذا ما أردنا تحقيق التغيرات السكانية المطلوبة لاحقاً. وهذه هي طبيعة الزخم السكاني.

في الغالب الأعم، يتعامل صانعوا السياسات مع  قضية تنظيم الأسرة في نقاشاتهم على أنها من الأمور المحظورة، ولا يٌتَطًرَقٌ اليها عند صياغة السياسات. وليس هذا بسبب عدم إدراكهم بأهمية العامل السكاني ودوره في انبعاثات غاز الكربون. بل العكس من ذلك تماماً – فقد حددت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي السلطة الأولى في العالم المعنية بتغير المناخ، خدمات الصحة الانجابية والتي تشمل خدمة تنظيم الأسرة، من بين أهم الحلول المتاحة التي يمكن استغلالها "لتقليل انبعاثات [الملوثات المغيرة للمناخ] وتحسين الصحة في ان واحد".  ورغم تلك الحقيقة لا يتم التطرق الى قضية تنظيم السكان في النقاشات المتعلقة بالمناخ رغم أهميتها. وفي تقرير جديد صادر عن البنك العالمي، بشأن تغير المناخ والفقر، على سبيل المثال، ذُكِرَتٌ عبارة النمو السكاني عشرة مرات اما كعامل مساهم في مشكلة تغير المناخ او كحجر عثرة امام تمكين الدول الفقيرة من التكيف مع المناخ. لكن واضعي هذا التقرير الذي جاء في 70 صفحة لم يتطرقوا الى وسائل منع الحمل البتة رغم ذلك.  وفي مقالي الأول من هذه المائدة المستديرة قلت أن حتى هؤلاء الذين يدركون أثر الزيادة السكانية على البيئة، يخشون من تعرضعم للانتقاد بسبب ارائهم. لكن الأمر الحقيقي المثير للجدل يكمن في استبعاد مسألة تنظيم الأسرة الطوعي باستمرار  وعدم وضعها ضمن التوصيات الرامية الى التخفيف من اثر تغير المناخ والتكيف معه، رغم وجود دليل كبير على اهمية الدور الذي يلعبه تنظيم الأسرة الطوعي.

نقلة ثورية.  كتب زميلي وانج هايبان في هذه المائدة المستديرة  ان شعوب البلدان المفتقرة الى الحوكمة الرشيدة "يستثمرون لمستقبلهم بانجاب مزيد من الابناء وهم في مرحلة الشباب". وانا عادة  اشكك في صحة هذه المزاعم –  فهي ترتكز على الثقة المفرطة للاقتصاديين في رشد السلوك البشري.  فممارسة الجنس لا يكون عادة فعلاً رشيداً. بل هي غريزة حيوانية ورثها الانسان من أسلافه القردة.

ويكون عدد أفراد الأسرة كبيراً عند الأزواج العاديين ( الزوج المكون من ذكر وأنثى) كناتج طبيعي للنشاط الجنسي العادي بينهما. ويستطيع معظم الأشخاص تجنب انجاب عدداً كبيراً من الأطفال باتباع تدابير وقائية ملائمة على مر العقود.  ورغم ذلك، تخفق أحياناً وسائل منع الحمل، لذلك تحتاج السيدات الى خدمات الإجهاض الآمن حتى لا يتعرضن للخطر أثناء محاولة اجهاض حملهن المتكرر غير المخطط له بالطرق الأخرى. والفكرة القائلة برجاحة انجاب المزيد من الأطفال هي، بحسب قول زميلي مارثا كامبل ومالكولم بوتس، مجرد سراب، تراه فقط ان كنت تعتقد ان العالم ملىء بأشخاص مثلك يستطيعون اتخاذ قرارات سهلة يمكن تنفيذها بشأن إنجاب الأطفال من عدمه وموعد الانجاب.

وتعد مسألة الاستهلاك عاملاً اخر اساسياً في معادلة المناخ، وهو مثل ممارسة الجنس، يعتبر من الأمور غير الرشيدة. فمنذ وقت بعيد  يتعرض الأشخاص في المجتمعات الغنية الى مغريات التسويق التي تهدف الى التأثير على سلوكهم. حيث تولد لديهم تلك المغريات غرائز عارمة تدفعهم الى استهلاك ما هو دون حاجتهم.  وينتج عن ذلك اثار تدميرية على المناخ. ومع التوجه الحالي لمعظم دول العالم  نحو التنمية، الى متى ستظل نسبة البصمات الكربونية في الدول النامية أدنى عنها في الدول المتقدمة؟

وتكمن انجع الاستجابات لظاهرة تغير المناخ وأصعبها على الإطلاق في كبح جماح الاستهلاك المفرط. فكل ما نحتاجه بالفعل هو حدوث نقلة ثورية في علم الاقتصاد لانقاذ الكوكب –  نقلة ثورية تبدأ بتعريف النجاح بأمور أخرى غير الثروة المادية. واذا كان النموذج الاقتصادى العالمى لا يحترم الحدود التى يفرضها المحيط الحيوى، يصبح من الضروري تغييره.

ان كوكب الارض مجرد جزيرة صغيرة تتحرك في فضاء  غير محدود، وقد آن الآوان لاعتراف البشر بهذه الحقيقة.



Topics: Climate Change

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]