تصحيح البيانات الخاطئة
By Maria José Espona: AR |
تفشي مسببات الأمراض الناشئة، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان، ليست مجرد قضايا صحية فحسب. إنها تمثل تحديات على عدة أبعاد أخرى— قانونية وسياسية واقتصادية وعسكرية. إن المراقبة المحسّنة للأمراض هي في صميم التغلب على العديد من هذه التحديات.
تستلزم مراقبة الأمراض جمع معلومات عن الانتشار الحالي والسابق للأمراض في دول ومناطق محددة وتوفير السياق اللازم لفهم انتشار الأمراض الجديدة، وتحديد، من بين أمور أخرى، ما إذا كانت الأمراض طبيعية أو من صنع الإنسان. ويتم جمع الجزء الأكبر من هذه المعلومات من قبل منظمات الصحة الوطنية، والتي تحيلها إلى كيانات مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الصحة للبلدان الأمريكية، ومراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها. حيث يتم تصنيف المعلومات في قواعد للبيانات ونشرها. لكن هذه المعلومات ليست دائما صحيحة.
لقد عملت بشكل وثيق مع إحصاءات الأمراض لأكثر من عقد من الزمان. لكن للأسف، وجدت أن المعلومات حول انتشار المرض، سواء في العالم المتقدم أو النامي، غالبا ما تحتوي على تناقضات. على سبيل المثال، قامت الأرجنتين والبرازيل وبوليفيا بالإبلاغ عن حالات من حمى الضنك منذ بضع سنوات بينما لم تفعل باراجواي. من الناحية الجغرافية وانتقال المرض، فإن هذا الأمر كان مستحيلا. لم يُحل هذا التناقض حتى قدمت باراجواي أرقاما محدثة.
إحصاءات المرض الخاطئة تكون مقلقة للغاية في عالم يسهل فيه السفر الدولي وتتسم الرقابة على صحة الركاب بالتراخي. أصبحت الاحصاءات الخاطئة مصدر قلق نتيجة لأن التحضر خلق مناطق فقيرة للغاية حيث يتيح الازدحام والنظافة الصحية غير الملائمة والأطعمة منخفضة القيمة الغذائية بيئة لنمو الأمراض. كما تمثل الإحصاءات غير الدقيقة عائقا رئيسيا أمام المبادرات الوطنية في كل من الصحة العامة والدفاع. إذا كنت لا تستطيع أن تقول بكل ثقة ما هى الأمراض التي توجد في بلدك، كيف يمكنك وضع خطة استراتيجية لمحاربة المرض؟ وكيف يمكنك قياس تأثير الأمراض على سكان بلدك؟ كيف يمكنك منع الأشخاص المؤذيين من إحداث أضرار بواسطة مسببات الأمراض القاتلة؟ إن وجود بيانات أفضل عن انتشار المرض هو أمر ضروري لمساعدة الباحثين في أداء وظائفهم بفعالية أكبر والوفاء بالالتزامات تجاه آليات مثل اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية والسمية. إذا أردنا إنشاء نظم أكثر فعالية لمراقبة الأمراض، لا بد من إجراء تحسينات ضرورية في مجالين رئيسيين هما: المجال القانوني والمؤسسي، والمجال التعليمي.
يوجد بالفعل إطار قانوني ومؤسسي دولي للأمراض الناشئة، يتكون من جانب للصحة وآخر للأسلحة. بالنسبة لجانب الصحة، تشرف منظمة الصحة العالمية على الجهود المبذولة لمكافحة العديد من الأمراض. أما بالنسبة لجانب الأسلحة، فإن اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية والسمية وبروتوكول جنيف ومجموعة أستراليا (كيان غير رسمي لمراقبة الصادرات) تهدف جميعها إلى منع تطوير الأسلحة البيولوجية. لكن هناك تداخل كبير بين المجالين، على سبيل المثال، الحمى الصفراء وحمى الضنك هما ذات صلة بكلا الجانبين: الصحة والأسلحة. وهذا يؤدي إلى جهد مضاعف، لأن الأفراد والمؤسسات المسؤولين عن الإبلاغ عن الأمراض يجب عليهم في معظم الأحيان إبلاغ البيانات إلى كيانات متعددة. وبالتالي سوف تظهر احتمالات زيادة تناقض البيانات. يمكن معالجة هذه المشاكل إذا قامت مؤسسات الصحة والأسحلة الدولية باعتبار مراقبة الأمراض كنقطة طبيعية للاتصال بين مساعي كلٍ منهما.
لكن بغض النظر عن مدى تقارب التنسيق بين المنظمات المعنية بالصحة والمنظمات المعنية بالأسلحة، ستظل البيانات حول تفشي الأمراض معيبة إذا كان المهنيون الصحيون المحليون— كما هو الحال غالبا— يفتقرون إلى التعليم والتدريب اللازمين لأداء واجباتهم في مراقبة المرض. تفتقر أحيانا الدول وكذلك المهنيون الصحيون إلى القدرة على تحديد الأمراض. إذ أنهم أحيانا لا يفهمون بوضوح ما هى الأمراض التي ينبغي الإبلاغ عنها، أو ما إذا كان عليهم الإبلاغ عن حالات فردية أو حالات التفشى الكبرى فقط. وقد يكونوا غير متأكدين ما إذا كان الإبلاغ عن جميع الحالات أو الوفيات فقط. وربما يكون لديهم التباس حول ما إذا كان يجب تقديم التقارير سنويا أو شهريا أو عند وقوع حادث مثير للقلق.
الخبر السار هو أن هذه المشاكل يمكن حلها من خلال تحسين تعليم المهنيين والمسؤولين الصحيين. أما الخبر السيئ فهو أن الجهد المبذول على الصعيدين الدولي والوطني لتحسين التعليم ضئيل للغاية. يجب على الكيانات الدولة مثل منظمة الصحة العالمية وضع برامج تربوية لمعالجة هذه المشاكل ومراقبة أدائها وتنسيق جهودها مع المبادرات الوطنية ذات الصلة. ولكن الجهود غير الهرمية يمكن أن تكون مفيدة أيضا. على سبيل المثال، قامت جامعة برادفورد بتطوير أدوات مميزة يمكن استخدامها لتدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية على أمور مثل إبلاغ البيانات إلى اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية والسمية. يتطلب خلق عالم أكثر أمانا من مسببات الأمراض الناشئة أن يقوم اللاعبون بدورهم على جميع المستويات—من الحكومات البلدية إلى الحكومات الوطنية ومن المنظمات الإقليمية إلى المنظمات العالمية—لتحسين نظم مراقبة الأمراض والإبلاغ عنها.