عبء حقوق الملكية الفكرية

By Carlos M. Correa: AR, February 26, 2015

يتطلب التوسع في أنظمة الطاقة منخفضة الكربون في الدول النامية نشر التقنيات ذات الصلة في التوقيت المناسب. غير أن نسبة كبيرة من هذه التقنيات، وبخاصة الأكثر كفاءة وحداثة منها، تخضع لحقوق الملكية الفكرية— لا سيما لبراءات الاختراع الخاصة. وهذا يعني أنه، من حيث المبدأ، لا يمكن استخدام التقنيات المحمية إلا إذا وافق أصحاب الحقوق على نقلها، ويكون ذلك خاضعا إما لدفع عوائد أو رسوم وإما لممارسات تقييدية تعاقدية مثل قيود التصدير في أغلب الأحيان.

يجادل المدافعون عن حقوق الملكية الفكرية بأن براءات الاختراع لا تخلق عائقا أمام اعتماد أنظمة الطاقة منخفضة الكربون في الدول النامية بسبب وجود العديد من الموردين المحتملين لهذه التقنيات— وأن براءات الاختراع تعطي حافزا قويا لتطوير تقنيات جديدة. هذه الحجة تغفل بعض الحقائق الرئيسية. أولا، تأثير حوافز براءات الاختراع يعتمد بقوة على السياق؛ إذ إن براءات الاختراع لا تشجع على الابتكار في الدول التي تكون قاعدتها الصناعية أو التقنية ضعيفة. ونتيجة لذلك، نجد أن الشركات العاملة في الدول المتقدمة تمتلك الأغلبية الساحقة من براءات الاختراع المتعلقة بتقنيات الطاقة منخفضة الكربون. ثانيا، ومن منظور سياسي، فإنه لا ينبغي أن يكون الهدف من نظام الحوافز هو مجرد تشجيع الابتكار، لكن أيضا ضمان أن تكون التقنيات الجديدة متاحة لجميع الدول. وتتضح حقيقة ذلك بشكل خاص عند الحاجة إلى معالجة تحديات عالمية مثل تغير المناخ. وعندما يتردد أصحاب الحقوق في نقل تقنياتهم الخاصة—غالبا لأنهم يخشون من تمكين منافسيهم المحتملين، حينها يفشل نظام الحوافز في ضمان إمكانية الوصول لتلك التقنيات.

ثالثا، قد يكون الأمر أن هناك قطاعات معينة من أنظمة الطاقة منخفضة الكربون تتسم بإمدادات متنوعة من التقنيات. لكن في الوقت نفسه، انتشرت براءات الاختراع بشكل كبير في السنوات الأخيرة؛ فهناك العديد من براءات الاختراع تغطي التطورات البسيطة أو التافهة وربما تم استخدامها لمنع الابتكار الحقيقي والمنافسة. على سبيل المثال، خلصت دراسة— أجريت عام 2010 على عديد من المجالات ضمن نطاق التقنيات السليمة بيئيا بما في ذلك الطاقة الشمسية الكهروضوئية والطاقة الحرارية الأرضية وطاقة الرياح واحتجاز الكربون— إلى أن طلبات براءات الاختراع التي تم تقديمها في هذا الصدد بلغت حوالي 400 ألف طلب على مستوى العالم. كما قدّرت دراسة أخرى أنه تم تقديم حوالي 215 ألف طلب براءة اختراع كان تركيزها الرئيسي على تطبيقات الطاقة المتجددة في الفترة ما بين 1998 و2008 على مستوى العالم.

إن أحد مظاهر الانتشار الهائل لبراءات الاختراع هو "غابة براءات الاختراع". ويشير هذا المصطلح إلى الحالة التي تكون فيها مجموعة من براءات الاختراع— والتي قد تصل إلى الآلاف في بعض الأحيان— حول تقنية معينة مملوكة لصاحب حق واحد أو عدد من أصحاب الحقوق. ويرجع انتشار هذا النوع لسببين. أولا، تستخدم بعض الشركات استراتيجيات براءات الاختراع التي تهدف إلى الحد من المنافسة. ثانيا، في بعض الأحيان تطبق مكاتب براءات الاختراع معايير متساهلة حيث تكتفي فقط بإجراء تحليل سطحي عندما تقوم بتقييم ما إذا كان الاختراع المقدّم مستوفيا لمتطلبات الإبداع والإبتكار والتطبيق الصناعي.

يجادل المدافعون عن حقوق الملكية الفكرية أيضا بأنه نادرا ما يتم تقديم أو منح براءات اختراع تتعلق بالتقنيات السليمة بيئيا في الدول النامية الأكثر فقرا. وبالتالي، لن تمثل براءات الاختراع أي عائق أمام حصول هذه الدول على تلك التقنيات. في الواقع، أشارت دراسة أجراها برنامج البيئة للأمم المتحدة ومكتب براءات الاختراع الأوروبي عام 2013 إلى أن 1٪ فقط من طلبات براءات الاختراع المتعلقة بالطاقة النظيفة على مستوى العالم تم تقديمها في أفريقيا. يبدو أن هذا يقوض المزاعم القائلة بأن حقوق براءات الاختراع تمثل عائقا أمام الحصول على التقنيات. المشكلة في هذا المنطق هو أنه يجب على الدول الأفريقية، بقدراتها التصنيعية والتقنية الضعيفة، أن تعتمد على ما يتم انتاجه في مناطق أخرى. فإذا منع أصحاب براءات الاختراع إنتاج معدات منخفضة التكلفة في دول مثل الصين والهند— حيث تقدم طلبات براءات الاختراع بشكل فعال خلافا لما يحدث في أفريقيا— قد تصبح الدول الأشد فقرا غير قادرة بأي حال على الحصول على التقنيات التي تحتاجها.

لذا من أجل تخفيف الأعباء التي يضعها نظام الملكية الفكرية العالمي أمام الدول النامية، تستطيع الحكومات في كل من الدول المتقدمة والنامية أن تعزز الابتكار خارج هذا النظام— في الواقع، يمكنها أن تدعم تطوير التقنيات من أجل الصالح العام. تستطيع الحكومات أيضا أن تقلل من انتشار براءات الاختراع من خلال تطبيق معايير أكثر صرامة بشأن تقييم طلبات براءات الاختراع. وأخيرا، يمكنها منح تراخيص إجبارية— أي أنه يمكنها أن تأذن لأطراف ثالثة باستخدام تقنية حاصلة على براءة اختراع شريطة قيامهم بدفع تعويض لصاحب الحق.

من الممكن أن يتم منح التراخيص الإجبارية—المسموح بها صراحة بموجب القانون الدولي— لأي سبب تقتضيه المصلحة العامة، بما في ذلك عندما يرفض صاحب الحق الترخيص طوعا باستخدام تقنية معينة بشروط تجارية معقولة أو عندما يرفض استغلال براءة الاختراع في الدولة التي منحته تلك البراءة. في الولايات المتحدة، تخضع آلاف من براءات الاختراع للتراخيص الإجبارية من أجل معالجة الممارسات الاحتكارية أو من أجل استخدام الحكومة أو من تتعامل معهم من المقاولين الفرعيين. يجب على الدول النامية، أينما رأت ذلك مناسبا، استخدام التراخيص الإجبارية لضمان الحصول على احتياجاتها من التقنيات منخفضة الكربون.



Topics: Climate Change

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]