The authoritative guide to ensuring science and technology make life on Earth better, not worse.

مسارات إلى الأمام لمجموعة موردي المواد النووية

ddroundtable.png

تتبوء مجموعة الموردين النوويين (NSG ) مكانة غير تقليدية في نظام منع الانتشارالنووي: هذه المكانة لم تكن بتفويض من معاهدة حظر الانتشار النووي ولكن ربما تكون دعت الحاجة اليها نتيجة لهذه المعاهدة، فهذه المجموعة تقرر الدول التي يسمح لها بشراء المواد والتقنيات النووية والدول التي يحظر التعامل معها. لكن مع الاستحواذ الكبير للدول الغنية (وخاصة أوروبا) على عضوية مجموعة موردي المواد النووية، يتبادر الى الدول النامية بوضوح أن آرائهم لا تحظى بتمثيل ملائم في عملية صنع القرار داخل المجموعة. تدعوا هذه المائدة المستديرة ثلاثة خبراء من العالم النامي لتحليل التوتر داخل مجموعة موردي المواد النووية واقتراح حلول للمشكلة. فيما يلي يجيب كلا من راجيف نايان من الهند وكيهان بارزجار من إيران وريموند جوزيه جي. كويلوب من الفلبين على هذا السؤال: كيف يمكن تحسين سياسات مجموعة موردي المواد النووية بحيث تأخذ في الاعتبار بشكل أفضل احتياجات ومرئيات الدول النامية؟

Round 1

وجهة نظر من جنوب شرق آسيا

التقنية النووية تمثل دائما مسألة خلافية. فالدول التي أخذت زمام المبادرة أولا لتطوير وامتلاك التقنية النووية أدركت بصورة واضحة مدى الأخطار التي تشكلها تلك التقنية، وغالبا ما سعت لمنع انتشار هذه الخبرة التقنية على نطاق أوسع. لكن دولا أخرى، إدراكا منها بالفوائد التي قد تجنيها عن طريق التقنية النووية، غالبا ما تحرص على اكتساب تلك الخبرة.

ويزيد من تعقيد هذا الوضع المشحون كل من المفاهيم الخاطئة وعدم الثقة. إذ يمكن أن ينظر إلى الدول التي تمتلك التقنية النووية على أنها ترغب في الحفاظ على تلك التقنية لأنفسها حتى تتمكن من التمتع بمزايا غير عادلة عن بقية الدول الأخرى. وفي الوقت ذاته، الدول التي تحاول تطوير تقنيات نووية قد يشتبه في أنها تضمر دوافعا غير سلمية.

تؤكد معاهدة حظر الانتشار النووي على الحق المتأصل لجميع الدول في الاستخدام السلمي للتقنية النووية، كما تؤكد، في الوقت ذاته، على منع انتشار التقنية والمواد النووية لإنتاج الأسلحة، وعلى قيام الدول التي تمتلك بالفعل أسلحة نووية بنزع أسلحتها. هذه هي أركان المعاهدة الثلاثة، والتي تمثل في مجموعها فكرة واحدة أنشئ على أساسها نظام حظر الانتشار النووي. لكن البعض يجادل بأن هذه الفكرة ظلت على هذا النحو، مجرد فكرة، وأنه لم يتحول أي من هذه الأركان الثلاثة بشكل كامل إلى واقع. ويفسر النجاح غير الكامل للنظام "انتشار" الجهود العالمية والمتعددة الأطراف والإقليمية ودون الإقليمية لمنع انتشار الأسلحة وتعزيز الاستخدام السلمي للتقنية النووية وتشجيع نزع السلاح. ومع ذلك، ينبغي الاعتراف بالتقدم الذي حققته المعاهدة، وإن كان محدودا للغاية في نظر بعض المراقبين. كما ينبغي الاعتراف بقيمة مختلف الجهود المتعددة الأطراف والإقليمية ودون الإقليمية.

على الرغم من أنه لم يتم إلى الآن تسوية القضايا المتعلقة بامتلاك الدول لتقنيات نووية، فإن خطر حصول الجهات الفاعلة غير الحكومية على تقنيات ومواد نووية قد ظهر على الساحة بشكل متزايد. وهذا قد دفع المجتمع العالمي، الذي أعطى بالفعل اهتماما كبيرا للسلامة النووية والضمانات، لتكريس مزيد من الاهتمام لمسألة الأمن النووي. ويزيد من تعقيد هذه المسألة الخطر المحتمل من قيام بعض الدول بإمداد الجهات الفاعلة غير الحكومية بتقنيات أو مواد نووية — سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، عمدا أو عن طريق الخطأ. غير أن الآليات الدولية لمعالجة إمكانية حصول الجهات الفاعلة غير الحكومية على تقنيات أو مواد نووية لا تزال في مراحلها الناشئة. وإذا كانت الآليات التي استخدمت لفترة طويلة لمعالجة امتلاك الدول غير المشروع لتقنيات ومواد نووية لم تنجح بشكل كامل، فلماذا ينتظر من آليات ناشئة في التعامل مع الجهات الفاعلة غير الحكومية أن تثبت أنها أكثر فعالية؟

العرض والطلب. في ضوء ما سبق، إذا أرادت مجموعة الموردين النوويين أن تشكل مجموعة من السياسات تكون أكثر فعالية لمعالجة الانتشار النووي، فيجب أن تتعامل مع عدة قضايا أساسية. أولها، يجب ألا تشعر الدول التي ستبدأ في تنفيذ برامج نووية لأغراض مشروعة بأن سياسات وبرامج وجهود مجموعة الموردين النوويين تهدف إلى تقييدها وكبحها. لكن ذلك، باعتراف الجميع، ليس مهمة سهلة، فمراقبة الصادرات مجال يمكن أن تشكل فيه اختلاف الرؤية حجر عثرة خطير. مؤيدو مراقبة الصادرات، مثل الولايات المتحدة، غالبا ما يؤكدون أن مراقبة الصادرات لا تهدف لتقييد تجارة المواد ذات الاستخدام المزدوج (على الرغم من أن مجموعة الموردين النوويين بذاتها تستلزم أن تخضع المرافق أو الأنشطة التي تستعمل موادا ذات استخدام مزدوج لضمانات تشرف عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية). لكن بين الدول العملاء، هناك إدراك قوي بأن مراقبة الصادرات تقيد حركة التجارة بدون داع. هذه الرؤية تجعل من الصعب، لا سيما في الدول ذات المجالس التشريعية المنتخبة ديمقراطيا، تمرير قوانين مراقبة الصادرات التي تهدف إلى منع إعادة تصدير أوإعادة شحن مواد ذات استخدام مزدوج.

تبرز مثل هذه القضايا في منطقتي — جنوب شرق آسيا- والتي يقال أحيانا أنها تمر بـ "نهضة نووية". بمعنى، أن عدد الدول المستكشفة للطاقة النووية كمصدر إضافي للطاقة لدعم تنميتها الاقتصادية من المتوقع أن يرتفع خلال السنوات القادمة. فيتنام قد تقوم بإنشاء مفاعل نووي بحلول عام 2020 ، كما أن إندونيسيا وماليزيا تفكران جديا في اعتماد الطاقة النووية. في خضم هذا النشاط، من الضروري ألا ينظر إلى مجموعة الموردين النوويين على أنها تقيد طموحات دول جنوب شرق آسيا في امتلاك الطاقة بدون وجه حق.

المسألة الثانية الأساسية لمجموعة الموردين النوويين هي أنه يجب على المجموعة وضع آليات أفضل لضمان أن التقنيات والمواد المقدمة إلى دول لاستخدامها في أغراض سلمية مشروعة لن تحول إلى دول لديها طموحات نووية غير سلمية تماما. (في شرق آسيا، غالباً ما تُعتبر كوريا الشمالية دولة ذات طموحات نووية خبيثة، حيث شاركت في صفقات غير مشروعة كمستورد وربما كمورًد أيضا.. قد يكون من غير المرجح أن تقوم الحكومات التي تتعامل معها مجموعة الموردين النوويين بنقل التقنيات والمواد النووية مباشرة إلى دول لديها دوافع غير حميدة. لكن مع ذلك يمكن أن يحدث التحويل.

ثالثا، وفيما يتصل بذلك، يجب أن تأخذ مجموعة الموردين النوويين في الحسبان احتمالية أن تقوم الدول المعروف عنها تطوير قدرة نووية مشروعة بتوفير التقنية والمواد النووية إلى الجهات الفاعلة غير الحكومية. لكن ذلك يمثل مسألة صعبة في جنوب شرق آسيا. لا توجد دولة في جنوب شرق آسيا يعرف عنها تسامحها مع الجماعات الإرهابية التي حاولت الحصول على مواد نووية، لكن نفاذية الحدود في المنطقة، بالإضافة إلى المقدرة القليلة في مجال الأمن النووي، يجعل من الصعب ضمان عدم القيام بشحنة غير مشروعة أو إعادة شحن مواد نووية.

أكبر أو أقل. لذا، المعضلة أمام مجموعة الموردين النوويين هي الاختيار ما بين التعامل مع عدد أكبر أو أقل من الدول. التعامل مع عدد أكبر من الدول سوف يضمن تطبيق معايير المجموعة الصارمة لحظر الانتشار النووي في أماكن أكثر، لكنه سيزيد أيضا من عدد الطرق التي يمكن أن تحصل من خلالها الدول التي تعمل على الانتشار والجهات الفاعلة غير الحكومية ذات الدوافع الخبيثة على هذه التقنية. في حين أن التعامل مع عدد أقل من الدول سوف يقلل عدد الأماكن التي توفر الحصول على تقنيات نووية، لكنه سوف يعني أيضا أن معايير مجموعة الموردين النوويين ستطبق في عدد أقل من الدول. (على أية حال، إذا اختارت مجموعة الموردين النوويين عدم التعامل مع دول ما فإن هذه الدول ستسعى في الغالب الى امتلاك التقنية النووية من خلال وسائل غير مشروعة.)

ينطوي انتشار التقنية النووية على ديناميكيات معقدة وتفاعل بين القوى المتنافسة. لكن بما أن التقنية النووية قد تم تطويرها بالفعل ولا يمكن تركها من غير استغلال، فينبغي على المجتمع العالمي — بما في ذلك مجموعة الموردين النوويين – مواصلة البحث عن أفضل السبل للتحكم في انتشار هذه التقنية.

اسهامات للسلام والتنمية لا للسيطرة المفرطة

تطلب الإجابة على السؤال الذي تطرحه هذه المائدة المستديرة — وهو كيف يمكن تحسين سياسات مجموعة الموردين النوويين بحيث تأخذ في الاعتبار بشكل أفضل احتياجات ومرئيات الدول النامية؟ — فهم إلى أي مدى استطاعت مجموعة الموردين النوويين تحقيق توازن بين الالتزامات التي تفرضها على الدول النامية والمنافع التي تقدمها لهم في المقابل. وبعبارة أخرى، هل تعزز السياسات التي تتبعها مجموعة الموردين النوويين تلك الأهداف المنصوص عليها في مبادئها التوجيهية لاسيما أنه لا ينبغي أن تسهم التجارة النووية في الانتشار النووي وأنه لا ينبغي عرقلة التجارة والتعاون الدوليين في المجال النووي دون مبرر؟ من الهام جداً عدم عرقلة التجارة النووية المسموح بها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي: فهذه التجارة تعتبر عنصراً أساسياً في نظام منع الانتشار، ولايجب التضحية بالمبادئ التي يقوم عليها النظام بسبب سياسات عدد قليل من الدول.

اتخذت مجموعة الموردين النوويين عدة إجراءات لمنع الإنتشار النووي على مر العقود جاءت جميعها وفقاً لأهداف المعاهدة. ولكن في الوقت نفسه، فرضت المجموعة قيوداً على الدول النامية التي تسعى الى تطوير برامج الطاقة النووية السلمية من أجل التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي فحسب. هذه القيود، في اعتقادي، ترتبط بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة وفرنسا، اللتان تتمتعان بوضع تجاري قوي في السوق النووية، ويهمها الحفاظ على وضعهما.

حماس مفرط وتمييز. يشهد الطلب على الكهرباء في الدول النامية  ﺗﺰﺍﻳﺪﺍً متسارعاً، وهذا بحد ذاته يحفز الاهتمام بالطاقة النووية. ولكن للأسف الشديد، فإن الحماس المفرط المحيط بقضيتي منع الانتشار النووي والأمن النووي العالمي — على الرغم من أنها مخاوف مشروعة — يثبط عملية التقدم النووي في الدول النامية. ويرى البعض أن التوسع العالمي في القدرة النووية أمر محفوف بالمخاطر لأنه ينشر تقنيات لصنع الوقود النووي، وهو الأمر الذي قد يعطي مزيداً من الدول القدرة على تطوير أسلحة نووية. ولكن هذه الحجة تتجاهل صلب المعاهدة. فالمعاهدة تهدف في المقام الأول إلى ضمان منع الانتشار النووي، بينما في الوقت نفسه تتيح على نطاق واسع تقنية برامج الطاقة النووية المدنية. وتميل هذه الحجة أيضاً الى انكار اي دور تلعبه الدول النامية في سوق الطاقة النووية.

لو أنه تم الالتزام بالمبادئ التوجيهية لمجموعة الموردين النوويين بحزم في الماضي، لما كان هناك مجالاً كبيراً للتدابير التمييزية كفرض قيود مفرطة على دولة موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي مثل إيران، ولما أقدمت مجموعة المورديين النوويين على منح الهند استثناء في عام 2008 ، وهي دولة غير موقعة على المعاهدة، يسمح لها بالمشاركة في التجارة النووية. وعلى نحو مشابه بعض الشئ، ظل أعضاء بارزين في مجموعة الموردين النوويين ، من بينهم الولايات المتحدة، صامتين تماماً إزاء برنامج إسرائيل النووي.

في عام 1998 دعا أعضاء حركة عدم الانحياز جميع الموقعين على المعاهدة إلى "حظر نقل جميع المعدات النووية ذات الصلة والمعلومات والمواد والمرافق والموارد أو الأجهزة، وتوسيع نطاق الخبرة والمعرفة أو تقديم أي نوع من المساعدة في المجالات النووية والعلمية والتقنية " الى إسرائيل، نظرا لأنها ليست طرفاً في المعاهدة ولأنها لم تضع أنشطتها النووية تحت ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالكامل. وبعد عقد من الزمان، دعت حركة عدم الانحياز إلى اتخاذ نفس الاجراء مع الهند — لكن الهند كانت قد منحت الإعفاء. إذا هذا يعد تمييزاً نووياً. فالمجموعة تطبق معياراً مزدوجاً، اذ تركز كثيراً على قضايا الانتشار في بعض الدول النامية في حين تنتهج سياسية المعايير المزدوجة عندما يتعلق الأمر بدولة مثل الهند. وهذا يضعف مصداقية المجموعة.

التوازن والتعاون. في الوقت الراهن، يعتبر التحدي الرئيس أمام مجموعة الموردين النوويين هو تحديد كيفية تحقيق التوازن بين الجوانب الاقتصادية والأوجه المتعلقة بالانتشار المترتبين على نقل التقنية النووية، مع عدم مخالفة مبادئها التوجيهية أو أهدافها الخاصة في الوقت ذاته. وتجدر الإشارة إلى أن الدول النامية، عندما انضمت إلى نظام المعاهدة، عولت كثيراً على إمكانية الاستفادة من نقل التقنية النووية السلمية من أجل التنمية وعولت كثيراً أيضاً على إجراء نزع شامل للسلاح من شأنه تعزيز أمنها. ومن ثم، ينبغي على مجموعة الموردين النوويين ان توازن بين تركيزها على الانتشار وبين زيادة تركيزها على الركنين الآخرين من معاهدة حظر الانتشار النووي – وهما نزع السلاح الشامل والاستخدامات السلمية للطاقة النووية. بإمكان مجموعة الموردين النوويين التشجيع على نزع السلاح من خلال توفير المساعدة التقنية الى الدول الحائزة للأسلحة النووية وتعزيز التعاون فيما بينها. مبادرة كهذه من شأنها المساعدة في تبديد حالة عدم الثقة في الدول النامية. اليوم، ومع ذلك، توجد شكوك كبيرة من أن مجموعة الموردين النوويين دعمت مصالح بعض الدول الغربية من أجل الحفاظ على تفوق السلطة القانونية والفنية والسياسية لتلك الدول داخل نظام معاهدة حظر الانتشار النووي. ان اتباع سياسات لها هذا التأثير سيؤدي إلى زيادة الإحباط في الدول النامية، مما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار معاهدة حظر الانتشار النووي.

ينبغي أن تبذل مجموعة الموردين النوويين جهوداً أكبر لتعزيز التعاون الإقليمي في مجال الطاقة النووية. فالدول النامية، والكثير منها خلص إلى أن التنمية المستدامة تعتمد على مصادر متنوعة للطاقة، تولي اهتماماً متزايداً بمجال الطاقة النووية. وهناك أمثلة جيدة على ذلك في الشرق الأوسط. في هذه المنطقة، التي تحول الخلافات السياسية والأيديولوجية بين الدول دون التعاون فيما بينها، تستيطع مجموعة الموردين النوويين تقديم مساهمة قيمة من خلال تسهيل التعاون في مجال الطاقة النووية، بدلا من التركيز الزائد على قضايا الانتشار. وبهذه الطريقة، يمكن للمجموعة المساعدة في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.

التكيف مع القرن الحادي والعشرين

في السنوات التي تلت تأسيسها في عام 1975 ، برزت  مجموعة الموردين النوويين (NSG ) كنظام شامل ومتعدد الأطراف لمراقبة الصادرات على المواد والتقنيات النووية. نظام آخر، وهو لجنة زانجر، عقد أولى اجتماعاته قبل خروج مجموعة الموردين النوويين إلى حيز الوجود بأربع سنوات، لكن  مجموعة الموردين النوويين هي التي أثبتت ديناميكية أكبر وبرزت بوصفها النظام الأنسب منذ نهاية الحرب الباردة.

تأسست لجنة زانجر لمساعدة الدول الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي على فهم القضايا الفنية المتعلقة بعمليات نقل المواد والتقنيات النووية. لكن اللجنة لم تشمل الدول غير الموقعة على المعاهدة؛ وكانت فرنسا إحدى هذه الدول. قامت مجموعة الموردين النوويين، التي أنشئت كعنصر مكمل للجنة، بضم دول مثل فرنسا في نظام المراقبة. (وقعت فرنسا على المعاهدة وانضمت أيضا للجنة زانجر في عام 1992 ).

في موطني الهند، يعتقد كثير من الناس أن مغزى فكرة ضم فرنسا لإطار المراقبة النووية هو تحييد القوة الديجولية لسياسات فرنسا الاقتصادية والتقنية الخارجية. بمعنى، أن فرنسا لطالما قاومت سياسات الدول الغربية تجاه العالم النامي، لذا فقد يمكن تحييد القوة الديجولية في باريس من خلال ضم فرنسا لمجموعة الموردين النوويين. في الهند، ينظر لكل من لجنة زانجر ومجموعة الموردين النوويين على أنهما أنظمة تعمل على حرمان العالم النامي من التقنية – كحواجز غير مرغوب فيها أعاقت تدفق السلع والتقنيات إلى الدول الساعية لتحقيق تنمية اقتصادية من خلال برامج الطاقة النووية السلمية. هناك جزء من الحكومة الهندية والمجتمع المدني لا يزال ينظر لهذه الأنظمة على هذا النحو.

في النادي. طبيعة عضوية أي منظمة تعكس قيمة نظام تلك المنظمة. وأي هيئة أو كيان تنظيمي — سواء كان وطنيا أو دوليا، رسميا أو غير رسمي، كبيرا أم صغيرا – فإن طبيعة عضويتها تعد ضرورية لفعاليتها وتأثيرها. عندما تكون المنظمة دولية، ناهيك عن كونها غير رسمية مثل مجموعة الموردين النوويين، فينبغي أن تكون أهداف المجموعة مقبولة دوليا. ولذلك، من أجل أن تحظى صناعة قرار مجموعة الموردين النوويين بالقبول الدولي، يجب أن تكون عضوية النظام ممثلة للمجتمع العالمي.

ومن المثير للاهتمام، ان عدد أعضاء مجموعة الموردين النوويين ازداد، على الرغم أن المجموعة كانت بالكاد نشطة، إن لم تكن خاملة خلال معظم فترة الحرب الباردة. وبحلول عام 1991 ، ارتفع العدد إلى 27 عضوا من أصل سبعة أعضاء، وكان من بين الأعضاء الجدد بعض دول أوروبا الشرقية. اليوم، تضم مجموعة الموردين النوويين 46 عضوا، لكنها بحاجة لتنويع أعضائها. وتظهر عضوية المجموعة وجود تحيز واضح تجاه دول العالم المتقدم بشكل عام وأوروبا بشكل خاص. يوجد بالمجموعة أكثر من 30 عضوا من الدول الأوروبية: لا تنتمي جميعها إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن هناك عدد قليل منها تم تصنيفها كدول نامية من قبل البنك الدولي. خارج أوروبا، يحظى العالم المتقدم بمزيد من التمثيل من خلال أستراليا وكندا ونيوزيلندا والولايات المتحدة. ومن بين الأعضاء الأربعة في مجموعة الموردين النوويين في آسيا — الصين واليابان وكازاخستان وكوريا الجنوبية – هناك اثنين فقط من الدول النامية. كذلك، يمثل أمريكا اللاتينية الأرجنتين والبرازيل فقط ويمثل أفريقيا دولة جنوب أفريقيا وحدها.

توقع كثير من المراقبين أن القرن 21 سوف يكون قرن القارة الآسيوية. وعلى الرغم من أن عدد قليل من الدول الآسيوية توصف بأنها دول متقدمة اليوم، فإن آسيا، بقواها الصاعدة، هي القارة التي تبشر بتشكيل نظام عالمي جديد. علاوة على ذلك، آسيا قارة تتمتع باقتصادات هائلة وسريعة النمو، والتي من شأنها أن تتطلب قدرا كبيرا من الطاقة — بما في ذلك الطاقة النووية.

منذ فترة التسعينيات، كان انتشار الطاقة النووية ملحوظا في آسيا والدول النامية في مناطق أخرى. ذكر تقرير صدر مؤخرا عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه " من بين 29 دولة تفكر أو تخطيط لامتلاك القدرة النووية في عام 2012 ، يوجد 10 منها في آسيا ومنطقة المحيط الهادئ، و 10 منها في أفريقيا، وسبعة في أوروبا ( معظمها في أوروبا الشرقية)، واثنان في أمريكا اللاتينية." وأظهر  تقرير آخر للوكالة، صدر عام 2008 ، أن " 20 من إجمالي 35 مفاعلا تحت الإنشاء يوجد في آسيا، في حين أن 28 من آخر 39 مفاعل تم توصيلها بشبكات الكهرباء توجد أيضا في آسيا ".  منذ عام 2008 ، طلبت الدول الآسيوية بناء مفاعلات إضافية وقامت بتوصيل عدد قليل منها بالشبكة. كل هذا يدعم بوضوح الحاجة لوجود مشاركة آسيوية أكبر في نظام مراقبة الصادرات النووية.

معارك قديمة وتحديات جديدة. في الفترات الأولى من التوسع في عضوية مجموعة موردي المواد النووية، كانت الدول التي تنتج السلع والخدمات النووية، هي نفسها التي تقرر من هي الدول التي سيسمح لها الحصول على تلك السلع والخدمات. لكن العديد من الدول التي كان لها دور محدود في التجارة النووية حازت عضوية المجموعة منذ ذلك الحين. وفي الوقت نفسه، العديد من الدول القادرة على المساهمة في تحقيق أهداف مجموعة الموردين النوويين تم تركها خارج المجموعة، بل وتعرضت معاملاتها النووية لقواعد صارمة. اليوم، العديد من الدول التي تتقن دورة الوقود النووي ليست أعضاء في المجموعة. وبعض الدول الأخرى، التي قد لا تتقن دورة الوقود النووي بالكامل ولكنها تملك الموارد أو الخبرة النافعة لمرحلة أو أكثر من مراحل دورة الوقود، لم تحز العضوية أيضا.

للمضي قدما، يجب أن تعكس مجموعة الموردين النوويين الاتجاهات الناشئة في مجال صناعة الطاقة النووية العالمية. يجب أن يصبح المنتجون الجدد مراقبين: وإلا، قد تتقوض المجموعة وتصبح قدرتها على تحقيق أهدافها مقيدة بشدة. سيتعين على مجموعة الموردين النوويين اتخاذ قرار بشأن ما ترغب أن تصبح عليه في القرن الحادي والعشرين. هل تريد خوض معارك قديمة أم مواجهة تحديات جديدة؟

لطالما اشتكت الدول النامية من أن أنظمة مراقبة الصادرات متعددة الأطراف تعيق نموها الاقتصادي. اليوم، أصبحت قائمة الرقابة ل مجموعة الموردين النوويين عالمية تقريبا. كثير من دول المجتمع الدولي أصبح لديها وعيا بأن التنمية النووية السلمية والمراقبة المسؤولة للتقنيات والمواد النووية يجب أن يسيرا جنبا إلى جنب؛ وأي عدم توازن بين هذين الأمرين الأساسيين سوف يعرض تطوير الطاقة النووية المدنية للخطر. كما ينبغي أن تبدأ  مجموعة الموردين النوويين في وضع توازن أفضل بين التنمية الاقتصادية والمراقبة النووية. وينبغي أن تقوم المجموعة بإرسال إشارة تفيد بأنها لا تعارض تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية، حتى مع كونها لا تزال تعارض بشدة الانتشار وشبكات الانتشار.

سيتعين على مجموعة الموردين النوويين القيام بتحديد من هي الدول التي ستتخذهم كشركاء، والدول التي ستكون محط نظرها لجهود منع الانتشار النووي. في عام 2004 ، ارتكبت المجموعة خطأ من خلال توسيع عضويتها إلى الصين. صحيح أن الصين قوة اقتصادية صاعدة ولديها خطط كبيرة لتوسيع القدرة للطاقة النووية، كما انضمت بكين لجميع الترتيبات الرئيسة لمنع انتشار الأسلحة النووية. لكن سجل الصين في منع انتشار الأسلحة النووية مثير للريبة: إذ يشتبه الكثير بأنها قامت بتصدير تقنيات ذات صلة بأسلحة الدمار الشامل. وفي الوقت نفسه، ومما يدعوللأسف، أن مجموعة الموردين النوويين لم تشترك مع بعض الدول، مثل الهند، التي تشترك معها في الأهداف، وتلتزم بالمعايير الدولية لحظر الانتشار النووي، وتمتلك قدرات قوية في مجال الطاقة النووية المدنية.

Round 2

مهمة أصلية، أم أهداف موسعة

لم تزدني قراءتي لمقالات زملائي الأولية في هذه المائدة المستديرة إلا تأكيداً على إحساسي أن مجموعة الموردين النوويين أمام مفترق طرق. وكما أصاب راجيف نايان القول، فإنه "سيتعين على مجموعة الموردين النوويين اتخاذ القرار … [اما] بخوض معارك قديمة أو مواجهة تحديات جديدة." في الواقع، فإن الاختيار امام مجموعة الموردين النوويين يتشابه مع الإختيار الذي قد تواجهه أي منظمة في لحظة معينة من وجودها : اما مواصلة مهمتها التي تأسست من أجلها، مخاطرة في الوقت ذاته بالانتقاص من أهميتها، أو التكيف مع بيئة متغيرة، والمخاطرة بالحياد عن هدفها الاساسي. إذا سيطرت مجموعة الموردين النووين بإحكام على الوصول إلى التقنية النووية، وانتشر الوصول الى هذه التقنية رغم الجهود التي تبذلها المجموعة، فإنها قد تفقد بذلك أهميتها. وإذا ما قامت بتوسيع عضويتها أو خففت ضوابط الوصول الى التقنية بشكل مفاجئ، فإنها ستفقد قوتها كنظام فعال لمراقبة الصادرات .

ولأن الغرض الرئيس من انشاء مجموعة الموردين النوويين هو السيطرة على انتشار التقنية والمواد النوويين، فإن المجموعة تٌعنى بشكل عام بقضية منع الانتشار النووي  دون الركنين الآخرين من معاهدة حظر الانتشار النووي — نزع السلاح والاستخدام السلمي للطاقة النووية. ان التركيز على منع الانتشار النووي هو أحد محاور اهتمام مجموعة الموردين النووين ويتعين على المراقبين، بما في ذلك المشاركين في هذه المائدة المستديرة، تقَبٌل ذلك ببساطة. ولأن المجموعة على وجه التحديد هي في جوهرها آلية لمنع الانتشار النووي، تكثر التصورات بأنها تمارس سياسية التمييز النووي. (أصاب كيهان بارزجار في مقاله الأول بقوله أن هذا التمييز حقيقي في بعض الأحيان.) وهذا واقع يجب على مجموعة الموردين النوويين نفسها أن تأخذه على محمل الجد.

ويمكن معالجة هذه التصورات المتعلقة بالتمييز من خلال توسيع عضوية المجموعة. ولكن التوسع قد يكون سلاحاً ذو حدين. ففي حين أن التوسع قد ينشر القيم التي  طالما تبنتها مجموعة الموردين النوويين لتشمل نطاق أوسع من الدول ويجعلها اكثر ملائمة لبيئة استراتيجية تطورت بشكل كبير منذ عام 1975، إلا أنه قد يقوض المجموعة — على سبيل المثال، إذا تصرف عضو جديد على نحو يتعارض مع مبادئ مجموعة الموردين النوويين. ويجب أن نتذكر أن عضوية المجموعة قد توسعت بالفعل بشكل كبير. ولذلك، ربما كان يتعين على المجموعة وضع حزمة واضحة من المؤهلات كشرط للانضمام الى عضويتها، والموافقة على العضوية بناء على هذه المؤهلات. حتى إجراء كهذا، على الرغم من ذلك، لا يضمن أن يتصرف الأعضاء في المستقبل دائما وفقاً لقيم المجموعة. فأعضاء المجموعة هي دول في المقام الأول والأخير، وأفعالها تأتي دائماً وفقاً للمصلحة الوطنية.

مكملاً، لا بديلاً. عن إحساسي الشخصي فإنه ينبغي أن تستمر مجموعة الموردين النوويين في التركيز على أهداف منع الانتشار النووي تلك التي جمعت أعضائها معاً في المقام الأول (رغم أنه بطبيعة الحال يجب على المجموعة أن تولي اهتماماً كبيراً بمتطلبات الدول التي تحتاج الى تقنية ومواد نوويين لأغراض التنمية السلمية). سيكون توسيع العضوية مجد اذا تم في الوقت المناسب، ولكن في الوقت الراهن لا بد من الاهتمام بتعميق التعاون بين أعضاء المجموعة الحاليين.

في نهاية المطاف، على الرغم من أن مجموعة الموردين النوويين ذات طابع دولي، ينبغي أن ينظر اليها وأن تفهم على حقيقتها — هيئة شبه عالمية وجدت لتكون مكملة للمؤسسات العالمية المنوطة بتعزيز جميع الأركان الثلاثة لمعاهدة عدم الانتشار، وليس لأداء مهام تلك المؤسسات.

تذكر ما هو تكميلي، وما هو أساسي

أكد الكتاب الثلاثة في مقالاتهم الأولية في هذه المائدة المستديرة على أمرين، وإن كان بطرق مختلفة: الأول، أن ثمة خط ضيق يفصل بين الأنشطة النووية السلمية والانتشار النووي، وأنه من الأهمية بمكان أن يعمل أعضاء مجموعة الموردين النوويين على تحقيق توازن بين الاثنين، والأمر الثاني أنه يجب أن تبذل مجموعة الموردين النوويين مزيداً من الجهود لتعزيز التعاون في مجال الطاقة النووية للمساعدة في سد الاحتياج المتزايد للدول النامية على الطاقة لخدمة التنمية المستدامة.

ويشير ريموند جوزيه جي. كويلوب الى "النهضة النووية" المزدهرة في جنوب شرق آسيا. لكن شيئاً من هذا القبيل يحدث في الشرق الأوسط، حيث تأمل دولة الإمارات العربية المتحدة في تشغيل مفاعلها الأول في عام 2017 وتدرس المملكة العربية السعودية خططاً طموحة لانشاء قطاعها النووي. وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة اتفاقية تعاون نووي مع الولايات المتحدة حظيت بتغطية إعلامية واسعة، كما وقعت المملكة العربية السعودية اتفاقيات تعاون نووي مع دول مثل فرنسا والأرجنتين والصين وكوريا الجنوبية.

ولكن في الساحة النووية، يمكن أن تتداخل السياسة مع النقل التقني، كما حدث في قضية برنامج إيران النووي. فمنذ أن بدأت المواجهة بشأن البرنامج في عام 2002، تسببت الخلافات بين وجهة النظر الإيرانية ووجهات بعض الدولة الغربية البارزة الأعضاء في مجموعة الموردين النوويين  (وهم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) في ان يتجاوز النزاع حيز الامتيازات الوطنية والحاجة إلى إمدادات أكبر من الطاقة. وأصبح المأزق بدلاً من ذلك متصلاً بقضايا أكبر تتعلق بالأمن الإقليمي والدولي.

ليس هناك خلط. وتعليقا على المواجهة، أكد زميلي راجيف نايان أنني خلطت في مقالتي الأولى بين وظائف مجموعة الموردين النوويين ومعاهدة حظر الانتشار النووي. ولا أرى أن هناك خلط من هذا القبيل. فقد تم إنشاء مجموعة موردي المواد النووية لتكون مكملة للمعاهدة، ولكنها تحولت مع انخراطها في تنفيذ أنشطتها إلي أداة لتنفيذ نظام منع انتشار تمييزي، وهو ما كان سبباً في إضعاف واحدة من ركائز المعاهدة — وهي فكرة ضرورة تشجيع الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. وقد تصادف أن تكون هذه الركيزة محور اهتمام معظم الدول النامية.

تم انشاء مجموعة الموردين النوويين، بطبيعة الحال، كمحاولة من جانب عدد من الدول الموقعة على المعاهدة لمنع تسريب المواد التي يمكن استخدامها لتصنيع سلاح نووي، ولكن يجب أن لا ننسى مسألتين أساسيتين تتعلق بعلاقة المجموعة مع نظام المعاهدة. المسالة الأولى هي أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية  هي الجهة المخولة بتنفيذ الضمانات النووية وهي التي تراقب التزام الدول بأحكام المعاهدة من عدمه. المسألة الثانية هي ان الالتزام القانونى الأول لأعضاء مجموعة الموردين النوويين يكون تجاه المعاهدة نفسها — والمعاهدة تحظر نقل التقنية النووية الذي من شأنه تمكين الدول غير الحائزة للأسلحة النووية من امتلاك أسلحة نووية. وهذا الالتزام فيما يبدو قد تم خرقه عندما منحت مجموعة الموردين النوويين الهند التنازل في عام 2008. وفي الوقت نفسه، ترفض مجموعة الموردين النوويين إجراء أعمال تجارية مع إيران، على الرغم أنها دولة موقعة على المعاهدة، مما يجعلها تجنح بعيدا عن روح معاهدة حظر الانتشار النووي، وهي المعاهدة ذاتها التي من المفترض أن تكون تلك المجموعة مكملة لها.

ويكتب نايان أيضا قائلاً أن"سجل ايران الخاص بالانتشار مختلط، وهذا هو السبب وراء الصعوبات الحالية." وهو هنا يكرر تأكيدات بعض الدول الحائزة للأسلحة النووية، في حين غابت عنه حقيقة أن الصعوبات التي تواجهها ايران مع الغرب هي أكثر ارتباطاً بالسياسة عن نقل التقنية النووية في حد ذاتها. يجب النظر للمأزق بشأن برنامج إيران النووي باعتباره جزء من السياق الأوسع لسياسات الشرق الأوسط، وخاصة قضية الاحتكار النووي الإسرائيلي في المنطقة.

لا يستيطع أحد انكار أن إيران لطالما كانت حريصه على دعم المعاهدة أو أن أنشطتها النووية تتم تحت إشراف الوكالة. مرة أخرى، فإن النزاع بشأن برنامج إيران النووي يرتبط بموقفها تجاه قضايا استراتيجية وأمنية أكثر من ارتباطه بسجلها السابق في قضية الانتشار. كان بمقدور طهران الانسحاب من المعاهدة في الماضي ولكنها اختارت البقاء داخلها، من أجل الشفافية والعمل من خلال نظام الضمانات الدولية. في الواقع فإنه، بموجب المادة العاشرة، كان من الممكن ان تنسحب ايران من المعاهدة بطريقة شرعية بعدما قامت الهند وباكستان باختبار أجهزة نووية في عام 1998.

الثقة والوثوق بالآخر والتوازن

أكدت المقالات الثلاثة التي نشرت في هذه المائدة المستديرة حتى الان على الحاجة إلى السيطرة المسؤولة علي التجارة في مجال التقنية والسلع النووية. فقد اتفق جميع مؤلفي المقالات في هذه المائدة على رغبتهم في تدفق التجارة النووية بسلاسة نحو الدول ذات قطاعات الطاقة النووية الجديدة أو الناشئة ، كما يرغب الجميع كذلك في الحد من المشكلات التي تعيق هذا التدفق.

بيد أنه في المجال النووي، قد تتداخل الأحداث المأساوية مع التجارة. فبعد وقوع حادث عام 1979 في جزيرة ثري مايل، مرت عقود قبل أن توافق الولايات المتحدة علي إنشاء مشروع جديد للطاقة النووية علي أراضيها. كما أن حادثة مثل كارثة 2011 التى وقعت في محطة فوكوشيما للطاقة النووية بإمكانها تعطيل التجارة النووية علي مسافة بعيدة عن مكان حدوثها. ذلك أن حادثة فوكوشيما، على سبيل المثال، قد أثرت سلبا على قطاع الطاقة النووية في الهند، تلك الدولة التي واجه مؤخراً برنامجها الطموح للتوسع في إنتاج الطاقة النووية تحديات عديدة تمثلت في الاحتجاجات على منشأتي كودانكولام  وجايتابور المزمع إنشائهما.

وترتبط السلامة النووية من نواح عديدة بالأمن والضمانات النووية. فقبل حادثة فوكوشيما، كان صخب الجدل حول أمور السلامة النووية قد بدأ يهدأ، إلا أن الحادث جلب القضية مرة أخرى إلى دائرة الضوء — في نفس التوقيت الذى بدأ فيه الأمن النووي يكتسب مكانة أعلى في السياسة العالمية وذلك بسبب انعقاد قمة الأمن النووي عام 2010 . وهكذا، بذلت الجهود في القمة التى تلتهاعام 2012، للجمع بين الأمن النووي والسلامة النووية. أما بالنسبة للضمانات فهي مسألة دائمة الأهمية بالنسبة للتجارة النووية لأنها تتم في سياق دولي أهم ما يميزه هو وجود الأسلحة النووية. ولم يكن الأمر مختلفاً بعد وقوع حادث فوكوشيما، حيث استطاعت مخططات بعض الدول لتوسيع الطاقة النووية أن تجد طريقها نحو النجاح في التغلب على التحديات التي يفرضها الحادث.

نقاط الخلاف. اتفق مع زملائي في المائدة المستديرة حول العديد من النقاط،علي سبيل المثال فيما يتعلق بمجموعة الموردين النوويين ومبادئها التوجيهية من حيث أنها ينبغي أن تعمل علي بناء الثقة ليس فقط بين شعوب الدول الموردة بل بين المجتمع الدولي على نطاق أوسع. ومع ذلك — على الرغم من أنني أتعاطف مع مخاوف زميلي كيهان بارزيجار بأن ممارسة سياسات مجموعة الموردين النوويين قد تؤدي إلى التمييز — إلا أن لي بعض المآخذ علي جزء من تصريحاته. فمن وجهة نظري، عندما يقول: " لو أنه تم الالتزام بالمبادئ التوجيهية لمجموعة الموردين النوويين بحزم في الماضي، لما كان هناك مجالاً كبيراً للتدابير التمييزية كفرض قيود مفرطة على دولة موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي مثل إيران "، فهو هنا يخلط بين وظائف مجموعة الموردين النوويين ومعاهدة حظر الانتشار النووي .وفي الواقع، هناك بالفعل ارتباطاً محدوداً بين المؤسستين، ولكن يبدو أن بارزيجار يميل إلى الاعتقاد بأن مشاكل ايران مع المعاهدة ربما تحل من خلال سياسات مجموعة الموردين النوويين.

كما لا أرى مجالا كبيرا للربط بين تنازل 2008 الذى تلقته الهند من مجموعة موردي المواد النووية فيما يتعلق بالقيود على التجارة مع ايران. وعلي الرغم من أن الهند تعتبر دولة مسلحة نوويا خارج المعاهدة إلا أنها قد وقعت على عدد من المبادرات العالمية الهامة لحظرالانتشار النووي ولها سجل نظيف إلي حد كبير في مجال الانتشار. أما سجل ايران الخاص بالانتشارفهو  مختلط، وهذا هو السبب وراء الصعوبات الحالية. وفي الواقع، أود أن أقول أن إيران تجعل التجارة النووية للدول الأخرى أمراً معقداً — فبرنامج طهران النووي كان سبباً في أن تحوم الشبهات حول الجميع دون مبرر يذكر .

وفي الوقت نفسه يناقش ريموند جوزيه جي. كويلوب المفاهيم الخاطئة وعدم الثقة التي تميز العلاقات بين الدول التي تمتلك التقنية النووية والدول الأخري التى لا تمتلكها. ولكن القضية الحقيقية هي بناء ثقة العالم كله في المتلقين الجدد للتقنية النووية. فجميعنا يدرك أن بعض الحائزين على التقنية النووية قد يساهمون في الانتشار، بيد أنه لن يمكننا التخلص من خطر الانتشار عن طريق حصر التقنية النووية على عدد صغير من الدول، بل على العكس من ذلك ينبغي بذل الجهود لضمان انضمام الدول التى تمتلك التقنية النووية إلى مصاف دول التحكم المسؤول في التقنية. وكما تعمل العولمة على توزيع النشاط الاقتصادي على جميع أنحاء العالم، يجب أن يتم توزيع مصادر الطاقة كذلك، ولن يحل الحد من عدد الدول التي لديها طاقة نووية أية مشكلات. في الواقع، فإنه قد يتضح أن الطلب على الطاقة النووية سوف يسهم في تحديد كيفية امتلاك العديد من الدول للتقنية والسلع النووية ، وليس العكس.

يجب على الفاعلين الجدد في مجال الطاقة النووية بطبيعة الحال العمل على ضمان عدم وصول الجهات غير الحكومية المتهورة، وخاصة الإرهابيين، إلي التقنية النووية. وأتفق مع كويلوب على أن هناك حاجة إلي إيلاء اهتمام كبير بقضايا مثل ضوابط إعادة التصدير والشحن. ولكن من أجل ضمان الانتشار الايجابي للتقنية النووية واستخدامها في غايات مسؤولة، يجب على مجموعة الموردين النوويين ان تفرض توازناً جديداً ومقبولاً على نطاق واسع بين المصالح التجارية والأمنية. وإذا ما أردنا تحقيق ذلك، فلا بد من إعادة هيكلة مجموعة موردي المواد النووية نفسها.

Round 3

مواجهة حقائق لا مفر منها

دعونا نواجه الأمر: يُنظر إلى مجموعة الموردين النوويين على نطاق واسع باعتبارها آلية إقصائية. وربما كانت هذه هي حقيقتها. في هذه المائدة المستديرة، تمحور النقاش حول قضية توسيع عضوية المجموعة، إلا أن مجموعة الموردين النوويين سيستمر النظر إليها كمجموعة إقصائية حتى لو توسعت عضويتها لتشمل جميع الدول التي تمتلك كلا من المواد والمعرفة النوويين، لسبب بسيط وهو أنه ليس هناك سوى عدد محدود من الدول التي بإمكانها تحقيق هذين الشرطين.

إن توسيع العضوية، بعيدا عن تغيير التصورات السلبية المتعلقة بالمجموعة، قد يشير فقط إلى أن مجموعة الموردين النوويين قد فشلت في مهمتها لتثبيط الانتشار النووي. بمعنى، أنه إذا كان بإمكان أي دولة لديها القدرة على الوصول إلى المواد والتقنية النوويين، بغض النظر عن الوسيلة التي تتبعها لتحقيق ذلك، أن تصبح في نهاية المطاف عضوا في مجموعة الموردين النوويين، فهذا يعني أن المجموعة لم تبذل الجهد المطلوب للسيطرة على انتشار المواد والتقنيات الحساسة. ولا يمكن أن يكون امتلاك المواد والمعرفة النوويين هو المعيار الأوحد لاكتساب العضوية. وهذا، جزئياً، هو السبب الذي دفعني للقول في مقالي الثاني أنه لابد من وضع مجموعة واضحة من المعايير لقبول أعضاء جدد في المجموعة .

يرى زميلي كيهان بارزيجار أنه ربما يكون من العملي ضم إيران الى مجموعة الموردين النوويين وبذلك يكون بإمكانها "المشاركة بالدروس القيمة المستفادة من خبرتها النووية." ولكن على الرغم من أن دولة مثل إيران قد تتمكن من الوصول إلى المواد والتقنية النوويين، إلا أن وضعها السياسي لا يسمح لها بتبادل المواد والتقنية النوويين مع الدول الأخرى من خلال التجارة النووية، وهذه طريقة أخرى للقول أنها لن تجد مكاناً لها في مجموعة للموردين النوويين. قد يفكر الوافدين النوويين الجدد، بما في ذلك إيران، في تشكيل مجموعة مستخدمين نوويين. ولكن مجموعة كهذه لن تجد أمامها سوى قدراً يسيراً من الأعمال.

أختلف أيضا مع زميلي راجيف نايان في قوله أنه ينبغي أن يكون التركيز الرئيس لمجموعة الموردين النوويين على التجارة النووية وليس على منع الانتشار النووي . ذلك أن منع الانتشار كان ومازال السبب الرئيس لوجود المجموعة، حتى ولو اعتقد كثير من الناس أن المجموعة قد فشلت إلى حد كبير في جهود منع الانتشار النووي، ومن وجهة نظري فإن منع الانتشار النووي يجب أن يظل الدور المركزي للمجموعة.

ثمناً باهضاً جداً. إحدى القضايا التي لم يتم التطرق إليها في هذه المائدة المستديرة حتى الآن هو كيف تبدأ الدول النامية بقوة سعيها لامتلاك الطاقة النووية. لكل الدول بطبيعة الحال الحق في تطوير قطاعات الطاقة النووية، وزملائي محقين في إشارتهم إلى أنه يتعين على العديد من الدول النامية زيادة إمداداتها من الطاقة إذا ما أرادت استمرار نمو اقتصادتها. بيد أن الطاقة النووية غالياً ما تكون اختياراً سيئاً لدول العالم النامي.

يتكلف بناء محطات الطاقة النووية مبالغ باهظة. كما أن تطوير المعرفة التقنية اللازمة لإنشاء وتشغيل القطاع النووي ليس رخيصاً كذلك. وإذا أخذنا في الاعتبار التكاليف الاجتماعية مثل النفايات النووية، فربما وجدنا أن الطاقة النووية أكثر تكلفة من الأشكال المتاحة الأخرى للطاقة البديلة. قد تختار بعض الدول السعي نحو امتلاك الطاقة النووية لأنهم يرغبون في الانضمام إلى نادي الدول التي تتقن التقنية النووية، ولكن إذا كانت هذه هي الجائزة، فإنها بحق جائزة صعبة المنال.

يجب على مجموعة الموردين النوويين نفسها  مواجهة هذه الحقيقة المزعجة: إذا لم تتمكن الدول ذات الطموحات النووية من الحصول على المواد أو التقنية النووية من خلال المجموعة، فربما سيكون بمقدورها في هذه الأيام وفي هذا العصر الحصول على ما يريدون من مكان آخر. هذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه مجموعة الموردين النوويين.

ناد حصري ذو أجندة خفية

لقد بدأت هذه المائدة المستديرة معتقداً أن مجموعة الموردين النوويين ما هي سوى نظام تمييزي لمراقبة الصادرات، ولم تتزحزح قناعتي تلك. في الواقع، فإن معاهدة حظر الانتشار النووي  هي في حد ذاتها معاهدة تمييزية قلباً وقالباً، ولم تزد الآليات التكميلية، مثل مجموعة الموردين النوويين، المشكلة إلا تفاقماً. وقد كان زميلي راجيف نايان محقاً إذ أكد في مقالته الأخيرة أن مجموعة الموردين النوويين تفرط في تركيزها على الجانب الخاص بمنع الانتشار النووي من المعاهدة بينما تولي اهتماماً ضئيلاً بتشجيع التجارة النووية.

بالنسبة للدول النامية، فقد فقدت مجموعة الموردين النوويين الكثير من أهميتها بمرور الوقت لأنها لم تتكيف مع عالم متغير. فاليوم، هناك العديد من الدول النامية على حافة تحولات تقنية كبرى. واقتصادات تلك الدول تحرز تقدماً متزايداً وهي بحاجة إلى مصادر للطاقة كالقدرة النووية لمساعدتها على مواصلة تنميتها. لذا ينبغي على مجموعة الموردين النوويين التكيف مع هذا الواقع الجديد وبذل المزيد من الجهود لتلبية تطلعات العالم النامي.

ولكن بدلاً من ذلك، تستمرالمجموعة في معاقبة دولة مثل ايران لأنها فيما مضى أخفقت في الكشف عن أنشطتها النووية في منشأة ناتنز في الوقت المناسب. والإخفاقات من هذا النوع ليست فريدة من نوعها؛ فقد وقعت دول أخرى في نفس الأخطاء ثم غفرت لها المجموعة عندما تم تصحيح الأخطاء. ومن الأمثلة على ذلك دولة مصر التي أشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها عام 2005 إلى أنها قد أخفقت في الكشف عن التجارب والمخزونات في مبني الكيمياء النووية، وكوريا الجنوبية، والتي وفقا لتقرير الوكالة عام 2004، أخفقت في الكشف عن أبحاث تمت في الماضى ربما أسهمت في تطوير برنامج للأسلحة. ومع ذلك في حالة إيران لم يتوقف العقاب. (أود أن أؤكد على أن اخفاق ايران في الكشف عن الأنشطة في موقع ناتنز كان فقط لعدم الكشف عنها في الوقت المناسب — ولم يكن انتهاكاً خطيراً يستحق المعاملة القاسية المستمرة من قبل أعضاء مجموعة الموردين النوويين.)

وفي الوقت نفسه، فإن تجربة كوريا الشمالية النووية الأخيرة تسلط الضوء على التمييز الجوهري داخل نظام معاهدة حظر الانتشار النووي. بمعنى أن هذه التجربة تدل على أنه إذا صممت دولة ما على التمرد ضد نظام تمييزي فإنه لا يمكن ردعها عن طموحاتها النووية بالعقوبات الدولية وآليات مثل مجموعة الموردين النووين، وفي الواقع فإن تلك الضغوط الدولية القاسية لا تزيد الامور إلا سوءاً. ينبغي أن تعتبر تجربة كوريا الشمالية بمثابة دعوة للاستيقاظ بالنسبة لأولئك الذين يضحون بالروح الأصلية لمعاهدة حظر الانتشار النووي من أجل مجموعة محدودة من الأهداف السياسية.

فإذا كانت مجموعة الموردين النووين ترغب في مواكبة تغيرات العصر، فعليها أن تجعل عمليات صنع القرارلديها أكثر شفافية. كما أن عليها أن تتحول إلى شيء آخر بدلاً من أن تكون ناد حصري ذو أجندة خفية، يتشدد في فرض شروطه كما لم يفعل في أي وقت مضى. كما ينبغي أيضا أن تقبل عضوية عدد أكبر من الدول النامية. فتمثيل العالم النامي داخل المجموعة ليس كافياً، وهذا التوزيع غير المنصف للعضوية هو جوهر مشاكل المجموعة. ذلك أنها  تخلق جواً من عدم الثقة بين العالمين المتقدم والنامي كما تضعف في نهاية المطاف أسس المعاهدة.

وأنا هنا أختلف مع زميلي ريموند ج. جوزيه كويلوب، الذي أعرب عن قلقه من أن أعضاء مجموعة الموردين النوويين الجدد قد يتصرفون بطريقة لا تتفق مع مبادئ المجموعة وقيمها. وسؤالي هو: أية مبادئ وقيم؟ القيم والمبادئ التي تم إنشاؤها في الغالب للحفاظ على الهيمنة الغربية داخل نظام حظر الانتشار النووي، والهيمنة على المعايير القانونية والتقنية التي تنفذها الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟ إذا كانت تلك القيم والمبادئ هي المقصودة، فإن التصرف علي نحو يتنافي معها يجب أن يعتبرأمراً مستحسناً.

علاوة على ذلك، فعلى الرغم من أن أعضاء مجموعة الموردين النوويين الجدد سينظرون بالتأكيد إلي مصالحهم الوطنية عند إتخاذ قرارات بشأن التجارة النووية، فإنهم أيضا، مع مرور الوقت، سيتكيفون مع المعايير الدولية التي وردت ضمن آليات مثل مجموعة الموردين النوويين. كما أنهم سيقدمون إسهامات للمجموعة من خلال تأثير وجهات نظرهم الخاصة على عملية صنع القرار بالمجموعة. فيمكن لإيران، على سبيل المثال، أن تشارك المجموعة الدروس القيمة المستفادة من خبرتها النووية — دروس حول حقوق الدول النامية والتعاون الإقليمي في مجال الطاقة النووية ونزع السلاح الإقليمي الشامل.

ما زالت الفرصة قائمة لتحقيق توازن مناسب بين الأركان الثلاثة لمعاهدة حظر الانتشار النووي — منع الانتشار النووي والاستخدام السلمي للطاقة النووية ونزع السلاح الشامل — ولكن فقط إذا استطاع كل من أعضاء مجموعة الموردين النوويين والدول النامية وضع أسس للتعاون القائم على المنفعة المتبادلة. إن إدراك الإمكانات الكاملة للمعاهدة يتطلب التخفيف من حدة انعدام الثقة بين مجموعة الموردين النوويين والعالم النامي.

كيفية فوز كلا الجانبين

مع اقتراب هذه المائدة المستديرة من نهايتها، ما زلت أعتقد أن الطريقة المثلي التى ستمكن مجموعة الموردين النوويين من الوفاء باحتياجات الدول النامية هي ضمان أن يكون التركيز الرئيس للمجموعة على التجارة النووية و ليس على منع الانتشار النووي. فالدول النامية بحاجة إلى الطاقة النووية من أجل تنميتها الاقتصادية؛ فهي تحتاج إلى الطاقة النووية للمساعدة على الحد من انبعاثاتها من غازات الدفيئة في الوقت الذي يشعر فيه الكثيرون في جميع أنحاء العالم بقلق عميق إزاء قضية تغير المناخ. وبطبيعة الحال فإن منع الانتشار النووي هو أمراً بالغ الأهمية ولا بد من أخذه في الاعتبار عند عقد صفقات التجارة النووية. كما يمكن تعزيز أهداف منع الانتشار باستخدام التجارة النووية كحافز. ولكن بمجرد أن يتفوق منع الانتشار على التجارة نفسها، فإن الدول النامية ستجد نفسها تكافح من أجل إنشاء قطاعات القدرة النووية.

على مر السنين، لطالما ألقي باللائمة على الإجراءات البيروقراطية التى وضعتها مجموعة الموردين النوويين في تأجيل مواعيد المشاريع النووية وزيادة تكاليفها، مما أدى إلى مطالبة المجموعة بتبسيط إجراءاتها المرهقة. ولحسن الحظ، فإن التبسيط يناسب أهداف كلاً من العالمين النامى والمتقدم (طالما كانت الشركات النووية في الدول الغنية في طليعة المطالبين بأن تقوم مجموعة الموردين النوويين بتبسيط إجراءاتها)، على افتراض عدم المساس بالمثل العليا للمجموعة في هذه العملية.

ولسوء الحظ، فإن النظم متعددة الأطراف لمراقبة الصادرات مثل مجموعة الموردين النوويين كانت قد وضعت في السنوات الأخيرة الكثير من القواعد التى تراكمت فوق بعضها البعض، مما أضر بفعالية الأنظمة نفسها. وهكذا فإن المجموعة قد تحسن صنعاً بتجاهلها لتلك القواعد القديمة التي أصبحت زائدة عن الحاجة أو لم تعد تخدم أغراضها المعلنة، وبأن تفرض من القيود فقط ما له فوائد ملموسة في منع الانتشار النووي. على سبيل المثال، فيما يتعلق بعمليات نقل تقنية التخصيب، هل من الضروري حقا أن تصرالمجموعة بشدة علي أن يسعي الموردين إلى الحيلولة دون إمكانية تخصيب اليورانيوم 235 بنسبة تزيد عن 20 في المئة؟ صحيح أن اليورانيوم المخصب إلى 20 في المئة يوصف من الناحية الفنية بأنه يورانيوم عالي التخصيب، لكنه لا يزال بعيدا عن التصنيف في فئة الأسلحة. لذا فإن ترشيد الإجراءات قد يمثل عوناً لا يقدر لأعضاء مجموعة الموردين النوويين — على سبيل المثال، لسلطات منح التراخيص والإنفاذ في الدول الموردة.

نقطة مهمة أخرى هي أنه لا ينبغي لأعضاء مجموعة الموردين النوويين، بمجرد التوصل إلى اتفاقات مع الدول العملاء، محاولة تغيير شروط التوريد. يجب احترام الاتفاقات الأصلية، وينبغي أن تعامل أية شروط أو تعديلات جديدة تفرضها الدول الموردة باعتبارها انتهاكات يترتب عليها عقوبات. في الماضى، لاقت القيود التي وضعت بعد فوات الآوان، كتلك التي وردت في قانون عام 1978 الصادر في الولايات المتحدة بشأن منع الانتشار النووي استياءاً عميقاً لدى كلٍ من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.

وأود هنا أن أختم مقالى بالحديث عن موضوع توسيع عضوية مجموعة الموردين النوويين، نفس الموضوع الذي خصصت له مقالي الأول في هذه المائدة المستديرة للحديث عنه باستفاضة. وقد سجل زميلي ريموند جوزيه جي. كويلوب رأيه بأنه ينبغي وضع حزمة واضحة من المؤهلات لنيل عضوية مجموعة الموردين النوويين، غير أن المجموعة لا ينبغي لها بأي حال من الأحوال توسيع عضويتها في المستقبل القريب. و أنا أشارك كويلوب مخاوفه فيما يتعلق بإمكانية قيام الأعضاء الجدد بأفعال تتعارض مع قيم المجموعة — و في الحقيقة، فإن هذا هو السبب الذي جعلنى ألقي ظلالاً من الشك في مقالي الأول على مدى رجاحة قرار مجموعة الموردين النوويين بضم الصين إلي عضويتها في عام 2004.

ومع ذلك، فإننا يجب أن نتذكر أن مجموعة الموردين النوويين قد تم تأسيسها في المقام الأول لضم دولة مثل فرنسا، التي لم تكن أحد الموقعين على معاهدة عدم الانتشار النووي، الى نظام مراقبة الصادرات. وفي رأيي فإن انضمام فرنسا كان سبباً في تعزيز النظام و تقويته. واليوم، فبعد السماح بضم أعضاء جدد لمجموعة الموردين النوويين ربما كان باستطاعتهم تقديم إسهامات قيمة، على سبيل المثال من خلال تشجيع الطاقة النووية في العالم النامي في الوقت الذي شكل فيه الحادث الذي وقع في محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية تحديات خطيرة لهذه الصناعة. وهكذا فإذا استطاع العالم النامي ومجموعة الموردين النوويين التعامل مع بعضها البعض على نحو أكمل، فإنني أعتقد أن الفوز سيكون حليف الجانبين.



 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]