The authoritative guide to ensuring science and technology make life on Earth better, not worse.

اليورانيوم عالي التخصيب: قليله كثير

ddroundtable.png

يسعى عدد من المبادرات  الرفيعة إلى تقليل إمكانية ظهورالإرهاب والانتشار النوويين من خلال خفض استخدام اليورانيوم عالي التخصيب في الاستعمالات المدنية. ويتفهم القائمين علي تشغيل المفاعلات البحثية الأساس المنطقي  لتقليل استخدام اليورانيوم عالي التخصيب ، بيد أن التحول إلي استخدام اليورانيوم منخفض التخصيب قد ينطوي على تحديات مالية وتقنية وسياسية - والتي قد تبدو جميعها أكثر وضوحاً لمدير مفاعل بحثي عن غيره من البيروقراطيين الذين يتحدثون عن بعد أوغيرهم من أخصائيي منع الانتشار النووي. في هذه المائدة المستديرة يشاركنا كلاً من تشارلز بيانى من جنوب أفريقيا وبابلو كريستينى من الأرجنتين والكسندر فوريم من كازاخستان خبراتهم عن خفض استخدام اليورانيوم عالي التخصيب ويجيبون على السؤال:   " كيف تقدم الدول المتقدمة افضل الحوافز لبرامج خفض اليورانيوم عالي التخصيب في الدول النامية والناشئة؟"

Round 1

التحول في كازاخستان: لعبة متعددة اللاعبين

تستحق المبادرات الدولية الرامية إلى  تقليل استخدام اليورانيوم عالي التخصيب دعماً غير مشروط، لكن التحول إلى استخدام اليورانيوم منخفض التخصيب يكون في الغالب أمراً  صعبا. تستخدم المفاعلات البحثية تصاميم متنوعة كما تُستخدم هذه المفاعلات لأغراض واسعة النطاق، ولدى العديد من الدول وجهات نظر مختلفة بشأن كيفية  انجاز عملية التحول. في موطني كازاخستان، تم وضع خطط أولية  لتحول ثلاث مفاعلات بحثية إلى استخدام وقود اليورانيوم منخفض التخصيب. لكن التقدم لم يكن بالسرعة المفترضة.

لماذا؟ للإجابة على ذلك، لا بد من فهم البيروقراطية المحيطة بالمفاعلات البحثية في كازاخستان، والتي تمتلكها وتديرها جهات حكومية. اذ يمتلك المركز الوطني النووي اثنين من المفاعلات البحثية الأربع في البلاد المعروفين باسم "اي في جي" و "اي جي ار"، ويقوم بتشغيل هذين المفاعلين أحد أقسام المركز وهو معهد الطاقة الذرية، وهي ايضاً الجهة التي أعمل لصالحها. المفاعل الثالث فهو مملوك لمعهد الفيزياء النووية، وهو جهة منفصلة عن المركز النووي الوطني. المفاعل الرابع فهو في حالة اغلاق ممتد، وتم تفريغه من الوقود وهو غير جدير بالأهمية من منظور مسألة التحول.

ويجب أن توافق جهتان حكوميتان على عملية التحول الى استخدام اليورانيوم منخفض التخصيب — وكالة الطاقة الذرية، التي تنظم العمل بالمفاعلات وتشرف على قضايا مثل الترخيص والسلامة،  ووزارة الصناعة والتقنيات الجديدة. وقد أعطت الوزارة موافقتها على التحول الى استخدام اليورانيوم منخفض التخصيب في كل من مفاعلي "اي في جي" و "اي جي ار". لكن وكالة الطاقة الذرية (التي سيعاد تسميتها قريبا لتصبح لجنة الطاقة الذرية) لم توافق.  لا تصدر الوكالة موافقتها على التحول إلا اذا وافق كبير المصممين ومدير الأبحاث على إجراء تغييرات  في المفاعلين؛ اذ تشترط القوانين والأنظمة المعمول بها في كازاخستان إشراك كبير المصممين ومدير الأبحاث في المفاعلين عند اتخاذ قرارات مثل التحول الى استخدام اليورانيوم منخفض التخصيب.

وهنا تصبح الأمور أكثر تعقيدا، وذلك لأن كبير المصممين ومدير الأبحاث لا ينتميان الى جهات كازاخستانية.  لا بل أنهما، بسبب الأصول السوفياتية للمفاعلات، ينتميان الى جهتين روسيتين مملوكتين للحكومة وتلعبان حالياً دورا مصغراً في تشغيل المفاعلات. ولأكون أكثر تحديداً،  لا تقوم اي جهة روسية حتى الآن بالتنسيق بين أعمال كبير المصممين ومدير الأبحاث، لتصبح عملية التنسيق متروكة لمعهد الطاقة الذرية. لكن ليس بوسع المعهد تنسيق أعمال جهات في بلد آخر.

من المفيد هنا أن نتذكر الهيكل التنظيمي الذي تم العمل بموجبه عندما أنشئت لأول مرة المفاعلات البحثية في كازاخستان. كانت جميع الأعمال تتم تحت القيادة الموحدة للوزارة السوفيتية المعنية بالعلوم والطاقة والصناعة النووية. مدير الأبحاث وكبير المصممين والهيئة المشغلة كانوا جميعا جزء من هذه الوزارة، وكانت تربطهم ببعضهم البعض مجموعة واضحة من الالتزامات والمسؤوليات. ساعد هذا النظام التفاعلي على إنشاء القطاع العلمي والصناعي الأكثر تقدماً في الاتحاد السوفياتي، وواحدة من صناعات القدرة النووية الأكثر تقدماً في العالم. للأسف، فإن الحكومة الكازاخستانية بشكل عام، ناهيك عن معهد الطاقة الذرية نفسه، تفتقر إلى القدرات التي امتلكتها الوزارة السوفياتية السابقة.

أمام كل هذه الحقائق، حاول ممثلوا مبادرة  تخفيض التهديد العالمي، وهو مشروع أطلقته الولايات المتحدة معني بقضية خفض اليورانيوم عالي التخصيب، التعامل مع جهة أخرى، وهي الشركة الروسية المصنعة لوقود المفاعلات.  كانت الفكرة أن يقوم  مزود الوقود بتطويروقود يورانيوم منخفض التخصيب يمكن المفاعلات من التحول الى استخدام اليورانيوم منخفض التخصيب. لكن ذلك، على الرغم من أنه قد يحل بعض المشاكل التقنية، لن يجدي نفعاً مع المشاكل البيروقراطية. اذ أننا نصطدم مرة أخرى بمطلب المشاركة الكاملة لكبير المصممين ومدير الأبحاث.

يحاول معهد الطاقة الذرية الآن الالتفاف على هذه المشاكل عن طريق التفاوض مع مزود وقود المفاعلات، على أمل أن يتحمل مزود الوقود مسؤولية التنسيق بين جميع الجهات الروسية المعنية. في الواقع، تسير جهود التحول بسلاسة أكبر في  المفاعل البحثي الكازاخستاني الذي يديره معهد الفيزياء النووية، والسبب في ذلك على وجه التحديد هو قيام شركة روسية منتجة للقود مملوكة للدولة بالتنسيق بين جميع الجهات الروسية ذات الصلة.

ربما يكون الحل المثالي لعملية التحول في كازاخستان هو قيام ممثلي الحكومة الأميركية بتكثيف الاتصال مع المسؤولين في روسيا، وتشجيع الحكومة الروسية على القيام بالاهتمام الحقيقي — وتحمل مسؤولية جميع جوانب عملية التحول التي تشمل اختصاصات الروس من مدير الأبحاث وكبير المصممين والشركة المصنعة للوقود. في النهاية قد تمضي عملية التحول قدماً بدون هذا النوع من التعاون الحكومي الدولي. لكن على أي حال، فإن تجربة التحول في كازاخستان تعطي مثالا على المشاكل التي يمكن أن تواجهها المفاعلات أثناء محاولة خفض استخدامها من اليورانيوم عالي التخصيب.

كيفية الاستغناء عن اليورانيوم عالي التخصيب

يُستخدم التكنيشيوم 99، وهو نظير طبي متبدل الاستقرار، ومنتج اضمحلالي للموليبدينوم 99، الذي يعتبر أهم نظير مشع مستخدم في الطب النووي، في حوالي 85 في المئة من إجمالي عمليات التشخيص في الطب النووي، والتي تصل إلى 30 مليون عملية سنويا.

يمكن إنتاج الموليبدينوم 99 من خلال عدة طرق، لكن أكثرها فعالية للتطبيقات الطبية هي طريقة الانشطار — باستخدام النيوترونات الحرارية المنتجة في مفاعل نووي لتشعيع أهداف تحتوي على اليورانيوم. ينتج عن ذلك انقسام (أو انشطار) ذرات اليورانيوم إلى العديد من النظائر المستقرة والنشطة إشعاعيا، أحدها الموليبدينوم 99. يتم نقل هذا النظير في النهاية إلى مصنعي المولدات، الذين يقومون بنقل المولدات إلى مراكز الطب النووي. هناك يستخدم التكنيشيوم 99 في تصنيف الجزيئات لاستخدامها في عمليات التشخيص.

يمكن استخدام أي من اليورانيوم عالي التخصيب أو اليورانيوم منخفض التخصيب  كهدف (المادة التي يتم إطلاق النيوترونات في قلب المفاعل عليها لإحداث انشطار فيها). إن استخدام اليورانيوم عالي التخصيب يحمل مخاطر معززة للإنتشار والإرهاب النوويين. يقلل استخدام اليورانيوم منخفض التخصيب من هذه المخاطر بشكل ملحوظ.

من عالي التخصيب إلى منخفض التخصيب. بدأت الهيئة الوطنية الأرجنتينية للطاقة الذرية، وهي المسؤولة عن تنفيذ البحث والتطوير النووي وأيضا تنفيذ تطبيقات وخدمات مثل إنتاج النظائر المشعة، في إنتاج الموليبدينوم 99 في عام 1985، باستخدام أهداف مخصبة بالنظير 235 لأكثر من 90 في المئة. خلال عامي 1988 و 1989، تم تحول المفاعل RA-3 التابع للهيئة — وهو حاليا المفاعل الأكثر أهمية في أمريكا اللاتينية لإنتاج النظائر المشعة — للاعتماد على وقود اليورانيوم منخفض التخصيب  للتجاوب مع المخاوف الدولية بخصوص الانتشار النووي. ثم جاءت الخطوة التالية لخفض استخدام اليورانيوم عالي التخصيب من خلال تطوير طريقة لإنتاج الموليبدينوم باستخدام أهداف اليورانيوم منخفض التخصيب.

كان التحدي الأول متمثلا في تطوير هدف مناسب من اليورانيوم منخفض التخصيب بحيث ينتج على الأقل نفس كمية الموليبدينوم التي يتم الحصول عليها باستخدام  هدف اليورانيوم عالي التخصيب. ولتحقيق ذلك، تم تنفيذ مشروع مشترك لعزل وتنقية الموليبدينوم بواسطة مجموعات في الهيئة الوطنية الأرجنتينية للطاقة الذرية مسؤولة عن تصنيع عناصر الوقود والأهداف والمعالجة الكيميائية للأهداف. تم اختبار العديد من مركبات اليورانيوم حتى تم تطوير هدف من اليورانيوم منخفض التخصيب بهندسة مماثلة للهدف السابق من اليورانيوم عالي التخصيب لكن بمحتوى أعلى من اليورانيوم.

تطلب البدء في استخدام هذه الأهداف الجديدة إجراء العديد من التغييرات في عمليات الفصل والتنقية في المنشأة، بينما البنية التحتية كانت بحاجة لتعديلات طفيفة للغاية. في عام 2002، بدأ الإنتاج التجاري من الموليبدينوم 99 من أهداف اليورانيوم منخفض التخصيب. قام طاقم العاملين بالهيئة بتنفيذ مشروع التحول بأكمله، بدون اي دعم تقني أو مالي خارجي. اليوم، تنتج الهيئة الوطنية الأرجنتينية للطاقة الذرية الموليبدينوم 99 ذا الجودة العالية والذي يكفي احتياجات الأرجنتين بالكامل وثلث احتياجات البرازيل. إضافة إلى ذلك، يتم تصدير حوالي 15 في المئة من الموليبدينوم 99 المُنتَج لمنطقة أمريكا اللاتينية، غير البرازيل، على شكل مولدات التكنيشيوم 99.

التجربة الأرجنتينية في التحول من استخدام اليورانيوم عالي التخصيب إلى اليورانيوم منخفض التخصيب دائما تكون حاضرة على المستوى الدولي كدليل على أن عملية  التحول ممكنة تقنيا واقتصاديا.  تشمل أمثلة ذلك، دراسة "إنتاج النظائر المشعة الطبية بدون اليورانيوم عالي التخصيب" التي أجريت عام 2009 بتكليف من الكونجرس الأمريكي ، ومنشورات المجموعة رفيعة المستوى لتأمين إمدادات النظائر الطبية المشعة، وهي مبادرة لمعالجة القضايا العالمية المتعلقة بالامدادات، وكذلك التحول إلى أهداف اليورانيوم منخفض التخصيب في إنتاج النظائر المشعة إنشطاريا ، وبرنامج وزارة الطاقة الأمريكية المعروف باسم التخصيب المنخفض  لمفاعلات الأبحاث والتجارب.

سوف تساعد الجهود الحالية التي تبذلها الهيئة الوطنية الأرجنتينية للطاقة الذرية لبناء مفاعل جديد للبحث والإنتاج، إضافة لإنشاء مصنع جديد بطاقة أكبر لإنتاج النظائر المشعة  إنشطاريا، على زيادة توفر النظائر المشعة الطبية المنتجة بأهداف اليورانيوم منخفض التخصيب. سيساعد هذا على تجنب حدوث أزمات في امدادات التكنيشيوم 99 — في عام 2009  حددثت مشاكل في منشأة كندية لإنتاج التكنيشيوم أسهمت في في إشعال مثل هذه الأزمات — كما ستساهم أيضا في المبادرة العالمية لخفض اليورانيوم عالي التخصيب.

تشجيع التحول. تسير الجهود الدولية لخفض استخدام اليورانيوم عالي التخصيب في القطاع المدني في الاتجاه الصحيح. العديد من المبادرات المشار إليها سابقا هي أدوات قوية لإشهار إمكانية وأهمية  التحول إلى اليورانيوم منخفض التخصيب؛ وكذلك  جهود  الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتنسيق الاجتماعات وإقامة مشاريع بحثية في هذا الموضوع. على الصعيد الوطني، ينبغي على الدول ذات الاحتياج الكبير لمنتجات الموليبدينوم المُنتج انشطاريا أن تبدي تفضيلا للموردين الذين يستخدمون اليورانيوم منخفض التخصيب وتفرض قيودا على المنتجات التي تعتمد على اليورانيوم عالي التخصيب.

ساهمت الهيئة الوطنية الأرجنتينية للطاقة الذرية بقوة في عملية  التحول- ليس فقط  بتحول قلبي مفاعليها النوويين RA-3 و RA-6وعملية إنتاج الموليبدينوم 99 إلى استخدام اليورانيوم منخفض التخصيب، ولكن أيضا عن طريق نجاحها في نقل تقنياتها المستخدمة في إنتاج اليورانيوم منخفض التخصيب إلى هيئات في الخارج من بينها المنظمة الأسترالية للعلوم والتقنيات النووية وهيئة الطاقة الذرية المصرية.

إن تضافر الجهود الوطنية والمتعددة الأطراف  يساعد على خلق  تفهم أفضل لأهمية ازالة اليورانيوم عالي التخصيب من التطبيقات المدنية. إن هذا يساهم في جعل العالم مكانا أكثر أمانا.

تقليل الخطر وزيادة التوتر

يعتبر التحكم في الحصول على مواد انشطارية من أحد أهم التدابير التي يمكن اتخاذها لمنع انتشار الأسلحة النووية، ومن المعترف به على نطاق واسع أن اليورانيوم عالي التخصيب يشكل تهديدا بالانتشار سواء استخدم في تطبيقات عسكرية أو مدنية . وهذا يفسر التوجه الدولي  في تفضيل اليورانيوم منخفض التخصيب على اليورانيوم عالي التخصيب. لكن ما هي التحديات التي تواجهها الدول النامية التي تختار خيار خفض اليورانيوم عالي التخصيب؟

في العالم النامي، هناك استخدمان لليورانيوم عالي التخصيب لهما صلة بمبادرات خفض التخصيب: كوقود لمفاعلات الأبحاث التي لم يتم بعد، أو لا يمكن تحولها لتعمل باليورانيوم منخفض التخصيب، وكأهداف  تحتوي اليورانيوم القابل للإنشطار لإنتاج النظائر المشعة للاستخدام الطبي. (هناك استخدامان آخران قد يتم مناقشتهما في المستقبل: وقود المفاعلات البحرية ووقود المفاعلات السريعة).

في بعض الأحيان تستخدم المنظمات، التي تشجع على التحول إلى استخدام اليورانيوم منخفض التخصيب، مثل الإدارة الوطنية الأمريكية للأمن النووي والوكالة الدولية للطاقة الذرية، سياسة العصا والجزرة لتشجيع الدول النامية على  التحول. في سياسة العصا، قد تلوح هذه المنظمات مهددة بفكرة أن الدول النامية سوف تفقد إمداداتها من اليورانيوم المخصب إذا لم تتحول إلى استخدام اليورانيوم منخفض التخصيب. أما في سياسة الجزرة، فقد تقترح هذه المنظمات تقديم دعم للدول النامية متمثلا في مبادرات بحثية وإنمائية أو فرص لتصدير النظائر المشعة. تحاول العديد من الدول النامية، استجابة منها لضغوط سياسية أو قيود تجارية، وفي محاولة منها لإثبات تعاونها دوليا، خفض استخدامها لليورانيوم عالي التخصيب بقدر الإمكان. ومع ذلك، ثمة صعوبة أمام مفاعلات الأبحاث في العالم النامي، وهي أن مديري المنشئات غالبا ما يواجهون ضغوطا لخفض التكاليف التي تتحملها الجهات  الممولة — والتحول إلى استخدام اليورانيوم منخفض التخصيب، سواء لاستخدامه كوقود أو أهداف، ويتضمن تكاليف مالية كبيرة .

يكلِّفُ كثيراً؟ العديد من مفاعلات الأبحاث التي تستخدم اليورانيوم عالي التخصيب كوقود غير مظطرة الى التحول الى استخدام اليورانيوم منخفض التخصيب — فلديهم  مخزونٌ من الوقود يكفي للعديد من دورات التشغيل. لكن بالنسبة للمفاعلات التي تتطلب امدادات جديدة من الوقود، فثمة سؤال ذو شقين يطرح نفسه: هل يمكن عمليا للمفاعل أن يتحول ليعمل باليورانيوم منخفض التخصيب، وهل يمكن تنفيذ  التحول بطريقة فعالة  وإقتصادية؟ وفي حال قررت إدارة المفاعل التحول، فيجب أن تجد الدعم المالي المناسب كي تضمن أن التحول لإستخدام اليورانيوم منخفض التخصيب يتم على نحو سلس، يكفل الاستدامة التشغيلية للمنشأة .

تُشكًل مسألة التحول إلى استخدام أهداف اليورانيوم منخفض التخصيب لإنتاج النظائر المشعة الطبية مجموعة مختلفة من القضايا.  إن انتاج النظائر المشعة صناعة دولية رئيسة؛ الموليبدينوم 99 وعلى الأخص منتجه الاضمحلالي تكنيتيوم  99 (وهو نظير طبي متبدل الاستقرار) يلعب دورا في تلبية احتياجات نحو 30 مليون حالة علاجية سنويا. تاريخيا، اعتمدت هذه الصناعة على تشعيع الأهداف الحاملة لليورانيوم عالي التخصيب ( غالبا  يخصب اليورانيوم 235 لأكثر من 90 في المئة). يتطلب التحول إلى استخدام أهداف اليورانيوم منخفض التخصيب زيادة محتوى اليورانيوم المستهدف ضعفين أو أكثر، وهذا يمثل تحديا تقنيا. إضافة إلى ذلك، إذا أريد الحفاظ على مستوى إنتاج النظائر المشعة، فستكون هناك حاجة إلى مزيد من الأهداف، كما سيتم إنتاج كميات أكبر من النفايات .

ثمة عقبة أخرى وهي أنه غالبا ما تطلب عملية التحول الى استخدام اليورانيوم منخفض التخصيب في المنشآت، سواء أكان ذلك وقوداً أو أهدافاً تخضع للتحول، وقتا طويلا قد يبلغ عدة سنوات، وخلالها يجب أن يتم تحديث التراخيص النووية والتصاريح باستعمال التطبيقات الطبية. كل هذا يستلزم مقدما تكاليف هائلة، والتي سيتحملها إما المفاعل أو منتج النظائر المشعة، أو إحدى الجهات  الممولة الرئيسية (الحكومة، على سبيل المثال). إضافة إلى ذلك، فإن مفاعلات الأبحاث والمنشئآت المنتجة للنظائر المشعة ينبغي أن يكترثوا لخسائر المبيعات خلال أي تحول، بمعنى أنه غالبا ما يتطلب تنفيذ التحول حتى مع استمرار عمليات الإنتاج القائمة. وهذا له آثار كبيرة على القدرات والتكاليف .

غالبا ما تكون الخيارات المالية محدودة بالنسبة لمفاعلات الأبحاث في العالم النامي التي تواجه مثل هذه القضايا. هذه المفاعلات يمكنها أن تطلب المساعدة من الجهات الداعمة مثل الحكومة. كما يمكنها محاولة إدارة التمويل المتوفر من الإنتاج التجاري للنظائر المشعة، أو يمكنها، عندما يكون ذلك متاحا، أن تطلب المساعدة من الدول المتقدمة أي الحوافز. (غالبا ما يتم تحقيق أفضل النتائج من خلال الجمع بين كل هذه الأساليب الثلاثة.) جاءت المساعدة التقنية والمالية من الدول المتقدمة عن طريق، ضمن مصادر أخرى، وزارة الطاقة الأميركية ومبادرة الإدارة الوطنية الأمريكية للأمن النووي المعروفة باسم برنامج خفض التخصيب في مفاعلات البحث والاختبار، وكذلك أيضا البرنامج الروسي لاسترداد وقود مفاعلات الأبحاث، حيث نالت كلتا المبادرتين دعما تنظيميا وماليا كبيرا من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

حد منخفض جدا؟ عندما تناقش الدول المتقدمة والنامية مسألة  خفض اليورانيوم عالي التخصيب، تتصدر عادة مسألة  تحول المفاعلات إلى اليورانيوم منخفض التخصيب جدول الأعمال. ويأتي في المرتبة الثانية إزالة المواد النووية والتخلص منها في الوقت المناسب من المنشئآت التي لم تعد تستخدم هذه المواد. وللمساعدة في تحول المفاعلات، غالبا ما توفر الدول المتقدمة تقييمات حسابية مدعومة عن جدوى تشغيل المفاعلات باستخدام اليورانيوم منخفض التخصيب والزيادات المتوقعة في التكاليف لإنتاج النظائر بعد التحول. إزالة المواد نووية والتخلص منها يثير عدة مسائل من بينها التخزين الآمن للمواد الانشطارية المستخدمة حتى يمكن معالجتها بشكل مناسب أو إعادة تصديرها. وقد تم إحراز تقدم كبير في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بإعادة المواد الانشطارية المستخدمة من مفاعلات الأبحاث إلى الولايات المتحدة وروسيا، ولكن لا تزال هناك بعض المشاكل — مثل كيفية إعادة المواد المقترنة بالوقود والتي لم تنشأ في الولايات المتحدة أو روسيا. إضافة إلى ذلك، فإن برنامج مواد الفجوة، وهو  جزء من "المبادرة الأمريكية للحد من التهديد العالمي" التي تهدف إلى معالجة المواد ذات المخاطر العالية ولم تعالج في أية برامج أخرى ، يبدو خاملا .

إلى جانب كل هذا، السؤال المطروح في اجتماع المائدة المستديرة هذا — "ما هي الطريقة المثلى التي تستطيع من خلالها الدول المتقدمة التحفيز على برامج خفض اليورانيوم عالي التخصيب في الدول الناشئة والنامية؟" يقتضي إيضاح عبارة " خفض اليورانيوم عالي التخصيب ".

إن الدافع لخفض اليورانيوم عالي التخصيب له علاقة كاملة بمعاهدة حظر الانتشار النووي، وبالجهود التي تبذلها نحو 200 دولة موقعة على منع انتشار الأسلحة النووية. ان خفض استخدام اليورانيوم عالي التخصيب في الإستخدامات المدنية هو نتيجة طبيعية للمعاهدة. لكن على الرغم من وجود مناقشات منتظمة حول هذه المسألة، لا يوجد إجماع عالمي حول ماذا يعني خفض اليورانيوم عالي التخصيب ، في مقابل التخلص من اليورانيوم عالي التخصيب. وعلاوة على ذلك، هناك شك كبير يحيط بفكرة أن جميع مستويات استعمالات اليورانيوم عالي التخصيب تمثل مشكلة انتشار حقيقية .

اليورانيوم عالي التخصيب، من حيث التعريف، هو الذي تزيد فيه نسبة تركيز اليورانيوم 235 عن 20 في المئة؛ واليورانيوم منخفض التخصيب هو الذي تقل فيه نسبة تركيز اليورانيوم 235 عن 20 في المئة. والسؤال الذي أطرحه هنا، ربما يكون خلافيا إلا إنه مع ذلك يستحق النظر: لماذا لا يتم زيادة نسبة التركيز المحددة لليورانيوم منخفض التخصيب إلى أكثر من 20 في المئة، وذلك لمساعدة مفاعلات الأبحاث في جميع أنحاء العالم النامي على التغلب على التحديات التقنية والمالية التي تواجهها في عملية التحول؟

Round 2

هل يجب التقليل مهما كلف الأمر؟

قدم زميلاي بابلو كريستيني وتشارلز بياني، في مقالاتهما حتى الآن، وجهات نظر متباينة للغاية حول بعض الجوانب المتعلقة بتقليل استخدام اليورانيوم عالي التخصيب. وقد اتخذ كريستيني ما يمكن أن أسميه موقفا تقليديا تجاه هذه القضية، في حين عبر بياني عن وجهات نظر أكثر إثارة للجدل إلى حد ما. أجد نفسي أكثر تعاطفاً مع وجهة النظر المثيرة للجدل.

من وجهة النظر التقليدية، تحول المفاعلات من اليورانيوم عالي التخصيب إلى اليورانيوم منخفض التخصيب ممكن عمليا على المستوى العالمي. يستند هذا الاعتقاد في الغالب إلى التحولات الناجحة للمفاعلات التي تنتج النظائر الطبية المشعة مثل الموليبدينوم 99 — وبالطبع أثناء إجراء هذه التحولات، تم الحفاظ على إنتاج الموليبدينوم 99 ولم تتكبد المفاعلات خسائر في السوق التجارية للنظائر المشعة. تم اكتساب خبرة كبيرة في تحول هذا النوع من المفاعلات، كما تم اتقان تقنيات تصنيع الوقود ذات الصلة على مر السنين، وأصبحت التحولات روتينية على نحو متزايد. إن نجاح مشاريع التحول هذه متوقع بالفعل، ويعتمد فقط على التخطيط السليم والإدارة الملائمة والتمويل الكافي.

غير أن المفاعلات التي تنتج النظائر المشعة الطبية عادة ما تكون مشابهة لبعضها البعض، بينما المفاعلات ذات الاستخدامات الأخرى غالبا تكون ذات تصاميم فريدة من نوعها لا يمكن فصلها عن خاصية الوقود المستخدم بها. تنتمي المفاعلات النبضية عموما إلى هذه الفئة ، والتي يسمح فيها اليورانيوم المخصب الى مستوً عالبمرور فيض عالي الكثافة من النيوترونات الى مفاعل بقلب صغير نسبيا، كما يسمح أيضا بتشغيل المفاعلات لفترة طويلة دون إعادة التزود بالوقود. إن تصميم الوقود المناسب منخفض التخصيب لهذه المنشآت يمكن أن يكون مشكلة صعبة للغاية. لهذه الأسباب على وجه التحديد أميل إلى التعاطف مع وجهات نظر بياني المثيرة للجدل بشأن التحول — والتي تمثل فعلا، في رأيي، موقفا متوازنا تجاه التحول.

نصب تذكاري للإنجاز. مفاعل كازاخستان البحثي "آي جي آر"، والذي ألعب دورا في إدارته، هو المفاعل النبضي البحثي الأعلى قدرة في العالم. بيَّنت الدراسات الأولية أن من الممكن نظريا التحول إلى اليورانيوم منخفض التخصيب لكن تظل هناك عدد من المشاكل التقنية الصعبة، ومن المستحيل اختبار الكيفية التي سيعمل بها المفاعل على المدى الطويل إذا تم تحوله.

وبأخذ مثل هذه الظروف في الاعتبار، فهل حقا يجب تحول المفاعلات البحثية إلى اليورانيوم منخفض التخصيب مهما كلف الأمر؟ ماذا لو كان التحول من الصعوبة بحيث يكون مماثلا في الضرورة لبناء مفاعل جديد، كما قد يكون الحال بالنسبة للتحول المقترح لمفاعل "آي جي آر"؟ (من المشكوك فيه أنه حتى المبنى الذي يحوي مفاعل "آي جي آر"، ناهيك عن الأنظمة الرئيسية للمفاعل، يمكن الإبقاء عليه بعد التحول). هل يجب استبدال الوقود الموجود بالفعل في مفاعل ما، والذي ما زال قادراً على تقديم أداءً ممتازا لسنوات عديدة؟ وإذا كان من الواضح، كما في حالة مفاعل "آي جي آر"، أن المفاعل المحوّل لن يعمل بنفس مستوى المفاعل الحالي، يصبح السؤال: كيف يتم تخصيص كثير من الجهد والنفقات لإنشاء مفاعل محوّل يكون أداؤه أدنى من الموجود حاليا؟

مفاعل "آي جي آر" يعمل منذ أكثر من 50 عاما، وأثبت طوال هذه الفترة أنه آمن للغاية. فهو مجهز بجميع الأدوات والإجراءات القياسية التي تمنع الدخول غير المصرح إليه — كما أنه يقع في موقع سيميبالاتينسك السابق للتجارب النووية، وهي منطقة آمنة على نحو إستثنائي. علاوة على ذلك، هناك إقبال متزايد على مفاعل "آي جي آر" بسبب ملاءمته لدراسة سلوك قضبان وقود تجريبية في ظروف تحاكي وقوع حوادث خطيرة في قلوب مفاعلات القدرة.

سيكون مؤسفا، وذلك بسبب جهود التحول حسنة النية، إذا ثبت أن مفاعل "آي جي آر" غير قادر على الحفاظ على قدراته الحالية، وأن الخبرات والتقنيات التي تجمعت منذ أكثر من خمسة عقود ستفقد فعليا. لذلك، أطرح سؤالاً ليس لدى إجابة دقيقة له. هل يكون من المناسب الحفاظ على مفاعل "آي جي آر" كنصب تذكاري على الانجاز البشري، وكرمز لأحد جوانب التراث الثقافي البشري؟

ختاما، أود أن أضيف أنه حتى لو تم تحول مفاعل "آي جي آر" وجميع المنشآت التي على شاكلته إلى اليورانيوم منخفض التخصيب، فلن يختفي اليورانيوم عالي التخصيب من العالم. على سبيل المثال، يبدو أنه من غير المحتمل أن تختفي في المدى القريب مفاعلات الدفع البحرية التي تعمل باليورانيوم عالي التخصيب.

التحول إلى اليورانيوم منخفض التخصيب: ورود وأشواك

كما أثبتت المقالات المنشورة في اجتماع المائدة المستديرة هذا حتى الآن، فإن تحول المفاعلات البحثية ومنشآت إنتاج النظائر المشعة انشطاريا إلى اليورانيوم منخفض التخصيب يمكن أن ينطوي على عدد من التحديات الصعبة؛ بعضها تقني بحت وبعضها مالي والبعض الآخر متعلق بالسلامة والأنظمة الطبية، كما هو الحال غالبا مع النظائر الطبية.

أظهرت التجربة أنه يمكن عادة التغلب على التحديات التقنية للتحول في منشآت إنتاج الموليبدينوم 99. المنشآت التي تستخدم أهدافا معتمدة على اليورانيوم عالي التخصيب غالبا ما تكون لديها خبرة ذاتية لتطوير أساليب جديدة للمعالجة معتمدة على اليورانيوم منخفض التخصيب أو تعديل عمليات المعالجة الحالية لليورانيوم عالي التخصيب. عند عدم توفر الخبرة الكافية، يمكن لمشاريع مثل مبادرة الحد من التهديد العالمي ان تقدِّمَ الدعم الذي يساعد على المضي قدما في التحول .

في بعض الحالات، تكون التحديات المالية أكبر من التقنية. وأفضل طريقة للتغلب على تلك التحديات تكمن في اقتناع كل الجهات المعنية في سلسلة الإمداد بالنظائر المشعة المنتجة انشطاريا بأن التحول هام للغاية للأمن العالمي. غير أن إقناع الجميع بذلك من الممكن أن يكون صعبا في حد ذاته، لأن سلسلة الإمداد تحتوي على روابط عديدة: مصنعو أهداف اليورانيوم والمفاعلات البحثية ذاتها ومعالجو الموليبدينوم 99 ومصنعو وموزعو مولدات التكنيشيوم 99 ومراكز الطب النووي . لكن كسب تعاون جميع تلك الجهات المعنية — وكذلك تعاون الحكومات المحلية والمبادرات الدولية المعنية بعملية التقليل — تبدو الطريقة الأكثر قبولا لتمويل تكاليف التحول .

مقال الكسندر فوريم في اجتماع المائدة المستديرة الأول يصف حالة تكون فيها القضايا التنظيمية ضرورية لنجاح عملية تحول مفاعل بحثي؛ حقا إن التشريعات تلعب دورا كبيرا في العديد من سيناريوهات التحول. فالحصول على موافقة الهيئات التنظيمية للتحول لليورانيوم منخفض التخصيب من الممكن أن يستغرق وقتا طويلا (ويمكن أن يستغرق حتى وقتا أطول بالنسبة للمنشآت الجديدة). أيضا، وذلك لأسباب تنظيمية بشكل جزئي، قد تحتاج المنشآت الخاضعة لعملية التحول إلى الحفاظ على عمليات إنتاج موازية لفترة من الوقت — العملية الحالية لليورانيوم عالي التخصيب لإنتاج نظائر طبية مشعة حتى اكتمال التحول، وعملية اليورانيوم منخفض التخصيب التي تقدم دليلاً للجهات الرقابية، بينما تتم عملية التنقية.

حتى الآن استعرضت في أغلب الأحيان المنشآت العاملة فعليا. لكنى أعتقد أنه من المرغوب فيه بوضوح أن تستخدم المنشآت الجديدة لإنتاج النظائر المشعة انشطاريا أهدافاً من اليورانيوم منخفض التخصيب منذ البداية، حتى لو كان اليورانيوم عالي التخصيب يُنتج محليا. سيكون لدى بعض المنتجين الجدد القدرة على تطوير أساليب معالجة معتمدة على اليورانيوم منخفض التخصيب اعتمادا على انفسهم، وإلّا، فيمكنهم الاعتماد على برامج مثل مشروع الوكالة الدولية للطاقة الذرية المعروف باسم الإنتاج المحلي ضيق النطاق [للموليبدينوم 99] باستخدام أهداف اليورانيوم منخفض التخصيب أو التنشيط النيوتروني، والذي استفادت منه بعض الدول التي بدأت في إنتاج الموليبدينوم 99 على نطاق ضيق. أو قد تقوم الدول باستيراد تقنيات معتمدة على اليورانيوم منخفض التخصيب بطريق مباشر من دولة مثل الأرجنتين، كما فعلت أستراليا ومصر.

تعريف حد القطع. تساءل زميلي تشارلز بياني لماذا لا يمكن رفع حد القطع بين اليورانيوم منخفض التخصيب واليورانيوم عالي التخصيب إلى نسبة أكبر من 20 في المئة من اليورانيوم 235، مقترحا أن نسبة 30 في المئة قد تكون حدا فاصلا أكثر ملائمة. وقد أثار آخرون نفس المسألة — على أية حال، حدود القطع غالبا ما تكون اعتباطية إلى حد ما. ومن وجهة نظر بعض المفاعلات البحثية، فإن العوامل الاقتصادية تصب في صالح حد قطع أعلى من 20 في المئة .

أعتقد، مع ذلك، أن حد الـ20 في المئة يُعتَبرُ منطقيا. الكسندر جلاسر، وهو أستاذ بجامعة برينستون وعضو في مجلس مجلة العلوم والأمن ، احتج، في الواقع، بأن التعريف الحالي يمثل حلا وسطا جيدا بين أمرين ملحين متنافيسن لمنع الانتشار. هذا يعني، عندما تستخدم المفاعلات البحثية يورانيوم مخصب بنسب عالية، تزداد مخاطر الانتشار المتعلقة باليورانيوم، بمعنى أن تسريبه أو سرقته سيشكل مصدر قلق كبير لقضية الأمن، لكن عندما تستخدم المنشآت يورانيوم مخصب بنسب منخفضة، تزداد مخاطر الانتشار المتعلقة بالبلوتونيوم (يتم إنتاج كميات أكبر من البلوتونيوم عندما يتم تشعيع اليورانيوم المخصب بنسب منخفضة). إنني أميل إلى الاتفاق مع جلاسر بأن حد القطع الحالي "يمثل خيارا معقولا، بل قد يعتبر الخيار الأمثل كهدف تحول للمفاعلات البحثية" —  وأود أن أضيف، ولإنتاج النظائر المشعة انشطاريا
.

أيهما أفضل: التحكم في اليورانيوم عالي التخصيب أم التخلص منه؟

قدم زملائي، في مقالاتهم الأولية، وصفا لتجارب مختلفة تماما عن تحول مفاعلات الأبحاث، أو محاولة تحولها لاستخدام اليورانيوم منخفض التخصيب بدلا من اليورانيوم عالي التخصيب. حديث بابلو كريستيني عن هذا التحول في الأرجنتين يمثل نموذجا لحالة امتلكت فيها دولة نامية القدرة الذاتية لتحول أحد المفاعلات الى اليورانيوم منخفض التخصيب: الخبرة المحلية كافية لتنفيذ المشروع وحكومة البلاد تقدم الدعم الكافي. مقال الكسندر فوريم عن التحول في كازاخستان يمثل حالة تكون فيها منشأة نووية مستعدة لإجراء التحول، لكن قد تمنعها من القيام بذلك قيوداً ذات طابع وطني أو دولي. قد يكون من الصعب جداً التغلب على عقبات مثل تلك التي حدثت في كازاخستان ما لم يقتنع صناع القرار بفوائد التحول.

خبرة جنوب إفريقيا في تحول مفاعلها البحثي سفاري-1 إلى اليورانيوم منخفض التخصيب هي أكثر شبها بالتجربة الأرجنتينة منها بالكازاخستانية. في جنوب إفريقيا، كما هو الحال في الأرجنتين، كان من الممكن معالجة جميع المسائل التقنية على المستوى المحلي، وجهود جنوب إفريقيا للتحول استفادت من التعاون الحكومي القوي في النواحي القانونية والتنظيمية. ومع ذلك، يبدو أن الظروف المالية في البلدين كانت مختلفة تماما.

بداية، صادرات جنوب أفريقيا من الموليبدينوم 99 هي أكبر بكثير من صادرات الأرجنتين، لذلك لعبت الاعتبارات التجارية دوراً كبيرا جداً في مداولات جنوب أفريقيا. كذلك، بالرغم من أن وزارة الطاقة في البلاد قدمت تمويلا كبيرا للتحول، رحبت جنوب إفريقيا بالمساعدة المقدمة من الولايات المتحدة في البحث والتطوير. تمثل ذلك في شكل تقييم العمليات المحلية لتصنيع منتجات اليورانيوم منخفض التخصيب وتقديم اقتراحات للتطوير، وكذلك أداء العمليات الحسابية النظرية الخاصة بفعالية الوقود وصفائح الأهداف. (على سبيل المثال، قام مختبر آرجون الوطني بتقديم هذه المساعدة.)

مع ذلك، هناك مشكلة مستمرة. اكتمل تحول مفاعل سفاري-1 لاستخدام وقود اليورانيوم منخفض التخصيب في عام 2009 وأهداف اليورانيوم منخفض التخصيب في عام 2010 ، لكن حتى الآن لم ترخص السلطات التنظيمية لمنشئات تصنيع هدف ووقود اليورانيوم عالي التخصيب التابعة لهيئة الطاقة النووية بجنوب إفريقيا في البدء في إنتاج اليورانيوم منخفض التخصيب. لذا، يجب على هيئة الطاقة النووية حاليا استيراد صفائح اليورانيوم منخفض التخصيب من أجل الأهداف والوقود ومجمعات قضبان التحكم. وهذا يمثل خسارة تجارية غير مرغوب فيها للاكتفاء الذاتي.

ليس مقنعا جدا. كما ناقشت في مقالي الأول، قد تواجه مفاعلات الأبحاث في العالم النامي مجموعة معقدة من الاعتبارات عندما تقرر (سواءً) التحول لليورانيوم منخفض التخصيب، وتستمر في بعض الحالات المنشآت التي يتوفر بها وقود وأهداف اليورانيوم عالي التخصيب في تأخير عملية التحول، ما لم يُمارس إقناع دولي قوي للغاية. يمكن تقديم المساعدة للمفاعلات في تصدير النظائر المشعة، وصناع القرار يتفهمون بسهولة كافية هذا النوع من الحوافز التجارية. لكن حجج منع الانتشار التي توظفها الدول المتقدمة لصالح عملية التحول تكون في بعض الأحيان أقل إقناعا. هذا صحيح بشكل خاص عندما يكون تحول المفاعل صعباً للغاية. مثال ذلك (بالطبع ليس في العالم النامي) هو مفاعل فروشنجشتراكتور ميونج-II في ألمانيا. إذ يبدو التحول مستحيلا إلا إذا أمكن التغلب على  قضايا تقنية صعبة منها كثافة الوقود. عندما تعقد عقبات من هذا النوع تحول المفاعلات، فإنه بالتأكيد يصبح من المناسب أن نأخذ في الاعتبار الأنظمة الأمنية التي تستخدمها الدولة لحماية موادها النووية، بدلا من محاولة فرض التحول في جميع الحالات. أيضا، السؤال الذي طرحته في مقالي الأول هو ذو صلة هنا: لماذا لا يمكن زيادة  حد القطع بين اليورانيوم منخفض التخصيب واليورانيوم عالي التخصيب لحد ما أكثر من 20 في المئة يورانيوم 235؟ من وجهة نظري، فإن مستوى تخصيب 30 في المئة سيكون آمنا تماما من منظور منع الانتشار.

ثمة أسئلة إضافية تطرح نفسها. ما هو حد البداية الذي يشكل تقليلاً فعالاً لليورانيوم عالي التخصيب؟ متى تكون كمية اليورانيوم عالي التخصيب الموجودة بحيازة دولة أو منشأة معينة غير مقبولة؟ كيف يُجاب على هذا السؤال حين يكون الوقود جديدا، وكيف يُجاب عليه حين يكون مستنفداً؟

ألن تساهم الدول المتقدمة فى منع الانتشار بشكل أفضل من خلال تركيز جهودها وتمويلها للتحكم الملائم في اليورانيوم عالي التخصيب — سواء في منشآتها الخاصة أو في المنشآت الأكثر عرضة للخطر الموجودة في العالم النامي– بدلا من محاولتها  التخلص من جميع اليورانيوم المخصب فوق عتبة محددة؟

Round 3

إلقاء نظرة جديدة

مناقشات اجتماع المائدة المستديرة هذا شاحذة للفكر، وقد حفزتني على إلقاء نظرة جديدة على بعض القضايا التي تحيط بتحول المفاعلات البحثية في كازاخستان من اليورانيوم عالي التخصيب إلى اليورانيوم منخفض التخصيب.

المفاعلان البحثيان النوويان النشطان المملوكان للمركز الوطني النووي الكازاخستاني لا يتطلبان التزود بالوقود في معظم الأحيان. جزئيا لهذا السبب، لم تطور كازاخستان مطلقا من قدراتها لتصنيع وقود المفاعلات. في حال تم تحول المفاعلات البحثية الكازاخستانية إلى اليورانيوم منخفض التخصيب، فيبدو من المرجح أن الاعتماد على مصنعي الوقود الأجانب سوف يستمر. لذا، وللوهلة الأولى سيبدو من الطبيعي أن الشركة الروسية القائمة حاليا بتصنيع الوقود لمفاعلات المركز ستوفر وقود اليورانيوم منخفض التخصيب بعد إتمام التحول.

لكن قد لا يكون هذا طبيعياً كما يبدو للوهلة الأولى. ذلك لأن وقود اليورانيوم منخفض التخصيب، بحكم تعريفه، مخصب إلى مستوى أقل من وقود اليورانيوم عالي التخصيب، وبالتالي، لكي يعطي الوقود منخفض التخصيب أداءً مقاربا للوقود عالي التخصيب، يجب زيادة كثافة اليورانيوم في مصفوفة الوقود. لكن ذلك يتضمن اشراكا لتصنيع الوقود — في أحد مراحل العملية التي يتم خلالها تحويل الوقود المخصب في مجمعات مناسبة للاستخدام في المفاعل. بمعني أن التقنيات القائمة لإنتاج وقود اليورانيوم عالي التخصيب، حتى بعد تعديلها لليورانيوم منخفض التخصيب، قد لا تكون متوافقة مع العمليات القائمة لتصنيع وقود اليورانيوم منخفض التخصيب. مما يدل ضمنا على أنه على الأرجح سوف يجب إعادة تصميم التقنيات الخاصة بتصنيع الوقود منخفض التخصيب من الصفر.

ولأن التحول يتطلب تغييرات عديدة، يبدو أن الشركة القائمة حاليا بتصنيع الوقود للمفاعلات البحثية الكازاخستانية لن تتمتع بأي ميزة على الشركات المنافسة، سوى تاريخها في العمل مع كازاخستان. وبالتالي، يبدو من المناسب للسلطات الكازاخستانية، إذا تم المضي قدما في عملية التحول، القيام بإجراء تقييم موضوعي لكامل سوق موردي وقود اليورانيوم منخفض التخصيب، وعدم منح أي منزلة خاصة لمزود الوقود الحالي.

ثمة مسألة أخرى كرست تفكري لها نتيجة لمناقشات اجتماع المائدة المستديرة هذا، وهي الطريقة الصحيحة التي يمكن أن ينفذ بها تحول المفاعلات كازاخستانية. المفاعلات المملوكة للمركز الوطني النووي هي قيد الاستخدام المستمر للمشاريع البحثية، التي يشمل معظمها الطاقة النووية (بما في ذلك الاندماج النووي). توصل المركز لاتفاقيات مع عملاء على مواعيد عمل تمتد للعام 2018، كما قدمت مقترحات لمشروعات مستقبلية تمتد للعام 2020. تلعب هذه البرامج، بالطبع، دورا هاما في ميزانية المركز الوطني النووي. بالتالي، اغلاق أي مفاعل سيكون غير مرغوب فيه، لأن المركز سيتكبد حتما خسائر مالية أثناء عملية التحول، وحتى لو كان التحول ناجحا جدا، فإعادة بناء الأعمال التجارية للمفاعلات ستستغرق وقتا.

لذلك، إذا أردنا المضي قدما في التحول، يجب تخفيض تعطل المشاريع البحثية إلى الحد الأدنى. كيف يمكن تحقيق ذلك؟ أحد الخيارات، إذا ثبت إمكانية ذلك من الناحية التقنية، هو استبدال وقود اليورانيوم عالي التخصيب بوقود اليورانيوم منخفض التخصيب تدريجيا، من خلال عمليات مخططة لإعادة التزود بالوقود. قد يكون المركز الوطني النووي قادرا على تنفيذ هذا النهج في مفاعل "آي في جي"، حيث أظهرت الدراسات الأولية أن التحول لن يتطلب تغييرات في بعض أنظمة المفاعل — على سبيل المثال، أنظمة التحكم والحماية. ومع ذلك، فإن هذا النهج قد يتطلب من السلطات الكازاخستانية والشركاء الدوليين مثل مختبر أرجون الوطني والإدارة الوطنية الأمريكية للأمن النووي أن يتوصلوا إلى اتفاق على جدول زمني للتحول. أيضا، فإن هؤلاء الشركاء بحاجة إلى اتخاذ قرارات بشأن تقديم تعويضات عن الخسائر المالية المرتبطة بالتحول.

مسألة قليلة الجدوى. أجرى زميلاي بابلو كريستيني وتشارلز بياني مناقشة بشأن ما إذا كان حد القطع المقبول على نطاق شاسع بين اليورانيوم منخفض التخصيب واليورانيوم عالي التخصيب ينبغي الحفاظ عليه كما هو، بنسبة 20 في المئة من اليورانيوم 235، أو ما إذا كان ينبغي زيادة هذه النسبة. في رأيي، حد القطع الحالي يستند إلى معايير معقولة. وأي محاولة لتغيير حد القطع يجب أن تحظى بقبول من المجتمع النووي الدولي والهيئات التنظيمية المختلفة — لكن فرص حدوث ذلك ضئيلة للغاية، لذلك أرى أن الدعوة الى زيادة النسبة قليلة الجدوى. من وجهة نظري، إذن، ليس هناك سوى خيار واحد لتحول المفاعلات إلى اليورانيوم منخفض التخصيب، وهو القيام بذلك مع الوضع في الاعتبار حد القطع بنسبة 20 في المئة.

الأمر صعب، لكنه يستحق العناء

في مقالته الثانية في اجتماع المائدة المستديرة، وصفني الكسندر فوريم بأنني أمثل "منظورا تقليدياً" نحو تحول المفاعلات البحثية من اليورانيوم عالي التخصيب إلى اليورانيوم منخفض التخصيب. وذكر أنه من هذا المنظور التقليدي يعتبر التحول" ممكناً عملياً على المستوى العالمي." وتابع بأنه قد يكون صعباً إن لم يكن مستحيلاً  أن مفاعلات بحثية معينة ستعمل  بنفس الكفاءة التي كانت عليها قبل التحول ، في حال تحولها إلى اليورانيوم منخفض التخصيب. واقترح أنه ربما لا ينبغي محاولة إجراء التحول في مثل هذه الحالات.

أؤكد الآن، كما أكدت من قبل، أن كثيراً من الأنشطة التي تُنفذ في المفاعلات البحثية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر إنتاج النظائر المشعة، يمكن إجراؤها بإتقان كامل بعد التحول إلى اليورانيوم منخفض التخصيب. لكني في واقع الأمر، أتفق مع فوريم أنه من غير المنطقي أن يتم إيقاف التطبيقات النووية المفيدة إذا لم يمكن تنفيذها، لأسباب فنية، بالكفاءة المطلوبة بعد التحول إلى اليورانيوم منخفض التخصيب. في بعض الحالات، يكون التحول إلى اليورانيوم منخفض التخصيب ببساطة مسار عمل غير معقول. في هذه الحالات، لا ينبغي التداخل مع الأنشطة النووية.

تشارلز بياني، في مقالته الذكية والفكاهية الأخيرة ، توسع في استخدم الاستعارة التي صور من خلالها التحول إلى اليورانيوم منخفض التخصيب كأنه فيل لا يمكن أكله إلا قطعة قطعة، رغم أن بعض أجزاء هذا الحيوان قد تكون غير صالحة للأكل. هذا يوضح حقيقة الأمر، لكني أود أن أذهب إلى أبعد من ذلك، وأقترح أن هذا الحيوان الذي سيؤكل ليس مجرد فيل، لكنه فيل ضخم على نحو استثنائي – وأن أجزاءً معينة من لحمه قد تسبب عسر هضم حاد. ورغم ذلك، فقد أُعدت الوجبة، لذا يجب على متناولي الطعام بذل قصارى جهدهم لتنظيف الأطباق. وعلى أقل تقدير يمكن أن يتطلعوا إلى تناول حلوى لذيذة — إشباع رغبة تخليص العالم، إلى أقصى حد ممكن، من الاستخدام المدني لليورانيوم عالي التخصيب.

العمل مستمر. كما أكد اجتماع المائدة المستديرة هذا، فإن اتخاذ قرار بكيف واين يتم التحول لليورانيوم منخفض التخصيب قد يكون عملاً شاقاً للغاية.  مع ذلك، يمكن  تذليل هذه الصعوبات من خلال التعاون الدولي، سواء كان في شكل اجتماعات للخبراء أو من خلال البرامج المعنية بالتقليل مثل مبادرة الحد من التهديد العالمي وبرنامج التخصيب المنخفض لمفاعلات الأبحاث والتجارب. أثبتت هذه الوسائل القوية أنها كافية تماما للتغلب على مجموعة من العقبات التقنية والمالية للتحول. بمرور الوقت، في اعتقادي،  فإن مثل هذه التفاعلات سوف تنتج توافقا في الآراء حول أي المنشآت النووية ينبغي تحولها إلى اليورانيوم منخفض التخصيب وأيها ينبغي السماح لها بالاستمرار في استخدام اليورانيوم عالي التخصيب. ومع ذلك، حيثما استمر استخدام اليورانيوم عالي التخصيب، يجب الحفاظ على التدابير الأمنية لمنع السرقة أو التحويل بأعلى المستويات التي يمكن تحقيقها.

في الوقت نفسه ، لا يزال الجدل حول التحول مستمرا. ولن يمكن إيجاد مقاربة مثالية للتحول، إذا تم تعريف "المثالية" بأنها تعني القضاء على جميع مخاطر الانتشار بينما يتم التغلب أيضا على جميع العقبات التقنية والمالية للتحول. وتظل فكرة بناء الوعي بفوائد التحول مشروعٌ مهمٌ ، ينبغي أن يستمر من خلال المبادرات والمؤتمرات الدولية المتعلقة بهذه المسألة، مثل هذه المائدة المستديرة.

سوف يحتاج التحول إلى عمل جاد، وسوف يتطلب تمويلا ووقتا، وفي النهاية، فإن بعض  المنشآت التي تستخدم اليورانيوم عالي التخصيب ربما تستمر في استخدامه. لكن قناعتي بأن الجهد الدولي نحو التحول إلى اليورانيوم منخفض التخصيب يستحق كل هذا الجهد.

أكل الفيل!

في دولتي الإفريقية، عندما تواجه الناس مشكلة كبيرة وعويصة، يتساءل أحدهم عادة: "كيف نأكل هذا الفيل؟" الجواب المعهود هو: "قطعة، قطعة!" إن تقليل استخدام اليورانيوم عالي التخصيب يمكن اعتباره فيلا لا يمكن أكله، بالتأكيد، إلا قطعة، قطعة. لكن الأمر لا يخلو أيضا من أنه هناك أجزاء معينة من هذا الحيوان هي ببساطة غير صالحة للأكل.

قدم زميلاي بابلو كريستيني والكسندر فوريم وجهات نظر مختلفة بعض الشيء حول التوقيت الملائم الذي يتوقع فيه وجوب تحول المفاعلات التي تستخدم اليورانيوم عالي التخصيب إلى اليورانيوم منخفض التخصيب. لكن ظهر إجماع على نقطة واحدة: في المفاعلات التي تنتج الموليبدينوم 99، فإن تحول الأهداف (الانشطارية) إلى اليورانيوم منخفض التخصيب هو مشروع قابل للتنفيذ، على الرغم من أنه قد يكون شاقاً. تم التوصل إلى نفس هذا الحكم تقريبا في تقرير صدر عام 2012 عن وكالة الطاقة النووية ، والذي خلص إلى أنه برغم الاستثمار في المال والوقت التي تستلزمها عملية التحول، فإن "التحول مهم وسوف يحدث". على أية حال، ما دام هناك بضعة دول فقط تورد اليورانيوم عالي التخصيب، ومع استمرار هذه الدول في ممارسة الضغط على مفاعلات إنتاج الموليبدينوم لإجراء التحول، سوف تجد هذه المنشآت أن بدائل التحول المتاحة أمامها محدودة للغاية. المفاعلات التي ترغب في المشاركة في الإنتاج التجاري للنظائر الطبية ستضطر في النهاية لأكل قطعتها الخاصة من الفيل — أو تتعرض للجوع.

جزء آخر من الوجبة يشمل مفاعلات بحثية معينة تستخدم اليورانيوم عالي التخصيب وتشارك في أنشطة غير إنتاج النظائر. يتوقع عموما أن تكون المفاعلات البحثية الجديدة، بالتأكيد، مصممة بطريقة تستطيع من خلالها العمل بشكل جيد باليورانيوم منخفض التخصيب. لكن المفاعلات القديمة قد تجد لحم الفيل قاسيا وغير سائغ للبلع. سبب ذلك في الأساس هو أن خيارات إعادة تشكيل قلوب المفاعلات تكون محدودة في المفاعلات البحثية ذات التصاميم القديمة. في هذه الحالات — على سبيل المثال في مفاعل "آي جي آر" بكازاخستان الذي يعمل به فوريم — فإن التحول يتضمن أداءً منخفضاً في كثير من الحالات.

في هذه المنشآت، يمكن أن يقدم العالم المتقدم المساعدة في تطرية اللحم من خلال توفير الدعم التقني والمالي لجهود التحول. لكن دعما من هذا النوع لن يكون دائما كافيا — ما دام حد القطع بين اليورانيوم منخفض التخصيب واليورانيوم عالي التخصيب لا يزال محددٌا بـ 20 في المئة يورانيوم 235. لذلك في حالات قليلة، لا يمكن ببساطة تقديم الوجبة، وأية استراتيجية دولية معنية بالتقليل تهدف إلى جعل جميع المفاعلات البحثية آمنة تماما من منظور الانتشار لن تنجح على الأرجح. قاعدة بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخاصة بالمفاعلات البحثية تعطي مؤشراً على حجم المشكلة: بِضْعُ عشرات من المفاعلات الواردة في هذه القاعدة لديها مقدرة مالية أو تقنية قليلة للتحول بالاعتماد على نفسها. ولأكون أكثر تحديدا في هذه النقطة، ليست لديها رغبة حقيقية في التحول. عندما يتعلق الأمر بأكل الفيل، فإنها ليست جائعة  تماماً.

حتى لو لم يمكن إنجاز التحول في جميع الحالات، يمكن للدول المتقدمة أن تسهم في منع الانتشار من خلال الاستمرار في إجراء تقييمات مخاطر مخزونات اليورانيوم عالي التخصيب في الدول النامية، والمساعدة في تحسين برامج أمن وإدارة المواد عندما يكون ذلك مناسباً. المخزونات التي تشكل أعلى المخاطر — على سبيل المثال، مخازن الوقود الجديد من اليورانيوم عالي التخصيب في الدول النامية التي لديها برامج غير كافية للأمن ولإدارة المواد — ينبغي إيلاؤها أولوية خاصة. الوقود المستهلك، نظرا لنشاطه الإشعاعي المرتفع، يمثل في حد ذاته رادعاً ضد السرقة أو التسريب إلى حد ما.

الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية قد تمثل مشكلة أكثر إثارة للقلق من المفاعلات البحثية. الغواصات، من حيث التعريف، تكون أجسامها معزولة معظم الوقت. لكنها حتماً ستمر بموانئ للضرورة في الدول الأجنبية، سواء أكان مخطط لذلك أم لا، وليس ممكنا في الواقع تطبيق منظومة الأمن المناسبة على منشآت متحركة بطبيعتها. وكما أشار فوريم في مقالته الثانية، فإن من غير المحتمل أن يتم التخلص من استخدام اليورانيوم عالي التخصيب في الاستخدامات البحرية في المدى قريب.

لكن عندما يتعلق الأمر بالمفاعلات البحثية، يصبح التحول إلى اليورانيوم منخفض التخصيب في المنشآت التي تنتج النظائر المشعة الطبية بمثابة وجبة مقدمة على الطاولة فعلا، وسوف يتم تناولها بسرعة نوعا ما. إن تحول جميع المفاعلات البحثية إلى اليورانيوم منخفض التخصيب، برغم ذلك — قد يكون هذا الحيوان أصعب من تناول فيلٍ.



 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]