The authoritative guide to ensuring science and technology make life on Earth better, not worse.

كيف سيكون مسار الأمن النووي ما بعد قمة 2016؟

في خطابه الشهير بالباراغواي عام 2009  الذي يٌستَشٌهد به بين كثيرا، أعلن باراك أوباما عن "مساع دولية جديدة لتأمين المواد النووية غير الحصينة في جميع انحاء العالم في غضون اربع سنوات". وجاءت  ذروة هذه الجهود على شكل سلسلة من القمم المتعلقة بالأمن النووي، كان أولها في واشنطن عام 2010، ومن المزمع عقد اخرها في واشنطن ايضاً خلال الايام القليلة القادمة. ومن الواضح ان المبادرة "[لم] تؤمن جميع المواد النووية غير الحصينة،" ولم تحقق المبادرة المرجو منها خلال الأربع سنوات الماضية، ولكن ذلك ليس بالضرورة مدعاة للقول بأن الجهود باءت بالفشل – او انه لم يكن هناك ما يدعوا لاطلاق هذه المباردة. فيما يلي يناقش خبرا من الكاميرون وتركيا والولايات المتحدة ما حققته قمم الأمن النووي ؛ وما الذي يتوجب القيام به لضمان تأمين المواد النووية في جميع أنحاء العالم؛ وهل حري بالمجتمع الدولي الاستمرار في سلك هذا المسار بعد القمة الأخيرة المزمع انعقادها قريباً.

Round 1

لماذا يجدر الاستمرار في عقد قمم الأمن النووي

تذخر الأخبار المتداولة هذه الأيام بالتحذيرات من أن البرامج النووية المدنية تشكل خطراً أمنياً جسيماً. وفي أعقاب هجمات بروكسل الارهابية، أصبح البلجيك قلقين بشأن أمن التجهيزات النووية ببلادهم. وذكرت مبادرة التهديد النووي أن المنشآت النووية قد تكون عرضة لأعمال التخريب عن طريق الاختراق الالكتروني أو قد تكون عرضة للسرقة.  وبالتأكيد فإن حادثة محطة الطاقة النووية فوكشيما والتي تسببت في جعل منطقة كبيرة حول موقع الحادث غير صالحة للعيش لعدة قرون، توضح لنا العواقب المترتبة على حدوث اختراق أمني لمنشأة نووية من قبل بعض الأيادي الشريرة. وما هذه سوى امثلة قليلة توضح التحديات الضخمة التي يواجهها العالم من أجل ضمان الأمن للبرامج النووية المدنية.

اذا كيف يمكن للدول، مع وجود كل هذه التحديات، التعاون فيما بينها لمواجهة هذه التهديدات متعددة الأوجه؟

تكمن جزء من الإجابة على هذا السؤال في أبجديات الشؤون الدولية: فالقاعدة الأولى تقول أنه إذا ما اردت تحقيق تقدما ما، عليك بتنظيم اجتماع. فالاجتماعات ما هي سوى اليات لاتخاذ القرارات في عرف الدبلوماسية؛ اذ من خلال هذه الاجتماعات تجبر الحكومات والأنظمة البيروقراطية على الوصول الى قرارات بشأن قضايا جوهرية. ويكمن المعيار الذهبي، بطبيعة الحال،  في عقد اجتماع يكون على مستوى زعماء الدول. فإذا ما استطعت الزام زعماء الدول على حضور أكثر من اجتماع حول قضية بعينها، فإنك بذلك تكون قد حصلت على اعلي مستوى من الالتزام السياسي التي يمكن ان تقدمه دولة ما، ولا يتبقى سوى ابرام اتفاقية ملزمة قانونياً.

ولهذا السبب، فقد قدمت قمم الأمن النووي، التي بدأت عام 2010، وعقدت على مستوى زعماء الدول مرتين كل عامين منذ اطلاقها، دعما قوياً ساهم في زيادة اهتمام الولايات المتحدة وغيرها من الدول بقضية الارهاب النووي. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، كيف يمكن للدول التوقف عن عقد قمم الأمن النووي بعد هذا التقدم الملحوظ الذي حققته في تحسين وضع الأمن النووي؟

تحفيز التقدم. يشار الى خطاب الرئيس باراك اوباما الذي القاه بالبراغواي عام 2009 باعتباره رؤية شاملة للعمل نحو عالم خال من الأسلحة النووية. وكان الجزء الأهم من خطاب اوباما عبارته تلك التي قال فيها :"يجب ان نضمن عدم حصول الإرهابيين على الأسلحة النووية، لأن ذلك يمثل الخطر الأكبر والأكثر الحاحا للأمن العالمي. لذلك فإنني أعلن اليوم عن بدء مسعى دولي جديد لتأمين المواد النووية غير الحصينة في جميع أنحا العالم في غضون 4 أعوام". وكانت هذه التصريحات ايذاناً بمولد قمم الأمن النووي.

 وقد بات من الواضح أن مسألة تأمين جميع المواد النووية غير الحصينة ستسغرق وقتاً أطول من مدة الأربعة أعوام التي حددها الرئيس اوباما. لكن لا يكمن انكار حقيقة ان القمم قد عملت على تحفيز التقدم المحرز تجاه تأمين المواد النووية في دول العالم. فعلي سبيل المثال، ، أعلنت 12 دولة في بيان مشترك خلال قمة عام 2014 عن تخلصها من اليورانيوم عالي التخصيب داخل حدودها. كما أسفرت القممم عن مجموعة من المساعي – من بينها على سبيل المثال، جهود تعزيز المبادرة الدولية لمكافحة الإرهاب الدولي التي تهدف الى تعزيز الأنظمة الدولية التي تحمي المواد النووية وتمنع وقوعها في ايدي الارهابيين.

وبعيدا عن النتائج التي خرجت بها القمم، الا أنه يمكن القول بأن هذه القمم حققت أولى أهدافها المتمثلة في حث الحكومات على تركيز اهتمامها بقضية الأمن النووي وجعل تلك القضية في مقدمة أولوياتها. فقد شكًلت القمم أداة ضغط على الحكومات لاتخاذ الاجراءات حيال الأمن النووي.  فبدون وجود سلسلة القمم كوسيلة لتركيز الاهتمام،    يكون من النادر مشاركة زعماء العالم بشكل مباشر في الاجتماعات المتعلقة باتفاقية حظر الانتشار النووي او العمليات التابعة لها، على الرغم من ان هذا الإطار يحكم معظم جهود العالم الرامية الى تعزيز الأمن النووي. ورغم ان نتائج القمم تبدو عادية في ظاهرها – الا أنها في حقيقة الأمر بالغة الأهمية – اذ تغيب عن اجندة المؤتمرات الدولية غالباً العديد من القضايا الهامة، مثل ضمان الأمن في محطات الطافة النووية.  ولكن سلسلة قمم الأمن النووي غيرت هذا الوضع. اذ تجمع تحت مظلتها زعماء الدول مرة كل عامين لمناقشة قضية الأمن النووي ولا شئ غيرها.

علاوة على ذلك، دُشًنت هذه القمم لتمنح زعماء العالم، الراغبين في تأكيد دورهم المساهم في الأمن العالمي، الفرصة لتقديم التزامتهم الخاصة بتأمين المواد النووية – والقيام بذلك بمرأى ومسمع العديد من زعماء دول العالم الكبرى والقوية. كما تُشًكِل القمة أداة ضغط لدفع الدول على تقديم التزامات فاعلة. فقلما وجدت من بين زعماء الدول المشاركين من يصر على عدم تقديم اية التزامات اثناء مشاركته في القمة.

ولكن الأمر الجميل في هذه القمم – او في جزء منها، على اية حال، انها لا تتبع للأمم المتحدة او الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لذلك فإن الالتزامات التي تصدر عن الدول خلال القمم لا تطلب اجماعاً او الاحتكام الى القاسم المشترك الأدنى. ويبذل القائمون على القمم جهود حثيثة للحصول على التزامات من قبل الدول من خلال بيانات ختامية موحدة، كما أنها أيضاً استحدثت آليات جديدة سميت رمزياً بـ"هدايا المنزل" – ويقصد بها قيام دولة ما بتقديم التزامات أحادية الجانب بشأن الأمن النووي – و"سلات الهدايا" – وترمز الى قيام مجموعات صغيرة من الدول بتقديم التزامات متعددة الأطارف. هذه المرونة ساهمت اسهاماُ كبيرا في فاعلية القمم.

عمل متواصل. لا تزال هناك حاجة الى معالجة الكثير من المسائل من أجل تحسين الأمن النووي. اذ يوضح مؤشر الأمن النووي لعام 2016 الصادر عن مبادرة التهديدات النووية، انه لا تزال الكثير من المواد والمنشآت النووية في جميع ارجاء العالم غير حصينة. وتشمل أوجه المخاطر احتمالية القيام بعمل ارهابي تخريبي ضد المنشآت النووية الكترونيا او القيام بعمل تخريبي بالمنشأة. ويسرد مؤشر الأمن النووي تصنيفاً جديداً للتخريب يوضح ان "العديد من الدول التي تسعى لانشاء محطات طاقة نووية تعاني من اجل وضع تدابير اساسية ضروية لمنع شن عمل تخريبي يسفر عن تلوث اشعاعي يساوي في حجمه التلوث الناجم عن كارثة مفاعل فوكوشيما باليابان سنة 2011.

من المقرر ان تصدر عن قمة واشنطن التي تختم في الأول من ابريل، وثيقة موحدة بشأن مستقبل عملية القمة. ومن المتوقع ان تشتمل هذه الوثيقة على تصور يقضي باضطلاع خمس منظمات وشراكات دولية بتنفيذ توصيات القمم وقراراتها وهذه الجهات هي: الأمم المتحدة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والشرطة الجنائية الدولية "الانتربول"، والمبادرة العالمية لمكافحة الارهاب النووي، والشراكة العالمية لمكاحفة انتشار أسلحة الدمار الشامل، والمواد المستخدمة في صنعها. وهذا التصور منطقي من وجهة نظري. اذ لا بد من تنفيذ الاتفاقيات المبرمة خلال القمم، كما ان افضل طريقة لمراقبة عملية التنفيذ تكمن في المتابعة اللصيقة من قبل المؤسسات والشراكات القائمة.

ويفرض حجم التحديات أمام الأمن النووي على الدول الاستمرار في عقد القمم الى ما بعد انتهاء ولاية الرئيس اوباما. وإذا ما أردنا ان تستمر الدول في تقديم التزامات صعبة لمنع الارهاب النووي – واذا ما اردنا التحفيز لالتزامات جديدة مع الالتزام بتنفيذ الالتزامات السابقة، فإنه لا سبيل إلى تحقيق ذلك دون الاستمرار في عقد قمة الأمن النووي على مستوى الزعماء كل عامين. من الصعب الزام زعيم دولة بالمشاركة في القمم الدولية لكل قضية جديدة هامة تخرج الى العيان. ولكن من الأصعب ان يجد رئيس دولة ما المبرر المقنع لعدم المشاركة كل عامين في قمة تستمر لمدة يوم واحد من اجل حشد الدعم في مواجهة الارهاب النووي.

ان وقف سلسلة القم الان مثله كمثل متسابق يخرج عن مضمار حلبة السباق رغم تقدمه، مع وجود اختلاف واحد فقط هو أن الأمن النووي من السباقات التي لا يمكن خسارتها.

هدايا منزلية، سلات الهدايا، وهدية الأمن النووي بعد 2016

في نوفمبر من العام 2015، سُرِقَت عشرة جرامات من النظائر المشعة للايريديوم – 192 من إحى منشآت التحزين قرب مدينة البصرة. وفي الشهر نفسه – وفي أقل من اسبوعين عقب الهجمات الارهابية التي استهدفت باريس – ظهرت صورة لأحد المشتبه بتورطه في تلك الهحمات في كاميرا مراقبة خاصة بمسؤول بلجيكي رفيع المستوى يعمل في المجال النووي. ورغم العثور على المواد المشعة التي أعلن عن فقدها في العراق خارج محطة بنزين في بلدة تقع على مسافة 9 أميال من البصرة، الا ان هاتين الحادثتين اثارت مخاوف من مغبة حصول جماعات اسلامية مثل تنظيم الدولة على مواد مشعة وتصنيع جهاز مشتت للأشعة، والذي يعرف عادة باسم القنبلة القذرة.

وتؤكد مثل هذه الحوادث السبب الذي من أجله قال الرئيس باراك اوباما في خطابه بباراغواي عام 2009 بأن "اخطر التهديدات على الأمن القومي واكثرها الحاحا" يكمن في احتمالية حصول الإرهابيين على أسلحة نووية. هذه المخاوف دفعت الرئيس الأمريكي الى بدء سلسلة قمة الأمن النووي، التي انطلقت في واشنطن بعد مضي نحو عام على خطابه بباراغواي. ويشهد العام 2016 نهاية فترة ولاية الرئيس اوباما ويشهد كذلك نهاية سلسلة مؤتمرات الأمن النووي. ومن المتوقع ان تحدد القمة الأخيرة، التي ستعقد في واشنطن ايضاً، مستقبل مسار الأمن النووي.

ويترتب على وضع مسار بناء للأمن النووي الكثير من الأمور. فقد أسفرت سلسلة القمم عن احراز بعض التقدمات في مجال الأمن النووي، بيد أنه لم يتم حتى الان ارساء نظام عالمي دائم للأمن النووي. وفشلت سلسلة القمم كذلك في الخروج بحلول إقليمية قوية للأمن النووي. كما لم ينتج عن الققم وضع نظام لإحكام الرقابة على المواد النووية العسكرية  – ولعل أكبر تلك الإخفاقات وجود جزء من مخزون العالم من المواد النووية في حوزة المدنيين. بيد أن العائد الأهم المحتمل من القمة الرابعة والأخيرة يكمن في وضع خطة قوية للحفاظ على الزخم الذي حققته القمم حتى الان.

نجاحات واخفاقات. لم تقدم سلسلة القمم حل سحرياً لتهديدات الأمن النووي. بيد أنها أسفرت عن بعض الانجازات الملموسة.  ففي المقام الأول، لفتت القمم انتباه رؤساء الدول الى قضية الأمن النووي. فمنذ بداية سلسة القمم وحتى الان، قامت نحو 12 دولة بالتخلص من المواد النووية الصالحة للاستخدام العسكري من داخل اراضيها. كما قامت نحو 14 دولة بإغلاق مفاعلات نووية تعمل باليوارنيوم عالي التخصيب او قامت بتحويلها لتعمل باليورانيوم منخفض التخصيب. ونتج عن القمم ايضاً ايقاف نحو 24 مفاعلاً يعمل باليورانيوم عالى التخصيب. كما تم التخلص من نحو 3000 كجم من اليورانيوم عالي التخصيب والبلوتونيوم كانت موجودة في حوزة 27 دولة.

كما أسفرت عن القمم نتائج اتسمت في أغلبها بتعدد أطرافها. ففي قمة العام 2010، تمحورت النقاشات حول الأجندة المدعومة من قبل الويات المتحدة الأمريكية بشأن المواد الانشطارية ذات الاستخدام المدني والتي اشتملت على مواضيع مثل "هدايا المنزل" (ويقصد بها "الالتزامات الطوعية….. التي تقدمت بها كل دولة على حدة…. لتحسين وضع الأمن النووي"). وفي مدينة سول في عام 2012، توسعت المحادثات لتشمل أجندة عالمية بشأن السلامة النووية وتنفيذ الأمن – وعُزِز التعاون الإقليمي في مجال الأمن النووي من خلال "سلة الهدايا" (ويقصد بها تلك الالتزامات التي تقدمت بها دول متعددة "خارج إطار البيان الختامي للقمة"). وفي مدينة لاهاي في العام 2014، أعلنت 35 دولة عن التزامها بمبادرة تعزيز تنفيذ الأمن النووي. وهي المبادرة التي نشرتها لاحقاً الوكالة الدولية للطاقة الذرية من خلال النشرة الإعلامية 869 بشأن التزام الدول بالتوصيات التي وضعتها الوكالة بشأن الأمن النووي. لكن رغم هذه الانجازات، تظل هناك تحديات كبيرة يجب تناولها خلال القمة الأخيرة وما بعدها.

ويكمن التحدي الأول في تحقيق قبول أوسع نطاقاً للاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالأمن النووي والتزام الدول بها. وتعتبر اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية التي وقعت عام 1980، هي الاتفاقية الدولية الوحيدة الملزمة قانونياُ فيما يتعلق بالحماية المادية للمواد النووية. وفي عام 2005 طرأت بعض التعديلات على الاتفاقية لتوسع من نطاقها، خاصة فيما يتعلق بقضايا سرقة المواد النووية او القيام بعمل تخريبي ضد منشآت نووية. ولكن لم يتم انفاذ التعديل حتى الان – نظراً لعدم مصادقة بعض الدول عليها، اذ صادقت على التعديلات نحو 94 دولة فقط من اجمالي 101 دولة. على جانب اخر، تعتبر الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الارهاب النووي الموقعة عام 2005، والمعنية بمحاكمة وتسليم المتورطين في قضايا الارهاب النووي، في موضع التنفيذ بالفعل – لكن لم تصادق عليها 77 دولة من اصل 152 دولة تمتلك أقل من 1 كجم من المواد النووية القابلة للاستخدام العكسري. ولعل أحدث المبادرات المتوقع الالتزام بها هي نشرة معلومات الوكالة الدولية للطاقة الذرية 869 المذكورة أعلاه، والتي من المنتظر أن توقع عليها دول جديدة خلال قمة 2016. ومن الضروري تحقيق التزام اوسع نطاقاً بهذه الصكوك من أجل تعزيز الأساس القانوني لنظام عالمي يعنى بالأمن النووي، بالإضافة الى وضع الية للدعم المؤسسي لهذا النظام المأمول وتسهيل عملية تنفيذه.

اما التحدي الثاني فيكمن في تعثر بعض مبادرات الامن النووي بسبب ندرة الحلول الاقليمية لهذه المشكلة. فقد تناولت كل من قمم الأمن النووي وقمم الصناعة النووية الموازية، معايير الأمن النووي وطرق تقييم التزام الدول بتلك المعايير. الا انها لم تلقي الضوء على الطلب المتزايد للطاقة النووية في العديد من المناطق، مثل منطقة الشرق الأوسط، التي تعاني من الصراعات والتطرف العنيف. وتعتبر هذه اشكالية لأن أفضل تقييم لمناطق الخطر يكون عند المستوى الاقليمي. وما هو مسلم به، فإن الاستجابة الى الانتهاكات المرتبطة بالأمن النووي ومحاكمة المتورطين في تهرب المواد النووية والأخرى الاشعاعية  تطلب القيام بتنفيذ توصيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعتمد أيضا على الأطر التشريعية الوطنية والقوانين الجنائية وبذل التعاون بين الدول عبر الحدود. واتسمت سلسلة القمم بمشاركة اقليمية محدودة للدول غير الأعضاء ومشاركة محدودة للمعلومات فيما بينها. لذلك لا بد من وضع اليات اقليمية من شأنها تحميل الحكومات مسؤولية أمنهم النووي.

ويكمن التحدي الثالث القائم في تضمين قضية المواد النووية العسكرية في نقاشات الأمن النووي. ولقد قامت الدول الراغبة في ازالة المواد النووية المستخدمة للأغراض المدنية بذلك بالفعل. وهذا يعني أنه لن يمكن تحقيق سوى قدر ضئيل من التقدم مالم لم يتم تناول قضية المواد النووية المستخدمة للأغراض العسكرية. فهذه المواد تشكل ما نسبته 83% من مخزون العالم لليوارنيوم عالى التخصيب والبلوتنيوم، ولاتزال تلك المواد غير خاضعة للرقابة الدولية. وهذه المواد المستخدمة للأغراض العسكرية مثلها مثل المواد المستخدمة للأغراض النووية قد تكون عرضة للسرقة (خاصة أثناء عملية النقل) أو التخريب المادي او التخريب االكترونيا) كما يمكن وقوعها في يد الغير خطأ. والحل الأول لمعالجة هذه المشكلة يكمن في قيام الدول، في إطار التعاون العسكر فيما بينهما، بتبادل أفضل الممارسات والمعلومات الأخرى الحساسة المتعلقة بتأمين المواد النووية المستخدمة للأغراض العسكرية.

نقص الحافز؟ تخطط الوكالة الدولية للطاقة الذرية لعقد اجتماعات على المستوى الوزاري بشأن الأمن النووي كل ثلاثة أعوام. لكن عصر ما بعد قمم الأمن النووي سيشهد انخفاضاً في المشاركة على مستوى الزعماء، وهذا بالتالي سيضعف الحافز لدى الدول في تحسين أمنهم النووي. فلقد قررت روسيا بالفعل عدم المشاركة في قمة 2016– حيث ترى موسكو أن الوكالة لدولية للطاقة الذرية وحدها هي التي يتعين عليها الاضطلاع بالدور الرئيس فيما يتعلق بالأمن النووي، مؤكدة أنه لم تعد هناك أجندة يجدر طرحها ومناقشتها بشأن الأمن النووي. وتمتلك روسيا والولايات المتحدة الأمريكية نحو 90 % من المواد النووية في العالم، لذلك فإن عدم وجود حوار بين روسيا وأمريكا بشأن الأمن النووي يعد مدعاة للقلق، كما تشهد العلاقة الحالية بين الجانبين توتراً وحالة من عدم الثقة بسبب أزمة أوكرانيا والنزاع الدائر في سوريا. وفي أي الأحوال، يتعين على واشنطن طرح خطة قوية لاستمرار الحوار الدولي رفيع المستوى للحفاظ على التقدم المحرز وفعالية القمم.

الحفاظ على التقدم في الأمن النووي بعد انتهاء قمم الأمن النووي – وجهة نظر أفريقية

ترى العديد من الحكومات – كالحكومة الروسية ، على سبيل المثال، ان قمم الأمن النووي استنفدت قدرتها على توجيه المجتمع الدولي نحو تأمين المواد النووية. وهذا القول غير صحيح بل ويعد خطيراُ. فالإرهاب النووي والإشعاعي لا زالا يشكلان تهديداً وسيظلان هكذا في المستقبل القريب. ورغم ان القمم قد احرزت تقدما جيداً نحو تحقيق أجندة تلك الدول، إلا أنه لا تزال هناك العديد من القضايا التي لم تحل بعد.

وفي قارة افريقيا التي انتمي اليها على سبيل المثال،  هناك غياب واضح للتدابير الأمنية الملائمة. وفي العديد من الدول بما في ذلك تلك الدول التي تشهد انشطة للجماعات الإرهابية، لا يشمل الحكم الرشيد تحت مظلته كل المناطق مع وجود افتقار واضح للتشريعات. وفي افريقيا وحدها أعلنت أكثر من 20 دولة عن رغبتها في تنفيذ برامج للطاقة النووية. كما تخطط دولة جنوب افريقيا، وهي الدولة الوحيدة في القارة السوداء التي تمتلك محطات توليد كهرباء تعمل بالطاقة النووية، الى زيادة قدراتها في مجال الطاقة النووية . لذلك لا بد بأي حال من الأحوال استمرار فاعلية القمم الى ما بعد 2016.

أمور كثيرة يفتخر بتحقيقها. يعتبر خفض عدد المواقع التي تُخًزن بها المواد النووية التي يمكن استخدامها في صنع القنابل النووية في جميع انحاء العالم من بين أهم الانجازات التي حققتها سلسلة مؤتمرات الأمن النووي. ويعد هذا الانخفاض بالغ الأهمية لأنه اذا ما تم تزويد جميع المفاعلات النووية المستخدمة للأبحاث وانتاج النظائر المشعة باليورانيوم منخفض التخصيب بدلاُ من اليورانيوم عالى التخصيب، وقامت الدولة الموردة باستعادة وقود اليورانيوم المستنفذ عالي التخصيب، فإن من شأن ذلك زيادة العقبات امام الجماعات الإرهابية التي تسعى الى شن هجمات بالقنابل النووية الخام من النوع المدفعي . 

لقد قدمت أفريقيا اسهاماً هاما في التخلص من اليورانيوم عالي التخصيب المخصص للاستخدامات المدنية ودعمت استخدام الوقود المستنفذ. ففي عام 2010 انتهت جنوب افريقيا من تحويل مفاعلها سفاري 1 – الذي ينتج الموليبدينوم-99، أحد اهم أنواع النظائر المشعة المستخدمة في المجال الطبي عالمياً- ليعمل بالوقود منخفض التخصيب. وأصبح سفاري 1 أول مفاعل على مستوى العالم يتم تحويله ليعمل بالوقود منخفض التخصيب ويبدأ في انتاج الموليبدينوم-99 على نطاق واسع. إضافة الى ذلك تم ازالة 6.3 كجم من وقود اليورانيوم المستنفذ عالي التخصيب والمنتج في الولايات المتحدة من إحدى المنشآت البحثية بجنوب أفريقيا في عام 2011.

ومن بين الانجازات الهامة الأخرى لسلسة مؤتمرات الأمن النووي تقديم الدعم على المستويات الوطنية والثنائية ومتعددة الأطراف لمبادرات التعليم والتدريب الرامية الى تطوير الموارد البشرية وبناء القدرات. فعلى سبيل المثال، ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها في عام 2012 "قدمت اكثر من 80 دورة تدريبية شملت جميع مجالات الأمن النووي وشارك فيها أكثر من الفي شخص". وفي عام 2015 ، مكنت الولايات المتحدة أكثر من 40 خبيرا نووياً  جميعهم من دول نامية، بما في ذلك مصر والمغرب ونيجريا وجنوب أفريقيا، من حضور الاجتماع السنوي لمعهد إدارة المواد النووية، واكتسب هؤلاء الخبراء المعرفة اللازمة بشأن تعزيز  ثقافة الأمن النووي في دولهم.  وكانت الدورات التدريبية التي وفرتها تلك البرامج ضروية لضمان فاعلية واستدامة انظمة الأمن النووي.

وأخيرا وليس آخرا، انضمت العديد من الدول الى اتفاقيات مكافحة الإرهاب النووي خلال القمم المنعقدة. ومنذ ان بدأت سلسلة القمم الخاصة بالأمن النووي ، صدقت عشر دول أفريقية من بين دول أخرى على تعديلات اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية لسنة 2005. كما انضمت عدة دول أفريقية الى الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي. وهكذا وبإنضمامها الى تلك الاتفاقيات، تظهر دول أفريقيا التزامها الإقليمي نحو تعزيز النظام العالمي للأمن النووي.

قضايا أخرى تركت دون حل. على الرغم من هذه النجاحات الملحوظة، الا ان هناك ثمة أهداف أخفقت القمم في تحقيقها. من بين هذه الأهداف مسألة الحد دون استخدام اليورانيوم عالى التخصيب في المفاعلات البحثية متى كان ذلك ممكنا فنياً واقتصادياً.  في افريقيا وحدها، يوجد لدى سبع دول ثمانية مفاعلات نووية بحثية عاملة، من بينها اثنان يعملان باليورانيوم عالي التخصيب، أحدهما في دولة غانا والآخر في نيجيريا. وجاري حالياً تحويل كلا المفاعلين للعمل باليورانيوم منخفض التخصيب. وعندما تكتمل عملية التحويل تكون القارة الأفريقية قد ازالت اليورانيوم عالى التخصيب من الاستخدامات النووية المدنية ويقترب العالم اكثر الى التحرر من الارهاب النووي.

تبقى مسألة تهاون بعض الدول، خاصة الدول النامية، بشأن تهديدات الأرهاب النووري من بين التحديات الماثلة التي يجب التصدي لها. فلا تضع أغلبية الدول النامية قضية الإرهاب النووي في اولويات أجندتها للأمن القومي. وتكتفي فقط بتخصيص بعض الموارد المالية والبشرية لقضية الأمن النووي. وحقيقة يطمئن العديد من الساسة في افريقيا بأنه من المستبعد تماماً وقوع حادث ارهابي باستخدام مواد نووية في دولهم. وهذا غير صحيح، فوفقاً لتقديرات النظام العالمي للأمن النووي، تعتبر هذه الدول الأفريقية بمثابة فرص قابلة للاستغلال من قبل الجماعات الارهابية. ولعل حادثة اختراق مفاعل ﺑﻴﻠﻨﺪﺍﺑﺎ البحثي بجنوب أفريقيا عام 2007 خير دليل على  ان التهاون هو المفتاح  الأول للإختراق الأمني حتى ولو كانت تلك الدول متقدمة في المجال النووي ولديها خبرة تمتد عدة عقود في هذا المجال. والشاهد أنه لا يمكننا ابدا أن نطمئن الى سلامة النظام الأمني النووي طالماً بقيت مسألة التهاون قائمة لدى بعض الدول.

المسألة الأخيرة التي لم يفصل فيها بعد تكمن ببساطة في استمرار وجود تهديد الارهاب النووي ذاته – كتهديد خطير وواقعي وليس مجرد رواية لعمل هوليودي. فبحسب التقرير الذي نشره "بروجكت اون مانجينج ذي اتوم" أو مشروع إدارة الذًرة عام 2014، يمتلك الإرهابيون الدوافع والوسائل والفرص [لارتكاب]  جريمة شنعاء. وطالما وجدت النية للقيام بعمل تدميري واسع النطاق، وتوفرت المواد اللازمة لانتاج الأسلحة النووية سيظل خطر الارهاب النووي قائماً.

لا مجال للتوقف. مع اقتراب عقد القمة الأخيرة من سلسلة قمم الأمن النووي كيف يمكننا الاستمرار في ايجاد حلول للقضايا التي لم يفصل فيها خلال هذه المؤتمرات. أرى أن الحل الأقوى يكمن في الخروج من القمة بقرار انشاء مؤسسات أمنية على غرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية والشرطة الجنائية الدولية (الانتربول)، على أن تقوم كل مؤسسة بحسب قدراتها وبالاعتماد على طاقمها وإطار عملها بتناول مجموعة محددة من القضايا الأمنية. هذا الحل من شأنه إشراك جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بما في ذلك الدول التي لم تشارك في قمم الأمن النووي، في تعزيز الأمن النووي.

ويكمن الحل الأخر لضمان استمرار فاعلية قمم الأمن النووي في طرح مبادرات جديدة او توسيع نطاق المبادرات القائمة الخاصة بالتدريب ووضع المعايير في مجال الأمن النووي. ويعد العامل البشري من أهم العوامل في مجال الأمن النووي لذلك يجب تطوير المهارات والمعرفة والقدرات لدى العاملين في مجال الأمن النووي. والسبيل نحو تحقيق هذا الهدف يكمن في قيام الدول المشاركة في قمة 2016  بالاتفاق على الانفاذ الكامل لاختصاصات أكاديمية وينز للتدريب والاعتماد (وينز أكاديمي) التي جاءت بمبادرة من المعهد العالمي للأمن النووي. وفي اي الأحوال، عندما تتاح برامج التدريب لكل الدول وتحصل الدول على أفضل الممارسات ويتم تطبيق ثقافة موحدة للأمن النووي، يصبح بمقدور الدول والمنظمات امتلاك الكفاءات البشرية والأدوات التي تساعدهم على تحديد ومعالجة مواطن الضعف في انظمة الأمن النووي لديها.

أخيراً، من الممكن ضمان استمرار فاعلية سلسلة القمم النووية اذا ما اتفقت الدول المشاركة في قمة الأمن النووي 2016 على طرق لتعزيز التبادل الشامل للمعلومات على المستويين الإقليمي والعالمي. فبهذه الطريقة يصبح الساسة في دول العالم النامي على دراية بالأخطار الحقيقة المرتبطة بالارهاب والمواد النووية – وبالتالي تتولد لديهم العزيمة على تحسين تدابير الأمن النووي في دولهم.  

سبب اخر لزيادة أعداد الوفيات. لم يحدث ابدا وان سمعنا عن وقوع عمل ارهابي باستخدام سلاح نووي. ورغم ذلك يجب تأمين المواد النووية غير الحصينة – لعدة أسباب ليس أقلها أن وقوع اي هجمة ارهابية باستخدام سلاح نووي في مدينة ما، وفي ظل وجود اقتصاد معولم، من شأنه ، بحسب قول أمين عام الأمم المتحدة السابق كوفي عنان، "أن يدفع عشرات الملايين من الاشخاص نحو فقر مدقع"، الأمر الذي يترتب عليه "خلق سبب آخر لزيادة أعداد الوفيات في جميع انحاء دول العالم النامي." ومع الأخذ في الحسبان الخطر الكبير الذي يشكله الإرهاب النووي، فإن تحقيق الاستمرارية لفاعلية القمم بطرق ملائمة ومدروسة يعد استثماراً مستدام في مجال الأمن النووي.

Round 2

ما هي الخطوات المقبلة بعد انتهاء قمة 2016؟

بالنسبة للمتابعين لشؤون تركيا السياسية ، كانت قمة الأمن النووي 2016 ملفتة للانظار بسبب ذلك المشهد الذي وقع في مؤسسة "بروكينجز" بواشنطن، عندما حاول حرس الرئيس رجب طيب اردوغان منع بعض الصحفيين من تغطية خطاب الرئيس التركي. على الجانب الآخر ، وفي خارج المبنى، تشابك حرس اردوغان مع بعض المحتجين الذي نعتو الرئيس بالارهابي في هتافاتهم.

اما بالنسبة لغير المهتمين بأمور تركيا السياسية، فإن القمة بالنسبة لهم قدمت بعض الاجتماعات بشأن الأمن النووي –  كما تمكنو من معرفة ما انجزته القمم ومالذي لم تتم معالجته بعد.

وفي هذه المائدة المستديرة، اتفق المشاركون بأن مسألة تأمين المواد النووية لا تزال بحاجة الى بذل المزيد من الجهد، لكنهم اختلفوا بشأن الكيفية التي يتوجب على المجتمع الدولي تطبيقها للحفاظ على التقدم المحرز بعد انتهاء القمم. وعلى وجه الخصوص، ما هو مقدار الاهتمام الذي يجب ان يوليه زعماء الدول للمضي قدماً بالعملية التي بدأتها القمم؟ وهل سيواصل المجتمع الدولي اهتمامه بالشأن النووي اذا لم يجتمع زعماء العالم كل عام للالتقاط "صورة جماعية"؟ ولقد لاحظت ان زميلي في هذه المائدة المستدير، مايكل فاشيز، لديه بعض الشكوك ازاء ذلك. لكنني ارى ان المجتمع الدولي سيواصل اهتمامه بالأمر – والفضل في ذلك يرجع الى قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على تنسيق الجهود العالمية في شأن الأمن النووي، وقدرتها على طلب عقد اجتماعات على المستوى الوزاري.

بدء الإجراءات! لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لن تكون الجهة الوحيدة التي ستضطلع بمسؤولية المضي قدماً بالعملية التي بدأتها القمم. وحقيقة، يجب على القائمين على قمة 2016 قراءة ما جاء في مقال زميلي هوبرت فوي في الجولة الأولى من هذه المائدة المستديرة، وذلك حينما اقترح بأن تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية والشرطة الجنائية الدولية "الانتربول" بمواصل العملية التي بدأتها القمة. وفي واشنطن، اعلن القائمون على القمة عن خطط عمل تضطلع بها هاتين الجهتين، كما اعلنوا عن خطط عمل أخرى تعمل على تنفيذها الأمم المتحدة والمبادرة العالمية لمكافحة الارهاب النووي، والشراكة الدولية لمكافحة انتشار أسلحة  مواد الدمار الشامل.

وتضع خطط العمل هذه، بحسب ما قاله زميل فاشيز، اهدافاً واضحة لكل جهة. علاوة على ذلك، فقد حددت خطط العمل هذه مهاماً تتعلق بالأمن النووي يتم توزيعها على المنظمات والجهات كل حسب تخصصه. فعلى سبيل، سيقوم الانتربول، من خلال وحدة منع الارهاب الاشعاعي والنووي التابعة له، بتولي زمام الأمور في القضايا المتعلقة بالارهاب الاشعاعي والنووي. بينما ستقوم الشراكة العالمية، بالمساعدة في تنفيذ "سلات الهدايا" – ويقصد بسلات الهدايا تلك الآليات التي التزمت بموجبها العديد من الدول المشاركة في القمة باتخاذ إجراءات محددة في شأن الأمن النووي.

ولكن مجدداً، ما هي تحديداً صفة الأشخاص الذين سيجتمعون لمناقشة الأمن النووي بعد انتهاء القمم، وأين ستعقد تلك الاجتماعات؟

جاء في البيان الختامي لقمة عام 2016 ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستسضيف الاجتماعات المستقبلية للمشاركين في القمم. ورغم ان زميلي فاشيز أكد في مقالتيه ان عقد اية اجتماعات بدون مشاركة رؤوساء الدول لن تجدي نفعاً في الحفاظ على الحراك الحالي للأمن النووي، الا أنني ارى ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومؤتمراتها هي الآلية الصحيحة للحفاظ على التقدم الذي احرزته القمم ومتابعة الإلتزامات التي أعلنت عنها الدول.

ومن المقرر أن يشارك في قمة عام 2016 جهات مرتبطة ارتباطا وثيقاً بقضية الأمن النووي – وسيتخلل القمة عقد اجتماعات على مستوى الوزارء تقود في نهاية المطاف الى الإعلان عن التزامات سياسية. كما ستشمل القمة اجتماعات علمية وتقنية تركز على الجوانب الفنية والقانونية والتشريعية للأمن النووي. وهذا التنظيم في حد ذاته طريقة مبتكرة للفصل بين النقاشات السياسية عالية المستوى التي يشارك فيها وزارء ومسؤولين رفيعي المستوى، وبين التقييمات المفصلة وخطط العمل التي تناقش بشكل مستفيض ومنظم من قبل الخبراء الفنيين والقانونيين.

كان المقصد الأساسي من عقد القمم توجيه الانتباه عند أعلى المستويات الى قضية الأمن النووي. لكن العملية بلغت نهاية دورة حياتها، ومن غير المجدي عقد اية قمم إضافية، والواجب الآن بدأ تنفيذ الإلتزامات التي صدرت عن القمة، بما في ذلك "سلات الهدايا".

لكن تبقى هناك ثمة اشكالية تتعلق بطبيعة مجال الأمن النووي الذي سرعان ما تضمحل المبادرات الصادرة في شأنه، ويذهب أثر الاجتماعات المنعقدة لأجله أدراج الرياح. لذلك فإن توزيع الأعمال على المؤسسات كل حسب تخصصه – بحسب ما جاء في خطط العمل – يشكل عاملاً جوهرياً في ضمان تحويل الإلتزامات الى واقع ملموس.

لقد توصلت الدول المشاركة في القمة الى اتفاق سياسي يقضي باعتبار الإرهاب النووي مصدر خطر حقيقي يحتاج الى تدخل فوري. لذا يتعين على المنظمات المعنية متابعة تنفيذ الدول للالتزامات التي قطعتها على نفسها. فالتنفيذ اليومي "لسلات الهدايا"  أوقع اثراً من لغة البيانات الختامية المشتركة.

هل تعود قمم الهامش بالنفع على قضية الأمن النووي؟

بدأت القمة الرابعة والأخيرة من قمم الأمن النووي وانتهت دون ان تحظى بالاهتمام المتوقع من قبل الجمهور – باستثناء سكان العاصمة واشنطن، الذين لاحظوا وجود اختناقات مرورية كبيرة بسبب القمة. لكن قمة عام 2016، مثل سابقتها، أحرزت تقدماً ملحوظاً في قضية الأمن النووي. حيث تعهدت بعض الدول بتقديم الدعم فيما يتعلق بتوفير التدريب اللازم في مجال الأمن النووي. وشهدت القمة العديد من البيانات المشتركة بشأن جملة أمور، من بينها تأمين نقل المواد النووية، والأمن السيبراني، وتقليل الاعتماد على اليورانيوم عالى التخصيب في الاستخدامات المدنية. وهذا في حد ذاته يعد تقدما قوياً. ورغم انه لا يرقى الى الطموح المأمول الا انه يعد في غاية الأهمية.

وبعد ان انتهت سلسلة القمم رسمياً ، يبقى السؤال الآن كيف يمكن للدول مواصلة العمل الذي بدأته القمة –  في ظل غياب الاجتماعات الثنائية على مستوى زعماء الدول؟ وحقيقة وكما ذكرت في مقالتي الأولى من هذه المائدة المستديرة، فإنني ارى بضرورة  مواصلة عقد قمم الأمن النووي على نفسي المنوال القائم. ويبدو ان زميلايا في هذه المائدة المستديرة والمعنيين بالأمن النووي اجمالا غير متحمسين لهذه الفكرة. ومع ذلك، تتفق الأغلبية من أن القمم كان بناءة وانه يجدر الاستمرار بعقدها بأي شكل كان.

 وبالفعل، اتفق المشاركون في قمة 2016 على مواصلة عمل القمم من خلال عدة اليات عالمية تتناول القضايا ذات الصلة. وعلى وجه الخصوص، اتفقت الدول على "خطط عمل" تُنفذ من خلال عدة منظمات وهيئات مثل الأمم المتحدة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمبادرة العالمية لمكافحة الارهاب النووي، والانتربول، والشراكة العالمية ضد انتشار اسلحة مواد الدمار الشامل. وتعتبر خطط العمل هذه بمثابة خطوط ارشادية مفصلة وجوهرية للسنوات المقبلة. واذا ما تم تنفيذ خطط العمل هذه فإنه من شأنها تحقيق الاستدامة في التقدم الذي احرزته القمم. من ناحية اخرى، سيقوم المسؤولون الذين مثلوا حكوماتهم في الاعداد لقمم الأمن النووي، بعقد محادثات تهدف الى إيجاد طرق لاستئناف العملية لتي بدأتها القمة.
.
لكن من غير المحتمل ان تكون هذه الأعمال كافية لضمان التزام الدول بتنفيذ القرارات الصادرة عن القمم على مدار سنة أعوام. كذلك من غير المحتمل ان تكون القرارات الصادرة عن هذه الأعمال ملزمة للدول. وحتى تتمكن الدول من اتخاذ قرارات حاسمة، فإنه لا بد من عقد لقاءات فاعلة، قادرة على انفاذ القرارات. وهناك ثمة مسارات ممكنة لانفاذ القرارات.

المسار الأول يكمن في عقد مجموعة متنوعة من القمم على المستويات الثنائية ومستوى زعماء الدول على النحو القائم حالياً. ويمكن عقد هذه الققم كل عامين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. وحالياً وفي سبتمبر من كل عام، يجتمع قادة العالم في مدينة نيويورك للمشاركة في الاجتماع السنوي للأمم المتحدة. وفي كل عام، يشارك العديد من هؤلاء الزعماء في اجتماعات خاصة على هامش القمم ومناسبات اخرى تتناول مواضيع جديرة بالاهتمام.  وسيكون عقد الاجتماعات على النحو الموصوف أعلاه ميزة فريدة: سيكون القادة مجتمعين بالفعل في مدينة نيويورك وسيحتاجون الى تخصيص ساعات قليلة لقضية الأمن النووي. لكن العيب الوحيد في القمم التي تعقد  على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة هو أنا لا تحظى بالإهتمام اللازم، وتتواري عن الأنظار في خضم فعاليات اجتماع الجمعية العامة. لذك تجد ان وسائل الإعلام وغيرها من البيروقراطيات ذات الصلة لا تعطي هذه القمم التي تعقد بهذا النحو، القدر الكافي من الاهتمام.

أم المسار الآخر البديل فيمكن في قيام وزراء الخارجية والطاقة بعقد اجتماعات ثنائية بشأن الأمن النووي، بدلا من عقدها على مستوى زعماء الدول. اذ يمتلك هؤلاء الوزراء السلطة الكافية لاتخاذ القرارت بشأن العديد من القضايا الرئيسة في مجال السياسة الخارجية والبرامج النووية المدنية، لذلك فإن مشاركتهم تضمن قيام الجهات الوطنية ذات الصلة بتقديم الدعم لما يتخذونه من قرارات خلال اجتماعاتهم . علاوة على ذلك، تعتبر منزلة الوزراء رفيعة بالقدر التي تسترعي اهتمام الجمهور.

من غير المحتمل ان يكون اي شكل جديد مقترح للقمم بنفس الفعالية التي اظهرتها قمم الأمن النووي خلال الفترة من 2010-2016 . ولكن يبقى الأمل معقود  في أن تقدم اجتماعات زعماء الدول التي تعقد على هامش الاجتماعات الكبرى او الاجتماعات المخصصة لوزارء الدول المعنيين، الحوافز اللازمة للدول لدفعهم نحو مواصلة احراز التقدم في قضية الأمن النووي.

الإرهاب الإشعاعي: تهديد قائم لم يتصدى له

تحظى المواد الانشطارية بقدر وافر من الإهتمام – سواء على صعيد قمم الأمن النووي او في هذه المائدة المستديرة. والسبب في ذلك معلوم. اذ تستحق المواد التي يمكن استغلالها من قبل الإرهابيين لصنع قنبلة نووية نصيب الأسد من الإهتمام في اي محفل يتم خلاله مناقشة قضية الأمن النووي. وتشكل المصادر المشعة – وهي تلك المواد التي تٌنتج لقدرتها على إصدار نوع من الاشعاع ذو نفع كبير في مجالات الزراعة والصناعة والبناء والدواء والتعدين والأبحاث والمواصلات – خطرا كبيرا في حد ذاتها. اذ تترواح اعدادها بالملايين. كما تشكل عشرات الآف من هذه المصادر الاشعاعية المُغَلًفة  – التي تأتي على هيئة كبسولات ذات تركيزات عالية من المواد الصلبة المشعة  – مصدر قلق حقيقي. اذ يمكن سرقتها او بيعها في السوق السوداء. الأسوأ من ذلك، ان هذه المصادر يمكن استخدامها من قبل الجهاديين لصنع جهاز التشتيت الإشعاعي المعروف ايضاً باسم القنبلة القذرة.

وحتى الآن تبقى المخاطر  التي تشكلها المصادر الإشعاعية الى حد كبير قائمة دون معالجة.  ومن المعلوم أن قضية المصادر المشعة قد طرحت في أجندة أعمال قمم الأمن النووي في العام 2012 ، عندما أكد البيان الختامي لقمة سول على أهمية ضمان عدم اعطاء اية فرصة لوقوع المصادر المشعة في الأيدي العابثة. ولكن رغم عقد قمتين على مدار أربعة أعوام ، لا تزال المصادر المشعة تشكل تهديدا حقيقاً.  وكما ذكر زميلي نيلسو في مقاله الأول من هذه المائدة المستديرة، فقد سرقت نحو 10 جرامات من مادة الراديوم-192 العام الماضي من إحدى منشآت التخزين بالعراق. وتم استعادة المادة المسروقة لاحقاً، لكن هذه الحادثة اعتبرت مؤشرا خطيراً. لذلك، وقع نحو 35 عالماً من الحاصلين على جائزة نوبل على رسالة قبيل انعقاد القمة الأخيرة، دعوا من خلالها زعماء الدول "الى تخصيص الموارد الضرورية لاحراز مزيد من التقدم …. في جهود منع وقوع أعمال ارهابية باستخدام المواد النووية والاشعاعية".

ليس من السهل تتبع مصادر المواد الاشعاعية وتطبيق نظام للمسآلة بشأنها. وكما هو مؤكد فالمصادر المشعة موجودة في اماكن كثيرة متفرقة وتتنوع مجالات استخداماتها.  وفي الغالب يتم الاتجار بهذه المواد عن طريق المهربين، او عن طريق العاملين بالمنشأة انفسهم الساعين نحو تحقيق مكاسب كبيرة من خلال الاتجار غير المشروع. وهذا يعني بما لايدع مجالاً للشك ان العديد من المصادر المشعة لا تخضع للرقابة النظامية وتعد غير حصينة البتة ضد اساءة استخدامها. وخلال الفترة بين العامين 2013-2014، أبلغت نحو 133 دولة من الدول الأعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن حدوث 276 واقعة اتجار غير مشروع او نشاط غير مسموح به بالمصادر المشعة.  وفي ظل عجز الحكومات والقطاع الخاص عن تتبع المواد المشعة، بدء من مصدر انتاجها وصولا الى المستخدم وانتهاء الى التخلص الآمن منها، تبقى احتمالية وقوع عمل ارهابي باستخدام قنبلة قذرة قائمة على نحو لا يمكن السكوت عنه.

وتبقى الفرص قائمة لتعزيز الحماية المتاحة للمصادر المشعة – وذلك على سبيل المثال، من خلال النجاح في الزام المجتمع الدولي على الالتزام بمدونة قواعد السلوك المتعلقة بسلامة المصادر المشعة وأمنها، الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية،  والعمل بها. وتهدف المدونة الى "وضع ومؤامة سياسات وقوانين وتشريعات خاصة بسلامة المصادر المشعة وأمنها". ومع الأسف، لم تلتزم بالمدونة سياسياً سوى 130 دولة من أصل 168 عضو لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأخطرت 103 دولة فقط الوكالة من أنها تعتزم العمل بموجب دليل الوكالة الارشادي الخاص باستيراد وتصدير المواد المشعة.

إضافة الى ماسبق، لم تضع العديد من الدول أطر قانونية وتشريعية قوية وشاملة للأمن الإشعاعي. وفي دولة غانا، حيث يقع مقر عملي، وقع الرئيس جون ماهاما السنة الماضية المرسوم التنظيمي للمواد النووية لسنة 2015، والذي بموجبه أصبحت دولة غانا ثالث دولة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء  يكون لديها سلطة تشريعية مستقلة للشأن النووي. ومما لا شك فيه، فإن  ضعف البنى القانونية لدى العديد من الدول – ومع عدم التزام الدول بمدونة القواعد سالفة الذكر – يعني وجود عدد كبير من المصادر المشعة خارج نطاق اليات التأمين الوطنية والدولية.
وتمكن ثمة فرصة أخرى لتعزيز الأمن الإشعاعي في اقامة دورات تدريبية وتقديم منح تعليمية للعاملين في مجال إدارة المصادر المشعة والتخلص منها. اذ تتوقف فعالية إجراءات التأمين على سلوك الأفراد المتعاملين تعاملاً مباشراً مع الأجهزة الاشعاعية. فحري بالجهات المعنية، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والشبكة الدولية للتعليم في مجال الأمن النووي، أو اية جهات أخرى ذات صلة، وضع برامج تعليمية وتدريبية، معدة خصيصاً لتأمين المصادر الإشعاعية. ويب ان تنصب كل هذه الجهود نحو غرس ثقافة أمنية قوية.

وأخيرا، يستطيع القطاع الخاص أن يؤدي واجبه بالعمل كخط الدفاع الأول ضد وقوع المواد الاشعاعية في ايدي الارهابيين. فلا بد من جعل مسألة تطبيق افضل الممارسات ذات الصلة بالعمل في المجال الاشعاعي، مسؤولية مشتركة لدى شركات القطاع الخاص، وغرس افضل الممارسات في مختلف المجالات ذات الصلة. كما يجدر بالمنظمات الفاعلة، كالوكالة الدولية للطاقة الذرية والمعهد العالمي للأمن النووي، تسهيل عملية التبادل الدولي بين الشركات وتمكينها من تبادل افضل الممارسات. ويجدر ايضاً بهذه المنظمات المساهمة في تطوير الأجهزة التي تستخدمها شركات لحماية المواد ومراقبتها وكشف محالاوت تهريبها.

هذه المبادرات التي طرحتها لا تبدو براقة في ظاهرها ، لكنها ربما شكلت الخط الفاصل بين يوم عادي في احدى عواصم العالم – وبين ذلك اليوم الذي تضطر فيه دول العالم، رغم انفها ودون ترو، إلى النظر الى قضية الأمن الاشعاعي من منظور جديد غير سار، وذلك بعد ما تفاجئ بوقوع عمل ارهابي باستخدام قنبلة قذرة.

Round 3

الشرق الأوسط: مصدر ارقي بشأن الأمن النووي

تتسبب قرائتي لأخبار الصباح التركية –  ليلاً بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية – حول الوضع في سوريا والعراق في ايقاظ مضجعي. ويحتد أرقي على وجه الخصوص عندما يجول بي تفكيري الى قضية الأمن النووي، ليس في سوريا والعراق، فحسب ولكن في دول اخرى بمنطقة الشرق الأوسط.

ويتفق جميع المشاركون بهذه المائدة المستديرة انه لا يوجد بالضرورة ما يدل على اندثار الإرهاب النووي رغم الانجازات التي حققتها قمم الأمن النووي. ففي منطقة الشرق الأوسط، تبدو قضية الارهاب النووي الأكثر الحاحاً على وجه الخصوص. ومن المعلوم أنه لا توجد بمنطقة الشرق الأوسط كميات كبيرة من اليورانيوم عالي التخصيب والبلوتنيوم. لكن عدم الاستقرار السياسي والميل نحو اللجوء الى العنف لتحقيق المآرب، تعتبر جميعا ظروفاً تغذي فكرة القيام بعمل ارهابي باستخدام سلاح نووي.

ووفقاً لمؤشر الأمن النووي للعام 2016، الصادر عن مبادرة المخاطر النووية، تحتل دول الشرق الأوسط مرتبة متدنية من حيث قدرتها على حماية مواردها النووية من السرقة. وتوجد بمنطقة الشرق الأوسط دولتان تمتلك 1 كجم على الأقل من المواد النووية الصالحة للاستخدام في الأسلحة، هما اسرائيل وإيران. ويضع المؤشر كلا الدولتين في مؤخرة القائمة الخاصة بتصنيف الدول من حيث قدرتها على حماية موادها النووية من السرقة. وتحتل اسرائيل المرتبة 20 في حين تأتي إيران في المرتبة 23.

وتوجد بمنطقة الشرق الأوسط وحدها عشرات الدول تمتلك أقل من 1 كجم من المواد النووية الصالحة للإستخدام في الأسلحة، من بين 152 دولة حول العالم. و لاتطبق هذه الدول نظاماً صارماً لحماية المواد النووية من السرقة – بدء من الإمارات العربية المتحدة التي تحتل المرتبة 24 في هذه القائمة وصولا الى سوريا التي تحتل المرتبة 151 (قبل الصومال). ومن الواضح فإن الجهود التي تبذلها المنطقة غير قوية بما يكفي لمنع سرقة المواد النووية.

وتحتل منطقة الشرق الأوسط مرتبة متدنية في التنصيف الخاص بمؤشر مبادرة المخاطر النووية، من حيث قابلية التعرض للتخريب بأسلحة نووية. حيث توجد 5 دول من دول منطقة الشرق الأوسط ضمن الدول ال 45 في قائمة المؤشر. وتحتل اسرائيل المرتبة 36 – وهي الأعلى من بين الدول الخمس. بينما تأتي ايران وكوريا الشمالية في المرتبة الأخيرة.

وكما ذكر زميلي في هذه المائدة المستديرة هوبرت فوي، لا ترتبط المخاوف بشأن المواد النوويية بالمواد الانشطارية فحسب. فالمصادر الاشعاعية أيضاً  تندرج ضمن القضايا الأكثر الحاحاً. فالبيئة الأمنية المهلهلة بوجه عام بنمطقة الشرق الأوسط، وعدم الاستقرار السياسي يزيدان من احتمالية اساءة استخدام المصادر الاشعاعية في المنطقة أكثر من غيرها.

تتواجد المصادر الإشعاعية في كل مكان، وتستخدم على وجه الخصوص في المجال الطبي. ويسهل الوصول الى هذه المصادر نسبيا على سبيل المثال في مستشفيات الأطفال. ومن حسن الحظ، يصعب تشتيت مواد هذه المصادر الإشعاعية. كما ان النصف الثاني من دورة حياتها قصير. واذا ما اسئ استخدامها فإن تلويثها يطال فقط مساحات محدودة. علاوة على ذلك، قد يتعرض كل من يحاول سرقة مصدر غير محمي من هذه المصادر الإشعاعية الى خطر الموت بسبب التعرض الشديد للاشعاع. ورغم ذلك، تظل امكانية الوصول الى هذه المصادر المشعة واستخدامها لاغراض صنع قنبلة قذرة مصدر رعب وارهاب للسكان المحليين. لأن "القنبلة القذرة" قد تتسبب في إخلاء المنطقة المتضررة لعدة سنوات ويترتب على ذلك تداعيات اقتصادية كبيرة.

ويكمن السبب الآخر للقلق بشأن الأمن النووي في منطقة الشرق الأوسط في التوسع المزمع لاستخدام الطاقة النووية في المنطقة. اذ يحتمل ان تسعى الدول الى طلب تخصيب اليورانيوم محلياً، مستشهدة بحق ايران المحدود في تخصيب اليوارنيوم بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة. ومن المؤكد، فإنه من حق هذه الدول السعي للاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والتي قد تتضمن عملية تخصيب اليورانيوم. ولكن ومن أجل تخفيف المخاوف الأمنية بشأن قدرة الدول على القيام بالتخصيب على نحو آمن، فإنه يتعين على الدول وضع قوانين صارمة بشأن المواد النووية. حيث يتوجب على هذه الدول وضع اجراءات للتخزين الآمن المؤقت للمواد النووية. كما يتعين عليها ايضا وضع خطط للتخلص النهائي للوقود المستنفذ والمخلفات المشعة.

وبوسع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقديم الدعم لجميع هذه المهام. اذا تمتلك الوكالة الصلاحيات والسلطات والخبرات اللازمة للقيام بالمهمة على أكمل وجه. لكن رغم ذلك، يتوقف معظم العمل على موقف السلطات التشريعية بالدول. وسيكون التحدي الرئيس للمشرعين في انفاذ استقلالهم عن السلطات السياسية. ويكمن العنصر الآخر للنجاح في تحديد نٌهج للأمن النووي ملائمة للمنطقة – وذلك من خلال التعاون اللصيق بين المشرعين والقائمين على الصناعة النووية. من هذا المنطلق سيكون بالامكان الاستمرار في الحفاظ على زخم قمم الأمن النووي. ومما لا شك فيه، تقدم قمم الصناعات النووية، التي عقدت بالتوزاي مع قمم الأمن النووي، نموذجاً قيماً لانخراط القائمين على الصناعة النووية في الحوار من أجل التأسيس لممارسات جيدة تتعلق بالأمن النووي في منطقة الشرق الأوسط.

انتهت قمم الأمن النووي؛ ومازالت تحديات الانتشار قائمة

في شهر مارس الماضي، وأثناء اجتماع ممثلي الدول في القمة الأخيرة للأمن النووي، كشف دونالد ترامب اثناء حواره مع صحيفة نيويورك تايمز عن مواقفه المتعجرفة وغير المسؤولة تجاه قضية الانتشار النووي. وفي الأسبوع الماضي فقط، أصبح ترامب المرشح الجمهوري الأقرب للمنافسة على سباق الرئاسة الأمريكية. وعلى ضوء ذلك، فإنه من المهم الآن، أكثر من اي وقت مضى، ترسيخ ضرورة القيام بإجراءات صارمة ازاء قضية الانتشار لدى الجمهور والحكومات على حد سواء.

ولا يتفق معي زميلايا في هذه المائدة المستديرة، هابرت فوي ونيلسو جورين ، على ضرورة استمرار انعقاد قمم الأمن النووي على مستوى رؤوساء الدول، بيد أننا نتفق بأن القمم بوصفها الية انفاذ، ركزت الضوء على قضايا جوهرية تتعلق بقضية الانتشار النووي. وسواء استمرت قمم الأمن النووي ام لم تستمر، فستبقى مسألة تركيز الانتباه على قضية الانتشار النووي – ونزع السلاح- بمثابة تحد دائم امام الدول.

ويتعين على الحكومة الأمريكية الجديدة بعد توليها زمام السلطة العام المقبل – بغض النظر عن هوية الرئيس القادم- التصدي لقضايا مختلفة تتعلق بالسياسات النووية، قد تنعكس اثارها السلبية على المستقبل البعيد ان تركت دون معالجة. وتشمل هذه القضايا:

التأكيد على أهمية استمرار وجود مسار دائم للتفاوض بشأن خفض الترسانات النووية لدى كل من الولايات المتحدة وروسيا.  فما زالت العلاقات بين موسوكو وواشنطن تشهد اضطرابات ما بعد الحرب الباردة، ولهذا السبب تقل فرص عقد مفاوضات جادة ضمن اتفاقية "نيو ستارت". لذا من الضروري وجود مخرج يسمح للدوليتن استئناف مفاوضاتهم رغم توتر العلاقات بينهما.

التقرير بشأن تحديث القوة الأمريكية النووية. كما ذكر زميلايا لاري كوب وادم ماونت في مقالهما، تجد واشنطن نفسها اليو أمام قرارات من شأنها تحديد شكل قوتها النووية في العقود المقبلة. فإذا كانت الولايات المتحدة ملتزمة حقا بخفض ترسانتها النووية مع الحفاظ على قوة ردع معتبرة، فإنه يتوجب عليها اتخاذ قرارات صعبة في السنوات المقبلة – مثل خفض حجم قوة الصواريخ البالستية العابرة للقارات (وذلك يبدو قراراً حكيماً من وجهة نظر)

الحفاظ على الاتفاق التاريخي مع ايران. اثبتت خطة العمل الشاملة المشتركة امكانية منع دولة ما من امتلاك أسلحة نووية عن طريق المسار الدبلومسي. ويعد استمرار العمل بالاتفاق والمصداقية بين اطرافها عاملاً أساسياً في الحفاظ على نظام عدم الانتشار وتشجيع الدول على الوفاء بالتزاماتها تجاه منع الانتشار. ورغم ذلك تكثر الانتقادات بشأن الاتفاق، ويتضح ذلك جلياً من خلال التقارير التي تطالعنا به الصحف بشكل يومي تقريباً، لذا من الضروري ضمان نجاح الاتفاق واستمرار التزام الأطراف بها.  

وأخيرا وليس آخراً تبقى مسألة مواجهة كوريا الشمالية. ففي حين تعمل بيونج يانج على توسيع قدراتها النووية، خاصة في مجالي الصواريخ وتصغير حجم الأسلحة النووية، يواجه صناع السياسة في الولايات المتحدة تحديدات جسام في سعيهم المضني لضمان الاستقرار الإقليمي.  ويتخذ العالم نهجاً اكثر صرامة ضد كوريا الشمالية، حيث قامت الصين في شهر مارس بالمصادقة على قرار صارم لمجس الأمن بشأن كوريا الشمالية. ورغم ذلك ما زالت كوريا الشمالية ماضية في عزمها بالاستمرار في المسار النووي التي بدأته.

ولا تعتبر جميع هذه التحديات جديدة. ولا تزال هناك حاجة الى التزام واهتمام مستدامين على أعلى المستويات لمواجهتها – على غرار الالتزام والاهتمام التي اظهرته الدول خلال مشاركتها في قمم الأمن النووي.

لقد أعلن البيت الأبيض أن الرئيس اوباما سيقوم بزيارة مدينة هيروشيما خلال زيارته المقبلة الى اليابان. ومن المحتمل ان ينتهز الرئيس هذه الفرصة لرسم ملامح رؤية عملية للتعامل مع التحديات النووية المقبلة – على غرار خطابه الشهير في براغواي الذي قدم خارطة طريق مفصلة لتحقيق رؤيته ذات الصلة بالأمن النوي. ستكون القرارات القادمة صعبة وسيتطلب التعامل معها تفكير شجاع وعملي.

الأمن النووي: تنفيذ الاليات بعد انتهاء القمم

كانت الفكرة من عقد قمم الأمن النووي منع وقوع الأسلحة النووية والمواد الانشطارية والمنشآت النووية في قبضة الجماعات الإرهابية. ولكن لم يتحقق الأمن النووي حتى الان – وهذا ليس بسبب استمرار وجود المواد الانشطارية والاشعاعية – لأنه وبعد انتهاء عملية القمة، لم يحدث اي تقدم يذكر للحد من خطر الإرهاب النووي. والحقيقة أنه لا يمكن بأي حال من الاحوال القضاء نهائيا على خطر الارهاب النووي. لكن اذا ما قدمت الدول كل الالتزامات الممكنة لحماية المواد النووية فإنه يمكن حينها احراز تقدم مستمر على صعيد الأمن النووي. ولقد مهددت قمة عام 2016 التي عقدت بالعاصمة واشنطن الطريق امام استمرار التقدم في مسألة الأمن النووي من خلال وضع مجموعة اليات يمكن للدول الانضمام اليها وتنفيذها – دون الحاجة الى عقد قمم اخرى.

وتعتبر مجموعة الاتصال المعنية بالأمن النووي احدى هذه الآليات التي بزغت الى العيان بموجب بيان مشترك وقعت عليه نحو 40 دولة من اصل 52 من الدول المشاركة في القمة. وانشأت المجموعة لتكون بمثابة وحدة متماسكة تركز عملها في تنسيق الجهود تجاه تنفيذ أجندة القمة، وتجتمع المجموعة سنوياً على هامش المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ولقد ذهب زميلي في هذه المائدة المستديرة، مايكل اتش فاشيز، الى القول أن عقد اجتماعات بدون مشاركة روؤسا الدول لن تكون ذات فاعلية في الحفاظ على الحراك الحالي بشأن قضية الأمن النووي. ومع ذلك، يقر فاشيز بأنه في حال عقد اجتماع كل عامين بمشاركة وزراء الخارجية والطاقة فإنه من المحتمل أن تحظى هذه الاجتماعات  بدعم من الجهات الوطنية ذات الصلة، بالإضافة الى اهتمام قوي من الجمهور.  وستتشكل مجموعة الاتصال المعنية بالأمن النووي بحسب تصور زميلي فاشيز، من "مسوؤلين رفيعي المستوى، على اطلاع جيد بالشأن النووي، ولديهم  صلاحيات ملائمة".  ومن المهم جدا ان يقوم أعضاء هذه المجموعة برفع توصياتهم الى رؤساء دولهم بعقد قمم إضافية تتناول الأمن النووي. الأمر الأهم هنا ان تضم هذه المجموعة في عضويتها مسؤولين من الدول التي لم تشارك في قمم الأمم النووي – مثل بلدي الكاميرون- وترغب في الانخراط في عملية القمة.

أما الآلية الأخرى فتتعلق بأفضل الممارسات لتبادل المعلومات المتعلقة بالأمن النووي. وتشتمل هذه الآلية، التي جاءت بموجب بيان مشترك وقعت عليه 17 دولة من الدولة المشاركة في قمة واشنطن، على نموذج موحد للإبلاغ على الصعيد الوطني، من شأنه تمكين الدول من الإبلاغ عن اي أمر يتعلق بالأمن النووي بصفة مستمرة. ويمكن ان يأخذ هذا النموذج الموحد في الاعتبار الخصوصيات المختلفة للدول – فعلى سبيل المثال نجد أن العديد من الدول التزمت بصكوك دولية متنوعة. وبوضع هذا النموذج الموحد، ستتمكن الدول من استيفاء متطلبات الإبلاغ بصفة مستمرة، لتحقق بذلك الاستدامة في ممارسة انشطتها المتعلقة بالأمن النووي. كما سيكون من شأن هذه الآلية، من خلال زيادة الشفافية، بناء الثقة الدولية في فعالية أنظمة الأمن الدولي لدى الدول.

وأخيرا وليس آخرا، تمخضت عن قمة 2016 خمس خطط عمل تهدف الى اسناد مهمة تنفيذ قرارات القمة الى المنظمات القائمة المعنية بالأمن النووي. وتعد خطط العمل هذه بالنسبة للدول العضو في تلك المنظمات بمثابة آليات تمكنها من لعب دور اكبر في تعزيز الأمن النووي. فعلي سبيل المثال تدعو الخطة التي اسندت الى منظمة الأمم المتحدة ، الى زيادة الجهود من أجل التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 1540 (الذي يلزم الدول بعدم دعم طموحات الجهات الفاعلة غير الحومية في الحصول على أسلحة الدمار الشامل). وتمكن مثل هذه لمبادرات الدول التي لم تشارك في عملية القمة من الانخراط بها فوراً.

ومن المؤكد فإن المسؤولية الجمعاء بشأن الأمن النووي ليست حكرا فقط على الدول المعنية بتنفيذ خطط العمل. فهناك ثمة جهات أخرى وأشخاص معنيين بمسألة الأمن النووي مثل العاملين في المجال النووي والجمعيات المتخصصة والخبراء العاملين لدى الهيئات غير الحكومية. فهولاء جميعاً لاعبون أساسيون في منظومة الأمن النووي، ويمكن الاستفادة من أفكارهم في مساعدة المهنيين على بناء مهاراتهم واقامة روابط عالمية.

ويتمثل التهديد المحتمل بعد انتهاء عملية القمم في تضائل جدية الدول ازاء تنفيذ رؤية الرئيس أوباما للحد من تهديد الإرهاب النووي. فحينها يتبدد الحراك الناتج عن عملية القمم على نحو ينذر بالخطر. لكن مع ذلك، بالامكان تجنب كل هذه النتائج المحتملة اذا ما قامت الدول بمواجهة تحدياتها ونفذت التعهدات التي تبلورت عن القمم – وكذلك أيضاً اذا ما أستغلت الآليات التي أوصت بها قمة 2016 على النحو الأكمل. فلقد صممت هذه الآليات لتكريس أهم أهداف عملية القمة وهي: القدرة على جذب اهتمام روؤساء الدول بشكل مستدام؛  ونظام قادر على انتزاع الالتزامات من الدول المشاركة؛ والتركيز على النتائج الملموسة والفعالة.


Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]

RELATED POSTS

Receive Email
Updates