لماذا يجدر الاستمرار في عقد قمم الأمن النووي
By Michael H. Fuchs: AR |
تذخر الأخبار المتداولة هذه الأيام بالتحذيرات من أن البرامج النووية المدنية تشكل خطراً أمنياً جسيماً. وفي أعقاب هجمات بروكسل الارهابية، أصبح البلجيك قلقين بشأن أمن التجهيزات النووية ببلادهم. وذكرت مبادرة التهديد النووي أن المنشآت النووية قد تكون عرضة لأعمال التخريب عن طريق الاختراق الالكتروني أو قد تكون عرضة للسرقة. وبالتأكيد فإن حادثة محطة الطاقة النووية فوكشيما والتي تسببت في جعل منطقة كبيرة حول موقع الحادث غير صالحة للعيش لعدة قرون، توضح لنا العواقب المترتبة على حدوث اختراق أمني لمنشأة نووية من قبل بعض الأيادي الشريرة. وما هذه سوى امثلة قليلة توضح التحديات الضخمة التي يواجهها العالم من أجل ضمان الأمن للبرامج النووية المدنية.
اذا كيف يمكن للدول، مع وجود كل هذه التحديات، التعاون فيما بينها لمواجهة هذه التهديدات متعددة الأوجه؟
تكمن جزء من الإجابة على هذا السؤال في أبجديات الشؤون الدولية: فالقاعدة الأولى تقول أنه إذا ما اردت تحقيق تقدما ما، عليك بتنظيم اجتماع. فالاجتماعات ما هي سوى اليات لاتخاذ القرارات في عرف الدبلوماسية؛ اذ من خلال هذه الاجتماعات تجبر الحكومات والأنظمة البيروقراطية على الوصول الى قرارات بشأن قضايا جوهرية. ويكمن المعيار الذهبي، بطبيعة الحال، في عقد اجتماع يكون على مستوى زعماء الدول. فإذا ما استطعت الزام زعماء الدول على حضور أكثر من اجتماع حول قضية بعينها، فإنك بذلك تكون قد حصلت على اعلي مستوى من الالتزام السياسي التي يمكن ان تقدمه دولة ما، ولا يتبقى سوى ابرام اتفاقية ملزمة قانونياً.
ولهذا السبب، فقد قدمت قمم الأمن النووي، التي بدأت عام 2010، وعقدت على مستوى زعماء الدول مرتين كل عامين منذ اطلاقها، دعما قوياً ساهم في زيادة اهتمام الولايات المتحدة وغيرها من الدول بقضية الارهاب النووي. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، كيف يمكن للدول التوقف عن عقد قمم الأمن النووي بعد هذا التقدم الملحوظ الذي حققته في تحسين وضع الأمن النووي؟
تحفيز التقدم. يشار الى خطاب الرئيس باراك اوباما الذي القاه بالبراغواي عام 2009 باعتباره رؤية شاملة للعمل نحو عالم خال من الأسلحة النووية. وكان الجزء الأهم من خطاب اوباما عبارته تلك التي قال فيها :"يجب ان نضمن عدم حصول الإرهابيين على الأسلحة النووية، لأن ذلك يمثل الخطر الأكبر والأكثر الحاحا للأمن العالمي. لذلك فإنني أعلن اليوم عن بدء مسعى دولي جديد لتأمين المواد النووية غير الحصينة في جميع أنحا العالم في غضون 4 أعوام". وكانت هذه التصريحات ايذاناً بمولد قمم الأمن النووي.
وقد بات من الواضح أن مسألة تأمين جميع المواد النووية غير الحصينة ستسغرق وقتاً أطول من مدة الأربعة أعوام التي حددها الرئيس اوباما. لكن لا يكمن انكار حقيقة ان القمم قد عملت على تحفيز التقدم المحرز تجاه تأمين المواد النووية في دول العالم. فعلي سبيل المثال، ، أعلنت 12 دولة في بيان مشترك خلال قمة عام 2014 عن تخلصها من اليورانيوم عالي التخصيب داخل حدودها. كما أسفرت القممم عن مجموعة من المساعي – من بينها على سبيل المثال، جهود تعزيز المبادرة الدولية لمكافحة الإرهاب الدولي التي تهدف الى تعزيز الأنظمة الدولية التي تحمي المواد النووية وتمنع وقوعها في ايدي الارهابيين.
وبعيدا عن النتائج التي خرجت بها القمم، الا أنه يمكن القول بأن هذه القمم حققت أولى أهدافها المتمثلة في حث الحكومات على تركيز اهتمامها بقضية الأمن النووي وجعل تلك القضية في مقدمة أولوياتها. فقد شكًلت القمم أداة ضغط على الحكومات لاتخاذ الاجراءات حيال الأمن النووي. فبدون وجود سلسلة القمم كوسيلة لتركيز الاهتمام، يكون من النادر مشاركة زعماء العالم بشكل مباشر في الاجتماعات المتعلقة باتفاقية حظر الانتشار النووي او العمليات التابعة لها، على الرغم من ان هذا الإطار يحكم معظم جهود العالم الرامية الى تعزيز الأمن النووي. ورغم ان نتائج القمم تبدو عادية في ظاهرها – الا أنها في حقيقة الأمر بالغة الأهمية – اذ تغيب عن اجندة المؤتمرات الدولية غالباً العديد من القضايا الهامة، مثل ضمان الأمن في محطات الطافة النووية. ولكن سلسلة قمم الأمن النووي غيرت هذا الوضع. اذ تجمع تحت مظلتها زعماء الدول مرة كل عامين لمناقشة قضية الأمن النووي ولا شئ غيرها.
علاوة على ذلك، دُشًنت هذه القمم لتمنح زعماء العالم، الراغبين في تأكيد دورهم المساهم في الأمن العالمي، الفرصة لتقديم التزامتهم الخاصة بتأمين المواد النووية – والقيام بذلك بمرأى ومسمع العديد من زعماء دول العالم الكبرى والقوية. كما تُشًكِل القمة أداة ضغط لدفع الدول على تقديم التزامات فاعلة. فقلما وجدت من بين زعماء الدول المشاركين من يصر على عدم تقديم اية التزامات اثناء مشاركته في القمة.
ولكن الأمر الجميل في هذه القمم – او في جزء منها، على اية حال، انها لا تتبع للأمم المتحدة او الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لذلك فإن الالتزامات التي تصدر عن الدول خلال القمم لا تطلب اجماعاً او الاحتكام الى القاسم المشترك الأدنى. ويبذل القائمون على القمم جهود حثيثة للحصول على التزامات من قبل الدول من خلال بيانات ختامية موحدة، كما أنها أيضاً استحدثت آليات جديدة سميت رمزياً بـ"هدايا المنزل" – ويقصد بها قيام دولة ما بتقديم التزامات أحادية الجانب بشأن الأمن النووي – و"سلات الهدايا" – وترمز الى قيام مجموعات صغيرة من الدول بتقديم التزامات متعددة الأطارف. هذه المرونة ساهمت اسهاماُ كبيرا في فاعلية القمم.
عمل متواصل. لا تزال هناك حاجة الى معالجة الكثير من المسائل من أجل تحسين الأمن النووي. اذ يوضح مؤشر الأمن النووي لعام 2016 الصادر عن مبادرة التهديدات النووية، انه لا تزال الكثير من المواد والمنشآت النووية في جميع ارجاء العالم غير حصينة. وتشمل أوجه المخاطر احتمالية القيام بعمل ارهابي تخريبي ضد المنشآت النووية الكترونيا او القيام بعمل تخريبي بالمنشأة. ويسرد مؤشر الأمن النووي تصنيفاً جديداً للتخريب يوضح ان "العديد من الدول التي تسعى لانشاء محطات طاقة نووية تعاني من اجل وضع تدابير اساسية ضروية لمنع شن عمل تخريبي يسفر عن تلوث اشعاعي يساوي في حجمه التلوث الناجم عن كارثة مفاعل فوكوشيما باليابان سنة 2011.
من المقرر ان تصدر عن قمة واشنطن التي تختم في الأول من ابريل، وثيقة موحدة بشأن مستقبل عملية القمة. ومن المتوقع ان تشتمل هذه الوثيقة على تصور يقضي باضطلاع خمس منظمات وشراكات دولية بتنفيذ توصيات القمم وقراراتها وهذه الجهات هي: الأمم المتحدة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والشرطة الجنائية الدولية "الانتربول"، والمبادرة العالمية لمكافحة الارهاب النووي، والشراكة العالمية لمكاحفة انتشار أسلحة الدمار الشامل، والمواد المستخدمة في صنعها. وهذا التصور منطقي من وجهة نظري. اذ لا بد من تنفيذ الاتفاقيات المبرمة خلال القمم، كما ان افضل طريقة لمراقبة عملية التنفيذ تكمن في المتابعة اللصيقة من قبل المؤسسات والشراكات القائمة.
ويفرض حجم التحديات أمام الأمن النووي على الدول الاستمرار في عقد القمم الى ما بعد انتهاء ولاية الرئيس اوباما. وإذا ما أردنا ان تستمر الدول في تقديم التزامات صعبة لمنع الارهاب النووي – واذا ما اردنا التحفيز لالتزامات جديدة مع الالتزام بتنفيذ الالتزامات السابقة، فإنه لا سبيل إلى تحقيق ذلك دون الاستمرار في عقد قمة الأمن النووي على مستوى الزعماء كل عامين. من الصعب الزام زعيم دولة بالمشاركة في القمم الدولية لكل قضية جديدة هامة تخرج الى العيان. ولكن من الأصعب ان يجد رئيس دولة ما المبرر المقنع لعدم المشاركة كل عامين في قمة تستمر لمدة يوم واحد من اجل حشد الدعم في مواجهة الارهاب النووي.
ان وقف سلسلة القم الان مثله كمثل متسابق يخرج عن مضمار حلبة السباق رغم تقدمه، مع وجود اختلاف واحد فقط هو أن الأمن النووي من السباقات التي لا يمكن خسارتها.