الخبراء والعامّة والفروق الدقيقة في التأهب للكوارث

By Sonja Schmid: AR, June 23, 2016

لطالما تحيّر المهندسون وعلماء النفس وعلماء الاجتماع في فهم الاختلافات المتعلقة بتصور المخاطر— وبصفة خاصة، لكن ليس على وجه الحصر، عندما يتعلق الأمر بالقضايا النووية. لماذا يخاف أناس مختلفون من أشياء مختلفة؟ ولماذا يتجاهلون في كثير من الأحيان الحسابات العلمية المتعلقة بالاحتمالات والوفيات؟

أشارت مانبريت سيتي، في الجولة الثانية، إلى أن الخبراء يميلون لدعم الطاقة النووية في حين يجنح غير الخبراء— الأشخاص العاديون— إلى معارضتها. وجادلت سيثي بأن عدم ثقة العامّة في الطاقة النووية يرجع إلى افتقارهم للمعرفة، التي هى "نتاج للتواصل غير الكافي معهم" من قبل الخبراء. يمثل هذا الموقف نقطة توتر معتادة ومتكررة في تقييم تصور المخاطر المثير للجدل. لكنه يتجاهل عقودا من أبحاث العلوم الاجتماعية التي درست بدقة معارف الخبراء مقابل معارف الناس العاديين ومفهوم الثقة و"نموذج نقص المعلومات" المتعلق بتوصيل العلوم إلى العامّة.  

لا يعتبر التمييز بين الخبراء والأشخاص العاديين مفيدا بشكل خاص— إلا إذا ميّز المرء بدقة بين سمة وميزة ومستوى خبرة الأشخاص المعنيين. أحد الأمثلة التقليدية على ذلك هم مربو الأغنام في شمال غرب انجلترا الذين أجرى عليهم بريان وين، أستاذ الدراسات العلمية في جامعة لانكستر، بعض الدراسات في أعقاب كارثة تشيرنوبيل. حيث وجد وين أن باستطاعة مربي الأغنام، نظراً لمعرفتهم العميقة بسلوك الرعي وإلمامهم بآثار الحوادث السابقة في مفاعل سيلافيلد لإعادة المعالجة الواقع بالقرب منهم، القيام بتنبؤات أكثر دقة وصلة بالواقع مقارنة بالعلماء الذين ركزوا فقط على قدرة التربة المحلية على تخفيف التلوث الإشعاعي.

مشكلة الخبرة، إذن، هى مشكلة معقدة. إذ يعد كل شخص خبيرا في بعض المجالات وشخصا عاديا في العديد من المجالات الأخرى. وبالإضافة إلى ذلك، يتجاهل التمييز الواضح بين الأشخاص العاديين والخبراء قدرة الناس على التعلم، إذ إن هناك أدلة كثيرة تثبت أن الأشخاص العاديين يمكنهم تثقيف أنفسهم بشكل فعال في القضايا التي تهمهم، بدءًا من المشاكل الصحية وانتهاءً بالطاقة النووية. عندما يصف الخبراء النوويون اعتراضات الأشخاص العاديين بأنها اعتراضات ناجمة عن "جهل"، فهم يضيعون بذلك وجهات نظر قيمة لمشاكل محتملة في مجال الطاقة النووية، فضلا عن حلول واعدة.

لا يوجد تفويض مطلق. لقد أكدّ كل من سيثي وأوجستين سيمو على أهمية ثقة العامّة بالنسبة للطاقة النووية. واقترحا أن يقوم العلماء ومسئولو الصناعة النووية بالعمل على استعادة تلك الثقة— وذلك عن طريق تثقيف الناس العاديين الذين لا تتوفر لديهم معلومات كافية عن ميزات الأمان الجديدة والمتقدمة أو من خلال تقديم معلومات واضحة ومبسطة للعامّة عن عواقب الكوارث النووية. تتوافق مقترحات سيثي وسيمو مع ما حاولت أجيال من المبلغين المهنيين عن المخاطر القيام به على نحو متزايد— وهو (وأنا هنا أعيد صياغة ملخص ما قام به العالم باروك فيشهوف بجامعة كارنيجي ميلون بشأن سبب فشل العديد من جهود الإبلاغ عن المخاطر) القيام بـ"تقديم الأرقام إلى العامّة، وشرح ما تعنيه هذه الأرقام، والتعامل معهم بلطف".

المشكلة مع هذا النهج هو ذات شقين. أولا، أن المعلومات المتعلقة بحالات الطوارئ النووية وآثارها ليست مؤكدة بشكل أساسي. إذ لا يمكن ضغط "الأرقام" في رسالة واحدة متسقة—حيث يجب الأخذ في الاعتبار العديد من العوامل القرينية والطارئة. ثانيا، هناك خطأ أساسي في مفهومنا لثقة العامّة وهو أن نفترض أنه بمجرد أن يتم بناء هذه الثقة، يتم منح تفويض مطلق لاتخاذ قرارات نيابة عن العامّة. لكن على العكس، فالثقة هي علاقة ديناميكية تنطوي على حوار مستمر يتسم بالاحترام بين الأفراد والمنظمات.

التواصل الفعال مع الأفراد والمجتمعات التي يحتمل تضررها مهم للغاية بالنسبة للاستعداد للطوارئ النووية والاستجابة لها. لكن النماذج المتبعة في الإبلاغ عن المخاطر قد تكون في حاجة إلى مراجعة شاملة. ماذا لو اعتبرنا عامة الناس الانتقاديين والمرتابين ميزةً بدلا من كونهم عائقا؟ ماذا لو وضعت الصناعة النووية مزيدا من الثقة في قدرة الأشخاص العاديين لمعرفة المزيد عن الأنظمة المعقدة وتفسير حالات عدم التيقن بشكل مناسب؟ ماذا لو حاول كلا الجانبين في هذا النقاش المستقطب احترام مخاوف الآخر بدلا من اعتبارها غير عقلانية على الفور؟ الشئ المؤكد هنا: هو أن قدرات التأهب للطوارئ النووية والاستجابة لها سوف تستفيد إذا تم تضمين هذه الفروق الدقيقة في المحادثات المتعلقة بها بشكل أكبر.



Topics: Nuclear Energy

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]