انتشار الصواريخ: ابحث عن العلة!

By Sitki Egeli: AR, September 24, 2016

تمثل الدول القائمة على عمليات الانتشار في أغلب الأحيان محور الاهتمام في المناقشات التي تدور بشأن الرقابة على الصادرات. ولكن ألا ينبغي بدلا من ذلك أن ينصب التركيز على مراءاة الدول التي تضع القواعد.

قالت زميلتي بالمائدة المستديرة ماساكو إيكيغامي صوابًا عندما أشارت إلى أن المعايير المزدوجة في صكوك الرقابة على الأسلحة تستدعى بالفعل تزايدا في عمليات الانتشار وذلك بسبب ما تحدثه من تفاقم لظاهرة انعدام الأمن. وقد أوضَحتُ من جانبي كيف  يساء استخدام الرقابة على الصادرات بشكل يخدم أجندات خفية، متخذا من الطائرات بدون طيار مثالا على سوء الاستخدام هذا.

تشعر الدول الأعضاء بالنادي النووي سواء كانت دولا معلن عن ملكيتها للسلاح النووي أو مالكة له بالفعل بقليل من وخز الضمير بشأن تطوير قدراتها على إطلاق السلاح النووي. وتقدم الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت مثالا معاصرا على هذا. إذ ستدخل المركبات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت في سباق التسلح القادم الذي سيحدث دمارا وعدم استقرار بإجماع الكثيرين. إلا أن الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند وجميع الدول التي تمتلك برامج تفوق سرعتها سرعة الصوت لا تميل كثيرًا إلى فكرة الحد من قدراتها "فوق البالستية" في مجال إطلاق أسلحة الدمار الشامل. ولا شك أن مطالبة تلك الدول الحائزة للسلاح النووي بضرورة حد الدول الأخرى من أنشطتها في مجال الصواريخ البالستية وصواريخ كروز ما هو إلا محض رياء. وقد تم السماح في الوقت ذاته لبعض الدول القائمة على عمليات الانتشار والتي تمتلك سلاحا نوويا وصواريخ متقدمة بالوصول دون إعاقةٍ نوعًا ما إلى المعلومات والمعدات المتعلقة بالصواريخ ومن تلك الدول على سبيل المثال اسرائيل. وقد أصبح من الصعب في ظل تلك الأوضاع الدفاع عن أنظمة الرقابة الصارمة على الصادرات والتي فُرِضت على دولٍ عدة. 

اختيار الوسيلة المناسبة. ذكر زميلي بالمائدة المستديرة واغورو بال سينغ سيدو أنه "من الصعب مواجهة عمليات انتشار الصواريخ ومن بين أسباب تلك الصعوبة حالة التباين النوعي بين الدول القائمة على عمليات الانتشار ودوافع وإمكانات عمليات الانتشار تلك وبين الصواريخ ذاتها". وقد صدق سيدو فيما قال، إذ ما من شك أنه عندما تتباين الأوضاع الجغرافية الاستراتيجية والسياسية والتكنولوجية والمالية إلى حد بعيد، لا يمكن حينئذ أن يحرز صك واحد لمنع الانتشار نجاحا ملموسا في مواجهة جميع تحديات الانتشار. ولهذا تزيد احتمالات النجاح عند تطبيق مبدأ الفصل بين كل عنصر على حدة مقارنة بمبدأ القائمة الثابتة لمنع الانتشار. وعليه فإنه ينبغي وضع مجموعة متنوعة من الصكوك والإجراءات لتقويض عمليات الانتشار على أن يكون لكل منها تأثير وأن تكون كل منها أداة فاعلة حال تعلق الأمر بها.

حدد المشاركون بالمائدة المستديرة عددا من الاجراءات والصكوك الواعدة. فقد أشار سيدو على سبيل المثال إلى المبادرات السياسية والدبلوماسية على المستويات الثنائية والإقليمية والعالمية. ومن بين النماذج القائمة بالفعل على تلك المبادرات مدونة لاهاي لقواعد السلوك لمنع انتشار الصواريخ البالستية وعمل فريق الخبراء الحكوميين التابع للأمم المتحدة. وقد كتب سيدو قائلا أن تلك المبادئ "لا مناص عنها من أجل وضع معايير وصكوك قد تنجح في تقويض عمليات الانتشار، كما أنها تعد مدخلا رئيسًا نحو دعم السلوك المسئول بين الدول التي تمتلك بالفعل سلاحًا استراتيجيًّا." ومن جانبي، لا أوافق بأية حال على وجهة النظر تلك. إذا لا تزال تلك المبادرات تصطبغ بالصبغة المنهجية في تعهداتها ما يعني أنها تتقدم في الغالب بخطى وئيدة في إحراز نتائج ملموسة. ويتطلب نجاح تلك المبادرات أن تُظهِر غالبية إن لم يكن جميع الدول التي لها باع في مجال تكنولوجيا الصواريخ حسن النية والسلوك المسئول وهو أمر ليس بالهين. وعلى أية حال، فإنه ينبغي أن تواصل المبادرات السياسية والدبلوماسية مسيرتها، غير أنه فيما يتعلق بالدول التي ترفض الإذعان أو التعاون، فإننا لا نزال بحاجة إلى مبادئ يمكنها أن تثني تلك الدول عن عزمها أو يمكنها احتوائها أو ممارسة الضغط عليها.

يمكننا القول في ضوء ما سبق أن أنظمة الرقابة على الصادرات سوف تحظى بمكانة كبيرة في مجموعة الأدوات الخاصة بمنع انتشار الصواريخ بغض النظر عن عدم فعاليتها في بعض الأحيان. وقد ذكرت في مقالي الافتتاحي أن أنظمة الرقابة على الصادرات تعقد حياة الدول القائمة على عمليات الانتشار تعقيدًا كبيرا حينما ينصب تركيز تلك الدول على قطاعات التكنولوجيا الحساسة كالصواريخ طويلة المدى على سبيل المثال. كما أن سيدو ليس على يقين من أن التركيز على الصواريخ طويلة المدى أمرا ذا جدوى. فقد أوضح –على نحو صحيح- صعوبة التفريق بين مركبات الاطلاق الفضائية المدنية متعددة المراحل وبين الصواريخ متعددة المراحل. والمقصود هنا صعوبة التفريق وليس استحالته. يخالف بعض المحللين الاعتقاد الغالب حيث يرون أن بعض الجوانب في برامج مركبات الإطلاق الفضائية لا تتداخل مع تطوير الصواريخ البالستية. وفي واقع الأمر، يختص عدد قليل نوعًا ما من أنماط التكنولوجيا والمعدات بالصواريخ البالستية،ومن أمثلة ذلك أنواع معينة من الدوافع بجانب التكنولوجيات المعلقة بالعودة إلى المجال الجوي.

مرض عضال. تعد عملية انتشار الصواريخ مشكلة معقدة وتتمثل أبرز النواحي الداعية للقلق فيها -كما أوضحت إيكيغامي- في الصلة القوية بين الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل.وما من شك أن عملية انتشار الصواريخ تعد عرضا يشير إلى وجود مرض مستفحل ألا وهو اهتمام الدول الشديد بأسلحة الدمار الشامل والتي تعد بدورها نتيجة للأمراض المتأصلة في العلاقات بين الدول. وكما هو الحال دائما عندما يعالج الدواء العرض دون المرض، فإن الجهود المبذولة لتقويض انتشار الصواريخ لن تأمل في تحقيق نجاحات هائلة.


Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]