The authoritative guide to ensuring science and technology make life on Earth better, not worse.

الأسلحة الفضائية وخطر نشوب حرب نووية

تحظر معاهدة الفضاء الخارجي استخدام أسلحةَ الدمار الشامل خارج مدار الأرض. لكن ذلك لا يعد حظرا للحرب في الفضاء. لقد اختبرت بعض الدول أسلحة مدمرة مضادة للأقمار الصناعية في الفضاء بنجاح، ومن المفترض أن دولا عديدة أخرى تمتلك قدرات مضادة للأقمار الصناعية. وفي الوقت نفسه، يتم إجراء على نحو متزايد قدرات استراتيجية هامة، مثل الإنذار المبكر والاتصالات الآمنة وجمع المعلومات الاستخباراتية والقيادة والسيطرة، عبر الفضاء. وهذا يثير احتمال مقلق بأن استخدام أسلحة مضادة للأقمار الصناعية وسط أزمة بين الدول المسلحة نوويا قد يؤدي إلى حرب نووية—في الواقع، أظهرت المناورات الحربية الأمريكية مرارا أن الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية يمكن أن تؤدي إلى تصعيد الأزمات على نحو غير متوقع. فيما يلي، يناقش مؤلفون من الهند والصين وروسيا السؤال الآتي: إلى أي مدى تزيد الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية من خطر نشوب حرب نووية— وما الذي يمكن فعله للتخفيف من هذا الخطر؟

تابعونا على الفيس بوك:
Bulletin of the Atomic Scientists: اللغة العربية

تابعونا على تويتر:

Round 1

حرب مضادة للأقمار الصناعية دون خطر نووي: ضرب من السراب

حظرت معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 أسلحة الدمار الشامل في مدار الأرض، لكنها بينت أيضا أن لجميع الدول الحرية في استخدام الفضاء وفقا للقانون الدولي (بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة). فسّرت القوى العظمى أثناء الحرب الباردة المعاهدة بأنها تضفي شرعية وحماية لاستخدام الأقمار الصناعية للإنذار المبكر و إدارة الاتصال الفعال للأزمات والتحقق وغيرها من الأنشطة التي تسهم في استقرار الردع — لكن ليس للعدوان.

إلا أنه في العقود الأخيرة، بعدما أصبحت القدرات الفضائية المتعلقة بالاستطلاع والاتصال والاستهداف جزءا لا يتجزأ من العمليات العسكرية الحديثة، قام الاستراتيجيون وصناع القرار بالبحث في ما إذا كان القيام بهجمات ضد الأقمار الصناعية يمكن أن تمنح مزايا عسكرية كبيرة دون زيادة خطر نشوب حرب نووية. من الناحية النظرية، قد تكون الإجابة هى نعم. لكن من الناحية العملية، فمن شبه المؤكد أن الإجابة هى لا.

تضخيم التهديدات. لم يسبق أن قامت دولة بمهاجمة قمر صناعي لدولة أخرى بشكل متعمد أوتخريبي (برغم أن تداخلات الدول أحيانا مع البث الإذاعي عبر الأقمار الصناعية). غير أن الولايات المتحدة وروسيا والصين قامت جميعها باختبار أسلحة متقدمة تعمل بالطاقة الحركية مضادة للأقمار الصناعية، وقد أثبتت الولايات المتحدة أنه يمكنها تعديل صاروخ اعتراضي لاستخدامه في وضعية مضادة للأقمار الصناعية. إن أي دولة يمكنها إطلاق أسلحة نووية بواسطة صواريخ باليستية متوسطة المدى يكون لديها القدرة الكامنة لمهاجمة الأقمار الصناعية في المدار الأرضي المنخفض.

ولأن الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على الفضاء في تفوقها العسكري الأرضي، توقع بعض الاستراتيجيين الأميركيين أن الخصوم المحتملين سيحاولون تحييد مزايا الولايات المتحدة من خلال مهاجمة أقمارها الصناعية. كما أوصوا أيضا بأن يبذل الجيش الامريكي كل ما في وسعه لحماية الموجودات الفضائية الأمريكية مع الاحتفاظ بقدرة على تعطيل أو تدمير الأقمار الصناعية التي يستخدمها الخصوم للاستخبارات أوالاتصالات أوالملاحة أو الاستهداف. إن تحليل من هذا النوع غالبا ما يضخم من قدرة الخصوم المحتملين على تدمير الموجودات الفضائية الأمريكية والمزايا العسكرية التي سوف يكتسبها أي من الخصمين جرّاء الهجمات المضادة للأقمار الصناعية. ومع ذلك، فإن بعض المراقبين يقدمون أسوأ السيناريوهات المحتملة من أجل دعم الحجج المؤيدة للقدرات الهجومية الفضائية المضادة. وقد يكون هناك اهتمام متزايد في بعض البلدان الأخرى بحروب الفضاء بسبب هذه الحجج.

إذا شنت إحدى الدول هجوما، لأي سبب من الأسباب، على الأقمار الصناعية لدولة أخرى، فإن الانتقام النووي ضد الأهداف الأرضية سيكون رد فعل غير عقلاني. لكن الدول الكبرى ترد في بعض الأحيان بشكل غير عقلاني عندما تتعرض لهجوم. إضافة إلى ذلك، فإن الرد غير المتناسب في أعقاب هجوم متعمد ضد الأقمار الصناعية ليس هو الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها أن تؤدي الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية إلى حرب نووية. بل إنها حتى الطريقة الأقل احتمالا. وطبقا لما هو مفهوم بشكل واضح من قبل الدول التي تفاوضت بشأن معاهدة الفضاء الخارجي، فإن إدارة الأزمات ستصبح أكثر صعوبة، وسيزيد خطر فشل الردع غير المقصود، إذا تم تعطيل أو تدمير الأقمار الصناعية المستخدمة لأغراض الاستطلاع والاتصالات.

لكن حتى لو لم يتم كسر قاعدة عدم مهاجمة الأقمار الصناعية لدولة أخرى، فإن تطوير واختبار أسلحة مضادة للأقمار الصناعية لا يزال يزيد من خطر نشوب حرب نووية. فمثلا، إذا ساور القادة العسكريين الأميركيين قلق بالغ بأن الصين أو روسيا تستعد لشن هجوم ضد الأقمار الصناعية الأمريكية، يمكن حينها أن يزداد الضغط للقيام بهجوم وقائي ضد القوات الاستراتيجية الصينية أو الروسية. فإذا أصابت قطعة من الحطام الفضائي قمرا صناعيا خلال وجود أزمة أو صراع على مستوى أرضي منخفض، ربما يفترض القادة بشكل خاطئ أن حربا فضائية قد بدأت ويقومون بالانتقام قبل أن يعرفوا ما الذي حدث بالفعل. قد تبدو مثل هذه السيناريوهات بعيدة الاحتمال، لكنها ليست بعيدة الاحتمال بدرجة أكثر من السيناريوهات التي تُستخدم لتبرير تطوير واستخدام الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية.

تخفيض الخطر. إحدى الطرق لتخفيف المخاطر النووية المرتبطة بالأسلحة المضادة للأقمار الصناعية هى القيام بتقييم واقعي للحجج القائلة بأن مهاجمة الأقمار الصناعية ستكون وسيلة سهلة لتحقيق مزايا عسكرية كبيرة دون خلق عواقب غير متوقعة أو لا يمكن السيطرة عليها. على سبيل المثال، أشار تحليل غير مصنف، قام به الباحث جاجاناث سانكاران بمركز الدراسات الدولية والأمنية في ولاية ماريلاند، إلى أن القيود العملية للصواريخ البالستية ومرافق الاطلاق الصينية ستجعل من الصعب على الصين القيام بمهاجمة الأقمار الصناعية الأمريكية الهامة خلال وجود أزمة، بعكس واشنطن التي سترد بطرق من شأنها أن تحرم بكين من اكتساب أي ميزة عسكرية من مثل هذا الهجوم. وبينما يتم إجراء مزيد من هذه الدراسات وإيلاؤها اهتماما جادا، فسيكون من غير المحتمل أن يستثمر صناع القرار بشكل كبير في القدرات المضادة للأقمار الصناعية أو اتخاذ إجراءات استباقية إزاء التهديدات المزعومة ضد الأقمار الصناعية.

ثمة طريقة هامة أخرى للحد من تلك المخاطر وهى تعزيز كل من المعايير والقواعد القانونية التي تحمي الأقمار الصناعية. إن الطريقة الأكثر وضوحا لتحقيق ذلك تتمثل في حظر استخدام أي شيء لا يتم استخدامه في العادة كسلاح فضائي، بما في ذلك الأجسام الفضائية الأخرى، من أجل إتلاف أو تدمير الأقمار الصناعية؛ وكذلك حظر أي اختبار لأساليب من شأنها إتلاف أو تدمير هذه الأقمار الصناعية. إن أكبر تهديد للمعايير الثابتة والحماية القانونية في الوقت الحالي يأتي من الأشخاص الذين يستشهدون بالدفاع عن النفس الاستباقي— أثناء وجود أزمة أو في بداية الأعمال العدائية— كمبرر لتعطيل أو تدمير الأقمار الصناعية أو مرافق الاطلاق أو المحطات الأرضية. ويماثلهم في الخطورة أولئك الذين يحتجون بأنه بمجرد اندلاع حرب، يصبح أي شيء في الفضاء مستباحا، وبالتالي يجب أن يكون مستهدفا. وعلى الرغم من أن مهاجمة الأقمار الصناعية المستخدمة في القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات قد تكون مشروعة في خضم الحرب، فإن ذلك لا يعني أن مهاجمة الأقمار الصناعية ستكون استراتيجية ذكية.

ويمكن للتدابير الطوعية المتعلقة بالشفافية وبناء الثقة أن تساعد كذلك في الحد من تلك المخاطر إلى حد ما. فمثلا، تحسين التوعية بحالة الفضاء لدى جميع الأطراف الفضائية سوف يقلل من خطر قيام الدول بإلقاء اللوم على الطرف الخطأ بسبب ضرر لحق بأقمارها الصناعية أو الاستنتاج بشكل خاطئ أن أقمارها الصناعية قد تعرضت لهجوم بينما تكون قد تعطلت لأسباب أخرى. فقط عدد قليل من القوى الكبرى التي ترتاد الفضاء لديه قدرات للكشف عن الأجسام الفضائية وتتبعها وفهرستها— وهذا يعني قدرتها على تحديد ما إذا كان الجسم الفضائي عبارة عن حطام أو قمر صناعي، وكذلك تحديد صاحب القمر الصناعي ووظيفته. لكن قدرات هذه الدول غير متناسقة على نطاق واسع. إن الولايات المتحدة التي لديها أكثر القدرات تطورا، هى فقط من تقوم بتقاسم بيانات حالة الفضاء مع الأطراف الفضائية الأخرى. لكنها تقوم بذلك ذلك بشكل محدود. إن عدم الشفافية الحالية فيما يتعلق بعمليات الفضاء تفاقم من عدم الثقة بين الدول التي ترتاد الفضاء. إن وجود ترتيبات أوسع وأكثر شمولا لتقاسم البيانات يمكن أن يساعد في الحد من حالة عدم الثقة هذه.

لكن المخاطر النووية المرتبطة بزيادة الاستخدام العسكري للفضاء لا يمكن تخفضها بشكل كبير إلا من خلال تدابير للشفافية وبناء الثقة إذا كانت الدول التي تتبنى مثل هذه التدابير تضع في أولوياتها الضمانات ذات المصداقية بقدر ما تؤكد على أهمية الردع والدفاع وذلك عندما تقرر ما هو قدر المعلومات المتعلقة بالفضاء التي سوف تتقاسمها، أو ما هى القدرات التي ستكتسبها وكيفية استخدامها. كما يجب على تلك الدول إعادة النظر في نواحي مواقفها النووية التي تزيد من المخاطر الكلية المرتبطة بفشل الردع غير المقصود. في النهاية، إذا تبنت كل الدول المسلحة نوويا سياسات صريحة بعدم الاستخدام الأول، وحافظت على رقابة إدارية صارمة على الترسانات الصغيرة المحسّنة للردع الانتقامي، فإنه سيكون من الصعب للغاية تصور انتشار قدرات مضادة للأقمار الصناعية يمكن أن تؤدي إلى حرب نووية لا أحد يريدها.

إخفاء القدرات المضادة للأقمار الصناعية

هل يصح القول بأن الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية تزيد من خطر نشوب حرب نووية؟ لا.

لن تقدم دولة على شن هجوم نووي بسبب أن دولة معادية لها تمتلك أسلحة مضادة للأقمار الصناعية. لكنها ستشن هجوما لأن الدولة المعادية تنوى بوضوح القيام بشن هجوم استراتيجي واسع النطاق. يمكن بلا شك أن تُستخدم الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، في المراحل المبكرة من هجوم نووي، لتدمير أنظمة الجانب الآخر المتعلقة بالقيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات. وحتى مع ذلك، فإن الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية ستكون أحد الأدوات المستخدمة في الحرب النووية—وليس "السبب" في هذه الحرب. (وينطبق الشيء نفسه على الأسلحة النووية ذاتها). إن أقصى ما يمكن أن يقال عن الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية وخطر نشوب حرب نووية هو أن هذه الأسلحة يمكنها، في حال حدوث أزمة، أن تعقّد حسابات الدول الحائزة للأسلحة النووية، أو يمكن إدراجها ضمن حسابات الدول لاتخاذ إجراء نووي استباقي. لكن لن تكون الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية هى "السبب" في اتخاذ هذا الإجراء الاستباقي.

بالنسبة إلى الدول الحائزة لأسلحة نووية والتي تتبنى سياسة عدم الاستخدام الأول للأسلحة النووية— بما فيهم الصين— لا يمكن للأسلحة المضادة للأقمار الصناعية ، بحكم التعريف، إثارة هجوم نووي. إذا تم فعلا استخدام الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية أثناء أزمة ما، لكن جميع الدول أطراف الأزمة كانت ملتزمة بسياسة عدم الاستخدام الأول، فمن الممكن احتواء الصراع داخل الساحة التقليدية، دون التصعيد إلى حرب نووية. إن خطر نشوب حرب نووية يزداد فقط إذا كانت هناك دول تفكر في الاستخدام الأول للأسلحة النووية. لذا، فإن مكمن الخطر الحقيقي في أزمة معينة هى السياسة التي تسمح بالاستخدام الأول للأسلحة النووية— وليس وجود (أو عدم وجود) الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية.

علاوة على ذلك، إن الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية ليست حتى عنصرا أساسيا في قرارات الدول بشأن اعتماد سياسات تسمح بالاستخدام الأول للأسلحة النووية. قد تكون وجهة نظري أكثر وضوحا إذا عبرت عن ذلك على النحو الآتي: في عالم خال من الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، هل من المتوقع أن تتبنى جميع الدول الحائزة لأسلحة النووية سياسة عدم الاستخدام الأول؟ الجواب المحتمل هو لا. إن قرار أي دولة نووية بشأن اتخاذ إجراءات استباقية أثناء أزمة معينة يتم تحديده من خلال الرغبة السياسية لهذه الدولة في استخدام الأسلحة النووية وعقيدتها العسكرية الشامل—وليس من خلال الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية. وبالتالي، فإن التركيز على الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية هو سوء فهم للمشكلة الأساسية التي تهدد العالم في العصر النووي.

حذر وارتياب. أعلنت وزارة الخارجية الصينية في يناير عام 2007 أن الصين قد قامت بإجراء تجربة في الفضاء الخارجي— لكن بعض المسؤولين الأجانب ووسائل الإعلام الأجنبية رفضوا تفسير الصين لهذا الحدث، حيث وصفوا التجربة بأنها اختبار مضاد للأقمار الصناعية. وبغض النظر عما قالته بكين، فقد ظلت هذه الأوصاف دون تغيير. وفي الوقت نفسه، ظهرت حجج بأن الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية يمكن أن تزيد من خطر نشوب حرب نووية.

في عام 2010، أعلنت الصين أنها أجرت اختبارا لتقنية عتراض الصواريخ في منتصف المسار من الأرض. لكن مرة أخرى، رفضت بعض الدول الأجنبية قبول تفسير الصين، وتعمدت طمس الحدود الفاصلة بين تقنية اعتراض الصواريخ والتقنية المضادة للأقمار الصناعية. كما تم تعزيز المفاهيم الخاطئة في المخيلة الدولية تجاه ما يسمى ببرنامج الصين للأسلحة المضادة للأقمار الصناعية.

لذلك، فمن الطبيعي للغاية بالنسبة للصين أن تظل في حالة حذر، وارتياب، تجاه الحجج المتعلقة بالأسلحة المضادة للأقمار الصناعية وخطر نشوب حرب نووية. في الواقع، تشتبه الصين في أن مثل هذه الحجج تهدف فقط إلى تشويه وتعطيل برنامج الفضاء الصيني.

إن العامل الأساسي في قضايا الفضاء، من وجهة نظر الصين، هو بناء (أو إعادة بناء) الثقة بين الشرق والغرب. قد تكون الصين وافدا جديدا إلى مجال الفضاء الخارجي، لكنها تمتلك حقوقا مشروعة في هذا الصدد، والتي يجب على الدول الغربية الاعتراف بها. بخلاف ذلك، سوف تعيق هذه الدول علاقاتها مع الصين والوافدين الآخرين الجدد إلى الفضاء الخارجي. تلك الدول تفسد التفاعل بين الاعضاء القدامى والجدد في نادي الفضاء الخارجي عن طريق التوتر والشك. وبالنسبة للولايات المتحدة والصين، فإن إقرار كل منهما بمصالح الآخر في الفضاء الخارجي هو الأساس الضروري للتواصل الفعال بشأن الفضاء الخارجي والقضايا الاستراتيجية الأخرى.

إن الصين منفتحة على الحوار مع الولايات المتحدة، وتظهر موقفا ايجابيا حول التعامل مع واشنطن، لكن لا يبدو أن الولايات المتحدة تقدر المشاركة الاستراتيجية مع الصين بشكل إيجابي. إن هناك ثلاثة جوانب من المواقف الأمريكية تستحق الاهتمام.

أولا، اعتادت الولايات المتحدة على تصنيف الدول— إما حلفاء أو أعداء. ومن الواضح أن الصين لا تندرج ضمن فئة حلفاء الولايات المتحدة. في عام 2009، وبعد سنوات عديدة من الجهود، استطاعت الصين اختراق القيود التي وضعتها تصنيفات واشنطن، حيث أسست الدولتان الحوار الاستراتيجي والاقتصادي الأمريكي-الصيني— وهوعبارة عن آلية تسمح لمسؤولين رفيعي المستوى من كلا الجانبين بمناقشة مسائل ذات أهمية سياسية واقتصادية واستراتيجية. كان يشار إلى الحوار بين الصين والولايات المتحدة لسنوات عديدة بـ"الحوار رفيع المستوى" وذلك لأن الولايات المتحدة تحتفظ بمصطلح "الحوار الاستراتيجي" للتعاعل مع حلفائها. لكن يبدو أن المواقف الأمريكية تجاه الحوار الاستراتيجي والاقتصادي لا تزال متأثرة بـ "تصنيف الدول" بالنسبة للصين. واشنطن تبدو أكثر حساسية تجاه السلبيات من كونها تجاه الايجابيات في علاقاتها الثنائية مع الصين.

ثانيا، الجانب الأمريكي يقيد بشدة التبادلات الاستراتيجية مع الصين في مجالات مثل العلاقات العسكرية، والتعاون في مجال الفضاء الخارجي، والصادرات ذات التقنية العالية. تثير هذه القيود الكثير من الانتقادات داخل المجتمع الصيني كما تعيق قدرة بكين على الوثوق بالولايات المتحدة.

ثالثا، لا تزال الولايات المتحدة تقوم بتطوير والعمل على نشر نظام دفاع صاروخي استراتيجي داخل الولايات المتحدة وفي الدول المحيطة بالصين— بالرغم من أن الصين قد أعربت مرارا عن قلقها إزاء الآثار الاستراتيجية لهذا النظام على الردع النووي للصين. وبوضع خطط الدفاع الصاروخي لواشنطن في الاعتبار، فإن الحجج القائلة بأن برنامج الفضاء الصيني ذو طبيعة مزعزعة للاستقرار تبدو حتى أقل إقناعا.

إذا كنا نرغب في التخفيف من خطر نشوب حرب نووية، فلا ينبغي أن تكون الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية هى محور تركيزنا الأساسي. إن تبادل وجهات النظر حول عدد من القضايا الأخرى يمكن أن يقدم المزيد للحد من الشكوك الاستراتيجية وتقليل المخاطر النووية. إن ربط الحرب النووية بالأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، من وجهة نظر الصين، يدل فقط على أن الدول الغربية تريد تقييد برنامج الفضاء الصيني. وهذا لا يقدم شيئا للحد من المخاطر النووية. إن تبادل الرؤى، مثلما نفعل في هذه المائدة المستديرة حيث يقوم أطراف من مختلف الدول بشرح وتوضيح وتفصيل مواقفهم بشأن القضايا الاستراتيجية، يمكن أن يساعد في الحد من سوء الفهم والتفسيرات والحسابات الخاطئة.

الكثير من اللغط حول لا شيء

أثار الاختبار المضاد للأقمار الصناعية الذي أجرته الصين عام 2007 جدلا كبيرا بين مخططي السياسات في الولايات المتحدة بشأن احتمال تعرض الموجودات الفضائية الأمريكية لهجوم. ويعتقد كثير من العلماء والمحللين أنه على مدى العقد الماضي، استثمرت الصين ببطء ولكن بثبات في مجموعة واسعة من القدرات الفضائية المضادة والقادرة في الحقيقة على تشكيل تهديد للولايات المتحدة وحلفائها. وفي هذا الصدد يتركز الاهتمام على قضيتين.

أولا، قد تشكل القدرات الصينية المضادة للأقمار الصناعية في يوم من الأيام تحديا للقيادة الأمريكية للمشاعات، لا سيما في مجال الفضاء. هذا هو الاعتبار الأساسي فيما يتعلق بالعمليات العسكرية التقليدية لواشنطن لأن الموجودات الفضائية توفر مزايا هائلة للولايات المتحدة في المراقبة العسكرية وغيرها من المجالات. ثانيا، يمكن لبعض القدرات الفضائية المضادة أن تهدد موجودات بالغة الأهمية لوضع واشنطن النووي المتعلق بالإطلاق عند الإنذار. إن الهجوم على هذه الموجودات يمكن أن يؤدي إلى حرب نووية بدون قصد. وفي هذا السياق، يتخوف البعض من أن استثمارات بكين في التقنيات المضادة للأقمار الصناعية قد تؤدي الى سباق تسلح إقليمي— وعلى وجه التحديد، قد تستثمر دلهي في هذه القدرات أيضا، مما يزيد من خطر وقوع حرب نووية غير مقصودة بين الهند والصين.

مواقف ودوافع. يتمتع الجيش الأمريكي بمزايا نوعية كبيرة مقارنة بالمنافسين المحتملين بسبب الدعم الذي تقدمه المنصات الفضائية. على سبيل المثال، تقوم مجموعة كبيرة من الأقمار الصناعية المصوِّرة بتحسين قدرات المراقبة للولايات المتحدة بشكل كبير. كما أن الأقمار الصناعية لتحديد المواقع العالمية تساعد القوات الأمريكية على توجيه أسلحتها بدقة لا مثيل لها. وتساعد الأقمار الصناعية للاتصالات في التحكم في تدفق المعلومات. نتيجة لذلك، فإن القوات العسكرية الأمريكية قادرة على إطلاق قوتها بطريقة الحملة السريعة. إذ يمكنها أن تعمل في مسارح عمليات بعيدة، مستخدمة كل من المبادئ والمعدات المتطورة التي تعتمد على الأقمار الصناعية للمراقبة المتقدمة والاستطلاع والاتصالات والملاحة وبيانات التوقيت.

غير أن الموجودات الفضائية الأمريكية تمثل أيضا نقاط ضعف محتملة— وبالأساس أمام القدرات الصينية الفضائية المضادة. وتشير العديد من التقديرات المعتمدة على معلومات متاحة علنا أنه على الرغم من زيادة استثمارات الصين في مجال التقنيات الفضائية المضادة، ما زالت واشنطن تتمتع بميزة هائلة تتعلق بالعمليات التقليدية التي يتم إجراؤها بدعم من الموجودات الفضائية. لكن الصين مترددة في الانخراط بشكل كامل في النظام العالمي القائم على القواعد التي أرستها واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا هو مصدر القلق الرئيسي لصناع السياسات الأمريكية. فهم يشعرون بالقلق من أن الصين قد تظهر سلوكا لا يمكن التنبؤ به— وفي الحقيقة تجلت عدم القدرة على التنبؤ تلك في اختبار الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية الذي أجرته الصين في عام 2007، وغيرها من التجارب في الفضاء الخارجي منذ ذلك الحين.

أما مصدر القلق الرئيسي الثاني لصناع السياسات الأمريكية هو أن القدرات الفضائية المضادة قد تؤدي بدون قصد إلى حرب نووية— على سبيل المثال بين الولايات المتحدة والصين أو بين الصين والهند. ويخشى العديد من مخططي السياسات الأمريكية أن الصين يمكنها توظيف قدراتها الفضائية المضادة لتدمير الموجودات الفضائية الهامة لواشنطن، مثل الأقمار الصناعية للإنذار المبكر. ويمكن أن يؤدي ذلك، في بعض السيناريوهات، إلى تقديرات خاطئة بأن الصين قد قامت بتوجيه ضربة نووية وقائية. وبالمثل، قد تؤدي الاستثمارات الصينية أو الهندية في هذه القدرات إلى سوء التقدير في بكين أو دلهي، مما يصعد النزاع إلى حرب نووية. لكن لكي نفهم احتمالية مثل هذا الوضع، فمن المهم أن نفهم دوافع الصين والهند لاكتساب قدرات فضائية مضادة—ومن أجل أن نفهم المواقف النووية للدولتين أيضا.

إن دوافع الصين المتعلقة بقدراتها الفضائية المضادة ما زالت، للأسف، غير واضحة. هل تفكر الصين في إضعاف القيادة الأمريكية للمشاعات من أجل عرقلة القدرة التشغيلية للقوات الأمريكية في منطقة غرب المحيط الهادي؟ هل تتصور بكين التخلص من قدرات المراقبة النووية الأمريكية؟ لا تزال هذه الأسئلة الهامة بدون إجابة. والأمر الذي أدى إلى مزيد من الالتباس بالنسبة لصانعي السياسات هو ما إذا كانت الصين سوف تتعامل مع هذه القضايا بنفس الطريقة التي انتهجتها موسكو خلال الحرب الباردة—في تلك الحقبة، خفف الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة من الضغوط وطمأنا أنفسهما من خلال إنشاء معاهدات مثل معاهدة الفضاء الخارجي. هناك شيء واحد مؤكد: القدرات الصينية الفضائية المضادة الحالية كافية لمنع وصول الولايات المتحدة إلى الفضاء— لكن بشكل مؤقت فقط.

وعندما يتعلق الأمر بالوضع النووي، فإن الموقف يكون أكثر وضوحا: الصين لا تعتقد في القيام بتنفيذ ضربة نووية أولية. ومنذ عام 1964، عندما أجرت الصين أول تجربة نووية لها، وحتى منتصف التسعينات، عندما بدأت المفاوضات بشأن معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، سار تحديث الترسانة الصينية ببطء شديد. في أواخر السبعينات، طورت الصين صواريخ باليستية بعيدة المدى قادرة على استهداف الولايات الأمريكية الـ48 المتجاورة، لكن بكين تمتلك بالكاد اثني عشر صاروخا من هذه النوعية. وبالنسبة للصينيين، تبدو نسبة 125: 1 من الرؤوس الحربية لصالح واشنطن كافية لتوفير الردع النووي. وخلافا للولايات المتحدة، التي طورت ترسانة تشتمل على عدة آلاف من الرؤوس الحربية ونظم إيصالها وقدرات متنوعة لخوض حرب نووية وأسلحة زائدة عن الحاجة، أبقت الصين ترسانتها بسيطة. حيث استعاضت بكين عن التقنية بالسياسية.

واليوم، تشير جميع الأدلة المتاحة إلى أن الصين، على الرغم من زيادة ترسانتها النووية، لم تعد التفكير في موقفها النووي بطريقة جذرية. وبالتالي فإنه من غير المحتمل تماما أن تعتبر الصين الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية وسيلة لتعطيل المراقبة النووية للأقمار الصناعية. وحتى لو لم تعتمد الصين سياسة عدم الاستخدام الأول، فإن نظم إيصال الأسلحلة النووية لبكين ليست دقيقة بشكل خاص. فهى غير قادرة على تنفيذ "ضربة أولية مدمرة" التي قد تقضي على القوات النووية الأمريكية المتمركزة على الأرض.

وعلى الرغم من التوترات بين الصين والهند، فإن الوضع النووي لدلهي إزاء بكين يتسم بالهدوء—إذ إنه يقوم على الحد الأدنى من الردع وسياسة صارمة بعدم الاستخدام الأول. مديرو الأمن القومي الهندي، مثل نظرائهم الصينيين، يعتبرون الأسلحة النووية أدوات سياسية، وقد قاوموا محاولات المخططين العسكريين من أجل التخلي عن سياسة عدم استخدام الأول. إن الهند تمتلك ما يقرب من 100 رأس حربي نووي، لكنها ليست مجهزة بقذائف في ظل الظروف الطبيعية. إن مخططي السياسات في الهند، بسبب التزام بلادهم القوي بعدم الاستخدام الأول، لديهم حافز قليل لتطوير سلاح تشغيلي مضاد للأقمار الصناعية للمساعدة في تنفيذ ضربة نووية أولية ضد الصين. ونادرا ما ترد مثل هذه الأفكار في أي منتدى هندي عام حول أمن الفضاء. بدلا من ذلك، تتركز معظم المناقشات حول الدفاع عن الموجودات الفضائية المتنامية للهند في المدار الأرضي المنخفض.

وما من شك أن الاستعراض الناجح للصين لسلاح مضاد للأقمار الصناعية قد أثار جدلا في الهند، ودفع منظمة أبحاث الدفاع والتنمية لبدء جهود استكشافية نحو تطوير قدرات انتقامية وأسلحة هندية مضادة للأقمار الصناعية. لكن جهود الهند البحثية لصنع أسلحة مضادة للأقمار الصناعية كانت نابعة من برنامج وطني للدفاع الصاروخي، بعكس الصين، مما يوحي بأن تلك الجهود كانت إلى حد كبير فرعا من هذا البرنامج. إن العديد من تقنيات الطاقة الحركية المضادة للأقمار الصناعية تتداخل مع نظام الدفاع الصاروخي البالستي الذي هو قيد التطوير حاليا في الهند، وخاصة في مجالات تتبع الرادار والتقاط الهدف. وتشير الأدلة القليلة المتاحة علنا إلى أن السلطات الهندية لم تضع برنامجا مضادا للأقمار الصناعية. حتى لو كانت دلهي قد فعلت ذلك، فإن تقنيات الهند المتعلقة بالأسلحة المضادة للأقمار الصناعية غير مثبتة بشكل كبير، إذ لم يتم إجراء اختبار واحد. في المقابل، أجرت الولايات المتحدة أكثر من ثلاثين اختبارا، كما أجرى الاتحاد السوفيتي السابق أكثر من عشرين اختبارا، قبل أن يعلنا أن أسلحتهما المضادة للأقمار الصناعية أصبحت فعّالة.

إذا كانت الولايات المتحدة قلقة من أن التقدمات الصينية سوف تؤدي إلى تقويض تفوقها في الفضاء، تشير الدلائل إلى أن الأنظمة الصينية قادرة على تحدي التفوق الأمريكي على الأقل. لكن المخاوف من أن التقدمات الصينية أو الهندية في مجال تقنيات الفضاء سوف تؤدي الى حرب نووية غير مقصودة فهى مخاوف مبالغ فيها. إذ إن القدرات الفضائية الصينية والهندية لم تتقدم بما يكفي لتدمير الأقمار الصناعية الأمريكية للإنذار المبكر— وبشكل أكثر عمقا، لا تزال المواقف النووية للهند والصين موجهة نحو الردع.

Round 2

أسباب مثيرة للقلق

شجعت نانسي جالاجر في مقالها الثاني "كل الاطراف [على الاعتراف] بأن بعض تجاربهم بالفضاء الخارجي ومشاريع الدفاع الصاروخي والجهود المبذولة للسيطرة على الفضاء كمشاعات عالمية تجعل الدول الأخرى تشعر بعدم الأمان". وأنا أتساءل هل للولايات المتحدة الحق في الشعور بعدم الأمان تجاه الأنشطة الفضائية للدول الأخرى. لكن يظل السؤال الأهم في هذه المائدة المستديرة هو: هل من المرجح أن تؤدي الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية إلى نشوب حرب نووية بغير قصد. أتفق أنا و وو تشونسي على أن الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية لا تزيد من خطر نشوب حرب نووية. لكن جالاجر ترى الأمور بشكل مختلف.

في الوقت الحاضر، تمنح الأصول الفضائية للجيش الأمريكي مزايا غير متكافئة ولا نظير لها في الحروب التقليدية. ومع ذلك، يخشى قادة الأمن الأمريكيون من أن القدرات المتنامية للصين المضادة للأقمار الصناعية سوف تزيد من تكاليف النزاع العسكري التقليدي في غرب المحيط الهادئ. وما من شك أن الصين تهدد بسد الفجوة الفضائية بينها وبين الولايات المتحدة. لكن الأدلة المتاحة تشير إلى أن الولايات المتحدة ستحافظ على تفوقها الفضائي لبعض الوقت— ويرجع ذلك جزئيا إلى تمتع واشنطن بوجود احتياطي في أصولها الفضائية والأرضية، والتي تكفي لتحييد تقدمات القدرات الصينية المضادة للأقمار الصناعية. لكن هل زيادة قدرات الصين المضادة للأقمار الصناعية، وضعف الهيمنة الأمريكية، سيؤدي إلى قيام الصين بسلوك عدواني والمزيد من عدم الاستقرار؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن تقدمات الصين في الفضاء تشكل تهديدا في الواقع. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فهذه التقدمات تعتبر مسألة فيها نظر. لكن على أي حال، كما جادلت أنا و وو، فإن الدول التي تتعهد بعدم البدء في شن هجمات نووية (مثل الصين والهند) ليس لديها أي حافز لتطوير أسلحة مضادة للأقمار الصناعية من أجل مساعدتها في تنفيذ ضربات أولية.

وبالمناسبة، فإن سياسة الهند بعدم البدء باستخدام الأسلحة النووية لم تتغير كثيرا على مدى الـ15 عاما الماضية، ويبدو من غير المرجح أن تتغير في أي وقت قريب. كما لا يوجد أي دليل يشير إلى أن الهند تسعى لامتلاك أسلحة مضادة للأقمار الصناعية. لكن جالاجر قالت في مقالها الثاني إن الهند "تجري أبحاثا تتعلق بالقدرات المضادة للأقمار الصناعية في إطار برنامج الدفاع الصاروخي الباليستي". لكنها لم تقدم أي دليل لدعم ادعائها. وباعتراف الجميع، فإن التقنيات التي تشكل أساس الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية ودفاعات الصواريخ البالستية تشترك فيما بينها في بعض الأمور. لكن لا يوجد ما يشير إلى أن الهند تسعى لامتلاك أسلحة مضادة للأقمار الصناعية— باستثناء تصريحات قليلة لمسؤولين في الحكومة السابقة للتحالف التقدمي المتحد. على العكس من ذلك، يبدو مديرو السياسة الهندية مدركين للغاية للأخطار المحيطة بالأسلحة المدمرة في الفضاء.

أخيرا، أشارك كل من وو وجالاجر رغبتهما في إجراء حوار استراتيجي حول قضايا الفضاء لمعالجة مخاوف جميع الأطراف وإحباط أي سوء فهم محتمل. لكن أود أن أؤكد، جنبا إلى جنب مع وو، على أن دولا مثل الهند والصين سترحب بالحوار فقط في حال كانت القواعد والأطر التي يقوم عليها عادلة. وسيشارك على الأرجح مديرو السياسة الهندية، على وجه الخصوص، في الحوار المتعلق بالفضاء إذا كان الحوار سيعكس بصدق مخاوفهم الأمنية— كما سيوافقون على اتخاذ تدابير تكبح خيارات الهند في الفضاء إذا لم يتم منع الهند من تحقيق التكافؤ التقني مع دول أخرى.

الاعتراف بالمخاوف

أتفق مع زميلىّ في هذه المائدة المستديرة وو تشونسي وبهارات جوبالاسوامي على نقاط هامة— وهى أن امتلاك أسلحة مضادة للأقمار الصناعية لا يجعل من المنطقي لأي دولة القيام بشن حرب نووية، وأن التنفيذ العالمي لسياسات ذات مصداقية بعدم البدء باستخدام الأسلحة النووية من شأنه أن يقلل المخاطر النووية بشكل مباشر أكثر مما قد يفعله الحد من الأسلحة الفضائية. لكني أرفض الفرضية الأساسية لزميلىّ بأنه عندما يحذّر الأمريكيون من المخاطر التي يتعرض لها الأمن الدولي من خلال انتشار قدرات مضادة للأقمار الصناعية، فإنهم يحاولون بذلك فقط منع المنافسين المحتملين من الحصول على القدرات التي طورتها واشنطن منذ عقود— وذلك حفاظا على الهيمنة العسكرية والتقنية والاقتصادية للولايات المتحدة.

وبغض النظر عما يقوله المسؤولون في مختلف الدول بشأن ما يقومون به في الفضاء، فإن انتشار القدرات المضادة للأقمار الصناعية هى حقيقة واقعة. فقد أثبتت الصين، من خلال "تجربة الفضاء الخارجي" التي أجرتها عام 2007، أنه يمكنها أن تدمر أحد أقمارها الصناعية بواسطة تقنية الضرب القاتل— تماما مثلما أظهرت الولايات المتحدة في عام 2008 أنه يمكنها أن تعدّل أحد صواريخ نظام أيجيس الاعتراضية لتدمير أحد أقمارها الصناعية (القمر الصناعي يو إس إيه-193، الذي قيل إن خزان الوقود الخاص به كان يمكن أن يهدد "السلامة العامة"). وبالمثل، فبرغم أن الهند تجري أبحاثا تتعلق بالقدرات المضادة للأقمار الصناعية في إطار برنامج الدفاع الصاروخي الباليستي وليس من خلال برنامج مستقل لتطوير القدرات المضادة للأقمار الصناعية، فلا يوجد أي شيء مهم عسكريا من هذا التمييز.

إن الآثار السلبية المحتملة للأسلحة المضادة للأقمار الصناعية على استقرار الردع واستقرار الأزمات واستقرار سباق التسلح تمت مناقشتها على مدى عقود. كما أن المخاوف بشأن مثل هذه القضايا لم يتم اختراعها لنزع الشرعية عن برنامج الفضاء الصيني. في الواقع، كانت هذه المخاوف جزءا أساسيا من منطق الحد من التسلح والتي أسفرت عن معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967— كما أسفرت أيضا عن نظام ضمني لتقييد القدرات المضادة للأقمار الاصطناعية الذي لا يزال قائما، بشكل جزئي، إلى اليوم. في أواخر الخمسينات، أعطت الصواريخ البالستية ذات الرؤوس النووية كلا من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة قدرة كامنة مضادة للأقمار الصناعية. وفي أواخر الستينات، أجرى السوفييت تجارب أولية لسلاح غير نووي مضاد للأقمار الصناعية. لكن لم تسعَ موسكو أو واشنطن للحصول بشكل عاجل على برنامج مخصص للقدرات المضادة للأقمار الصناعية. ولم تقم أي من الدولتين بهجوم مضاد للأقمار الصناعية. فقد رأت كلتا الدولتين أن أى ميزة يمكن تحقيقها على المدى القصير من إسقاط أحد الأقمار الصناعية لدولة معادية خلال أزمة معينة لا تفوق بأي حال مخاطر تصعيد الصراع.

وما من شك أن سياسة الولايات المتحدة المتعلقة بالقدرات المضادة للأقمار الصناعية لم تبق ثابتة على مر السنين. فقد حاولت إدارة كارتر دون جدوى التفاوض بشأن فرض قيود قانونية على تطوير واستخدام الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية. كما تم رفض هذا النهج من قبل إدارة ريجان—والتي كانت تعتبر الاتحاد السوفياتي أقل قابلية للتنبؤ وأقل شفافة وضبطا للنفس وذلك مقارنة بنظرة معظم القادة السياسين والعسكرين الأمريكين من الصقور إلى الصين اليوم. وقد واصلت إدارة جورج دبليو بوش سياسة الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية (والدفاع الصاروخي) بنفس قدر حماس إدارة ريجان على الأقل، على الرغم من أن منطقها في ذلك كان هو منع الدول الأضعف من شن هجمات غير متكافئة ضد الولايات المتحدة وحلفائها، وليس لردع هجمات هائلة من قبل القوى العسكرية المتكافئة معها تقريبا.

لا يزال الجيش الأمريكي هو رقم واحد في مجال الفضاء حتى الآن، لكنه لا يمارس السيطرة الهجومية والدفاعية الكاملة المرجوّة في رؤية القيادة الفضائية للولايات المتحدة لعام 2020— وهي درجة من الأولوية التي من شأنها أن تمنح واشنطن حرية الوصول إلى الفضاء واستخدامه لأغراضها الخاصة، والقدرة على حماية جميع أصولها الفضائية، وأيضا القدرة على حرمان الدول الأخرى من الوصول إلى الفضاء لأغراض عدائية. كذلك لم يطلب المجتمع الدولي من الجيش الأمريكي "قيادة المشاعات" في الفضاء كخدمة عامة عالمية. كما أن دولا أخرى سوف تعارض في أي حالة جهود الولايات المتحدة لقيادة المشاعات الفضائية، لذا فإن تحقيق مثل هذه المهمة سيكون صعبا ومكلفا ومحفوفا بالمخاطر.

ومن المحتمل في المستقبل أن تقوم الولايات المتحدة والصين والهند ودول أخرى بتطوير قدرات فضائية معقدة على نحو متزايد، سواء كانت للاستخدام المزدوج (المدني والعسكري) أو للاستخدام العسكري البحت، إضافة إلى وضع سيناريوهات حول كيفية استخدام هذه القدرات لاكتساب أو تعويض ميزة ما في أزمة أو حرب على مستوى منخفض. وسوف تتزايد عدم الثقة. وسيتم تحويل الأموال من الاستخدامات الأخرى. وسيتم تشديد السرّية بشأن ميزانيات الفضاء وبرامج الاستحواذ والعمليات. وستزداد بشكل كبير مجموعة واسعة من المخاطر الأمنية.
 
سوف يحسن الحوار الاستراتيجي من هذا الوضع إذا اعترفت كل الاطراف بأن بعض تجاربهم بالفضاء الخارجي ومشاريع الدفاع الصاروخي والجهود المبذولة للسيطرة على الفضاء كمشاعات عالمية تجعل الدول الأخرى تشعر بعدم الأمان. وبالتأكيد، يمكن تخفيض حالة عدم الأمان كما حدث على مدى عقود— من خلال مزيج من القواعد الرسمية وضبط النفس المتبادل غير الرسمي والضمانات. لكن كما أشارت زميلتي وو، فإنه سيتم على الأرجح تقليل حالة عدم الأمان إذا تم بذل جهود لتعزيز نظام الفضاء القائم على قواعد بطريقة تكون مفيدة وعادلة وشاملة للأطراف. هذه الجهود لا يمكن أن تركز بشكل ضيق على نوع واحد من التهديدات، مثل الأسلحة المدمرة المضادة للأقمار الصناعية، أو نوع واحد من المخاطر، مثل الحرب النووية.

استيعاب الوافدين الجدد

أعربت زميلتي في هذه المائدة المستديرة نانسي جالاجر في الجولة الأولى من هذا الاجتماع عن قلقها من أن الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية قد تزيد من خطر نشوب حرب نووية. قلقها هذا ناجم من الرغبة في منع حرب كارثية والحفاظ على الأمن في الفضاء الخارجي. وأنا أشاركها تلك الرغبة— لكني ما زلت أعتقد، كما أوضحت في الجولة الأولى، أن السياسات التي تسمح بالبدء باستخدام الأسلحة النووية هى أكبر مساهم في خطر نشوب حرب نووية.

لقد كرّس اثنان من المشاركين في هذه المائدة المستديرة اهتماما كبيرا في الجولة الأولى لسياسات عدم البدء باستخدام الأسلحة النووية. ومن المثير للاهتمام أن كلا المؤلفين يمثلان دولتين كلتاهما من الوافدين الجدد على الفضاء الخارجي— الهند ممثلة في باهارات جوبالاسوامي والصين ممثلة في شخصي. (كما دعت جالاجر أيضا إلى أن " [تتبني] كل الدول المسلحة نوويا سياسات صريحة بعدم الاستخدام الأول"، لكن ذلك لم يكن محور التركيز الأساسي لمقالها الأول). أيضا أشترك أنا وجوبالاسوامي في نقطة مشابهة أخرى: فقد كتب جوبالاسوامي على نطاق واسع في الجولة الأولى عن قلق واشنطن من أن بكين قد تمثل تحديا لتفوق الولايات المتحدة الفضائي، في حين كتبتُ عن ضرورة ضمان حقوق الوافدين الجدد على الفضاء (أى ضمان أن القوة المهيمنة على الفضاء لا تتعدى على حقوق الآخرين). هل هو من قبيل المصادفة أن يعتبر المؤلفان الممثلان للصين والهند أن سياسات البدء باستخدام الأسلحة النووية والهيمنة الأمريكية على الفضاء جزءا لا يتجزأ من النقاش حول الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية؟ على الإطلاق— إذ إن الوافدين الجدد على الفضاء سيتشاركون بشكل طبيعي اهتمامات وأولويات سياسية تختلف عن اهتمامات وأولويات القوة المهيمنة.

بالتالي، فإن استيعاب مخاوف الوافدين الجدد على الفضاء يعد مسألة رئيسية بالنسبة للولايات المتحدة والمجتمع الدولي بأكمله. وهنا تبرز مسألتان هامتان إذا أرادت الدول القيام ببناء علاقات فضائية سليمة مستقرة وتعاونية. أولا، يجب أن يبقى الفضاء مفتوحا أمام الجميع. كما أوضحت جالاجر في الجولة الأولى فيما يتعلق بالفضاء بأنه "لجميع الدول الحرية في استخدام الفضاء وفقا للقانون الدولي"—ويجب أن يظل كذلك. إن أي محاولة لاحتكار الفضاء لمصلحة دولة واحدة سيؤدي إلى نتائج عكسية. ثانيا، يجب وضع قوانين ولوائح لضمان أن يكون سلوك الدول سليما في الفضاء الخارجي.

إن الصين مستعدة لاتباع القوانين واللوائح الدولية— ما دامت عادلة ومنصفة. لكن بكين تعتبر أنه من الجائر وجود ضغوطات تمارس على الصين فيما يتعلق بالأسلحة المضادة للأقمار الصناعية. من وجهة نظر الصين، فالأسلحة المضادة للأقمار الصناعية ليست سوى نوعا واحدا من الأسلحة الفضائية. في الواقع، اقترحت الصين (بالاضافة إلى دول أخرى) منذ فترة طويلة وضع معاهدة لحظر جميع الأسلحة في الفضاء. لكن الولايات المتحدة لم تبدِ أي استعداد للمشاركة في حوار بشأن هذه المقترحات. لكن لماذا بالضبط ينبغي أن تقبل الصين فكرة أن الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية هي أكثر خطورة من الأسلحة الفضائية الأخرى؟

أرضية مشتركة. تتمتع الولايات المتحدة بمزايا واضحة في الفضاء— كما يتفق معي زميلاي في هذه المائدة المستديرة. وفي الوقت نفسه، فإن الصين قوة صاعدة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن بكين ستحاول أن تنافس واشنطن في الفضاء. الصين لديها أسباب متعددة للانخراط في أنشطة فضائية— لتحفيز التنمية الاقتصادية ولتشجيع التقدم في العلوم والتقنية وبالطبع تعزيز أمنها القومي. لكن لا يعني أي من تلك الأمور أنه يجب على الصين السعي لأن تصبح الدولة رقم واحد في الفضاء. وحتى لو استطاعت الصين التفوق على الولايات المتحدة في مثل هذه المنافسة، فماذا سيكون المغزى من ذلك؟ إذا لم يوفر هذا "الفوز" السلام والأمن والتنمية للشعب الصيني، فلن يكون هناك أي مغزى من ذلك على الإطلاق. لذلك، فإن النظر إلى برنامج الفضاء الصيني من الناحية الأمنية والعسكرية فقط هو منظور ضيق للغاية. إن المبالغة في المخاطر المرتبطة ببرنامج الفضاء الصيني سوف تخلق مشاكل فقط. ويجب على المجتمع الدولي بدلا من ذلك السعي لإيجاد أرضية مشتركة وفرصا للتعاون في الفضاء.
 
ملاحظة أخيرة— أظهرت الجولة الأولى أنه يجب على الصين القيام بعمل أفضل من أجل أن تقدم للعالم مزيدا من المعلومات عن استراتيجياتها المتعلقة بالفضاء والطاقة النووية والدفاع. وقد حاولت الحكومة الصينية جاهدة إثبات أن نواياها سلمية وتعاونية، لكن يبدو أن تلك الجهود لم تكن ناجحة حتى الآن. لذلك ينبغي على الصين أن تبدي قدرا أكبر من الشفافية للمساعدة في تبديد مخاوف المجتمع الدولي.

 

Round 3

منطق الحد من الأسلحة في الفضاء

جادلت وو تشونسي في الجولة الثالثة بأن مقترحات الحد من التسلح ينبغي أن تتناسب مع الظروف الأمنية الحالية، وأن الأفكار القائمة على منطق الحرب الباردة ليست مناسبة للوقت الحاضر. أنا أتفق على أن أحد أهم أهداف الحوار الاستراتيجي ينبغي أن تكون إيجاد أشكال من التعاون تعالج المخاطر والفرص التي تعتقد الدول أنها قد تنجم عن تطوير واختبار واستخدام تقنيات فضائية تحتوي على تطبيقات مشروعة وأخرى تنطوي على مخاطر. لكن هل يجب أن تبدأ مثل هذه المناقشات من الصفر؟ إن الظروف والمخاوف التي شكلت الحد من التسلح في فترة الحرب الباردة لا تزال ملائمة لليوم خلافا لما يدركه معظم الناس، ويمكن دمجها في منطق الحد من الأسلحة في الفضاء في القرن الـ21.

لقد بالغت وو في تبسيط الظروف التي شكلت الحد من التسلح خلال الحرب الباردة: قوتان متساويتان تقريبا، تتمتعان بسهولة الاتصال ببعضهما وتمتلكان معلومات دقيقة عن تفضيلات كل منهما، تقومان بعقد صفقات ثنائية. لكن العديد من المفاوضات كانت متعدد الأطراف، بما في ذلك تلك المتعلقة بمعاهدة الفضاء الخارجي ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. إن عدم الثقة وسوء التفاهم والسرية والحذر الدبلوماسي جعلت القوى العظمى في حالة تخمين حول نوايا بعضهم البعض. وبعد مُضى فترة طويلة على تحقيق الاتحاد السوفياتي "التكافؤ" النووي مع الولايات المتحدة، لا يزال واضعو السياسات يناقشون أهمية عدم التماثل الحقيقي أو المتصوّر بين قدراتهما الحالية أو المستقبلية.

نفس الخطر. في الوقت نفسه، ومن أجل دعم ادعائه بأن الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية لا تزيد من خطر نشوب حرب نووية— وأن الحد من الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية ليس ضروريا، افترض باهارات جوبالاسوامي في مقاله الثاني سيناريو أمنيا يبدو وكأنه نسخة مكررة من سيناريو استخدمه المعارضون للحد من التسلح في فترة السبعينات. في ذلك الوقت، صورت جماعات مثل "لجنة الخطر الداهم" الاتحاد السوفييتي على أنه قوي وعدواني على نحو متزايد وأنه سيقوم على الأرجح بتوجيه ضربة نووية استباقية إذا كانت لديه أي فرصة لتجنب انتقام مدمر. في سيناريو جوبالاسوامي، حلّت الصين محل الاتحاد السوفييتي. وعلى الرغم من أن جوبالاسوامي قال في النهاية أن قدرات الصين المتنامية المضادة للأسلحة الفضائية قد لا تشكل قلقلا كبيرا، فقد غابت عنه هذه النقطة: أن القادة الصينيين اليوم— سواء كانت لديهم أسلحة مضادة للأقمار الصناعية أم لا وسواء تبنوا سياسة عدم البدء باستخدام الأسلحة النووية أم لا— لا يعتقدون أن شن هجوم نووي متعمد على الولايات المتحدة أو حلفائها هو أمر عقلاني، تمام مثلما تراءى للزعماء السوفيت في الماضي.

في الواقع، إن السبب الرئيسي للمخاوف بشأن الفضاء والاستقرار الاستراتيجي في الوقت الحاضر نابع من نفس المخاطر التي حاولت معاهدة الفضاء الخارجي معالجتها: فعندما يبدو أن هناك حربا وشيكة وكان طرفا النزاع يمتلكان القدرة التقنية لوضع الأسلحة في الفضاء أو تدمير الأقمار الصناعية المستخدمة في الانذار المبكر أوالاستطلاع أو الاتصالات، حينها تزداد الدوافع لشن هجوم استباقي على الأصول الفضائية. إن استخدام الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية في الجولة الأولى للصراع يمكن أن تؤدي إلى حرب لا يريدها أى من الطرفين، كما أنها ستقلل أيضا من فعالية أصول كل من القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات اللازمة لإدارة الأزمة ببراعة وتحديد التصعيد وإنهاء الحرب.

تنازلات متبادلة. أكدّ كل من وو وجوبالاسوامي على أن القواعد الحاكمة لأمن الفضاء يجب أن تكون عادلة للوافدين الجدد إلى الفضاء. في الواقع، لم يتم التفاوض حول معاهدة الفضاء الخارجي والاتفاقيات الأخرى المتعلقة بأمن الفضاء من أجل تعزيز الاستقرار الاستراتيجي الثنائي فقط— لكن تلك الاتفاقيات صُممت بشكل واضح لمساعدة الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية على استخدام الفضاء لمجموعة واسعة من الأغراض السلمية دون مواجهة التمييز أو التدخل عن غير قصد في استخدامات الآخرين للفضاء.

إنّ ثمة حاجة واضحة لإجراء مناقشات متعمقة بشأن التهديدات والفرص التي تستشعرها الدول من الفضاء، وأيضا بشأن الترتيبات التعاونية التي سوف تعتبرها الدول عادلة وذات منفعة متبادلة. على سبيل المثال، عندما قال جوبالاسوامي "يبدو مديرو السياسة الهندية مدركين للغاية للأخطار المحيطة بالأسلحة المدمرة في الفضاء"، فهل هو يشير فقط إلى الحطام الناتج عن اختبار (أو استخدام) الأسلحة المدمرة المضادة للأقمار الصناعية؟ أم أنه يدرك أيضا الأخطار المتعلقة بتطوير مكونات الدفاع الصاروخي التي يمكن تعديلها للاستخدام في الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية؟ في الوقت نفسه، غالبا ما يجادل الخبراء الصينيون بأن وسيلة الحد من المخاطر النووية تكمن في قيام الدول النووية بتبني سياسة عدم البدء باستخدام الأسلحة النووية. لكن في مقابل إعلان الولايات المتحدة بأن الغرض الوحيد لأسلحة واشنطن النووية هو ردع أي هجوم نووي، كيف يمكن أن تعالج بكين قلق الولايات المتحدة بشأن استخدام الصين للأسلحة المضادة للأقمار الصناعية؟

يجب أن تختلف مثل هذه المناقشات من عدة جوانب هامة عن المناقشات التي أدت إلى معاهدة الفضاء الخارجي. وكما توقع واضعو المعاهدة، فقد تقدمت التقنية وازدادت أعدد الدول والجهات غير الحكومية التي تستخدم الفضاء لأغراض مختلفة. كذلك يجب أن تتسع أهداف التعاون في مجال الفضاء في الوقت الحالي عما كانت عليه في السابق، مع التركيز ليس فقط على تعزيز استقرار الردع ولكن أيضا على منع تحديات جديدة، مثل الحطام الفضائي والاحتباس الحراري، من أن تصبح مشاكل أكثر خطورة. وبدلا من استخدام حجج واهية لرفض أهمية النظريات والممارسات السابقة للحد من التسلح، ينبغي علينا الجمع بين الأفكار القديمة والجديدة للعثور على أفضل ما يناسب وقتنا الحاضر.

ظروف جديدة وطرق جديدة

تناولت نانسي جالاجر، في الجولة الثانية من هذه المائدة المستديرة، تاريخ الحرب الباردة حيث ناقشت التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي فيما يتعلق بالأسلحة المضادة للأقمار الصناعية ومنطق الحد من التسلح الذي كان سائدا في ذلك الوقت. وألمحت جالاجر بقوة إلى أنه ينبغي السعي في وقتنا الحاضر لاتخاذ تدابير مماثلة للحد من التسلح— حيث يتعين على الدول الحد من اهتماماتها بتطوير (وبالطبع استخدام) قدرات مضادة للأقمار الصناعية، كما ينبغي عليها بدلا من ذلك اتباع المسار الذي اتبعته واشنطن وموسكو منذ عقود.

من المفهوم أن جالاجر وآخرين يشعرون بأن هناك حاجة ملحة لتنشيط الجهود الدولية المتعلقة بالحد من التسلح ونزع السلاح، حيث ظلت هذه الجهود راكدة لسنوات عديدة. وأنا أؤيد أيضا بشكل عام الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي وإحراز تقدمات في الحد من التسلح— لكن في نفس الوقت، من المهم أن نلاحظ أن العلاقات اليوم بين الولايات المتحدة والوافدين الجدد إلى الفضاء تختلف عن علاقة الولايات المتحدة بالاتحاد السوفيتي منذ فترة طويلة.

أولا—كما ناقش ذلك باهارات جوبالاسوامي في مقاله الثاني— تتمتع الولايات المتحدة في الوقت الحاضر بسلطة لا مثيل لها في الفضاء الخارجي. هذه السلطة التي لا مثيل لها تعقد من حسابات الحد من التسلح. فقد لا تهتم الولايات المتحدة بتقييد نشاطاتها في الفضاء وذلك بسبب تفوقها. ومن المرجح أن يقوم الوافدون الجدد إلى الفضاء بتوخي الحيطة الشديدة بشأن حماية حقهم في إجراء مزيد من التطوير وذلك بسبب ضعفهم النسبي. لذلك فإن عدم تكافؤ القوى يستقطب المواقف الوطنية ويجعل من الصعب التوصل إلى مصالحة.

ثانيا، العديد من الوافدين الجدد إلى الفضاء الخارجي، ولا سيما الصين والهند، هم مختلفون تماما عن الولايات المتحدة في الناحية الثقافية. لقد اختلفت الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفياتي بشكل حاد حول المسائل الأيدولوجية لكنهما حافظا على وجود درجة معقولة من الألفة الثقافية—فكلا الشعبين، على سبيل المثال، عادة لا يشعرون بالحرج في الإعراب عن آرائهم المفضلة بشكل صريح للغاية. لكن ليس هكذا الحال في البلدان الآسيوية. لذلك، تظل الولايات المتحدة في بعض الأحيان تخمن ما هى نوايا الصين الحقيقية، وتقوم بافتراض الأسوأ، ومن ثم تتوصل إلى استنتاجات غير صحيحة. ومن المواقف التي تتضح خلالها هذه الدينامية هو عندما تقابل الصين المقترحات الأمريكية بالصمت. فقد يعني الصمت أن الصين، على الرغم من عدم موافقتها على الاقتراح، ترغب في ترك الباب مفتوحا أمام إمكانية التعاون (مع تجنب المعارضة الشعبية). لكن يمكن للولايات المتحدة أن تفسر بسهولة الصمت الصيني بأنه عدم رغبة منها في التعاون—وهو عكس ما تنوي الصين القيام به. لذا، يجب وضع مثل هذه القضايا الثقافية في الاعتبار عند تصميم ترتيبات الحد من التسلح. إن مجرد اتباع نموذج التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ربما لن يحقق النتائج المرجوة.

ثالثا، لقد تغير مشهد الفضاء الخارجي كثيرا على مر العقود، وأصبح الفضاء أكثر ازدحاما. والعديد من الدول اليوم لديها الموارد التقنية اللازمة للاشتراك في الأنشطة الفضائية، وعلى ما يبدو أنه من المحتم أن الجهات الفاعلة الجديدة سوف تتقن القدرات المضادة للأقمار الصناعية. وسط هذا الواقع المتغير، فإن الترتيبات الثنائية مثل تلك التي اتبعتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي من قبل قد لا تكون مناسبة. إن إحدى الطرق الملائمة حاليا تكمن في السعي نحو اتفاقات متعددة الأطراف أو العمل من خلال المؤسسات الدولية.

تتفهم الصين لماذا يدعو البعض في المجتمع الدولي إلى إحياء عمليات الحد من التسلح المحيطة بالأسلحة المضادة للأقمار الصناعية وقضايا الفضاء الخارجي الأخرى. وتؤيد الصين عموما الحد من التسلح في الفضاء الخارجي. لكن كما يقول المثل، فإن الشيطان يكمن في التفاصيل. إن السؤال الحقيقي ليس ما إذا كانت دول فردية تدعم جهود الحد من التسلح وترغب في الاستقرار الاستراتيجي—لكن بدلا من ذلك، كيف سيتم متابعة هذه الأهداف، وطبقا لأية مبادئ، وما هى الأولويات التي سيتم السعي لتحقيقها. ومع تغير الظروف في الفضاء، فيجب أن تتغير أيضا طبيعة التعاون بين الدول من أجل الحد من التسلح. لكن إذا فشل اللاعبون الرئيسيون في التوصل إلى فهم واضح ومشترك حول الحقائق الجديدة في الفضاء، فسيكون من الصعب إقامة حوار بناء.


Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]

RELATED POSTS

Receive Email
Updates