هل حان الوقت لحظر الأسلحة الكيميائية من الشرق الأوسط؟

في عام 2012،  فتر الحماس لمحاولة إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. وفي عام 2013، كاد أن يؤدي هجوم كيماوي في ضواحي دمشق لتدخل الولايات المتحدة في الحرب الأهلية السورية وأدى في النهاية إلى انضمام سوريا إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية. في ضوء هذه الخلفية، اقترح البعض أن هذا هو الوقت المناسب لاقامة منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية في المنطقة. كيف يمكن أن تساهم منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية في الشرق الأوسط في أمن المنطقة، وهل يمكنها إحياء المبادرة لتخليص المنطقة من جميع أسلحة الدمار الشامل؟

Round 1

حوافز غير كافية لتحسين الأمن

الآن وبعد انضمام سوريا إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية والتدمير الجاري لمخزونات بشار الأسد الكيميائية، فإن الشعب السوري هو المستفيد من ذلك—فهو الذي تم استهدافه بشكل صارخ بالأسلحة الكيميائية من قبل قيادته السياسية. وبالمثل، فإن الناس العاديين في جميع أنحاء الشرق الأوسط هم المستفيدون إذا ما تم إنشاء منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية في المنطقة. إن الأسلحة الكيميائية هي قبل أي شيء قضية من قضايا حقوق الإنسان.

عند التفكير في إقامة منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية، فمن الأهمية بمكان أن نضع الجانب الإنساني لهذه القضية في الاعتبار بشكل واضح. وليس هناك تصوير أكثر وضوحا من أحداث 21 أغسطس 2013، عندما هاجم النظام السوري مدنيين في جزء مكتظ بالسكان في منطقة الغوطة بالقرب من دمشق بغاز السارين. تم تنفيذ الهجوم بحيث يحقق أكبر قدر من المعاناة. أطلقت الصواريخ التي تحمل المواد الكيميائية في جوف الليل في وقت كان فيه السكان مستغرقين في النوم. وعندما سمعوا صوت الصواريخ بحثوا عن مأوى، لكن الهجوم—وفقا لتقرير بعثة الأمم المتحدة التي حققت في الحادث كان قد أطلق في ظل ظروف من الأحوال الجوية من شأنها أن تحقق أقصى استفادة من التأثير المحتمل للأسلحة… حيث يمكن للغاز الثقيل البقاء على مقربة من سطح الأرض واختراق المستويات المنخفضة من المباني والمنشئات حيث يبحث كثير من الناس عن مأوى". كان النساء والأطفال—وأسر بأكملها—من بين الذين لقوا حتفهم. وقال أحد الناجين إنه فقد 40 من أفراد عائلته. كان الهدف من الهجوم هو إبادة المدنيين.

يوضح هذا الحادث مدى الرعب الذي تسببه الأسلحة الكيميائية، ولن يشكك سوى القليل في صحة الرأي القائل بأن العالم سيكون أفضل حالا إذا تم إلغاء الأسلحة الكيميائية. لكن هل إقامة منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية في الشرق الأوسط سيساهم في أمن المنطقة؟

إنها بلا شك ستساهم في تحقيق ذلك. إذ سوف تقضي على إمكانية نشوب حرب كيميائية بين الدول وسوف تقلل من مخاطر امكانية قيام جهات فاعلة من غير الدولة بالحصول على واستخدام الأسلحة الكيميائية المصنعة من قبل الدولة. علاوة على ذلك، أوجدت الاتفاقات الأخيرة المدعومة من الغرب بشأن الأسلحة الكيميائية في سوريا وبرنامج إيران النووي زخما دبلوماسيا يمكن الاستفادة منه لإقامة منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية. كما أن انضمام سوريا إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية والتفكيك الجاري لترسانتها الكيميائية يزيل عقبة كبيرة أمام حظر الأسلحة الكيميائية من المنطقة. وبذلك تبقى إسرائيل ومصر الدولتين الوحيدتين في الشرق الأوسط اللتين لم تصدقا على الاتفاقية.

لكن يبدو أنه من غير المحتمل أن تقوم إسرائيل بالتصديق على الاتفاقية والاعلان عن وتدمير أي منشآت كيميائية قد تملكها دون ضمانات بأن مصر سوف تقوم بفعل الشئ ذاته. وفي الوقت نفسه، فإن الموقف العام في مصر متطابق: لن تصدق مصر على الاتفاقية والقضاء على أسلحتها الكيميائية ما لم تنضم إسرائيل إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. يبدو أنه من المستبعد حدوث أي تغيير في موقف مصر في ضوء الاضطرابات السياسية التي تمر بها البلاد حاليا. وعلى النقيض، فقد أصبح انضمام إسرائيل الآن إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية أقل احتمالا مما كان عليه الأمر قبل التوصل الى اتفاق بين إيران وأعضاء مجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى ألمانيا، والذي قد يؤدي إلى قبول دولي لبعض عناصر برنامج طهران النووي.  

من الواضح أن القوى العالمية التي لديها القدرة للضغط على مصر أو إسرائيل بشأن هذه القضايا— لا سيما الولايات المتحدة—منشغلة بأولويات أخرى. حيث تفضل الولايات المتحدة بدلا من ذلك استخدام نفوذها القيم لضمان التحول الديمقراطي في مصر أو تحقيق تقدم في المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين.

على أية حال، إن إقامة منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية لن يقدم سوى القليل لحل العديد من القضايا الأمنية البارزة التي ابتليت بها المنطقة، ولا سيما الصراع السوري والبرنامج النووي الإيراني والقضية الاسرائيلية-الفلسطينية. سيكون معظم الصراع في سوريا خارجا عن إطار المفاوضات لأن دمشق قد صدقت على اتفاقية الأسلحة الكيميائية. ولن تكون إيران محور الاهتمام إما بسبب تصديقها على الاتفاقية أو ادعاءاتها بعدم امتلاك برنامج أسلحة كيميائية.

في منطقة يصعب فيها أيضا تحقيق انفراجات دبلوماسية، فإنه من المغري إدراك الأهداف التي تبدوا سهلة المنال لحظر الأسلحة الكيميائية الإقليمية، وكذلك اعتبار التقدم على هذه الجبهة نقطة انطلاق لإحراز تقدم في قضايا أكبر. لكن من الصعب تحديد الحوافز التي من شأنها تشجيع إسرائيل ومصر على التخلي رسميا عن أسلحتهما الكيميائية. من المرجح أن تعتبر الدولتان مثل هذه الخطوة بمثابة تعريضهما لأخطار أمنية غير مقبولة— ولن تشعر أي من الدولتين بأن هناك فائدة تستحق القيام بذلك.

مسار نحو الثقة

تخرج الفرص في بعض الأحيان من رحم المأساة. في أعقاب هجوم كيماوي في أغسطس بالقرب من دمشق والذي أودى بحياة ما يقرب من 1,500 شخص، نشأت فرصة لدول الشرق الأوسط للمشاركة في حوار مثمر حول إنشاء منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية في المنطقة.

لولا هجوم أغسطس ولولا استجابة إدارة أوباما إلى هذا الهجوم، لم يكن نظام الأسد ليفكر مطلقا في التخلي عن ترسانته الواسعة والمتنوعة من الأسلحة الكيميائية. على الرغم من أن الكونجرس الأمريكي بدا متشككا من القيام بعمل عسكري في سوريا، فإن تهديد أوباما باستخدام القوة المستهدفة جعل مسألة استمرار نظام الأسد أمرا مشكوكا فيه، وهو الأمر الذي جعل روسيا وإيران وسوريا نفسها تتخذ إجراءات في هذا الصدد. كان الرأي الجماعي لهذه الدول أنه من الأفضل لسوريا التخلي عن الأسلحة الكيميائية بدلا من أن يسقط الأسد.

إن خروج الفرص من الأزمات ليس شيئا جديدا في الشرق الأوسط. بعد انتهاء حرب الخليج في عام 1991، قامت الولايات المتحدة بالضغط من أجل إنشاء آلية متعددة الأطراف للحوار الإقليمي لاستكمال المحادثات الثنائية بين إسرائيل وجيرانها: سوريا والأردن وفلسطين، والذين كانوا في قلب عملية مدريد للسلام. وكان جزء من هذه الآلية مجموعة عمل مكرسة للحد من التسلح والأمن الإقليمي.
 
كانت مجموعة العمل، التي أجبرت إسرائيل والدول العربية المشاركة على التفكير بجدية في وضع رؤية مشتركة لأمن الشرق الأوسط والحد من التسلح، لديها القدرة على إنتاج بنية أمنية جديدة في المنطقة. كانت هناك أفكار ثورية حقيقية آخذة في التنامي حول الأمن الإقليمي، خصوصا في مجال تدابير بناء الثقة. لكن المحادثات توقفت قبل أن يتم تنفيذ هذه الأفكار. ومن التطورات الرئيسية التي قوضت مجموعة العمل كانت مساعي مصر الحثيثة (والتي بذلت على الرغم من أن عملية الحد من التسلح الإقليمي كانت على المسار الصحيح وتحقق تقدما كبيرا) لوضع منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط على جدول أعمال مؤتمر استعراض وتمديد معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية سنة 1995

الأساس المنطقي لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط هو تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والحد من خطر نشوب حرب مدمرة. هذه الأهداف ذات أهمية كبيرة، لكن لا يمكن فصل المناقشات حول الأسلحة والحد من التسلح عن الأحداث والعلاقات بين الدول. الدول ليست كيانات متطابقة—في تطلعاتها ومصالحها وأيضا في تصرفاتها— ولا يمكن تجاهل هذه الاختلافات عند السعي نحو اتفاقات الحد من التسلح بين الدول. يجب النظر لأسلحة الدمار الشامل في ذلك السياق.

اسرائيل لديها اثنان من المخاوف الرئيسية حول أي جهد لتخليص المنطقة من أسلحة الدمار الشامل. الأول: سياسة الغموض النووي الإسرائيلية والردع غير العلني هما وثيقة تأمين ضد أي عدو من شأنه القيام بتهديد وجود الدولة. مثل هذه التهديدات ليست افتراضية— الكيانات التي ترفض شرعية إسرائيل كدولة ذات سيادة تصدر تهديدات وجودية باستمرار. لكن في سياق إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، يبدو أن جيران إسرائيل يصرون على معالجة القضية النووية قبل كل شيء. الثاني: يعاني الشرق الأوسط من عدم الثقة بشأن استعداد الدول للامتثال إلى معاهدات حظر الانتشار النووي ونزع السلاح. وقد قدمت أربع دول في المنطقة—العراق وإيران وليبيا و سوريا— تعهدات بشأن أسلحة الدمار الشامل حتى تقوم فيما بعد بأنشطة سرية تهدف إلى تطوير نفس القدرات التي نبذتها.

يمكن أن تساعد المناقشات حول إنشاء منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية في معالجة مخاوف إسرائيل. بالنسبة لإسرائيل، يمثل الدخول في اتفاق بشأن الأسلحة الكيميائية تنازلا كبيرا— لكن السعي نحو مثل هذا الاتفاق قد يكشف أيضا عما إذا كانت الدول الأخرى مهتمة فقط بتجريد إسرائيل من وثيقة تأمينها ضد الإبادة. سوف يسمح الحوار أيضا لإسرائيل أن تتفكر في اقتراح بشأن الأسلحة الكيميائية والذي ربط بطريقة غير مباشرة بين سوريا واسرائيل في المجال الكيميائي، كما ستؤدي فكرة انضمام إسرائيل لاتفاقية الأسلحة الكيميائية إلى هذا الارتباط أيضا.

علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي المحادثات إلى بناء الثقة بين دول الشرق الأوسط بشأن فئة كاملة من الأسلحة غير التقليدية. يمكنها أن تبدأ في معالجة مسألة عدم الثقة الموهنة للعزيمة في المنطقة. ولأن المناقشات ستجرى على أساس إقليمي وليس في سياق المعاهدات العالمية، فإنها ستوفر الخبرة للدول للعمل معا، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالتحقق من الالتزامات. في الواقع، يمكن أن تتعاون الدول لإنشاء منظمة إقليمية لتنفيذ اتفاق منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية، سيرا على نهج منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. ستقدم المناقشات أيضا اختبارا مفيدا لقدرة الدول على التعامل بشكل بناء مع القضايا الأمنية المعقدة عن طريق الحوار والتعاون الإقليمي.

يجب أن تبدأ المناقشات حول منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية بعد أن يكون تدمير قدرات الأسلحة الكيماوية لسوريا قد أصبح لا رجعة فيه. لكن من الناحية المثالية، يمكن أن تصبح الأسلحة الكيميائية جزءا من حوار إقليمي أوسع نطاقا. (وهذا سيعتمد على قيام الولايات المتحدة وربما روسيا باستخدام الأزمة السورية كمنصة لإعادة الجهود الأكبر للحد من التسلح الإقليمي إلى مسارها الصحيح) في النهاية، ينبغي أن تدمج فكرة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية في منتدى حوار الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي قمت أنا وزميلي شمعون شتاين بالجدال بشأنه في موضع آخر  سوف يسمح مثل هذا المنتدى، بما يتضمنه من عضوية شاملة وجدول أعمال شامل، للدول بمناقشة مجموعة كاملة من مواضيع الأمن الإقليمية، بداية من المواضيع الأسهل إلى بالغة الصعوبة. إذا كانت المناقشات بشأن حظر الأسلحة الكيميائية من المنطقة ستساعد على خلق مثل هذا المنتدى، فإنها ستمثل خطوة كبرى نحو جعل منطقة الشرق الأوسط أكثر أمنا وأمانا.

حظر الأسلحة الكيميائية ليس كافيا

شهدت منطقة الشرق الأوسط صراعات عديدة منذ فترة الخمسينات، وكانت باستمرار من ضمن أكثر المناطق غير المستقرة في العالم. وهذا جعل من الصعوبة بمكان إقامة نظام أمن إقليمي قادر على توفير الاستقرار وتعزيز المعايير والقيم والمؤسسات التي هي ضرورية لتحقيق السلام على المدى الطويل في المنطقة. وفي غياب نظام أمني إقليمي فعال، غالبا ما استجابت الدول في الشرق الأوسط إلى الصراع من خلال تكديس الأسلحة—أسلحة تقليدية، إضافة إلى أسلحة نووية وكيميائية وبيولوجية.

ثمة الآن دعوات جديدة لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية في المنطقة. ولن يكون من المستغرب إذا بدأت الدول الغربية في ممارسة ضغوط قوية على دول الشرق الأوسط للمشاركة في مثل هذه المنطقة بعدما يتم الانتهاء من تدمير الترسانة الكيميائية السورية. لكن من وجهة نظر مصر، فإن الشيء المهم هو تخليص المنطقة من جميع أسلحة الدمار الشامل— النووية والكيميائية والبيولوجية. لن يتم تلبية حقوق ومصالح الناس في جميع أنحاء المنطقة بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية طالما ظلت إسرائيل تمتلك أسلحة نووية.

العيوب الرئيسية. بسبب افتقار الشرق الأوسط إلى نظام أمن إقليمي، جاءت إدارة أسلحة الدمار الشامل في المنطقة جزئيا من خلال الأنظمة والمعاهدات الدولية للحد من التسلح. لكن نظام المعاهدات يعاني من مشكلتين أساسيتين. الأولى هى أن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية هي في صميمها معاهدة للحد من التسلح وليست اتفاقية لنزع السلاح. الاتفاقيات المعنية بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية تتطلب من الدول القيام بتدمير مخزوناتها الكيميائية والبيولوجية بعد فترة وجيزة من أن تصبح أطرافا في الاتفاقات، لكن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لا تطلب هذه المطالب من الدول الحائزة للأسلحة النووية. في الواقع، إن التمييز بين الدول الحائزة للأسلحة النووية والدول غير الحائزة للأسلحة النووية يعني أن تلك المعاهدة تمييزية في المقام الأول. المشكلة الرئيسية الثانية لنظام المعاهدات هى أن إسرائيل ليست طرفا في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وبشكل لافت للنظر، ليست عضوا في الاتفاقيات المعنية بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية. ( لقد وقعت إسرائيل على اتفاقية الأسلحة الكيميائية، لكنها لم تصدق عليها).  

بسبب فشل نظام المعاهدات حتى الآن في تخليص الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، تم بذل جهد كبير في نهج آخر لنزع السلاح— وهو إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية. منذ عام 1974، ومصر تؤيد باستمرار قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعية لإنشاء مثل هذه المنطقة. الأهم من ذلك، دعا المؤتمر الاستعراضي لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1995، الذي مدد المعاهدة إلى أجل غير مسمى، إلى إنشاء مثل هذه المنطقة. وقد كررت هذه الدعوة في المؤتمر الاستعراضي لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 2010، وتم تحديد خطوات عملية نحو إنشاء هذه المنطقة. لكن المحاولات التي ترعاها الأمم المتحدة لعقد مؤتمر حول هذا الموضوع في أواخر عام 2012 قد أخفقت، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن عدم انعقاد الاجتماع كان بسبب "الظروف الراهنة في الشرق الأوسط"، وبسبب "عدم توصل دول المنطقة إلى اتفاق حول شروط مقبولة"    تم إنشاء خمس مناطق خالية من الأسلحة النووية حول العالم في الفترو ما بين 1967 و 2006، لكن محاولات إنشاء منطقة في الشرق الأوسط باءت بالفشل (على الرغم من أن عددا من دول الشرق الأوسط هي أطراف في معاهدة بليندابا، المعنية بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في إفريقيا).  

في الوقت نفسه، تم بذل محاولات قليلة للغاية لإنشاء مناطق خالية من الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية في الشرق الأوسط. لماذا؟ في حالة الأسلحة البيولوجية، فإن المشاكل التقنية مثل عدم وجود آلية إنفاذ في اتفاقية الأسلحة البيولوجية والسميّة حالت دون حصول القضية على كثير من الاهتمام. في حالة الأسلحة الكيميائية، توجد بالفعل آلية إنفاذ— وفي الحقيقة فإن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تؤدي مهامها بشكل فعال جدا (بما في ذلك في سوريا).

والآن بعد أن انضمت دمشق إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، فإن إسرائيل ومصر هما الدولتان الوحيدتان في المنطقة اللتان لم تنضما إلى الاتفاقية إن مشاركة هاتين الدولتين هي الأكثر أهمية لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية. سوف ترحب مصر بالتصديق على اتفاقية الأسلحة الكيميائية— إذا كان ذلك يعني تخليص المنطقة من جميع أسلحة الدمار الشامل. لكن المصريين لا يرون جدوى من إنشاء منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية ولكنها ليست خالية من الأسلحة النووية. لذلك أول خطوة للتقدم إلى الأمام هو أن تنضم إسرائيل إلى جميع الاتفاقيات الرئيسية العالمية المعنية بالأسلحة— وقبل كل شيئ الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

Round 2

أشركوا مجلس الأمن

ازدادت المعارضة الشعبية للأسلحة الكيميائية في منطقة الشرق الأوسط منذ أغسطس من العام الماضي، عندما شن بشار الأسد هجوما مروعا ضد شعبه في الغوطة. تدرك الآن شعوب المنطقة بشكل واضح مدى وحشية هذه الأسلحة، بعدما شاهدت صور الأطفال الذين قتلتهم الأسلحة الكيميائية.  

وافقت الحكومة السورية على تسليم مخزونها من الأسلحة الكيميائية. ويبدو أن الوقت مناسب لإقامة منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية في المنطقة. لكن ثمة عقبات خطيرة أمام إنشاء تلك المنطقة، كما أن الشرق الأوسط لديه سجل فقير في إنشاء آليات الأمن الجماعي. المطلوب، في رأيي، هو مبادرة تدعمها الأمم المتحدة لحظر الأسلحة الكيميائية.

ناقشت في جولة الاجتماع الأولى مزايا إنشاء منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية— إذ من شأنها حماية المدنيين والمساهمة في الأمن الإقليمي والبناء على الزخم الدبلوماسي الذي أنشئ خلال الاتفاقات الأخيرة التي توصلت إليها الدول الغربية مع سوريا وإيران. كما قمت أيضا بتقديم قائمة بالعقبات— كان أهمها أنه ليس من المرجح أن تلمس إسرائيل ومصر حوافز كافية لإنشاء تلك المنطقة.

إيميلي لانداو تختلف معي   في هذه النقطة الأخيرة، حيث كتبت تقول"طالما كانت المفاوضات بشأن حظر الأسلحة الكيميائية تجرى في سياق عملية الأمن الإقليمي، فليس من المستحيل أن تشارك إسرائيل فيها". لكن حتى لو كانت محقة في ذلك، فإن رؤيتها تتطلب عملية أمن إقليمي من نوع لم يكن موجودا من قبل مطلقا.

أنا لست متفائلا بأن دول المنطقة سوف تبدأ هذه العملية من تلقاء أنفسها. لكن إذا قام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعقد مؤتمر دولي بشأن حظر الأسلحة الكيميائية من الشرق الأوسط، فسوف تشعر الدول المترددة بضغط كبير عليها للمشاركة. إذا أطلقت الأمم المتحدة جهودا رفيعة المستوى لحظر فئة رهيبة من الأسلحة من المنطقة، فلن تكون هناك دولة— لا مصر ولا إسرائيل— تستسيغ أن يُنظر إليها على أنها عائق في الطريق. من المعترف به، أن جهدا دوليا مماثلا لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل من المنطقة قد باء بالفشل (أو على الأقل يبدو مشرفا على الموت في الوقت الراهن). لكن حظر الأسلحة الكيميائية، على الأقل من الناحية النظرية، أبسط بكثير من حظر جميع أسلحة الدمار الشامل؛ الظروف السياسية في الشرق الأوسط تتغير بطرق سريعة لا يمكن التنبؤ بها؛ وإذا كانت هناك أية فرصة لنجاح مسعى دولي للقضاء على الأسلحة الكيميائية، فهناك مسؤولية على المجتمع الدولي للقيام بالمحاولة.

لقد تكبد الشرق الأوسط عديدا من الحروب والمعاناة على مدى عقود. وهو الآن، في أعقاب الربيع العربي، يعاني أزمة عدم استقرار. تبدو مصر أقل قربا من حل توتراتها السياسية مقارنة بما كانت عليه في الأيام الأولى من ثورتها. اندلعت الحرب الأهلية في سوريا، ويمكن أن تمتد إلى دول مثل لبنان والعراق. كما أن حدوث انهيار إقليمي كامل أمر وارد. يمكن أن تقوم مبادرة دولية لحظر الأسلحة الكيميائية، في حال نجاحها، ليس فقط على القضاء على أسلحة وحشية رهيبة ولكن أيضا على المساعدة في خلق آلية لتحقيق الاستقرار في جزء مضطرب من العالم.

من أين نبدأ: فرص لفوز جميع الأطراف

الشرق الأوسط بحاجة ماسة إلى إقامة حوار حول الأمن الإقليمي— غير أنه لا يمكن تحقيق مثل هذا الحوار إلا إذا عملت الأطراف على تحديد المشاكل الأمنية المشتركة وإيجاد حلول معقولة ومرضية لجميع الأطراف تجاه تلك المشاكل. في الحقيقة، قد تتطلب عملية من هذا النوع أن تتخلى الأطراف الإقليمية عن المواقف السياسية التي تتبناها منذ فترة طويلة. لكن هذا التخلي ليس أمرا مستحيلا، كما ظهر ذلك من جانب مجموعة العمل في لجنة ضبط التسلح والأمن الإقليمي، والتي كانت عبارة عن منتدى حول أمن الشرق الأوسط والتي نتج عنها بعض النتائج الواعدة في مطلع التسعينات.  

للأسف، لم يكتب زميلي مصطفى علوي سيف شيئا حتى الآن في هذه المائدة المستديرة من شأنه أن يشجع على إقامة حوار إقليمي أو البحث عن حلول مرضية للجميع. فهو على ما يبدو يرى فقط العقبات والديناميكيات السلبية. وقد كان مقاله الثاني مخصصا بالكامل تقريبا إلى التعنت النووي المزعوم الذي تتخذه إسرائيل والرفض التام لمخاوف إسرائيل الأمنية.  

قدم سيف أيضا عددا من الادعاءات التي— على الرغم من أني أفضل تجنب الدخول من جديد في مناقشة مجادلات قديمة— لا يمكن أن تمر بدون رد. في محاولته لتصوير إسرائيل على أنها المعتدي بدلا من كونها الطرف المهدد في الشرق الأوسط، لم يذكر سيف أنه في عام 1948 رفضت الأطراف العربية خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة، ثم عزمت على تدمير إسرائيل؛ وأن الدول العربية تبنت نهج الرفض بعد حرب عام 1967، وتعهدت أنه لن يكون هناك سلام مع إسرائيل أو الاعتراف بها أوالتفاوض معها، وأن البرنامج النووي الإيراني، إلى جانب تصريحاتها بأنه ليس هناك مكان لإسرائيل في الشرق الأوسط، هو مصدر قلق بالغ لإسرائيل؛ وأن الهدف المعلن لجماعتي حماس وحزب الله هو تدمير إسرائيل، وأن صواريخ وقذائف هاتين الجماعتين تستهدف عمدا المدنيين الإسرائيليين. علاوة على ذلك، كان من بين الأمثلة التي ذكرها سيف في حديثه عن "العدوان الاسرائيلي" حرب يونيو عام 1967 والصراع بين اسرائيل وغزة في عام 2012— وهي ادعاءات أعتبرها غريبة.

على نطاق أوسع، جادل سيف بأن الردع النووي الإسرائيلي لم يكن فعالاً لأنه "ظلت الدول العربية وحتى الحركات السياسية غير الحكومية على مدى عقود تستخدم القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية". لكن الغرض الوحيد من الردع النووي الإسرائيلي هو درء تهديدات وجودها. إن تورط إسرائيل في العديد من الصراعات التقليدية هو في الواقع دليل على ضبط النفس وسجلا جازما على مسؤوليتها في المجال النووي. يساعد ضبط النفس هذا أيضا في تفسير قبول الدول الأخرى، وإن كان على مضض، بالوضع النووي الراهن منذ أمد طويل.

في الوقت نفسه، أدخل رضوان زيادة مجموعة واسعة من القضايا الإقليمية في النقاش— وهذا يسمح باستكشاف فرص مرضية للجميع. أهوال الحرب الأهلية السورية، واستخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية، والتهديدات المرتبطة بالجهات الفاعلة غير الحكومية، وبرنامج إيران النووي— مناقشة هذه القضايا يمهد الطريق لإجراء مناقشات أكثر إنتاجية تستند على الاعتراف بأن هناك مجموعة من التحديات الأمنية في المنطقة وأنه ليس كل شيء يختزل في إسرائيل. علاوة على ذلك، يأخذ زيادة خطوة هامة في اتجاه تفهم مخاوف إسرائيل في المجال النووي عندما أشار إلى أن القبول الدولي لعناصر البرنامج النووي الإيراني من شأنه أن يقلل من احتمالات انضمام إسرائيل إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

وبرغم ذلك، فأنا أختلف مع زيادة في مسألة واحدة رئيسية. إنه يصور إنشاء منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية في الشرق الأوسط على أنها تبدو هدفا سهل المنال، لكنها في الحقيقة، بسبب عدم وجود حوافز لإسرائيل ومصر للمشاركة فيها، ليست سهلة المنال. أنا لا أشاركه تشاؤمه هذا، على الأقل في حالة إسرائيل. طالما كانت المفاوضات بشأن حظر الأسلحة الكيميائية تجرى في سياق عملية الأمن الإقليمي، فليس من المستحيل أن تشارك إسرائيل فيها.  

هناك حاجة ماسة لإحراز تقدم في قضايا الأمن الإقليمي. إذا تم إحراز تقدم مبدئي في القضايا الأمنية بحيث يمكن تحديد المصالح المشتركة، يمكن تهيئة الظروف لمعالجة القضايا الأمنية الأخرى الأكثر صعوبة في معالجتها بسبب مبدأ المنتصر الوحيد الذي تتبناه الجهات الفاعلة الإقليمية. لكن الخطوة الأولى هي أن تبدأ الأطراف، في إطار إقليمي، في عقد اجتماعات وإجراء مناقشات. لن يتحقق شيء حتى يحدث ذلك.

ليس هناك استخدام للأسلحة النووية

أوضحت جلسة الإجتماع الأولى أن العقبة الرئيسية لحظر الأسلحة الكيميائية في الشرق الأوسط هو أن إسرائيل تبدو غير راغبة في التخلي عن ترسانتها النووية تحت أي ظرف من الظروف— بينما مصر ليست على استعداد للمشاركة في منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية حتى تتخلى اسرائيل عن أسلحتها النووية.

لماذا إسرائيل غير راغبة في مناقشة نزع السلاح النووي؟ ذلك لأن إسرائيل، كما ذكرت إيميلي لانداو في مقالها الأول، ترى أن"سياسة الغموض النووي الإسرائيلية والردع غير العلني هما وثيقة تأمين ضد أي عدو من شأنه القيام بتهديد وجود الدولة". هذه المقولة، المنطقية في ظاهرها، تعاني في الحقيقة من ثلاثة عيوب خطيرة.

أولا، لا يمكن القول إن إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا لأن إسرائيل، في العديد من الصراعات بين العرب واسرائيل التي وقعت منذ الحرب العالمية الثانية، كانت في الغالب دائما هي المعتدي. في أزمة السويس عام 1956 وحرب يونيو 1967 وبداية الاحتلال الإسرائيلي للبنان في عام 1982 والصراع بين اسرائيل وغزة عام 2012— كل هذه الاعتداءات بدأتها إسرائيل. كانت الدول العربية هي المبادرة فقط في عام 1973، عندما هاجمت مصر وسوريا القوات الإسرائيلية في شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان لاستعادة الأراضي التي كانت قد احتلتها إسرائيل في عام 1967.

ثانيا، أسلحة إسرائيل النووية لم تقم بوظيفة الردع في الماضي. على الرغم من ترسانة إسرائيل النووية، ظلت الدول العربية وحتى الحركات السياسية غير الحكومية على مدى عقود تستخدم القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية. هذا يقوض بشدة مقولة إن إسرائيل تستخدم أسلحتها النووية لردع الهجوم.

المسألة الثالثة هي أن الدول المسلحة نوويا ببساطة لا تستخدم أسلحتها النووية. كان الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هي تفجيرات هيروشيما وناجازاكي التي نفذتها الولايات المتحدة في وقت كانت فيه تلك الدولة هي الدولة النووية الوحيدة في العالم، وبالتالي لم تواجه تهديد هجوم نووي مضاد. منذ عام 1945، دخلت الدول الثمانية الأخر التي لديها ترسانات نووية في حروب مرات عديدة، ولم تستخدم الأسلحة النووية ولو لمرة واحدة. الاتحاد السوفيتي في أفغانستان والمملكة المتحدة في أزمة السويس والهند في عام 1999 في حرب كارجيل، والولايات المتحدة في العديد من الصراعات— كل هذه الدول (وغيرها) رفضت استخدام الأسلحة النووية.

قد يجادل البعض بأن إسرائيل هي استثناء— باعتبار أنها القوة النووية الوحيدة في منطقتها، فإن إسرائيل تشبه الولايات المتحدة في عام 1945، وأنها ليست في حاجة لأن تخاف من هجوم نووي مضاد. لكن هذا الرأي لا يأخذ في الاعتبار سمة مهمة للأمن في الشرق الأوسط: على الرغم من أن إسرائيل ربما تمتلك أقوى جيش تقليدي في المنطقة، فمن المؤكد أنها ليست أقوى دولة في المنطقة. من حيث الديموغرافية فهي أصغر بكثير من العديد من الدول العربية. إنها تفتقر الى الموارد المالية التي تتمتع بها الدول الكبرى المنتجة للنفط. لذا فإن إسرائيل، حتى لو استخدامت الأسلحة النووية، لن تصبح متفوقة في المنطقة، بل سوف تحث على العداء فقط.

إن الاستنتاج الذي يمكن أن يستخلصه المرء من كل هذا هو أن الأسلحة النووية لا تخدم أي غرض في الشرق الأوسط— بالنسبة لإسرائيل أولأي أحد آخر. يمكن أن تستخدم إسرائيل الأسلحة النووية كملاذ أخير فقط، وبطريقة لم يسبق أن استخدمتها أي دولة أخرى من قبل. يجب ألا تقف ترسانة إسرائيل النووية في طريق القضاء على جميع أسلحة الدمار الشامل من المنطقة.

Round 3

نزع الشرعية عن المتطرفين

لطالما أعلن مسؤولون ومحللون غربيون على مدى عقود عن ظهور "شرق أوسط جديد". وقد تبين أن تلك الإعلانات كانت بوجه عام سابقة لأوانها، لكن اليوم تقوم بالفعل شعوب المنطقة ببناء شيء جديد. وبرغم إنه من غير المؤكد ما إذا كان هذا التغيير سيكون في صالح شعوب الشرق الأوسط، لا يمكن لأحد أن يشك في أن آثاره طويلة الأجل ستكون عميقة.

في اجتماع المائدة المستديرة هذا، جادلت أنا وإميلي لانداو بأن إنشاء منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية في منطقة الشرق الأوسط من شأنه أن يسهم إسهاما إيجابيا في الأمن الإقليمي. وقد جادل مصطفى علوي سيف بأن حظر الأسلحة الكيميائية لن يكون له معنى دون حظر الأسلحة النووية أيضا. ليس من المستغرب وجود خلاف حول مثل هذه النقطة. لكن، في اعتقادي، ما يصعب الجدال بشأنه هو أن الأمن الإقليمي سيظل معضلا إلى أن تقر الحكومات بالمعايير الدولية مثل المعيار الذي يحظر استخدام الأسلحة الكيميائية— و، على نطاق أوسع، إلى أن يتم تحرير الحكم في المنطقة. فقط عندما تظهر الدول مزيدا من الاحترام للحكومة التمثيلية وسيادة القانون ووحدة الحياة الإنسانية، حينئذ يمكن معالجة التحديات الأمنية الدائمة في الشرق الأوسط.

تُظهر بلدي سوريا عواقب الإخفاق في متابعة مثل هذه المُثل العليا. هناك، ازدادت الحرب الأهلية الوحشية تعقيدا جرّاء أفعال الجهات الفاعلة غير الحكومية الأجنبية مثل جماعة حزب الله الشيعية المسلحة والمنظمة السنية المتطرفة المعرفة باسم الدولة الاسلامية في العراق والشام (التي كانت تابعة لتنظيم القاعدة حتى تنصلت منها في أوائل شهر فبراير). وعلى الرغم من تنافس هذه المنظمات طائفيا، فإن لديهم الكثير من القواسم المشتركة. فهم يتمسكون بالتفسيرات المتطرفة والتعسفية للإسلام. كما أنهم يعتنقون أيديولوجيات تركز على كراهية هؤلاء الذين لا يتفقون مع وجهات نظرهم وعلى الرغبة في القضاء عليهم. إنهم يرفضون كل مفاهيم الوحدة الإنسانية وحق الآخرين في العيش بسلام. ويظهرون مستوى غير عادي من الوحشية. ولم تُظهر أى من الجماعتين أى شعور بالندم بشأن عبور الحدود الدولية لقتل السوريين. لكن لولا وجود أنظمة وحشية وقمعية مثل نظام بشار الأسد— وهى أنظمة لا تظهر أي احترام لسيادة القانون أو الحقوق الإنسانية الأساسية— لما وجدت مثل هذه الفصائل.

في الوقت الذي يفتح فيه الشرق الأوسط صفحة جديدة من التاريخ، فإن واحدة من أكبر التحديات الأمنية التي تواجهه هي نزع الشرعية عن الحركات المتطرفة. ويتطلب تحقيق ذلك القيام بتبني الليبرالية— القيام بتبني الديمقراطية وتداول السلطة واحترام القيم الإنسانية الأساسية.

من الحوار يولد بعض الأمل— حتى في الشرق الأوسط

كان الهجوم بالأسلحة الكيميائية قرب دمشق في أغسطس الماضي من أسوأ الأوضاع في الحرب الأهلية السورية. لكن الأسلحة الكيميائية كانت مسؤولة عن جزء صغير فقط من ضحايا هذا الصراع. في الحروب— وبصفة خاصة الحروب الأهلية— يمكن القيام  بأعمال عنف مروعة من خلال وسائل عديدة. في سوريا، تسببت "البراميل المتفجرة" بدائية الصنع التي تُلقى من طائرات الهليكوبتر في مقتل آلاف الأشخاص. وقد قدم تقرير صدر مؤخرا عن مجموعة من المدعين العامين السابقين في محاكم جرائم الحرب دليلا واضحا على أن نظام الأسد قام بقتل آلاف المعتقلين وتعذيب العديد من الأشخاص. كما يبحث تقرير جديد للأمم المتحدة في التعذيب والتشويه والاعتداء الجنسي على الأطفال السوريين. كان انهيار أمن سوريا كارثيا، لكن الأسلحة الكيميائية ليست هي المتسببة في هذا الانهيار. ولكي يتم تحسين الأمن السوري، ينبغي توجيه الاهتمام إلى الأسباب الجذرية لهذا العداء والصراع. هذا ينطبق على سوريا وعلى جميع دول الشرق الأوسط—داخل الدول وبين الدول على حد سواء.

ومع ذلك، يمكن أن تتيح الأسلحة الكيميائية وسيلة لبدء حوار مطلوب بشدة بشأن مجموعة واسعة من القضايا الأمنية في الشرق الأوسط. تم تصنيف الأسلحة الكيميائية من قبل المجتمع الدولي بأنها أسلحة دمار شامل، وهي أيضا موضع إدانة من العالم أجمع تقريبا. هذا الاتفاق الدولي الكبير—وإمكانية استخدامه لبدء حوار إقليمي— هما جزء من الأساس المنطقي لبداية مناقشات حول منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية في الشرق الأوسط.

يمكن أن تبدأ مثل هذه المناقشات فقط عقب امتثال سوريا الكامل لالتزامها الجديد بشأن القضاء على أسلحتها الكيميائية— لكن للأسف، يبدو أن سوريا تتلكأ في هذا الصدد. تشير تقارير، قبل مغادرة شحنة من الأسلحة الكيميائية الأراضي السورية في 10 فبراير، أن دمشق قد نقلت إلى خارج البلاد أقل من 5 في المائة من الأسلحة الكيميائية التي وافقت على إزالتها بحلول نهاية عام 2013.  باعتراف الجميع، يواجه نظام الأسد تحديات في جمع وشحن مخزونه من المواد الكيميائية الخطرة— هذه المساعي تواجه عراقيل بسبب كل من الحرب الأهلية وسوء الأحوال الجوية في فصل الشتاء. لكن البعثة المشتركة المشرفة على تدمير الأسلحة الكيميائية في سوريا قالت إن البلاد لديها المعدات والمواد التي تحتاجها للقيام بهذه المهمة. اشتكت الولايات المتحدة من التباطؤ السوري، وأعربت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية عن قلقها أيضا، كما طالب مجلس الأمن الدولي سوريا بالإسراع في هذه العملية. في الوقت نفسه، حذر جيمس كلابر مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية في أواخر يناير من أن سوريا قد يكون لديها القدرة على إنتاج مواد بيولوجية مميتة ونقلها عن طريق أنظمة الأسلحة التقليدية الحالية. ومع ذلك، اذا امتثلت سوريا في النهاية للموعد النهائي في يونيو للقضاء على جميع أسلحتها الكيميائية، فسوف يصبح من الممكن إحراز تقدم نحو إنشاء منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية في المنطقة.

نقاط التقارب. جادل رضوان زيادة، في مقاله الثاني، بأنه ربما لن تكون الأطراف الإقليمية قادرة من تلقاء أنفسها على بدء عملية لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية. وأنا أتفق معه على ذلك. لكن في حين يقترح زيادة بأن تتخذ الأمم المتحدة المبادرة لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية في المنطقة، فأنا أزعم أن الولايات المتحدة وروسيا، وربما دول الاتحاد الأوروبي، يجب أن يقودوا هذه المبادرة. هذه الدول لديها نفوذ كبير في المنطقة، فرديا وجماعيا، وأعتقد أنها لديها فرصة أفضل من الأمم المتحدة لجلب الحلفاء الإقليميين للمشاركة في هذه العملية.

أتفق أنا وزيادة على أن المفاوضات حول الأسلحة الكيميائية، حيث تبدو أنها تستهدف المصالح المشتركة بين الأطراف الإقليمية، يمكن أن تكون نقطة انطلاق مفيدة للمفاوضات بشأن قضايا أوسع للأمن الإقليمي، وأن المناقشات حول الأسلحة الكيميائية يمكن أن تساعد في إنشاء آلية دائمة لأمن واستقرار المنطقة. لذلك، فقد كشفت هذه المائدة المستديرة نقاط التقارب— ربما كانت نقاط غير متوقعة. وأكدت على أن الحوار بأي شكل من الأشكال هو أمر مهم ويحتمل أن يكون مثمرا. أخرج من ذلك ببعض الأمل في أن التقدم نحو حل مشاكل المنطقة أمر ممكن.

مواقف الدول في الشرق الأوسط بشأن قضايا الأمن الإقليمي هي مواقف راسخة. لكن الالتزام بهذه المواقف التقليدية لم يحل مشاكل المنطقة. بطريقة أو بأخرى يجب أن يخرج الشرق الأوسط من ديناميكيته الأمنية الحالية. إن مناقشة وإنشاء منطقة خالية من الأسلحة الكيميائية في المنطقة— على الرغم من كل العقبات التي تقف في الطريق— يمكن أن تكون خطوة أولية في هذا الصدد.


Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]

RELATED POSTS

Receive Email
Updates