The authoritative guide to ensuring science and technology make life on Earth better, not worse.

كيفية مواجهة مسببات الأمراض الناشئة

تبشر التقدمات التقنية في علوم الحياة بمكافحة الأمراض المستعصية أو القضاء عليها. لكنها تزيد أيضا من خطر قيام جهات حاقدة بتعلم إنتاج أنواع جديدة وخطيرة للغاية من مسببات الأمراض، وهو احتمال يثير قلقاً بالغاً لدى المتخصصين في مجال الأمن في الدول المتقدمة. بينما في العالم النامي، حيث تقاوم بشدة عديد من الدول أمراضا مثل الإيدز والملاريا، تجنح شواغل الصحة العامة إلى التركيز أكثر على الوقت الحاضر— أو، عندما يتعلق الأمر بالتهديدات الناشئة، إلى التركيز على كيفية معالجة مسببات الأمراض الطبيعية وليس التي هى من صنع الإنسان. فيما يلي، يقوم كُتّاب من نيجيريا وجنوب أفريقيا والأرجنتين بمناقشة السؤال التالي: كيف يمكن للحكومات والمؤسسات والمهنيين في كل من العالمين المتقدم والنامي جعل العالم أكثر أمنا من مسببات الأمراض الناشئة، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان؟

Round 1

تصحيح البيانات الخاطئة

تفشي مسببات الأمراض الناشئة، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان، ليست مجرد قضايا صحية فحسب. إنها تمثل تحديات على عدة أبعاد أخرى— قانونية وسياسية واقتصادية وعسكرية. إن المراقبة المحسّنة للأمراض هي في صميم التغلب على العديد من هذه التحديات.

تستلزم مراقبة الأمراض جمع معلومات عن الانتشار الحالي والسابق للأمراض في دول ومناطق محددة وتوفير السياق اللازم لفهم انتشار الأمراض الجديدة، وتحديد، من بين أمور أخرى، ما إذا كانت الأمراض طبيعية أو من صنع الإنسان. ويتم جمع الجزء الأكبر من هذه المعلومات من قبل منظمات الصحة الوطنية، والتي تحيلها إلى كيانات مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الصحة للبلدان الأمريكية، ومراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها. حيث يتم تصنيف المعلومات في قواعد للبيانات ونشرها. لكن هذه المعلومات ليست دائما صحيحة.

لقد عملت بشكل وثيق مع إحصاءات الأمراض لأكثر من عقد من الزمان. لكن للأسف، وجدت أن المعلومات حول انتشار المرض، سواء في العالم المتقدم أو النامي، غالبا ما تحتوي على تناقضات. على سبيل المثال، قامت الأرجنتين والبرازيل وبوليفيا بالإبلاغ عن حالات من حمى الضنك منذ بضع سنوات بينما لم تفعل باراجواي. من الناحية الجغرافية وانتقال المرض، فإن هذا الأمر كان مستحيلا. لم يُحل هذا التناقض حتى قدمت باراجواي أرقاما محدثة.  

إحصاءات المرض الخاطئة تكون مقلقة للغاية في عالم يسهل فيه السفر الدولي وتتسم الرقابة على صحة الركاب بالتراخي. أصبحت الاحصاءات الخاطئة مصدر قلق نتيجة لأن التحضر خلق مناطق فقيرة للغاية حيث يتيح الازدحام والنظافة الصحية غير الملائمة والأطعمة منخفضة القيمة الغذائية بيئة لنمو الأمراض. كما تمثل الإحصاءات غير الدقيقة عائقا رئيسيا أمام المبادرات الوطنية في كل من الصحة العامة والدفاع. إذا كنت لا تستطيع أن تقول بكل ثقة ما هى الأمراض التي توجد في بلدك، كيف يمكنك وضع خطة استراتيجية لمحاربة المرض؟ وكيف يمكنك قياس تأثير الأمراض على سكان بلدك؟ كيف يمكنك منع الأشخاص المؤذيين من إحداث أضرار بواسطة مسببات الأمراض القاتلة؟ إن وجود بيانات أفضل عن انتشار المرض هو أمر ضروري لمساعدة الباحثين في أداء وظائفهم بفعالية أكبر والوفاء بالالتزامات تجاه آليات مثل اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية والسمية. إذا أردنا إنشاء نظم أكثر فعالية لمراقبة الأمراض، لا بد من إجراء تحسينات ضرورية في مجالين رئيسيين هما: المجال القانوني والمؤسسي، والمجال التعليمي.

يوجد بالفعل إطار قانوني ومؤسسي دولي للأمراض الناشئة، يتكون من جانب للصحة وآخر للأسلحة. بالنسبة لجانب الصحة، تشرف منظمة الصحة العالمية على الجهود المبذولة لمكافحة العديد من الأمراض. أما بالنسبة لجانب الأسلحة، فإن اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية والسمية وبروتوكول جنيف ومجموعة أستراليا (كيان غير رسمي لمراقبة الصادرات) تهدف جميعها إلى منع تطوير الأسلحة البيولوجية. لكن هناك تداخل كبير بين المجالين، على سبيل المثال، الحمى الصفراء وحمى الضنك هما ذات صلة بكلا الجانبين: الصحة والأسلحة. وهذا يؤدي إلى جهد مضاعف، لأن الأفراد والمؤسسات المسؤولين عن الإبلاغ عن الأمراض يجب عليهم في معظم الأحيان إبلاغ البيانات إلى كيانات متعددة. وبالتالي سوف تظهر احتمالات زيادة تناقض البيانات. يمكن معالجة هذه المشاكل إذا قامت مؤسسات الصحة والأسحلة الدولية باعتبار مراقبة الأمراض كنقطة طبيعية للاتصال بين مساعي كلٍ منهما.

لكن بغض النظر عن مدى تقارب التنسيق بين المنظمات المعنية بالصحة والمنظمات المعنية بالأسلحة، ستظل البيانات حول تفشي الأمراض معيبة إذا كان المهنيون الصحيون المحليون— كما هو الحال غالبا— يفتقرون إلى التعليم والتدريب اللازمين لأداء واجباتهم في مراقبة المرض. تفتقر أحيانا الدول وكذلك المهنيون الصحيون إلى القدرة على تحديد الأمراض. إذ أنهم أحيانا لا يفهمون بوضوح ما هى الأمراض التي ينبغي الإبلاغ عنها، أو ما إذا كان عليهم الإبلاغ عن حالات فردية أو حالات التفشى الكبرى فقط. وقد يكونوا غير متأكدين ما إذا كان الإبلاغ عن جميع الحالات أو الوفيات فقط. وربما يكون لديهم التباس حول ما إذا كان يجب تقديم التقارير سنويا أو شهريا أو عند وقوع حادث مثير للقلق.  

الخبر السار هو أن هذه المشاكل يمكن حلها من خلال تحسين تعليم المهنيين والمسؤولين الصحيين. أما الخبر السيئ فهو أن الجهد المبذول على الصعيدين الدولي والوطني لتحسين التعليم ضئيل للغاية. يجب على الكيانات الدولة مثل منظمة الصحة العالمية وضع برامج تربوية لمعالجة هذه المشاكل ومراقبة أدائها وتنسيق جهودها مع المبادرات الوطنية ذات الصلة. ولكن الجهود غير الهرمية يمكن أن تكون مفيدة أيضا. على سبيل المثال، قامت جامعة برادفورد بتطوير أدوات مميزة يمكن استخدامها لتدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية على أمور مثل إبلاغ البيانات إلى اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية والسمية. يتطلب خلق عالم أكثر أمانا من مسببات الأمراض الناشئة أن يقوم اللاعبون بدورهم على جميع المستويات—من الحكومات البلدية إلى الحكومات الوطنية ومن المنظمات الإقليمية إلى المنظمات العالمية—لتحسين نظم مراقبة الأمراض والإبلاغ عنها.

مكافحة مسببات الأمراض من خلال تعليم الأخلاقيات

مسببات الأمراض لا تحترم الحدود. وتتطلب جهود مكافحة تفشي الأمراض— بما في ذلك الناجمة عن مسببات الأمراض الناشئة، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان— أن تكون الاستجابات المحلية والوطنية متزامنة وأن يتم إنشاء آليات للتعاون الدولي. وفي هذا الصدد، يلعب العلماء دورا هاما على الصعيدين الوطني والدولي على حد سواء.

إن العلماء في وضع جيد يمكنهم من أن يصبحوا بمثابة نظام إنذار مبكر لتفشي المرض، وذلك نتيجة لتعاملهم مع مسببات الأمراض في الأبحاث اليومية وخبرتهم العميقة بالمؤلفات المتعلقة بهم. إن مشاركتهم في اتخاذ تدابير للسلامة الحيوية والأمن الحيوي ومراقبة الاستخدام المزدوج والتصديق عليها يعد أمرا ضروريا لمواجهة التهديدات التي تشكلها مسببات الأمراض الناشئة. ("السلامة الحيوية" بعبارات بسيطة، تشير إلى منع التعرض غير المقصود لمسببات الأمراض أو نشرها بغير قصد، أما "الأمن الحيوي" فيعني حماية مسببات الأمراض من السرقة أو الضياع أو التحويل، و"الاستخدام المزدوج" للأبحاث عبارة عن أبحاث مشروعة يمكن أن يساء استخدامها لتهديد الصحة العامة أو الأمن القومي).

غالبا ما يجد العلماء أنفسهم، وذلك بصفتهم خط الدفاع الأول، أنهم مُتقبّلون بحماس من قبل هؤلاء المهتمين بمكافحة مسببات الأمراض. لكن ثمة تساؤلات جدية تحيط بالتعليم الذي يتلقاه العلماء عن أخلاقيات السلامة الحيوية والأمن الحيوي والبحوث ذات الاستخدام المزدوج، وعن المعايير المرتبطة بالمسؤولية والمهنية وحسن السلوك. غالبا ما يخفق تعليم الأخلاقيات في إعداد العلماء لتلبية التوقعات المرجوة منهم، وفي الواقع تشير عديد من الدراسات أن تعليم الأخلاقيات، على المستوى العالمي، لا يزال غير مكتمل وغير موحد. وإلى أن يصبح التعليم الدولي للأخلاقيات أكثر شمولا، فمن الصعب وضع ثقة حقيقية في العلماء بصفتهم خط الدفاع الأول.

يجب أن يكون تعليم الأخلاقيات للعلماء مركّزا حتى يتمكن العلماء من رؤية قيمة في المواضيع قيد المناقشة— أي أن تعليم الأخلاقيات يستلزم أن يكون هناك قبول من العلماء. بدون هذا القبول، لن يعدو تعليم الأخلاقيات عن كونه مجرد تزويد العلماء بمعلومات حول المخاطر المرتبطة بقضايا السلامة الحيوية والأمن الحيوي والاستخدام المزدوج. ولن يكون بإمكانه حث العلماء على الانخراط في التفكير النقدي حول إساءة استخدام البحوث وممارسة اتخاذ قرارات أخلاقية.

الحصول على قبول العلماء ليس بالأمر الصعب عندما يتعلق الأمر بالسلامة الحيوية. إذ أن مخاطر السلامة الحيوية المرتبطة بالبحوث، ومسؤولية العلماء للتصدي لهذه المخاطر، هي أحد العناصر الواضحة تماما والتي يسهل التحكم فيها عموما في منهج الأخلاقيات. لكن توعية العلماء بصورة صحيحة بالمخاطر الأمنية— سواء كانت تلك المخاطر تندرج تحت فئة الأمن الحيوي أو الاستخدام المزدوج— هي عملية بالغة التعقيد. إذ غالبا ما يرى العلماء أن هذه المخاطر بعيدة تماما عن ممارساتهم البحثية اليومية (وفي معظم الحالات ليس هناك الكثير مما يمكن أن يفعله العلماء في الواقع للحد من خطر اساءة استخدام أعمالهم). إذا أُلقيت على العلماء مسؤولية الحد من مخاطر يرون أنه لا أساس لها من الصحة، فمن الممكن أن يضعف ذلك بشدة من فعالية تعليم الأخلاقيات. وبالتالي يجب أن يتبع تعليم الأخلاقيات نهجا متوازنا— بأن يشجع على اتخاذ القرارات الأخلاقية والتفكير النقدي دون المبالغة من المخاطر الأمنية الكامنة في البحوث.

غالبا ما تعاني الدول منخفضة ومتوسطة الدخل من افتقار دائم لتعليم رسمي للأخلاقيات. وغالبية تعليم الأخلاقيات الذي يتلقاه العلماء في هذه الدول يكون متاحا بسبب متطلبات التمويل أو أن اتفاقات التعاون تستلزم أن يكون متوافرا (وإلا فإنه يأتي في شكل دورات على الانترنت)، لذلك تعليم الأخلاقيات الذي يتلقاه العلماء يكون معمماً للغاية— وإذا كان محدداً، يكون محدداً لسياق بحوث دولة ذات دخل مرتفع. هذه المبادرات الأخلاقية الخارجة عن سياقها غالبا ما تناقش أنواع البحوث الخارجة عن نطاق البحوث الوطنية للدول منخفضة أومتوسطة الدخل— وغالبا ما يعاني العلماء من أجل رؤية المغزى من مناقشة مخاطر تقع خارج أطرهم المرجعية. علاوة على ذلك، قد تُلقي المشاكل البارزة للغاية، مثل توفير الرعاية الصحية السيئة، بظلالها على المخاوف الأمنية في الدول منخفضة أو متوسطة الدخل، مما يزيد من تعقيد تعليم الأخلاقيات.

ثمة مشكلة أخرى تواجه مبادرات التعليم في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل وهى أن تلك الدول لا تملك، ومن المستبعد أن تقوم بتطوير على المدى القريب، تنظيمات شاملة تتيح للعلماء أن يبلغوا عن مخاوفهم بشأن قضايا السلامة الحيوية والأمن الحيوي ذات الاستخدام المزدوج. ومع أن مثل هذه التنظيمات في الدول الغنية قد تكون غير كاملة، وأنها ما زالت موضع مناقشات مستفيضة، لكنها قائمة بالفعل. لذلك يجب أن يحرص القائمون على تعليم الأخلاقيات على ألا يحمّلوا العلماء في العالم النامي مسؤوليات ليس لديهم أي وسيلة لتحقيقها. يجب أن تحقق مبادرات تعليم الأخلاقيات التوازن الصحيح بين المسؤولية والمخاطر؛ وإلا ببساطة سوف يرى العلماء أن قضايا الأمن الحيوي والاستخدام المزدوج ليست ذات صلة بأبحاثهم.

ثمة خطوة مهمة نحو مواجهة تهديد مسببات الأمراض الناشئة وهى تطوير مناهج تعليمية محسّنة لأخلاقيات علوم الحياة. وبينما يتم تطوير هذه المناهج، فإنه يجب التكرار باستمرار أن حجما واحد لا يمكن أن يناسب الجميع— يجب أن يتعامل أي نموذج ناجح لتعليم الأخلاقيات مع قضايا مثل البيئة الثقافية التي سيطبق فيها النموذج والتطبيقات العملية للبيئات البحثية المحددة. (من جانب آخر، فإن الانسجام الدولي لتعليم الأخلاقيات هو قضية هامة في حد ذاتها). وإلى أن يتمكن تعليم الأخلاقيات من التغلب على مثل هذه التحديات، فإنه سيكون من الصعب جدا إنشاء مجتمع دولي من العلماء— علماء على دراية مناسبة بقضايا السلامة الحيوية والأمن الحيوي والاستخدام المزدوج— الذين يمكنهم فعلا أن يشكلوا خط دفاع أول متحد ضد مسببات الأمراض الناشئة.

المسؤوليات الوطنية وإمكانيات التعاون

تكرس الحكومات والأوساط العلمية في العالم المتقدم قدرا كبيرا من الاهتمام والدراسة لظهور وعودة ظهور مسببات الأمراض. لكن الحال ليس غالبا كذلك في الدول محدودة الموارد. تعد إفريقيا منطقة معرضة بشكل خاص لتفشي الأمراض التي تنتقل بشكل طبيعي بين الحيوانات الفقارية والبشر (الأمراض حيوانية المنشأ)؛ والتي تشمل الإيبولا وحمى الوادي المتصدع والطاعون. جميع الدول في المنطقة معرضة لخطر الاصابة بهذه الأمراض، كما أن تفشي الأمراض عبر الحدود أمر متكرر الحدوث. لكن الدول الأفريقية غالبا ما تتسم بعجزها أو عدم قدرتها على التصدي بفعالية لظهور أمراض جديدة أو التصدي لعودة ظهور أمراض مستوطنة.  

تبرز عدة أسباب لذلك. فالنظم الإفريقية لمراقبة الأمراض ضعيفة والدعم المختبري متواضع، مما يجعل من الصعب إخراج البيانات اللازمة لتقييم أعباء المرض والاستجابة للأولويات المناسبة. عند عدم توفر المعلومات السليمة، غالبا ما يُقابل ظهور مسببات جديدة للأمراض بالانكار— حتى يصل تفشي المرض إلى مستويات وبائية. وبمجرد بداية ظهور أحد الأوبئة في دولة ما، تجتاح منظمات الصحة الدولية تلك الدولة، لكنها تعمل في هلع وتكون استجابتها على قدر الأزمة فحسب، كما أن جهودها المبذولة تكون قليلة جدا ومتأخرة للغاية. وفي النهاية يصبح تفشي مسببات الأمراض بمثابة فرص للباحثين الأجانب ومنظمات الصحة لصقل مهاراتهم، تاركين العلماء في الدول فقيرة الموارد معتمدين بشكل دائم على الغرباء— حيث ينحصر دورهم في مجرد جمع للعينات، من غير أن يكونوا قادرين على مكافحة تفشي نوع جديد من مسببات الأمراض بمفردهم.

إذاً كيف يمكن التغلب على هذه التحديات؟ تنطوي الخطوة الأولى على التركيز على العمليات المحلية لظهور مسبب المرض. تظهر مسببات الأمراض في ظل ظروف بيئية وديموغرافية واجتماعية-اقتصادية متفاوتة على نطاق واسع. وتعتمد قدرة مسبب المرض على الظهور أو عودة الظهور على عوامل من بينها التغيرات الجينية أو التكيف في مسبب المرض نفسه؛ والظروف البيئية المرتبطة بالمناخ  والتنمية الاقتصادية وأنماط استخدام الأراضي؛ وقضايا متصلة بالمضيف البشري لمسببات الأمراض، بما في ذلك التركيبة السكانية وأنماط التجارة الدولية وسوء استخدام المضادات الحيوية وتعرض الأشخاص للأخطار المهنية وإهمال خدمات الصحة العامة والإرهاب البيولوجي. تتفاعل جميع هذه العوامل والظروف بشكل مختلف في أجزاء مختلفة من العالم— وبالتالي، فإن الخطوة الأولى نحو منع ومكافحة تفشي الأمراض الناشئة أو التي عاودت الظهور هو الحصول على فهم شامل للعمليات المحلية لظهور مسبب المرض. بمجرد اكتساب هذا الفهم، يجب على الحكومات والمؤسسات والمهنيين— خصوصا في العالم النامي—أن يلزموا انفسهم بأدوار استباقية ومحددة بوضوح لمكافحة الأمراض الناشئة والتي عاودت الظهور.

من الضروري على المستوى الوطني، على وجه الخصوص، أن تتخذ كل دولة "ملكية" نظم لمراقبة الأمراض والوقاية منها ومكافحتها؛ وهذا يسمح بتشكيل تدابير استجابة خاصة بكل بلد. تستلزم ملكية هذه الأنظمة أن يكون هناك التزام سياسي حقيقي تجاهها، كما يتطلب تقديم موارد مالية وبشرية كافية لمراقبة الأمراض ونظم الدعم المختبري. إن من الأهمية بمكان أن تحتفظ الدول بأنظمة قادرة على كشف وتحديد واحتواء مسببات الأمراض التي تنطوي على إمكانات وبائية قبل أن تنتشر على نطاق واسع جدا.

إن قيام الحكومات بدور استباقي لمكافحة المرض يستلزم أيضا تنفيذ خطط استجابة للطوارئ مناسبة؛ وتنسيق تفاعلات تعاونية بين أنظمة المراقبة الصحية البشرية والبيطرية؛ وبناء ودعم قدرات موظفي الصحة المحليين لمكافحة المرض من خلال تزويدهم بالتدريب والفرص لتحديث مهاراتهم وببيئة عمل تمكينية؛ ووضع نهج متعدد التخصصات لمكافحة الأمراض، بحيث يتيح للأفراد من مختلف المجالات تقديم خبراتهم للتأثير في مكافحة الأمراض الناشئة أوالتي عاودت الظهور. (على سبيل المثال، يجب أن تأتي مشاركة القطاع الخاص في المدى القريب لأن تفشي الأمراض يهدد الأمن الاقتصادي للجميع).

جعل العالم أكثر أمنا من مسببات الأمراض الناشئة أوالتي عاودت الظهور يستلزم أيضا قدرا كبيرا من التعاون العالمي. على سبيل المثال، يتعين على الدول تنفيذ سياسات تعاونية لمكافحة قدرة مسببات الأمراض على الانتشار من خلال أنظمة النقل الحديثة. ينبغي أن تشترك الدول في أنشطة إقليمية للمراقبة والاستجابة. وينبغي أن تتبادل معلومات المراقبة في الوقت الحقيقي من أجل الكشف عن الأمراض حيوانية المنشأ في قطعان الحيوانات قبل ظهورها في البشر. وفي الوقت نفسه، يجب على الباحثين في جميع أنحاء العالم التعاون لتعزيز مراقبة التجمعات البشرية المعرضة لخطر كبير للإصابة بالأمراض حيوانية المنشأ. وينبغي أن تكون المنظمات العلمية غير الحكومية، نتيجة لانتشارها الجغرافي الواسع وخبراتها الميدانية، شريكا في هذا الصدد للمساعدة في توفير مراقبة شاملة وقدرات للاستجابة. وفي الوقت نفسه، يمكن إنشاء آليات مبتكرة من شأنها أن تكفل التمويل الكافي للنظم العالمية المستدامة لمراقبة الأمراض. إن الكفاح ضد الأمراض الناشئة أوالتي عاودت الظهور هو تحد معقد وصعب ويتطلب جهدا واسع النطاق على الصعيدين الوطني والدولي على حد سواء.

Round 2

التخطيط لدورة المرض بأكملها

قدم الكُتّاب في هذه المائدة المستديرة حتى الآن عددا من الحجج السليمة والصحيحة في مجملها. إلا أن النقاش قد تم تجزئته، حيث ركز كل كاتب على قضايا تقع ضمن تجاربه الخاصة أو مجال خبراته. هذه التجزئات ما هى إلا أعراض لمشاكل في النظام الصحي العالمي، حيث يمكن أن يؤدي نقص التواصل والتنسيق إلى الإضرار بالجهود الرامية إلى السيطرة على مسببات الأمراض الناشئة. وفي كثير من الأحيان لا يعلم أصحاب المصلحة في الأنظمة الصحية من هم اللاعبين الرئيسيين الآخرين وما هي مسؤوليات هؤلاء الأفراد وكيف يمكنهم مضافرة جهودهم.

من أجل معالجة ذلك، يجب على الدول وضع طرق نظامية لمحاربة مسببات الأمراض. إحدى هذه الطرق لجعل الجهود نظامية هو تنظيمها حول مراحل تطور المرض— بما يعني جعل الخطط متوافقة مع الأوقات السابقة والمصاحبة واللاحقة لتفشي المرض.

إن أهم أمرين يجب اتخاذهما قبل تفشي أحد الأمراض هما تقييم مدى الاستعداد له والتنبؤ بالاحتياجات التي ستنشأ بمجرد حدوث هذا التفشي. وبناء على ذلك، ينبغي على المسؤولين جمع إحصاءات سليمة عن الظروف الوبائية الماضية والحالية. ويجب تحديد الاحتياجات من معدات وأفراد، كما يجب على المسؤولين عن تخصيص الموارد القيام باتخاذ القرارات المناسبة. يجب أن يتلقى العلماء والأطباء والممرضون وحتى السياسيون التعليم والتدريب اللازمين للتعامل مع المرض في حال حدوث تفشي؛ بمعنى أنه يجب تضمين جميع أصحاب المصلحة. يجب أن توضع خطط الاستجابة وفقا لسيناريوهات معقولة لتفشي المرض. وأخيرا، يجب أن يكون المسؤولون عن علاج المرض ( الأطباء والممرضون والموظفون الإداريون) والقائمون على دراسة المرض ( العلماء في المختبرات البحثية) على استعداد للعمل بشكل تعاوني، كما يجب توفير حوافز لهم حسبما تقتضى الضرورة. تغيير ثقافة الرعاية الصحية من ثقافة"الحاجة إلى المعرفة" إلى ثقافة "الحاجة إلى المشاركة" هو أيضا أمر أساسي في هذا الصدد.

إن تفشي المرض يضع الاجراءات التي اتُخذت خلال المراحل التحضيرية موضع الاختبار. ومرة أخرى، يجب على المسؤولين جمع إحصاءات سليمة أثناء تفشي المرض. ويجب أن يقرروا إلى أين  ستذهب مخصصات الموارد في حالات الطوارئ بما في ذلك الأموال والمعدات والأدوات والمهنيين، إلخ. كما يجب على صانعي القرار السياسي تقديم الدعم لجهود مكافحة المرض. وكذلك يجب أن تقوم وسائل الإعلام بدورها لتوفير المعلومات الضرورية للجمهور.

إن الآثار الناتجة عن تفشي المرض تمثل فرصة للتعلم وهي فرصة للحكم على مدى كفاءة الخطط التي اتُخذت قبل تفشي المرض ومدى كفاءة التنفيذ أثناء فترة التفشي. يجب أن تكون التقييمات التي قدمت في هذه الآونة— ليس فقط من قبل الرعاية الصحية ولكن أيضا من جهود الاتصالات والجوانب السياسية للاستجابة للمرض—بمثابة تغذية راجعة في التخطيط لمواجهة التفشيات المقبلة. وبالتالي تبدأ دورة جديدة.  

كل هذا يبدو اضحا إلى حد ما، لكن رفض مسببات الأمراض البقاء داخل بلد واحد يعقد كل شيء. لذا، فالتعاون الإقليمي والدولي أمر حتمي في هذا الصدد— لكن إذا كان من الصعب بناء برنامج استجابة ناجح داخل دولة واحدة، فالقيام بذلك عبر عدة دول سوف يمثل صعوبات هائلة. هنا يأتي الدور الهام الذي تلعبه منظمة الصحة العالمية، بما تتمتع به من قدرات على تنسيق الجهود الوطنية.  

على أية حال، فمن الأهمية بمكان أن يتم تحديد أهداف جهود مكافحة المرض بشروط موضوعية؛ بمعنى أن يتم اعطاء مستوى ملائم من الالتزام لتلبية تلك الأهداف؛ وأن يتم محاسبة الأفراد المسؤولين عن متابعة هذه الخطط إذا ما فشلوا في الوفاء بواجباتهم. هناك خسائر كثيرة وأيضا مكاسب عديدة في المعركة ضد مسببات الأمراض الناشئة. لكن الفوز في تلك المعركة يعتمد على وضع خطط جيدة و تنفيذها بشكل جيد وتقييم النجاحات والإخفاقات وتضمين ما يتم تعلمه في الخطط المستقبلية.

لمَ لا تُحل المشاكل؟

حدد الكُتّاب المشاركون في هذه المائدة المستديرة، في الجولة الأولى من هذا الاجتماع، العديد من المشاكل التي يجب معالجتها إذا أرادت الدول النامية اكتشاف الأمراض الناشئة والمتكررة وكذلك الاستجابة لها بصورة أكثر فاعلية—أو منع واكتشاف انتشار مسببات الأمراض الذي يتم بسوء نية أو بشكل عرضي. ومع أن جميع الأفكار المطروحة في المقالات الثلاثة مهمة، فإنها ليست جديدة في مناقشات مكافحة الأمراض.

حدد أويويل توموري بدقة عديد من نقاط الضعف في القدرات الصحية للدول، بما في ذلك النظم غير الفعالة لمراقبة الأمراض والدعم المختبري الضعيف. كما اقترح أن تقوم الدول "بالحصول على ملكية لأنظمة مراقبة الأمراض والوقاية منها والسيطرة عليها"، كما حث الحكومات على تبادل المعلومات والموارد فيما بينها. بينما ركزت ماريا خوسيه إسبونا على سلامة البيانات التي توفرها أنظمة المراقبة وجادلت بأن المهنيين الصحيين، ولا سيما في الدول النامية، غالبا ما يظهرون قدرات منخفضة المستوى لإنتاج بيانات دقيقة. وتعتقد أن التعليم يمثل جزءا كبيرا من حل مشكلة مسببات الأمراض الناشئة. نحن، الكاتبتان، نعتقد ذلك أيضا، وجادلنا في الجولة الأولى من هذا الاجتماع أن تحسين تعليم الأخلاقيات للعلماء هو أمر بالغ الأهمية في هذا الصدد.

غير أن المشاكل المحددة في الجولة الأولى قد لاقت اهتماما على مدى سنوات في المناقشات الدولية المعنية بالصحة، ولا سيما في سياق اتفاقية الأسلحة البيولوجية والسُميّة ومنظمة الصحة العالمية. إن الشواغل التي أثارها أويويل وإسبونا تم تناولها بشكل كبير في اللوائح الصحية الدولية 2005، وهو اتفاق دولي ملزم قانونا تم التفاوض بشأنه برعاية منظمة الصحة العالمية، والذي يتطلب على وجه التحديد قيام الدول بــ"وضع حد أدنى لقدراتها الصحية العمومية الأساسية." ودعما لهذا المطلب، يعمل قسم استنفار القدرات العالمية والاستجابة لمقتضياتها التابع لمنظمة الصحة العالمية على تعزيز القدرات الوطنية والدولية في مجال مراقبة الأمراض والاستجابة لها. أما بالنسبة لتعليم الأخلاقيات وزيادة الوعي لدى العلماء، فقد تم تحديد هذه القضايا في سياق اتفاقية الأسلحة البيولوجية والسُميّة، على الأقل على مدى السنوات الثماني الماضية، على أنها ضرورية في منع الاستخدامات الخبيثة لعلوم الحياة.

هناك إدراك جيد لأوجه القصور في القدرات الوطنية ومراقبة الأمراض وتعليم الأخلاقيات. إذن ما الذي يمنع من معالجتها بنجاح؟ الجواب المحتمل هو أن هذه العيوب هي أعراض لمشاكل أكبر في النظام الصحي العالمي. وإحدى هذه المشاكل هى الحكم الضعيف أو الفاسد، والذي تناوله توموري في جولة الاجتماع الثانية. ثمة مشكلة أخرى وهى الأولوية المنخفضة نسبيا المعطاة للصحة العامة على المستويات الإقليمية والوطنية والدولية.

لكن بالإضافة إلى ذلك، وفي حين أن اتفاقية الأسلحة البيولوجية والسُميّة لديها القدرة على توفير إطار للتعاون والتبادل في مجال الصحة الدولية، فإن فعاليتها ضعيفة بسبب جمودها الحالي— والذي يمكن نسبته إلى انهيار مفاوضات عام 2001 المتعلقة بإقامة آلية لتحقيق المعاهدة. إن اتفاقية الأسلحة البيولوجية والسُميّة، مثل معاهدات نزع السلاح الأخرى، هى أيضا عرضة لتوترات سياسية دولية كبيرة. كما أن عمليات صنع القرار التي تتم في سياق المعاهدة تعد تقريبا معدومة في الوقت الحاضر.

في عام 2011، وقبل المؤتمر الاستعراضي السابع للمعاهدة، جادلت المؤلفة المشاركة جولد، وكذلك جيريمي ليتلوود وجيجي كويك جرونفال، بأن أحد طرق علاج ضائقة اتفاقية الأسلحة البيولوجية والسُميّة ربما يكمن في تنفيذ أكثر فاعلية للمادة العاشرة في المعاهدة، والتي تشجع الدول على تبادل المعلومات والتقنيات. يمكن لهذه المشاركة، من بين أمور أخرى، أن تحسن من اكتشاف الأمراض والاستجابة لها. أوصت جولد وليتلوود وجرونفال—ولا يزال ذلك متعلقاً بالوقت الحاضر كما كان في عام 2011، بأن تبادل المعلومات والتقنيات بين الدول المتقدمة والنامية لم يعد يمكن اعتباره مجرد تفاعلات بين المانحين والمتلقين ذوي الحظ القليل.

في الواقع، عندما يتعلق الأمر بمراقبة الأمراض والاستجابة لها، يمكن للدول النامية أن تعطي بقدر ما تحصل عليه من تبادلات مع الدول الأكثر ثراء. ولكن كما تبدو الأمور الآن، فإن الدول النامية لا تعتبر اتفاقية الأسلحة البيولوجية والسُميّة منتدى مفيدا يمكن من خلاله إثارة المخاوف وتبادل المعلومات. وهذا سيؤدي إلى معضلة الدجاجة والبيضة، لأنه إذا كانت المعاهدة ستصبح حقا متصلة بالعلماء والجماهير في البلدان الناشئة—وأكثر فعالية على المستوى العالمي— فإن الدول النامية بحاجة إلى وضع طابعها الخاص على الإجراءات. إن المناقشات حول اتفاقية الأسلحة البيولوجية والسُميّة والتي لا تأخذ في الاعتبار شواغل الدول النامية تنتج فجوات لغوية ومفاهيمية تؤدي في النهاية إلى اللامبالاة . يجب التغلب على هذه المشكلة إذا كانت جميع الأطراف في المعاهدة تريد المشاركة فيها بفعالية.

للأسف، لا يوجد سوى عدد ضئيل من جماعات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم التي تتبع إجراءات اتفاقية الأسلحة البيولوجية والسُميّة. وبالمثل، هناك عدد ضئيل من المنظمات الناشطة الوطنية التي تقوم بشن حملات للتحسين من خدمات الصحة العامة. لذلك، في حين أنه يمكن أن تمثل المعاهدة أداة قوية لتعزيز الحوار الدولي حول مكافحة الأمراض، ما زال هناك أمر ناقص— وهو الضغط السياسي والشعور بالهدف، وهما أمران ضروريان لإحداث التغييرات التي يمكن أن تواجه انتشار الأمراض.

الصحة في إفريقيا: الفساد وأولويات في غير محلها

التقت الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي في العاصمة النيجيرية أبوجا في أبريل عام 2001 وتعهدت كل دولة بتخصيص ما لا يقل عن 15 في المئة من نفقاتها الحكومية للصحة العامة بحلول عام 2015. لكن التوقعات بتحقيق هذه النسبة تبدو ضعيفة. فقد انخفضت بالفعل نسبة النفقات الحكومية المخصصة للصحة في 11 دولة افريقية في عام 2009. وعلى الرغم من أن نسبة النفقات الحكومية المخصصة للصحة قد زادت في مختلف أنحاء القارة (من 9 في المئة إلى 11 في المائة) في عام 2011، حققت ست دول فقط نسبة الـ 15 في المئة.

تعزو العديد من الحكومات الأفريقية عدم كفاية تمويل الصحة العامة إلى الفقر. لكن الأسباب الحقيقية تكمن في الفساد والأولويات التي توضع في غير محلها— وهي أشياء كفيلة بأن تجعل مستوى تقديم الرعاية الصحية ضعيفا والمراقبة للكشف عن مسببات الأمراض الناشئة والتي تعاود الظهور غير فعالة والجهود المبذولة للسيطرة على المرض تنتهي غالبا بالفشل. تحالف المنظمات المعنية بمرض الإيدز وحقوق الإنسان في أفريقيا الجنوبية، وهي شبكة إقليمية من المنظمات غير الحكومية، يقوم بإدارة حملة للفت الانتباه إلى خيارات الإنفاق التي تقوم بها الحكومات الأفريقية. قدم هذا التحالف تقريرا ذكر فيه أن بعض الحكومات تكرس مبالغ باهظة لنفقات تافهة، بدلا من توفير أموال كافية للصحة والتعليم وغيرها من الخدمات التي من شأنها تحسين حياة شعوبها. فقد أنفقت حكومة سوازيلاند 500 ألف دولار على سيارة فاخرة للملك. وأنفقت أوغندا 48 مليون دولار على طائرة رئاسية خاصة. كما أنفقت زيمبابوي 250 ألف دولار على احتفال باذخ بعيد الميلاد الـ85 للرئيس. بينما أنفقت السنغال 27 مليون دولار على تمثال من البرونز أطول من تمثال الحرية— كما أن الإنشاء المقترح لبوابة جديدة لمدينة أبوجا سيتكلف 395 مليون دولار. ولم تفِ أى من هذه الدول بالتزامها لعام 2001 بشأن الإنفاق على الرعاية الصحية.

في معظم البلدان الأفريقية، لا يزال تنفيذ أنشطة مراقبة الأمراض واللازمة للكشف المبكر عن مسببات الأمراض الناشئة ناقصا على الصعيدين المحلي والوطني. على سبيل المثال، كشف تقييم حديث لمراقبة الأمراض وتنفيذ الاستجابة في ولاية كادونا في نيجيريا أن 38 في المائة من المرافق الصحية في الولاية ليس لديها تعريف موحد لحالات الأمراض التي يجب إعطاؤها الأولوية، و71 في المئة منها يفتقر الى جهاز كمبيوتر وطابعة، و81 في المئة منها لم يقم بإجراء أي تحليل للبيانات التي تم جمعها. إن سوء إدارة المراقبة والبيانات في أفريقيا يعني أنه أحيانا يمكن أن تمر عدة أشهر بين بداية تفشي المرض ووقت الابلاغ عنه للمرة الأولى للهيئات الصحية. حتى في تلك الأوقات، من المحتمل أن يكون عدم الإبلاغ متفشيا—كثيرا ما تكشف الاستقصاءات الوبائية حالات عديدة أكثر من التي تم الإبلاغ عنها من خلال أنظمة المراقبة. وقدّر الاتحاد الأفريقي أن الفساد يكلف الاقتصادات الأفريقية حوالي 150 مليار دولار سنويا. يمكن أن يوفر جزء بسيط من هذا المال لكل دولة في إفريقيا نظاما فعالا لمراقبة الأمراض وشبكة مختبرية عالية الجودة لتقديم الدعم لهذا النظام.

في جولة الاجتماع الأولى، ناقشت لويز بيزويدنهاوت وشاندرا جولد تعليم الأخلاقيات باعتبارها عنصرا أساسيا في السماح للعلماء بأن يكونوا بمثابة خط الدفاع الأول ضد مسببات الأمراض الناشئة— لكن مع تفشي الفساد إلى هذا الحد، هناك فرصة ضئيلة أمام الأخلاقيات للبقاء أو النجاح. يجب أن تقوم الدول النامية بترتيب أولوياتها وتكون مسؤولة عن نفقاتها الصحية. إذا قامت كل دولة ببذل قدراتها الحقيقية— في تعزيز مراقبة الأمراض وتحسين الدعم المختبري وإدارة البيانات بكفاءة— فسوف يكون العالم أكثر أمانا من مسببات الأمراض الناشئة والتي تعاود الظهور.  

Round 3

إلقاء الضوء على أمريكا الجنوبية

يمكن أن تظهر مكافحة مسببات الأمراض الناشئة في صور متباينة للغاية اعتمادا على من تكون وأين تعيش. حازت جهود إفريقيا للسيطرة على مسببات الأمراض الناشئة على كثير من الاهتمام في هذه المائدة المستديرة، في حين حازت منطقة أمريكا الجنوبية حيث أنتمي على اهتمام أقل. لذلك أود أن أخصص مقالي الأخير لتوضيح الصورة في أمريكا الجنوبية.  

إن أحد الفروق الكبرى بين أمريكا الجنوبية وأفريقيا، من منظور مسببات الأمراض الناشئة، هو أنه عندما بدأت إسبانيا والبرتغال في غزو أمريكا الجنوبية في القرن السادس عشر، قاموا بالاندماج مع السكان المحليين بشكل كبير للغاية. حيث لم يكتفوا فقط بالسفر إلى سواحل القارة، بل جابوا معظم أرجائها. وقد قاموا بفرض دينهم ونظمهم القانونية. كما أنشأوا مراكز سكانية جديدة. وهذا يعني أنهم أدخلوا أيضا أمراضا جديدة— والتي أهلكت السكان الأصليين. لكن لأن الأوروبيين تزاوجوا من السكان المحليين، فإنهم قدموا أيضا حصانة ضد عديد من مسببات الأمراض.

في أمريكا الجنوبية اليوم، وذلك بسبب الهجرة التي تتم بدافع الرغبة في العمل أو الدراسة أو لاعتبارات عائلية، مازال السكان يمتزجون مع بعضهم البعض بمعدل مرتفع. وبينما يسافر سكان أمريكا الجنوبية من مكان إلى مكان، فإنهم لا يحملون غالبا أي سجلات خاصة بتاريخهم المرضي— لكنهم يجلبون معهم بالطبع مسببات الأمراض، أو يتفاعلون دائما مع نواقل أمراض جديدة. وحالما يستقرون في أماكنهم الجديدة، فإنهم يميلون الى إظهار سلوكياتهم الخاصة— المتعلقة مثلا بالرعاية الصحية أو إعداد الطعام— والتي جلبوها معهم من مواطنهم السابقة. لذا، يمكن أن تزدهر مسببات الأمراض في ظل هذه الظروف، وهناك أمراض مثل حمى الضنك والحمى الصفراء مستوطنة في عدد من دول أمريكا الجنوبية. وفي الوقت نفسه، فإن تنقل سكان أمريكا الجنوبية يجعل من الصعب للغاية القيام بمراقبة الأمراض وتحديد الوضع الوبائي للمرض أو تنسيق السياسات بين الدول.

وعلى الرغم من ذلك، فإن النظام الصحي في أمريكا الجنوبية يحظى بكثير من المزايا. حيث تشمل هذه المزايا كون وزارات الصحة منظمة تنظيما جيدا. كما تشمل أيضا وجود كادر من الأطباء والعلماء المدربين تدريبا جيدا، وكذلك بنية تحتية أساسية جيدة مثل مختبرات عالية الجودة ومستشفيات مخصصة لمعالجة الأمراض المعدية. (لسوء الحظ، يغلب تركز هذه الموارد في المدن الكبيرة؛ وبالمقارنة فإن المدن الصغيرة والمناطق الريفية محرومة منها). كما تشمل مزايا أمريكا الجنوبية وجود منظمات إقليمية مثل يوناسور، والتي توفر منتدى لمناقشة التحديات الصحية وتشكيل الاستجابات. وتشمل المزايا أيضا تاريخ إقليمي مشترك ومجموعة من القيم المشتركة، وهى عوامل تجعل التعاون عبر الحدود سهلا نسبيا.

مع ذلك، يمكن أن تقوم أمريكا الجنوبية بعمل أفضل بكثير لاحتواء مسببات الأمراض الناشئة. وبجانب استمرار كفاح المنطقة ضد المشاكل الملحة مثل الفقر وعدم المساواة الاجتماعية، فإن الاهتمام الحكومي والموارد الحكومية بالصحة العامة غير كافية كذلك. إن ما تحتاجه أمريكا الجنوبية على المدى الطويل هو نهج نظامي مشترك لمكافحة مسببات الأمراض الناشئة. ومع أن بعض عناصر النظام الصحي في القارة تعمل بشكل جيد، هناك أجزاءً مختلفة من الصورة الكلية لا تنسجم معا على النحو الأمثل.

إن كل منطقة من المناطق في العالم هي فريدة من نوعها، وكل نظام من النظم الصحية هو فريد من نوعه أيضا. اليوم، مع وجود قوى مثل التحضر وزيادة السفر الدولي وما تمثله من تحديات جديدة أمام مكافحة مسببات الأمراض الناشئة، لا بد من فهم ماضي وحاضر كل منطقة، لأن مستقبل الرعاية الصحية يعتمد على ذلك.  

الرحلة كلها وليس الوجهة فقط

ذكرت ماريا خوسيه إسبونا في مقالها الثاني أن النقاش في هذه المائدة المستديرة قد تم "تجزئته". حيث كتبت تقول إن الكُتَّاب كانوا يشددون غالبا على قضايا تتصل بخبراتهم الخاصة. وقالت إن هذه "التجزئة" هي أعراض لقصور في النظام الصحي العالمي متعلق بالاتصال والتنسيق. بينما أعرب أويويل توموري، في جولة الاجتماع الثالثة، عن استيائه الشديد إزاء فشل الدول الأفريقية، حسبما يرى، في تحمل المسؤولية لمراقبة الأمراض والاستجابة لها بفعالية. كما وصف اعتماد الدول الأفريقية على الدعم الدولي كدليل على "سبات اعتمادها على الغير".

أوضحت إسبونا  وتوموري، كلٌ بطريقته الخاصة، أن هناك حاجة ماسة لأن يصبح النظام الصحي العالمي أكثر تكاملا وأكثر مسؤولية وأكثر استجابة. لكن تصور اشتراك تلك الأنظمة بفعالية يمثل الوجهة فقط. لكن قبل أن نتمكن من الوصول إلى الوجهة، لا بد من إدراك واكتساب فهم أفضل لعدد من العوامل المتعددة التي تعوق التقدم ( بالإضافة إلى تلك التي سبق تحديدها بواسطة توموري وإسبونا) . تنطوي عديد من هذه العوامل إما على معلومات غير كفاية—بخصوص ما يمكن أن ينجح وما لا يمكن وسبب ذلك— أو فشل الممارسون في مجال الرعاية الصحية والعلوم في المطالبة بقوة لإحداث تغيير.

في كثير من الحالات، يكون هناك تفهم على نحو سيئ للقضايا الهامة المحيطة بتأسيس وإدارة النظم الصحية في الدول النامية. القوى الكبيرة التي تشكل أساس هذه النظم— التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية— نادرا ما يتم توثيقها أو التحقق منها بطريقة شاملة من قبل الباحثين المحليين. ونتيجة لذلك، فبرغم سهولة تحديد المشاكل في النظام الصحي لبلد معين، قد يكون من الصعب معرفة من المسئول عن هذه المشاكل أو كيفية علاجها. أيضا، التفهم السيئ للظروف المحلية (والعوامل التي تكمن وراءها) غالبا ما يجعل الدول "المانحة" تقدم أو تفرض حلولا لا تتناسب مع السياقات المحلية أو لا تتوافق بدقة مع المشكلات المحلية.

وعلى العكس، فعدم وجود بيانات متعمقة عن النظام الصحي في بلد معين يمكن أيضا أن يسبب تجاهلا لما قد ينجح وسبب نجاحه. لا تشترك كل الدول النامية في نفس المخاطر والقيود المفروضة على قدراتها أو تظهر نفس الإخفاقات التنظيمية. على سبيل المثال، النظم الصحية في جنوب أفريقيا وكينيا تختلف اختلافا كبيرا عن تلك الموجودة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا. نظم مراقبة الأمراض في تلك الدول لها عيوبها، لكن قدرات هذه الدول على اكتشاف ومواجهة تفشي المرض هي أقوى بكثير من الدول التي شهدت، مثلا، صراعات طويلة. وبالتالي، عدم وجود نقاش حول سبب نجاح بعض المبادرات يجعل من الصعب تبني استراتيجيات ناجحة من سياق إلى آخر، كما يقلل من إمكانية التعلم من النجاحات السابقة.  

ثمة بعد هام لهذه الفجوات المعلوماتية وهو أنه غالبا ما يكون الممارسون الصحيون في الدول النامية صامتين نسبيا وغير متواجدين في المحافل السياسية الدولية. ولأن هؤلاء الممارسين هم المسؤولون عن توفير الخدمات الصحية بشكل يومي، فموقعهم يؤهلهم بشكل مثالي لتقديم رؤى واقتراحات للعلاج. لكن عندما لا يسهمون بتقديم أفكار وعلاجات، أو لا يتم الاستماع إلى مساهماتهم، يفرض الغرباء في كثير من الأحيان حلولا تفشل في معالجة المشاكل الكامنة أو لا تلقى قبولا من صانعي السياسات ومقدمي الرعاية الصحية. وبالتالي فإنه لا بد من قيام العلماء في الدول النامية، في المؤتمرات وفي سياق التعاون، بالتأكيد على احتياجاتهم وإيضاح الحقائق— أي أنهم يطالبون بإحداث تغيير بفاعلية أكبر. ومن العقبات ذات الصلة أمام إحراز تقدم هو أن كثيرين في المجتمع العلمي يترددون في أن يكونوا أصحاب صوت مرتفع—ونشطاء في— معالجة الحكم الضعيف والمشاكل النظامية الأخرى التي تعيق جهود مكافحة المرض. فمن الأهمية بمكان تحديد لماذا يوجد مثل هذا التردد في إحداث تغيير إيجابي.  

وبالمثل، يمكن للجمعيات المهنية الوطنية والدولية التي تتيح لها مواقعها المطالبة بالتغيير أن تستخدم مواقعها لإحداث تأثير أكبر إذا قامت بالضغط على الحكومات والمنظمات المانحة للانتباه إلى توصيات العلماء والمهنيين الصحيين. إذا قامت الجمعيات بمثل هذه الضغوط، قد تجد القضايا الرئيسية طريقها إلى جداول الأعمال الوطنية أو الدولية. ويمكن أن تشمل هذه القضايا صعوبة تنفيذ تحسينات في إدارة المخاطر البيولوجية في حال، مثلا، عدم توفر التمويل الأساسي للمختبرات ( كما هو الحال في كثير من البلدان). مناقشة هذه القضايا أمر ضروري إذا أريد تحقيق تفهم أكثر وضوحا لعدم التوافق بين السياسة الصحية والممارسات الصحية.  

في النهاية، إن جعل العالم أكثر أمنا من مسببات الأمراض الناشئة يتطلب نهجا متعدد الأوجه يتضمن تعليما محسنا لأخلاقيات علم الأحياء ( كما ذكرنا نحن الكتابتان في جولة الاجتماع الأولى) و زيادة التعاون فيما بين الدول النامية ( كما ذكرنا في جولة الاجتماع الثانية). كما يتطلب أيضا أن يتخذ الممارسون الصحيون إجراءات أكثر قوة على الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية لإحداث تغيير في النظام.

استيقظوا وخففوا من هيمنتكم

سوف تُمنى دائما الجهود العالمية لاحتواء مسببات الأمراض الناشئة بالفشل وسوف تستمر مسببات الأمراض في الانتشار، طالما أن بعض الدول تتهرب من مسؤولياتها وبعضها الآخر تضطلع بمسؤوليات ليست من حقها. يجب تحديد أدوار واضحة ومميزة لكل من الدول النامية والمتقدمة، كما يجب أيضا وبشكل حاسم محاسبة كل دولة عن القصور في أداء دورها المحدد.  

في الجولة الثانية  ناقشت لويز بيزويدنهاوت وشاندرا جولد الشواغل المتعلقة بالقدرات الوطنية في مجال مراقبة الأمراض والاستجابة لها والتي قمت أنا وماريا خوسيه إسبونا بإثارتها، كلُّ على حدة، في وقت سابق. حيث أشارت بيزويدنهاوت وجولد إلى أن تلك الشواغل تمت "معالجتها إلى حد كبير في اللوائح الصحية الدولية 2005". هذه اللوائح، كما كتبت بيزويدنهاوت وجولد، تتطلب من الدول "تطوير حد أدنى لقدراتها الصحية العمومية الأساسية". لكن في عام 2011، أي بعد ست سنوات من الاتفاق على اللوائح، ذكرت منظمة الصحة العالمية أن 32 في المئة فقط من الدول الأفريقية قامت بوضع تشريعات لدعم هذه اللوائح. وأن 33 في المئة فقط من هذه الدول قامت بإنشاء قدرات من الموارد البشرية اللازمة لتنفيذ تلك اللوائح.

في الوقت نفسه، يُظهر التفشي الحالي لمرض الإيبولا في غينيا مدى الضعف الدائم لأفريقيا في مراقبة الأمراض والإبلاغ عنها. فقد ظهرت الحالة الأولى لتفشي المرض في وقت لم يتجاوز ديسمبر 2013 لكن لم تخطر غينيا منظمة الصحة العالمية إلا في مارس عام 2014. وهذا لا يُظهر حدوث أي تحسن منذ تفشي الايبولا قبل 19 عاما في مدينة كيكويت في جمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير سابقا). في ذلك الوقت، كانت المدة بين تفشي المرض وإخطار السلطات الصحية حوالي ثلاثة أشهر. لذا، ظلت إفريقيا بطيئة الحركة فيما يتعلق بتحسين الاستجابة السريعة لمسببات الأمراض.

إذاً من المسؤول عن العجز عن الاحتواء السريع لمسببات الأمراض الناشئة؟ إضافة إلى الفساد وعدم إعطاء الأولوية للقضايا الصحية— وهي موضوعات ناقشتها في مقالي الثاني—يبدو أن العديد من الدول النامية قد استقرت على حالة من التبعية فيما يتعلق بالصحة ومسببات الأمراض الناشئة. وفي الوقت نفسه، تميل الدول المتقدمة إلى التشبث بالسيطرة السيادية على عمليات مراقبة الأمراض. ويكفي إيراد مثال واحد لتوضيح وجهة نظري.

أثناء تفشي مرض الإيبولا في كيكويت عام 1995، كان فريق الدراسة الدولية بقيادة منظمة الصحة العالمية متاحا للمساعدة في احتواء الوباء. وفي الحفل الختامي، جرت مناقشة حول كيفية صرف الأموال التي تبرعت بها دول من جميع أنحاء العالم (عدد قليل منها من أفريقيا) للسيطرة على الوباء. حينها اقترحتُ أن يتم استخدام بعض الأموال لرفع مستوى كفاءة أحد المختبرات في كينشاسا حيث كانت الحكومة الفرنسية قد بدأت في بنائه لكنها توقفت عن استكماله فيما بعد. إنّ رفع مستوى المختبر كان سيعزز من قدرة العلماء الأفارقة لتقديم الدعم لمراقبة الأمراض وكان سيمكنهم من التعامل مع مسببات الأمراض الخطيرة بأنفسهم. وقد أوضحت أنه بدون تحسين الدعم المختبري، سوف تضطر أي دولة أفريقية تتعرض لوباء الإيبولا في المستقبل إلى طلب المساعدة الخارجية، والتي ستكون على حساب العلماء المحليين. لكن لم يأخذ أى من الحاضرين، سواء من الدول النامية أو الدول المتقدمة، اقتراحي أو توقعاتي على محمل الجد. منذ ذلك الحين، شهدت أفريقيا أكثر من اثني عشر تفشيا للايبولا؛ وكان من بين الدول المتضررة كل من الجابون والسودان وأوغندا، وحاليا غينيا. لم تتمكن أفريقيا من احتواء أي من هذه الفاشيات دون اللجوء إلى المساعدات الدولية. في عام 1995، خسرت الدول الأفريقية الفرصة لـ"إمتلاك" عمليات مراقبة الأمراض. كما ضيعت الدول المتقدمة الفرصة للتخلي عن سيطرتها على هذا المجال.

لا يعني ذلك أن أفريقيا لم تحرز أي تقدم. بل كان تقدمها بطيئاً جدا وضعيفاً للغاية. وعندما أحرزت القارة بعض النجاحات، فعادة ما كانت تلك النجاحات مبنية على أساس من المساعدات من الوكالات الدولية— وهي مساعدات محددة بفترات زمنية.

يجب على الدول النامية في إفريقيا أو أي مكان آخر أن تستيقظ من سبات اعتمادها على الغير فيما يتعلق بأمور الصحة، بما في ذلك مراقبة الأمراض والوقاية منها. كما يجب على الدول الأفريقية أن تبذل مزيداً من الجهود الحثيثة لتطوير القدرات الأساسية المطلوبة بموجب اللوائح الصحية الدولية— ويجب كذلك فرض عقوبات على الدول التي لا تفي بالأهداف التي وافقت عليها. لكن للأسف، لا تسمح اللوائح الصحية الدولية بفرض عقوبات أو اتخاذ تدابير أخرى للمساءلة. إلا أنه يمكن، على سبيل المثال، فرض قيود سفر على أشخاص من الدول التي تتوطن بها بعض الأمراض الوبائية. لكن قبل أي شيء آخر، يجب أن تقوم كل دولة إفريقية بتخصيص مواردها لضمان أن تكون هناك مراقبة ملائمة لمسببات الأمراض الناشئة والمتكررة. وفي الوقت نفسه، يجب على الدول المتقدمة أن تخفف من هيمنتها وسيطرتها على عمليات المراقبة العالمية للأمراض. حينها فقط يمكن حقا للدول النامية أن "تمتلك" عمليات المراقبة تلك.



Topics: Biosecurity

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]

RELATED POSTS

Receive Email
Updates