التفجيرات النووية: توقع حدوث كارثة

في مؤتمر دولي عقد مؤخرا في النرويج حول الآثار الإنسانية للتفجيرات النووية كان هناك إجماع للآراء على أن حالة الطوارئ الإنسانية العاجلة الناجمة عن انفجار نووي— سواء كان عسكريا أو إرهابيا أو غير مقصود— لا يمكن الاستعداد لها بشكل كافٍ. كما توصل المؤتمر أيضا إلى إجماع بشأن مسألة ذات صلة: على الرغم من أن الدولة التي يقع فيها التفجير ستكون هي الأكثر تضررا، فإن تأثير التفجير سوف يتعدى حدود تلك الدولة ويستمر لفترات طويلة.

المخاوف بشأن التفجيرات النووية، في العالم المتقدم، تجنح إلى التركيز على الهجمات الإرهابية ضد الدول الغنية. لكن حتى لو كان هذا هو الشكل الذي سيتخذه التفجير، فإن الدول النامية البعيدة عن موقع الانفجار ستعاني هي الأخرى. وكما هو موثق في دراسة أجريت مؤخرا بواسطة برنامج "بلوغ الإرادة الحاسمة" المعني بنزع السلاح، فإن الكوارث بمختلف أنواعها تفاقم من تحديات التنمية التي تتراوح من الحد من الفقر إلى تحقيق المساواة بين الجنسين. وبينما تخطط المكسيك لاستضافة مؤتمر مكمل لمؤتمر النرويج في مطلع العام المقبل، يقوم كل من سيدارت مالافارابو من الهند وجايمي أجيري جوميز من المكسيك وروبرت متونجا من زامبيا بالإجابة على الأسئلة التالية: كيف يمكن لتفجير نووي أن يؤثر على جهود الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل الرامية لتحقيق الأهداف الإنمائية— وكيف يمكن دمج قضايا التنمية في مناقشات بشأن ضرورة القضاء على الأسلحة النووية؟

يمكن قراءة مناقشات الدائرة المستديرة حول مسألة نزع السلاح والتنمية باللغة الإنجليزية والصينية والاسبانية .

الآن نحن معكم من خلال تويتر. تابعونا على @Bulletin_Arabic

Round 1

ناقوس الموت يدق من أجل التنمية

وضع أفريقيا السيئ لا يؤهلها للتعامل مع الكوارث. لكن الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات والتصحر دمرت القارة لفترات طويلة. إن ذلك، بجانب الفقر المدقع وسوء الحكم والأمراض المعدية، يساعدنا على تفسير لماذا لم تنجح أفريقيا حتى الآن في استغلال مزاياها بشكل كامل، على الرغم من أنها وهبت موارد طبيعية وبشرية على نطاق واسع.

مما يجعل الأمور أكثر سوءا، تكبدت أفريقيا أعدادا هائلة من حالات سفك الدماء على مدى عقود— خلال الحرب الباردة وخلال حروب القارة من أجل الحصول على التحرر السياسي والحروب الأهلية في الآونة الأخيرة. وبسبب المتفجرات المهجورة من مخلفات الحرب، مازل هناك أفراد يفقدون حياتهم وأجزاءً من أبدانهم حتى بعد وقف الأعمال العدائية منذ فترة طويلة. ستبقى الألغام الأرضية المضادة للأفراد والذخائر العنقودية والذخائر غير المنفجرة ندبة قبيحة في وجه القارة. إذا كان هناك من يبحث عن أدلة على أن الصراعات تخلق كوارث إنسانية، فإن أفريقيا هي أفضل مكان للبحث عن ذلك.

على الرغم من الأسلحة النووية غير موجودة في أفريقيا الآن— حيث قامت جنوب أفريقيا بنزع سلاحها، وفي الوقت الحاضر صدقت أو على الأقل وقعت كل الدول الأفريقية تقريبا على معاهدة بليندابا، التي تنص على إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية—تظل الأسلحة النووية الأكثر ﺗﺩﻣﻳﺭﺍ ﻣﻥ ﺑﻳﻥ ﻛﺎﻓﺔ أسلحة الدمار الشامل. سيتم تغيير أفريقيا في طرفة عين إذا تم تفجير جهاز نووي هناك، وسوف تعاني القارة بشكل شديد إذا تم استخدام سلاح نووي في أي مكان آخر في العالم. هذا هو السبب الذي دعى الأمم الأفريقية ليس فقط إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية، ولكن أيضا إلى دعم معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وهدف نزع السلاح النووي بحماس شديد.

قد تنهض أفريقيا. في مارس من هذا العام، استضافت وزارة الشؤون الخارجية النرويجية مؤتمرا في أوسلو للنظر في الآثار الإنسانية المترتبة على تفجير نووي، وعما إذا كان العالم قد يستطيع بأي طريقة مجدية التعامل مع هذا التفجير. خلق المؤتمر زخما نحو معاهدة لحظر استخدام الأسلحة النووية وتفويضا للقضاء عليها، وقد أتاح المؤتمر للعديد من أصحاب المصلحة— الأشخاص المشاركون في الدفاع والأمن والدبلوماسية وحقوق الإنسان والزراعة والبيئة، الاقتراب من قضية الأسلحة النووية بنشاط متجدد. تقوم الأمم الأفريقية بدور قيادي في هذا الجهد، وقد تحدث ممثلو عدد من الدول الأفريقية ببراعة في مؤتمر أوسلو.

سوف تتأثر أفريقيا بشدة من جرّاء تفجير نووي حتى لو وقع الانفجار بعيدا عنها. كما أن أي تفجير يقع أي مكان في العالم سوف يبطل المكاسب الانمائية التي حققتها القارة في الآونة الأخيرة. ستصبح الجهود الرامية إلى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية عديمة الفائدة أساسا. وسيتم إعادة توجيه الموارد المتاحة للتخفيف من الكارثة النووية و سيتم تنحية محاولات تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية جانبا.

من شأن أي تفجير نووي في أي مكان في العالم أن يكون له تأثيرات شديدة على عمل المنظمات التي تقدم الإغاثة في حالات الكوارث ومساعدة اللاجئين والرعاية الصحية، فضلا عن تلك المنظمات التي تعزز حقوق الإنسان والأمن الغذائي والتخفيف من حدة الفقر والاستدامة البيئية. ومن المحتمل أن تقوم هذه المنظمات بتحويل مواردها للتخفيف من آثار الكوارث في أي مكان آخر في العالم، ومن ثمّ سيتم حرمان الدول الأفريقية من تلك المساعدات.

مسافات أفريقيا الشاسعة وعدم كفاية البنية التحتية، إلى جانب الحواجز الثقافية واللغوية والجغرافية التي تفصل بين الشعوب، تجعل من القارة بيئة صعبة للغاية لإقامة استعدادات للكوارث— وفي حال وقع تفجير في أفريقيا، لن تكون هناك دولة في القارة مجهزة لمواجهته. لن تتمكن أي مستشفى من معالجة حالات الحروق الناجمة عن التفجير. خدمات نقل الدم مقيدة بالفعل إلى أقصى درجة في هذه الحقبة من انتشار فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، كما أنه من الصعب أن نتصور أن تعمل هذه الخدمات كما ينبغي إذا تم تفجير سلاح نووي. سوف تفشل الخدمات البلدية مثل مكافحة الحرائق والصرف الصحي والإسكان، على سبيل المثال لا الحصر، في أي مدينة تتعرض لتفجير نووي. كما ستتأثر سلبا أنظمة النقل والتعليم والمياه، في أعقاب التفجير مباشرة ولفترة طويلة بعد ذلك على حد سواء. النواتج المحلية الإجمالية للاقتصادات الأفريقية هي بالفعل منخفضة للغاية في الغالب، وتحويل الموارد الاقتصادية نحو التعافي من التفجير النووي لن يؤدي إلا  إلى تفاقم الوضع، مما يؤدي إلى مزيد من الجوع وتدهور الحالة الصحية و مزيد من عدم الاستقرار السياسي.

ولأن أفريقيا ستعاني من مثل تلك الآثار السلبية الهائلة للتفجير، ينبغي على الدول الأفريقية أن تستمر في لعب دور قيادي في الحركة نحو إلغاء الأسلحة النووية. إذا أرادت أفريقيا أن تتجنب مزيدا من الجوع وانتشار الأمراض الجديدة والناشئة وعدم الاستقرار السياسي— والتي من شأنها جميعها أن تجعل التنمية ضربا من السراب— فيجب تفادي إمكانية حدوث تفجير نووي.

في أوائل عام 2014، ستستضيف المكسيك مؤتمرا لمتابعة ما تم في مؤتمر أوسلو. هناك، ينبغي على الدول الأفريقية أن تقوم بعمل تقيم، وتوضح للآخرين، لما يمكن أن تخسره في مجال التنمية إذا تم استخدام سلاح نووي. إذا ما صحّ في الماضى أن درهم وقاية خير من قنطار علاج ، فالآن هو الوقت الملائم للبرهان على ذلك.

قدرة قليلة تعني كارثة كاملة

معظم الدول هي أطراف في صكوك القانون الدولي الإنساني مثل اتفاقيات جنيف، واتفاقية الأسلحة البيولوجية، واتفاقية الأسلحة الكيميائية. يسعى القانون الدولي الإنساني لمعالجة المشاكل الإنسانية التي تنشأ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من النزاعات المسلحة (سواء كانت صراعات دولية أو غير دولية). كما يعمل على الحد من قدرة المقاتلين على استخدام أساليب وأسلحة حرب معينة، مما يؤدي إلى حماية المدنيين وممتلكاتهم من الضرر. العديد من الدول التي اختارت أن تصبح أطرافا في صكوك القانون الدولي الإنساني قد فعلت ذلك لواحد من سببين: إما تأييدا للسلام بشكل عام، أو خوفا من الأحداث الكارثية الكبيرة مثل التفجيرات النووية.

هناك عدة مبادئ أساسية تشكل أساس القانون الدولي الإنساني. أحدها هو مبدأ التمييز ، الأمر الذي يتطلب من الجيوش استهداف المقاتلين فقط، وليس المدنيين إطلاقا. لكن أي هجوم نووي، حتى لو كان يستهدف نظريا هدفا عسكريا على وجه الحصر، سيكون له عواقب وخيمة على الصحة العامة. إذ من شأنه أن يزيد من خطر إصابة المدنيين بأمراض تنكسية—خاصة سرطان الجلد والكبد والكلى والمعدة والرئتين. الآثار الأكثر تطرفا، للأسف، سوف تظهر في قطاعات السكان الأكثر ضعفا: الأطفال وكبار السن. وسوف تمتد المخاطر الصحية إلى الغذاء، الذي سيصبح ضارا بالأفراد في البلد المتضرر ولن يمكن تصديره، مما يفاقم الكارثة الاقتصادية التي من شأنها أن تصيب أي بلد حدث فيه الانفجار. وقد ينجم عن ذلك أن يصبح لدى الدولة كميات قليلة من الطعام الصالح للأكل وموارد مالية قليلة ونقص كبير في عدد السكان. ولن يصبح لدى أي دولة متضررة بهذا الشكل أي خيار سوى أن تعلن نفسها منطقة طوارئ إشعاعية وتطلب دعما دوليا للمساعدة في حماية سكانها. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يقوم المدنيون بالنزوح نحو الأراضي غير الملوثة أو الأقل تلوثا، حتى لو كان هذا يعني تخطي الحدود. (هذا لم يحدث في أعقاب تفجيرات هيروشيما وناجازاكي، لأنه غالبا كان هناك في ذلك الوقت قلة وعي بالآثار الصحية للجرعات الإشعاعية العالية).

المبدأ الثاني هو التناسب ، والذي يحظر الهجمات التي تسبب وفيات وإصابات وأضرار في الممتلكات بمقدار زائد عن التقدم العسكري المحدد والمتوقع. إنّ أي انفجار نووي ينتهك هذا المبدأ بلا جدال، لأنه سيؤثر حتما على مساحات كبيرة للغاية من الأراضي وعدد كبير من السكان. المبدأ الثالث، المعرب عنه في صكوك مثل اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية ، يحظر الهجمات على المواقع ذات الأهمية الثقافية. لكن التفجيرات النووية لا تميز، وأنه يكاد يكون من المستحيل تنفيذ هجوم نووي دون تدمير مواقع ذات أهمية ثقافية. المدنيون في المناطق المتضررة، الذين يعانون من إصابات هائلة ومخاطر صحية مستمرة وتدمير ممتلكاتهم، سيكونون أكثر عرضة للفرار إذا رأوا تراثهم الثقافي قد دمر أيضا.

عرضة للخطر بشكل تام. في حالة حدوث انفجار نووي، ستكون الدول مجهزة بشكل أفضل لمواجهة الكارثة والتخفيف من حدتها إذا كانت تملك عناصر أساسية معينة للبنية التحتية. ويشمل ذلك، على الأقل، بنية وطنية للكشف عن الإشعاع ومركز استجابة لحالات الطوارئ الإشعاعية ومركزا ملائما للاتصالات ومستشفى متخصص في حالات الطوارئ الإشعاعية ومركزا لإزالة التلوث عن المصابين وموظفين مدربين تدريبا كافيا، بما في ذلك الدفاع المدني وكتائب الطوارئ الإشعاعية. في الدول التي وقعت فيها حوادث إشعاعية، غالبا ما تم تخفيف الآثار في وقت قصير وذلك بفضل القدرة الكافية للاستجابة الوطنية. ومع ذلك، الدول ذات الموارد الاقتصادية القليلة في المقام الأول يكون لديها قدرة قليلة على الاستجابة.

عقب أي تفجير نووي، ستكون الدول الأكثر فقرا معرضة للخطر بشكل تام: فهي تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة والكوادر المؤهلة للاستجابة بفعالية. إن الآثار الإنسانية للانفجار في دولة من تلك الدولة، سواء على الفور وعلى المدى المتوسط والطويل، ستفوق الحصر. في الدول متوسطة الدخل، ستكون العواقب أقل إلى حد ما ولكن لا تزال كارثية. حتى الدول المتقدمة، حيث تتوفر التقنيات الحديثة، لن تكون مستعدة للتعامل على نحو كاف مع عواقب انفجار نووي. في الواقع، لا أحد في العالم مستعد لمواجهة كارثة بحجم انفجار نووي.

الأسلحة النووية مدمرة بشكل مروع من الناحيتين الإنسانية والبيئية، و أي فرد أو مجموعة من الأفراد أمروا باستخدامها سيتم ادانتهم بارتكاب جريمة ضد الإنسانية. يجب على العالم أن يواصل العمل من أجل ذلك اليوم الذي يتم فيه إلغاء الأسلحة النووية.

فشل هائل في عالم مترابط

احتمال حدوث انفجار نووي في أي مكان في العالم هو أمر مروع، لكنه، لأسباب متنوعة، ليس أمرا غير محتمل تماما. منطق الردع المتوهم المتعلق بالخصوم النوويين قد ينهار وسط الظروف الجيوسياسية المتغيرة. يمكن أن يحصل بعض الناقمين من الجهات الفاعلة من غير الدول على الخبرة والمواد اللازمة لصناعة سلاح نووي. أو قد يؤدي حادث بسيط إلى انفجار. في أي من هذه الحالات، يمكن أن يخلق انفجار واحد دوامة من الانتقامات.

قبل أن ننتقل إلى الآثار الإنسانية لانفجار نووي، ربما يكون من المناسب أن نعترف بأن حدوث انفجار لن يدفع بالضرورة العالم لاستبعاد التاريخ النووي – بأن يتخلى عن الذرة. فمنذ اللحظة الأولى لاكتشاف القوة الذرية، ثبت أن محاولات امتلاك تلك القوة تتسم بالالتواء(لاحظ برامج الأسلحة التي لا تزال تقام من أجلها المبادرات، وأهمية الطاقة النووية المدنية في العديد من الأماكن). إنّ مقدار الانفجار الذي قد يجعل العالم يتخلى عن الذرة ربما يعتمد على حجم الانفجار ومن هو الأكثر تضررا جرّاء ذلك. إذا ما حدث الانفجار في منطقة مميزة في النصف الشمالي من العالم، فإن الاهتمام الدولي المكرس للانفجار سيكون أكبر بكثير مما لو حدث الانفجار في منطقة أكثر تهميشا في النصف الجنوبي من العالم – حتى بالرغم من أن الكثافة السكانية غالبا ما تكون أعلى بكثير في الدول النامية والخسائر في الأرواح قد تكون عالية أيضا. للأسف، إن القيم المتعلقة بحياة الإنسان ليست دائما متسقة، وهذا يؤثر بشدة على ما يمكن أن يطلق عليه سياسة الحزن.

في الوقت نفسه، فإن أي انفجار سيكون بمثابة مُذكِّر قاسٍ بعدم الثقة التي لا تزال سائدة بين البشر وبقصر النظر الذي يميز توقعات كلٍ من القوى الكبرى والمتوسطة وبـ"تقنيات القتل" التى ناقشها مؤخرا روبرت جاي ليفتون في مجلة علماء الذرة. أي انفجار نووي سيكون بمثابة فشل هائل للسياسة العامة الدولية، وسيهدد ليس فقط المحيط الحيوي الذي يعيش فيه البشر لكنه سيهدد أيضا إنسانيتهم ذاتها.

ظروف رهيبة. لكن بالنظر إلى كل ذلك، كيف يمكن أن يؤثر انفجار نووي على الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل وعلى أهدافها الإنمائية؟ بدايةً، الأمم الواقعة بمنأى عن موقع الانفجار سوف تشعر بآثاره. العالم اليوم مترابط بشدة، ولم تعد الأحداث مقتصرة على المناطق التي تحدث بها. ويؤكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هذا الواقع في تقريره للتنمية البشرية عام 2013 ، الذي نص على أنه "بينما تصبح التحديات الإنمائية العالمية أكثر تعقيدا ومتخطية للحدود بطبيعتها، يصبح القيام بعمل متناسق بشأن التحديات الأكثر إلحاحا في عصرنا، سواء كانت القضاء على الفقر أوتغير المناخ أو السلام والأمن، أمرا ضروريا". إن الجهود المبذولة للتعامل مع المجالات الأربعة للتنمية التي يركز عليها التقرير – "تعزيز المساواة، بما في ذلك المساواة بين الجنسين؛ وإعلاء صوت المواطنين وتمكينهم من المشاركة بمن فيهم الشباب، ومواجهة الضغوط البيئية، ومعالجة التغيرات السكانية"— ستكون معقدة جديا في جميع الحالات جرّاء حدوث انفجار نووي.

في الواقع ، كما جادلت بإيجاز راي اتشيسون من منظمة "بلوغ الإرادة الحاسمة" المعنية بنزع السلاح، بأن أي انفجار سيضر على نحو خطير بالجهود الرامية إلى تحقيق كل الأهداف الإنمائية للألفية. فهو سيقوض مبادرات التخفيف من وطأة الفقر وكذلك الجهود التعاونية لتعزيز التنمية؛ وسوف يحد من الإنتاجية الزراعية ويقوض رفاهية النساء والأطفال ويلحق الضرر بالبُنَى التحتية الوطنية؛ كما سيحد من التنوع البيولوجي على كوكب الأرض.

في رأيي، إنّ أثر انفجار نووي على الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل سيكون أكثر إثارة للقلق على ثلاثة أبعاد محددة. أولا، من المرجح أن يؤدي التفجير إلى تفاقم الأوضاع الغذائية المتردية بالفعل في العديد من الدول. من شأن التفجير أيضا أن يعطل الأنماط العالمية العادية لتوفير الأغذية وتوزيعها وأن يولد مشاعر قلق اقتصادية مَرَضيّة التي من شأنها، كما توحي اتشيسون، أن تدفع الأفراد لتخزين الغذاء. كما سيكون للتفجير آثار ضارة على جودة التربة والمياه و الهواء وسيضر بالإنتاجية الزراعية. ومن شأن هذه الآثار تضخيم أسعار السلع الزراعية والحد من وصول الغذاء إلى الفقراء، حتى في الدول البعيدة عن موقع الانفجار.

ثانيا، يمكن أن يدمر الانفجار سبل رزق كثير من الأفراد لما له من آثار بيئية. العديد من الدول الفقيرة هي في الغالب دول زراعية وتتميز كذلك بحيازات أراضي مجزأة وعوائد ضعيفة على الزراعة. سيواجه الأفراد الذين يعتمدون على الأرض الزراعية في كسب لقمة العيش حال حدوث انفجار— والذي يمكن أن يغير المناخ، محدثا ما يسمى بـ"الشتاء النووي"— مزيدا من الإفقار والحرمان من الحقوق. تحت مثل هذه الظروف الوخيمة، لن يكون مستبعدا تصور حدوث موجة من حالات انتحار المزارعيين. وهكذا فإن الانقسامات الاقتصادية التي توجد بالفعل في الاقتصادات المحرومة هيكليا يمكن أن تصبح أكثر عمقا.

ثالثا، ستكون صحة ورفاهية السكان في العالم النامي مهددة بشكل خطير . لن ترتفع أسعار الغذاء فحسب، ولكن من المرجح أن يحدث نقصا في الأدوية الأساسية—في المناطق المتضررة بصورة مباشرة، ومناطق أخرى، حيث يتم توجيه الإمدادات إلى المناطق المتضررة. قد تُهدد بشدة رفاهية النساء والأطفال على وجه الخصوص- كما لاحظت اتشيسون، "تعاني النساء بشكل غير متناسب في حالات الكوارث و … عادة ما يتم تجاهل احتياجاتهن الخاصة خلال مبادرات الإغاثة و إعادة التأهيل". كما لاحظت أيضا أن "العنف ضد المرأة يزداد تحت الضغوط في البيئات التي تعرضت لكوارث". ومن المرجح أن يكون للتأثير السلبي على نوعية حياة المرأة تأثير مباشر على رفاهية الأطفال: سوف تنخفض قدرة النساء على رعاية أبنائهن، كما سيتأثر الأطفال في مجالات تتراوح من التغذية إلى التنمية المعرفية.

ستعاني الدول الأكثر فقرا بشدة من هذه الأبعاد الثلاثة، لكنني أزعم أن الدول متوسطة الدخل لن تكون مختلفة تمام عن الفقيرة. في كثير من الأحيان تتميز اقتصادات هذه الدول بعدم إنصاف بيّن، وقطاعات من سكانها يعانون بالفعل من سوء التغذية ومن فقر مهين للكرامة البشرية. إن قدرة الأمم متوسطة الدخل لعمل استثمارات أساسية في التنمية البشرية سوف تُمنَى بضربة خطيرة بعد حدوث انفجار. وسوف يصبح معالجة التفاوت في الدخل أكثر صعوبة إذا تسبب الانفجار في انكماش الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، فإن الدول متوسطة الدخل تظهر قدرات أكبر من الدول الأكثر فقرا، وستكون إلى حد ما في وضع أفضل يؤهلها لاستيعاب صدمة انفجار نووي.

Round 2

إثارة مخاوف منطقية

ركزت الجلسة الثانية من هذه المناقشة على السبل التي يمكن من خلالها إدراج القضايا الإنسانية على أفضل وجه في مناقشات حول ضرورة إلغاء الأسلحة النووية. بصفتي رئيسا مشاركا لرابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية، كثيرا ما تتم دعوتي إلى عقد مثل هذه المناقشات. في رأى رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية، يجب حظر الأسلحة النووية على وجه التحديد بسبب آثارها الإنسانية. لكن ما يثير الدهشة، إذا أخذنا بعين الاعتبار قوة المناقشات حول نزع السلاح، هو أن هذه المناقشات يمكن أن تثير أحيانا ردود فعل سلبية .

القضية الإنسانية هي من السهولة بمكان أن تبني. لكن الموت على نطاق واسع هو دائما أمر منفّر، فكيف به إذا لم يكن ناجما عن كارثة طبيعية بل بسبب حرب أو جنون. يكفي المرء أن يشير فقط إلى هيروشيما وناجازاكي لتوضيح المعاناة المصاحبة للحرب النووية— جثث متفحمة وأعين محدقة مصابة بالعمى وعجز أنظمة الاستجابة التابعة للبلديات عن تقديم المساعدة لأولئك الذين هم في أمس الحاجة إليها. في مثل هذا الوضع، قد يحسد الأحياء الأموات. كل ذلك دون أن يؤخذ حتى في الاعتبار الآثار طويلة المدى للتفجيرات النووية مثل المجاعة و"الشتاء النووي" والسرطانات الجديدة والناشئة والعيوب الخلقية واسعة الانتشار .

العاملون في مجال الصحة العامة، ممن هم على دراية بمدى قوة المواد المتفجرة، وإن كان ذلك على نطاق أضيق مما قد يحدثه أي تفجير نووي، هم في وضع جيد يهيئ لهم المساهمة في الخطاب العام حول الأسلحة النووية وآثارها الإنسانية. يحاول الأطباء المشاركون في رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية تحذير العالم من إمكانية وقوع كارثة نووية– من أجل إثارة مخاوف منطقية.  يمكن أن يتم ذلك على المستوى العلمي، على سبيل المثال من خلال تقديم دراسات عن سرطانات الجلد الناجمة عن الغبار النووي. كما يمكن أن يتم ذلك على المستوى الإنساني، من خلال الاعتماد على شهادات الهيباكوشا (كلمة يابانية تعني الناجين من القنبلة الذرية) ، بما في ذلك الأطباء من بين هؤلاء .
 
كل ذلك يقدم رسالة مقنعة. لكن الناشطين في مجال الصحة العامة يمكن أن يواجهوا ردود فعل مستغربة من بعض الجماهير. أنا هنا لا أشير إلى دعاة الحرب الذين يخفون بطريقة مثيرة للسخرية الأدلة التي تطالب بفرض حظر على الأسلحة النووية. ولست أشير إلى أولئك العاملين في مجالىّ الدفاع والأمن الذين يستخدمون عقيدة الردع لتبرير استمرار وجود الأسلحة النووية، أو الذين يشيرون إلى احتمال استخدامها كقنابل خارقة للتحصينات .

بدلا من ذلك، أنا أشير إلى أولئك الذين، إذا تم تذكيرهم بهيروشيما وناجازاكي، سوف يجادلون بأن هذه القنابل ليست لها علاقة بالمكان والوقت الحاضر، وأنها كانت حدثا واحدا من أحداث الماضي البعيد. أو أولئك الذين، عندما يتم لفت انتباههم إلى معاناة الهيباكوشا، يعتبرونها تكتيكا مروعا ومنفرا. (يبدو أن البعض حتى يتصور أن ضحايا التفجيرات الذرية، الذين تجرؤا على محاربة الولايات المتحدة القوية وحلفاءها، استحقوا مصيرهم هذا). أطباء الصحة العامة الذين يقمون بشن حملات ضد الأسلحة النووية يمكن أن يجدوا أنفسهم متصفين بألقاب مثل مروجي الخوف أو المتنبئين بيوم القيامة .

أولئك الذين يعارضون إلغاء الأسلحة النووية كثيرا ما يشيرون إلى أن الأسلحة النووية لم تستخدم في حرب منذ عام 1945. لكن ذلك حظ محض، ولا يمكن أبدا ضمان استمرار الحظ. إن إمكانية حدوث إبادة واسعة النطاق أو حتى عالمية لا تزال حقيقة قائمة— مجرد وقوع خطأ كافٍ لإحداث ذلك. وإن لم يستطع الناس، كما حثهم على ذلك برتراند راسل وألبرت أينشتاين في عام 1955 ، " تذكر إنسانيتهم وينسوا الباقي"، فإن سحب الغبار النووي ستكتب النهاية.

الأفعال وليس المناقشات

اتفقتُ وزملائي بصورة عامة، خلال الجلسة الأولى لاجتماع المائدة المستديرة، على أنه من شأن أي تفجير نووي، سواء كان متعمدا أو عرضيا، أن يؤثر على الدول والأفراد بشكل خطير للغاية وأن الضرر لن يكون محصورا داخل حدود الدولة التي حدث بها التفجير. يؤكد التاريخ صحة ذلك: فالتفجيرات السابقة كان لها عواقب وخيمة، سواء كانت فورية أوطويلة الأجل، كما ثبتت صحة ذلك (وإن كان ذلك بطرق مختلفة) بشأن كل من الاختبارات النووية والتفجيرات في زمن الحرب. وحتى الآن، وعلى الرغم من أن الظروف السياسية قد تغيرت كثيرا منذ أنشئت مخزونات ضخمة من الأسلحة النووية خلال الحرب الباردة، لا يزال العالم مهددا بسبب القدرة التدميرية للأسلحة النووية.

أثار مقال سيدارت مالافارابو، خلال الجلسة الثانية من الاجتماع، الحديث عن السبل التي يمكن من خلالها إدراج القضايا الإنسانية في مناقشات حول ضرورة إلغاء الأسلحة النووية. في رأيي، المناقشات ليست هي المطلوب. بدلا من ذلك، يجب على الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية ممارسة ضغوط مؤثرة على الدول التي تمتلك أسلحة نووية حتى يتم التوصل في النهاية إلى توافق كامل في الآراء بضرورة حظر حيازة واستخدام الأسلحة النووية.

إنّ المؤتمر الذي عقد في أوسلو حول الآثار الإنسانية للأسلحة النووية، في مارس 2013، مثّل خطوة كبرى نحو أن تصبح التفجيرات النووية شيئا من الماضي. جذب هذا الاجتماع الذي دام ليومين ممثلين من أكثر من 125 دولة وعددا من منظمات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والعديد من المؤسسات الإعلامية. لكن للأسف، لم تشارك أي من الدول المعترف بحيازتها لأسلحة نووية بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (برغم أن الهند وباكستان، وهما من بين الدول المسلحة نوويا خارج المعاهدة، قد تم تمثيلهما في المؤتمر).

سوف تستضيف المكسيك مؤتمرا، من المقرر عقده في بداية عام 2014، لمتابعة ما تم في مؤتمر أوسلو. تعد المكسيك اختيارا موفقا. فقد أعلنت اعتراضها رسميا على الأسلحة النووية منذ عام 1967، عندما وقعت وصدقت على معاهدة تلاتيلولكو، التي أعلنت بموجبها أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي منطقة خالية من الأسلحة النووية. يرجع جزء من أهمية عقد مؤتمر للمتابعة إلى حقيقة أن الاستمرارية أمر حاسم في مبادرات نزع السلاح. كما يجب على الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية أن تمارس ضغطا قويا إذا أردنا أن يتم حظر التفجيرات النووية— لكن يجب أن يكون الضغط مستمرا.

إنّ المناقشات المؤيدة لنزع السلاح النووي قوية للغاية ومشهورة جدا. لكن الوقت الحالي ليس ملائما لمناقشات جديدة. الوقت الحالي ملائم لعمل متواصل ونشط من شأنه أن يؤدي إلى إنشاء معاهدة لحظر التفجيرات النووية.

معرفة متراكمة. أود أن أؤكد على نقطة إضافية: على الرغم من ضرورة إلغاء الأسلحة النووية، فإن نفس الأمر لا ينطبق في رأيي على الطاقة النووية. إن نشأة الطاقة الذرية، التي انتهت بتطوير واستخدام الأسلحة النووية خلال الحرب العالمية الثانية، كانت مشؤومة. لكن على مدى الـ 70 عاما الماضية، اكتسب البشر معرفة هائلة عن "الذرة من أجل السلام". هذه المعرفة، التي يتم استخدامها في كل من الطاقة والصناعة والدواء، نتج عنها ارتفاع جودة الحياة وزيادة متوسط العمر المتوقع.

بشكل أكثر تحديدا، تعلم البشر دروسا قيمة من حوادث مثل تلك التي حدثت في تشيرنوبيل وفي محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية. يمكن أن يختلف الناس بطريقة محتدمة حول الطاقة النووية، لكن الممارسات في مجالات مثل السلامة الإشعاعية وسلامة النقل آخذه في التحسن باستمرار. كما أن التأهب لحالات الطوارئ وإدارة النفايات والحماية من الأعمال الإرهابية آخذة في التحسن هي الأخرى. أنا أزعم أن الحوادث ليست هي الخطر الأكثر إلحاحا المرتبط بالطاقة النووية؛ فالفاسدون أو الخبثاء من المطلعين على الأسرار الداخلية هم أكثر إثارة للقلق. غير أن الخطر المطلق هو الأسلحة النووية ذاتها.

الكيفية التي ندعم بها القضية

في الجلسة الأولى لاجتماع المائدة المستديرة، ناقشت أنا وزملائي أنماطا عديدة قد يشكل من خلالها أي تفجير نووي كارثة لآفاق التنمية في الدول الفقيرة. ومع وجود إجماع حول هذه النقطة، ربما يكون الوقت ملائما لتقييم الكيفية المثلى التي يمكن بها ترتيب اعتبارات التنمية من أجل دعم المناقشات الداعية لإلغاء الأسلحة النووية. ويتيح مجال تخصصي الدراسي، وهو العلاقات الدولية، نقطة انطلاق لهذه المناقشة.

في دراسة العلاقات الدولية، تتناول مجموعة كبيرة من الدراسات قضايا مثل الردع ودوافع الدول للحصول على أسلحة نووية والديناميات الاستراتيجية بين الدول المسلحة نوويا. غير أنه يتم إيلاء اهتمام أقل من ذلك بكثير إلى التخلى عن الأسلحة النووية— نزع السلاح من جانب واحد مثل الكيفية التي حدثت في مرحلة ما بعد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أو إنشاء مناطق خالية من الأسلحة النووية كما هو الحال في أفريقيا وأمريكا اللاتينية. لماذا يلقى التخلى عن الأسلحة النووية عدم اهتمام نسبي؟ يرجع ذلك، إلى حد كبير، إلى النفوذ الكبير الذي تحظى به الواقعية، وهي إحدى ثلاث وجهات نظر رئيسية في العلاقات الدولية، في هذا المجال.

يتمسك الواقعيون الكلاسيكيون بوجهة نظر الفيلسوف توماس هوبز بشأن الجانب المظلم للطبيعة البشرية وبالتالي فهي متشككون للغاية في أن الأمم يمكنها بناء الثقة الضرورية لإزالة الأسلحة النووية. يميل الواقعيون إلى اعتبار مبادرات نزع السلاح عديمة الجدوى في عالم فوضوي وغير جدير بالثقة. في الواقع، الراحل كينيث والتز، أحد مؤسسي الواقعية البنيوية، جادل بأن الأسلحة النووية تستحق ميزة جزئية من أجل استقرار العالم الثنائي القطبية وأن"الانتشار التدريجي للأسلحة النووية أفضل من عدم الانتشار".

أود أن أقترح، مع المجازفة بالتعميم، أنه من المستبعد أن يشكل الواقعيون جمهورا متحمسا للمناقشة القائلة بأن أى تفجير نووي، لا سيما في دولة متقدمة، سيمثل تعطيلا غير مقبول للتنمية في الدول المتوسطة الدخل والفقيرة. إن معظم الدول النامية، من وجهة نظر العديد من الواقعيين، لاعبون هامشيون في النظام الدولي، ولا يمكنهم التأثير جديا في الأحداث العالمية، وبالتالي، فإنه لا يلزم أن يؤبه لشأنهم. وبرغم أن تلك مغالطة كبيرة في ضوء ترابط العالم في الوقت المعاصر، فإن هذا الاتجاه موجود.  

وجهة النظر الرئيسية الثانية في العلاقات الدولية هي المؤسساتية الليبرالية. من المرجح أن يرفض أتباع وجهة النظر هذه فكرة والتز بأن انتشار الأسلحة النووية قد يكون أمرا جيدا، وأنهم قد يؤكدون بدلا من ذلك، مثلما ذهب سكوت ساجان أستاذ العلوم السياسية بجامعة ستانفورد، على أنه لن يمكن أبدا القضاء تماما على مخاطر الاستخدام غير المقصود أو غير العقلاني للأسلحة النووية ومن المرجح أن يشكل أنصار المؤسساتية الليبرالية، حيث يرجع ذلك جزئيا إلى اعتقادهم بأن القضايا الاقتصادية يمكن أن تشكل أساسا للتعاون الدولي، جمهورا متقبلا إلى حد ما للمناقشات المبنية على التنمية والتي تصب في صالح القضاء على الأسلحة النووية.

التصنيف الرئيسي الثالث في العلاقات الدولية يتكون من أصحاب النظريات النقدية— مؤيدو حقوق المرأة والماركسيون الجدد وأصحاب نظريات ما بعد الاستعمار وهلمّ جرّا. ومن الرجح أن يربط أصحاب النظريات النقدية بين الأسلحة النووية وقضايا العرق والجنس والطبقة الاجتماعية والمواطنة، وأن يميلوا إلى اعتبار الأسلحة النووية مظهرا من مظاهر عدم المساواة العميقة والمفسدة في النظام الدولي. على هذا النحو، فإنهم على الأرجح سوف يتعاطفون مع المناقشات الداعية إلى وجوب التخلص من الأسلحة النووية، نظرا للمخاطر التي تشكلها تلك الأسلحة على التنمية.

هذه المدارس الفكرية ليست مجرد أفكار تجريدية، بل تجد صدىً في العالم الحقيقي. تصرفات القوى الكبرى، على سبيل المثال، تكشف عن قدر كبير من الشكوكية الواقعية. إن الدول الخمس المعترف بها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية كدول حائزة لأسلحة نووية ملتزمة بموجب المادة السادسة من المعاهدة بمتابعة جهود نزع السلاح العام. لكن بعد مضي أكثر من أربعة عقود على دخول المعاهدة حيز النفاذ، يبدو أن الأهداف المذكورة في المادة السادسة لا تزال وهما.

من شأن قضية المؤسساتية الليبرالية أن تجد بعض الدعم في أوروبا، خاصة في برلين— فقد تتقبل ألمانيا بشكل جيد مناقشات بشأن وجود حاجة ماسة إلى التعددية إذا أردنا تحقيق نزع السلاح العالمي وإذا أردنا كذلك تجنب وقوع كارثة إنسانية في العالم النامي. وفي الوقت نفسه، سوف تمس غالبا مناقشات أصحاب النظريات النقدية وترا حساسا في بعض المناطق الواقعة في النصف الجنوبي من العالم، حيث تكون عدم المساواة في النظام الدولي بارزة للغاية. باختصار، يجب أن تكون المناقشات المبنية على التنمية من أجل نزع السلاح النووي مصممة خصيصا لجمهور معين. لكن يبدو أن إقناع الدول الحائزة للأسلحة النووية بنزع سلاحها مهمة صعبة، بغض النظر عما يتم تنظيمه من مناقشات في هذا الصدد.

Round 3

في الخوف يكمن الأمل

أشار جايمي أجيري جوميز، في مقاله الأخير، إلى تأكيدي السابق بأنه يجب أن يثير مؤيدو نزع السلاح مخاوف منطقية عند الآخرين. وقال أجيري إنني كنت محق في ذلك— لكن لن يستفيد أحد من وضع تكون فيه المخاوف منطقية وحتمية.

طبيعة البشر تجعلهم يميلون إلى انتهاج سلوك عقلاني عندما يرون أن هذه العقلانية سوف تعود عليهم بالمنفعة. وقد جادل الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، في مقاله "نحو السلام الأبدي"  بأنه يمكن تنظيم حتى جنس من الشياطين لكي يتصرف على أساس طرق المنفعة المتبادلة، بشرط أن يكون قادرا على التفكير.

لكن هل يمكن فعلا أن يكون الخوف منطقيا؟ الخوف من الناحية الفسيولوجية هو تهيئة شخص معرض لخطر ما إما لمواجة الخطر أوالهروب منه. في كثير من الحالات، يُحدث الخوف ردود أفعال منطقية تتناسب مع الخطر الذي تواجهه. هذا هو الخوف المنطقي. لكن في حالات أخرى، يثير الخوف ردود أفعال في غير موضعها وغير متناسبة أو حتى تؤدي إلى نتائج عكسية. هذا النوع من الخوف ليس منطقيا— ولا ينبغي الاستعانة بهذا النوع لدعم مناقشات بشأن نزع السلاح. لذا تكمن براعة المنظمات مثل رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية، والتي أشارك في رئاستها، في استخدام الخوف لإحداث استجابات منطقية ومتناسبة ضد وجود الأسلحة النووية. يستخدم ممثلو رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية الخوف المنطقي بنفس الطريقة التي يستخدم بها الأطباء الطب الوقائي.

الشخص الذي يتجاهل نصيحة طبيبه بضرورة تغيير نظامه الغذائي لتجنب الإصابة بداء السكري، ثم يستمر في زيادة مرضه هذا، قد يقوم في النهاية بتعديل نظامه الغذائي على الرغم من رفض نصيحة طبيبه في البداية. هذا هو السلوك المنطقي، وإن كان قد تأخر قليلا. لكن أفرادا آخرين ضمن دائرة المعارف الشخصية للمريض قد يتعلمون من تجاربه السلبية ويقمون بتغيير أنظمتهم الغذائية قبل أن يصيبهم داء السكري. من الشائع عند الأطباء مراقبة المرضى وهم يقومون بتحويل مخاوفهم المنطقية إلى اجراءات ايجابية ذات مغزى، وجني الفوائد من القيام بذلك. في هذه الحالات، فإن الخوف له هدف، ويعمل في خدمة الأمل.

وبالمثل، تستخدم رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية الخوف لنشر الأمل وللاستفادة من الاحترام الكبير الذي يحظى به الأطباء لتثقيف الجماهير بشأن المخاوف الإنسانية من الأسلحة النووية. لكن من المهم ألا يكون هذا الجهد مصحوبا بدراما أوبإثارة للعواطف— من قبل مروجي المخاوف. فهذا من شأنه أن يثير فقط خوفا غير منطقي. إن الحقائق الواضحة لتفجيرات هيروشيما وناجازاكي هي من القوة والوضوح بمكان لكي يراها الجميع. هذه الحقائق مقنعة بما فيه الكفاية، بالنسبة لجماهير كثيرة، للتوصل إلى استنتاج واحد فقط وهو: يجب التخلص من الأسلحة النووية إلى الأبد.

يبدو أحيانا أن وسائل الإعلام، والناس العاديين أيضا، قد ضجروا من المناقشة المركزية لنزع السلاح، وهي أن الحرب النووية يمكنها إبادة الجنس البشري. لكن كما أكد إجتماع المائدة المستديرة هذا، فإنه حتى من شأن تفجير نووي واحد أن يمثل كارثة إنسانية. إن رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية مقتنعة بأن دقات الساعة ما زالت تنذر بكارثة— وعقرب الدقائق يسير بسرعة في هذا الاتجاه.  

إن تشخيص رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية هو أن الأسلحة النووية ضارة بصحتك. وأن العلاج المناسب يتكون من النضال من أجل القضاء على هذه الأسلحة. ألن تثق بطبيبك؟

عندما تكون المخاوف منطقية لكنها ضارة

كتب سيدارت مالافارابو في مقاله الثالث— رداً على تأكيدي السابق بأن الوقت قد حان لاتخاذ إجراء بشأن نزع السلاح، وليس مزيدا من المناقشات المؤيدة لذلك— أنه "لا يمكن الفصل بين اتخاذ الإجراءات وبين المناقشات". هو محق في ذلك، وربما أكون قد بالغت في عرض قضيتي في مقال سابق. بالتأكيد، إن أفضل طريقة نحو إلغاء الأسلحة النووية هو اتخاذ إجراءات قوية مدعومة بمناقشات منطقية.

يشكل وجود الأسلحة النووية تهديدا نفسيا لجميع من يعيش على هذا الكوكب. وهذا ينطبق أيضا على أسلحة الدمار الشامل الأخرى— البيولوجية والكيميائية— التي يكون إنتاجها أسهل، على الرغم من أن قدرتها التدميرية أقل من الأسلحة النووية. إن أسلحة الدمار الشامل لا تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية، ولن يستطيع أحد أن يشعر حقا بالأمان طالما بقيت تلك الأسلحة. ومما يؤلم النفس البشرية أنها تواجه تهديدا مستمرا من إحتمال أن تبتدئ دولة مسلحة نوويا حربا نووية، نتيجة لجنون أو حادثة أو سوء تقدير، أو أن يتمكن إرهابيون من الوصول إلى أسلحة نووية. وقد كتب روبرت متونجا في مقاله الثاني بأن مؤيدي نزع السلاح يجب أن يثيروا مخاوف منطقية عند الآخرين، وهو محق في ذلك. لكن لا أحد يستفيد من وضع تكون فيه المخاوف منطقية وحتمية.

مما لا شك فيه أن وجود أسلحة الدمار الشامل ينطوي على آثار أبعد من هذه الاعتبارات النفسية. على سبيل المثال، وجود أسلحة الدمار الشامل يعني أنه يجب أن تفرض الدول رقابة صارمة على حدودها، وإلا فقد تتيح تدفقات البضائع غير المشروعة أن تصبح الدول من ناشري الأسلحة النووية أو تمكن الإرهابيين من الحصول على مواد خطرة. وهذه الدرجة الشديدة من الرقابة تعوق التجارة ولا تشجع السياحة وتشكل عقبة أمام التعاون بين الأمم.

ويلات الحرب. بعد مرور أكثر من عقدين على انتهاء الحرب الباردة، لا تزال الترسانات النووية في العالم تحتوي على أكثر من 17،000 رأسا حربيا (بما في ذلك تلك التي تم تكهينها ولكن لم يتم تفكيكها). هذه الأسلحة، التي استخدمت مرتين في الحرب، لديها القدرة على تدمير الحضارة البشرية في أي وقت.

إن استخدام الأسلحة النووية، كما ناقشت في مقالي الأول، يتعارض مع القانون الإنساني الدولي. مجرد وجود الأسلحة يتعارض مع طبيعة ميثاق الأمم المتحدة، الذي تنص أولى أهدافه المقررة على" تجنيب الأجيال المقبلة ويلات الحرب". وقد ناقشت الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر "قضية المعاناة الإنسانية المخيفة [ الأسلحة النووية ]، … والتهديد الذي تشكله على البيئة والأجيال القادمة، ومخاطر التصعيد التي تخلقها". وانتهت الحركة إلى أنه لا توجد " أي قدرة كافية للاستجابة الإنسانية" . من وجهة نظر معظم الأشخاص في منطقة أمريكا اللاتينية التي أنتمي إليها، فإن استخدام الأسلحة النووية لا يوصف بشيء أقل من كونه جريمة حرب. لذلك، يجب على الدول النامية— التي لذلك سوف تعاني آثارا إنسانية من أي تفجير نووي، حتى لو لم تكن هدفا لهذا الهجوم— أن تمارس ضغطا مستمرا بشأن نزع السلاح على الدول التي تحافظ على ترسانات نووية.

خلال المؤتمر الذي عقد في أوسلو في مارس 2013 حول الآثار الإنسانية للتفجيرات النووية، أكد ممثلو عدد من الدول أن الضمان الوحيد ضد استخدام الأسلحة النووية هو إزالتها تماما. في فبراير 2014، من المقرر عقد مؤتمر متابعة في بلدي المكسيك. وسوف يمنح هذا العالم فرصة أخرى للعمل من أجل إلغاء الأسلحة النووية . ويجب أن يكون العمل في هذا الصدد مشكلا من مناقشات وإجراءات ملموسة على حد سواء.

تقييم الأدوات المتاحة

كتب جايمي أجيري جوميز في مقاله الثاني لاجتماع المائدة المستديرة أن الوقت الحالي ليس ملائما لمزيد من المناقشات المؤيدة لنزع السلاح، وإنما لاتخاذ إجراءات لنزع السلاح. أنا متعاطف بشدة مع الرأي القائل بأنه من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة نحو نزع السلاح. لكن من وجهة نظري، لا يمكن الفصل بين اتخاذ الإجراءات وبين المناقشات. يجب أن ترتكز دائما قضية نزع السلاح على تقدير الأخطار الإنسانية المتأصلة في عالم تُعَرِّض فيه بعض الدول، من خلال امتلاكها ترسانات نووية، البشرية جمعاء لمخاطر جسيمة. في كثير من الأحيان، تركز المحادثات بشأن الأسلحة النووية فقط على القضايا النظرية المتلعقة بأمن الدولة. لكن المناقشات الإنسانية تلفت الانتباه إلى البشر الحقيقيين— أولئك الذين سيعانون من أي تفجير نووي.

ومع ذلك، فمن المفيد أن نتفكر في الاستراتيجيات التي قد تتبعها الدول غير النووية لإلزام الدول النووية بنزع سلاحها. لن يكون للإجراءات الفردية تأثير كبير، بل ستكون هناك حاجة إلى قائمة من الإجراءات التي يمكن تحقيقها.

قد تكون نقطة البداية هي جهود جادة نحو إنشاء اتفاقية للأسلحة النووية على غرار الاتفاقية النموذجية المقدمة إلى الأمم المتحدة في عام 2007 من قبل كوستاريكا و ماليزيا. اليوم، ومع وجود شعور بالضجر حول المادة السادسة من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (التي تتطلب من الدول الموقعة على المعاهدة مواصلة المفاوضات نحو نزع السلاح) ، هناك حاجة إلى زخم جديد— والجهد الجاد نحو إنشاء اتفاقية قد يوفر ذلك الزخم. في الحقيقة، من المنطقي أن تنتج اتفاقية عن الرأي  الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر عام 1996، والذي— على الرغم من أنه لم يبد وجهة نظره بشأن مشروعية حيازة الأسلحة النووية— قرر أن "التهديد بـ أو استخدام الأسلحة النووية سيكون عموما مخالفا لقواعد القانون الدولي التي تطبق في النزاعات المسلحة، و خاصة مبادئ و قواعد القانون الإنساني". إن الزخم تجاه اتفاقية ملزمة يمكن أن يجبر الدول الحائزة للأسلحة النووية على إعادة النظر في برامجها النووية بطريقة جوهرية. كما يمكن أن تلعب الدول غير الحائزة لأسلحة نووية، من خلال توليد ضغط دولي لنزع السلاح، دورا رئيسيا في أي مبادرة من هذا القبيل.

يمكن للدول غير الحائزة لأسلحة نووية اتباع مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات الأخرى لفرض نزع السلاح. إذ يمكنها أن تتخذ خطوات معتدلة نسبيا مثل استمالة دبلوماسيين من دول مسلحة نوويا أو استقطاب المشاهير لتنفيذ حملات توعية عامة التي قد تكثف من الضغط الدولي لنزع السلاح. أو يمكن للدول غير الحائزة لأسلحة النووية النظر في اتخاذ تدابير أكثر قوة، مثل فرض قيود على تجارتها أو على استخدام مياهها الإقليمية ومجالها الجوي. كما يمكن لتلك الدول إدخال نزع السلاح في مفاوضات متعددة الأطراف بشأن السلع العامة العالمية— فمثلا، يمكنها أن تجعل تعاونها في قضايا المناخ مشروطا بالتزامات ملموسة لتغيير السلوك النووي. لكن في النهاية، فإن التحدي يكمن في تغيير العقليات. في يوم ما، يجب أن ينظر إلى الأسلحة النووية على أنها إرث حقبة ماضية، وإلى التسلح النووي على أنه ليس مصدرا لهيبة الدولة، بل مصدر للعار— شبيها بالفصل العنصري.  

كتب روبرت متونجا في مقاله الثاني أن المناقشات الإنسانية بشأن نزع السلاح تنتج أحيانا ردود أفعال غير متوقعة، مثل ردود أفعال الأشخاص بشأن النقاش حول تفجيرات هيروشيما وناجازاكي كما لو كانت تلك الأحداث شاذة، ومن المستبعد للغاية أن تحدث مرة أخرى. مثل هذه المواقف يمكن تفسيرها بالأمية النووية، أي بإخفاق الأفراد في استيعاب مدى القوة التدميرية للأسلحة النووية— حتى وإن كان قد سبق توضيح ذلك لهم. إذاً ما هو الحل لهذه المشكلة المحبطة؟ هو مواصلة تقديم المناقشات الإنسانية.



Topics: Nuclear Weapons

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]