The authoritative guide to ensuring science and technology make life on Earth better, not worse.

جيل الألفية في الجيل النووي المقبل

ddroundtable.png

مقدمة: منذ 42 سنة، عندما دخلت معاهدة حظر الانتشار النوووي حيز التنفيذ، تغيرت الكثير من الأشياء في العالم -- فانتهت الحرب الباردة، وانخفض العدد العالمي للأسلحة النووية، ورغم ذلك فقد ازداد عدد الدول المسلحة نووياً. فماذا تخبئ العقود الأربعة المقبلة لقضيتي منع الانتشار ونزع السلاح؟ بالنسبة لجيل الألفية، فبحلول عام 2054-- ولا شك  أن هذا يقتصر على الناحية النظرية،  سيكون هذا الجيل قد أكمل مسيرته المهنية وانتهى به المطاف عند التقاعد. فيما يلي يجيب كلاً من مريم يافان شاهركي من ايران، وسليم كان سازاك من تركيا، وبينيش برويز من باكستان على الأسئلة التالية: مضت 42 سنة منذ أن دخلت معاهدة حظر الانتشار النوووي حيز التنفيذ، فأين سيكون العالم بعد مضي 42 سنة أخرى؟ كم سيصبح عدد الدول المسلحة نووياً؟ وكم عدد الأسلحة النووية التي ستكون موجودة؟ وهل معاهدة حظر الإنتشار النووي؟

Round 1

تحديات وحلول لمنع الإنتشار

بينما يزداد نطاق العولمة اتساعا، تتزايد الضغوط على النظام السياسي . فكلاً من المنظمات الدولية والجهات الفاعلة غير الحكومية تعتبر سبباً في تآكل المفهوم التقليدي للسيادة الوطنية، مما يشكل تحديا لاحتكار الدول للسلطة في المجالات السياسية والعسكرية والإقليمية، والقانونية. وفي الواقع، فإن الاتفاقات الدولية مثل اتفاقية معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، هي إحدي العوامل التي  قوضت سيادة الدول.

وفي ظل توقيع 189 دولة عليها، باتت معاهدة حظر الانتشار الأكثر تأثيرا في مجال القضايا النووية. ولكن العالم قد تغير في السنوات ال 42 الأخيرة منذ أن دخلت المعاهدة حيز النفاذ. فإذا كتب لتلك المعاهدة البقاء و الاستمرار، فلابد من تنفيذها على نحو أكثر شمولاً كما ينبغي أن تكون إجراءات التحقق أقل تمييزا. وكل ذلك يتطلب مزيدا من التعاون العالمي.

إحتمال رهيب. حتي تظل تلك المعاهدة وثيقة مؤثرة في عالم متكامل، فإنها في حاجة إلى التأقلم مع التحديات الكبرى. فينبغي أن يصبح نظام المعاهدة أكثر تمكناً في مواجهة الإرهاب النووي. ولقد أدى  ظهور الجهات الفاعلة غير الحكومية إلى التساؤل حول حقيقة ما إذا كان نظام حظر الانتشار النووي والذى تم استحداثه خلال الحرب الباردة قادراً على التصدي للتهديدات المعاصرة. ووفقا للمادة الأولى من المعاهدة، فإن "كل دولة تملك سلاحاً نووياً…  تتعهد بأن لا تحول إلى أي متلق أياً كان أسلحة نووية على الإطلاق أو أجهزة متفجرة نووية أخرى أو تمنحه السيطرة على هذه الأسلحة أو العبوات الناسفة ". بيد أنه ليس هناك ما يضمن التمسك بهذا المبدأ في عالم تشكل فيه الجهات الفاعلة غير الحكومية تحديا متزايداً علي سلطة الدولة.

في السنوات الأخيرة، أصبحت بلدان مثل ليبيا وسوريا متهمة بالسعي لتطوير أسلحة نووية؛ كما وجدت أدلة علي  تهريب المواد النووية من الاتحاد السوفيتي السابق بالإضافة إلي استهداف الإرهاب لمدن مثل نيويورك ولندن؛ كل تلك العوامل ساهمت في إثارة المخاوف من إقدام الإرهابيين علي تنفيذ هجمات نووية. لقد أوشكت قوة الجهات الفاعلة غير الحكومية علي التساوي مع قوة سلطة الدولة، إلا أنه ليس في مقدور معاهدة حظر الانتشار بسط سيطرتها على الجهات الفاعلة غير الحكومية، الأمر الذي يسلط الضوء على أهمية المبادرات الدولية مثل قمة الأمن النووي والتي يمكن أن تساعد على بناء جهود عالمية أكثر إلتزاماً وتنسيقاً لمكافحة طر الإرهاب النووي. ويتمثل الهدف الأساسي من القمة في تأمين جميع المواد النووية المعرضة للخطر؛ ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يجب على الدول احترام تعهداتهم بتوفيرالمال والموارد التي تكرس لهذا الجهد، وفي كثير من الحالات يتعين علي تلك الدول زيادة مستويات التمويل والأفراد التي تخصصها للأمن النووي .

الدول المارقة والقيم المتطرفة. هناك تحدي خطير يواجه المعاهدة ويتمثل في الدول المارقة والدول التي لم توقع على معاهدة حظر الانتشار النووي. يتطلب هذا التحدي استجابة دولية منسقة ، حيث أن دولة مثل كوريا الشمالية التي لم تعد طرفا في المعاهدة، أو مثل إيران، التي هي طرف في المعاهدة ولكنها توصف أحياناً كدولة مارقة، ومع ذلك فهما تلعبان دوراً رئيساً  في الحفاظ على السلام في منطقتيهما، وبالتالي ينبغي الجلوس معهما في طاولة المفاوضات .

وفي الوقت نفسه، يجب أن تعامل الدول غير الموقعة على قدم المساواة، ويجب أن تواجه نفس العوامل المثبطة للانتشار. يعد موقف الهند غريبا في هذا الصدد — فقد أبرمت نيودلهي وواشنطن اتفاق تعاون نووي، كما منحت مجموعة موردي المواد النووية الهند تنازلاً وتم السماح لها بالدخول في التجارة النووية، على الرغم من أنها ليست طرفا في المعاهدة. ومؤخراً انتهت كندا من وضع التفاصيل النهائية لاتفاق تعاون نووي مع الهند في عام 2010، كما يبدو أن أستراليا كذلك قد بدأت التحرك نحو تصدير اليورانيوم إلى الهند أيضا. ومن خلال قرارات كهذه، تقوم الدول بوضع علاقاتها الاستراتيجية مع الهند ومصالحها التجارية الخاصة على قائمة أولوياتها على  حساب مصلحة نظام منع انتشار الأسلحة النووية. فإذا كان لهذه المعاهدة أن تحقق أي تأثيرعلي القرارات السياسية في عالم رأسمالي ومتكامل على نحو متزايد، فلا بد إذاً من إنفاذ ذلك التأثير علي نحوأكثر عدلاً .

ضع سلاحك. لقد فشلت المعاهدة في وضع خطة شاملة لنزع السلاح من الدول الحائزة  على الأسلحة النووية. وتحتوي المادة السادسة من المعاهدة  فقط على الإلتزام المبهم للموقعين "بمتابعة المفاوضات بحسن نية بشأن التدابير الفعالة المتعلقة بوقف سباق التسلح النووي في وقت مبكر وبنزع السلاح النووي، والتفاوض بشأن معاهدة لنزع عام وكامل للسلاح". لكن العالم  قد وصل الى نقطة حيث يجب أن يتجاوز الالتزام بنزع السلاح إلى ما هو أبعد من المفاوضات "بحسن نية". فهناك قدر لا بأس به من عدم الثقة بين الدول غير الحائزة للأسلحة النووية نابع من حقيقة أن المعاهدة تمنعهم من الحصول على أسلحة نووية بينما، في الوقت نفسه، تتحرك الدول الحائزة للأسلحة النووية ببطء شديد نحو نزع السلاح. وبالتالي، أصبح بقاء المعاهدة يعتمد على بناء إطار شامل وغير تمييزي لنزع السلاح .

قدمت الحركة العالمية المناهضة للتسلح النووي "جلوبال زيرو" خارطة طريق واقعية لنزع السلاح في شكل خطة العمل العالمية لجلوبال زيرو. واحدة من نقاط القوة في الخطة تكمن في أن تتضمن العملية إدراج دول، مثل الهند وباكستان، والتي هي مفتاح القضاء على أخطار الحرب النووية ولكنها ليست موقعة على المعاهدة. وعلى أية حال، فإن العديد من الذين يؤيدون نزع السلاح النووي على الصعيد العالمي يرون أنه، ومع استمرار العولمة من الناحية السياسية والاقتصادية والثقافية، سيكون التوصل إلى اتفاقية عالمية جديدة ملزمة قانونيا بشأن الأسلحة النووية هي المسار الأفضل للمضي قدماً.

ويبدو من المرجح أن عوامل مثل العولمة ونشر التقنيات والتحديات الأمنية الإقليمية، وتكثيف قوي الجهات الفاعلة غير الحكومية سيؤدي إلى زيادة في عدد الدول التي — وعلى الرغم من كونها أطرافا في معاهدة حظر الانتشار — تبدو مؤيدة للحصول على أسلحة نووية. وقد تؤدي التكلفة المرتفعة لبناء وصيانة هذه الأسلحة إلي منع انتشار الأسلحة النووية، ولكن الأهم هو أن الدول الحائزة  على الأسلحة النووية عليها أن تظهر التزام حقيقي لنزع السلاح وتكون بذلك مثالا يحتذى به لبقية العالم. وإذا وضع المجتمع العالمي أولوية التصدي للأزمات الإنسانية في العالم قبل الحصول على هذه الأسلحة الفتاكة، قد يأتى يوماً يتوقف فيه نموالتسلح النووي.

نظام منع الإنتشار النووي المرن

لطالما أحتج بأن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية قد فشلت أو تُمنى بالفشل أو مقدر لها الفشل. تحت مثل هذه المواقف الانهزامية تقبع فكرة أن المعاهدة هي إنكار للتاريخ وتحديا لنفسية الانسان — بأن الانتشار واسع النطاق هو نتيجة حتمية للتطور المتزايد للجنس البشري في بناء الأسلحة وتعلق البشر الشديد بأدوات السلطة. لكن بالرغم من أنه غالبا ما تم الإعلان عن وفاة المعاهدة وسط أزمات الانتشار، من أوزيراك إلى إيران، فإن المعاهدة لم تمت في الواقع مطلقا، بل استمرت وأصبحت أكثر قوة.

في فترة الستينيات، قامت الصين وفرنسا بأول اختبار لأسلحتهما النووية، وبسنوات قليلة قبل حلول عام 1970، وهو العام الذي دخلت فيه المعاهدة حيز التنفيذ، أصبحت إسرائيل دولة مسلحة نوويا ومع ذلك، فمنذ ذلك الحين تباطأ الانتشار بشكل كبير. فقط أربع دول أخرى أصبحت مسلحة نوويا، واحدة منها، جنوب أفريقيا، تخلت منذ ذلك الحين عن أسلحتها النووية، وانضمت للمعاهدة كدولة غير حائزة للأسلحة النووية.

على مدى عدة عقود، كان يمكن لعديد من الدول أن تصبح مسلحة نوويا، لكن معظمها اختارت كبح أنفسها. الدراسات التي تقارن بين صنع القرار في الدول النووية المحتملة، قبل وبعد أن تنضم إلى معاهدة حظر الانتشار، تبين أن أنشطة الانتشار تنخفض بمجرد التصديق على المعاهدة ومع ذلك، فإن أكبر نجاح لمعاهدة حظر الانتشار يتمثل في وضع حظر الانتشار كمعيار دائم للعلاقات الدولية.

باعتراف الجميع، فإن التوقعات الحالية لنزع السلاح وحظر الانتشار النووي لا تخلو من مشاكل. العراق وليبيا وكوريا الشمالية، على سبيل المثال، حاولت التحايل على نظام المعاهدة، والبعض الآخر قد يفعل ذلك في المستقبل. تهديدات مثل الإرهاب النووي ما زال قائماً، وهناك دائما خطر أن دولة مسلحة نوويا مثل باكستان يمكن أن تصبح دولة فاشلة .

تطور النظام .علاوة على ذلك، يحتج بأن المعاهدة نفسها مليئة بالعيوب والثغرات. وكثيرا ما يستشهد على تصميمها المعيب بأدلة مثل عدم وجود إنفاذ صادق للأحكام، واحتمال إساءة استخدام التقنيات ذات الاستخدام المزدوج لدورة الوقود، واساءة الاستخدام المحتمل لسحب الحقوق.

ومع ذلك، حققت المعاهدة نجاحا مذهلا رغم نقاط ضعفها، وتطورت لمواجهة التهديدات المتغيرة. البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي والأنظمة التكميلية مثل مجموعة موردي المواد النووية ونظام مراقبة تكنولوجيا القذائف، كانت إما استجابات لأوجه القصور المتأصلة في المعاهدة أو توسعات لنطاق وقوة النظام. هذه التحسينات تعطي سببا وجيه للاعتقاد بأن نظام حظر الانتشار النووي سيثبت مرونته في معالجة ما يواجهه من تحديات في المستقبل.

بالرغم من انتهاء الحرب الباردة منذ أمد بعيد، فالوقت الحاضر ليس وقت إستسلام للانتشار النووي، بل هو فرصة لمعارضته بقوة أكبر. وقد تم اقتراح العديد من التدابير لدعم النظام. ويشمل ذلك إقناع الدول الموقعة على المعاهدة بالتصديق على البروتوكول الإضافي وتنفيذه، وتعزيز نفوذ الوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يتعلق بتنفيذ إجراءات التحقق مثل عمليات التفتيش الخاصة، وتنظيم دور مجلس الأمن الدولي في الاستجابة لعدم الامتثال .

ومع ذلك، لا يمكن لخطوات رسمية مثل هذه انقاذ نظام يفتقد للمصداقية، لذا فالحفاظ على مصداقية ذلك النظام هو عامل أساسي. هذا يتطلب من جميع الأطراف المعنية اتخاذ مواقف تخلو من الاستثناءات. للأسف، الدول الحائزة على الأسلحة النووية — حتى مع إخفاقها في الوفاء بالتزاماتها بموجب المعاهدة لمتابعة نزع السلاح بحسن نية – بدت في بعض الأحيان حريصة على التخلص من أو التحايل على الجوانب الأخرى من نظام حظر الانتشار النووي. حيث سمحت بشكل انتقائي بالانتشار، كما يتضح من اتفاقية التعاون النووي الأخيرة بين الولايات المتحدة والهند، والعلاقات بين روسيا وإيران، والصين وكوريا الشمالية. مثل هذا التساهل ينقل رسالة مفادها أن المعاهدة ليست التزاما غير مشروط، وإنما أداة للنفوذ السياسي. وبإرسال هذه الرسالة تتجرأ الدول الطامحة لامتلاك القدرة النووية، وتتشجع الدول الموقعة على المعاهدة لاتخاذ الحيطة، ويتعزز الاعتقاد بأن الدول يمكن أن تفلت من مخالفة المعايير الدولية .

الانتشار الأفقي والرأسي .إن صح القول، على حد تعبير وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج شولتز، بأن الانتشار يولد انتشارا، فيبدوا أن إيران وكوريا الشمالية هما على الأرحج الدولتان اللتان ستبدآن دورة الانتشار اليوم. أجرت كوريا الشمالية تجارب نووية مرتين، على الرغم من أن جهودها منيت بمشاكل فنية. وتتفاوت التقديرات حول المدة التي تحتاجها إيران لإنتاج سلاح نووي إذا ما اتخذت القرار السياسي للقيام بذلك، لكن احتمال وجود دولة إيران النووية على أية حال سيخلق قلقا كبيرا في منطقة الشرق الأوسط. يمكن لهاتين الدولتين إثارة سلسلة من الانتشار النووي من شأنها أن تضاعف تقريبا عدد الدول المسلحة نوويا وتحيل معاهدة عدم الانتشار إلى مزبلة التاريخ. يجادل البعض بأن تركيا ودول مثل المملكة العربية السعودية ستضطران لاستكشاف الخيار النووي اذا أصبحت إيران دولة نووية، ونفس الأمر ينطبق على اليابان وكوريا الجنوبية إذا ما أظهرت كوريا الشمالية قدرة نووية حقيقية.

وبالرغم من أن هذه الدول لديها المال الكافي لتطوير أسلحة نووية بسرعة معقولة، أعتقد أنه لن يخطط أحد لمثل هذا الأمر. فالجميع سوف تعيقهم عوامل مثل الاعتماد على الصادرات وأيديولوجية الدولة والتوجه الغربي والثقافة المناهضة للروح العسكرية. لذلك أنا لا أتصور حدوث انتشار أفقي، لكنني أتصور إمكانية حدوث انتشار رأسي. إذا حدث وامتلكت إيران سلاحا نوويا، قد تضطر الولايات المتحدة إلى تقديم التزام طويل الأمد لتوسيع الردع النووي لحلفائها في الشرق الأوسط كما يمكن أن تجبر كوريا الشمالية الولايات المتحدة أن تفعل الشيء نفسه في شرق آسيا وهذا قد يدفع روسيا إلى الاسراع للدفاع عن إيران، أو يحث الصين للدفاع عن كوريا الشمالية. في ظل هذا السيناريو، فإن التقدم المحرز حتى الآن في الحد من الترسانات النووية يمكن أن يتوقف أو حتى يرتد.

خياراً غير وارد .على الرغم من هذه التهديدات، لا تزال هناك مساحة كبيرة للتفاؤل. الزخم الذي نشأ في عام 2009 مع خطاب الرئيس أوباما في براغ عن الأسلحة النووية يقدم فرصة لتعزيز الجهود الدولية لمنع الانتشار النووي. ويمكن تعزيز الثقة في نظام المعاهدة من خلال دبلوماسية ثابتة واتخاذ إجراءات موحدة ضد المخالفين للمعاهدة، والتكريس الصريح لمنع انتشار الأسلحة النووية عالميا.

لا يمكن أن يكون هناك سلام حقيقي في عالم يحتوي على أسلحة نووية معدّة للإطلاق. إنها مسؤولية المواطنين المعنيين من جميع الأطياف السياسية أن يعلنوا أن الخيار النووي ليس خيارا على الإطلاق، والمعنيون بمنع انتشار الأسلحة النووية ونزع السلاح يجب أن يحاسبوا من يمثلونهم.

هل ستبقى معاهدة عدم الانتشار؟ ذلك يعتمد على اختيار الشعوب. المعاهدة حاليا على قيد الحياة وبحالة جيدة، وستبقى كذلك على الأرجح — إلا إذا سمح القائمون على بقائها بموتها.

خطة لتجنب حدوث أزمة نووية

منذ اثنين وأربعين عاما، وسط أجواء الحرب الباردة، دخلت معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية حيز التنفيذ. وكان الغرض الأصلي للمعاهدة، من بين أمور أخرى، منع دول مثل إيطاليا وألمانيا الغربية واليابان من بناء أسلحة نووية لكن منذ نهاية الحرب الباردة، تطور هدف المعاهدة إلى الحفاظ على النظام النووي العالمي. اليوم، هناك 189 دولة موقعة على معاهدة حظر الانتشار وكذلك معاهدة الحد من التسلح واللتان تحظيان بقبول دولي كبير. لكن نجاح المعاهدة في وقف انتشار الأسلحة النووية هو أمر مثير للجدل، كما أن هناك تساؤلات جادة حول مصداقية المعاهدة وفعاليتها كآلية مركزية عالمية لمنع انتشارات نووية أخرى.

بالنظر في هذه القضايا، فإنه من المفيد أن نأخذ في الاعتبار مدى الخطورة التي يمكن أن تحدثها أزمة نووية. هذا العام يصادف الذكرى الـ50 لأزمة الصواريخ الكوبية ، التي وضعت العالم على شفير كارثة نووية. نجا العالم — لكن ليس هناك ما يضمن أنه سينجو من أزمة مماثلة في المستقبل. في الحقيقة، إن الدرس الأساسي المستفاد من أزمة الصواريخ الكوبية هو أهمية منع وقوع أزمة من خلال الجهود الدبلوماسية والسياسية قبل الوصول إلى حافة حرب نووية. بغض النظر عن العيوب التي تشوب معاهدة حظر الانتشار النووي، فإن المعاهدة لا تزال تمثل أداة دبلوماسية أساسية لاستباق ومنع حدوث أزمات النووية.

تحدي المصداقية. قليلون هم من يقللون من أهمية المعادة، بدلا من ذلك، فإن التحديات الأساسية التي تواجهها تنطوي على فعاليتها ومصداقيتها. ليس هناك حاجة لتغييرالمعاهدة أو استبدالها، لكن، إذا كان لها أن تحقق أهدافها العالمية، فيجب تنفيذها بإنصاف.

أحد القضايا الحاسمة المتعلقة بالإنصاف تنطوي على مسؤولية الدول الحائزة للأسلحة النووية لمتابعة نزع السلاح كما هو محدد في معاهدة حظر الانتشار النووي: كل دولة نووية تلتزم باتخاذ خطوات حسن النية تجاه نزع السلاح، وهو عنصر أساسي في الصفقة المركزية للمعاهدة. ولكن هذا بعيد كل البعد عن أن تنفذ بشكل كامل. تسيطر الولايات المتحدة وروسيا على الغالبية العظمى من الأسلحة النووية على كوكب الأرض ويمكنهما تدمير العالم عدة مرات. منذ نهاية الحرب الباردة، تغيرت الاستراتيجيات النووية في كثير من الدول، بما في ذلك الدول الخمس الحائزة على الأسلحة النووية المعترف بها بموجب المعاهدة. لكن الموقف المركزي للحرب الباردة بشأن الأمن – بأنه كلما كثر عدد الأسلحة النووية التي تمتلكها، تصبح أكثر قوة — لا يزال قويا.

ثمة مشكلة مشابهة أخرى وهي أن مبادئ الاتفاقية يتم تطبيقها على نحو متفاوت على مختلف الدول غير الحائزة على الأسلحة النووية. في مثال صارخ، وقعت الهند في عام 2008 اتفاقية تعاون نووي مع الولايات المتحدة، وأيضا حصلت على تنازل من مجموعة موردي المواد النووية يتيح لها الدخول في تجارة نووية مع القليل من القيود. لكن الهند هي واحدة من ثلاثة دول فقط، بجانب باكستان وإسرائيل، لم تنضم إلى معاهدة حظر الانتشار (وبالنسبة للدولتين الأخرتين المسلحتين نوويا، فإن كوريا الشمالية صدقت على المعاهدة، لكنها انسحبت منها في وقت لاحق، أما جنوب إفريقيا فقد انضمت إلى المعاهدة بعد أن قامت بتسليم ترسانتها النووية)، لم تصدق أيضا هذه الدول، باستثناء جنوب إفريقيا، على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (مع أن إسرائيل قد وقعت عليها). إن من الخطأ تجاهل مسؤوليات تلك الدول لمنع انتشار الأسلحة النووية لمجرد أنها تتمتع بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة، وخصوصا عندما تتعرض دولة موقعة على المعاهدة الدولية مثل ايران لضغوط في الوقت الذي تواصل فيه سعيها وراء حقها الثابت في امتلاك برنامج نووي سلمي. (في الوقت الحالي، كل دولة مسلحة نوويا تعد ناشرا محتملا للأسلحلة النووية، لكن هذه الحقيقة لا تلقى اهتماما كبيرا).  

إن التفاوت في تطبيق المعايير يمكن أن يجبر بعض الدول لإجراء برامجها النووية في السر. لكن الأهم من ذلك، هو أن مصداقية المعاهدة وفعاليتها يتم إضعافها عندما يتم التعامل مع التزامات وحقوق الدول المختلفة على نحو غير متساو.

المشاكل والحلول .إن بقاء المعاهدة لـ42 عاما يعد نجاحا كبيرا. لكن المعاهدة تعاني من أوجه قصور خطيرة — داخل وخارج النظام على حد سواء. ويمكن اتخاذ العديد من الخطوات لمعالجة أوجه القصور هذه. أولا، يتعين على العالم إلزام نفسه بإزالة الأسلحة النووية، بدلا من التركيز على منع انتشار الأسلحة النووية مع استبعاد نزع السلاح. الأسلحة النووية تشكل خطرا كبيرا بغض النظر عمن يمتلكها، وجميع الدول – سواء الكبرى أو الصغرى، الموقعة على المعاهدة أو غير الموقعة – ينبغي أن تقبل المسؤولية المشتركة في القضاء عليها

ثانيا، يجب تجنب المعايير المتغيرة والقواعد الظالمة. إن تغليب المصالح السياسية لدولة واحدة على الأمن العالمي يمكن أن يؤدي إلى فشل المعاهدة النهائي. الهدف من نظام معاهدة عدم الانتشار هو جعل العالم أكثر أمنا، مع وجود عدد أقل من القنابل النووية. لذلك، فإن فكرة المعاهدة الأساسية يتم تقويضها باستخدام المعاهدة لمنع دولة ما من ممارسة حقوقها المشروعة بينما يتم دعم دولة أخرى في ممارسة الحقوق ذاتها.

ثالثا، ينبغي مقاومة الميل لتحويل القضايا النووية لقضايا أمنية — لإخراجها من عالم الدبلوماسية ومن سياق المعاهدة. في الواقع، الإعلان بأن نزاعا نوويا يعد تهديدا وجوديا للمجتمع العالمي، بدلا من البحث عن حلول سياسية ودبلوماسية يسيء للمعاهدة نفسها ويهدد أيضا بتحويل النزاعات إلى أزمات. وكما استفاد العالم من درس أزمة الصواريخ الكوبية، يجب ألا يتم الاعتماد على إدارة الأزمات في اللحظة الأخيرة.

لذلك، وفي ضوء كل ما سبق، كم عدد الدول التي ستكون مسلحة نوويا في الـ 42 عاما القادمة، وكم سيكون عدد الأسلحة النووية حينها؟ هذا يعتمد إلى حد كبير على الدول الحائزة للأسلحة النووية. العالم اليوم يحتوي على حوالي 19،000 سلاحا نوويا، حوالي 95٪ منها تخص دولتين فقط — الولايات المتحدة وروسيا لكن هاتين الدولتين، جنبا إلى جنب مع غيرها من الدول النووية المعترف بها (الصين وبريطانيا وفرنسا)، التزمت عام 2000 إلى "التعهد الصريح بتحقيق الإزالة التامة لترساناتها النووية." وعلى الرغم من أن روسيا والولايات المتحدة اتخذتا خطوات لتقليص ترساناتهما من خلال التوقيع على معاهدة ستارت الجديدة، فإن القضاء التام على هذه الترسانات لم يحدث حتى الآن، كما لم تتخذ الهند وباكستان وإسرائيل خطوات لنزع سلاحها .

عدد الدول التي تمتلك أسلحة نووية اليوم ليس مرتفعا بشكل مخيف، لكن المواقف التي تبرر حيازة أسلحة نووية هي المخيفة. حقيقة أن الدول لا تزال ترغب في الاحتفاظ بـ أو تطوير أسلحة نووية تمثل خطورة أكبر من العدد المطلق للدول التي تقوم بالانتشار النووي، أو على نحو أدق عدد الأسلحة التي لديها. أي سباق جديد للتسلح النووي يمكن أن يؤدي إلى عالم يكون فيه، على حد تعبيرالفيلسوف توماس هوبز، الإنسان ذئب لأخيه الإنسان. ولكن هذه المرة قد تكون الذئاب مدججة بالأسلحة النووية.

Round 2

نهج متوازن ومعايير متسقة

لم تتفق مريم يافان شاهراكي مع سليم كان سازاك، في مقالاتهما حتى هذه اللحظة، على ما اذا كانت إيران تشكل تهديدا أمنيا لمنطقتها والعالم وماهية التداعيات التي قد تنشأ عن هذا التهديد. وبرغم ذلك، يبدو أنهما قد أظهرا اتفاقا ضمنيا مع فكرة أثرتها في مقالي الأول– وهي أن دولة مثل إيران، وكذلك الدول التي لا تزال خارج إطار اتفاقية حظر الانتشار مثل إسرائيل وباكستان والهند، يجب أن يتم اشراكها بشكل كامل في مشروع حظر الانتشار النووي إذا أردنا الحفاظ على سلامة معاهدة حظر الانتشار النووي .

من وجهة نظري، المجتمع الدولي منقسم حاليا إلى دول مستعدة لاتخاذ إجراءات حازمة، سواء من جانب واحد أو من خلال تحالفات، ضد الناشرين المحتملين، وأخرى تراقب بمزيد من الاهتمام ما اذا كانت الدول الحائزة للأسلحة النووية ستقوم باتخاذ خطوات سريعة نحو التخلص من ترساناتها النووية. لكن حتى إذا قامت جميع دول العالم بالالتزام التام بحظر الانتشار النووي، فإنه يجب على أكبر قوتين نوويتين في العالم (الولايات المتحدة وروسيا) أن يقدما النموذج الصحيح من خلال سعيهما لنزع أسلحتهما بزخم أكبر .

لكن الأمر لا يقتصر على مجرد تقديم نموذج صحيح. فوفق ما كتبته شاهراكي في مقالها الأول، تعتبر كل دولة مسلحة نوويا ناشرا محتملا، وهذا يشمل الدول الحائزة للأسلحة النووية المعترف بها بموجب المعاهدة. وبالرغم من الجدل المحتدم المثار حول امكانية إقدام ايران على نشر القدرة النووية، فإن تصور إمكانية قيام دولة نووية بنقل تقنيات أومواد أو أسلحة نووية إلى دول أخرى يعتبر مروعا كذلك. وعلى أية حال، إذا أُريد لنظام المعاهدة الاستمرار، لا بد من إحراز تقدم تجاه كل من حظر الانتشار ونزع الأسلحة النووية. إذ يجب وضع إطار حقيقي لإزالة السلاح النووي –إطار يضمن التخلص من الأسلحة النووية على نحو منظم يمكن التحقق منه وفي طور ذلك يعمل على نزع الشرعية عن تلك الأسلحة .

أثارت مناقشات سازاك وشاهراكي للمسألة الإيرانية قضية أخرى ذات أهمية لنظام المعاهدة، وهي المعايير المستخدمة في مراقبة أنشطة الدول التي تسعى لامتلاك برامج نووية لأغراض سلمية. ونظرا لأن الطاقة النووية يمكن أن تمهد لانتشار الأسلحة النووية، فإن برامج المراقبة تعد ضرورية للغاية في هذا الصدد — لكن تنفيذها على النحو القائم حاليا، يطرح إشكالية يصعب حلها
.
ناقش سازاك في مقاله الثاني الأنماط التي صُورت من خلالها إيران بأنها تقاوم عمليات التفتيش التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومع ذلك، يجب أن نتذكر أيضا موقف إيران الرسمي بأن أنشطتها النووية خاضعة بالفعل للإشراف الكامل للوكالة . كذلك، أعلنت إيران في الماضي قبولها لإخضاع جميع منشآتها الذرية للتفتيش . كما تتهم إيران الوكالة بمطالبتها بإجراء عمليات تفتيش تتجاوز التزاماتها القانونية . ومن أجل منع تكرار مثل هذه الحالات وكسب تعاون جميع الأطراف في حل النزاعات النووية، فمن الضروري أن تتفق جميع الدول على نظام للمراقبة يكون محددا وملزما بشكل أكبر. بهذه الطريقة، يمكن ضمان شفافية البرامج النووية وعدم تقويض سلطة المنظمة المعنية بالتحقق. وهذا يعني أنه إذا نفذت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عمليات التفتيش وفقا لنفس المعايير في جميع الحالات، فسيقلل ذلك من الشكوى ضد أساليب الوكالة وأنشطتها .

من يتحمل المسئولية

في مقالتها الثانية في اجتماع المائدة المستديرة، وجهت مريم يافان شاهراكي انتقاداً لاذعاً للأفكار التي طرحتها في مقالتي الأولى. في الوقت نفسه، وصفت نوايا إيران النووية بأنها سلمية بشكل لا لبس فيه. لكن يكشف امعان النظر تخالف حججها مع الواقع.

تصفني شاهراكي بأنني أخلط بين إيران وكوريا الشمالية لا يليق الجمع بينهما في " حزمة تهديدات شيطانية واحدة". ورغم أنني لا أوافق على فكرة محور الشر التي ألمحت شاهراكي ضمنيا إليها، أعتقد أنه من الملائم وضع ايران في مصاف الدول التي تهدد بطريقة متهورة الاستقرار الإقليمي والأمن العالمي من خلال امتلاكها أو سعيها إلى امتلاك أسلحة نووية. إذا كانت زميلتي لا تتفق معي في هذا التصنيف، فالخطأ لا يكمن في تحليلي، بل في سياسات إيران الخاصة.

ثم  تنتقدني شاهراكي بأنني أخفقت في"التمييز بين المخاوف المشروعة التي يمكن أن تثار كلما امتلكت دولة قدرة نووية وبين القلق المختلف تماما الذي يحيط بتخصيب ايران لليورانيوم". من وجهة نظري، فإنه من الصعب أن نرى الفرق، لا سيما عندما تقوم إيران بتخصيب كميات أكبر من تلك اللازمة لإمداد محطات الطاقة النووية والتصرف بطريقة تثير مخاوف جدية حول الأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامجها النووي. نظراً للغموض الذي يحيط ببرنامج ايران النووي، تدرك الدول الأخرى أنه لا ينبغي الانتظار حتى يتم الاعلان رسميا عن امتلاك إيران لأسلحة نووية  قبل الاقرار بأن الانتشار النووي الإيراني يمثل تهديدا. أما إدعاء شاهراكي بأنه لم يكن بوسعي تفسير" لماذا قد تثير ايران سلسلة من الانتشار النووي في الشرق الأوسط "، فهي تقدم جزءا من التفسير بنفسها من خلال استشهادها بالأسلحة النووية في إسرائيل وجنوب آسيا. ويمكن القول بأن الأسلحة النووية في تلك الدول كان لها تأثير الدومينو على إيران، وأنه في أي سيناريو معقول للانتشار النووي، سيواصل تأثير الدومينو طريقه بعد إيران مما يؤدي إلى سعي الدول المجاورة لإيران وخصومها السياسيين والدينيين لامتلاك برامج نووية.

وأخيرا، تصورني شاهراكي بأنني أؤكد موقف سباق التسلح الذي تدينه هي. لكن المؤيد لموقف سباق التسلح يتوقع منه أيضا أن يدعم دبلوماسية الولايات المتحدة تجاه الشأن النووي، وقدرات إسرائيل النووية، وصفقات الأسلحة التي تعتزم تركيا إبرامها. لكني لا أؤيد أيا من تلك الأمور. وعلى أية حال، فإن رفض منح إيران تفويض مطلق لتجاوزاتها النووية لا يعد مدعاة للحرب. على العكس من ذلك، هو محاولة صريحة لتقاسم اللوم على نحو منصف.

الخوف من التفحص. عند هذه النقطة يجب أن أدعم الحجج الواردة أعلاه ببعض الحقائق بشأن برنامج ايران النووي.

صرحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقرير صادر عنها في نوفمبر 2012 ، أن أعداد أجهزة الطرد المركزي في منشأتي نطنز وفوردو لتخصيب اليورانيوم في إيران آخذة في الازدياد. ويقدر إنتاج اليورانيوم منخفض التخصيب في منشأة نطنز بأكثر من 7600 كيلوجرام منذ بدأت أجهزة الطرد المركزي العمل في عام 2007. وهذا يكفي، من الناحية النظرية، لصنع ستة أو سبعة أسلحة نووية في حال تم تخصيب الوقود لصنع أسلحة. ومن بين الأمور التي أثارت التكهنات حول البعد العسكري لبرنامج إيران النووي هو قيامها ببناء مفاعل للأبحاث يعمل بالماء الثقيل في آراك – والذي قد ينتج البلوتونيوم مما يمهد طريقاً آخر لصنع القنبلة النووية. إزاء تلك الأنشطة المحتملة المرتبطة بالأسلحة – مع التذكير بأن إيران قامت بتشغيل منشأتي نطنز وآراك بسرية تامة حتى قامت مجموعة منشقة بكشفهم — فمن الصعب الوثوق في نوايا إيران الحسنة إزاء منع الانتشار النووي.

واذا افترضنا حسن نية ايران، فصور الأقمار الصناعية تشير إلى أن أنشطة التطهير في منشأة بارشين لاختبار المتفجرات في حاجة الى تفسير واف ومقنع
وكذلك رفض طهران السماح لمفتشي الوكالة بالوصول الكامل إلى عدة مواقع، بما في ذلك بارشين. ناهيك عن فشل إيران المستمر في تنفيذ البروتوكول الاضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، فضلا عن مادة تعرف باسم قانون 3.1 المعدل، والذي يتطلب من إيران أن تقدم إلى الوكالة معلومات عن تصميمات المنشآت الجديدة في تاريخ مسبق. فلماذا إذاً الخوف من الخضوع للمزيد من التفحص إذا لم يكن هناك ما تخفيه؟

قد تكون مواجهة الحقائق أمراً صعباً ومزعجاً، خاصة عندما تنعكس بصورة سلبية على الوطن. برغم ذلك، لا يمكننا، من الناحية الأكاديمية، السماح للولاءات والعواطف بأن تحجب أحكامنا أوتقيد صرامتنا الفكرية.

كان الرئيس هاري ترومان  يضع  لوحة على مكتبه كتب  عليها " تقع المسؤولية على عاتقي".يحظر أيضا على العلماء  مسائلة الغير.  وأخلص بصفتي عالم بأن المسئولية، في حالة إيران، لا تقع إلا على عاتق طهران.

يد واحدة لا تصفق

في مقالاتهم الأولية، حلل جميع المؤلفين في اجتماع المائدة المستديرة هذا نقاط القوة وأوجه القصور في نظام حظر الانتشار النووي، وناقشوا آفاق النجاح التي قد تحققها معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في المستقبل . وقمت أنا وبينيش برويز بالتركيز بقدر كبير على التطبيق التمييزي لقواعد المعاهدة، وقمنا بتحديد عدم الانصاف على أنه الخطر الرئيس لفعالية المعاهدة ومن ثم بقائها في نهاية الأمر.

ناقش سليم كان سازاك أيضا التطبيق غير العادل لأحكام المعاهدة، لا سيما ما تقوم به الدول الحائزة للأسلحة النووية من تساهل انتقائي تجاه مسألة الانتشار النووري. لكن سازاك أخطأ عندما قال أن إيران وكوريا الشمالية هما "على الأرحج الدولتان اللتان ستبدأن دورة [الانتشار] اليوم." الخطأ في هذا القول هو أن سازاك ينظر الى الأمتين بمنظار واحد، اذ أنه ألفنا مطالعة الصحف وشاهدة التغطيات التلفزيونية التي  تربط كلا من إيران وكوريا الشمالية في حزمة تهديدات شيطانية واحدة للأمن العالمي — لكن الحقيقة هي أن الدولتين مختلفتان تماما، فكل واحدة لديها برامج نووية مختلفة وتاريخ مميز من السلوك تجاه نظام المعاهدة.

كما أكد سازاك على أن " احتمال وجود دولة إيران النووية…. سيخلق قلقاً كبيرا في منطقة الشرق الأوسط "، وأشار إلى حجج بأن "تركيا ودول مثل المملكة العربية السعودية ستضطران لاستكشاف الخيار النووي اذا أصبحت إيران دولة نووية". لكنه لا يميز بين المخاوف المشروعة التي يمكن أن تثار كلما  امتلكت دولة قدرة نووية وبين القلق المختلف تماما الذي يحيط بتخصيب ايران لليورانيوم. وعلى الرغم من أن سازاك  يستبعد احتمال حدوث سلسلة من الانتشار النووي  على أية حال، لم يوضح لماذا قد تثير ايران سلسلة من الانتشار في الشرق الأوسط. على أية حال، تمتلك إسرائيل أسلحة نووية بالفعل، وهناك دولتان أخرتان مسلحتان نوويا في جنوب آسيا، لكن لم تحدث سلسلة من الانتشار في الشرق الأوسط حتى الآن.

ومع ذلك، فإن نقدي الرئيسي لحجة سازاك هو تأكيده — عن قصد أو عن غير قصد – على نفس موقف سباق التسلح الذي، في مقالي الأول، حددته بأنه التهديد الرئيس لمستقبل المعاهدة . هذا الموقف يتخذ من أي تهديد سببا للقيام بمزيد من الإعدادات والمبيعات العسكرية. ولأن التهديدات بحكم طبيعتها لا حصر لها، لا يمكن أن يكون هناك حد لسباق التسلح. على سبيل المثال، فكرت تركيا في السنوات الأخيرة في شراء أنظمة دفاع صاروخي مكلفة من الخارج. يقول مسؤولون أتراك أن هذه الأنظمة ليس المقصود منها الحماية من التهديدات من أي دولة معينة. ومع ذلك، فإن  صفقات الاسلحة هذه ستعمل فقط على تسريع سباق التسلح في المنطقة. إن المبالغة في التهديد الذي يمثله البرنامج النووي الايراني لا يجعل من الشرق الأوسط منطقة أكثر أمنا، وفي الواقع، فإنه قد يجعل سباق التسلح في المنطقة أمراً لا رجعة فيه.

ينبغي إبقاء الباب مفتوحا. إن شيطنة دولة موقعة على المعاهدة مثل ايران قد يساعد الولايات المتحدة في زيادة مبيعاتها الدولية من الأسلحة ، لكن ذلك لن يعزز أبدا من نظام المعاهدة أو يحقق الأمن العالمي. بل على العكس من ذلك، ستعزل مثل هذه السياسة إيران وتدفعها بعيدا عن أهدافها السلمية ظلت إيران دولة موقعة على المعاهدة على الرغم من الضغط الدولي الذي واجهته بسبب برنامجها النووي، ومن المهم الإبقاء على باب الدبلوماسية مفتوحا. ومن المهم أيضاً أن نتذكر أن المعاهدة تعترف بالحق الثابت للدول في الحصول على الطاقة النووية للأغراض السلمية — وهو حق يشمل تخصيب اليورانيوم، على الرغم من بعض الحجج المخالفة لذلك.

توجد عبارات كثيرة في المعاهدة غامضة وقابلة للتأويل. في الواقع، قد تكون الولايات المتحدة ودول أخرى فضلت عن عمد الغموض خلال مفاوضات المعاهدة حتى يتمكنوا في وقت لاحق من استعمال قواعد المعاهدة لتحقيق مصالحهم الوطنية. لذلك قد يكون من الضروري الآن وضع آلية عالمية محايدة لتفسير المعاهدة وأحكامها. لكن فضلا عن ذلك، فإن نظام المعاهدة لن ينجح إلا إذا أدرك جميع الأطراف أن اليد الواحدة لا تصفق. وهذا يعني أنه، في حالة البرنامج النووي الايراني، يجب أن يتوقف الغرب عن شيطنة ايران وأن يتوقف عن تصوير برنامجها النووي على أنه تهديد  حتمي لأمن العالم كله. بدلا من ذلك، يتعين على الغرب أن يعامل ايران كشريك مكافئ في نظام منع الانتشار وأن يحاول تفهم مخاوف طهران الأمنية، لأنه إذا استمر الغرب بمطالبة إيران بتعليق تخصيب اليورانيوم، ستؤول دائما المفاوضات إلى الفشل.

Round 3

عبث، قبول، تقدم

أجرى كلا من ماريام جافان شاهراكي وسليم كان سازاك نقاشاً هاماً حول برنامج ايران النووي. وجاء النقاش نموذجاً مصغراً للنقاش الدولي حول الموضوع ذاته، والذي يثار حوله الكثير من التساؤلات دون أن تكون هناك إجابة الا على القليل منها. من وجهة نظري، أصبح تبادل الاتهامات بشأن ايران، وسيظل، ضرباً من العبث. ومن الأفضل قبول حقائق محددة لا تقبل الجدل حول النزاع، مع الاستمرار في السعي نحو تدابير عملية لتحسين تنفيذ معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT ).

دأبت الحكومة الإيرانية على استثمار الموارد في برنامجها النووي لأكثر من 25 عاماً وأصبح البرنامج رمزاً لرغبة طهران في تأكيد سيادتها الوطنية في عالم يزداد عولمة. ويبدو من المستبعد جدا في هذه المرحلة أن تتخلى إيران عن جهودها المستمرة حتى الآن من أجل اتقان تقنية دورة الوقود النووي، بغض النظر عن مطالب الدول الأخرى. وعلى الرغم من أن الدبلوماسية تبدو المسار الصحيح للخروج من المأزق، الا أنها قد فشلت في الماضي، وتبقى مسألة نجاحها الآن أمراً مبهماً.

ينبغي أن تظهر طهران مزيداً من الاستعداد لتهدئة المخاوف الدولية بشأن برنامجها النووي. ومع ذلك، من غير المعقول فرض عقوبات صارمة على ايران لقيامها بتخصيب اليورانيوم، وهو أمر تكفله لها المعاهدة. في الواقع، ينبغي أن يكون الهدف المباشر لطرفي النزاع هو الابتعاد عن استعداء الآخر. ففرض عقوبات قاسية ماهو إلا تأكيد على استمرار بقاء متشددي ايران في السلطة؛ ولا تسهم إزدواجية طهران بشأن الضمانات وعمليات التفتيش سوى في زيادة الشكوك الدولية. وفي الوقت نفسه، إذا لم يتم نسيان العداوات القديمة، فستكون هناك فرصة لانسحاب إيران من المعاهدة، الأمر الذي قد يزيد الطين بله. بيد أن مد يد الصداقة إلى إيران هو السبيل الأوحد القابل للتطبيق لتحقيق أهداف المعاهدة.

تكتيكات سيئة. يجذب برنامج إيران النووي مزيد من الاهتمام أكثر من أي قضية أخرى تتعلق بمعاهدة حظر الانتشار. ولكن هناك مسألة أخرى، الا وهي الأسلحة النووية التكتيكية، وهي على نفس القدر من الخطورة بما يسمح بتقويض نظام المعاهدة إذا لم يتم التصدي لها.

تمتلك الولايات المتحدة نحو 500 سلاح نووي غير استراتيجي، ولا يزال 200 من هذه الأسلحة تقريبا منتشراً في خمسة دول أوروبية. وتمتلك روسيا نحو 2000 رأس حربي غير استراتيجي، ومع ذلك يعتقد أنها جميعاً مخزًنة. ويعتقد حالياً أن هذه الأسلحة ذات قيمة عسكرية محدودة، بيد أننا نعيش في عالم ينظر فيه الى حيازة الأسلحة النووية كأداة فعالة لممارسة النفوذ الإقليمي واكتساب النفوذ السياسي والاقتصادي. وهكذا، فإن امتلاك أسلحة غير استراتيجية، بغض النظر عن قيمتها العسكرية، يمكن بسهولة أن يستعدي دولة مثل إيران.

أظهرت حكومتي الولايات المتحدة وروسيا شيئاً من الالتزام بقضية نزع السلاح، على سبيل المثال من خلال معاهدة "نيو ستارت"، ولكن هذه المعاهدة وغيرها من اتفاقيات الحد من الأسلحة لا تفعل شيئا للحد من مخزون الأسلحة غير الاستراتيجية. هذا أمرُ غير مقبول، لأن الأسلحة النووية التكتيكية شديدة الفتك وتنطوي على الكثير من المخاطر مثل امكانية استحواذ الإرهابيين عليها. بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود الأسلحة التكتيكية الأمريكية في أوروبا يتعارض مع معاهدة حظر الانتشار النووي، التي تحظر نقل الأسلحة النووية إلى الدول غير الحائزة للأسلحة النووية. ولكن المعاهدة تظل صامتة حيال مسألة الأسلحة النووية التكتيكية في حد ذاتها، وهذا الصمت يعتبر بمثابة ثغرة كبيرة. إن عدم إيلاء اهتمام خاص لمثل هذه المسألة الخطيرة قد يضر ببقاء المعاهدة في السنوات المقبلة.

سيؤدي سحب الأسلحة التكتيكية من أوروبا إلى خفض عدد الدول التي تمتلك اسلحة نووية على أراضيها من 14 إلى تسعة. كما سيؤدي إلى زيادة المصداقية بشأن سياسات منع انتشار الأسلحة النووية الخاصة بالولايات المتحدة وحلفائها في حلف الناتو. ولذلك، فإن التخلص من الأسلحة التكتيكية سيكون بثمابة إجراء عملياً قوياً لتعزيز المعاهدة ومساعدة القوى النووية في بناء الجسور في المستقبل مع دول مثل ايران. الأهم من ذلك كله، فإن القضاء على الأسلحة النووية التكتيكية سيكون بمثابة خطوة ملموسة نحو تحقيق عالم خال من الأسلحة النووية .

تذكروا إنسانيتنا، وانسوا الباقي

في مقالتها الثالثة في المائدة المستديرة واصلت ماريام جافان شاهراكي دفاعها عن برنامج ايران النووي ضد نقدي له. وأنا أرى أن توصيفها لبرنامج ايران النووي يفتقر إلى الحقائق، ويجب أن اختلف معه بكل احترام .

إن أنشطة إيران النووية لا تتم تحت الإشراف الكامل للوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA )، رغم مزاعم إيران. فعلى سبيل المثال، لم تمتثل إيران للمطالب المتكررة للوكالة بالسماح باجراء عمليات تفتيش كاملة لمرفق اختبار المتفجرات "بارشين". ويذكر شاهراكي قيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش مرفق بارشين عام 2005 باعتباره دليلاً على الشفافية والامتثال الإيراني مع ضمانات الوكالة، ولكن ذلك يعد مفارقة تاريخية خطيرة.

لقد أكدت مستويات رفيعة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية فشل ايران في توفير وصول غير مقيد إلى المواقع النووية. ففي ديسمبر الماضي، أكد المدير العام للوكالة، يوكيا أمانو، مخاوف الوكالة إزاء منشأة بارشين ودعا ايران الى السماح بتفتيشه. وفي سبتمبر، صرح أمانو أن "ايران لا تقدم التعاون اللازم لتمكيننا من التأكد من أن جميع المواد النووية في إيران تستخدم في أنشطة سلمية." لذلك، وخلافا لتأكيد شاهراكي، لم يتم السماح لمفتشي الوكالة بزيارة المواقع النووية في البلاد "وقتما يشاؤوا." والأفعال أبلغ من الأقوال.

ويشير شاهراكي إلى أن  المفاوضات بين ايران والوكالة تكتسب زخماً إيجابياً. وهذا أمر مشجع الى حد ما، ولكن تاريخ الدبلوماسية النووية يشير إلى أنه لا ينبغي أن نعلق الكثير من الآمال الا بعد أن تسفر المفاوضات عن نتائج ملموسة. علاوة على ذلك، من بين الأسباب التي أدت الى فشل المبادرات الدبلوماسية الى الآن هو أن ايران لا تزال تصر على اعتبار القضايا التي تحقق فيها الوكالة الدولية للطاقة الذرية منتهية بمجرد تفنيد مخاوف الوكالة، في حين أن الوكالة ترغب في الإبقاء على امكانية إعادة النظر في القضايا حسب الحاجة. أين المنطق في استخدام الامتثال الحالي ليطلب من الوكالة التخلى عن حقها في إجراء أنشطة تحصل من خلالها على ضمانات في المستقبل؟ ومرة أخرى، لماذا الخوف من التفحص إذا لم يكن هناك شيء نخفيه؟

في عدة مواضع في هذه المائدة المستديرة، عندما هاجمت شاهراكي انتقاداتي لسياسات إيران النووية، أرى أنها قامت بتوظيف حجج ركزت على شخصي بدلاً من القضايا محل النقاش. وفي مقالتها الثالثة، حاولت أن تسلط الضوء على الاختلافات بين وجهات نظري ووجهات نظر الحكومة التركية التي تدعم نهج دبلوماسي للخروج من المأزق بشأن برنامج إيران النووي. أولا، على الرغم أنني تركية، إلا أنني لم أعبر في اي من المقالين الأولين عن تأييدي لسياسات تركيا الرسمية، وبالتالي، لا يمكن أن أكون مسؤولة عن هذه السياسات. ثانياً، اتفق مع حكومتي وشاهراكي نفسها أنه من الأفضل اتباع نهج الدبلوماسية للخروج من المأزق — على الرغم من أنني لا زلت متشككة للغاية في قدرة الدبلوماسية على تحقيق النجاح.

في مقالتها الثالثة، ألقت شاهراكي ظلالا من الشك على تأكيدي أنني لا أويد أياً من النظريات التي تطرح فكرة "محور الشر". وأفهم من ذلك أنها تعني ضمنياً أنني أويد وجهات نظر موالية للولايات المتحدة أو إسرائيل. بيد أن ولاءاتي الشخصية لا علاقة لها بوجهة نظري الأكاديمية، ولكن أود أن أشير إلى أنني أدين بشدة اغتيالات العلماء الايرانيين خارج نطاق القضاء، وأعتقد أن صفقة مبادلة الوقود التي ابرمت عام 2010 بين ايران وتركيا والبرازيل كانت بمثابة حل أمثل للأزمة النووية الإيرانية، وما كان ينبغي افشالها، وألقي باللائمة في المقام الأول على كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لاستمرار فشل المفاوضات (ومع ذلك، ولأنه لا يمكن معالجة الخطأ بالخطأ، فإنني أيضا احمل ايران مسؤولية فشل من المفاوضات).

الجنة أو الموت. بغض النظر عما تقدم ذكره، لا زلت أعتقد، كما كتبت في مقالتي الأولى، أن امتلاك ايران اسلحة نووية أو امتلاك كوريا الشمالية أسلحة نووية حقيقية قد يستتبعه مخاطر كبيرة للانتشار النووي (على الرغم أن الانتشار النووي ربما يكون رأسياً ن وليس أفقياً). لذلك أنا أتفق تماماً مع برويز على أهمية وضع إطار حقيقي لإزالة الأسلحة النووية – " إطار يضمن التخلص من الأسلحة النووية على نحو منظم يمكن التحقق منه وفي طور ذلك يعمل على نزع الشرعية عن تلك الأسلحة"

ومن أجل تحقيق ذلك، على أية حال، لابد أن يظهر العالم شيئاً من اللياقة والتواضع والنضج. عندما تسلم الفيزيائي جوزيف روتبلات جائزة نوبل للسلام في عام 1995 وكان ذلك بالتزامن مع مؤتمرات باجواش للعلوم والشؤون الدولية، استند روتبلات الى بيان راسل-آينشتاين الذي أصدره عام 1955 ليذكرنا بأنه من أجل الوصول الى عالم خال من الحرب فإنه يتعين علينا أن: "تتذكر إنسانيتنا وننسى الباقي. إذا كان باستطاعتكم فعل ذلك، فستجدوا الطريق أمامكم ممهدا نحو جنة جديدة. وإذا لم تستطيعوا، فليس أمامكم سوى خطر الدمار العالمي ".

ملائكة وشياطين: لعبة خطرة

في مقالته الثانية في اجتماع المائدة المستديرة، واصل سليم كان سازاك التأكيد على أن برنامج إيران النووي عدائي بطبيعته. وكان السيد بينيش برويز قد أوضح بالتفصيل موقف ايران بشأن نزاعها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية — وذلك بقوله أن أنشطة إيران النووية تتم تحت الإشراف الكامل للوكالة وأن إيران قد أعلنت استعدادها لقبول التفتيش على أي منشأة نووية، وأن متطلبات التفتيش الذي تقوم به الوكالة تتجاوز التزامات ايران القانونية بمنح إمكانية الوصول .

يتهم سازاك ايران بالخوف من تفحص مواقعها النووية. والحقيقة أن إيران كانت قد منحت إمكانية الوصول إلى المواقع النووية مرات عديدة، بما في ذلك تفتيش منشأة اختبار المتفجرات بموقع بارشين عام 2005 ، وهو الحدث الذي ذكرت الوكالة بعده أنه قد "سمح لها أخذ عينات بيئية، وبفحصها لم تشر النتائج إلى وجود مواد نووية، ولم تلحظ الوكالة وجود أية معدات أو مواد ذات صلة قد يكون لها استخدام مزدوج." غير أن رد الغرب علي الشفافية الايرانية لم يكن سوى مزيد من العقوبات والتهديدات بشن هجمات ضد منشآتها النووية، إضافة، كما يظن الكثير، الى تنفيذ عمليات اغتيال إرهابية ضد العلماء النوويين الايرانيين. وقد يصيب سلوك كهذا أي طرف في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية بخيبة أمل، ولكن مع ذلك اختارت إيران إبقاء النزاع في نطاق الدبلوماسية والسماح لمفتشي الوكالة بزيارة مواقعها النووية "متى شاؤوا ."

وأود أن أشير أيضاً إلى أن المفاوضات بين ايران والوكالة تكتسب زخماً إيجابيا فقبل أسبوع واحد، ولدي عودة نائب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية،هيرمان ناكيرتس، إلى فيينا بعد إجراء محادثات في طهران، ذكرأنه قد تم إحراز تقدم في المفاوضات وأنه تقرر عقد اجتماعات إضافية في شهر يناير. كما صرح أيضاَ أنه يتوقع أن يقوم الجانبان بوضع اللمسات الاخيرة على ما أسماه "منهج منظم" يهدف إلي حل النزاع بين الطرفين، كما توقع البدء في تنفيذ هذا المنهج في القريب العاجل. كما سيتضمن ذلك المنهج المنظم، بحسب ناكيرتس، قيام وفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة الى منشأة بارشين .

إمعان النظر. ويكتب سازاك أيضا قائلاً أنه "بعد إمعان النظر،" فإن ما قدمته من حجج في مقالتي الثانية "يخالف الواقع". ولكنني أوجه إليه الانتقاد ذاته؛ فهو يؤكد أنه لا يؤيد أياً من النظريات التي تطرح فكرة محور الشر، لكنه يسترسل في نفس الفقرة ليشوه صورة إيران من خلال تصنيفها في مصاف "الدول التي تهدد بتهورها الاستقرار الإقليمي والأمن العالمي من خلال امتلاك أو السعي لامتلاك أسلحة نووية. "فإذا كانت إيران تهدد الاستقرار الإقليمي بكل ذلك التهور، فلماذا إذاً وقًعت جارتها تركيا في عام 2010، بالاضافة إلي البرازيل، على اتفاق لمبادلة الوقود النووي مع إيران؟ وطبقاً لنصوص هذا الاتفاق، كان من المفترض أن يتم شحن 120 كجم من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة الى ايران لاستخدامه في مفاعل ينتج النظائر الطبية، بينما تقوم إيران بشحن 1.2 طن من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى تركيا .

لكن الولايات المتحدة ودولاً أخرى رفضت الصفقة، وبدلاً من ذلك تم فرض عقوبات جديدة على إيران. وتبقي الحقيقة أن تركيا كانت تدعم بشكل عام اتباع نهج الدبلوماسية للخروج من المأزق بشأن برنامج إيران النووي .

إن فشل الصفقة البرازيلية التركية يقدم لنا برهاناً خطيراً آخر يثبت كيف يؤدي تشويه صورة إيران إلي تقويض أهداف معاهدة حظر الانتشار. لقد كانت العقلية الأيديولوجية الواضحة بين الولايات المتحدة وحلفائها سبباً في حرمان دولة موقعة على المعاهدة من حقوقها الثابتة. كما أن تلك العقلية أيضا، وبسبب ما تم فرضه من عقوبات — ذات تأثير وحشي علي المدنيين الإيرانيين — تضر بشكل نهائي بإمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي .

ومرة أخرى أقول، إن تحويل البرنامج النووي الايراني الى قضية أمن وإزالته من سياق المعاهدة ومن عالم الدبلوماسية لا يدعم معاهدة حظر الانتشار ولا يجعل من الشرق الأوسط منطقة أكثر أمناً. إن السبيل الوحيد لمعالجة الخلافات بشأن برنامج ايران النووي لن يكون سوى من خلال الدبلوماسية والتعاون الإقليمي .



 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]