The authoritative guide to ensuring science and technology make life on Earth better, not worse.

حظر الأسلحة النووية: ممارسة جوفاء

By Bharat Karnad: AR, July 24, 2014

منذ حوالي 300 سنة، سخر جوناثان سويفت في روايته رحلات جليفر، من المثقفين والعلماء والفنيين والعاملين غير البارعين في عصره، كما سخر أيضا من اهتماماتهم الباطنية الغامضة. فقد اكتشف جليفر في أكاديمية لاجادو الخيالية مكانا حاول فيه أصحاب المقام الرفيع تقطير أشعة الشمس من الخيار وتربية حملان لا تنتج الصوف وزراعة الأرض بالقشر بدلا من الحبوب. كما وجد جليفر مهندسا معماريا حاول بناء منازل "تبدأ ببناء السقف أولا، ثم إتمام البناء نزولا إلى الأساس". إن محاولة المهندس المعماري تحمل تشابها حقيقيا للمحاولات التي تقوم بها اليوم الدول غير الحائزة للأسلحة النووية لوضع معاهدة لحظر الأسلحة النووية.

إن جميع الدول الستة الرائدة المسلحة نوويا— الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة والهند— يصنفون من بين أفضل 10 دول في العالم حسب الناتج المحلي الإجمالي. وتمثل هذه الدول معا نحو 45 في المئة من النشاط الاقتصادي العالمي. هل يعتقد المرء بأن أقوى ستة دول في العالم، من المنظور الاقتصادي والعسكري— والتي تتحكم بأقوى أنواع السلطة القسرية— من شأنها أن تنزعج إذا دخلت دول لا تتمتع بقدر كبير من النفوذ العالمي في معاهدة تُجرّم الأسلحة النووية؟ ولا سيما إذا قدمت كوريا الشمالية وباكستان— وهما أكثر دولتين من بين الدول المسلحة نوويا لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهما فضلا عن كونهما ضعيفتين اجتماعيا وغير مستقرتين سياسيا—أسبابا مقنعة للدول الستة للاحتفاظ بقواتها النووية وزيادتها وتحديثها؟

في عصر كثر فيه الشك والريبة، تميل مبادرات نزع السلاح إلى إحداث تأثير قليل. إن المؤتمر الثاني حول الآثار الإنسانية للأسلحة النووية، الذي عقد في المكسيك في شهر فبراير، لم يكن سوى خبر عابر في الأنباء. إن الدعوى القضائية التي أقامتها جزر مارشال  ضد الدول المسلحة نوويا في محكمة العدل الدولية تبدو مجرد حب استطلاع من قبل الآخرين، إذ هي أمر يهتم به فقط الخبراء في مجال نزع السلاح ومنع انتشار الأسلحة النووية. إن أي معاهدة لحظر الأسلحة النووية يمكن تجاهلها على نحو مماثل. لأنها سوف تسير عكس اتجاه النظام الدولي— القائم على سياسة القوة، حيث يؤدي الثقل الاقتصادي والقوة العسكرية إلى موازنة الأمور في الواقع.

علاوة على ذلك، فإن العديد من الدول التي قد تحبذ وضع معاهدة لحظر الأسلحة النووية، بما في ذلك الدول الإسكندنافية وبعض "تنانين" شرق وجنوب شرق آسيا، تعتمد في أمنها الشامل على الرادع النووي الأمريكي الذي ستسعى مثل هذه المعاهدة إلى إلغائه. ولذا تتمتع هذه الدول بمصداقية قليلة عندما يتعلق الأمر بوضع معاهدة— لكن في نفس الوقت، إذا تم استبعاد هذه الدول المزدهرة من أي معاهدة تمهيدية، فإن المبادرة ستأخذ أهمية أقل مما هى عليه بالفعل.

إن التهديد بالعقوبات الاقتصادية والتقنية، وليس الحجج الأخلاقية، يحمل الدول على قبول معايير منع الانتشار النووي ونزع السلاح. وبالتالي فإن أقوى الدول— الدول المعترف بها كدول حائزة للأسلحة النووية بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية— هى التي تنفذ أساسا قيود المعاهدة. وقد اضطرت إيران لتقديم تنازلات بشأن برنامجها النووي، وأن تتوقف عند عتبة تصنيع الأسلحة، وذلك لأن الدول القوية مثل الولايات المتحدة نفذت عقوبات واستخدمت أدوات ضغط متاحة في إطار نظام حظر الانتشار العالمي. (ومن المناسب هنا أيضا التنويه بأن إيران تريد أن تكون جزءا من التيار الدولي السائد، بعكس زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ-أون).

إذا وضعت معاهدة لحظر الأسلحة النووية، ما الذي يجبر الدول المسلحة نوويا على الامتثال لها؟ إنه الإقناع الأخلاقي فقط. قد يكون ذلك صحيحا في السنوات الأولى من الحرب الباردة، كما هو الحال عندما استغل رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو بذكاء مسألة نزع السلاح لوضع القوى العظمى في موقف دفاعي أخلاقي وكغطاء سياسي "ذات وجهين" لطموحاته النووية. لكن الحجج الأخلاقية لا تهم كثيرا اليوم. لذا نرى اليابان، التي لها باع طويل في مواجهة نزع السلاح، تقوم بإعادة تفسير "دستور السلام"، حتى يمكن لجيشها أن يلعب دورا موسعا. واعتمادا على حسابات طوكيو الاستراتيجية وتصرفات منافستها الصين، فقد تقرر اليابان امتلاك أسلحة نووية. لذلك تتشكل الحسابات الاستراتيجية للدول على نطاق محدود فقط من خلال مفاهيم الخير للجميع.

فكرة أفضل. سوف يوضع الأساس لتحقيق "الصفر العالمي" وستقام ركائز منظمة لنزع السلاح، فقط عندما تقوم الولايات المتحدة وروسيا، في ظل نظام دولي يمكن التحقق منه، باعدام الأسلحة النووية من قوائم مخزوناتهما بمعدل أسرع بكثير مما تقومان به حاليا. لكن هناك شيء آخر يمكن أن تقوم به الدول المسلحة نوويا حاليا من أجل الاقتراب إلى خط بداية نزع السلاح: وضع اتفاقية، على النحو الذي دعت إليه الهند، تقضي بعدم الاستخدام الأول للأسلحة النووية. إن معظم الدول المسلحة نوويا لن تخسر شيئا جرّاء الموافقة على هذه الاتفاقية— إذ تزعم هذه الدول أنها بالفعل تتحلى بالعقلانية والمنطقية أو تتنصل تماما من عدم الاستخدام الأول للأسلحة النووية أو تتنصل منه باستثناء الطوارئ القصوى.

لا تحتوي العقيدة النووية الباكستانية على أي شرط يقضي بعدم الاستخدام الأول للأسلحة النووية. وعلى الرغم من أن كوريا الشمالية قد سنت قانونا يحتوي على عبارات تشبه سياسة عدم الاستخدام الأول، فإنها تقوم بتصرفات وتطلق لغة خطاب تميل إلى تقويض أي ضمان بعدم الاستخدام الأول. لكن حتى الدول التي تتبنى فلسفة الاستخدام الأول من أجل تخويف دول أخرى يفترض أنها تهدد وجودها يمكن أن توقع على اتفاقية تقضي بعدم الاستخدام الأول— بشرط أن توقع القوى النووية الرئيسية الستة أولا.

أن وضع مثل هذه الاتفاقية تساعد على بناء الثقة في جدوى الجهود الرامية إلى تحقيق نزع السلاح الكامل. ورغم ذلك، يشير تاريخ التسلح إلى أن الدول سوف تتخلص من الأسلحة النووية فقط عندما يكون هناك أسلحة أكثر فتكا تحل محلها. في الوقت الراهن، فإن أي معاهدة لحظر الأسلحة النووية ستكون معاهدة رمزية فارغة— بمثابة ممارسة جوفاء تؤديها الدول الأقل قوة والتي قد تسعى إلى معادلة الملعب الاستراتيجي في العالم. ستكون المعاهدة بمثابة وخزة أخرى للضمير الإنساني.



Topics: Nuclear Weapons

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]