القرارات النووية والعواقب طويلة الأمد

By Eugene Miasnikov: AR, February 13, 2015

كتب ماثيو كرونيج في مقاله الثاني أن "الولايات المتحدة تناقش أمر التحديث، لكن روسيا تقوم باستكماله". لكن ليس من الواضح ما الذي يعنيه زميلي. هل يعتقد كرونيج أن ترسانة روسيا النووية تفوق نوعيا ترسانة الولايات المتحدة؟ إن مثل هذا الاعتقاد لا أساس له في الواقع. إذا كان هناك تكافؤ نووي تقريبي بين البلدين في نهاية الحرب الباردة، لم يكن باستطاعة روسيا أن تتفوق على الولايات المتحدة في السنوات الفاصلة. كما أن تطوير التقنيات العسكرية في روسيا كان متواضعا جدا على مدى العقدين الماضيين. ومعظم الصواريخ الاستراتيجية والغواصات الروسية الجديدة التي تم نشرها خلال تلك الفترة كانت معتمدة في الغالب على التقنيات التي تم تطويرها في أواخر الثمانينات. وعمل مقارنة بسيطة بين النفقات الأمريكية والنفقات الروسية على صيانة الأسلحة النووية وتحديثها يهدم فكرة أنه كان بإمكان روسيا أن تتفوق على الولايات المتحدة.

إذا لم يكن سبب كرونيج الجوهري بشأن التحديث النووي الأمريكي ليس هو كون ترسانة الولايات المتحدة هى الأقل شأنا، فهل يقصد بدلا من ذلك أنه يجب أن تهيمن الولايات المتحدة على العالم من حيث القدرات التقليدية والنووية؟ لقد كانت "لو ين" محقة تماما عندما قالت في مقالها الثاني أن الدول تقوض الأمن العالمي عندما تسعى وراء أمنها المطلق. ويبدو أن كرونيج يسعى وراء أمن الولايات المتحدة المطلق، وبالتالي فهو يتجه في مسار يؤدي إلى صراع عالمي بدلا من سلام عالمي.

وفي إدعاء آخر مشكوك فيه، كتب كرونيج يقول"… تحتفظ روسيا بآلاف الأسلحة النووية لميدان المعركة وهى جاهزة للاستخدام، وذلك في مخالفة لوعودها عقب نهاية الحرب الباردة". هذا الادعاء غير صحيح تماما. فقد أتمت روسيا بنجاح معظم الأعمال التنفيذية المتعلقة بالمبادرات النووية الرئاسية في بداية التسعينات، والتي بموجبها تعهد الجانبان بخفض ترساناتهما من الأسلحة النووية التكتيكية. وفي الوقت الحالي، فإن جميع الأسلحة النووية غير الاستراتيجية الروسية مخزّنة في مستودعات مركزية تديرها الإدارة الرئيسية الـ12 التابعة لوزارة الدفاع. وهذه الأسلحة لم يتم نشرها مع وسائل الإيصال. وهى غير جاهزة للاستخدام— بعكس، مثلا، العديد من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات على كلا الجانبين، التي يتم الاحتفاظ بها في حالة تأهب ويمكن إطلاقها في غضون بضع دقائق.

لم تتعهد روسيا قط بالتخلص من أسلحتها النووية غير الاستراتيجية دون قيد أو شرط. ومع ذلك، في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، سحبت روسيا جميع أسلحتها النووية المتمركزة في أراضي حلفائها السابقين في أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفيتي السابق. لكن عندما سحبت موسكو قواتها من هذه المناطق، لم تكن تتوقع أن الغرب سيسعى لتوسيع تحالفه العسكري بالقرب من حدود روسيا. وفي الوقت نفسه، تواصل الولايات المتحدة إقامة قواعد للأسلحة النووية التكتيكية في أوروبا. وهذا يمثل عقبة رئيسية أمام إحراز تقدم في مشكلة الأسلحة النووية غير الاستراتيجية. وعلى أية حال، هناك توافق عام في الآراء في مجتمع الحد من التسلح بأن الولايات المتحدة وروسيا تمتلكان أعدادا مماثلة من الرؤوس الحربية النووية. وبإحصاء الرؤوس الحربية الاستراتيجية وغير الاستراتيجية، سواء المنتشرة أو غير المنتشرة— لكن لا يشمل ذلك الرؤوس الحربية المعدة للتفكيك— فإن كل جانب يملك حوالي أربعة آلاف إلى خمسة آلاف رأس حربي. إن التركيز كثيرا على الرؤوس الحربية غير الاستراتيجية يحجب هذا التعادل الكمي.

ثمة شئ آخر بحاجة للنظر وهو تأكيد كرونيج أن روسيا انتهكت معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى باختبارها صاروخ جديد. يحتاج المرء إلى توخي الحذر في التوصل لمثل هذه الاستنتاجات. تشير الأدلة المتاحة علنا بأن المسألة ليست أمرا محسوما. في الواقع، لقد أثار كلا الطرفين قضايا امتثال متعلقة بهذه المعاهدة. وإذا كانت الولايات المتحدة وروسيا تؤمنان بأن المعاهدة لا تزال مهمة، فينبغي أن يعيدا اجتماع اللجنة الخاصة بالتحقق، والتي أنشئت خصيصا لتسوية قضايا الامتثال. إن الاستمرار في توجيه الاتهامات العلنية لن ينقذ المعاهدة.

وأخيرا، فيما يتعلق بالوضع في أوكرانيا وما حولها، فإن هذه الأزمة تمثل بالتأكيد حجر عثرة كبير في التعاون المنفعي المتبادل بين الولايات المتحدة وروسيا. لكن كرونيج يأخذ وجهة نظر بسيطة للغاية (وغير صحيحة) عندما كتب أن "روسيا قامت بشكل عنيف باحتلال شبه جزيرة القرم وغزو منطقة دونباس شرق أوكرانيا". إن القضايا المحيطة بالأزمة تمتد إلى ما هو أبعد من نطاق هذه المائدة المستديرة. ومع ذلك، هناك نقطة واحدة تستحق النظر: الوضع في أوكرانيا اليوم هو نتيجة مأساوية لقرارات اتخذت منذ فترة طويلة— وبخاصة، إنشاء خطوط تقسيم مصطنعة لم تكن موجودة من قبل.

إن الأمر متروك للشعب الأمريكي لاتخاذ القرار بشأن الحجم المستقبلي لترسانته النووية وكم التحديث الذي سوف تتطلبه. لكن من المهم أن نضع في الاعتبار أن مثل هذه القرارات سيكون لها آثار عميقة على بقية العالم. هذه القرارات قد تؤدي إلى، على حد تعبير كرونيج، "تخفيض في حالات التوتر بين جميع الدول"، والذي من شأنه أن يفضي إلى مزيد من التخفيضات النووية. أو أنها قد تصبح مصدرا لمزيد من التوتر وعدم الثقة.



Topics: Nuclear Weapons

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]