The authoritative guide to ensuring science and technology make life on Earth better, not worse.

لن تُوقف أنصاف الإجراءات انتشار الصواريخ

By Masako Ikegami: AR, September 12, 2016

أليس بالإمكان –وفقا لما اقترحه زميلي بالمائدة المستديرة  واغورو بال سينغ سيدو- الحد من التهديدات التي فرضتها الصواريخ إذا ما تبنت الدول المسلحة نوويًا سياسات عدم البدء بالاستخدام وتوقفت عن وضع قواتها الصاروخية في حالة تأهب؟ بلى بكل تأكيد. فإذا ما حدث مثلًا وأعلنت إدارة أوباما بالفعل عن تبنيها لسياسة عدم البدء بالاستخدام التي أفادت التقارير قيامها بالنظر في أمر تفعيلها، سيقل لدى دول كالصين على سبيل المثال الحافز الذي يدفعها إلى تعزيز قدرتها النووية في الرد على الضربة الأولى. ونلاحظ أيضا كما أوضح سيدو أن الخطوات التي يقترحها سوف تتوافق مع المبادىء التي تتضمنها معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، وهي المعاهدة التي تعد –حسب رؤيتي الشخصية- صكًّا من الممكن أن يشكل أساسًا ل"وقف (واستمرار وقف) التهديدات المزدوجة التي تفرضها الصواريخ والأسلحة النووية غير الاستراتيجية."

غير أن الخطوات التي اقترحها سيدو لن تُوقف انتشار الصواريخ. ولماذا إذن؟ دعونا نستهل حديثنا قائلين أنه على الرغم من انحسار أخطار وقوع حرب نووية مفاجئة إذا ما حدث وقف لحالة تأهب الأسلحة وتفعيل لسياسات عدم البدء بالاستخدام، إلا أن تلك الخطوات لن تحد بالضرورة من الترسانات النووية التي تعد واحدة من الدوافع الأساسية للانتشار النووي. ليس ثمة علاقة تربط بين المبدأ النووي وحالة التأهب وبين حجم الترسانات ولهذا فإنه بإمكان الدول المسلحة نوويا أن توقف حالة تأهب قواتها النووية وتنتهج سياسات عدم البدء بالاستخدام على أسس عالمية دون أن تقترب في الوقت ذاته من ترساناتها النووية. وهذا يعني أن سياسة عدم البدء بالاستخدام ووقف حالة التأهب لا تقدمان سوى القليل فيما يتعلق بالمبدأ التأسيسي الداخل ضمن معاهدة القوى النووية متوسطة المدى والقائم على قكرة الحد من الترسانات النووية أو التخلص منها تمامًا على اعتبار أن هذا هو السبيل الأمثل لمنع انتشار الصواريخ.

ويزيد على هذا أن وقف حالة التأهب والتبني واسع النطاق لسياسة عدم البدء بالاستخدام قد لا يمنع حتى الحرب النووية التي قد تنشب في المواقف المتأزمة وتدور رحاها بين تجمعات لقوى غير متناظرة إلى حد بعيد للغاية. وتمارس باكستان سياسة عدم البدء بالاستخدام باعتبارها سياسة موازنة لتفوق الهند في مجال القوى التقليدية. كما لم تفصح الصين عن نواياها فيما يتعلق بالمستقبل البعيد لسياسة عدم البدء بالاستخدام. ومن السهل علينا أن نتصور شروع تلك الدول في استخدام السلاح النووي حال تعرضها لخسارة الصراع التقليدي الكبير.  

ويجدر بنا في هذا المقام أن نستدعي ما صرحت به بكين وبيونغ يانغ عندما أجريتا أول اختبار نووي لهما إذ ادعيتا اضطرارهما لخوض المسار النووي ردًّا على تهديدات  أمريكا النووية وابتزارها. وتستدعي التهديدات النووية درجة بالغة من الشعور بانعدام الأمان في الدول التي تقع تحت وطأة التهديد وقد تسبب الشعور بانعدام الأمان في دفع بعض الدول غير النووية إلى تطوير سلاح نووي، بينما سيق البعض الآخر نحو نشر الصواريخ. ولا شك أن التهديدات والابتزازات وانعدام الأمان النفسي تمثل عناصر أساسية في مسألة انتشار الصواريخ، إذ من غير الممكن التصدي لتلك القضايا على نحو ملائم باتخاذ اجراءات فنية كالرقابة على تكنولوجيا الصواريخ أو وقف حالة التأهب أو تطبيق سياسات عدم البدء بالاستخدام.

وكان مما قال توماس شيلينغ وقت حصوله على جائزة نوبل في الإقتصاد لعام 2005 أن "حالة المقت التي تسود العالم بأسره تقريبا من السلاح النووي"  منذ عام 1945قد "غرس بذورها الصمت العالمي." ولكنه تساءل "عما إذا كان الحظر واسع الانتشار للسلاح النووي" الذي يعد "كنزا جديرا بالحفاظ عليه" سوف يدوم أم لا. فلدى عمليات انتشار الصواريخ من الإمكانات ما يؤهلها لخفض مستوى استخدام السلاح النووي.

ومن الممكن دون شك اعتبار "أزمة الصواريخ الكوبية التي شهدها القرن الحادي والعشرين" نتاجًا لانخراط دول مسلحة نوويًا في مناطق متوترة في عمليات نشر الصواريخ خاصة إذا كانت تلك الدول تفتقر إلى المقومات الأساسية لبناء الثقة. ويكشف هذا الحاجة الماسة إلى بذل جهود حثيثة لبناء الثقة في مناطق الشرق الأوسط وشمال شرق آسيا وهي مناطق تحظى بقدر كبير من الإهتمام.ألا تتذكرون معاهدة القوى النووية متوسطة المدى وكيف أن إبرامها قد تتطلب بذل جهود في بناء الثقة لعشرات السنوات في وقت بلغت فيه الحرب الباردة أوجها وكان لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا اليد الطولى في بذل تلك الجهود (وقد حظيت المنظمة مؤخرا بمصداقية كبيرة نظرا للجهود التي بذلتها في وقف الصراع بأوكرانيا). وقد يصبح الطريق ممهدا في نهاية الأمر، بعد بذل جهود حثيثة طويلة المدى في مجال بناء الثقة إقليميا، لإبرام معاهدة مماثلة لمعاهدة القوى النووية متوسطة المدى في مناطق آسيا والشرق الأوسط.


Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]