نحو نظام عدم انتشار أكثر إنصافا وفعالية

By Naeem Ahmad Salik (AR), May 8, 2012

اجتماع المائدة المستديرة هذا يطرح تساؤلا وهو كيف تضمن الدول الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي انفاذ بنود المعاهدة بإنصاف؟ لكن نظرا لأن المعاهدة تتسم بعدم التوازن بين حقوق والتزامات الدول الموقعة – حيث تقسمهم المعاهدة إلى دول “تمتلك” القدرة النووية وأخري ” لا تمتلك” – ففكرة الإنصاف في انفاذ المعاهدة تبدو بصراحة سريالية إلى حد ما. بالإضافة الى ذلك، كلمة “انفاذ” كلمة قوية، لأنها تحمل دلالات القوة (في الواقع، مقاومة الانتشار هو بالفعل الخيار المفضل للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مقابل عدم الانتشار – كما تمثل ذلك بشكل ملحوظ في الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة على العراق في عام 2003). قد تكون كلمة “تطبيق” هي الخيار الأفضل لموضوع اجتماع المائدة المستديرة هذا.      

ظلت المعاهدة محورا للنظام العالمي لعدم الانتشار لأكثر من أربعة عقود، لكن سجل انجازاتها يبدومختلطا. حققت المعاهدة إلى حد كبير الهدف المعبر عنه في اسمها وهو منع إنتشار الأسلحة النووية. في فترة الستينيات، توقع بعض المحللين أنه خلال عقود سيكون هناك ما بين 25 إلى 30 دولة لديها أسلحة نووية ، لكن في واقع الأمر يوجد اليوم تسع دول فقط تمتلك أسلحة نووية.

مع ذلك، عانت المعاهدة دائما من عدم كفاية هياكل الدعم المؤسسي؛ فالمهام الرقابية لمعاهدة حظر الانتشار النووي يتنم تنفيذها من خلال نظام الضمانات التابع لوكالة الطاقة الذرية الدولية، ويتم استكمالها من خلال أنظمة الرقابة على الصادرات — لكن الإجراء الوحيد الذي يمكن أن تتخذه الوكالة في حالات عدم الامتثال هو الإحالة إلى مجلس الأمن في الامم المتحدة .

علاوة على ذلك، تآكلت مصداقية المعاهدة في بعض الأحيان على مدى العقود الأخيرة على سبيل المثال من خلال العراق وليبيا وسعي سوريا السري لامتلاك أسلحة نووية. والمخاوف الحالية بشأن الطموحات النووية لإيران تمثل أيضا تحديا لمصداقية المعاهدة. لكن ذلك، أيضا، يتضمن إجراءات معينة تقوم بها الدول المعترف بحيازتها للأسلحة النووية. الولايات المتحدة تنشر أسلحة نووية لاستخدامها في مسرح العمليات وساحة المعركة في ألمانيا وغيرها من دول حلف شمال الأطلسي، كما قامت روسيا بتأجير غواصة تعمل بالطاقة النووية للهند . هذه التصرفات تنتهك على الأقل روح المعاهدة .

في الوقت نفسه، العديد من الدول لديها احباطات متعلقة بمعاهدة حظر الانتشار النووي، سواء أكانت حائزة لأسلحة نووية أم غير حائزة. فالدول غير الحائزة للأسلحة النووية تنازلت عن حقها في تطوير أسلحة نووية عندما انضمت إلى المعاهدة؛ وفي المقابل، تم الاعتراف بحقها غير القابل للتصرف في استخدام التقنية النووية للأغراض السلمية، وتلقت وعودا من القوى النووية بمساعدتها في الحصول على هذه التقنية. من جانبها، تعهدت الدول الحائزة للأسلحة النووية بالدخول في مفاوضات بحسن نية للتوصل في نهاية المطاف لنزع السلاح النووي. لكن الدول غير الحائزة للأسلحة النووية تشكو أحيانا من أن الدول الحائزة للأسلحة النووية لم تقدم لها المساعدة الكافية للحصول على التقنية النووية للأغراض السلمية ولم تحقق تقدما كافيا نحو نزع السلاح. الدول الحائزة للأسلحة النووية، من ناحية أخرى، لا تزال تشعر بالقلق من احتمال إساءة استخدام التقنية النووية السلمية من قبل بعض الدول غير الحائزة للأسلحة النووية .

لمعالجة احباطات كلا المجموعتين من الدول، يمكن إنشاء اتحاد دولي تحت إشراف وكالة الطاقة الذرية الدولية، بحيث يكفل للدول الحصول على امدادات مضمونة من التقنية والوقود في مقابل أمرين: أولا، اتخاذها ترتيبات لإعادة الوقود المستنفد، وثانيا، انضمامها للبروتوكول الإضافي لاتفاقية الضمانات بمعاهدة حظر الانتشار النووي — والذي تمت صياغته لتعزيز نظام تفتيش الوكالة بعد اكتشاف نطاق الأنشطة الخاصة بالأسلحة النووية في العراق عقب حرب الخليج عام 1991. (لم توقع دول عديدة على البروتوكول، أو فشلت في التصديق عليه). لكن، في ظل أي اتحاد من هذا القبيل، يجب أن يكون الحصول على التقنية النووية والوقود مستندا إلى معايير موضوعية على نحو صارم، وليس خاضعا للتفضيلات السياسية لدول بعينها.

إضافة لذلك، يجب تعزيز الموارد البشرية والمالية لوكالة الطاقة الذرية الدولية بطريقة فعلية. إن تعزيز هذه الموارد يتطلب بدوره أن تشترك الدول الأعضاء في تحمل الأعباء على نحو متساوٍ، حتى لا تتمكن القوى العظمى من ممارسة نفوذها الواسع بسبب مساهماتها المالية الكبيرة.

ثمة أمر آخر طالما مثل مشكلة لمعاهدة حظر الانتشار النووي وهو الدول الثلاث التي لم توقع على الاتفاقية – الهند وإسرائيل وباكستان، والتي تمتلك جميعها أسلحة نووية. (كوريا الشمالية، الدولة الوحيدة التي انضمت لنظام عدم الانتشار ثم انسحبت منها، تمتلك أيضا قدرات نووية). بموجب المعاهدة بصيغتها الحالية، يمكن للدول خارج الاتفاقية أن تنضم للمعاهدة كدول غير حائزة للأسلحة النووية، الأمر الذي تعتبره الهند وباكستان غير مقبول. إدخال تعديل على معاهدة حظر الانتشار النووي قد يحل هذه المشكلة، لكن إجراءات التعديل معقدة، والكثير يتخوف من أن فتح معاهدة حظر الانتشار النووي للتعديل سيكون بمثابة فتح صندوق باندورا. ولذلك، فإن المشكلة تبدو للعديد عسيرة الحل .

مع ذلك، قد يكون من الممكن، وبدون تشويه المعاهدة على نحو غير ملائم، صياغة بروتوكول إضافي تقوم بموجبه الدول خارج الاتفاقية بتحمل الالتزامات التي قبلتها الدول الأخرى الحائزة للأسلحة النووية في مقابل قبول وضعها كدول حائزة للأسلحة النووية. وفي نهاية المطاف، فإن النجاح في إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط سوف يحل المشاكل الإسرائيلية والإيرانية على حد سواء. كما يمكن حل مشكلة كوريا الشمالية في المستقبل من خلال عملية المحادثات السداسية، أو من خلال اتفاق ثنائي بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة. عندئذ، ستكون قد تحققت عالمية المعاهدة .

الآن ولاحقا. هذه الأهداف طموحة ولن تتحقق على الفور. في الوقت الحالي، يمكن أن تتخذ وكالة الطاقة الذرية الدولية بالتعاون مع الدول الموردة للمواد النووية العديد من الخطوات التي يمكن أن تعزز النظام العالمي لعدم الانتشار. إحدى هذه الخطوات هي إنشاء “مواقع حاضنة للطاقة نووية” ، وهو ترتيب تقوم بموجبه دولة موردة أو اتحاد دولي ببناء وتشغيل مفاعلات الطاقة النووية في المواقع التي تقدمها الدول المضيفة؛ حيث يوفر المورد أو الاتحاد الوقود الخاص به ثم يتخلص منه فور استنفاده، دون إشراك القوى العاملة المحلية. فكرة أخرى قد تستحق الدراسة هي بناء محطات توليد للطاقة على متن سفن راسية في الموانئ وتوصيلها بشبكات الكهرباء المحلية. كذلك يمكن أن تفوض الوكالة بإجراء دراسات تهدف إلى تطوير تقنيات مقاومة للانتشار النووي والتي يمكن أن تقلل من إمكانية التحويل والغش.

لتحقيق ذلك، يمكن للوكالة الاستفادة من مجموعة الخبراء خاصتها، ويمكن استخدام الدول المتقدمة لبحث هذه الأنظمة. في الوقت نفسه، ينبغي على الدول الخمس المعترف بها كحائزة للأسلحة النووية أن تبدي إلحاحا أكثر فيما يتعلق بتوفير ضمانات الأمن السلبية للدول غير الحائزة للأسلحة النووية، والتخفيف من مخاوفهم الأمنية والحد من الحوافز التي تدفعهم للحصول على أسلحة نووية. (ضمانات الأمن السلبية هي بالفعل على جدول أعمال مؤتمر نزع السلاح، لكن إلى الآن لم يتم تناولها في مناقشات جادة) .

يجب كذلك البدء في عقد مفاوضات للتوصل لاتفاقية تجرم الأسلحة النووية. مثل هذه المفاوضات قد تمتد لسنوات عديدة، لكن في الوقت نفسه، الخطوات المذكورة أعلاه قد تعزز نظام عدم الانتشار النووي وفي نهاية المطاف تجعله عالميا، وهذا من شأنه أن يساعد في توفير ضمانات للجميع .



 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]