The authoritative guide to ensuring science and technology make life on Earth better, not worse.

مسار واضح ومسافرون حائرون

By Sagar Dhara: AR, November 12, 2015

لطالما أقنع البشر أنفسهم بأن التكنولوجيا ستنقذهم من الكارثة، كما أخذوا يمنون أنفسهم بأسطورة الخصوبة لأرضٍ مواردها غير محدودة. وقدعانت بعض المجتمعات  ــ مثل الماياويين ــ من انهيارات تامة عندما فشلت تقنياتهم أوعندما شحت موارد الطاقة أو الموارد المادية. وسيواجه البشر مأزقاً مماثلاً في المستقبل غير البعيد جداً إذا وضعوا ثقة مفرطة في المعالجات التكنولوجية للتغير المناخي دون تاكيد كافٍ على ضرورة إحداث تغييرات سياسية وفلسفية. لكن تلك الثقة المفرطة في التكنولوجيا هي ما عرضه وأبرزه زملائي في المائدة المستديرة "جيني ستيفنز" و"إليزابيث ويلسون" و"سليم الحق" في مناقشات الجولة الأولى من المائدة المستديرة، عندما تحدثوا عن طاقة الرياح وتقنية الطاقة الفولتضوئية المولدة عبر الأسطح.

وقد ناقشت في مقالي الأول عوامل عدة تقيد تقنيات الطاقة الفولتضوئية وطاقة الرياح ــ من ناحية تقطّعها ومتطلباتها بالنسبة للأراضي المستخدمة لأغراضها، إلى غير ذلك من المعوقات. ولم تكن لدي مساحة كافية لذكر بعض القيود الأخرى الإضافية، ومنها اعتماد كل من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على عناصر أرضية نادرة يحتمل أن تصبح شحيحة خلال 20 عاماً أو نحو ذلك. وقبل خمسة أعوام فقط، كانت الصين تنفرد بإنتاج 95 بالمئة من إنتاج العناصر الأرضية النادرة، مما أثار مخاوف من أنها قد تمارس تحكماً احتكارياً. ومنذ ذلك الحين، انخفض نصيب الصين من الإنتاج، وإن كانت لا تزال تمتلك أكبر احتياطي من العناصر الأرضية النادرة بفارق شاسع، كما لا تزال المخاوف من السلوك الاحتكاري قائمة. في الوقت ذاته، فإن تقنيات الطاقة المتجددة التي يمكن الاستفادة منها دون اعتماد على العناصر الأرضية النادرة، لاسيما التقنيات الفولتضوئية، ليست قريبة من الانتشار التجاري.

وكما ذكرت بشكل عابر في الجولة الأولى من مناقشات المائدة المستديرة، فإن تصنيع اللوحات الفولتضوئية سينتج عنه انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وفي واقع الأمر، أظهرت تحليلات الدورة الحياتية للخلايا الفولتضوئية أنه في حال نمو التصنيع بمعدل سنوي يتجاوز معكوس زمن "استرجاع" ثاني أكسيد الكربون الصادر عن تصنيع اللوحات، فإن الخلايا الفولتضوئية ستتسبب في انبعاثات خلال عملية تصنيعها أكثر من التي ستُخزن خلال استخدامها. لتوضيح ذلك، فإن متوسط فترة "استرجاع" ثاني أكسيد الكربون بالنسبة للخلايا الفولتضوئية يقارب الآن ثمانية أعوام ــ مما يعني أن وتيرة نمو الخلايا الفولتضوئية تجب ألا تزيد عن 12 بالمئة سنوياً كي تصبح مؤهلة كعامل مخفف صافٍ لثاني أكسيد الكربون. لكن في حقيقة الأمر، نمت الخلايا الفولتضوئية بمعدل سنوي بلغ 40 بالمئة من عام 1998 حتى عام 2008، وبمعدل 59 بالمئة بين عامي 2008 و2014. وبالتالي كانت الخلايا الفولتضوئية مصدراً صافياً للانبعاثات لأعوام. ولإبدال الوقود الأحفوري بالخلايا الفولتضوئية في توليد الكهرباء فقط (ناهيك عن النقل والمواصلات أو المجالات الأخرى) ـــ مع النمو بمعدل أبطأ من الذي يتيحه "استرجاع" الكربون ــ فربما سنكون بحاجة إلى 50 عاما، والانتظار لمدة كهذه حتى يتم الاستغناء عن الوقود الأحفوري طويل للغاية.

أما طاقة الرياح، فمشكلتها مختلفة تماما، وفقاً لما أوضحه بحث حديث حول مزارع الرياح في كانساس. يشير هذا البحث إلى أن التوربينات في مزارع الرياح الكبرى خلال إزالتها الطاقة الحركية من التيار الجوي المتدفق، فإنها تقوم بتخفيض سرعات الرياح، وبالتالي تقيد معدلات توليد الكهرباء. ولهذا السبب تمثل طاقة الرياح المستغلة مورداً صغيراً للغاية مقارنة بالطلب الحالي على الطاقة. وعليه فإن طاقة الرياح لا يمكن أن تحل محل الوقود الأحفوري (مع تسببها في الوقت نفسه في مشاكل بيئية مثل وفيات الطيور).       

ورغم اختلافي مع النظرة المتفائلة بالتكنولوجيا التي عبر عنها "سليم الحق" و"ستيفنز" و"ويلسون" ــ وهو تفاؤل قائم على تجارب محدودة وصغيرة للغاية بدلاً من منظور عالمي شامل للطلب على الطاقة والعوائق التي تعترض نشر الطاقة المتجددة، وغير ذلك من المشكلات ــ لكني أتفق معهم في نقاط محددة. إذ أتفق مع "سليم الحق" في أن "الانتقالات من الوقود الحفري إلى تقنيات الطاقة النظيفة تجب أن تكون النموذج في كل دولة ــ غنية كانت أو فقيرة"، رغم المشكلات المرتبطة بالطاقة المتجددة. كما أتفق مع "ستيفنز" و"ويلسون" في أن التغلب على المقاومة السياسية والمؤسسية والثقافية للتغيير يمثل جزءاً رئيساً من تحقيق الانتقالات بين أنواع الطاقة (والتي بالنسبة لي تشمل تأسيس عدالة دولية في استخدام الطاقة، وتقليل استهلاك الطاقة).

لاشك أنه إذا أمكن تنفيذ حلول المشاكل غير التقنية، سيصير من الممكن خفض الانبعاثات سريعاً وبدرجة كبيرة ــ مع إرجاء التقنيات الشمسية المحسنة حتى تنضج وتنتشر. لكن الحلول التي تدور في عقلي قد تختلف من تلك الحلول التي يتصورها زملائي. على سبيل المثال، أتصور أن العالم سوف يلين ويستجيب، وستنتهي به الحال في النهاية إلى اقتلاع الحدود بين دوله. وقد يسهم ذلك في التخلص من نحو 10 بالمئة من الانبعاثات في العالم على الفور لأن الجيوش الموجودة حالياً، بما يصدر عنها من انبعاثات هائلة، سيقل عددها إلى أدني حد. وسيذهب الناس، كما فعلوا لآلاف السنين قبل ظهور الوقود الأحفوري، إلى حيث توجد الطاقة بدلاً من العكس، مما سيؤدي إلى خفض كلٍ من الانبعاثات وتكاليف نقل الطاقة. كما أن حظر النقل الجوي والنقل السطحي الخاص المعتمد على الوقود الاحفوري قد يسهم في التخلص من 10 بالمئة أخرى من الانبعاثات. وقد يفضي تقليص عدد المدن وإعادة الطابع الريفي إلى العالم إلى خفض 10 بالمئة إضافية. تغييرات كهذه، حال تحقيقها، من شأنها أن تضع العالم على طريق يؤدي إلى الاستدامة والسلام والمساواة.  

إن الطريق قُدماً واضح، لكن استعداد العالم للانطلاق فوقه أمر تكتنفه شكوك كبيرة.



Topics: Climate Change

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]